الأربعاء 23 / جمادى الآخرة / 1446 - 25 / ديسمبر 2024
(17- ب) حرف الحاء من قوله حاصب إلى خير من حرف الخاء
تاريخ النشر: ٢٠ / صفر / ١٤٣٦
التحميل: 2245
مرات الإستماع: 1789

تفسير التسهيل لابن جُزي

معاني اللغات (الغريب)

(17- ب) حرف الحاء من قوله: حاصب إلى خير من حرف الخاء

قال -رحمه الله تعالى-: حاصب: ريح شديدة، سُميت بذلك؛ لأنها ترمي بالحصباء، أي الحصى، والحاصب أيضاً: الحجارة.

هذا هو المعنى المباشر، وابن فارس -رحمه الله- أرجع هذه المادة إلى أصل واحد، وهو: جنس من أجزاء الأرض، قال: ثم يشتق منه، فهذا الجنس من أجناس الأرض يقصد به: الحصباء، جنس من الحصى، ولاحظوا ربط المعاني: فالحَصَب، حَصَبُ جَهَنَّمَ الأنبياء: 98كل ما يُلقى في النار؛ لتُسجر به، إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ الأنبياء: 98يعني: يُرمون ويلقون فيها، والحصباء: المرض المعروف، الحصباء: ابن فارس يقول: قيل له ذلك؛ لأنه يُشبه الحصباء التي هي عبارة عن حجارة صغيرة، يقول: فهو يشبهها في الهيئة والشكل.

على كل حال: يقول هنا: الحاصب: الريح الشديدة، سُميت بذلك؛ لأنها ترمي بالحصباء، أي: الحصى والحاصب أيضاً: الحجارة، فقوله: أَفَأَمِنتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا الإسراء: 68يعني: الحجارة، على قول بعض المفسرين، فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا العنكبوت: 40، وهكذا في نظائره.

قال -رحمه الله تعالى-: حِلية: حُلِي.

مادة الحاء واللام والحرف المعتل، يعني هنا: الحِلية مثلاً، الحاء واللام، ونقول مثلاً: الألف المقصورة؛ لأن من ذلك ما يرجع إلى الواو، فابن فارس في أصل هذه المادة التي هي: الحاء واللام والحرف المعتل، يُرجعها إلى ثلاثة أصول:

الأول: طِيب الشيء في ميل من النفس إليه، ومنه: الحُلو: خلاف المُر، هذه مادته واوية، يرجع إلى الواو.

والثاني: تحسين الشيء، ومنه: الحُلِيّ، وهو: جمع حَلْي بالفتح ثم سكون، تقول: هذه حِلية الشيء يعني: الصفة، صفة الشيء، حِلية السيف صفته.

الثالث: يقول: هو مهموز، بمعنى تنحية الشيء، يقال: حلَّأتُ الإبل عن الماء يعني: طردتها عنه، لكن هذا غير موجود في القرآن.

فالحِلية التي يتحدث عنها ابن جُزي -رحمه الله-، هذه يرجع الحرف المعتل فيها إلى: الألف المقصورة، أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ الزخرف: 18يعني: المرأة، قيل: هنا الحِلية: الزينة عموماً، يُنشّأ في الزينة، يقولون: وهي مظهر الترف، والعجز عن الخصام، تُنشّأ في الحِلية، من اللباس، والأصباغ، وأيضاً الحُلي، فإن الزينة ترجع إلى اللباس، ويدخل فيه الحُلي، وترجع إلى الأصباغ، هذه الزينة الزائدة، فالحِلية: الزينة عموماً، فهذا تفسير واسع للحِلية، لكن في عرف الاستعمال الغالب أنها تقال: لما يُلبس من الذهب، ونحوه، يقال له: حِلية، وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ الرعد: 17، وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا فاطر: 12، هنا: اللؤلؤ، ونحو ذلك مما يُستخرج من البحر؛ لهذا الغرض، وهكذا، فالحلية: ما يُتزين به من الذهب والفضة والأحجار، فيدخل في ذلك الأحجار الكريمة، واللؤلؤ، ونحو ذلك، وهكذا الحُلِي، حِلية وحُلِي، والله أعلم.

قال -رحمه الله تعالى-: حرج: ضيق، أو مشقة.

ابن فارس -رحمه الله- يُرجع ذلك إلى أصل واحد، يقول: وهو معظم الباب، وإليه ترجع فروعه، وذلك: تجمُّع الشيء، وضيقه، فحينما يقال: وقع الإنسان في حرج، أو نحو ذلك، يعني: وقع في ضيق.

وهذا الحرج أيضاً يقال: لجمع حَرَجة، وهي: مجتمع الشجر في الأصل، فمجتمع -لاحظ- تدل على جمع، وفي قصة بدر قالوا عن أبي جهل: إنه في مثل الحَرَجة، والمقصود بالحَرَجة يقولون: يعني: حوله الحرس يحتفون به، ويحتف به المقاتلون، ومعهم الرماح والسيوف، فهو في مثل الحَرَجة، يعني: لا يُوصل إليه، فالحَرَجة: الشجر الملتف الذي يكون في داخله شجرة مثلاً، لا تصل إليها الراعية، أي: الدواب التي ترعى، وكذلك من كان فيه يعني من الوحش، أو نحو ذلك، فإنه لا يوصل إليه؛ لأنه في حَرَجة، في مكان بهذه الصفة، في مجتمع الشجر.

وكأن بين المعنيين ملازمة؛ ولهذا أرجعه ابن فارس -رحمه الله- إلى أصل واحد، فإن هذا الاجتماع -اجتماع هذا الشجر- يجعل المكان، أو الموضع في حال من الضيق؛ ولهذا يقال الحرج: للإثم، فالحرج: الضيق، والحرج: الإثم، لماذا قيل للإثم ذلك؟ باعتبار: أنه يُضيَّق على المكلف في مقارفته وملابسته، حرج، يجعله في حرج.

ففي قوله -تبارك وتعالى-: يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا الأنعام: 125يعني: في حال من الضيق، فمن فسره بالضيق، فيكون ذلك من قبيل الصفة الكاشفة، كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ الأعراف: 2بمعني: ضيق، وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ التوبة: 91أي: إثم، وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ الحج: 78ضيق، لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ النور: 61يعني: إثم، مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ المائدة: 6يعني: إثم بمعنى أن ذلك يرجع إلى معنى الضيق، باعتبار أن هذا الذي مُنع منه ضُيق على المكلف من جهة ملابسته ومواقعته، والله أعلم.

فهذا أصل الحرج، قال: الضيق والمشقة، وإذا أردنا أن نفكك المعاني، فنقول: ضيق، ومشقة، وإثم، تقول: ليس عليك حرج في هذا، باعتبار ليس عليك ضيق، أو ليس عليك إثم بهذا الفعل، بحسب السياق.

قال -رحمه الله تعالى-: حول: له معنيان: العام، والحِيلة، وحِوَلًا الكهف: 108بكسر الحاء: انتقالا.

هذه المادة -الحاء والواو واللام- أرجعها ابن فارس -رحمه الله- إلى أصل واحد، وهو: تحرك في دور، يعني: ليس مطلق التحرك، وإنما تحرك في دور، يعني: في دوران.

يقول هنا: الحول يقال للعام، بأي اعتبار؟ باعتبار: أنه يحول ويدور، تقول: هذا حال عليه الحول، إذا حال الحول، ويقال للتمر الذي دار عليه العام، يقال له: حَويل، يسمونه حَويلا بهذا الاعتبار، حال عليه الحول يعني: يحول، بمعنى: يدور.

وأما الحيلة والمحاولة؛ فلأن هذا المحتال أو المحاول يدور حول الشيء؛ ليظفر به، أو يتمكن منه، أو يصل إليه، صاحب حيلة، يلتف عليه حتى يُحصِّل مبتغاه.

وهكذا: الحِوَل بمعنى: التحول، والانتقال، لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا الكهف: 108، فالإنسان في الدنيا يمل من المكث في المكان، ويسأم، فيطلب غيره، وإذا سكن في دار طلب غيرها، وهكذا، وإذا استراح في مكان يطلب غيره، تقول: حوّل الشيء، وحوّل الرداء، أو نحو ذلك: غيَّره، وبدله، فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلا تَحْوِيلًا الإسراء: 56، وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا الإسراء: 77، فهذا بمعنى التبديل.

ويقال: حال بينهما، يعني: حجز، وفصل، وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ هود: 43، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ [الأنفال: 24]يحجز، فهو يريد أن يؤمن ولا يستطيع، ويريد أن يتوب ولا يستطيع، يعني: يلقي في قلبه ما يحجزه عن مراده، وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ سبأ: 54.

وهكذا يقال: حوْل الشيء: ما يحيط به ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا مريم: 68، حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ الزمر: 75، لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ آل عمران: 159، فهم يحتفون به.

ومن الأخطاء الشائعة في الكتابات، والتعبيرات العلمية أن يقال مثلاً: أريد أن أكتب حول الموضوع الفلاني، أنت تكتب في نفس الموضوع، ولست تكتب حوله، تقول: أريد أن أكتب مثلاً حول تفسير سورة الملك، أنت تكتب في تفسيرها، وليس حول تفسيرها، أريد أن أكتب حول الجنة، أريد أن أتحدث حول الجنة، حدثينا حول الجنة، لا، بل حديثك عن الجنة، في موضوع الجنة، وليس حوله، وما يحتف به، فهذه من العبارات التي ترد كثيراً في البحوث، والدراسات الجامعية وغير الجامعية، ويعبر بها المحاضرون والخطباء، وغير ذلك، وهي غير صحيحة، إلا إذا قصد أنه يتحدث في جوانب ليست في نفس الموضوع، وإنما قضايا تتعلق به من وجه أو آخر.

فعلى كل حال: يقول: الحول: له معنيان: العام، والحِيلة، وربطنا هذا وهذا، الحول: لأنه يحول، والحيلة: باعتبار أنه يحوم حول الشيء حتى يظفر، أو يتمكن منه، أو نحو ذلك، وتُفسر الحيلة -كما هو معروف- بالحذق أيضاً في تدبير الأمور، تقول: فلان صاحب حيلة، فلان ليس بيده حيلة، يعني ليس عنده تدبير، لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً النساء: 98، فُسر بهذا.

يقول: وحِوَلًا الكهف: 108بكسر الحاء: انتقالا، التحول يعني، كذلك أيضاً من التحول والانتقال، فهو يُحيل إلى غيره؛ ليتقاضى حقه منه.

قال -رحمه الله تعالى-: حرْث الأرض: مصدر، ثم استُعمل بمعنى: الأرض، والزرع، والجنات.

قال: حَرْث، فالحرث ما هو؟ ابن فارس يُرجع ذلك إلى أصلين مختلفين:

الأول: الجمع والكسب.

والثاني: قال: أن يُهزَل الشيء.

لاحظ الآن: حرَثَ الأرض يحرثها بمعنى: أثارها، وهيأها للزرع، والغرس.

ويقال: حرثها: إذا قذف فيها الحب للازدراع، أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ الواقعة: 63، فُسر بمعنى: تبذرون حبه، وتعملون في أرضه، أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ الواقعة: 63، أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ الواقعة: 64، ففُسر: بالحب، أأنتم الذين تخرجونه، فتنشق الأرض عن مسمار النبات؟، من الذي يُخرج هذه الحبة فتتحول إلى نبتة، أو شجرة، أو نحو ذلك؟، أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ الواقعة: 64، فُسر بهذا على كل حال، وأيضاً: العمل في الأرض.

ويطلق الحرث أيضاً على: نفس الزرع القائم الموجود، أو الحصيد أيضاً، قال الله في صفة البقرة: قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ البقرة: 70يعني: ما صفة هذه البقرة، هل هي عاملة أو لا؟ مذللة أو لا؟ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ البقرة: 71، ما المقصود بسقي الحرث هنا؟ سقي الزرع، فالحرث هنا: الزرع، وقوله: أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ آل عمران: 117، هنا لا يقال: إنها الأرض التي ليس فيها شيء، وقد حرثوها ليزرعوا فيها، لا، وإنما هنا باسقة النبات، فأهلكتها، فذهب ذلك كما في صاحب الجنة، فالحرث هنا بمعنى: الزرع القائم، أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ القلم: 22، ما المقصود به؟ الزرع، فهم يريدون الحصاد.

وقد يستعمل مراداً به نوع من المجاز والتشبيه، عند القائلين بالمجاز، وعند غيرهم فهو حقيقة، فيقال في كل مُزدرَع، فالزوجة حرث؛ لأنها موضع الإنتاج كما يقال، فكما يوضع الحب في الأرض فيخرج النبات، فكذلك هذه المرأة مُزدرَع، فهي تحمل وتلد، ونحو ذلك نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ البقرة: 223.

كما يُستعمل أيضاً في: نِعم الدنيا أو ثواب الآخرة وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا الشورى: 20، وكذلك أيضاً يقال لحرث الآخرة مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ [الشورى: 20]، فهذا يقال له: حرث، فثواب الآخرة: حرث، والعطاء الدنيوي يقال له: حرث أيضاً.

هذا بنوع من التوسع في الاستعمال؛ ولهذا يقول: حرْث الأرض: مصدر، ثم استُعمل بمعنى: الأرض، والزرع، والجنات، ويستعمل كما ذكرت بما هو أوسع من ذلك، كالزوجة يقال لها: حرث، وثواب الآخرة يقال له: حرث، ونِعم الدنيا يقال له: حرث، كالمال، ونحو ذلك، والأولاد، كل هذا حرث الدنيا، بهذا التوسع في الاستعمال.

ففي قوله -تبارك وتعالى-: وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ البقرة: 205، هنا يمكن أن يُفسر بالزرع، زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ آل عمران: 14، هنا: الزرع، وهكذا: وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا الأنعام: 136يعني: الزرع، وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ الأنبياء: 78، المقصود به: الزرع؛ لأنه نفشت فيه غنم القوم، فعاثت به، فهذا لا يكون إلا في الزرع، والله أعلم.

قال -رحمه الله تعالى-: حَسّ -بغير ألف-: قتل، ومنه: إِذْ تَحُسُّونَهُمْ آل عمران: 152، وأحس: من الحِس.

ابن فارس -رحمه الله- أرجع هذا إلى أصلين، أرجع المادة -الحاء والسين- إلى أصلين:

الأول: غلبة الشيء بقتل، أو غيره.

والثاني: حكاية صوت عند توجع، وشبهه.

يقال: حَسَّه يَحُسُّه حَسًّا يعني: قتله، واستأصله، إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ آل عمران: 152تستأصلونهم بالقتل، ويقال: حَسَّ بالشيء يَحُسُّ حَسًّا وحِسًّا وحَسِيسًا، وأحس به يعني: شعر به، وأدركه، أحسست بكذا، تقول: أحسست بألم، أحسست ببرودة، فأحس الشيء يعني: إذا شعر به، وعلمه، يقال أيضاً: أحس به أي: شعر به بعد علمه، فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ آل عمران: 52يعني: علم بذلك، يُفسر بهذا، بالشعور بعد العلم بالشيء، وهكذا يقال: تَحَسّس الشيء، تَحَسّس منه يَتَحَسّسُ يعني: تطلَّبَ خبره، اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ يوسف: 87تطلُّب الخبر.

فلاحظ هنا: ابن جُزي فسر ذلك: بالقتل، الذي هو حَسّ، وأحس: قال: من الحِس، فهذا كله عند ابن فارس يرجع إلى المعنى الأول، الذي هو غلبة الشيء بقتل، أو غيره، يعني: بمعرفته، وبعلمه، أو نحو ذلك، فهذا كله داخل فيه، فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ الأنبياء: 12، فهذا يرجع إلى معنى: الشعور بالشيء بعد علمه، أو نحو ذلك، هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا مريم: 98يعني: تدركه بحاسة، وتشعر به بشيء من الحواس، برؤية، أو سماع، أو نحو ذلك.

وفي قوله -تبارك وتعالى-: لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا الأنبياء: 102، لاحظ: هذا المعنى الثاني الذي ذكره ابن فارس، الذي هو الصوت، الصوت عند توجع، وشبهه، الحسيس: الصوت، أو الحركة يُسمع لها صوت؛ لذلك يقال عندنا: حسحسة الكُراع، أو الرأس حينما يُعرض على النار، وهو ليس بمجرد العرض، وإنما إذا كان بالصوف أو الشعر، فبالنسبة للمعز بالشعر، وللغنم بالصوف، أو نحو ذلك، يقال له: حسحسة، يكون له صوت، حينما يحترق هذا الصوف يخرج له صوت، حسحسة.

قال -رحمه الله تعالى-: حُرُم -بضمتين-: مُحرِمون بالحج.

هذه المادة ترجع عند ابن فارس إلى معنى: المنع والتشديد، يقال: أحرم الرجل بالحج أو العمرة، يعني: وُصف بذلك، بأي اعتبار أحرم؟ لأنه يحرم عليه ما كان حلالاً قبل ذلك، والحُرمة: ما لا يحل انتهاكها، يقال لها: حرمة، أو ما وجب عليك القيام به من حقوق الله، ويحرم عليك التفريط فيه، وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ الحج: 30، الحرمات هنا: جمع حُرمة، يجب تعظيمها، ويحرم التفريط بها، ولا يحل انتهاكها، وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ البقرة: 194كذلك؛ ولهذا يقال للمرأة: حُرمة، ويقال: حريم؛ لأنه لا يجوز انتهاكها، فيُحترز لها؛ ولذلك كان الرجل قيماً عليها باعتبار أن ذلك يرجع إلى معنى: الاحتراز، والحفظ، والصيانة، فهذا إكرام للمرأة، تكون في حال من الصيانة، والحفظ، ولا تكون هذه المرأة مُضيعة، كما هو حال الناس الذين لا يعرفون دين الله -تبارك وتعالى-، فهم كالبهائم، حرماتهم مُضيعة.

لاحظ: قال: المنع والتشديد، ففي قوله: لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ الذاريات: 19، المحروم والحرمان يرجع إلى أصل هذه المادة، وهو الذي لا يجد ما يدفع حاجته، وهو متعفف، هكذا فُسر: المحروم، متعفف لا يسأل، فيعطيه الناس، ويتفطنون له، ولا يجد كفايته، فهو محروم، فُسر بهذا، وقيل غير ذلك، بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ الواقعة: 67ممنوعون من الخير، والحرام: ضد الحلال، فهو ممنوع بالشرع، أو بصرف عنه، تقول: أُحرِّم عليك كذا، أو نحو ذلك، والمسجد الحرام، والبيت الحرام، والشهر الحرام، قيل لها ذلك؛ لأن الله -تبارك وتعالى- حرم فيها كثيراً مما ليس في غيرها، والحَرَم: ما لا يحل انتهاكه، أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا القصص: 57، وهكذا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ المائدة: 95يعني: حال التلبس بالإحرام؛ لأن المُحْرِم ممتنع من ذلك.

قال -رحمه الله تعالى-: حُقُب -بضمتين- وأحقاب: جمع حِقْب، وهو: مدة من الدهر، يقال: إنها ثمانون سنة.

حُقُب يقول: بضمتين، وأيضاً بالسكون: حُقْب، يقال ذلك أيضاً بالسكون، وهي مُدة من الزمن يُفهم منها الطول، هذا أحسن في تفسيره -والله تعالى أعلم- من تحديد ذلك بمدة معينة، كالثمانين سنة، وأما التحديد فقد جاء عن السلف أقوال أخرى غير الثمانين، لكن هي المدة التي يُفهم منها الطول.

ابن فارس أرجع ذلك إلى معنى واحد، إلى أصل واحد، وهو أن هذه المادة تدل على: الحبس، لاحظ: الحبس، فحينما يقول الله لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا النبأ: 23يعني: مدة طويلة، الله أعلم، لكن المقصود الخلود، حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا الكهف: 60، يعني: أسير مدة طويلة، وبعض المفسرين حدده بمُدد معينة، لكن الأحسن كما سبق أن يُفسر بالمدة التي يُفهم منها الطول، ولا يحدد بمدة، لكن بعضهم فسره بالعام، وبعضهم فسره بأكثر من ذلك، أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا الكهف: 60يعني: أسير مدة طويلة.

قال -رحمه الله تعالى-: حَفّ الشيءُ بالشيء: أطاف به من جوانبه، أي: أحاط به، ومنه: وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ الكهف: 32، وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ الزمر: 75.

هذه المادة أرجعها ابن فارس إلى ثلاثة أصول:

الأول: نوع من الصوت، مثل: حفيف الشجر، حفيف جناح الطائر، يكون له صوت.

والثاني: أن يُطيف الشيء بالشيء، يعني: كما في قوله تعالى: وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ الكهف: 32، هنا فُسر بمعنى: الإحاطة، يعني: الجوانب من النخل -كما هي العادة- والوسط يكون فيه الأعناب، وبين ذلك الزرع، وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ الزمر: 75يعني: أطافوا بالعرش، أحاطوا به.

الأصل الثالث الذي ذكره ابن فارس، وهو: الشدة في العيش، يقال: حفّت الأرض إذا يبس بقلها، يقال: عيش حافٌّ، يعني: فيه شدة، ويقال: رأس فلان محفوف وحافٌّ إذا بعد عهده بالدهن، ويقال للإناء مثلاً: إنه حاف، ونحو ذلك، والمرأة يقال: حفت وجهها من الشعر، يعني: لم يبقَ على وجهها شيء منه، أزالت ذلك وحفته، فهذا -على كل حال- يرجع إلى هذا المعنى، والله أعلم، وأما الذي ورد في القرآن فهو: الأصل الثاني مما ذكره ابن فارس -رحمه الله-: أن يُطيف الشيء بالشيء، وهذا الذي اقتصر عليه ابن جُزي.

طيب، هنا يقول: حَفّ الشيء بالشيء: أطاف به من جوانبه، توجد زيادة في الطبعة هذه -أي أحاط به-، هذه الزيادة ليست موجودة في الطبعة الأخرى.

قال -رحمه الله تعالى-: حَلّ بالمكان يحُلُّ بالضم والكسر، وحَلّ من إحرامه يحِلُّ: بالكسر لا غير.

يقول: حَل، هذه يقول عنها ابن فارس هذه المادة: الحاء واللام لها فروع كثيرة، ومسائل، وذكر أن أصلها عنده يرجع إلى: فتح الشيء، وقال: لا يشذ عنه شيء.

لاحظ: يقال: حل العقدة يحُلها يعني: فكها، حل الشيء يحِل يعني: أُبيح، فهو حِل وحلال، فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ البقرة: 230، كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ آل عمران: 93يعني: حلالاً، ولاحظ: الحليلة تقال للزوجة، باعتبار أنها تحل له، وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ النساء: 23، وتحلّة اليمين يعني: ما يُزال به إثم اليمين قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ التحريم: 2، حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ البقرة: 196يعني: الموضع الذي يحل فيه نحره.

فهنا ابن جُزي يقول: حَلَّ بالمكان يحُلُّ ويحِلُّ بالضم وبالكسر، وحَلَّ من إحرامه يحِلُّ بالكسر لا غير، يعني: خرج منه، لا يقال: يحُلّ من إحرامه، وإنما يحِلّ من إحرامه، فبالمكان يقال: يحُل ويحِل، ولكن فيما يتعلق بالإحرام، ونحوه، يحِل بما يُقابل الحُرمة، وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي طه: 27يعني: أزل عقدة من لساني، أي: فك ذلك، أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ الرعد: 31يعني: تنزل، وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ إبراهيم: 28يعني: أنزلوهم، الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ فاطر: 35يعني: أنزلنا، وهكذا، كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالًا طَيِّبًا البقرة: 168يعني: مباحاً، وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا المائدة: 2، من حَلَّ الإحرام، أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ المائدة: 1يعني: أُبيحت، وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ البلد: 2، قيل: حالٌّ، ونازل به، وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ البلد: 2، على أقوال في تفسيرها، ومحملها، هل المقصود مكة وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ البلد: 2يعني: مكة، فقوله: لَا أُقْسِمُ البلد: 1نفي للقسم، وَأَنْتَ تعظيم للنبي ﷺ، أو المقصود بهذا البلد المدينة، يعني: لا أقسم بمكة، وأنت نازل بالمدينة، مهاجر عن مكة، هذه أقوال المفسرين، وفُسر ذلك بغير النزول، بغير معنى النزول، فُسر بمعنى: الحلال، يعني كما في الحديث: (أُحلت لي ساعة من نهار)[1]، فيكون إخباراً عن حال مستقبل، أنها ستُحَل للنبي ﷺ للقتال في مكة، كما حصل في عام الفتح، لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ البلد: 1-2، فيكون مما نزل قبل وقوعه، وهذا المعنى قريب جدًّا في تفسير الآية، وكأنه الأرجح، فقوله: وَأَنْتَ حِلٌّ يقابل الحرمة، وليس الحلول، والنزول، لاحظ: كيف يؤثر المعنى، فالتفسير يتغير تماماً، وهكذا.

قال -رحمه الله تعالى-: حُطام: فُتات، والحُطام: ما تحطم من عيون الزرع اليابس، وفي بقية النسخ: ما تحطم من عيدان الزرع اليابس.

في هذه الطبعة: عيون، يعني: ما تحطم من عيون الزرع اليابس، وهذا ليس بصحيح، ليس عيون الزرع، وفي الطبعة الإماراتية وغيرها: عيدان، وهذا هو الصحيح، عيدان الحطام.

انتبهوا: يقول هنا: حُطام: فُتات، والحطام: ما تحطم من عيدان الزرع اليابس.

ابن فارس -رحمه الله- يُرجع ذلك إلى أصل واحد، وهو: كسر الشيء، فالحَطْم يعني: الكسر، الْحُطَمَةِ [الهمزة: 4]، النار -أعاذنا الله وإياكم ووالدينا وإخواننا المسلمين منها-، وسميت: الحُطَمة؛ لأنها تَحطِم، وكذلك: (شر الرِّعاء الحُطَمة)[2]، القائد الذي يَحطِم من معه، وكذلك: إذا كان الراعي يرعى الدواب بطريقة تورثها المشقة، والضياع، والتلف، فيكون حُطَمة، وهكذا من يَحطم ما تحت يده، يقال: فلان حُطَمة، إن أعطيته سيارة أتلفها، وإن أعطيته مالاً أتلفه، وإن أعطيته مكتباً أتلفه، وإن أعطيته كتاباً أتلفه، حُطمة، قال الله -تبارك وتعالى-: كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ الهمزة: 4، النار: تَحطم من أُلقي فيها، فهذا يرجع إلى أصل واحد، وهو كسر الشيء.

لاحظوا: الذين يتكلمون في الإعجاز العلمي، ماذا يقولون؟ يقولون: إن الله قال في خبر سليمان   ﷺ عندما أتى على وادي النمل: قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ النمل: 18، فقالت: لا يَحْطِمَنَّكُمْ لاحظوا: عبرت بالحَطْم، وهذا لا يكون إلا في الزجاج، وقد أثبت العلم الحديث: أن النمل في تركيب خلقه الزجاج، من أعلم محمدًا ﷺ بذلك؟! انظروا: هذه جرأة على الله، وعلى كتابه، من قال: إن أصل الحُطام والحُطمة يرجع إلى هذا، الحَطم بمعنى: الكسر، وليس خاصًّا بالزجاج، طيب، ماذا يقولون في قوله -تبارك وتعالى- في النبات: ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا؟! الزمر: 21، هذا النبات الربيع قال فيه: ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا، يعني: هل النبات في أصل تكوينه يوجد فيه مادة الزجاج؟! هذا في نص القرآن، يقول: أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ الواقعة: 64-65، فهل فيه زُجاج؟، كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا الحديد: 20، أين الزجاج؟ ويسمع الناس هذا الكلام، ويطربون، ويقولون: إعجاز القرآن، ما شاء الله القرآن تحدث قبل أربعة عشر قرناً عن هذه القضية، وما اكتشفها العلم إلا في العصر الحديث، من أعلم محمداً ﷺ بهذا؟!.

نحن نقول كما قال شيخ الإسلام: إن الحق لا يحتاج إلى تلفيق من أجل نصره بما لا حقيقة له، هذا الكلام غير صحيح، والحُطام يقال: لكسر الشيء، سواء كان من الخشب، أم من الزرع، أم كان من البناء، أم كان من الزجاج، أم كان من غير ذلك، ويقال في الأمور أيضاً المعنوية، فالأجساد تُحْطَم، والنفوس تُحطَم، والنار هي الحُطمة، ولا يختص هذا بالزجاج.

لاحظ: هذا مثال من الأمثلة التي يذكرونها، ولو أردنا أن نتتبع الأمثلة التي يذكرونها لوجدنا الكثير، فهي في الغالب على هذا المَهْيَع، ولربما تكون دون ذلك، ولكن من لا بصر له إذا سمع مثل هذا الكلام يطرب، ويظن أنه تحته شيء، ويُعجَب بهذا الكلام، فلله كم أُضيع من الأموال والأوقات!، وكم قيل على الله بلا علم!، يعني: الذين يتكلمون في الغالب في هذه المسألة هو لا يعرف اللغة، ولا يعرف التفسير، وإنما تخرج من كلية الطب، أو من كليةٍ تدرس الكيمياء، أو تدرس الزراعة، أو تدرس الصيدلة، أو غير ذلك، وصار يتكلم في هذه القضايا، ويقول: الحَطْم لا يكون إلا في الزجاج، واكتشف العلم الحديث أن النمل في تخليقه يوجد عنصر الزجاج؛ ولهذا عُبِّر بالحطم، يعني: النملة عارفة أصل خلقتها، فقالت: لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ النمل: 18، فهذه النملة عندها معرفة بأصل الخلق، فعبرت بالحَطْم، وما عبرت بغيره، بالله عليكم هل هذا كلام؟!.

قال -رحمه الله تعالى-: حرف الخاء.

خَلْق: له معنيان: من الخِلقة، ومنه: الخالق: اسم الله، وكذا الخلّاق، وخلَقَ الرجلُ: كذب، ومنه: وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا العنكبوت: 17، واختلاق أي: كذب، وخَلَاق: نصيب.

الخلْق: أعاد ابن فارس أصل المادة التي هي الخاء واللام والقاف إلى أصلين:

الأول: تقدير الشيء.

والآخر: ملاسة الشيء، الأملس.

نأخذ الأول الذي هو التقدير، عد منه ابن فارس: الخُلُق، لاحظ: الآن هو: يربط أنواع التصاريف لهذه المادة، الخُلق ما علاقته بالتقدير؟ الخُلُق هو: السجية التي تكون للإنسان، يقول: لأن صاحبه قد قُدِّر عليه، قُدِّر على هذا الخُلق وهكذا حينما نقول: فلان خليق بكذا، يعني: ممن يُقدَّر فيه ذلك.

والخلاق النصيب؛ لأنه قد قُدر لكل أحد نصيبه.

واختلاق الكذب باعتبار: أنه يُقدر في النفس، يختلق الكذب: يقدره في نفسه، هذا الأصل الأول الذي هو تقدير الشيء، فأرجع هذه الأشياء، هذه المواد، أو الألفاظ الموجودة في كتاب الله -تبارك وتعالى- إلى هذا المعنى، معنى: التقدير، وسيأتي الخالق بمعنى: المُقدِّر، والخالق بمعنى: المُوجد، والمنُشئ من العدم، والخالق بمعنى: المُصور.

الأصل الثاني الذي ذكره هو: الملاسة، ملاسة الشيء، بأي اعتبار؟ الآن يقال: أخلَقَ الشيءُ وخلُقَ إذا بَلِي، وتقول: أخلقتُه يعني: أبليتُه، وذلك أنه إذا أخلَقَ الثوبُ: امْلاسَّ، يعني: صار أملس، فيقال: ثوب خلَقٌ، يعني: يصير أملس يذهب ما عليه من النسيج الظاهر، فيكون خَلَقًا، فيكون في حال من الملاسة؛ لكثرة الاستعمال، أي: أملس، فهذا البساط الذي تجلسون عليه إذا أخلَقَ، فإنه يذهب ما عليه من هذا النسيج، فيكون أملس، فهذا الذي أرجع إليه هذا المعنى ابن فارس -رحمه الله.

على كل حال: يقال في الخلْق: الله الخالق، خَلَقَ الخَلْق، خَلَق الشيء، يعني: أبدعه من غير أصل، ولا احتذاء، يقال لهذا المعنى، ويقال أيضاً للتصوير، فالله -تبارك وتعالى- هو الخالق لكل شيء، يعني: الذي أوجد الأشياء، وأبدعها على غير مثال، ولا احتذاء، ويقال أيضاً الخلق للتصوير أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ  الطَّيْرِ آل عمران: 49، هل المقصود به الإيجاد، والإبداع على غير مثال؟، لا، وإنما على هيئة كهيئة الطير، أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ آل عمران: 49يعني: أصوِّر، أصوِّر من الطين بصورة الطير، وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي المائدة: 110يعني التصوير، وفي قوله -تبارك وتعالى-: هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ الحشر: 24، في هذه الآية فُسر الخالق: بالمُقدِّر، والبارئ: الموجد على غير مثال سابق، الموجد من العدم، والمصور: الذي أعطى الصورة والشكل لهذا المخلوق، لماذا غايرنا في التفسير؟، من أجل أن لا يكون تكراراً، فالخلق يأتي بمعنى: التقدير، ويأتي بمعنى: الإيجاد، ويأتي بمعنى: التصوير، ثلاثة معانٍ، فهنا فسرناه بالتقدير؛ لأنه ذكر معه البارئ، وذكر المصور، وهكذا.

الآن يقال: خَلَّق العود تخليقًا يعني: سوّاه، فالعود: مُخَلَّق، وقوله: ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ الحج: 5يعني: تامة الخلق، وغير تامة الخلق، مسوّاة الخلق، وغير تامة، على هذا التفسير.

وهكذا الخُلُق كما قلنا: السجية، والطبع، وما يجري عليه المرء من عادة لازمة ثابتة، إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الأَوَّلِينَ الشعراء: 137يعني: العادة المستمرة، وكذلك أيضاً يقال: خلَقَ الأديمَ، إذا قدره لما يريد قبل القطع، يعني: قاسه؛ ليقطع منه مراده من قِربة ونحوها، يعني: الطاولة مثلاً هذه الصانع الذي صنعها قدرها أولاً، قدر أطوالها، وارتفاعها، ونحو ذلك، ثم بعد ذلك قطع الخشب، فهذا التقدير يقال له: خلْق؛ ولهذا يقول الشاعر يمدح ملكاً:

ولأنتَ تفري ما خلقتَ وبع *** ضُ القومِ يخلُقُ ثم لا يفري

تفري ما خلقت يعني: ما قدّرتَ، أنت تقدِّر وتخطط ثم تنفذ، وبعض القوم يخلق يعني: يقدر ويُخطط ثم لا يفري، يعجز عن هذا، لا يستطيع أن يُنفذ ما خطط له، فالخلق يأتي بمعنى: التقدير، ويأتي بمعنى: الإيجاد من العدم، وبمعنى: التصوير، فيقال: خَلَق الكلام يعني: افتعله، وكذب فيه، يقال: فلان يخلق الكذب، والإفك، كل ذلك بهذا المعنى.

تأمل في الأمثلة في قوله -تبارك وتعالى-: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ الزمر: 62يعني: الموجد من العدم، وهكذا، إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا العنكبوت: 17ما المعنى هنا؟ خلَقَ الكذب والإفك يعني: افتعله، وهذا يرجع إلى معنى: التقدير، قدره في نفسه، ثم بعد ذلك قاله، إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلاقٌ ص: 7أي: كذب، اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ الروم: 54، هنا بمعنى: الإيجاد، ومثل هذا الاستعمال يدل على تمكن هذا المعنى فيه -الضعف-، هذا الوصف كأنه مادة الخلق؛ لتمكنه، اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ الروم: 54، وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا النساء: 28، فهذا معناه، والله تعالى أعلم.

فعلى كل حال: أيضاً الخلق جاء في القرآن مراداً به: المعنى المصدري، أو المفعول، فالمعنى المصدري بمعنى ماذا؟ يعني: بمعنى: الخلْق الذي هو: فعل الله، فعله إذا خلق، فعله هذا بالإيجاد يقال له: خلق، ويقال: الخلق للمفعول، للمخلوق، فيقال: الناس خلْق الله، يعني: أنهم مخلوقون، خلقهم الله -تبارك وتعالى-، فقال: هَذَا خَلْقُ اللَّهِ لقمان: 11يعني: المخلوق، ويقال: خلْقُ الله حَسنٌ يعني: فعل الرب -تبارك وتعالى- الذي هو صفته لا يحصل فيه العيب، والنقص، ولا يلحقه الذم، فالخلق في القرآن جاء مراداً به: المعنى المصدري، مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الكهف: 51الخلْق، أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأَوَّلِ ق: 15الخلْق، يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ الزمر: 6يعني: تخليقاً من بعد تخليق، فهذا فعله، المراد به: المعنى المصدري، أما بمعنى: المخلوق، فقوله: وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ النساء: 119بقطع الآذان، ونحو ذلك من المُثلة، وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً الأعراف: 69طول القامة، ونحو ذلك، أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا الإسراء: 49، فهذا بمعنى المخلوق، والله تعالى أعلم.

طيب، قال: الخالق: اسم الله تعالى، وهذا واضح، وخلَقَ الرجل: كذب، وقد سبق الكلام عليه.

قال في هذه الطبعة: ومنه: وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ الزمر: 75، وهذا خطأ، هذه في التي قبلها، في مادة: حف الشيء بالشيء، ليس لها موضع هنا، أما في النسخة الثانية الإماراتية فقال: ومنه: وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا العنكبوت: 17، بدلا من: وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ الزمر: 75، فهذه ليس لها علاقة هنا، قال: ومنه: وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا العنكبوت: 17.

وكذلك في المادة التي بعدها التي هي: خَلَاق، جعلها في الطبعة الثانية الإماراتية تابعة لما قبلها، وهذا هو الأفضل؛ لأن أصل المادة واحد؛ ولذلك هنا قال: خَلَاق: نصيب، فيقال: الخَلَاق: للحظ والنصيب من الخير، فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ التوبة: 69، وكذلك: فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ التوبة: 69يعني: بنصيبهم، وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ البقرة: 102، وقد مضى الكلام على هذا، وقلنا: أصله يرجع إلى ماذا؟ إلى التقدير، بأي اعتبار؟ الخَلَاق قلنا: النصيب؛ لأنه قد قُدِّر لكل أحد نصيبه، بهذا الاعتبار، والكذب: اختلاق، باعتبار: أنه يُقدره في نفسه، يعني: كل هذا يرجع إلى معنى: التقدير.

وأما قوله في الحديث: (إن الإيمان ليخْلَق في جوف أحدكم)[3]، فهو هنا بمعنى: الملاسة، المعنى الآخر، يعني: لم يعُد له تأثير، فيضعف مع طول الأمد، فتحصل قسوة القلب.

قال -رحمه الله تعالى-: خير: ضد الشر، وله أربعة معانٍ: العمل الصالح، والمال، والخِيَرة، والتفضيل بين شيئين.

هنا أرجعه ابن فارس -رحمه الله- إلى معنى واحد، إلى أصل واحد، وهو: العطف، والميل، ثم يُحمل عليه باقي الاستعمالات، فالخير: خلاف الشر؛ لأن كل أحد يميل إليه، فصاحب الخير -سواء قلنا: الخير المال، أو غيره- الناس يميلون إليه، يقول الشاعر:

رأيتُ الناسَ قد مالوا
ومَن لا عنده مالُ
رأيتُ الناسَ مُنفضَّةْ
ومَن لا عنده فضّةْ

***
***
***
***

إلى من عنده مالُ
فعَنْه الناسُ قد مالوا
إلى من عنده فضّةْ
فعَنْه الناسُ مُنفضَّةْ

 

فتميل النفوس إلى هذا، وتهفو إليه، إن كان نفس المال، أو لصاحب المال، أو إن كان من السجايا والأعمال، فالنفوس تميل إليه، أو كان من الأعمال والمزاولات، فبفطرتها تميل إلى ذلك.

والخير -على كل حال- يقال: لما فيه نفع، وصلاح، وهو: يقابل الشر، مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ البقرة: 105، أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ: نكرة في سياق النفي، وسُبقت بمِن، تنقلها من الظهور في العموم إلى التنصيص الصريح في العموم، لا يريدون أن يصل إليكم خير، لا قليل ولا كثير، لا دنيوي ولا أخروي، هذه حال الكفار من أهل الكتاب والمشركين يعني: يدخل فيها جميع طوائف أهل الأوثان، من الهندوس، والبوذيين، وغيرهم، وهكذا أهل الكتاب.

ويستعمل الخير فيما هو أداة للنفع والصلاح، لاحظ: النفع والصلاح يقال له: خير، والأداة لذلك أيضاً كذلك؛ ولذلك أُطلق على المال؛ لأنه أداة، والخيل باعتبار أنها أداة، قال: فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي ص: 32، بعضهم فسر الخير هنا: بالخيل، باعتبار أنه أداة للخير، أداة له، وليس هذا محل اتفاق في تفسيره بالخيل.

كذلك أيضاً: قد يُستعمل الخير: اسم تفضيل، بمعنى: أخْيَر، كما قال ابن مالك:

وغالباً أغناهم خير وشر *** عن قولهم أخْيَر منه وأشَرّ

يقال: زيد خير من عمرو، يعني: أخْير، وزيد شر من عمرو، يعني: أشَرّ، وفي الحديث: (لا يأتي على الناس زمان إلا والذي بعده شر منه)[4] يعني: أشَرّ منه، فيأتي بمعنى أفعل التفضيل، وحُذفت همزته؛ لكثرة الاستعمال، وحُمل على ذلك: فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ البقرة: 54يعني: أخْير لكم، وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ النساء: 66يعني: أخْير، يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ الأنفال: 70يعني: أخْير مما أُخذ منكم.

ويأتي أيضاً: صفة مشبهة: خَيْر: تخفيف من خَيِّر، يقال: أخيار: جمع خيِّر، ومنه: وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ ص:47 جمع خيِّر، صفة مشبهة.

وكذلك أيضاً: خار الشيءَ على غيره يختاره خِيْرَة وخِيَرَة، أي: فضله، وانتقاه، مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ القصص: 68، ويقال: اختار بمعنى: انتقى، وأخذ خير الشيء، وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا الأعراف: 155، وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى طه: 13، وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ الدخان: 32بمعنى: الانتقاء، والاصطفاء، ونحو ذلك.

فهذه المعاني عند ابن فارس ترجع إلى معنى: الميل؛ لأن من وُجِد فيه شيء من هذه الأوصاف، فالنفوس تميل إليه.

فهنا حينما يقول ابن جُزي بأنه العمل الصالح، والمال، والخِيَرة، والتفضيل بين شيئين، كل ذلك يرجع إلى معنى: الميل، فالتفضيل بين شيئين: هذا كما سبق، لكن باقي المعاني، مثل: الخِيَرة بمعنى: الاختيار، كل ذلك بمعنى: الميل، وحتى التفضيل في أصله يرجع إلى معنى: الميل، فقوله: إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ البقرة: 180، هنا فُسر: بالمال، فالمال أداة النفع، فأُطلق عليه: الخير، بناء على كلام ابن فارس   -رحمه الله-، أو غير ابن فارس من بعض أهل اللغة، يقولون: هو: النفع أو أداته، وقوله: نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ المؤمنون: 56جمع خَيْرَة، وهي: الصالحة الفاضلة من الناس، أو الأمور، لاحظ: من الناس كقوله: فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ الرحمن: 70، وقوله: وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ العاديات: 8يعني: المال، يعني: أداة النفع، فالخير هنا بمعنى: المال، وليس هو: المعروف، والبر، والصلاح، وما إلى ذلك، فالحديث عن جنس الإنسان: وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ العاديات: 8.

وأما هذا الطرح الذي يُدارَى فيه حال الفجرة، والفسقة، وما إلى ذلك؛ لإرضائهم، فهو خطأ يُطرح ممن يُبتلى أحياناً بالقنوات الفضائية، فتجد من يذهب ويتحدث في بعض القنوات السيئة، ويقول لهم: كل أحد يحب الخير، والجميع يحبون الخير، وكل الناس يحبون الخير، كما قال الله وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ العاديات: 8، هذا الإنسان، فكلكم تحبون الخير، وكلنا نحب الخير، وهذا دليل من القرآن على هذا، نقول: هذا خطأ، فالخير هنا بمعنى: المال، ومن الناس من يتحولون إلى شياطين، فينفرون من الخير، ويبغضونه، ويحاربونه، ويميلون إلى الشر، والمنكر، كما لا يخفى.

وهنا في قوله -تبارك وتعالى-: وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ البقرة: 197يعني: النفع والصلاح، وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى البقرة: 197، "خير" هنا: أفعل تفضيل أي: أخْير، قُلْ مَا أَنفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ البقرة: 215، إذا فُسر بالمال ونحوه فهو: أداة للنفع، والصلاح، وقوله: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا آل عمران: 30النفع، وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ النساء: 25، أفعل تفضيل: أخْير لكم، ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ الأعراف: 85كذلك، والله أعلم.

طيب، هل هناك فرق بين خِيْرَة بالسكون وخِيَرَة بالفتح؟ الجواب: لا، هما بمعنى واحد، فقوله: مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ القصص: 68يعني: الاختيار، ويقال: الخِيْرَة والخِيَرَة، خِيْرَة وخِيَرَة بمعنى واحد، يعني: الاختيار، ما كان لهم الاختيار، وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ القصص: 68، يختار من الخلق، مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ القصص: 68، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.



[1] أخرجه البخاري، كتاب جزاء الصيد، باب: لا يحل القتال بمكة، رقم: (1834)، ومسلم، كتاب الحج، باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها ولقطتها إلا لمنشد على الدوام، رقم: (1355).

[2] أخرجه مسلم، كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل، وعقوبة الجائر، والحث على الرفق بالرعية، والنهي عن إدخال المشقة عليهم، رقم: (1830).

[3] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير: (جـ/ 13، 14)، (ص: 69) رقم: (14668)، والحاكم في المستدرك: (1/ 45)، كتاب الإيمان، رقم: (5)، وقال: هذا حديث لم يخرج في الصحيحين، ورواته مصريون ثقات، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها: (4/ 113)، رقم: (1585)، وفي صحيح الجامع الصغير وزيادته: (1/ 330)، رقم: (1590).

[4] أخرجه البخاري، كتاب الفتن، باب: لا يأتي زمان إلا الذي بعده شر منه، رقم: (7068).

مواد ذات صلة