يقول الإمام ابن جزي عند قوله تعالى:
قوله -تبارك وتعالى-: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ [النساء:44].
قال: "هم اليهود هنا، وفي الموضع الثاني"، هو قوله بعدها أَلَمْ ترَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ[النساء:51].
يقول: "قال السهيلي"، السهيلي له كتاب في المبهمات، ومثل هذا يعد من جملة المبهمات، يعني أبهم هؤلاء.
يقول: "نزل في رفاعة بن زيد بن التابوت"، الموضع الأول الذي هو هذا، فهذا مخرج عند ابن جرير[2]، وابن أبي حاتم عن ابن عباس -ا-[3]، قال: كان رفاعة بن زيد بن التابوت من عظمائهم، إذا كلم رسول الله ﷺ لوى لسانه، وقال: (راعنا سمعك يا محمد حتى نفهمك)، وطعن في الإسلام وعابه، فأنزل الله أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ[النساء:44]، هذا لا يصح في سبب النزول، الرواية هذه لا تثبت، لكن ظاهر من السياق أن المقصود بذلك: اليهود، وهكذا الموضع الثاني.
يقول: "في الثاني نزل في كعب بن الأشرف"، وهذا أيضًا جاء عن ابن عباس -ا-، عند أحمد، والبزار، وابن جرير[4]، وابن أبي حاتم[5]، وصحح إسناده الحافظ ابن كثير[6]، قال: لما قدم كعب بن الأشرف مكة، قالت قريش: ألا ترى هذا الصنبور من قومه، يزعم أنه خير منا، ونحن أهل الحجيج، وأهل السدانة، والسقاية، قال: أنتم خير، قال: فنزل: إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ[الكوثر:3]، ونزل أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ[النساء:44] إلى: نَصِيرًا[النساء:45].
في قوله: اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى [البقرة:16]، كما سبق في سورة البقرة، يعني استعاضوا، وهنا يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ: يعني يؤثرونها على الهدى.
الله -تبارك وتعالى- يقول: مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ [النساء:46]، هذه ما متعلقها؟ يقول هنا: "مِنَ راجعة إلى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا"، يعني: "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ [النساء:44] ، مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يعني: تكون متعلقة بالذين أوتوا نصيبًا، فهؤلاء الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ، هم "مِنَ الَّذِينَ هَادُوا"، "أو إلى أعدائكم" وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ [النساء:45]" من الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ، فيكون كالتفسير له، إما لقوله: أُوتُوا نَصِيبًا، أو إلى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ، مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ... [النساء:46] الآية، والأول: هو اختيار أبي جعفر بن جرير[7]، أنه يرجع إلى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا، وهذا هو الأقرب -والله تعالى أعلم-، يدل عليه سياق الكلام.
يقول: "فهي بيان" يعني بيان لما قبلها، إما بيان لــــ الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا، أو بيان لأعدائكم، من هؤلاء الأعداء؟ هم الذين هادوا.
"وقال الفارسي" يعني أبا علي الفارسي: "هي ابتداء كلام" يعني أنه كلام مستأنف جديد، لا تعلق له بما قبله، يعني هو يخبر بخبر جديد عن اليهود، مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ... ، لا يتعلق بـ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ، فليس بتفسير له، ولا بتفسير لقوله: وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ، هذا على قول الفارسي، وقول ابن جرير أرجح، والله أعلم.
يقول هنا: تقديره: "مِنَ الَّذِينَ هَادُوا قوم" يعني: يحرفون الكلم، والأصل عدم التقدير، والقاعدة: أن الكلام إذا دار بين الاستقلال والإضمار، فالأصل فيه: الاستقلال، يعني لا يحتاج إلى إضمار، ولذلك يرجح التفسير الذي لا يحتاج معه إلى إضمار إذا صح معه المعنى، على غيره مما يحتاج إلى الإضمار.
يقول: "وقيل: هي متعلقة بـ نَصِيرًا، وهو ضعيف"، وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا مِنَ الَّذِينَ هَادُوا، يعني أنه نصير منهم، ينصركم من هؤلاء، لكن هذا كما ذكر المؤلف -رحمه الله-.
ويقول: "ويتوقف على نصيرًا على قول الفارسي"، يعني يكون الكلام تم عكس هذا المعنى الأخير على قول الفارسي، وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا، ثم كلام جديد يخبر عن اليهود، مِنَ الَّذِينَ هَادُوا قوم يحرفون الكلم عن مواضعه.
وبعضهم يقول إن قوله: مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يتعلق بقوله: يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ، والله أعلم.
أو يكون كلام الفارسي مِنَ الَّذِينَ هَادُوا إذا قلنا إنه استئناف من الذين هادوا قوم يحرفون الكلم، أو من الذين هادوا من يحرفون الكلم عن مواضعه.
وعلى قول الفارسي يكون الكلام تامًا، مع أنه رأس آية، يوقف عليه، لكن على الأقوال الأخرى أنه متعلق بما قبله مثلًا، فيكون الكلام ما تم، ما ذُكر بعده يكون تفسيرا له، ولذلك تجد أن كثيرًا من علامات الوقف اجتهادية، ترجع بحسب المعنى والإعراب، فيختلفون فيها، فمن كان له بصر في ذلك فيمكن أن يكون له اختيار، إذا صح وجهه في اللغة، والتفسير، وأما من لا بصر له فيتبع العلامات التي يجدها على المصحف، لا يتكلف، فإن ذلك يغير المعاني والإعراب.
يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ يقول الحافظ ابن كثير -رحمه الله-: يتأولون الكلام على غير تأويله، ويفسرونه بغير مراد الله قصدًا منهم وافتراءً[8].
يعني: ليس بالخطأ بالتأويل، وإنما يقصدون التبديل والتغيير، تحريف الكلم، -كما هو معلوم- يكون بتحريف الألفاظ تارة تبديل، وهذا الذي وقع في الكتب السابقة، وحفظ الله منه القرآن، وهذا يحصل معه تبديل المعنى، وقد يكون ذلك بتبديل المعنى بالتأويل على غير مراد الله من غير تبديل اللفظ، وهذا وقع في الكتب السابقة، ووقع أيضًا في هذه الأمة، في تحريف معاني كلام القرآن، وقع لطوائف من أهل البدع -كما هو معلوم-، وكل ذلك من التحريف.
هؤلاء الذين يحرفون الكلم هنا، إذا قيل بأنه التوراة؛ فقد حرفوها لفظًا ومعنى، وإذا قيل إنهم يحرفون كلام النبي ﷺ، فمعنى ذلك: أنهم يتأولونه على غير تأويله، الذين قالوا إنه يتعلق بكلام النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، قالوا: القرينة مذكورة بعده، يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ [النساء:46]، فبهذا السياق يكون ذلك مما يتعلق بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، وإن كان تحريف الألفاظ واقعًا منهم في كتبهم؛ ولهذا فسره الحافظ ابن كثير -رحمه الله- بتبديل المعاني، بهذا الاعتبار أنه يتعلق برسول الله -عليه الصلاة والسلام-، يحرفون كلامه، ويبدلونه على غير مراده.
بهذا فسره ابن عباس -ا-[9]، واختاره ابن جرير -رحمه الله-[10]، باعتبار أنه دعاءٌ على النبي ﷺ، يدعون عليه، وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ، يعني: اسمع لا سمعت -قبحهم الله-، ويعني يقول: "معناه: لا سمعت"، أو مدعوا عليك بصمم، أو موت، لأن الذي يدعى عليه ذلك، قد يراد به أنه لا يسمع بمعنى: أنه فقد الحياة، أو يكون المراد، وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ يعني: غير مجاب إلى ما تدعو إليه غَيْرَ مُسْمَعٍ، والمعنى الذي ذكره هنا أقرب، -والله أعلم-، يعني: واسمع لا سمعت، ويكون من قبيل الدعاء، يعني هذا من التحريف، الذي يسمع هذه العبارة: وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ يعني: كأنهم يريدون التأدب معه في الكلام، اسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ كما تقول لفلان مثلًا: خذ وما عليك أمر، افعل وما عليك أمر، فهنا يقول: اسمع غير مسمع، وهم يقصدون بذلك: الدعاء عليه، اسمع لا سمعت.
وكذلك ما بعدها من قوله: وَرَاعِنَا، فإن ظاهره المراعاة، انظرنا حتى نفهم كما سيأتي عنك، وهم يقصدون الرعونة، معنى الرعونة، وقد يكون ذلك من قبيل التحريف أيضًا، حيث يلوون ألسنتهم بالكلام، والخطاب، فيفهم السامع شيئًا، لكنه على غير مرادهم، فهذا اللي منهم وقع حتى في غير لذلك في كتابهم، كما قال الله : يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ [آل عمران:78].
يقول:
المقصود أن ذلك من الرعونة، يعني: ينسبون النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- إلى الرعونة، ظاهر اللفظ رَاعِنَا" من المراعاة، ولهذا قال الله تعالى في سورة البقرة:لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا [البقرة:104]، يعني حتى نفهم عنك، لا تعجل علينا، رَاعِنَا، ويقصدون بها: نسبته -صلى الله عليه وآله وسلم- إلى الرعونة، يريدون أنه -عليه الصلاة والسلام- أرعن ورَاعِنَا، فجاء الله بما يستعاض به عن هذه اللفظة المحتملة للباطل، وَقُولُوا انظُرْنَا، وذلك كما هي عادة الشارع في الغالب، أنه إذا نهى عن شيء جاء بما هو أحسن منه، وأنفع، سواء كان ذلك في الألفاظ، والآداب المتعلقة بها، أو كان ذلك في الأحكام من الحلال والحرام ونحو ذلك.
والرعونة تعني: الجفاء، والغلظة، يقال: فلان أرعن، يعني أنه فيه من الجفاء، سواءً كان ذلك في الألفاظ، أو في الأعمال، والتدبير، والتصرف، يقال: أرعن، والله أعلم.
يعني: رد عليهم، وجاء بما هو خير لهم، لو أنهم قالوه، وهنا: وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا، بدلًا من وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ، وَرَاعِنَا وَانْظُرْنَا بدلًا منها لَكَانَ خَيْرًا لهُمْ.
ولذلك يتخير الإنسان في عباراته، ما لا يحصل معه الإيهام لمعنًى باطل، سواء كان في مخاطبته الناس، أو في كتابته، أو كان ذلك في غيره مما يفسر به مثلًا كلام الله ، أو كلام رسوله ﷺ، ونحو ذلك، يبتعد عن العبارات التي تحتمل معنًى صحيح، ومعنًى آخر باطل، وإنما يعبر بالعبارات التي لا تحتمل إلا الحق، ويبتعد عن العبارات الموهمة، لذلك الأشياء التي توقع في اللبس، حتى من التصرفات، ينبغي للإنسان يبتعد عنها، ويحترز بما لا يقع معه لبس، لئلا يقع الناس في إشكال في فهم مراده، أو عمله، فيكون على أمرٍ بينٍ واضح، أما من يتكلم بالكلمات الموهمة، أو يتصرف التصرفات المحتملة للحق والباطل، أو نحو ذلك، ثم بعد ذلك يأتي من يفهم على غير مقصوده، فهذا بسبب تقصيره، سواءً كان ذلك في الكتابة، أو كان في المخاطبة، يعبر بما لا يوهم، لذلك ذكر السلف هذا في العقائد، أهل السنة يذكرونه في كتب الاعتقاد؛ لأنه لا يعبر بالعبارات المجملة، والموهمة، بما يتعلق بصفات الله ، ونحو ذلك التي تحتمل الحق والباطل، وإنما كان هذا مما يصدر عن أهل البدع، فيقولون مثلًا بنفي الجهة، وكلمة الجهة لم ترد في الكتاب ولا في السنة، فتحتمل هل هي جهة مخلوقة، أو يقصدون العلو، ما فوق العالم عن الله ، يقولون: الله ليس في جهة، ما هو المقصود بهذا، وهكذا العبارات التي يقولونها، بأن الله منزه عن الأبعاض، ونحو ذلك، كلمات لم ترد في الكتاب والسنة، فقد يقصدون بها معاني باطلة أحيانًا، نفي صفات الله ، فلا يعبر بمثل هذا.
ذكرنا هناك أن هذا التصديق لكتبهم، آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ أنه يشمل وجوهًا من التصديق، فمن ذلك: أنه يشهد بأنها منزلة من الله بأصلها قبل التحريف، وكذلك أيضًا ما أخبرت به تلك الكتب، وما جاءت به من الهدايات، ونحو ذلك، جاء نظيره في القرآن، وأوفى منه، فهذا يصدقها أنها تضمنت الهدى والحق، وكذلك أيضًا ما أخبرت به، فجاء ما يوافقه في القرآن، وكذلك أيضًا -وهذا أخص- ما أخبرت به هذه الكتب عن صفة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، ومبعثه، ومخرجه، ومهاجره، فجاء كما وصفت، فهو مصدق لما جاءت به تلك الكتب، هذا التصديق يكون من وجوه متنوعة.
الطمس أصله: استئصال أثر الشيء، وما ذكره عن ابن عباس -ا- وهو لا يصح من جهة الإسناد، قال: "طمسها أن تزال العيون منها، وترد في القفا، فيكون ذلك ردًا على الدبر"، باعتبار أن الوجه يكون من الخلف، يكون العينان، والأنف من الخلف، فهذا معنى، وهو الذي اختاره ابن جرير -رحمه الله-[12]، مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا، يطمس الوجه، تزول معالمه، ويكون ينقل إلى القفا، فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا.
"وقيل: طمسها محو تخطيط صورها من أنف، أو عين، أو حاجب؛ حتى تصير كالأدبار في خلوها عن الحواس"، وهذا واضح، يعني ليس معنى ذلك (المعنى الثاني)، أنها تكون في الخلف، وإنما تستوي مع الخلف؛ حيث لا معالم فيها من عين، ولا أنف، ولا غير ذلك، يستوي الوجه والقفا.
وعلى المعنى الأول: يحول الوجه إلى القفا، أو نردها على أدبارها، وهذا يحتمله أيضًا ظاهر اللفظ، والحافظ ابن كثير -رحمه الله- ذكر أن هذا مثل ضربه الله لهم في صرفهم عن الحق، وردهم إلى الباطل، ورجوعهم عن المحجة البيضاء إلى سبل الضلالة، يهرعون، ويمشون القهقرى على أدبارهم[13].
يعني: مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا؛ يعني: من قبل أن تزاغ قلوبهم، فيرجعون القهقرى إلى الضلالة، كما قال الله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ [الأنفال:24]، فيعاقب بالطبع على قلبه؛ فيرتكس في الضلالة، ولا يرجع إلى الهدى بحال من الأحوال، فهذا معنى مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا، أنه من قبيل المثل، يعني هذا تصوير لمعنى بأمر محسوس، وأن المقصود هو؛ رد هؤلاء عن الحق عقوبة لهم على هذه الجرائر، والجرائم، والكفر بالحق الذي عرفوه؛ فيعاقبون بالحرمان منه، فيرجعون في ضلالتهم وغوايتهم، هذا المعنى الذي ذكره ابن كثير، تكون القضية معنوية بمعنى الرد إلى الضلالة، مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا، ولكن ما ذكره ابن جرير، وما روي عن ابن عباس، وإن كان لا يصح من جهة الإسناد أقرب، والله تعالى أعلم، من هذا تهديد لهم بهذا، وهذا هو الأصل، أن يكون الكلام على ظاهره، يعني على قول ابن كثير، عند القائلين بالمجاز؛ يكون من قبيل المجاز، إن القلب غير حقيقي، وإنما هو معنوي بمعنى الصرف عن الحق إلى الضلال، جَزَاءً وِفَاقًا [النبأ:26]، لكن الأصل في الكلام الحقيقة، وأن هذا تهديد لهم، سواء كان ذلك على المعنى الأول أن يحول الوجه إلى القفا، أو المقصود أن يكون الوجه مستويًا مع القفا بطمس معالمه، والأول أقرب، والله تعالى أعلم، تحويل، قال: فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا، ما قال: فنردها كأدبارها، يعني: حتى تكون كأدبارها، تستوي مع القفا، لا معالم فيها، وإنما قال: فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا، وهذا يدل على التحويل، والله أعلم.
قوله: "أَوْ نَلْعَنَهُمْ، قال: أي: نمسخهم كما مسخ أصحاب السبت"، وهذا ظاهر كلام ابن جرير[14]، وأيضًا الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-[15]، وعلى هذا المعنى يكون موافقًا لما ذكره المفسرون على القولين، أن التحويل حقيقي فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا، فهنا المسخ حقيقي كما هو معلوم، أن الله قال لهم: كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ [البقرة:65]، فمسخوا حقيقة، وليس بمسخ معنوي، بمعنى أنها تحولت بأنه مسخ نفوسهم وأرواحهم، فالكلام على ظاهره إلا بدليل.
فهنا يقول: "أي: نمسخهم كما مسخ أصحاب السبت"، هم اليهود الذين احتالوا، وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ [الأعراف:163].
قال: "وقد ذكر في البقرة، أو يكون من اللعن المعروف" طبعًا الذي ذكر في البقرة وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ [البقرة:65].
يقول: "أو يكون من اللعن المعروف"، يعني أن الله لعنهم طردهم من رحمته، لكن لما ذكر أصحاب السبت على سبيل الخصوص، فإن الذي حصل لهم؛ هو المسخ.
قال: "والضمير يعود على الوجوه" الضمير يعود على الوجوه، والمراد أصحاب الوجوه، أَوْ نَلْعَنَهُمْ، هذا ظاهر في أنه يرجع إلى هؤلاء الوجه، كما هو معلوم هو أشرف ما في الإنسان، فيعبر به عنه، لكن قوله -تبارك وتعالى-: مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا، ليس المقصود مسخ هؤلاء جميعًا، وإنما على القول الراجح: تحويل الوجوه إلى القفا، أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ.
يقول: "أو يعود على الذين أوتوا الكتاب على الالتفات"، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا، لاحظ هذا خطاب، أَوْ نَلْعَنَهُمْ يكون من قبيل تحويل الخطاب على سبيل الالتفات، فجاء بالغيبة، وهذا تفنن في الخطاب، وتنشيط للسامع، وكذلك أيضًا فيه معان بلاغية يذكرها بعض المفسرين في كل موضع بحسبه، يعني يمكن أن يقال هنا التفت من الخطاب إلى الغيبة لما ذكر اللعن؛ لأن ذلك أمر لا يستحقون معه المخاطبة مباشرة، قال: أَوْ نَلْعَنَهُمْ، فجاء بضمير الغائب، لبعدهم، والله أعلم.
يعني المقصود هنا في قوله: أَوْ نَلْعَنَهُمْ، وقبل ذلك ذكر الوجوه، لكن من السياق ظاهر أن المراد أَوْ نَلْعَنَهُمْ يعني هؤلاء المخبر عنهم، أو الذين توعدهم الله ، أو خاطبهم، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ [النساء:47]، يعني أصحاب تلك الوجوه.
قوله: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ [النساء:48] هذه الآية هي الحاكمة في مسألة الوعيد، وهي المبينة لما تعارض فيها من الآيات، وهي الحجة لأهل السنة، والقاطعة بالخوارج والمعتزلة والمرجئة، وذلك أن مذهب أهل السنة؛ أن العصاة من المؤمنين في مشيئة الله، إن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم، وحجتهم هذه الآية، فإنها نص في هذا المعنى، ومذهب الخوارج أن العصاة يعذبون ولا بد، سواء كانت ذنوبهم صغائر أو كبائر، ومذهب المعتزلة أنهم يعذبون على الكبائر ولا بد، ويرد على الطائفتين قوله: وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ، ومذهب المرجئة أن العصاة كلهم يغفر لهم ولا بدّ، وأنه لا يضر ذنب مع الإيمان، ويرد عليهم قوله: لِمَنْ يَشاءُ، فإنه تخصيص لبعض العصاة، وقد تأولت المعتزلة الآية على مذهبهم، فقالوا: لمن يشاء، وهو التائب؛ فإن التائب لا خلاف أنه لا يعذب، وهذا التأويل بعيد، لأن قوله: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ في غير التائب من الشرك، وكذلك قوله: وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ، في غير التائب من العصيان ليكون أول الآية وآخرها على نسق واحد، وتأولت المرجئة على مذهبهم، فقالوا: لِمَنْ يَشاءُ: معناه لمن يشاء أن يؤمن، وهذا أيضًا بعيد، لا يقتضيه اللفظ، وقد ورد في القرآن آيات كثيرة في الوعيد فحملها المعتزلة على العصاة، وحملها المرجئة على الكفار، وحملها أهل السنة على الكفار، وعلى من لا يغفر الله له من العصاة، كما حملوا آية الوعد على المؤمنين الذين لم يذنبوا، وعلى المذنبين التائبين، وعلى من يغفر الله له من العصاة غير التائبين، فعلى مذهب أهل السنة لا يبقى تعارض بين آيات الوعد وآيات الوعيد، بل يجمع بين معانيها، بخلاف قول غيرهم، فإنّ الآيات فيه تتعارض.
وتلخيص المذاهب: أن الكافر إذا تاب من كفره؛ غفر له بإجماع، وإن مات على كفره؛ لم يغفر له، وخلد في النار بإجماع، وأن العاصي من المؤمنين إن تاب غفر له، وإن مات دون توبة فهو الذي اختلف الناس فيه".
هذه الآية: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ[النساء:48] ، يفهم على ضوئها سائر الآيات التي قد يفهم منها تخليد العصاة، أو بعض العصاة في النار، كقوله -تبارك وتعالى-: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ [النساء:93]، فهذا في ذكر الخلود لمن فعل معصية كالقتل، تفهم على ضوء هذه الآية، إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ، وسيأتي الكلام على هذه الآية المتعلقة بقتل المؤمن، لكن لا يخلد في النار إلا أهل الشرك، وما دونه؛ فهم تحت المشيئة، إن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم، ولذلك اختلفوا في الشرك الأصغر؛ الرياء، والسمعة، ونحو ذلك، وإن شئت أن تقول: الشرك الخفي، والشرك الأصغر، باعتبار أنه شرك، والله يقول: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ، فبعض أهل العلم قال: لا يغفر الشرك الأصغر والخفي، كل أنواع الشرك لا تغفر، لكن هل يقصدون بذلك أنه يخلد في النار؟ هم لا يقصدون هذا، لكن يقصدون أنه مستحق للعقوبة، ولكن هذه العقوبة قد تنغمر ببحر حسناته؛ فلا يعاقب، وعلى كل حال هذا قول لبعض أهل السنة، أن صاحب الشرك الأصغر والخفي؛ أن الله لا يغفر له ذلك، يعني ليس تحت المشيئة، لا يدخل الجنة حتى يطهر منه بتخليصه في كير جهنم، وذهب آخرون من أهل السنة إلى أن ذلك أيضًا داخل تحت المشيئة، لكن جميع هؤلاء (أعني أهل السنة) لا يقولون بأنه يخلد في النار.
هنا تزكية النفس، قال: "هم اليهود"، جاء عن الحسن، وقتادة أنها نزلت في اليهود، والنصارى[16]، حيث قالوا: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ [المائدة:18]، وقال ابن زيد: نزلت في قولهم: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، وفي قولهم: لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى[البقرة:111][17].
فكل هؤلاء حصلت منهم التزكية، وبهذا قال ابن جرير -رحمه الله-[18]، والشيخ محمد الأمين الشنقيطي[19]، أنها نازلة في اليهود والنصارى، حيث حصل منهم ذلك، أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ .
فقول ابن جزي -رحمه الله- هم اليهود، باعتبار أنهم قالوا: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، هذه قالها اليهود، وأيضًا قالتها النصارى.
يقول: "وقيل: مدحهم لأنفسهم"، يزكون أنفسهم، تزكية النفس تكون على نوعين، النوع الأول: التزكية العملية؛ بالإيمان وتقوى الله ، وهذا الذي قال الله فيه، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا[الشمس:9]، وكذلك: مَنْ تَزَكَّى[الأعلى:14]، على التفسير المشهور أن المقصود به؛ زكى نفسه بالإيمان، وطاعة الله، وطاعة رسوله ﷺ، وليس المقصود إخراج الزكاة، زكاة الفطر، أو غير ذلك، في هذه الآية، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى فيكون بتزكية النفس، فتزكية النفس على هذا؛ ممدوحة، محمودة، مطلوبة شرعًا، تزكية النفوس التي علق عليها الفلاح، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:10]، اتبعها هواها، ودنسها، وأفسدها بالشرك والمعاصي، فهنا، النوع الثاني من التزكية؛ هو المذكور في هذه الآية، النوع المذموم؛ وهو نسبة الإنسان نفسه إلى الزكاة بالمدح والثناء، ونحو ذلك، فيدخل فيه قولهم: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى، وهذا هو المراد، وهذا الذي نهينا عنه، عن تزكية النفس، فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ[النجم:32]، فهذا المنهي عنه فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ، لا يعارض، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، لا تزكوا أنفسكم؛ يعني بالثناء والمدح، وإطراءها، ونسبتها إلى الزكاة، فذلك إلى الله .
فتيلًا، يقول: "الفتيل هو الخيط الذي في شق نواة التمرة"، التمرة فيها شق، هذا الذي يقولون عنه أهل النبات: ذا الفلقتين، هذا معروف، فيكون في هذا الموضع، هذا الشق فيه مثل الخيط دقيق، فهذا هو الفتيل، وهذا الذي قال به ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، وعطاء، والحسن، وقتادة[20].
يعني الفتيل هو المفتول، وهذا الخيط كأنه مفتول، "وقيل: ما يخرج بين إصبعيك وكفيك إذا فتلتهما" ما معناه؟ معناه أن الإنسان لو قال هكذا، أو قال هكذا يخرج شيء بين أصبعيه كالوسخ، مفتول كالخيط في النهاية، فبعضهم يقول: هذا هو المراد.
ويقول: "وهو تمثيل"، وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا، يعني المقصود: الشيء الصغير الذي لا شأن له، أقل الأشياء، إذا كانوا لا يظلمون مثل هذا، يقول: "فالأكثر بطريق الأولى"، وبعضهم يقول بأن الفتيل؛ هي القشرة التي حول النواة، ولكن الأول هو الأشهر والأقرب؛ أن الفتيل هو الخيط الذي في شق النواة، وابن جرير -رحمه الله- حمله على الجميع[21]، باعتبار أنه الخيط الذي يكون في شق النواة، وما يكون من فرك الكفين، أو الأصبعين ببعضهما، فيخرج من ذلك مثل الخيط الرفيع؛ فهذا ابن جرير يقول: كل ذلك يقال له فتيل، لكن على كل حال، القول الأول أشهر، وقال به هؤلاء، أعني ابن عباس، ومن وافقه، والمعنى كما يقول ابن جرير: أي لا يظلم هؤلاء المزكين لأنفسهم، ولا غيرهم من خلقه ببخسهم في تركه تزكيتهم شيئًا من حقوقهم، وهكذا من زكاهم، الذين زكاهم بالإيمان يعني لا هؤلاء الذين حرموا التزكية، حرموا الإيمان، ولا الذين زكاهم بالإيمان، لا يظلم أحد عند الله -تبارك وتعالى-، ولو كان في أدنى، وأقل الأشياء فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه [الزلزلة:7].
وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:8]، والذين يزكون أنفسهم؛ هم اليهود والنصارى، وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا، يعني؛ ولو شيئًا يسيرًا لا شأن له، والله أعلم.
انظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ [النساء:50]، يعني في مثل قولهم: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى .
يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ، الجبت: يستعمل في كل باطل، فيشمل ما ذكر من الأقوال، وذكر الجوهري أنه أيضًا يطلق على الصنم، والكاهن، والساحر، ونحو ذلك، هذا من حيث اللغة، فيؤيد أنه يطلق على هذه المذكورات في تفسيره، فكلها من قبيل الجبت، وبعضهم يقول: إن إطلاقه على الساحر، هذا في لغة الحبشة، والواقع أن مثل هذا لا دليل عليه أن يقال بأن هذا بلغة كذا، والمعرب، يعني الكلمات الأعجمية التي يقال إنها موجودة في القرآن من الأسماء فيها الخلاف المعروف، وذكرناه في بعض المناسبات، هل يوجد معرب في القرآن، وذكرنا قول ابن جرير بأن، القول بأن أصلها عربية، أولى من دعوى أنها أعجمية، والله يقول: بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ[الشعراء:195].
وذكرنا الأنواع الثلاثة في هذا الباب، يعني ما كان من قبيل الأسماء؛ فهو موجود في القرآن، وأكثر الأسماء الموجودة في القرآن غير عربية، وهذا لا إشكال فيه، النوع الثاني: وهو التراكيب، يعني كلام مركب أعجمي، هذا بالإجماع لا يوجد في القرآن.
النوع الثالث: هو الذي فيه الخلاف، وهو المنكر مثل: (إستبرق)، و( مشكاة)، ونحو ذلك، فهذا فيه خلاف معروف بين أهل العلم.
فهنا الجبت، هل هذا اسم أعجمي؟ حبشية كما يقولون بعضهم، وبعضهم يقول: الجبت، هو إبليس، والطاغوت، هم أولياؤه، وعلى كل حال تفسيره في معنى أعم، أنه يقال للباطل، كل باطل، فيدخل فيه ما ذكر، كأنه والله أعلم أقرب.
فهنا قال الجبت، "قال ابن عباس: الجبت هو حيي بن أخطب"، لكنه لا يصح عن ابن عباس -ا-، "والطاغوت كعب بن الأشرف"، هذا يمكن أن يقال على سبيل التمثيل، لكنه لا يختص بذلك.
"وقال عمر بن الخطاب: الجبت السحر، والطاغوت الشيطان" يعني: باعتبار أن الطاغوت: هو كل ما عبد من دون الله ، وهو راض بذلك.
"وقيل الجبت الكاهن، والطاغوت الساحر" ، لكن قول ابن جرير، وهنا قول ابن جزي بأنه: كل ما عبد، وأطيع من دون الله تعالى.
قال هنا، والطاغوت، جاء عن جابر ، الطاغوت؛ أنهم كهان، كانت تنزل عليهم الشياطين[24]، وجاء عن مجاهد: الشيطان في صورة إنسان[25]، يتحاكمون إليه (يعني الكهنة)، وهو صاحب أمرهم.
وفسره الإمام مالك -رحمه الله-: بأنه كل ما يعبد من دون الله ، وأن الجبت هو الشيطان[26].
وعلى كل حال ابن جرير يقول: هما اسمان لكل معظم، من دون الله –تبارك وتعالى- بعبادة، أو طاعة، أو خضوع، كائن ما كان من حجر، أو إنسان، أو شيطان[27].
الطاغوت عل كل حال يمكن أن يقال: هو كل ذي طغيان على الله -تبارك وتعالى-، فيدخل فيه من عبد من دون الله، وهو راض، وكذا من أطيع في معصيته، فهو مشتق من الطغيان، الذي هو الظلم، والغي، ونحو ذلك، والله أعلم.
هذا جاء عن ابن عباس -ا- في سبب النزول، في القصة المعروفة لما ذهبوا إلى مكة يحرضونهم (بعد أُحد) على قتال النبي، واستئصاله، فسألهم المشركون، قالوا: أنتم أهل كتاب، فما تقولون في هذا الصنبور المنبتر، نحن أهدى، أم هو؟، وذكروا مآثرهم من سقاية الحجيج، وإطعامهم، ونحو ذلك، فقالوا: بل أنتم أهدى منهم، وسجدوا لأصنام المشركين تأكيدًا لهذا المعنى؛ فنزلت الآية[28].
لكن هذه الرواية لا تصح من جهة الإسناد، لا يصح أن هذا سبب النزول، لكن من سياق الآية يدل على أنه وقع منهم ذلك بلا شك، أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا[النساء:51].
واليهود هم أهل سحر كما هو معروف، وكثير فيهم، ولا يختص هذا بعامتهم، بل للأسف هو في كبرائهم، ومقدميهم، وكذلك أيضًا في عامتهم، كما قال الله -تبارك وتعالى-: وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ[البقرة:101]، تركوا الكتاب المنزل، واستعاضوا عنه بالسحر، تركوا أشرف الأشياء واتبعوا أسوء الأشياء وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ[البقرة:102]، والله المستعان.
فهؤلاء لو كان لهم نصيب من الملك؛ فإنهم لا يعطون الناس شيئًا ينفعهم، ولو كان أقل الأشياء، وهو النقير؛ فهو النقرة على ظهر النواة، بطن النواة كما عرفنا مشقوق، وفيه خيط، فهذا هو الفتيل، والنقرة التي على ظهر النواة، يعني يوجد مثل ثقب الإبرة، لكنه غير نافذ إلى الجهة المقابلة، فهذا هو النقير، ماذا عسى أن يجتمع في مثل هذا؟ فهم لا يؤتوا الناس مثل هذا، بقدر هذا، فكيف بما هو أكبر، وأعظم؟
فهذا يدل على أن اليهود لا يرجى منهم شيء، ولذلك يقال أنهم لما عبدوا هذا العجل من الذهب؛ صار هذا في نفوسهم، فصاروا يعبدون الذهب عبادة، وبقي ذلك في ذريتهم إلى يومنا هذا، وهذا القول بأنه النقرة في ظهر النواة، جاء عن ابن عباس، وهو قول الأكثر من السلف، فمن بعدهم، وبعضهم يقول: هو ما نقر الرجل بأصبعه كما ينقر في الأرض، يعني لو نقر في الأرض مثلًا بأصبعه هكذا، فهذا شيء يسير لا يذكر، ولا قيمة له، ماذا عسى أن يكون من النقص بمثل هذا المقدار، وكذلك قالوا: يطلق على الخشبة تنقر، وينبذ فيها (نبيذ يعني)، يكون ذلك من الأسقية، فلا يؤتون الناس نقيرًا، لكن هذا بعيد قد حمله ابن جرير -رحمه الله- على أصغر النقر، وهو ما يكون على ظهر النواة، وقد يدخل فيه عنده، ما شاكلها من النقر، يعني هنا لما قال: يؤتون الناس نقيرًا، الثقب الذي يكون على ظهرها شيء يسير صغير، فلا يفسر بما هو أكبر منه، من نكت الأصبع، أو ما ينقر في خشبة فينتبذ فيها، فتكون سقاء، يعني يوضع فيها النبيذ، هذا ليس بيسير كالنقير الذي هو النقرة في ظهر النواة، والله تعالى أعلم.
قوله: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ، هنا تفسير الناس بالنبي ﷺ، وأمته، فهذا المعنى هو الذي اختاره ابن جرير -رحمه الله-[29]، أن المقصود: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ النبي ﷺ وأمته، يكون الناس هذا العموم على ظاهره، يعني ليس المراد به الخصوص، ويحتج لهذا بالإشارة التي جاءت في صيغة الجمع، وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا، فدل على أن المقصود النبي ﷺ مع أمته.
والحافظ بن كثير -رحمه الله- حمله على خصوص النبي ﷺ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ، يحسدون النبيﷺ على ما أعطاه الله من النبوة[30].
وهذا وإن كان مرادًا بالآية، إلا أن أمته داخلة في ذلك، فهم يحسدون هذه الأمة، حسدوهم على النبوة، وذكر النبيﷺ حسدهم لهذه الأمة أيضًا على قول آمين، وكل ذلك داخل فيه، والله أعلم.
أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ، وقيل في الفضل: النصر، والعزة، وهو كل ما آتاهم الله من فضله، والنبوة داخلة فيه دخولًا أوليًا.
يقول: "وقيل: الناس العرب، والفضل كون النبي -صلّى الله عليه واله وسلّم-"، لا شك إنهم حسدوا العرب على تحول الكتاب، والنبوة إليهم، فكل ذلك واقع منهم، فلو قيل بأن ذلك أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ يعني النبي ﷺ، وهذه الأمة على ما آتاهم الله من فضله من النبوة، والفضائل التي اختصهم بها.
قوله –تبارك وتعالى: فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ، الكتاب هنا فسره ابن جرير بالكتب، آلَ إِبْراهِيمَ، يعني الأنبياء من ذريته.
قال هنا ابن جزي: "المراد بآل إبراهيم؛ ذريته من بني إسرائيل"، وهذا الذي اختاره ابن كثير -رحمه الله-[31]، وقوله -تبارك وتعالى-: وَالْحِكْمَةَ، الكتاب معروف، والحكمة، ابن كثير -رحمه الله- يقول: آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ، يعني حكموا فيهم بالسنن، وهي الحكمة، وهذا معنى قول ابن جرير -رحمه الله- بأن الحكمة هي الوحي في غير الكتاب، يعني ما يوحى إلى هؤلاء الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-، إضافة إلى الكتاب المنزل، يعني ما كان زائدًا عليه، مثل السنة التي هي وحي من الله، فهي الحكمة، وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ [النساء:113]، فالحكمة هي السنة.
وحملها ابن جرير -رحمه الله- على ملك سليمان -عليه الصلاة والسلام-[32] باعتبار أنه كان أعظم الملك، الذي كان في ذرية إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-.
وعلى كل حال، لو قيل بأن المعنى أعم من هذا، فأوتوا من الملك العظيم، فيكون مجموع ذلك يصدق على ما أوتيه سليمان -عليه الصلاة والسلام-، وكذلك داوود، ويوسف -عليهم صلوات الله وسلامه-.
فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ، يعني بالكتاب، فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ، فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ، يعني هذا الكتاب، هذا يحتمل، وكذلك أيضًا، وكذلك يحتمل أن يرجع إلى إبراهيم ، فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ، فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ، لكن هذا قد يكون له وجه باعتبار أن آل إبراهيم المقصود به إبراهيم ، فإن مثل هذا قد يطلق على الشخص نفسه، وقد يطلق على أتباعه، أو على ذريته، لكن ما ذكره ابن جزي -رحمه الله- في قوله آل إبراهيم أنه ذرية إبراهيم من بني إسرائيل، وقلنا هذا هو اختيار ابن كثير -رحمه الله-.
فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ، ابن كثير -رحمه الله- يقول: آمن بهذا الإيتاء، فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ آمن بهذا الإيتاء، وهذا الإنعام.
وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ، يعني كفر به، وأعرض عنه، وسعى في صد الناس عنه، وهو منهم، ومن جنسهم من بني إسرائيل، فقد اختلفوا على أنبيائهم، فكيف بك يا محمد، ولست من بني إسرائيل، كأن الله أعطى ذرية إبراهيم أعطاهم من الملك العظيم والنبوة، ومع ذلك انقسموا بين مؤمن وكافر، فكيف بك يا محمد، ولست منهم، مع ما تنطوي عليه نفوسهم من الحسد لك، ولقومك؟
وقوله هنا: فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ، قيل المراد من اليهود من آمن بالنبي ﷺ، واختار هذا القول ابن جرير -رحمه الله-، وقبله قال به مجاهد[33].
أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ، يعني النبي ﷺ وأمته، فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا[النساء:54]، فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ فيكون يرجع إلى النبي ﷺ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ، لكن -والله أعلم- أن ما ذكره ابن كثير -رحمه الله- أقرب، أنه من آمن به أي هذا الإيتاء، والله أعلم، لكن كأن القرينة عند ابن جرير أن الإيمان، آمَنَ بِهِ يكون الإيمان بالنبي، يكون بالأنبياء، والكتب، بهذا الاعتبار، والضمير يرجع إلى أقرب مذكور.
ومن قال بأنه، فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ ، الإيمان بإبراهيم قالوا: آل إبراهيم؛ هو إبراهيم ، وهكذا من قال بأنه الكتاب، فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ، فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ؛ آمن بالكتاب، على قول ابن كثير يشمل ذلك جميعًا، يعني آمن بهذا الإيتاء، فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ آمن بهذا الإيتاء، هذا المذكور الذي هو الكتاب، والحكمة، وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ والله أعلم.
القول الأول الذي ذكره: "كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ قيل: تبدل لهم جلود بعد جلود أخرى، إذ نفوسهم هي المعذبة"، فهذا باعتبار أن موضع الإحساس بالجلد، وإذا احترقت هذه الجلود، بدلت من جديد.
يقول: "وقيل: الجلود السرابيل"، يعني سرابيلهم من قطران، لكن هذا بعيد كما قال المؤلف -رحمه الله-.
الأزواج المطهرة ذكر في البقرة، باعتبار أنها أزواج مطهرة من كل دنس حسي ومعنوي، يعني مطهرة من الأخلاق الرذيلة، وكذلك أيضًا مطهرة من الأقذار بجميع أنواعها، فلا حيض، ولا نفاس، ولا غير ذلك، فهي طهارة معنوية، وطهارة حسية.
يقي الحر والبرد، ظِلًّا ظَلِيلًا أي: يقي الحر والبرد، والريح، والسموم، فهذا كما قال ابن كثير -رحمه الله-، الظل الظليل؛ يعني العميق، الكثير، الغزير، الطيب، الأينق[34].
كما قال الله : وَظِلٍّ مَمْدُودٍ [الواقعة:30]، أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا [الرعد:35]، إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ [المرسلات:41]، هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ [يس:56]، فلا تنسخه الشمس، ظل وارف كثير، وهذا من أنواع النعيم عند العرب، لها وقع كبير في نفوسهم، بلادهم حارة، والظل مما تتطلبه، وتتطلع إليه نفوسهم؛ فخاطبهم بذلك، ولا يوجد في الجنة شمس، وإنما هي ظلال ممتدة.
- الروض الأنف (4/248).
- تفسير الطبري (8/427).
- تفسير ابن أبي حاتم (3/963).
- تفسير الطبري (8/467)، رقم: (9788).
- تفسير ابن أبي حاتم (3/974)، رقم: (5441).
- تفسير ابن كثير (2/334).
- تفسير الطبري (8/432).
- تفسير ابن كثير (2/323).
- تفسير الطبري (8/434).
- تفسير الطبري (8/433).
- تفسير الطبري (8/440).
- تفسير الطبري (8/443).
- تفسير ابن كثير (2/324).
- تفسير الطبري (8/447).
- أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (1/242).
- تفسير ابن كثير (2/332).
- تفسير ابن كثير (2/332).
- تفسير الطبري (8/452)
- أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (1/244).
- تفسير ابن كثير (2/333).
- تفسير الطبري (8/456).
- تفسير الطبري (8/464).
- تفسير الطبري (8/464).
- تفسير الطبري (5/418) .
- تفسير الطبري (8/462).
- تفسير ابن كثير (2/334).
- تفسير الطبري (8/465).
- تفسير الطبري (8/466).
- تفسير الطبري (8/476).
- تفسير ابن كثير (2/336).
- تفسير ابن كثير (2/336).
- تفسير الطبري (8/482).
- تفسير الطبري (8/482).
- تفسير ابن كثير (2/338).