الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
المصنف -رحمه الله- ذكر في صدر هذا الباب قوله تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء [النساء:34] ليبيّن أن القوامة حق للزوج، ثم أورد هذا الحديث الذي يقرر فيه الطاعة، طاعة المرأة لزوجها، والمصنف -رحمه الله- وإن كان هذا الحديث يتعلق بطاعة خاصة، وهي دعاء الرجل امرأته إلى فراشه إلا أنه أورده لأن طاعته واجبة عليها بكل حال، وهذا تدل عليه سائر النصوص.
فقول النبي ﷺ: إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه يعني: المقصود إلى الجماع والمعاشرة، ولكن الشارع يكنِّي، فيُكنَّى بالفراش عن الوقاع.
قال: فبات غضبان عليها، هذا القيد معتبر، وهو مراد؛ لأنه إن لم يغضب عليها بمعنى أنه عذرها، أو سمحت نفسه وأعرضت عن ذلك فلم يغضب عليها فلا إشكال، بمعنى إذا رضي، إذا اعتذرت إليه فقبل عذرها.
وقوله: لعنتها الملائكة حتى تصبحإذا دعاها فلم تأتِ فبات، بهذين القيدين، بات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح، واللعن هو الطرد والإبعاد من رحمة الله، وحينما تَلعن المخلوقاتُ فبمعنى أنها تدعو على هذا الذي وُجه إليه اللعن بأن يبعده الله من رحمته، لعنتها الملائكة حتى تصبح: يعني: ما لم تأته.
قال: وفي رواية لهما -يعني للبخاري ومسلم: إذا باتت المرأة هاجرةً فراش زوجها لعنتها الملائكة...[2]، لاحظوا في اللفظ الأول قال: فبات غضبان وهنا قال: إذا باتت المرأة والمبيت إنما يكون بالليل، فهل هذا مفهومه معتبر؟، بمعنى أنه لو دعاها بالنهار فلم تأته هل يتحقق هذا وهو أن تعلنها الملائكة؟ الجواب: نعم، وإنما ذكر المبيت الذي يكون بالليل لأنه مظنة الوقاع وطلب الرجل امرأته، بخلاف النهار، فإن ذلك لا يحصل في غالب أحوال الناس، فهذا يستوي فيه الليل والنهار.
قال: إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح، ما قال: فبات غضبان عليها، هاجرة فراش زوجها بمعنى أنها لم تجبه، ولم تمكنه من نفسها، وهجران فراش الزوج معناه أن هذا خارج عن إرادته ورغبته ورضاه لعنتها الملائكة حتى تصبح.
وفي رواية قال رسول الله ﷺ: والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها فتأبى عليه، إلا كان الذي في السماء ساخطًا عليها حتى يرضى عنها[3]، هنا ما ذكر المبيت مما يدل على المعنى الذي ذكرته وهو أنه يستوي في هذا الليل والنهار، ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها فتأبى عليه، وذكْرُ الرجل هنا ليس له مفهوم، بمعنى لو أن المرأة تزوجت صبيًّا فدعاها إلى الفراش فليس لها أن تأبى عليه، وإنما ذكر الرجل -والله تعالى أعلم- لأن الغالب أن الزوج يكون رجلاً، وإلا فإن المقصود -والله أعلم- ما يقابل المرأة وهو الذكر، فيدخل فيه الكبير والصغير، الصبي والبالغ.
قال: يدعو امرأته إلى فراشها فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها، والذي في السماء هو الله -تبارك وتعالى، كما قال الله : أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ [الملك:16]، وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ [الزخرف:84]، وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ يعني: يألهه أهل السماء، ويألهه أهل الأرض، أو وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ أي: فوق السماوات، وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ يعني يألهه أهل الأرض، أو وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ يعني فوق السماوات، "في" بمعنى "على"، وفي الأرض كذلك، ليس معناه أن الله في الأرض، وإنما هو مألوه فيها معبود.
قال: فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنها ما قال: حتى يصبح، هناك قال: حتى يرضى عنها وقد يطول سخطه، فالملائكة تلعنها حتى تصبح، والله يسخط عليها حتى يرضى عنها هذا الزوج، وهذا يدل على شدة وعظم حق الزوج على المرأة، وفي الوقت نفسه أيضاً المرأة لا تُظلم، لكن أيضاً إن وقع عليها مظلمة من هذا الزوج فليس لها أن تعاقبه بهجر فراشه، يعني كثيراً ما يسأل الناس عن هذا، الرجل يهجر امرأته تأديباً لها، كما قال الله : وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ [النساء:34]؟ فهل للمرأة أن تهجر زوجها؟ كثير من النساء تقول: إنها تهجر زوجها، أو تريد أن تهجره لتأدبه، فهذا لا يجوز، المرأة لا تؤدب زوجها، فهي إما أن تنصحه وأن تذكره وأن تحاوره، وإما أن تتعايش معه، وإما أن تطلب الطلاق، أمّا أن تؤدبه بالهجر فليس ذلك لها، وإنما الهجر للزوج، وإذا دعت المرأة زوجها إلى الفراش فأبى لا يحصل له هذا من سخط الله عليه، لكن ذلك لا يجوز إذا كان يؤدي بها إلى الضرر، فيجب عليه أن يعاشرها بالمعروف، وهذا يدل على أن الغريزة وصبر الرجل عن المرأة أقل من صبر المرأة عن الرجل بكثير، فهنا قال: إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها، فالمرأة يمكن أن يكون صبرها عن الرجل أكثر من صبر الرجل بكثير، ولذلك شرع للرجل أن يتزوج أربع زوجات، وأن يتسرى من النساء بما شاء، هذا على خلاف ما يتوهمه كثير من العامة من أن رغبة المرأة أكثر من رغبة الرجل، وهذا غير صحيح إطلاقاً.
فالحاصل هنا أيضاً أن للمرأة أن تمتنع في حالات، فالشريعة ما جاءت بالضرر، مثلاً: إذا كانت مريضة، أو كانت في حال من الحزن والهم، يعني: تعاني معاناة نفسية وقلبية، مات لها قريب مثلا فهي حزينة لأجله، فالمرأة لديها مشاعر، قد يكون هذا الإنسان في حال معها يعني: يظلمها ويؤذيها ويضربها وما أشبه ذلك، فتعذرت يعني رغبتها وتعذرت إجابتها لهذا الرجل، فما استطاعت أن تجيبه، يعني: بعض النساء تقول: أتمنى أن يقطعني بالمقاريض ولا أجيبه، فالإنسان له مشاعر، فأحياناً تكون المرأة غير مهيأة لغلبة الحزن، ولغلبة المرض، فلا يضرها ذلك، كذلك أحياناً يكون هذا الزوج فاجراً، يأتي وهو سكران ويطلب المرأة، هل نقول: إنها تجيبه في هذه الحال؟ نقول: لا، ولا كرامة، كذلك أحياناً يكون هذا الرجل يفجر بالنساء، يذهب ويزني، فالمرأة تخاف، أو تقول: أنا ما أكون ضَيْعة، غداً أصاب بمرض الإيدز من أجل هذا الزوج وطاعته، نقول: لك أن تمتنعي منه حتى يحضر ما يثبت أنه سليم، ليس فيه مرض ولا علة، وعند كل معاشرة يحضر شهادة، تُفحص خلايا المخ عنده، حتى الدم لا ينفع الآن، لابد من فحص خلايا المخ، ويحضر شهادة تفيد أنه سليم من الأمراض، أمّا أن يذهب ويفجر ويفعل ثم يأتي ويطلب معاشرتها فالإسلام ما جاء ليضيع المرأة، ففي الوقت الذي يذكر فيه الشارع مثل هذه القضايا وهذه الحقوق للزوج وما أشبه ذلك أيضاً المرأة لا تكون بسبب ذلك محلًّا للإضاعة، وإنما يضمن الإسلام ويكفل لها حقها، ومشاعرها، والحالات التي تمر بها من مرض ونحو ذلك، والله تعالى أعلم.
وأسأل الله أن يصلح أحوالنا وأعمالنا ويوفقنا وإياكم لما يحب ويرضى، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.
- أخرجه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب إذا قال أحدكم: آمين والملائكة في السماء: آمين فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه، (4/ 116)، برقم: (3237)، ومسلم، كتاب النكاح، باب تحريم امتناعها من فراش زوجها، (2/ 1059)، برقم: (1436).
- أخرجه البخاري، كتاب النكاح، باب إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها، (7/ 30)، برقم: (5194)، ومسلم، كتاب النكاح، باب تحريم امتناعها من فراش زوجها، (2/ 1059)، برقم:(1436)، بلفظ: إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة ....
- أخرجه مسلم، كتاب النكاح، باب تحريم امتناعها من فراش زوجها، (2/ 1060)، برقم: (1436).