الجمعة 27 / جمادى الأولى / 1446 - 29 / نوفمبر 2024
من قوله تعالى: {قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلأ} الآية:38 إلى قوله تعالى: {فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ} الآية:58
تاريخ النشر: ٢٧ / ذو القعدة / ١٤٣١
التحميل: 7225
مرات الإستماع: 6747

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في تفسير قوله تعالى:

قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلأ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ۝ قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ۝ قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ [سورة النمل:38-40].

قال محمد بن إسحاق، عن يزيد بن رُومان قال: فلما رجعت إليها الرسل بما قال سليمان قالت: قد -والله-عرفتُ، ما هذا بملك، وما لنا به من طاقة، وما نصنع بمكابرته شيئًا، وبعثت إليه: إني قادمة عليك بملوك قومي، لأنظر ما أمرك وما تدعونا إليه من دينك، ثم أمرت بسرير ملكها الذي كانت تجلس عليه -وكان من ذهب مُفصَّص بالياقوت والزبرجد واللؤلؤ- فجعل في سبعة أبيات، بعضها في بعض، ثم أقفلت عليه الأبواب، ثم قالت لمن خَلفت على سلطانها: احتفظ بما قِبَلك، وسرير ملكي، فلا يخلص إليه أحد من عباد الله، ولا يَرَينَّه أحد حتى آتيك، ثم شَخَصَت إلى سليمان في اثني عشر ألف قَيْلٍ من ملوك اليمن، تحت يدي كل قَيْل منهم ألوف كثيرة، فجعل سليمان يبعث الجن يأتونه بمسيرها ومنتهاها كل يوم وليلة، حتى إذا دَنت جمع مَنْ عنده من الجن والإنس، مِمَّنْ تحت يديه، فقال: يَا أَيُّهَا الْمَلأ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ.

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فما ذكر هنا كل ذلك مما أخذ عن بني إسرائيل، وليس في كتاب الله ولا في سنة رسوله ﷺ ما يدل على صحة هذه التفاصيل، لكن الله -تبارك وتعالى- أخبر أن لها هذا العرش العظيم، وما ذكره الله -تبارك وتعالى- يكفي في بيان حقيقة ملكها، وما أوتيته هذه المرأة من عظمة الملك قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ، والمفسرون يذكرون أقوالا في قول سليمان -عليه الصلاة والسلام- هذا، هل كان قبل قوله للهدهد: اذْهَب بِّكِتَابِي [سورة النمل:28،] أو أن ذلك كان بعده؟

فمن قال بأن ذلك -أعني قوله: أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا- كان قبل أن يبعث الهدهد بالرسالة قالوا: لأنه لا يمكن أن يكتب لمن لم يتحقق وجوده، فأراد أن يتحقق من ذلك فقال: من يأتيني بعرش هذه المرأة التي ذكر الهدهد؟ فلما رآه بين يديه عرف صدق ما جاء به الهدهد فكتب لها الخطاب، ولكن هذا لا ضرورة له، فظاهر القرآن -والله تعالى أعلم بترتيب الآيات على النسق الذي قصه الله -تبارك وتعالى- يدل على أن ذلك كان بعد إرسال الخطاب، ولا مانع أن يكتب -عليه الصلاة والسلام- لها تلك الرسالة، ولم يتحقق من قول الهدهد، ثم ينظر بعد ذلك ماذا يكون الرد.

وكذلك في قوله: قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ بعضهم يذكر أقوالاً بعيدة كالذي يقول مثلاً: إن سليمان -عليه الصلاة والسلام- أراد أن يستبق إسلامها فيحوز على عرشها ليملكه فيكون غنيمة فإذا أسلمت فلا يحل له شيء من مالها، فأراد أخذه قبل أن تسلم فتحرز ما في يدها أو ما تحت يدها، هذا فيه بعد.

ومما يدل على بعده أن النبي ﷺ لما ذكر الخصائص الخمس التي لم يعطهن نبي قبله قال: وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي[1]، فدل على أن الغنيمة ما كانت تحل لسليمان -عليه الصلاة والسلام، ولولا كثرة من يذكر هذا القول من المفسرين لأعرضت عنه، ولكن سليمان -عليه الصلاة والسلام- كان له حكمة في طلب العرش قبل مجيئها، ربما يكون كما يقول بعض أهل العلم: أراد أن يريها عظم ملكه، وما أعطاه الله من القُدر والإمكانات فهذا العرش الذي في اليمن يأتي بلحظات قبل أن تصل إليه بمدة ليست بالقصيرة، فهي تحتاج مدة حتى تصل من اليمن إلى الشام فأراد أن يظهر لها عظمة هذا الملك، وأنه أمكن وأقوى منها، وأن تلك الهدايا التي جاءت بها ليست بشيء، فتخضع لسلطان الإسلام، وسلطان سليمان -عليه الصلاة والسلام، وهذا الذي حصل.

وهكذا ما يذكرون من أنه أراد أن يختبر عقلها لما غير في عرشها نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا، ثم بعد ذلك رأت فيه ما تعرف وتنكر، فهذا أحسن ما قيل فيه -والله تعالى أعلم- وما يذكر غير هذا لا دليل عليه، وكونها هي التي اختبرت سليمان كما يذكر بعضهم أنها أرسلت له الوصائف والوصفاء وألبست الذكور منهم لباس الإناث والعكس؛ لتختبره هل يعرف هؤلاء من هؤلاء ويميز هذا كله لا دليل عليه، ولكنه أراد أن يختبر عقلها -والله تعالى أعلم- ولهذا قال: نَنظُرْ أَتَهْتَدِي الآية.

قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ قال مجاهد: أي مارد من الجن، وقال أبو صالح: وكان كأنه جبل.

يبقى أن هذا لا دليل عليه -كأنه جبل، لكن العفريت هو المارد وقد يقال ذلك أيضا للإنس –عفريت- لمن كان له من القُدر والإمكانات الهائلة غير المعهودة فإنه يقال فيه ذلك قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ ولهذا ميز هنا قال من الجن، فهو وإن كان في الغالب يقال للجن لكنه أيضا قد يطلق بإطلاق صحيح عند العرب على المردة من الإنس، أو على من كان لديه من القوى والقُدر والإمكانات الهائلة غير المعهودة.

أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ قال ابن عباس -رضي الله عنهما: يعني: قبل أن تقوم من مجلسك، وقال السدي وغيره: كان يجلس للناس للقضاء والحكومات وللطعام من أول النهار إلى أن تَزول الشمس، وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ قال ابن عباس: أي قوي على حمله، أمين على ما فيه من الجوهر.

فقال سليمان : أريد أعجل من ذلك، ومن هاهنا يظهر أن النبي سليمان أراد بإحضار هذا السرير إظهار عظمة ما وهبه الله له من الملك، وسَخَّر له من الجنود، الذي لم يُعطَه أحد قبله، ولا يكون لأحد من بعده. وليتخذ ذلك حجة على نبوته عند بلقيس وقومها؛ لأن هذا خارق عظيم أن يأتي بعرشها كما هو من بلادها قبل أن يَقْدموا عليه، هذا وقد حجبته بالأغلاق والأقفال والحفظة، فلما قال سليمان: أريد أعجل من ذلك، قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِقال ابن عباس: وهو آصف كاتب سليمان، وكذا رَوَى محمد بن إسحاق، عن يزيد بن رومان: أنه آصف بن برخياء، وكان صدّيقا يعلم الاسم الأعظم.

وقال قتادة: كان مؤمنا من الإنس، واسمه آصف.

هذا الذي عليه أكثر المفسرين أنه من الإنس، وأنه يعلم الاسم الأعظم، وأنه كاتب سليمان، وإن اختلفوا في اسمه فهذا لا يهم هذا الذي يسمونه بالمبهمات في القرآن، ومثل هذا لا فائدة تذكر من تتبعه والاشتغال به، لكن ذاك من الجن، وهذا من الإنس ذاك استطاع أو يستطيع أن يأتي به في تلك المدة؛ لأنه من المردة، وأما هذا فإنه استطاع أو يستطيع أن يأتي به في مدة دونها من جهة العلم قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ.

قيل معرفة الاسم الأعظم هذا ذكره كثير من المفسرين والسلف فمن بعدهم والعلم عند الله -تبارك وتعالى، لكن ظاهره قد يفهم منه أن هذا من الإنس قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ

وبعضهم يقول: هو سليمان نفسه -عليه الصلاة والسلام- لكن ظاهر السياق لا يدل على هذا، وكون سليمان -عليه الصلاة والسلام- يقول له المارد: أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ فما يرضى بهذا يدل على أنه ما قصد مجرد الإحضار؛ لأن هذا يحصل بقول الأول، وإنما أراد أمراً فوق ذلك وهو ما أشار إليه ابن كثير -رحمه الله: إظهار عظمة ملكه، وما أعطاه الله من القُدر والإمكانات.

وقوله: أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ أي: ارفع بصرك وانظر مُدّ بصرك مما تقدر عليه، فإنك لا يكل بصرك إلا وهو حاضر عندك.

هنا قال: ارفع بصرك وانظر مد بصرك مما تقدر عليه، إنه لا يكل إلا وهو حاضر عندك، وهذا الذي قاله ابن كثير قاله أيضا ابن جرير، ولعله أقرب الأقوال -والله تعالى أعلم.

والمعنى: أنه يمتد بصره ينظر إلى الشيء فقبل أن يغمض، أو قبل أن يرتد إليه طرفه بالحركة الطبيعية؛ لأن الإنسان لا يستطيع أن يديم النظر إلى شيء دون تحريك جفنه من غير إرادة، فالمقصود أنه يمتد طرْفه إلى الشيء ينظر إليه فقبل أن يتحرك جفنه يجد هذا العرش أمامه قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ.

وبعضهم يقول: قبل أن يصل إلى مداه قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ بمعنى يمتد النظر قبل أن يصل إلى آخر ما يمكن أن يراه الإنسان، فإذا وصل إلى مداه يكون بعد ذلك قد ارتد إلى صاحبه، وليس معناه أنه يحرك جفنه أو نحو ذلك، وإنما المقصود أنه ليس وراء ذلك غاية يصل إليها يعني هذا غايته وانتهى، يعني غاية ما يمكن للبصر العادي أي العين المجردة أن تصل إليه، مدى البصر يعني للإنسان العادي.

وبعضهم يحمله على معنى آخر يقول: قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ يعني من أرسلته في حاجة قبل أن يرجع إليك يكون هذا، وهذا غير صحيح، فإن رجوعه قد يكون أطول مما قال الأول قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ فهو بحسب ما يحصل من هذا الذي أرسله من جهة البطء والسرعة، وكذلك بعد المكان وقرب المكان، فهذا أبعد هذه الأقوال، قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ تقول: جئت من طرف فلان، قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ من أرسلته قبل أن يرجع إليك، هذا بعيد، والأقرب -والله أعلم- هو قبل أن يحصل للإنسان، قبل أن يغمض عينيه يكون ذلك حاضراً بين يديه، وهذا هو اختيار ابن جرير.

ثم قام فتوضأ، ودعا الله -تبارك وتعالى.

قال مجاهد: قال: يا ذا الجلال والإكرام.

هذا باعتباره الاسم الأعظم، ومعلوم أن في الاسم الأعظم خلافاً مشهوراً، وقوله: قام وتوضأ وقال: يا ذا الجلال والإكرام لا دليل عليه.

فلما عاين سليمان ومَلَؤه ذلك، ورآه مستقرًا عنده قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّيأي: هذا من نعم الله عليّ لِيَبْلُوَنِي أي: ليختبرني، أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ، كقوله: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا [سورة فصلت:46]، وكقوله وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلأنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ [سورة الروم:44].

وقوله: وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ أي: هو غني عن العباد وعبادتهم، كَرِيمٌ أي: كريم في نفسه، وإن لم يعبده أحد، فإن عظمته ليست مفتقرة إلى أحد، وهذا كما قال موسى: إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ [سورة إبراهيم:8].

وفي صحيح مسلم: يقول الله تعالى: يا عبادي لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل منكم، ما زاد ذلك في ملكي شيئًا، يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، كانوا على أفجر قلب رجل منكم، ما نقص ذلك من ملكي شيئًا، يا عبادي، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه[2].

المقصود أن سليمان -عليه الصلاة والسلام- لما حصل له هذا الإفضال ما زاده إلا عبودية لله وشكرا، بخلاف كثير من الناس فإنهم يزدادون بطراً وتعاظماً.

قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ ۝ فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ ۝ وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ ۝ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [سورة النمل:41-44].

لما جيء سليمان بعرش بلقيس قبل قدومها، أمر به أن يغير بعض صفاته، ليختبر معرفتها وثباتها عند رؤيته، هل تقدم على أنه عرشها أو أنه ليس بعرشها، فقال: نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ.

قال ابن عباس: نزع عنه فصوصه ومرافقه.

وقال مجاهد: أمر به فغير ما كان أحمر جعل أصفر، وما كان أصفر جعل أحمر: وما كان أخضر جعل أحمر، غيَّر كل شيء عن حاله.

وقال عكرمة: زادوا فيه ونقصوا.

وقال قتادة: جعل أسفله أعلاه ومقدمه مؤخره، وزادوا فيه ونقصوا.

هذه التفاصيل لا دليل عليها، ولكن قال: نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا يعني: حصل فيه شيء من التغيير، لم يتركه على حاله كما هو، والعلة في ذلك هو ما ذكره من قوله: نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ

قوله: نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي الأقرب أن المقصود تهتدي إلى معرفته، ولهذا سألها: أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ، وبعضهم يقول: تهتدي إلى الإيمان، وهذا لا يخلو من بعد؛ لأن المقام مقام اختبار وسؤال عن عرشها لم يتطرق معها إلى شيء مما يتصل بدعوتها أو نحو ذلك، إنما سألها عن العرش أَهَكَذَا عَرْشُكِ فـنَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِييعني إلى معرفته، هذا هو الأقرب، والله أعلم.

فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِأي: عرض عليها عرشها، وقد غُير ونُكِّر، وزيد فيه ونقص منه، فكان فيها ثبات وعقل، ولها لُبٌّ ودهاء وحزم، فلم تقدم على أنه هو؛ لبعد مسافته عنها، ولا أنه غيره، لما رأت من آثاره وصفاته، وإن غُير وبُدل ونُكر، فقالت: كَأَنَّهُ هُوَ أي: يشبهه ويقاربه، وهذا غاية في الذكاء والحزم.

 هذا ذكره بعض المفسرين منهم ابن كثير -رحمه الله: أن هذا الجواب فيه حصافة، وقد لا يكون ذلك من مقصودها، يعني قد تكون هي شكت أصلا في الأمر يعني بعضهم يقول: إن سليمان -عليه الصلاة والسلام- لما أراد أن يختبرها قالت ذلك من أجل أن تُبِين عن عقلها ودهائها بحيث إنها إن قالت -لما قال السؤال أَهَكَذَا عَرْشُكِ؟- نعم بما جرى عليه من التبديل والتغيير فالجواب غير دقيق، وإن قالت: لا، فهو في أصله عرشها فقالت: كَأَنَّهُ هُوَ.

لكن يمكن أن يقال: لا يبعد أن يقال -والله تعالى أعلم: إنها لما رأت ذلك التغيير مع بُعد المسافة وكيفية تأتِّي حضوره قبلها، وهذا أمر غير معهود قالت: كَأَنَّهُ هُوَ كما يُسأل الإنسان عن الشيء الذي قد يلتبس عليه ويشتبه فلا يستطيع أن يجزم بذلك ويوجد عنده من دواعي الإثبات ما يمنعه من الإنكار والنفي فقالت: كَأَنَّهُ هُوَ فيمكن أن يجري على هذا النسق، ولا يكون ذلك من مقصودها أنها قصدت إظهار الحصافة، وكمال العقل ونحو هذا، كما يقوله بعض المفسرين، قد لا تقصد هذا أصلا، وإنما سليمان -عليه الصلاة والسلام- أراد أن يظهر لها عظمة ملكه، وما أعطاه الله من الإمكانات، وأراد أن يختبر عقلها في الوقت نفسه، فسألها هذا السؤال بعد تنكير العرش؛ ليعلمها، أو ليزعزع ثقتها في نفسها، والله تعالى أعلم.

وقوله: وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ قال مجاهد: سليمان يقوله.

يعني هذه العبارة يقولها سليمان: وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ قال مجاهد: يقوله سليمان -عليه الصلاة والسلام، يعني أن الله أعطاه علما، وهذا هو المتبادر -والله تعالى أعلم- أنه من قول سليمان -عليه الصلاة والسلام، وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا فالضمير يرجع إليها في قوله: مِنْ قَبْلِهَا فالمتبادر أن المراد ملكة سبأ.

وبعضهم يقول: هذا من قول ملكة سبأ، هي التي قالت ذلك: وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا يعني قبل هذه الآية، وهؤلاء قد يحتجون على هذا القول باعتبار أن الكلام الذي قبله هو من كلامها قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا، قالوا: إن الأصل أن هذا الكلام من قائل واحد لمتكلم واحد، وهذا وإن كان الأصل لكنه ليس بالضرورة في كل المواضع؛ فإن السياق قد لا يدل أو لا يساعد عليه، فالقول بأن القائل هو سليمان ﷺ هو الأقرب، وهو اختيار ابن جرير.

فالحاصل أنه على رأي القائلين بأنه من قولها يكون العلم الذي قصدته هو العلم بصحة نبوته قبل هذه الآية، يعني قبل أن تصل إليه عرفت أنه نبي، وهذا فيه بعد أعني أنه من قولها، والله أعلم.

وقوله: وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ هذا من تمام كلام سليمان -عليه السلام -في قول مجاهد، وسعيد بن جبير رحمهما الله- أي: قال سليمان: وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ، وهي كانت قد صدها، أي: منعها من عبادة الله وحده، مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ، وهذا الذي قاله مجاهد وسعيد حَسَنٌ، وقاله ابن جرير أيضا.

قوله: قاله مجاهد وسعيد حسن يعني ابن كثير يستحسن هذا القول، وليس المقصود أنه قاله الحسن.

ويحتمل أن يكون في قوله: وَصَدَّهَا ضمير يعود إلى سليمان، أو إلى الله ، تقديره: ومنعها مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أي: صدَّها عن عبادة غير الله إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ.

قلت: ويؤيد قول مجاهد: أنها إنما أظهرت الإسلام بعد دخولها إلى الصرح، كما سيأتي.

يعني هنا بقوله: ويحتمل أن يكون في قوله: وَصَدَّهَا ضمير يعود إلى سليمان، أو إلى الله ، أنه ليس المقصود أن الذي صدها هو سليمان أو الذي صدها هو الله -تبارك وتعالى، وإنما المقصود أن ذلك من قول سليمان، أو أنه من قول الله -تبارك وتعالى- تعقيباً على ما جرى، يعني الذي قال: وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ، يحتمل أن يكون هذا من كلام الله ، وهذا الذي يسمونه الموصول لفظا المفصول معنى، يعني الكلام كأنه لمتكلم واحد.

ولكن الواقع أن هذه الجملة لقائل، والجملة الأخرى لقائل آخر، فإذا قلنا: إن هذا من قول الله -تبارك وتعالى- يكون هكذا فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا، إذا قلنا: إن قوله: وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا من كلامها فيكون هذا من الموصول لفظا ومعنى، وإذا قلنا -على الأرجح- إنه من كلام سليمان -عليه الصلاة والسلام- فيكون هذا من الموصول لفظا المفصول معنى وَأُوتِينَا الْعِلْمَ، قال سليمان: وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ ۝ وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إذا قلنا: إنه من قول سليمان، وإن ما قبله من قول سليمان فيكون هذا من الموصول لفظا ومعنى، وإذا قلنا: إن ما قبله من قولها، وهذا من قول سليمان فيكون من الموصول لفظا المفصول معنى.

وهكذا إذا قلنا: إن ما قبله -أعني قوله: وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا- من قول سليمان، وإن هذا -أعني وصدها- من قول الله يبين سبب انحرافها فيكون هذا من الموصول لفظا المفصول معنى، وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ يعني أن عبادتها لغير الله، هذا هو الظاهر المتبادر، وإن قال بعض المفسرين غير ذلك: وهو إن المعنى وصدها ما كانت تعبد من دون الله عن عبادة الله وتوحيده.

وقوله: قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقـَيْهَا وذلك أن سليمان أمر الشياطين فبنوا لها قصرًا عظيما من قوارير، أي: من زجاج، وأجرى تحته الماء، فالذي لا يعرف أمره يحسب أنه ماء، ولكن الزجاج يحول بين الماشي وبينه.

أصل الصرح في كلام العرب: هو القصر، وكل بناء مرتفع، قال الله إخبارًا عن فرعون -لعنه الله- أنه قال لوزيره هامان ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأسْبَابَ... الآية [سورة غافر:36، 37]، والصرح: قصر في اليمن عالي البناء، والممرد أي: المبنى بناء محكما أملس مِنْ قَوَارِيرَ أي: زجاج، وتمريد البناء تمليسه، ومارد: حصن بدومة الجندل.

والغرض أن سليمان ، اتخذ قصرا عظيما منيفا من زجاج لهذه الملكة؛ ليريها عظمة سلطانه وتمكنه، فلما رأت ما آتاه الله تعالى، وجلالة ما هو فيه، وتبصرت في أمره انقادت لأمر الله وعَرفت أنه نبي كريم، وملك عظيم، وأسلمت لله ، وقالت: رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي أي: بما سلف من كفرها وشركها وعبادتها وقومها الشمس من دون الله، وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَأي: متابعة لدين سليمان في عبادته لله وحده، لا شريك له، الذي خلق كل شيء فقدره تقديرًا.

حينما نقول: إن قوله -تبارك وتعالى: وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ من قول سليمان -عليه الصلاة والسلام، وإذا كان من قولها يعني قصدت أنها قبل هذه الآية عرفتْ نبوته، والأقرب أنه قول سليمان -عليه الصلاة والسلام؛ ولأنها لم تسلم إلا بعد أن دخلت الصرح، وحصل ما حصل، وإذا قلنا: إنه من قول سليمان ﷺ فيمكن أن يقال: إن مراده بقوله: وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا العلم بالله وتوحيده وما إلى ذلك، وبعضهم يقول: العلم بقدرة الله ، وهذا لا ينافي ما سبق، وبعضهم يقول: وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا أي: من قبل مجيئها، أي العلم بإسلامها قبل أن تأتي، ولكن هذا فيه بعد؛ لأنها لم تسلم إلا بعد ذلك.

وهنا قال: قيل لها: ادْخُلِي الصَّرْحَ يقول الحافظ ابن كثير -رحمه الله: وذلك أن سليمان -عليه الصلاة والسلام- أمر الشياطين فبنوا لها قصرًا عظيمًا من قوارير إلى آخره، هذا معناه أن ابن كثير -رحمه الله- يفسر الصرح بالقصر، وهذا معنى معروف عند العرب، إطلاق الصرح على القصر، قصر عظيم بني من قوارير يعني من زجاج وأجرى تحته الماء فهو لصفائه يشف عما تحته، فلما دخلت فيه ظنت أنها تخوض في ماء كثير، لجة حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا.

وبعضهم كالزجاج يفسر الصرح بالصحن صحن الدار، أو صحن القصر أو نحو ذلك، يعني كأنه وُضع لها بلاط من زجاج، وأجرى تحته الماء، ففسر الصرح بالصحن، قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ يعني صحن القصر مثلا، وهذا مثل قول من قال كابن قتيبة: إن ذلك بلاط من قوارير من زجاج.

وظاهر الآية يدل على أن الذي كان موطئا لأقدامها، وموضعا لمشيها، وما أمرت بالدخول فيه أنه كان من الزجاج، وأنها تمشي على أرض من زجاج؛ ولهذا حَسِبَتْهُ لُجَّةً فأجرى تحته الماء وهذا أمر غير معهود، وإلى يومنا هذا يعتبر هذا من الأمور العجيبة جداً مع ما أعطيه الناس من إمكانات وصناعات وما أشبه ذلك، فيدل على أن ملك سليمان -عليه الصلاة والسلام- وما أعطيه من هذه القُدر أعظم مما توصل إليه الناس اليوم بمراحل كثيرة، يسير في الهواء، وعنده هؤلاء الجن والشياطين يعملون له ما يشاء، تماثيل، ومحاريب إلى آخره، حتى الآبار العجيبة إلى اليوم التي يعجب الناس منها منحوتة في الصخر بطريقة هندسية عجيبة دقيقة، كأنها حفرت بآلات بغاية الدقة، يقولون: هكذا في أطراف الشام موجودة إلى اليوم، وإن ذلك مما حفرته الجن لسليمان -عليه الصلاة والسلام- والله تعالى أعلم، ولكن ذلك يدل على قُدر غير عادية.

قال: حَسِبَتْهُ لُجَّةً اللجة معظم الماء، رغم أنه لجة البحر، البحر اللجيّ يعني البحر العميق، فظنت أنه لجة يعني أنه ماء كثير تحتاج إلى الخوض فيه فكشفت عن ساقيها؛ لئلا تبتل ثيابها، وهذا أيضا اختبار آخر لها وإظهار لقدرة سليمان -عليه الصلاة والسلام- وفي البداية نكر لها عرشها، وهذا هو الاختبار الثاني ليظهر لها أن ما أوتيته ليس بشيء إزاء ما أعطاه الله لسليمان، فإذا كانت هذه المرأة جاءت بهذه المثابة نظرت إلى عرشها الذي ينبغي أن تكون أعرف الناس به، ثم بعد ذلك لُبّس عليها، ثم أمام سليمان -عليه الصلاة والسلام- تريد أن تمشي في مكان من اليابس ثم ترفع وتكشف عن ساقيها كأنها تخوض بالماء فإن هذا الموقف قد لا تحسد عليه.

ملكة ثم يتبين جهلها بحقيقة الأمر، ثم يقال لها: هذا ليس فيه ماء، أنت تمشين على محل يابس، فالإنسان يدرك في هذه المقامات قصوره، وجهله، وتخلفه عن بلوغ هذه المراتب من المعرفة، هذه ملكة عظيمة لها عرش عظيم، ومع ذلك منذ أن جاءت حصل لها هذه المواقف فإن ذلك لا شك أنه يزعزع ثقتها بما عندها، ويذهب ما عندها من غرور، وزهو، وتعاظم -كما هو العادة مما يحصل لأهل الملك والسلطان، وأصحاب الثروة العظيمة، فإذا حصل له مثل هذا تلاشى ورجع إلى ما كان ينبغي أن يكون عنده- فيكون ذلك أدعى إلى إسلامها وخضوعها، والعلم عند الله -تبارك وتعالى.

يقول: أصل الصرح في كلام العرب هو القصر، وكل بناء مرتفع، وهذا الذي قاله ابن كثير -رحمه الله- قال به أبو عبيد القاسم بن سلام، واحتج بقوله: ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ [سورة غافر:36]، وقال: الصرح قصر في اليمن هذا لا علاقة له بالآية، لكن هو يريد أن يبين الشيء بالشيء، يذكر أن الصرح يقال: للقصر، يقال يوجد في اليمن قصر لا علاقة له بملكة سبأ، هو لا يقصد هذا، والمُمرّد هنا قال: المبني بناء محكما أملس، وبعضهم يقول: هو البناء الطويل، يقال له: ممرد، ومنه قيل للحصن المعروف: مارد، "تَمرَّدَ ماردٌ وعزَّ الأبْلقُ"، هذا مثل أو صار مثلا، يقول: بناء محكما أملس من قوارير أي من زجاج، وتمريد البناء تمليسه، ولهذا قيل: الأمرد الذي ليس في وجهه شعر، فأصل هذه المادة يرجع إلى هذا المعنى، والله تعالى أعلم.

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هـُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ ۝ قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ۝ قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن ْمَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ [سورة النمل:45-47].

يخبر تعالى عن ثمود وما كان من أمرها مع نبيها صالح -عليه السلام، حين بعثه الله إليهم، فدعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له،فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ قال مجاهد: مؤمن وكافر، كقوله تعالى: قَالَ الْمَلأ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ ۝ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ [سورة الأعراف: 75، 76].

فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ هذا الأقرب، والقرآن يدل عليه كما في هذه الآية أن بعض قوم صالح -عليه الصلاة والسلام- أسلم، ومن نظر في خبرهم في التاريخ رأى أشياء كثيرة من هذا القبيل، وما حصل بينهم من المجاوبة والمحاورة، وما جرى من كبراء قوم صالح -عليه الصلاة والسلام.

الشاهد أن بعضهم أسلم كما يدل عليه القرآن، ولا حاجة لأن يقال: إذا هم فريقان: الفريق الأول هو صالح -عليه الصلاة والسلام، والفريق الآخر هم قومه؛ لأن مِن قومه مَن أسلم: قَالَ الْمَلأ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ ، فًإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ وهذه عادة الرسل -عليهم الصلاة والسلام- يأتون إلى قومهم فيدعونهم إلى التوحيد، فيستجيب من شاء الله هدايته، فينقسم هؤلاء القوم إلى مؤمنين وكفار، والله سمي هذا القرآن بالفرقان؛ لأنه يفرق به بين الحق والباطل، والنبي ﷺ فرق بين الناس، فافترق قومه إلى مؤمنين وكفار، وإبراهيم -عليه الصلاة والسلام- تبرأ من أبيه وقومه.

قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ، أي: لِمَ تدعون بحضور العذاب، ولا تطلبون من الله رحمته؟ ولهذا قال: لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ۝ قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ أي: ما رأينا على وجهك ووجوه مَنْ اتبعك خيرا، وذلك أنهم -لشقائهم- كان لا يصيب أحدًا منهم سوءٌ إلا قال: هذا من قِبَل صالح وأصحابه.

قال مجاهد: تشاءموا بهم، وهذا كما قال تعالى إخبارًا عن قوم فرعون: فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَه... الآية [سورة الأعراف:131]، وقال تعالى: وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [سورة النساء:78] أي: بقضاء الله وقدره، وقال تعالى مخبرًا عن أهل القرية إذ جاءها المرسلون: قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ۝ قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ [سورة يس:18، 19]، وقال هؤلاء: اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أي: الله يجازيكم على ذلك بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ قال قتادة: تُبتلون بالطاعة والمعصية.

والظاهر أن المراد بقوله: تُفْتَنُونَ أي: تستدرجون فيما أنتم فيه من الضلال.

قوله -تبارك وتعالى- عنهم: قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ السيئة هنا يقول: أي: لِمَ تدعون بحضور العذاب ولا تطلبون من الله رحمته، هذا هو الأقرب -والله أعلم، وهو الذي اختاره ابن جرير -رحمه الله، ويدل عليه قوله تعالى: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْمـَثُلاَتُ يعني العقوبات المستأصلة، فهذه هي السيئة وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ [سورة الحج:47]، فهذا هو استعجالهم، وبعضهم يقول غير هذا، ولكن الذي يدل عليه القرآن هو هذا القول.

وهنا قال: قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ يعني معناه أنهم تشاءموا به كما قص الله -تبارك وتعالى- عن الأقوام السابقين، وكذلك عن المكذبين للنبي ﷺ وعن الكافرين بأنهم كانوا أيضا يتشاءمون به، قال: قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ يقول: أي الله يجازيكم على ذلك، وابن جرير -رحمه الله- يقول: أي ما يقع لكم علمه عند الله، يقول: قالوا: نحن تطيرنا بك ما يأتينا من شر أو قحط أو نحو ذلك هو من قِبلك، ومن دعوتك ومن دينك، فيقول لهم: ما يقع لكم من خير وشر عِندَ اللَّهِ أي: علمه عند الله -تبارك وتعالى، ولا شك أن ما يقع للإنسان من خير وشر فهو من الله، ولكن الشر لا ينسب إلى الله -تبارك وتعالى- تأدبا معه، والشر ليس إليك[3]، وإلا فالله هو خالق الخير، وهو خالق الشر بلا شك، فلا يوجد في الخلق شيء إلا والله -تبارك وتعالى- هو الذي خلقه، ليس في الكون خالق غير الله ، ولكن تأدبًا معه لا ينسب إليه الشر استقلالا.

ولهذا تأدب النبي ﷺ في قوله: والشر ليس إليك، ولهذا في مقام الرد، في مقام بيان هذا الأصل قال: قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ [سورة النساء:78] حينما رد عليهم لما تطيروا بالنبي ﷺ قال: وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِكَ، فجاء الرد قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ يعني الحسنة والسيئة، ولما أراد أن يبين منشأ ذلك ومرجعه وسببه قال: مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ [سورة النساء:79]، فهذا في مقام التقرير والتبيين، قال لهم: إن ما يصيبكم من الشر كما قال الله : وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ [سورة الشورى:30]، فالباء السببية تعني بسبب ذنوبكم، لكن في مقام الرد قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ أي: بتقديره وقضائه ، فنفرق بين المقامين، فليس ذلك من التعارض، أو التناقض هي كلها من عند الله خلقا وتقديرا وقضاء وقدرا، وتُنسب، وقال: وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ من جهة التسبب.

قال: بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ، قال قتادة: تبتلون بالطاعة والمعصية، يعني تختبرون، قال: والظاهر أن المراد بقوله: تُفْتَنُونَ أي: تستدرجون فيما أنتم فيه من الضلال، والفتنة تأتي لمعانٍ في القرآن من أشهرها الابتلاء والاختبار، بل أنتم قوم تمتحنون وتختبرون، ولما كانت تأتي بمعنى نتيجة الاختبار السيئة يعني العذاب، قال بعضهم: بل أنتم قوم تعذبون، يعني إنما يحصل لكم مما يسوءكم ليس من جهتي ليس من عندي بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ أي: تعذبون بذنوبكم، وبسبب سوء حالكم، وعدم استجابتكم، بسبب شرككم تعذبون بذنوبكم. 

وبعضهم يقول: بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ أي: يفتنكم الشيطان عن طاعة الله وطاعة رسوله -عليه الصلاة والسلام- يفتنكم بهذه الطيرة، فيحصل لكم مثل هذا الاعتقاد الفاسد يتلاعب بكم الشيطان، وبعضهم كابن جرير يقول: بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ أي: تختبرون بي، أن الله أرسلني إليكم وابتلاكم بي، فالرسل -عليهم الصلاة والسلام- يُبتلون بأقوامهم، والأقوام يُبتلون بالرسل، وهذه الحياة هي دار الابتلاء فالغني يُبتلى بالفقير، والفقير يُبتلى بالغني، والعالم يبتلى بالجاهل، والجاهل يبتلى بالعالم، والصحيح يبتلى بالمريض، والمريض يبتلى بالصحيح، وهكذا، وهذا قاله في مقام الرد عليهم لما تطيروا به، قال لهم: طَائِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ.

فهذه الأقوال يفتنون: يختبرون إذا قيل إنهم يبتلون بالطاعة والمعصية فهذه الحياة دار ابتلاء، خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [سورة الملك:2]، وإذا قيل: إنهم يبتلون برسولهم هل يستجيبون أو لا، فكذلك هو مبتلى بهم والله -تبارك وتعالى- يقول: فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ [سورة الأعراف:6] يسأل الرسل عن أقوامهم ماذا أجابوكم؟ ويسأل الأقوام عن الرسل -عليهم الصلاة والسلام- ماذا بلغوكم؟ أو هل بلغوكم البلاغ المبين؟ وهكذا ما يعطاه الناس من الدنيا والمتع هو ابتلاء، وما يحصل لهم من هذا الشؤم هو نوع ابتلاء، وما يقع في قلوبهم، إلى غير ذلك من المعاني، والله تعالى أعلم.

وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ ۝ قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ۝ وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ۝ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ ۝ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ۝ وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [سورة النمل:48-53].

يخبر تعالى عن طغاة ثمود ورءوسهم، الذين كانوا دعاة قومهم إلى الضلالة والكفر وتكذيب صالح، وآل بهم الحال إلى أنهم عقروا الناقة، وهموا بقتل صالح أيضًا، بأن يبيتوه في أهله ليلا فيقتلوه غيْلَة، ثم يقولوا لأوليائه من أقربيه: إنهم ما علموا بشيء من أمره، وإنهم لصادقون فيما أخبروهم به من أنهم لم يشاهدوا ذلك، فقال تعالى: وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ أي: مدينة ثمود، تِسْعَةُ رَهْطٍ أي: تسعة نفر، يُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ وإنما غلب هؤلاء على أمر ثمود؛ لأنهم كانوا كبراء فيهم ورؤساءهم.

لهذا بعضهم يقول: يُنظَر إلى معنى الرهط تِسْعَةُ رَهْطٍ قالوا: الرهط اسم للجماعة، قالوا: كأن هؤلاء كانوا من العظماء الرؤساء المتبوعين فكانوا يفسدون في الأرض ولا يصلحون، ويصدون الناس عن الاستجابة لنبي الله -عليه الصلاة والسلام- فكل واحد من هؤلاء يتبعه جماعة، ويمكن أن يكون قد خص هؤلاء أي مع كثرة الكافرين من قومه باعتبار أنهم الأعتى والأشد و الأبلغ و الأكثر في الفساد والإفساد كما قال ابن جرير -رحمه الله: إن هؤلاء تميزوا على غيرهم وزادوا فخصهم؛ لسعيهم في قتل الناقة، إن الذين تآمروا على قتل الناقة واشتركوا في ذلك هم جماعة، ولكن الأحيمر من ثمود فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ [سورة القمر:29]، إن الذي باشر ذلك هو واحد منهم، ولكن الذين بيتوا هذا واتفقوا عليه وكذلك تآمروا على قتل صالح -عليه الصلاة والسلام- هم هؤلاء التسعة، فهم مردة، فشياطين الإنس وشياطين الجن كثير، ولكنه قد يتميز بعضهم بمزيد من الفساد والشر والعتو والتجبر على الله -تبارك وتعالى، وعلى أهل الإيمان، فهؤلاء لهم مزية في ذلك: وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وهذا يكاد يكون لكل زمان ومكان، المردة، العتاة، المفسدون فمن الناس من يكون فساده و شره وضلاله على نفسه، ومنهم من يحمل أو يتحمل ضلال الآخرين ويدأب في صدهم عن الحق، ويحارب الأنبياء والرسل -عليهم الصلاة والسلام- وأتباع الرسل غاية المحاربة، والله المستعان.

قال العَوْفي، عن ابن عباس: هؤلاء هم الذين عقروا الناقة، أي: الذين صدر ذلك عن آرائهم ومشورتهم، قبحهم الله ولعنهم.

قال الله تعالى: فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ [سورة القمر:29]، وقال تعالى إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا [سورة الشمس:12].

وقال عبد الرزاق: أنبأنا يحيى بن ربيعة الصنعاني، سمعت عطاء -هو ابن أبي رباح- يقول: وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ وَلا يُصْلِحُونَقال: كانوا يقرضون الدراهم، يعني أنهم كانوا يأخذون منها، وكأنهم كانوا يتعاملون بها عددًا، كما كان العرب يتعاملون.

وقال الإمام مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب أنه قال: قَطْع الذهب والورق من الفساد في الأرض.

والغرض أن هؤلاء الكفرة الفسقة كان من صفاتهم الإفساد في الأرض بكل طريق يقدرون عليها، فمنها ما ذكره هؤلاء الأئمة وغير ذلك.

وقوله: قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ أي: تحالفوا وتبايعوا على قتل نبي الله صالح ، مَن لقيه ليلا غيلة، فكادهم الله، وجعل الدائرة عليهم.

قال مجاهد: تقاسموا وتحالفوا على هلاكه، فلم يصلوا إليه حتى هلكوا وقومهم أجمعين.

وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: لما عقروا الناقة وقال لهم صالح: تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ [سورة هود:65]، قالوا: زعم صالح أنه يفرغ منا إلى ثلاثة أيام، فنحن نفرغ منه وأهله قبل ثلاث. وكان لصالح مسجد في الحجْر عند شِعب هناك يصلي فيه، فخرجوا إلى كهف، أي: غار هناك ليلا فقالوا: إذا جاء يصلي قتلناه، ثم رجعنا إذا فرغنا منه إلى أهله، ففرغنا منهم، فبعث الله صخرة من الهضَب حيالهم، فخشوا أن تشدخهم فتبادروا فانطبقت عليهم الصخرة وهم في ذلك الغار، فلا يدري قومهم أين هم، ولا يدرون ما فعل بقومهم. فعذب الله هؤلاء هاهنا، وهؤلاء هاهنا، وأنجى الله صالحًا ومن معه، ثم قرأ: وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً أي: فارغة ليس فيها أحد بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ۝ وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمـَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ.

قوله -تبارك وتعالى: قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ما ذكره هنا من كُمون هؤلاء في الغار لا دليل عليه، وظاهر القرآن يدل على أنهم أرادوا قتله وأهله ليلا لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ يعني يمكن أن يأتوا إليه في الليل في بيته فيقتلوه مع أهله جميعا ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ يعني ولي الدم من عصباته مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ، بمعنى أنهم كانوا يتهيبون من أوليائه وعصباته، وقد لا يكون هؤلاء على دينه أصلا، ولكن الله قد ينصر أنبياءه -عليهم الصلاة والسلام- بمثل هذا، كما حمى أبو طالب النبي ﷺ حمية وتسخيراً من الله -تبارك وتعالى- له.

وهكذا كما في قوله -تبارك وتعالى: وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ ۝ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ اللّهِ [سورة هود:91، 92] فهم راعوا هؤلاء الجماعة، والرهط والقوم، فيدل على أن الأنبياء أو الدعاة إلى الله قد يحوطهم الله -تبارك وتعالى- ويهيئ لهم من الأسباب ما كان من هذا القبيل حمية وما إلى ذلك، فهؤلاء تقاسموا وحلفوا بالله -تبارك وتعالى- وهذا يدل على أنهم كانوا يعرفون الله، أقسموا به، والقسم إنما يكون بمعظَّم، أقسموا أن يقتلوا نبيه -عليه الصلاة والسلام- وأن يقتلوا أهله معه، هكذا تعاهدوا.

قال: وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ، وحقيقة المكر هو الأخذ بطريق خفي من حيث لا يشعر بذلك الممكور به، فقد يكون ذلك بأمر يحبه ويقبل عليه، ويدخل فيه الاستدراج بالنعم والعطاء إلى غير هذا من الوجوه الخفية التي يحصل بها الإهلاك من وجه لا يشعر به المهلَك، وصفة المكر ثابتة لله -تبارك وتعالى- على الوجه الذي يليق بجلاله وعظمته، حيث يكون ذلك كمالا، يعني ليس بإطلاق، فالمكر ليس من الصفات الكاملة، وإنما يكون كمالا في محالٍ دون غيرها، فالله -تبارك وتعالى- له من هذا الوصف ما يكون كمالا، ولهذا ليس ذلك من أسمائه -تبارك وتعالى، ولا يقال: إن هذا من صفاته بإطلاق هكذا، ولكن المكر يمدح ويكون مستحسنا إذا كان في موضع يحسن فيه ذلك، يعني إذا وجد مثلا من يفسد ويتأذى الخلق به، فقام من خلصهم منه بحيلة خفية، أوقعه في سوء عمله فإن الناس يحمدون هذا ويرون أن ذلك من الكمال فهذا لا إشكال فيه.

أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ [سورة الأعراف:99] ولا يقال: إن ذلك لا يقال على الله -تبارك وتعالى- إلا بمقابل ذكر المكر من الكافرين والماكرين، لا، وإنما يقال: هذا ليس بلازم، هنا قال: وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا، لكن في قوله: أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ هل ذكر مكرهم؟ الجواب: لا.

وبعض أهل العلم يذكر ذلك في تقريره لهذه الصفة، بعض أهل السنة يقول: ذلك لا يقال إلا في مقابل ذكر مكر الماكرين، ولهذا بعض من يؤول وبعض من لا يشعر بأن ذلك من التأويل يقول: هذا من قبيل المشاكلة، والواقع أن المشاكلة نوع من المجاز، يعني لا حقيقة له، وبعض أهل السنة يعبر بهذا ولا يشعر بما تحته يقول: لا تقال إلا مع ما يقابلها من وصف الكافرين بذلك مثلا، وليس ذلك بلازم؛ فقوله:أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ لم يذكر فعلهم ومكرهم، قال: وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ وهذا حقيقة المكر من حيث لا يشعر الممكور به.

فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ، فالله -تبارك وتعالى- يقول: لنبيه ﷺ: فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ؛ ليحصل الاعتبار بذلك كما قال الله -تبارك وتعالى: وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ [سورة فاطر:43]، جاء بها بأقوى صيغة من صيغ الحصر النفي والاستثناء، وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ، فالمكر السيئ يرجع إلى أصحابه، وهنا قال: أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ على قراءة الجمهور، وإنا دمرناهم على الاستئناف جملة جديدة، ويكون ذلك من قبيل التفسير على هذه القراءة التي نقرأ بها أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ، فهذه عاقبة مكر هؤلاء المجرمين، وذلك وعيد لكل من يتصف بصفتهم، ويحارب دين الله ، وأولياءه فعاقبته إلى خسار.

لكن أولئك لا يفقهون؛ لأن الله -تبارك وتعالى- طمس على قلوبهم، وقد لا يقرءون القرآن أصلا ولا ينتفعون به، ولكن العبرة لأهل الإيمان ينبغي أن يعتبروا بمثل هذا، وأن يثقوا بدين الله، وأنه منصور، وأن الله حافظ دينه، وأن مكر هؤلاء المجرمين يرجع إليهم، وأن دين الله محفوظ، وأن الله مظهر دينه، ولكن ليبلو الخلقَ بعضهم ببعض فينظر في عملهم، فمن الخطأ أن الإنسان ينكسر وتنثني قناته ويتخلى عن مبدئه ودعوته، وما عرف من الحق من أجل كثرة ما يرى من الكيد والصد وسخرية الساخرين، ولمز اللامزين من أعدائه من المنافقين والزنادقة وغيرهم، فهذا لا يزيده إلا ثباتا، فهذه أخبار الرسل -عليهم الصلاة والسلام- وما يعقب الله ذلك مما ترون، كل هذا لا يزيد المؤمن إلا ثباتا على الحق، وصبرا عليه، وحسن ظن بالله .

وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ ۝ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهـَلُونَ ۝ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنـَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ۝ فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الـْغَابِرِينَ ۝ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ [سورة النمل:54-58]، يخبر تعالى عن عبده لوط ، أنه أنذر قومه نقمة الله بهم، في فعلهم الفاحشة التي لم يسبقهم إليها أحد من بني آدم، وهي إتيان الذكور دون الإناث، وذلك فاحشة عظيمة، استغنى الرجال بالرجال، والنساء بالنساء -فقال: أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ أي: يرى بعضكم بعضًا، وتأتون في ناديكم المنكر؟

يعني هنا الفاحشة، ومعلوم أن الفاحشة هي الذنب العظيم، والمراد بها نوع خاص من الفاحشة -قبحهم الله، قال: أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ اختلف المفسرون في الإبصار هنا هل المقصود به الإبصار بالعين، أو المقصود به الإبصار بالقلب يعني العلم؟ وابن كثير -رحمه الله- فسرها بالإبصار بالعين وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ يعني أنهم يفعلون ذلك على مرأى من بعضهم، يعني يفعلون ذلك في مجالسهم ونواديهم لا يستترون به.

وبعضهم كابن جرير يفسر ذلك ببصر القلب وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ يعني تعلمون قبحها، تعلمون أن هذا فعل قبيح وشنيع وسيئ، وأنه خلاف الفطرة، ولعل هذا هو الأقرب -والله أعلم- لظاهر القرآن، أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ هو يخاطب الجميع، يقول: وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ هذا أقرب من القول بأن المقصود وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ أي يبصر بعضكم بعضا، وهو يواقع هذه الفاحشة، لكن الذين قالوا: إن المقصود الإبصار بالعين يحتجون بمثل هذا وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ [سورة العنكبوت:29]، يقولون: يفعلون الفاحشة علانية في مجالسهم -نسأل الله العافية. 

والذين لا يقولون بهذا فسروا وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ بتفسيرات، وغير ممتنع -والله تعالى أعلم- أن يدخل في إتيان الفاحشة علانية لكن ليس ذلك يعني بالضرورة أن يكون المراد بقوله: وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ أي تبصرون ذلك حال المواقعة وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ أي: تعلمون قبحها، وقوله: وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ سواء قلنا: إنه فعل الفاحشة أو ما ذكره بعض المفسرين وهو متلقى عن بني إسرائيل مما ذكروا من الأمور التي يقبح ذكرها وروايتها، وتثقل على السمع من القبائح التي كانوا يفعلونها في مجالسهم ولا يستحون، لا يستحي بعضهم من بعض، ليس عندهم شيء من المروءة وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ، بعضهم يفسر هذا بأمور قبيحة لا يحسن ذكرها، ويذكرون من جملة هذا التصفيق فهو من فعل السفهاء إلى غير ذلك مما يذكرونه، فالله -تبارك وتعالى- أطلقَ: وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ فيأتون في ناديهم المنكرات القولية والفعلية.

أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تـَجْهَلُونَ أي: لا تعرفون شيئًا لا طبعًا ولا شرعًا، كما قال في الآية الأخرى: أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ ۝ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مـِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ [سورة الشعراء:165، 166].

فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ أي: يتحرجون من فعل ما تفعلونه، ومن إقراركم على صنيعكم، فأخرجوهم من بين أظهركم فإنهم لا يصلحون لمجاورتكم في بلادكم، فعزموا على ذلك، فدمر الله عليهم وللكافرين أمثالها.

قال الله تعالى: فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَأي: من الهالكين مع قومها؛ لأنها كانت ردءًا لهم على دينهم، وعلى طريقتهم في رضاها بأفعالهم القبيحة، فكانت تدل قومها على ضيفان لوط، ليأتوا إليهم، لا أنها كانت تفعل الفواحش؛ تكرمةً لنبي الله ﷺ، لا كرامةً لها.

المقصود بقوله: فَخَانَتَاهُمَا [سورة التحريم:10 أنها لم تكن على دينه، كانت تدل على ضيفانه، وليس المقصود أنها تقارف الفاحشة؛ لأن ذلك يعود على النبي -عليه الصلاة والسلام- فيكون قدحا في عرضه، ولا يمكن أن يقع ذلك لزوج نبي من الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام، وقوله -تبارك وتعالى: فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ أنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها من الغابرين أي: من الهالكين، مع قومها الهالكين، وبعضهم كابن جرير يقول: من الباقين، فالغابر يقال: للذاهب الهالك، ويقال أيضا: للباقي، فهو من الأضداد، ويمكن أن يجمع بين هذين المعنيين، والقرآن يعبر به بالألفاظ القليلة الدالة على المعاني الكثيرة، فقد تكون هذه المعاني المجتمعة من قبيل المتضادة، وقد تكون من قبيل المتناقضة، وقد تكون من قبيل المتخالفة، ويمكن جمعها أحيانا فهنا مِنَ الْغَابِرِينَ من الذاهبين أو من الباقين؟ نقول هي من الذاهبين باعتبار أنها هلكت، وهي من الباقين باعتبار أنها بقيت في المحل، في أرضهم في دارهم فأصابها ما أصابهم من العذاب، فذهبت أي هلكت، وبقيت أي لم تفارق قومها مع لوط -عليه الصلاة والسلام- فهذا كله صحيح.

وقوله: وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا أي: حجارة من سجيل منضود مسوّمة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد؛ ولهذا قال: فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ أي: الذين قامت عليهم الحجة، ووصل إليهم الإنذار، فخالفوا الرسول وكذبوه، وَهمُّوا بإخراجه من بينهم.

وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا تنكيره هنا يدل على التعظيم، أي مطر عظيم شديد، وهو مطر غير معهود؛ لأنه من حجارة.

  1. رواه البخاري، أبواب المساجد، باب قول النبي ﷺ: جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، برقم (427)، ومسلم -واللفظ له- في أول كتاب المساجد ومواضع الصلاة، برقم (521).
  2. رواه مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، برقم (2577).
  3. رواه مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، برقم (771).

مواد ذات صلة