إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضلَّ له، ومَن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: أيها الأحبة، حديثنا في هذه الليلة عن مسألةٍ من المسائل المتعلّقة بالذكر، وذلك ما يتَّصل بعقد الذكر بالأصابع، وكذا أيضًا عدّه بآلةٍ كالسِّبْحَة، أو غير ذلك مما يُتَّخذ للعدِّ.
العلماء يتَّفقون على أنَّ عقدَ الذكر بالأصابع هو السّنة، وأنَّه هو الأفضل والأكمل والمشروع، ويدل على ذلك حديث عبدالله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: رأيتُ رسولَ الله ﷺ يعقد التَّسبيح بيمينه[1].
فدلَّ هذا على عقد التَّسبيح، والعقد يكون بالأصابع، ودلَّ على أنَّ هذا العقدَ يكون باليمين، بمعنى أننا حينما نعدّ الذكر فإننا نستعمل اليد اليمنى لهذا الغرض؛ لأنَّ اليد اليمنى إنما تكون للأمور التي تكون كريمةً، شريفةً، فيأكل الإنسانُ بيمينه، ويشرب بيمينه، ويأخذ بيمينه، ويُعطي بيمينه، ويُصافح الناسَ بيمينه، والشِّمال تكون للخلاء، وما إلى ذلك.
فهنا إذًا التَّسبيح يكون باليد اليمنى، ولا تُستعمل اليد اليُسرى للتَّسبيح.
بهذا نعلم أنَّ ما يفعله بعضُنا؛ حيث يعقدون التَّسبيح أو الذكر بالأصابع العشرة، يعني باليدين: اليمين، والشمال؛ أنَّ هذا خلاف السنة، فنقتصر على اليد اليُمنى.
وفي حديث يسيرة -رضي الله عنها- أنَّ النبي ﷺ أمرهنَّ أن يُراعين بالتَّكبير والتَّقديس والتَّهليل، وأن يعقدن بالأنامل[2].
لاحظ: يعقدن بالأنامل. وعلل هذا بقوله: "فإنهنَّ مُستنطقات"، فالفاء هذه تدل على التَّعليل؛ لماذا يعقد بالأنامل؟ "فإنهنَّ مُستنطقات".
فدلَّ ذلك من جهةٍ على أنَّ عقدَ الذكر بالأنامل أنَّه مأمورٌ به، يعني: الحديث الأول دلَّ على فعله ﷺ أنَّه كان يعقد ذلك بيمينه ﷺ، وهذا الحديث أمرٌ، يعني: ذاك من فعله، وهذا من أمره، فأمر بهذا؛ فدلَّ على أنَّ المشروعَ في حقِّ المكلَّف، والمشروع هو ما طلبه الشارعُ: إمَّا وجوبًا، أو ندبًا، فهنا أمرهنَّ أن يعقدن بالأنامل، وعلل هذا بقوله: "فإنهنَّ مُستنطقات"، بمعنى: أنها تشهد وتنطق وتُخبر عن هذا العمل الذي زاوله المكلَّف بها؛ لأنَّ جوارحَ الإنسان تشهد عليه، تشهد على ما عمل من خيرٍ وشرٍّ: "فإنهنَّ مُستنطقات"، هناك في المعاصي: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ [يس:65]، وهنا في العمل الصَّالح في الذِّكْر: "فإنهنَّ مُستنطقات"، هذا العقد بالأنامل.
الأنامل ما هي؟
الأنامل هذه رؤوس الأصابع التي رُكِّبت عليها الأظفار، يُقال لها: أنامل، جمع: أنملة، "واعقدن بالأنامل" هذا يحتمل أن يكون العقدُ بنفس الأنامل، كما يعقد العدد عند العرب، فإنَّ الأعدادَ لها رموز عند العرب، كل هيئةٍ من هذه الهيئات تعني عددًا مُعينًا، فيحتمل أن يكون العقدُ بالأنامل هكذا برؤوس الأصابع مع الإبهام، فيقول: سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله. أو يكون العقدُ هكذا: سبحان الله، فيضمّ الأصبع الأولى، ثم يقول: سبحان الله –مثلاً- ويضمّ الثانية، ثم يقول: سبحان الله، ويضمّ الثالثة، وهكذا، هذا كلّه يُقال له: عقد.
ويحتمل أن يكون ذلك باعتبار أنَّه يضع الإبهامَ على كل مفصلٍ، فهذه الأصابع، كل أصبعٍ من هذه الأصابع الأربعة فيه ثلاثة مفاصل -كما ترون- سوى الإبهام، ففيه مفصلان، فيحتمل أن يكون العقدُ بأن يضع الإبهامَ على كل مفصلٍ في كل أصبعٍ، وبهذا يكون قد جاء بأربعة عشر، فيزيد واحدةً؛ يكون خمسة عشر في كل يدٍ، فإذا فعل ذلك مرتين فهذه ثلاثون، حيث مَن يُخطئ في العدد يمكن أن يفعل هذا.
ويمكن أن يُسهّل على نفسه أكثر، فيقول في رأس الأولى: "سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر" في رأسها، ثم يقول في المفصل الأوسط: "سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر"، ثم يقول في المفصل الأدنى: "سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر"، فإذا فعل ذلك في اليد الواحدة بهذه الطريقة يكون قد قالها كم مرة؟
فإذا أعادها ثانيةً، يكون قالها خمس عشرة مرة، فإذا أعادها ثانيةً فذلك ثلاثون، فيكمل هذا في أصبعٍ واحدةٍ: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر. فتلك ثلاثٌ وثلاثون، ثم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له.. إلخ.
يعني: كثيرٌ من الناس يقول: نحن نُخطئ في العدد، ما نضبط العدد، نقول: بهذه الطريقة ما تحتاج إلا مرتين تعقد فيها الذكر بعد الصَّلاة.
فإذًا هذه ثلاثة احتمالات: أن نضع الإبهامَ على رأس الأصبع. الاحتمال الثاني: أن يكون بعقد الأصبع بأجمعه، نضمّ الأصبع، فيكون كلُّ واحدٍ مرة. الاحتمال الثالث: يكون في كل واحدٍ ثلاث مرات، في كل مفصلٍ منه، وهذا أسهل في العدد.
لكن هذه الأدلة التي سمعنا هي تدل على المشروعية، فهل يجوز أن يحسب بآلةٍ كالسِّبْحَةِ مثلاً؟
هل يجوز أن يحسب بهذه الآلة التي استُحدثت الآن، ذات أرقامٍ، فيضغط فتحسب له تلقائيًّا، فيعرف الأرقام، أو لا؟
من أهل العلم مَن رخَّص في هذا، قال: إذا احتاج إليه، ما يضبط العددَ. بعضهم رخَّص فيه، ما شدَّدوا في هذا، وذهب إلى هذا جماعةٌ من المتقدمين والمتأخرين، وشيخ الإسلام -رحمه الله- يقول عن استخدام الخرز أو المسبحة أو نحو ذلك، يقول: من الناس مَن كرهه، ومنهم مَن لم يكرهه، وإذا أحسنت فيه النية فهو حسنٌ غير مكروهٍ، وأمَّا اتِّخاذه من غير حاجةٍ، أو إظهاره للناس مثل: تعليقه في العنق، أو جعله كالسِّوار في اليد، أو نحو ذلك، فهذا إمَّا رياء للناس، أو مظنة المراءة ومُشابهة المرائين من غير حاجةٍ، فإن كان رياءً فهو مُحرَّمٌ، والثاني أقلّ أحواله الكراهة، يعني: مُشابهة هؤلاء المرائين، يقول: فإنَّ مُراءة الناس في العبادة المختصّة: كالصَّلاة، والصيام، والذكر، وقراءة القرآن؛ من أعظم الذنوب[3]. إلى آخر ما قال.
لاحظوا هنا أنَّه لم يُشدد في هذا.
وفي فتاوى اللَّجنة الدَّائمة أجابوا عن هذه المسألة، وختموا الجوابَ بقولهم: فالخير كل الخير باتِّباع سنة النبي ﷺ، وعدم استبدالها بما يحدث ويستجد[4]. فذكروا أنَّ التَّسبيح باليد أفضل، وأنَّه لم يثبت عن النبي ﷺ أنَّه اتَّخذ لنفسه مسبحةً يُسبِّح بها، لكنَّهم لم يجزموا بأنَّ ذلك من قبيل البدعة.
وبعض أهل العلم شدَّد فيه جدًّا، مثل: الشيخ بكر أبو زيد -رحمه الله- فله رسالة مُستقلة في هذا، ومن عباراته في ذلك يقول: إنَّ مَن وقف على تاريخ اتِّخاذ السّبحة، وأنها من شعائر الكفَّار من البوذيين، والهندوس، والنَّصارى، وغيرهم، وأنها تسرَّبت إلى المسلمين من معابدهم[5]. معابد أولئك يعني، يقول: على أنها من خصوصات معابد الكفرة. يعني: أنها من خصائصهم في دينهم، باعتبار أنَّه لا يجوز التَّشبه بهم فيها، يقول: وأنَّ اتِّخاذ المسلم لها وسيلة للعبادة بدعة، ضلالة.
فعلى كل حالٍ، أنا أقول: يبقى المكلَّف مع المشروع مما جاء عن النبي ﷺ وعن أصحابه، نعم لو صحَّ الحديثُ الذي اطَّلع فيه النبيُّ ﷺ على مَن تُسبِّح بحصى بين يديها أو خرزٍ، ثم ذهب النبي ﷺ ورجع وأخبرها أنَّه قال بعدها كلمات[6]؛ فإنَّ مُقتضاه أنَّه أقرَّها على هذا التَّسبيح، مع أنَّ هذا ليس محل اتِّفاقٍ أنَّه أقرَّها على هذا التَّسبيح بهذه الطريقة، لم يُنكر هذا الحصى أو الخرز، ولكنَّ الحديثَ ضعيفٌ، لو صحَّ لقيل: إنَّه يدل على الجواز بإقرار النبي ﷺ، ولكن فعله ﷺ أكمل وأفضل، لكنَّ الحديثَ ضعيفٌ، فإذا كان الحديثُ ضعيفًا فإنَّه لا يُحتجُّ به في مثل هذا، إذًا ماذا نفعل؟
نعقد التَّسبيح باليمين، نعقد الذكر باليمين، تُخطئ أنت، غير مُؤاخذ: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286]، قال الله: قد فعلتُ[7]، فهذا هو حكم هذه المسألة -والله أعلم.
هنا مسألةٌ أخرى قصيرةٌ أيضًا، وهي: ما إذا فات الذكرُ، فهل يُشرع قضاؤه أو لا؟
الذكر إذا فاتَ، إنسانٌ فاته، شُغِلَ، نام، ما استيقظ إلا الظُّهر، فات وقتُ الذكر، هل له أن يقول الذكرَ بعد فواته؟
هذا في أذكار الصباح والمساء مثلاً، هناك أذكار مُتعلقة بمناسباتٍ معينةٍ: فاته التَّرديد وراء الآذان؛ لأنَّه كان -أعزَّكم الله- في دورة المياه مثلاً، أو كان يُصلي تحيَّة المسجد، فأذَّن، فهل له أن يقضي؟ أو كان يتحدَّث مع أحدٍ، أو مشغولاً بالهاتف، فانقضى الأذانُ ولم يُردد معه، هل له أن يستدرك ويُردد ويقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ويُردد قضاءً، أو لا؟
رأى الهلالَ في أول الشهر، أو ما انتبه، ثم مضى أسبوعٌ على ظهور الهلال، نحن في هذه الليلة -نسأل الله لنا ولكم القبول- ظهر هلالُ شهر ذي الحجّة، فهذه الليلة من الليالي العشر، وهي أفضل من ليالي العشر الأواخر من رمضان، إلا ليلة القدر.
فعلى كل حالٍ، إذا لم يقل ما يُقال حينما يرى الهلال من الذكر، فهل له أن يقضيه؟ يقول: أنا نسيتُ أول الشهر، فانقضت مدَّة من الشهر، وصار الهلالُ بدرًا، أو صار قمرًا، ما صار هلالاً، انتهى الربعُ الأول مثلاً، فهل له أن يقول ذلك قضاءً، أو ليس له أن يقول؟ وهكذا في سائر الأذكار.
الذكر الذي يكون بعد الصَّلاة انشغل عنه، نسيه، هل له أن يقضيه بعد ذلك أو لا؟
العلماء -رحمهم الله- منهم مَن يقول: إنَّ مَن اعتاد على الذكر ولازمه فإنَّه يقضي إذا فاته لعذرٍ، وأنَّ ذلك يُستحبّ، وأنَّ ذلك من المداومة على العمل، واستدراك ما قد يفرط أو يفوت.
واستدلّوا بعموم قوله ﷺ: مَن نام عن حزبه أو عن شيءٍ منه، فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر؛ كُتِبَ له كأنما قرأه من الليل[8]، هذا في صلاة الليل، وليس في الأذكار، فذكر فيه القضاء، هؤلاء العلماء استدلّوا بهذا، قالوا: هذا الحزبُ من ورده اليومي في الصلاة أو في قراءة القرآن يُقضى من اليوم الثاني، فإذًا سائر الأذكار تُقضى.
وذكر بعضُهم أنَّ الصحابة كانوا يقضون ما فاتهم من الأذكار التي كانوا يفعلونها في أوقاتٍ مخصوصةٍ، ولا أعلم لذلك شاهدًا، يعني ذكروه هكذا بإطلاقٍ، ولا أعلم لهذا شيئًا معينًا خاصًّا عن أحدٍ من الصَّحابة أنه كان يقضي.
النووي -رحمه الله- تكلَّم على فائدة قضاء الذكر، وأنَّ مَن كانت له وظيفة من الذكر في وقتٍ من ليلٍ أو نهارٍ، أو عقب صلاةٍ، أو في حالةٍ من الأحوال ففاتته، يقول: يتدارك ويأتي بها إذا تمكَّن منها، ولا يُهملها؛ فإنَّه إذا اعتاد الملازمةَ عليها لم يُعرِّضها للتَّفويت، وإذا تساهل في قضائها سهل عليه تضييعها في وقتها[9].
هذا كلام النووي -رحمه الله-، يرى أنَّ الأذكار تُقضى، وبعض أهل العلم علَّق على كلام النَّووي وقال بأنَّ المقصودَ بذلك الأذكار المتعلّقة بالأوقات، لا المتعلّقة بالأسباب، يعني: المتعلّقة بالأوقات مثل: أذكار الصَّباح والمساء، أمَّا المتعلّقة بالأسباب: واحدٌ عطس فقال: الحمد لله، فما شمَّتَّه، فرأيتَه من الغدِ، قلتَ له: أنا ما قلتُ لك أمس: يرحمك الله، يرحمك الله. هذا متعلّقٌ الآن بسببٍ فات.
رؤية الهلال -كما قلنا- متعلّقة بسببٍ فات، انتهى الشَّهر، يُريد أن يقضي عن الشهر الماضي الآن، هذا ليس بمرادٍ -والله تعالى أعلم.
هكذا ما يُقال عند سماع الرعد مثلاً، ما يُقال عند المطر، الرعد انتهى، وهذا الإنسانُ كان مشغولاً، أو نائمًا، فأُخبر أنَّه حصل رعدٌ بعدما استيقظ بساعات، فهل له أن يقول ما يُقال عند سماع الرعد؟
الجواب: لا؛ لأنَّه قد فات سببُه.
كذلك الترديد وراء المؤذن، فات السببُ، فإنَّه ينبغي أن يُتابعه فيما يقول، وهكذا ما يقوله بعده: اللهم ربّ هذه الدَّعوة التامة، والصَّلاة القائمة. فيكون هذا قد فات المحلُّ، فات السَّببُ، هذا مُرادهم، الذين قالوا: إنَّ الأذكار تُقضى قالوا: يُقضى ما كان متعلِّقًا بالأوقات، فاته وردُه الموقّت بوقتٍ معينٍ فإنَّه يقضيه، كما يُقضى الوردُ من الليل من صلاةٍ أو قراءةٍ للقرآن، وما عدا ذلك فإنَّه لا يُقضى.
وبعض أهل العلم قال بأنَّه لا يُقضى شيءٌ من ذلك؛ لأنَّ ما كان متعلِّقًا بوقتٍ فقد وقَّته الشارعُ بهذا، والذي جاء عندنا في القضاء هو الصَّلاة: إذا رقد أحدُكم عن الصَّلاة أو غفل عنها فليُصلِّها إذا ذكرها[10]، هذا في الصلاة، وفي صلاة الليل، والورد من الليل، النبي ﷺ أخبرنا أنه يُقضى في هذا الوقت، وقَّت وقتًا ما بين ارتفاع الشمس إلى ما قبل الزوال، فيكون يقضيه شفعًا، إذا كان المعتادُ أن يُصلي إحدى عشرة ركعة؛ يُصلي اثنتي عشرة ركعة، وأمَّا ما عداها قالوا: لا يُقاس عليه؛ لأنَّ هذه قضايا تعبُّدية، ولا يدخلها القياسُ؛ لأنها غير مُعللةٍ، والقياس مبناه على العِلَّة.
فالمقصود أنَّ من أهل العلم مَن يقول: ما كان متعلِّقًا بسببٍ فإنَّه لا يُقضى: كتشميت العاطس إذا فات، والترديد وراء الأذان، وقول: اللهم ربّ هذه الدَّعوة التَّامة، وما يُقال عند رؤية الهلال. وما كان متعلِّقًا بوقتٍ قالوا: يُقضى.
ممن قال بهذا النووي -رحمه الله-[11]، وقالوا: يُستحبُّ، ولا يترك ورده. ولم يحتجُّوا بدليلٍ معينٍ خاصٍّ في هذه المسألة؛ لأنَّه فيما أعلم لا يوجد فيها دليلٌ خاصٌّ، لكن الذي ورد غاية ما هنالك هو في ورده من الليل أنَّه يقضيه، كذلك قضى النبيُّ ﷺ السنةَ الراتبةَ؛ سنة الظهر، فصلَّاها بعد العصر[12].
لكن هل يُقاس على هذا الأذكار؟
هذا يحتمل، لكن الجزمَ به قد لا يخلو من إشكالٍ؛ لأنَّ ذلك مبنيٌّ على القياس، والقياس مبناه على العلَّة، وهذه الأمور التَّعبدية العِلل فيها قد تكون تعبديةً، ومن ثمَّ فلا يُقاس.
ولكن هؤلاء قد يقولون بأنَّ هذه العلة التَّعبدية ليست كذلك، يعني: يُقال بأنها تعبدية؛ لأنَّ هذا مُدرك، إنما يستفتح يومه بالذكر، ويختمه بالذكر، فيكون ذكرُه مُفتتحًا به اليوم، ويختتم به يومه، فهذا مُدرك، فإذا فات قضاه، لكن إذا قضاه لم يكن قد قاله في الوقت المحدد له؛ ليكون قد افتتح اليوم بالذكر في أول النَّهار، وإنما قاله في آخر النهار، ومن ثمَّ فإنَّ ما يكون مُرتَّبًا عليه من حفظه ونحو ذلك هو لم يقله أصلاً، ويبقى الأجرُ هو الذي يمكن أن يُقال: يرتّب عليه إذا قضاه، إذا قيل بأنَّه يُقضى.
فهذا يحتمل على كل حالٍ، والجزم في هذا يحتاج إلى دليلٍ خاصٍّ في المسألة، ولا أعلم دليلاً يفصل النزاعَ، والعلم عند الله .
وصلَّى الله على نبينا محمدٍ، وآله وصحبه.
- أخرجه البيهقي في "سننه": كتاب الصلاة، باب الترغيب في مكث المصلي في مُصلاه لإطالة ذكر الله تعالى في نفسه، وكذلك الإمام إذا انحرف، برقم (3027)، قال الألباني: أخرجه أبو داود (1/ 235) بسندٍ صحيحٍ، وحسَّنه النووي في "الأذكار" (ص23)، وكذا الحافظ ابن حجر في "نتائج الأفكار" (ق18/1)، وعزاه الأول للنَّسائي، وهو عنده (1/ 198) ضمن حديثٍ، وكذلك أخرجه في "عمل اليوم والليلة" (819). انظر: "سلسلة الأحاديث الضَّعيفة والموضوعة وأثرها السَّيئ في الأمة" للألباني (3/ 48).
- أخرجه أبو داود في "سننه": كتاب الصلاة، باب التسبيح بالحصى، برقم (1501)، وحسَّنه الألباني في نفس الكتاب.
- انظر: "مجموع الفتاوى" لابن تيمية (22/ 506).
- انظر: "فتاوى اللجنة الدائمة" (7/ 111).
- انظر: "السبحة: تاريخها وحكمها" لبكر أبي زيد (101).
- أخرجه أبو داود في "سننه": كتاب الصلاة، باب التَّسبيح بالحصى، برقم (1500)، وضعَّفه الألباني في "مشكاة المصابيح"، برقم (2311).
- أخرجه الترمذي في "سننه": أبواب تفسير القرآن عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، باب: ومن سورة البقرة، برقم (2992)، وصححه الألباني في "التعليقات الحسان"، برقم (5046).
- أخرجه مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب جامع صلاة الليل ومَن نام عنه أو مرض، برقم (747).
- انظر: "الأذكار" للنووي (13).
- أخرجه مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها، برقم (684).
- انظر: "الأذكار" للنووي (13).
- انظر: "صحيح البخاري" (2/ 69)، و"صحيح مسلم" (1/ 571).