الجمعة 13 / جمادى الأولى / 1446 - 15 / نوفمبر 2024
‏(50) مجلس في الأذكار الجامعة‎ ‎
تاريخ النشر: ٢٠ / محرّم / ١٤٣٥
التحميل: 2468
مرات الإستماع: 3370

إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيّئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضلَّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: في هذا المجلس سأبدأ الحديثَ بالكلام على مسألةٍ تتصل بما ذُكر في الليلة الماضية: ما يتعلَّق بالتَّصرف بالألفاظ، وقد تكرر السؤالُ وكثر عن تركيب بعض الألفاظ في الأذكار على وزان قوله ﷺ كما في حديث جويرية -رضي الله تعالى عنها- لما رآها النبيُّ ﷺ وهي جالسةٌ من أول النَّهار تذكر ربَّها، ثم رجع بعدما أضحى، فقال لها: ما زلتِ على الحال التي فارقتُكِ عليها؟، ثم قال لها: لقد قلتُ بعدك أربع كلماتٍ ثلاث مرَّات لو وُزنت بما قلتِ منذ اليوم لوزنتهنَّ: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته[1].

هذه جاءت في "سبحان الله وبحمده"، السؤال الذي يرد: هل لنا أن نقول مثلاً: لا إله إلا الله عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته؟ هل لنا أن نقول مثلاً: الله أكبر عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته؟ هل لنا أن نقول ذلك؟

أقول: لو نظرنا إلى الرِّوايات والأحاديث الصَّحيحة في هذه الجزئية لوجدنا فيها غنية؛ فمن ذلك ما جاء في بعض ألفاظه -كما عند مسلم-: سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله رضا نفسه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله مداد كلماته، وفي زيادةٍ قال: والحمد لله كذلك[2].

فهنا "سبحان الله"، وفي هذه الرِّواية: "الحمد لله"، يعني: الحمد لله عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته، يكون هذا من الوارد عن النبي ﷺ.

وفي روايةٍ: سبحان الله وبحمده، ولا إله إلا الله، والله أكبر، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته[3].

فصار عندنا الآن: لا إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله. الكلمات الأربع.

إذن إذا قال القائلُ: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته. يكون بذلك لم يخرج عمَّا جاء عن النبي ﷺ، وإنما تدور أسئلةُ السَّائلين عن مثل هذا، يقول: هل لنا أن نقول هذا التَّسبيح والتَّكبير والتَّهليل والتَّحميد بهذه الطريقة؟

وكذلك أيضًا قال ﷺ كما في حديث أبي أُمامة لما رآه النبيُّ ﷺ وهو يُحرِّك شفتيه قال: بأي شيءٍ تُحرِّك شفتيك يا أبا أمامة؟، فأجاب: أذكر الله يا رسول الله. فقال: ألا أُخبرك بأكثر وأفضل من ذكرك بالليل والنَّهار؟، قال: بلى يا رسول الله. قال: تقول: سبحان الله عدد ما خلق، سبحان الله ملء ما خلق، سبحان الله عدد ما في الأرض، سبحان الله ملء ما في الأرض والسَّماء، سبحان الله عدد ما أحصى كتابه، سبحان الله ملء ما أحصى كتابه، سبحان الله عدد كل شيءٍ، سبحان الله ملء كل شيء، الحمد لله عدد ما خلق، الحمد لله ملء ما خلق، الحمد لله عدد ما في الأرض والسَّماء، الحمد لله ملء ما في الأرض والسَّماء، الحمد لله عدد ما أحصى كتابه، الحمد لله ملء ما أحصى كتابه، الحمد لله عدد كل شيءٍ، الحمد لله ملء كل شيءٍ[4]، فجاء بالتَّسبيح وبالتَّحميد بهذه الألفاظ الجوامع.

وفي روايةٍ: تقول: الحمد لله عدد ما أحصى كتابه، والحمد لله عدد ما في كتابه، والحمد لله عدد ما أحصى خلقه، والحمد لله على ما في خلقه، والحمد لله ملء سماواته وأرضه، الحمد لله عدد كل شيءٍ، والحمد لله ملء كل شيءٍ، وتُسبّح مثل ذلك، وتُكبّر مثل ذلك[5]، فذكر التَّحميد، والتَّسبيح، والتَّكبير.

وفي حديث سعد بن أبي وقَّاص -رضي الله تعالى عنه-: أنَّ أعرابيًّا قال للنبي ﷺ: علمني دعاءً لعلَّ الله أن ينفعني به. قال: قل: اللهم لك الحمد كلّه، وإليك يُرجع الأمر كلّه[6].

وفي حديث سلمان : أنَّ النبي ﷺ قال: قال رجلٌ: الحمد لله كثيرًا، فأعظمها الملكُ أن يكتبها –يعني: ماذا يكتب؟ - فراجع فيها ربَّه قال: ماذا أكتب؟ فقال: اكتبها كما قال عبدي: كثيرًا[7].

وفي حديث أبي سعيدٍ: أنَّ النبي ﷺ قال: إذا قال العبدُ: الحمد لله كثيرًا، قال الله تعالى: اكتبوا لعبدي رحمتي كثيرًا[8].

فهذه الألفاظ هي أمثلة لهذه الجوامع الثَّابتة عن النبي ﷺ، فيُمكن للعبد أن يقول ذلك، لا بأس أن يقول الإنسانُ: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته.

هذا، وأسأل الله أن يرحم موتانا، وأن يشفي مرضانا، وأن يُعافي مُبتلانا، ويجعل آخرتنا خيرًا من دُنيانا، والله أعلم.

وصلَّى الله على نبينا محمدٍ.

  1. أخرجه مسلم: كتاب الذكر والدّعاء والتوبة والاستغفار، باب التَّسبيح أول النَّهار وعند النوم، برقم (2726).
  2. أخرجه النَّسائي في "السنن الكبرى"، برقم (9917).
  3. عزاه الحافظُ ابن رجب -رحمه الله- إلى النَّسائي كما في "جامع العلوم والحكم" ت. ماهر الفحل (3/1303)، غير أني لم أقف عليه.
  4. أخرجه الروياني في "مسنده" (2/291)، برقم (1233).
  5. أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"، برقم (8122).
  6. أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان"، برقم (4087).
  7. أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (2/307)، برقم (2061)، وذكره الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (7/1334)، برقم (3452).
  8. أخرجه الطبراني في "الدعاء"، برقم (1685).

مواد ذات صلة