الثلاثاء 17 / جمادى الأولى / 1446 - 19 / نوفمبر 2024
(1) حديث أبي هريرة رضي الله عنه ثلاث دعوات مستجابات
تاريخ النشر: ١١ / ذو القعدة / ١٤٣١
التحميل: 523
مرات الإستماع: 1250

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

ففي كتاب آداب السفر، وباب استحباب الدعاء في السفر، قال المصنف -رحمه الله-:

"عن أبي هريرة قال: قال: رسول الله ﷺ: ثلاث دعوات مستجابات، لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده رواه أبو داود[1]، والترمذي[2]، وقال: حديث حسن. وليس في رواية أبي داود: على ولده".

 استحباب الدعاء في السفر؛ لأنه مظنة الإجابة؛ لقوله ﷺ في هذا الحديث: ثلاث دعوات مستجابات، لا شك فيهن أي: لا شك في إجابة الدعاء فيهن؛ وذلك ليس للحصر، فقد جاء عن النبي ﷺ ما يدل على أحوال وأوقات للإجابة، غير ما ذُكر، كالإمام العادل، ودعوة الصائم حتى يفطر يعني في حال صومه، وليس المراد أن للصائم دعوة مستجابة عند فطره، فهذا لا دليل عليه، وما ورد من الرواية في ذلك فإنها ضعيفة، لا تصح، وإنما المقصود: أن الصائم له دعوة مستجابة، طالما أنه في حال الصيام، ولا يختص هذا عند الفطر، وإنما للصائم فرحتان، فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، هذا في الفرحة، أما في الدعاء فإنه -كما سبق- لا يختص بحال الفطر، والله تعالى أعلم.

فهنا قال: ثلاث دعوات مستجابات، لا شك فيهن، دعوة المظلوم يعني: على ظالمه، وهذا مقيد بأن يكون بقدر مظلمته؛ لأن الإنسان قد يُظلم فيَظلم بدعائه أعظم مما ظلم به، يعني هذا الإنسان مثلاً ظلم بمظلمة يسيرة كأن يكون اغتابه إنسان، أو أنه أُخذ عليه مثلاً شيئًا يسيرًا، أو سُرق منه نعله مثلاً عند باب المسجد، أو نحو هذا، فيدعو على هذا الإنسان السارق الذي ظلمه بأن الله ييتم أطفاله، ويرمل نساءه، وأن يجمد الدم في عروقه، وأن يأخذه أخذ عزيزًا مقتدر، ودعاء كبير على أمر يسير، فهذا يكون ظالمًا بهذا الدعاء، ومثل هذا الظالم لا يستجاب له، لكن الإنسان إن لم يعف، وأراد أن يدعو فإنه يدعو بقدر المظلمة، وقد لا يستطيع أن يضبط ذلك، فقد تكون تعاظمت في نفسه هذه المظلمة، وهي لا تستحق، فيقول: "اللهم جازه بما يستحق مثلاً"، أو "اللهم انتقم لي منه" ولا يحدد شيئًا بدعائه، فمثل هذا يأمن معه من أن يقع في زيادة وتجاوز وظلم في دعائه على من ظلمه.

فالحاصل: أن المظلوم له دعوة على الظالم مستجابة، حتى يستوفي حقه، وهذا فيه تسلية للمظلوم بأن الله يستجيب دعاءه.

قال: ودعوة المسافر يعني: حتى يرجع، وهذا أيضًا فيه جبر لقلب المسافر، كما فيه جبر قلب المظلوم، فالمظلوم قلبه منعصر بسبب الظلم، ونفسه منكسرة، وكذلك المسافر يجد من المشقة والتعب والعناء من السفر ما يحصل معه ضعف في النفس بسبب الاغتراب، وترك الأهل والأحباب، ومواجهة الأخطار، وما إلى ذلك، فقد جبر الشارع له ذلك، فجعل له دعوة مستجابة، فيحرص الإنسان أن يدعو في السفر، وقد يجتمع له هذا وهذا، وقد يجتمع له أكثر من سبب، كآخر ساعة من الجمعة مثلاً، وهو مسافر، وقد يكون صائمًا، وقد يكون مظلومًا، فقد يدعو على ظالمه في آخر ساعة من الجمعة، في حال السفر، وهو صائم، وهي دعوة مظلوم، فاجتمع فيها أربعة أسباب للإجابة، فينبغي للإنسان أن يتحرز، فلا يظلم أحدًا، فتصيبه دعوته.

قال هنا: ودعوة الوالد على ولده وفي رواية: لولده[3]، وفي بعض الروايات لم يذكر الولد، وإنما قال فقط: ودعوة الوالد[4]، لكن ما حُذف معلوم، وهو أنه دعوة الوالد على الولد، والوالد هنا يصدق على الأم والأب، وبعضهم قيده بأن يكون الوالد مظلومًا، بأن كان الولد ظالمًا له بالعقوق، ونحوه، أما إذا كان الدعاء من غير سبب، قالوا: فلا يستجاب له، لكن ينبغي للولد أن يتحفظ من ذلك غاية التحفظ، وأن يبتعد عن أسباب دعاء الوالد، فيبتعد عن الأسباب التي تثير مشاعر الوالد، أو الوالدة على ولده، فيدعو عليه، ولو كان بغير حق؛ ولهذا نهى النبي ﷺ فقال: لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء، فيستجيب لكم[5]، فعلل ذلك بكراهية أن توافق ساعة إجابة فيستجاب له.

فدعوة الوالد على ولده مستجابة، ولكن إن كان ذلك من غير سبب منه، مع بذل الجهد في البر، فإن هذا لا يضره -إن شاء الله- فبعض النساء مثلاً تأمر ابنتها أن تعمل في مكان فيه اختلاط، وتقول: أو أدعو عليكِ، أو تأمرها أن تتزوج بإنسان لا يصلي، ولا يعرف ربه، وتقول: وإلا أدعو عليكِ، فمثل هذا لا يستجاب.

ومثل هذه تبذل الجهد بالتلطف والنصح والبر والإحسان، وتوسط من يكلمها، ثم بعد ذلك إذا لم تفلح، فأمرها إلى الله، ولا يقدم الإنسان على أمور لا يجوز له الإقدام عليها، خشية أن يصيبه دعوة الوالد، والله تعالى أعلم.

وقال: دعوة الوالد على ولده باعتبار حق الوالد العظيم، ومنزلته، ومكانته، فهو سبب لوجود هذا الولد، وهذا خبر الصادق المصدوق، والواقع يصدقه، فقد حدثتني بعض النساء، تقول: دعوت على ابنتي، وأرى أثر الدعاء فيها، فهي الآن مريضة، والأطباء لا يعرفون هذا المرض، وأنا أعلم أن هذا المرض الذي هو فيها من دعائي، ماذا أفعل؟ وأنا نادمة، ويأكلني الندم، وأنا أراها كسيرة، فكيف أُكفر؟ وكيف أفعل؟ وعدد كبير ممن سمعت من الأمهات يسألن عن مثل هذا، دعت على ولدها، ودعت على بنتها، وتقول: أنا الآن أرى نتيجة الدعاء، وأنا نادمة، وبعضهم يقول: دعا عليّ أبي ألا أوفق، يقول: فأنا الآن لا أذهب إلى مكان فأوفق، ولم أوفق في دراسة، ولم أوفق في عمل، وحاولت أن أتزوج فلم أوفق، يقول: كل الأمور الحياتية فشل ذريع بسبب دعوة والدي، فكيف أصنع؟ وكيف أستدرك مثل هذا؟ وكيف أخرج من هذه الورطة التي وقعت فيها؟

فهذا ما يتعلق باستحباب الدعاء في السفر، فنسأل الله أن يلطف بنا، ونجعله -تبارك وتعالى- في نحور أعدائنا، ونسأله أن يدفع عنا شرورهم.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.

  1. أخرجه أبو داود في باب تفريع أبواب الوتر، باب الدعاء بظهر الغيب برقم (1536) وحسنه الألباني.
  2. أخرجه الترمذي ت شاكر في أبواب البر والصلة، باب ما جاء في دعوة الوالدين برقم (1905) وحسنه الألباني.
  3. أخرجه ابن ماجه في كتاب الدعاء، باب دعوة الوالد ودعوة المظلوم برقم (3862) وحسنه الألباني.
  4. أخرجه أحمد برقم (10196).
  5. أخرجه مسلم في كتاب الزهد والرقائق، باب حديث جابر الطويل وقصة أبي اليسر برقم (3009).

مواد ذات صلة