بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المفسر -رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى:
الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [سورة المائدة:5].
لما ذكر تعالى ما حرمه على عباده المؤمنين من الخبائث، وما أحله لهم من الطيبات، قال بعده: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ثم ذكر حكم ذبائح أهل الكتابين من اليهود والنصارى، فقال: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ قال ابن عباس، وأبو أمامة ومجاهد، وسعيد بن جُبَيْر وعِكْرِمة وعَطاء والحسن ومَكْحول وإبراهيم النَّخَعِي والسُّدِّي ومُقاتل بن حيَّان: يعني ذبائحهم، وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء أن ذبائحهم حلال للمسلمين؛ لأنهم يعتقدون تحريم الذبح لغير الله، ولا يذكرون على ذبائحهم إلا اسم الله وإن اعتقدوا فيه تعالى ما هو منزه عنه تعالى وتقدس.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فقوله تبارك وتعالى هنا: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ المراد به قطعًا الذبائح، وليس المراد به سائر الطعام كالخبز ونحو ذلك؛ لأن مثل هذا لا يحتاج إلى تنبيه فهو شيء الأصل فيه الحل؛ لأن الأصل في المطعومات الحل، والأصل في الذبائح المنع، فمثل الفاكهة وما يصنع منها، وكذلك أيضًا ما يصنع من الحبوب أو نحو ذلك من سائر الأطعمة غير الذبائح الأصل فيها الحل، لا فرق فيه بين ما يصنعه أهل الكتاب وما يصنعه المجوس وسائر الأمم، فهو حلال، والله لم يذكر لنا طعام عبدة الأوثان من غير الذبائح؛ لأن الأصل فيه الحل، فيجوز أكل طعام المشركين من غير ذبائحهم، فالمقصود بهذه الآية هنا هو الذبائح خاصة، وأما ما عداها فهم كغيرهم من سائر الأمم طعامهم مباح، إلا أن الطعام هنا على كل حال من العام المراد به الخصوص، وهو الذبائح.
وقول الحافظ ابن كثير -رحمه الله: "ذبائحهم حلال للمسلمين؛ لأنهم يعتقدون تحريم الذبح لغير الله ولا يذكرون على ذبائحهم إلا اسم الله" هذا الكلام فيه نظر والله أعلم؛ لأن الصواب أن ذبائحهم ليست مباحة لأنهم يذكرون اسم الله عليها بل قد يذكرون اسم المسيح، وهذا ليس بجديد، بل إنه معروف عنهم منذ أزمان متطاولة، ولذلك استدل طائفة من السلف بهذه الآية على أن ذبائحهم حلال ولو ذكروا عليها غير اسم الله .
وهذا يدل على أن المسألة واردة منذ عهد الصحابة -، وبهذا قال أبو الدرداء وعبادة بن الصامت وابن عباس ومكحول الدمشقي والزهري محمد بن شهاب وربيعة شيخ الإمام مالك والشعبي وغير هؤلاء، قالوا: ولو ذكروا غير اسم الله؛ لأن الله قال: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وهم تارة يذكرون اسم الله وتارة لا يذكرونه.
وخالفهم في هذا أيضًا آخرون فقالوا: إنْ علم أنهم ذكروا غير اسم الله فلا يحل؛ لأن قوله: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ عام مخصص بقوله: وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ [سورة الأنعام:121] فلا يجوز أكله إذا علم أنه لم يذكر اسم الله عليه، وبهذا قال ابن عمر وعائشة والحسن وطائفة.
فالمقصود أن هذه المسألة معروفة منذ زمن الصحابة وأنهم قد يذكرون اسم الله على ذبائحهم وقد يذكرون اسمًا آخر كاسم المسيح -عليه الصلاة والسلام- وعلى كل حال يمكن أن يقال -والله تعالى أعلم- إنه إن سُمع أحد منهم يذكر غير اسم الله فإنها لا تؤكل ذبيحته أخذًا بمجموع النصوص وإعمالها جميعًا، فالعام محمول على الخاص، والمطلق يحمل على المقيد، فقوله: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ عام يخصصه قوله: وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ [سورة الأنعام:121] فقد وصفه الله بأنه فسق، فسواء كان ذلك صادرًا من أهل الكتاب أو من غيرهم فذلك لا يخرجه عن كونه فسقًا، والله أعلم.
وقد ثبت في الصحيح عن عبد الله بن مغفل قال: أدلِي بجراب من شحم يوم خيبر فاحتضنته وقلت: لا أعطي اليوم من هذا أحدًا والتفتُّ فإذا النبي ﷺ يبتسم.
كما هو معلوم فإن اليهود يحرم عليهم شحوم الأنعام إلا ما حملت ظهورها أو الحوايا أو ما اختلط بعظم، وما عدا ذلك من الشحوم يحرم عليهم، وفي الحصار عليهم يوم خيبر أنزلوا ما عندهم من شحوم بجراب فاحتضنه عبد الله بن مغفل من شدة الفرح به وقال: لا يعطي منه أحدًا.
طبعًا هذه مسألة خارجة عن موضوع تفسير الآية، وهي هل يجوز للإنسان أن يتناول شيئًا من طعام الغنائم قبل القسمة أم يعتبر هذا من الغلول؟ أخذ العلماء من هذا الحديث أنه يجوز للمجاهد أن يأخذ ما يحتاج إليه من الطعام ولا يعتبر ذلك من الغلول.
واستدل به الفقهاء الحنفية والشافعية والحنابلة على أصحاب مالك في منعهم أكل ما يعتقد اليهود تحريمه من ذبائحهم كالشحوم ونحوها مما حرم عليهم، واستدل عليهم الجمهور بهذا الحديث، وأجود منه في الدلالة ما ثبت في الصحيح أن أهل خيبر أهدوا لرسول الله ﷺ شاة مصلية وقد سموا ذراعها، وكان يعجبه الذراع فتناوله فنهشَ منه نهشة، فأخبره الذراع أنه مسموم فلفظه وأثّر ذلك السم في ثنايا رسول الله ﷺ وفي أبهره، وأكل معه منها بشر بن البراء بن معرور - وأرضاه- فمات، فقتل اليهودية التي سمتها، وكان اسمها زينب.
ووجه الدلالة منه أنه عزم على أكلها ومن معه ولم يسألهم هل نزعوا منها ما يعتقدون تحريمه من شحمها أم لا.
هذا أمر ظاهر، فما كان يحرم عليهم من الشحوم لا يحرم علينا؛ لأن الله أباحه لنا.
وقوله: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يدل على أن ذبائحهم مباحة لنا، وهذا يشمل جميع أجزاء هذه الذبائح، لا يُخص منها شيء دون شيء، فإذا حرم عليهم فإن ذلك لا يحرم علينا.
ماذا يقصد الحافظ ابن كثير بقوله: وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ [سورة المائدة:5]؟
يحتمل أن يكون المراد أن عندهم في كتابهم أن طعام المسلمين حل لهم، ولكن هذا غير مراد؛ لأن المسلمين جاءوا بعدهم، فلا يكون في كتابهم: كلوا من طعام المسلمين، ومن هنا حمل عامة أهل العلم هذه الآية: وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ [سورة المائدة:5] على أن المعنى أنه يحل لكم أن تعطوهم من طعامكم أنتم، وقالوا: كما أنه يحل طعامهم فعلى سبيل المقابلة والمكافأة ونحو ذلك ينبغي أن تعطوهم أنتم أيضًا من طعامكم، وليس معناه أنهم يجدون في كتابهم حل طعام المسلمين، إلا أن الاحتمال الآخر الذي ذكره ابن كثير وهو أن عندهم في دينهم أنه يحل لهم طعام سائر الأمم إضافة إلى طعام اليهود، أي من اليهود ومن غير اليهود إلا ما حرم عليهم، فعلى هذا كل من يأتي بعدهم فهو داخل في ذلك، أي أنه ليس المقصود تخصيص المسلمين بهذا؛ لأن المسلمين جاءوا بعد ذلك.
سواء كان من أهل ملتهم أو غيرها، والأول أظهر في المعنى، أي: ولكم أن تطعموهم من ذبائحكم كما أكلتم من ذبائحهم، وهذا من باب المكافأة والمقابلة والمجازاة كما ألبس النبي ﷺ ثوبه لعبد الله بن أبي بن سلول حين مات ودفنه فيه، قالوا: لأنه كان قد كسا العباس حين قدم المدينة ثوبه، فجازاه النبي ﷺ ذلك بذلك.
ولعله كفنه بثوبه -عليه الصلاة والسلام- لأن عبد الله بن عبد الله بن أبيّ طلب من النبي ﷺ قميصه أو ثوبه من أجل أن يكفن أباه به، والله أعلم.
فأما الحديث الذي فيه: لا تصحب إلا مؤمنًا ولا يأكل طعامك إلا تقي[1] فمحمول على الندب والاستحباب، والله أعلم.
وقوله: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ [سورة المائدة:5] أي: وأحل لكم نكاح الحرائر العفائف من النساء المؤمنات، والظاهر من الآية أن المراد من المحصنات العفيفات عن الزنا، كما قال تعالى في الآية الأخرى: مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ [سورة النساء:25].
هنا يقول: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ [سورة المائدة:5] وفي قراءة الكسائي –وهي قراءة متواترة- (والمحصِنات) بكسر الصاد وعلى هذه القراءة يعنى بهن المحصنات بفروجهن أي العفائف، وعلى قراءة الفتح وَالْمُحْصَنَاتُ فسرت بالعفائف وفسرت بالحرائر، وفي آية النساء لما ذكر الله المحرمات من النساء قال: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [سورة النساء:24] ذكرنا معاني المحصنات وأنها تأتي بمعنى العفائف والحرائر والمتزوجات، فهنا المحصنات فسرت بالعفائف وفسرت أيضًا بالحرائر، والحافظ ابن كثير كلامه هنا يقول فيه: ”أي: وأحل لكم نكاح الحرائر العفائف من النساء المؤمنات“، فهو جمع المعنيين، ومعلوم أن القرآن يعبر به بالألفاظ القليلة الدالة على المعاني الكثيرة، وليس هناك دليل -والله تعالى أعلم- على تخصيص هذه الآية بأحد المعنيين -الحرائر أو العفائف- مع أن كبير المفسرين أبا جعفر بن جرير -رحمه الله- قال بالأول، وهو أن المراد به الحرائر.
والذي يترتب على هذا التفسير أو ذاك أنه إذا قيل: إن المراد بقوله: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ [سورة المائدة:5] يعني: الحرائر، فمعنى ذلك أنه لا يجوز أن يتزوج الأمة الكتابية؛ وهذا سبق الكلام عليه في آية النساء؛ لأن الله قال: وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ [سورة النساء:25] يعني المؤمنات الحرائر فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ [سورة النساء:25] ومفهومه أنه لا يحل نكاح الأمة غير المسلمة سواء كانت كتابية أو مشركة أو وثنية.
فهنا قال: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ [سورة المائدة:5] فإذا قلنا: إن المراد بهن الحرائر من الذين أوتوا الكتاب فمعنى ذلك أنه لا يجوز أن تتزوج الأمة وهذا هو منطوق هذه الآية، وقوله في آية النساء: فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ [سورة النساء:25] مفهومه أن غير المؤمنة ممن هي في ملك اليمين لا يجوز التزوج بها.
وإذا فسرت هذه الآية وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ [سورة المائدة:5] بالعفائف فمعنى ذلك أنه يجوز لمن لم يستطع أن يتزوج المرأة الحرة أن يتزوج الأمة الكتابية إذا كانت عفيفة.
وعلى هذا يمكن أن نخرج بالتقسيم التالي:
إذا قلنا: إن المقصود بالمحصنات العفائف الحرائر -كما قال ابن كثير- فمعنى ذلك أنه لا يجوز تزوج الأمة الكتابية ولو كانت عفيفة، ولا يجوز تزوج الحرة إن كانت غير عفيفة، ولا العفيفة إن كانت غير حرة، أي لا بد من هذا وهذا، فالحرة إذا كانت فاجرة قد هتك عرضها قبل ذلك فإنه لا يجوز للمسلم أن يتزوجها، وهذا إذا فسرت بالعفائف، وحال عامة نسائهم أنك تجدها قبل أن تصل إلى سن البلوغ تكون بكارتها قد ذهبت، ومع ذلك يأتي بعض من يذهب ليتعلم في بلادهم فيتزوجها، ويكفيه أنها تنتسب إلى الدول العظمى فهذا هو نسبها وهو أبوها وقبيلتها.
والمقصود أنه يأتي بها مفجورًا بها قبلُ، كما لا يُعرف لها أبٌ حقيقي فيأخذها وليس عنده مشكلة، وإذا ذكرت له بنتًا يُعرف منبتها ومنشؤها وتربيتها في بلده، لكن لا يُعرف لها قبيلة فإنه يأنف غاية الأنفة ويسترذل ذلك وتثور ثائرته وثائرة من معه وهذا عين الجهل وهو من انتكاس المفاهيم.
وعلى كل حال إذا فسرت هذه الآية بالحرائر فقط فمعنى ذلك أنه يجوز أن يتزوج الكتابية ولو كانت غير عفيفة -وهذا قاله بعض أهل العلم- لكن وإن قاله بعض أهل العلم فالآيات يفسر بعضها بعضًا، والله يقول: الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [سورة النــور:3] ولولا أن بعض أهل العلم ذكر هذا لما أشرت إليه، فالآية لا تؤخذ بمجردها والله أعلم.
وقد كان عبد الله بن عمر -ا- لا يرى التزويج بالنصرانية، ويقول: لا أعلم شركًا أعظم من أن تقول: إن ربها عيسى، وقد قال الله تعالى: وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ الآية [سورة البقرة:221].
على كل حال قول ابن عمر معروف، وخالفه في ذلك أهل العلم من الصحابة فمن بعدهم فهذه الآية دليل على جواز نكاح النصرانية، فالله يقول: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ [سورة المائدة:5] والذين أوتوا الكتاب يدخل فيه النصارى قطعًا، وهم مشركون، واليهود أيضًا عندهم شرك، قال تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ [سورة التوبة:30] فاليهود عندهم شرك وعندهم قبور تعبد من دون الله ، عندهم أشياء من هذا القبيل إلا أن الشرك فيهم أقل من الشرك في النصارى، وعلى كل حال فهذا القول وإن قال به هذا الإمام من الصحابة - وأرضاهم- إلا أنه خالفه فيه عامة أهل العلم.
وأما قوله -تبارك وتعالى: وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ الآية [سورة البقرة:221] فلا شك أن الكتابيين من جملة المشركين ولكن الله في بعض الأحيان يذكر هؤلاء ويذكر هؤلاء كما في قوله: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ [سورة البينة:1] وهذا يدل على وجود فرق بينهم مع أنهم من جملة المشركين.
ويمكن أن يقال: هذا مما إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا لكن هذا الأخير ليس بإطلاق، فإذا ذكروا مع المشركين فأهل الكتاب هم اليهود والنصارى، والمشركون سائر أهل الإشراك من عبدة الأوثان وغير ذلك، وإذا ذكر أهل الكتاب فلا ينفي عنهم الإشراك لكن ليس معنى ذلك أنه يدخل فيهم غير أهل الكتاب من المشركين.
فالمقصود أن أهل الكتاب مع كونهم مشركين إلا أنه يباح التزوج من نسائهم، وقد تزوج جماعة من الصحابة كتابيات، فحال أهل الكتاب معروف منذ ذلك الحين، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
- أخرجه أبو داود في كتاب الأدب - باب من يؤمر أن يجالس (4834) (ج 4 / ص 407) وأحمد (11355) (ج 3 / ص 38) والترمذي في كتاب الزهد – باب ما جاء في صحبة المؤمن (2395) (ج 4 / ص 600) وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (7341).