الخميس 24 / جمادى الآخرة / 1446 - 26 / ديسمبر 2024
حديث «إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده»
تاريخ النشر: ٢٤ / ربيع الآخر / ١٤٣١
التحميل: 1428
مرات الإستماع: 3897

إن الله يحب أن يرى أثر نعمته

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فبعد أن عقد المصنف -رحمه الله- باب استحباب ترك الترفع في اللباس تواضعاً أعقبه بباب آخر يوضحه، وهو باب استحباب التوسط في اللباس، ولا يَقتصر على ما يُزري به لغير لحاجة ولا مقصود شرعي، بمعنى: أنه لا يفهم من الباب السابق من استحباب ترك الترفع في اللباس أن يلبس الإنسان الألبسة التي تزري به، وإنما المقصود بذلك التوسط، كما أشرت سابقاً في الباب قبله.

وجعل ذلك في ترجمة هذا الباب الجديد، وذكر فيه حديثاً واحداً، وهو:

حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله ﷺ: إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده[1]. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن.

بمعنى: أن الإنسان الذي أعطاه الله وأغناه لا يحسن أن يخرج بثياب ولباس وحال في غاية الابتذال، فيزدريه الناس، لكن هل معنى هذا أن الإنسان يلبس رفيع اللباس؟ لا.

الحديث الذي في الباب قبله، حديث معاذ بن أنس من ترك اللباس تواضعاً لله، وهو يقدر عليه، دعاه الله يوم القيامة على رءوس الخلائق، حتى يخيره من أي حلل الإيمان شاء[2].

فإذا جمعنا بين هذا وهذا، رؤية أثر النعمة على العبد كما قال النبي ﷺ للرجل الذي رأى عليه ثيابًا في غاية الابتذال، ألك مال؟ قال: نعم، قال: من أي المال؟ قال: قد آتاني الله من الإبل، والغنم، والخيل، والرقيق، قال: فإذا آتاك الله مالا فليُرَ أثرُ نعمة الله عليك، وكرامته[3].

فالشاهد أن مثل هذه الأحاديث تفهم مجتمعة، فمحبة الله -تبارك وتعالى- لرؤية أثر نعمته على عبده، مع ما جاء في فضل ترك رفيع اللباس تواضعاً لله أن يلبس الإنسان لباساً معتدلاً، لا يُزري به، الأفضل أن يترك رفيع اللباس، وكذلك أيضاً لا يجمل ولا يحسن بالإنسان الذي أغناه الله أن يلبس اللباس الذي يزري به، وقل مثل ذلك في المراكب، ونحو هذا، والمساكن، إذا أنعم الله على الإنسان لا يسكن مع أهله في دار من حجارة، أو طين، في مثل هذا الزمان، وسقف من جريد النخيل، أو نحو هذا، وقد أغناه الله وأعطاه، لكن الفقير المُدقع الذي لا يجد شيئاً فهو معذور، وقل مثل ذلك في المراكب، الذي أعطاه الله وأغناه لا يحسن به أن يركب سيارة يمكن أن تكون أيضاً هي مركب شهرة لقدمها جدًّا، يعني: قديمة، من رآها نظر إليها، تلفت الأنظار لقدمها ولتهاوي أركانها، وتداعيها، مثل هذا لا يحسن، أحياناً تجد الإنسان أغناه الله  وأعطاه، عنده الكثير ويركب سيارة بهذه المثابة، قد لا يركبها أفقر الناس، وتتعجب، فهذا لا يحسن، ولا يجمل بالإنسان، وإنما يعتدل في أموره كلها، في لباسه، ومركبه، ومسكنه، والمبالغة في هذا الطرف، أو هذا الطرف غير محمودة.

والله أعلم.

  1. أخرجه الترمذي، أبواب الأدب عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء إن الله تعالى يحب أن يرى أثر نعمته على عبده (5/ 123)، رقم: (2819).
  2. أخرجه الترمذي، أبواب صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله ﷺ، (4/ 650)، رقم: (2481).
  3. أخرجه أبو داود، كتاب اللباس، باب في غسل الثوب وفي الخلقان (4/ 51)، رقم: (4063)، والنسائي، كتاب الزينة، (8/ 181)، رقم: (5224).

مواد ذات صلة