قال الحافظ ابن جُزي -رحمه الله تعالى-:
قوله -تعالى-: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93]، الآية نزلت بسبب مقيس بن صبابة كان قد أخذ دية أخيه هشام المقتول خطأً، ثم قتل رجلًا من القوم الذين قتلوا أخاه وارتد مشركا، فأمر رسول الله ﷺ بقتله[1].
هذا السبب الذي أشار إليه سبب مقيس بن صبابة لا يصح، هذا مرسل عن عكرمة وسعيد بن جُبير، فلا يثبت أن ذلك هو سبب النزول، والحكم في هذا واضح، ولا يُحتاج معه إلى معرفة سبب النزول، كما هو معلوم أحيانًا ينحل به الإشكال، وأحيانًا يتضح المعنى، وأحيانًا يكون فيه منقبة وما إلى ذلك، لكن في مثل هذا لا يترتب عليه شيءٌ من ذلك، والله أعلم.
قال: والمتعمد عند الجمهور هو الذي يقصد القتل بحديدةٍ أو حجرٍ أو عصا أو غير ذلك، وهذه الآية مُعطلة على مذهب الأشعرية وغيرهم.
في جميع النسخ: وهذه الآية مُعضلةٌ على مذهب الأشعرية.
نعم، أحسن هذا، معضلة على مذهب الأشعرية.
معضلة بمعنى أنها صرَّح فيها بالخلود، وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا[النساء:93]، وهم لا يقولون بخلود أصحاب الكبائر بما في ذلك القتل، وعلى هذه النسخة التي بين أيدينا مُعطَّلة على مذهب الأشعرية بمعنى أنه غير معمول بظاهرها، لكن مثل التعبير لا يليق، أن يُعبر عن آية بمثل هذا، فلا يوجد شيء في كلام الله مُعطَّل، فمعضلة هي العبارة التي لعلها هي كما في النسخ أو في بعض النسخ، ووجه ذلك ظاهر، إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ[النساء:116]، وهنا صرح بالخلود، تأولها الأشعرية بأربعة أوجه، لا حاجة لقول الأشعرية، لكن هنا يقابل قول المعتزلة بقول الأشاعرة، وهذا كأنه -والله تعالى أعلم- مُشعر بأن مذهب هؤلاء من المتكلمين من الأشاعرة هو المذهب الذي كان منتشرًا في عصره، وكأن المؤلف يرى أن هؤلاء أهل السنة، هو لا يضطرد على مذهبهم، ولكنّه يختاره في بعض المواضع، وهنا قابله بمذهب المعتزلة الذين يقولون: بأن الفاسق الملي بمنزلةٍ بين المنزلتين، وأنه مُخلد في النار، فاتفقوا في الحكم مع الخوارج، واختلفوا في التسمية، أولئك يقولون: يكون كافرًا -أعني الخوارج-، والمعتزلة يقولون: هو فاسق، وفي منزلةٍ بين المنزلتين بين المؤمن والكافر، وهذا غير صحيح، وكان اللائق أن يُقال: وأهل السنة يقولون، أو يُقال: وجمهور أهل السنة يقولون: بأنه لا يخلد فيها خلودًا مؤبدًا؛ لأنه يوجد من أهل السنة من استثنى القتل وأجرى الآية على ظاهرها، فاللائق أن يُذكر مذهب أهل السنة، ولا يُذكر مذاهب أهل الكلام سواءً كانوا من الأشعرية أو من غيرهم، ولكن عمت هذه المذاهب الكلامية حتى ظن من نشأ في تلك الأزمان أو النواحي أن هذا هو مذهب أهل السنة.
والعبرة بعموم اللفظ والمعنى، لا بخصوص السبب، فالآية: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا [النساء:93]، فـ مَنْ [النساء: 93] هذه تفيد العموم، ولم يقيد ذلك، وسبب النزول لا يقيده، العبرة بعموم اللفظ والمعنى.
قال: وتأولها الأشعرية بأربعة أوجه:
أحدها: أن قالوا: إنها في الكافر إذا قتل مؤمنا.
هذا لا دليل عليه أنها في الكافر إذا قتل مؤمنًا، هذا لا دليل عليه، قال الله: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا [النساء:93]، فهذا عام سواء صدر ذلك من كافر أو من مؤمن في ظاهر اللفظ.
المستحل، لا شك أن من استحل القتل فإنه يكون -يعني يستحل قتل أهل الإيمان- فيكون بذلك كافرًا؛ لأن النصوص صريحة في تحريم ذلك فهو مُكذبٌ بها، لكن أيضًا ليس في الآية ما يدل على ذلك أنه المستحل، ولكن هذا تأويل من أجل الخروج من هذا الإشكال.
وهذا أقرب هذه الأجوبة: أن الخلود في كلام العرب يأتي بمعنيين:
الأول: هو البقاء الأبدي السرمدي، وهذا هو الغالب في القرآن، وذلك في وعيد الكفار.
الثاني: هو البقاء لمدة طويلة، فالعرب تسميه خلودًا، ومثل هذا لا يكون من قبيل التأويل، فهذا معنًى صحيح معروف في كلام العرب، هذا بالإضافة إلى أمرٍ آخر وهو أن من أهل العلم من يجري مثل هذه النصوص -نصوص الوعيد- من غير تعرضٍ لها كالإمام أحمد -رحمه الله-، من أجل أن يبقى الزجر الذي سيقت من أجله، فلا يحصل استخفاف واستهانة من قِبل الناس بمثل هذا، يعني هذه النصوص سيقت للزجر، فلا يتحقق هذا الزجر إذا حُملت على محامل وتأويلات، فكأنه يُقال لهذا الإنسان: لا بأس عليك، ليس كما فهمت من ظاهر الآية، الأمر دون ذلك، فينتفي المقصود، لذلك كان بعض أهل العلم من أهل السنة يرون ترك التعرض لهذا، لكنه يُحتاج إليه في مجلس العلم من أجل أن يُفهم على وجهه، فلا يُحكم بالخلود والبقاء الأبدي والسرمدي على أحد من أهل الإيمان إذا قارف ذنبًا دون الإشراك، ويكون ذلك أيضًا جمعًا بين النصوص لئلا يُفهم أنها متناقضة، فيُحتاج إلى هذا في مثل هذا الموضع، وإلا فالأصل أن تبقى دون تعرضٍ لها من أجل أن يحصل مقصود الشارع بزجر الناس، والله أعلم.
لكن هذا فيه نظر من جهتين:
الأولى: أن النسخ لا يثبت بالاحتمال، فالأصل خلاف النسخ.
الثاني: هو أن هذه الآية من قبيل الخبر، إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ [النساء:116]، والأخبار لا يتطرقُ إليها النسخ إلا إذا كانت تتضمن معنى الإنشاء الأمر أو النهي، أما هذا فلا يتضمن معنى الإنشاء فهو خبرٌ محض، والأخبار لا يتطرق إليها النسخ؛ لأن نسخ الأخبار تكذيبٌ لها، الخبر لا يُنسخ.
من الأجوبة القريبة أيضًا ما جاء عن أبي هريرة : هذا جزاؤه إن جازاه[2].
فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93]، هذا جزاؤه إن جازاه، لكنّ الله أخبر أنه لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ[النساء:116]، فهذا جزاؤه إن جازاه، وهو يغفر ما دون الشرك لمن يشاء.
وذكر الحافظ ابن كثير -رحمه الله-: أنه سواء على قول ابن عباس: بأنه لا توبة له، أو على قول الجمهور: بأن له توبة، كما ذكرت لكم أن أهل السنة عامتهم يقولون: بأن ذلك يدخل تحت المشيئة، وأن القاتل له توبة، ابن عباس -ا- كان يرى أنه لا توبة له، يقول الحافظ ابن كثير -رحمه الله-: سواء على قول ابن عباس -ا-، أو على قول الجمهور فإنه لا يخلدُ في النار، وأن المراد المُكث الطويل، والله أعلم[3].
هذا ثابت عن زيد : نزلت الشديدة بعد الهينة، لكن ليس معنى ذلك النسخ، وكما سبق أن النسخ لا يتطرق الأخبار.
على كل حال ليس بهذا اللفظ، المروي عن ابن عباس -ا- عند ابن جرير وغيره، وهو ثابت عنه معروف في الصحيحين وغيرهما، لكن ليس بهذا اللفظ الذي ذكره المؤلف، فقد جاء في الصحيح عن سعيد بن جُبير -رحمه الله- قال: اختلف فيها أهل الكوفة -هذه الآية-، فرحلتُ إلى ابن عباس فسألته عنها، فقال: نزلت هذه الآية وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا[النساء:93] هي آخر ما نزل وما نسخها شيء[6]، وهذا صحيح أنه ما نسخها شيء.
وقوله: وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ[النساء:116] ليس بناسخٍ لها، والسلف قد يطلقون النسخ ويريدون به ما يعرض للنص من تخصيصٍ للعموم، وتقييد للإطلاق، وبيان للمجمل، هذه ثلاثة، هذا بالإضافة إلى المعنى المشهور عند المتأخرين للنسخ وهو أحد معانيه وهو الرفع، فهذه ما نسخها شيء، بمعنى أنها لم تُرفع، ولكن يُجمع بين النصوص فهذه مع قوله: وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ[النساء:116] تدل على أنه تحت المشيئة، وأنه لا يخلد في النار أحدٌ من أهل الإيمان كما دلت عليه النصوص المعروفة -نصوص الشفاعة- وغير ذلك.
هذا الحديث أخرجه بعض أصحاب السنن وهو ثابت، كل ذنبٍ عسى الله أن يغفره، إلّا الرجل يموت كافرا أو الرجل يقتل المؤمن متعمدا، وعسى هذه هنا تفيد الترجي، ليست هذه التي جاء عن ابن عباس -ا- وغيره: عسى من الله واجبة[8]، فهذه من النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: كل ذنبٍ عسى الله أن يغفره، إلّا الرجل يموت كافرا أو الرجل يقتل المؤمن متعمدا، فهذا كله على كل حال يدل على الزجر والتخويف من الإقدام على مثل هذا.
المؤلف الآن يختار أن القتل مستثنى؛ لأنه لا توبة لصاحبه، وأن صاحبه يخلد في النار، وهذا خلاف قول عامة أهل السنة والجماعة، بل القتلُ وغيره داخلٌ تحت المشيئة، لكن ورد فيه التشديد والتغليظ، فإما أن يُقال: بأن ذلك جاء على سبيل التغليظ فلا يُتعرض لمثل هذه النصوص من أجل الزجر كما سبق، أو يُقال: بأن هذا يُقصد به البقاء لمدة طويلة، أو يُقال: هذا جزاؤه إن جازاه.
توبة القاتل -كما سبق- قد جاء عن ابن عباس -ا- ووافقه على هذا جماعة من الصحابة فمن بعدهم: كأبي هريرة، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، وعُبيد بن عُمير، والحسن، وقتادة، والضَّحاك: إلى أنه لا توبة له[9].
لكن هناك فرق بين القول بأنه لا توبة له، والقول بخلوده في النار، هناك فرق، لا ملازمة بين الأمرين، تحدثت عن هذا الجانب بحديثٍ مفصل في الكلام على الأعمال القلبية في الكلام على التوبة، يعني الحق الذي يكون للمقتول الذي أُزهقت نفسه ظلمًا وعدوانًا، هذا حينما يُقتص من القاتل أو يُقبل بالدية المقتول لم يستوفِ حقه، ولم ينتفع بهذه الدية، ولم ينتفع بقتل هذا القاتل، فيبقى حقه، ولهذا قال بعض أهل العلم: بأن الله -تبارك وتعالى- يرضيه يوم القيامة، إذا تاب توبةً نصوحة -أعني القاتل- فيرضي المقتول بالعطاء والثواب ورفع الدرجات؛ لأن هذا الجاني قد تاب، فيرون أن توبته تصح فيما بينه وبين الله، لكن يُخشى عليه، ولهذا قال شيخ الإسلام -رحمه الله- فيمن ابتُلي بمثل هذا، يعني قتل إنسانًا عمدًا، ثم عفا أولياء المقتول أو قبلوا بالدية، حتى لو اقتص منه، شيخ الإسلام يرى أنه لا بد من أن يكثر من الحسنات ويجتهد فيها؛ لأن هذا المقتول قد يقتصُ منه بالأخذ من حسناته، ويُقال له: خذ من حسنات هذا الذي قتلك، فيحتاج إلى إكثار كما قال شيخ الإسلام -رحمه الله-.
فهؤلاء من السلف كما سمعتم يقولون: لا توبة له، بمعنى أن المقتول لم يستوف حقه فبقي حق المقتول، فالتوبة لا تنفعه في هذا الشأن، فالحقوق: هناك حق لله ، وحق للمخلوق، فهذا المخلوق لم يستوف حقه، والنصوص عامة في التوبة، وأن الله يقبل التوبة عن عباده، وأعظم الجنايات الشرك، والله يقبل التوبة منه، فالقتل لا شك أنه دون الشرك، وعليه فالتوبة تصح من القاتل ومن غيره، تصح التوبة من الجميع بلا استثناء، ولكن -كما سبق- يُشكل على مسألة القاتل هو حق المخلوق، حق المقتول أين يذهب؟ بعض أهل العلم يرون أن القصاص يكون سببًا لتطهير القاتل، أخذًا مما جاء عن النبي ﷺ بأن من أصاب من هذه القاذورات فأُقيم عليه الحد فذلك كفارة له، يكون تطهيرًا له[10].
لكن هذا في سائر الذنوب من الكبائر التي تُوجب الحد بلا إشكال كالزنا والسرقة وشرب الخمر، ولكن في مسألة القتل الذي يُشكل على هذا هو حق المخلوق، وحق المخلوق الأصل فيه المشاحة، فهناك حقٌ للخالق التوبة تجبه، ويبقى حق المخلوق، ولهذا قال من قال من أهل العلم كشيخ الإسلام: بأن الله قد يرضيه، إذا صحت توبة القاتل فيُعطيه من الحسنات، يعطيه من الدرجات حتى يرضى، لكن على القاتل أن يحتاط فيُكثر من الحسنات؛ لأن هذا قد ينتثل هذه الحسنات، والله المستعان.
والحديث مُخرَّج في الصحيحين، لكنّ لفظه: من أصاب من ذلك شيئًا فعوقب به في الدنيا فهو كفارةٌ له، من أصاب من ذلك شيئًا فعوقب به في الدنيا، ففهم منها طوائف من أهل العلم أن ذلك يشمل القتل، فذلك كفارةٌ له، والذين يقولون: يُشكل على هذا حق المخلوق يقولون: ذلك كفارةٌ له في حق الله ، وهذا بلا شك، حق الله التوبة تكفي في هذا، لكن حق المخلوق إنسان سرق من آخر ثم تاب، فهنا في الشروط المعروفة في التوبة يُقال: لا بد أن يرد المظلمة، غصب أرضًا ونحو ذلك يُقال: لا بد من رد المظلمة، طيب والقاتل ذهبت نفسه، كيف السبيل إلى رد النفس؟ لا سبيل إلى ذلك، فكيف يتوب؟ فالمقصود أن التوبة النصوص الواردة فيها عامة ولا يُستثنى من ذلك شيء، لكن هو على خطر، وعليه أن يحتاط لنفسه، وقبل ذلك أن يتحرز من القتل فليس بالشيء السهل، والله المستعان.
سبيل الله إذا أُطلق في القرآن فالغالب المقصود به الجهاد ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا[النساء:94].
فَتَبَيَّنُوا من التبين بمعنى التأني والنظر والكشف عنه حتى يتضح حاله، يعني لا يستعجل بقتله دون أن يتبين حاله.
فتثبتوا، فهذه قراءة حمزة والكسائي[12]: (فتثبتوا)، قراءة الجمهور: فَتَبَيَّنُوا، فالتبين هنا المقصود به الاستكشاف، ومقتضى ذلك التأني، فتثبتوا، التثبت بمعنى أيضًا التريث، وعدم الاستعجال، والنظر، والكشف عنه حتى يتضح.
هذا خلاف العجلة، التثبت إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا، كذلك فتثبتوا، أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ[الحجرات:6]، هذا يقتضي ترك العجلة.
بمعنى التحية، القراءة: أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلمَ هذه قراءة نافع التي جرى عليها المؤلف، وكذلك قراءة ابن عامر، وحمزة، (السَّلمَ)، خلاف قراءة الجمهور.
يقول: "أي انقاد وألقى بيده" يعني من الاستسلام، لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلمَ يعني استسلم، "وقُرئ السَّلامَ بمعنى التحية" يعني ألقى السلام إليهم، فمثلُ هذا لا ينبغي أن يُبادر بالقتل بحجة أنه إنما ألقى السلام تقيةً من أجل أن يُحرز دمه وماله.
جاء عن ابن عباس -ا-: كان رجلٌ في غُنيمة له، فلحقه المسلمون فقال: السلام عليكم، فقتلوه وأخذوا غُنيمته، فأنزل الله هذه الآية إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا[النساء:94] [13].
وهنا يقول: "فحمل عليه أحدهم فقتله"، جاء عن عبد الله بن أبي حدرد قال: «بعثنا رسول الله ﷺ إلى إضم، فخرجت في نفرٍ من المسلمين فيهم أبو قتادة الحارث بن ربعي، ومُحلِّم بن جثَّامة بن قيس، فخرجنا حتى إذا كنا ببطن إضم مر بنا عامر بن الأضبط الأشجعي على قعودٍ له، معه متيعٌ ووطبٌ -يعني سقاء- من لبن، فلمّا مرَّ بنا سلَّم علينا فأمسكنا عنه، وحمل عليه مُحلِّم بن جثَّامة فقتله بشيءٍ كان بينه وبينه -يعني عداوة سابقة- وأخذ بعيره ومُتيعه، فلمّا قدمنا على رسول الله ﷺ وأخبرناه الخبر نزل فينا القرآن يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:94][14].
فهذا صريح في سبب النزول وهي رواية صحيحة، فحديث ابن عباس -ا- أنها في الرجل الذي كان له غُنيمة فقتلوه، وهنا حديث عبد الله بن أبي حدرد في خصوص هذا الذي قتله مُحلِّم بن جثَّامة، وهو عامر بن الأضبط الأشجعي، يحتمل أن يكون الرجل واحدًا وإن اختلفت التفاصيل في خبره، يعني معه غُنيمة أو معه جمل، ومعه مُتيع وسقاء، قد يكون معه غنم ولم يُذكر، لكن كان يركب هذا الجمل ومعه هذا السقاء، ويصحبه غُنيمة، أو يسوق غُنيمة، قد يكون واحدًا، وقد تكون الواقعة مختلفة، فإن كانت مختلفة فإن كان الزمان متقاربًا فتكون الآية نزلت بعد الواقعتين، وإن كان الزمان متباعدًا تكون الآية نزلت مرتين، والعلم عند الله ، وفي مثل هذا عبرة، يعني بهذه الرواية هذا رجل سلَّم يقول: فأمسكنا عنه، حمل عليه مُحلِّم بن جثَّامة فقتله بشيءٍ كان بينه وبينه.
فهذا يدل على أن الجهاد لا يخلو من وقوع مثل هذه الأمور والتجاوزات، حتى في زمن النبي ﷺ وأصحابه يقع مثل هذا، والنبي ﷺ قال: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد[15].
وكذلك ما وقع لأسامة بن زيد أقتلته بعد ما قال: لا إله إلا الله؟[16] وكان يعتقد أنه قال ذلك تقيةً، اتقاءً للقتل، فهذا لا يخلو، لكن المشكلة حينما يكون هذا هو الأصل، وهذا هو المنهج المتبع الذي يُقال أنه دين الله : قتل المسلمين والتقرب إلى الله بهذا، فهذا دين الخوارج، هذا الفرق، يعني قد يقع في الجهاد -وذكر هذا شيخ الإسلام رحمه الله- الجهاد يقع فيه مثل هذه الأمور ويصعب ضبط مثل هذه القضايا والتجاوزات، هي تقع في كل زمان أن يعمد أحد الأفراد أو نحو ذلك لقتل من لا يستحق القتل، ووجد النبيﷺ امرأةً مقتولة وقال: ما كانت هذه لتقاتل[17].
لكن أن يكون هذا هو الدين قتل المسلمين بحجج أنهم مرتدون، أو أنهم في المستقبل مشروع لكذا، في المستقبل لم يحدث بعد، فيُستحل قتلهم ويُتقرب به إلى الله، فهذا لا يُعرف عن طائفة من الطوائف إلا الخوارج، وكما ذكرت لكم في بعض المناسبات من أن ما يُقال: من أن الخوارج يكفِّرون صاحب الكبيرة، هذا ليس محل اتفاق عند الخوارج، فهم لهم تفاصيل في هذا، وبعضهم يكفر حتى في الصغائر، فهم أصحاب أهواء لا يضبطهم ضابط، ولا يدورون على أصلٍ واحد لكل شيء، وإنما هم طوائف يختلفون على أدنى الأشياء، وأحسن ما يُقال عنهم: أنهم طوائف فوضوية يختلفون كثيرًا، ويكفِّرون من خالفهم، أما هكذا قول بإطلاق بأن الخوارج يكفِّرون صاحب الكبيرة فهذا ليس على إطلاقه، ليس كل الخوارج يقولوا بهذا، وذكرت من أقوالهم في الكلام على العبر من التاريخ، ذكرت من أقوالهم أشياء من مذاهبهم ما يدل على خلاف هذا المعنى السائد، وهذا مذكور في كتب الملل والنحل في الفِرَق، الذين يذكرون مذهب الخوارج يذكرون عن بعضهم مثل هذا، بل بعضهم ينص على الأصول التي يقررها لأتباعه ويذكر التشديد فيها ومنها قتل المسلمين، لكن المشكلة ليست في هذا، المشكلة أن من هم المسلمون عندهم؟ المسلمون هم طائفته، وبقية الناس من أهل الإسلام هؤلاء كفار تحل دماءهم وأموالهم، ولذلك الكلام الذي يردده الخطباء في مثل هذه النصوص وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا[النساء:93] هذه لا تجدي مع هؤلاء؛ لأنهم يقولون: نحن لا نقتل أهل الإيمان، نحن نقتل الكفار، فلهذا تحتاج أن تبين له أن هؤلاء ليسوا بكفار أصلًا قبل أن تسوق لهم نصوصًا في وعيد من قتل مؤمنًا، هو يتقرب إلى الله بهذا القتل.
على كل حال هو لا فائدة من تحديد الاسم، وقد جاء في روايةٍ أخرى غير ما ذُكر، لكن يكفي أن يُعرف إجمالًا سبب النزول، وأما اسم من وقع منه ذلك أو وقع عليه فهذا لا يترتب عليه هنا فائدة، والله أعلم.
يعني الغُنيمة كما جاء عن ابن عباس -ا-، أو المال، -عرض الدنيا- الغُنيمة أو المال، ويطلق العرض على المتاع والحطام، لهذا هنا لماذا قلنا: الغُنيمة وليست الغَنيمة؟ قال: "وكان للرجل المقتول غنم"، إذًا هي الغُنيمة.
قوله -تعالى-: فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ[النساء:94] وعدٌ وتزهيدٌ في غنيمة من أظهر الإسلام.
قوله -تعالى-: كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ[النساء:94] قيل: معناه كنتم كفارًا فهداكم الله للإسلام، وقيل: كنتم تُخْفون إيمانكم من قومكم فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ[النساء:94] بالعزة والنصر حتى أظهرتموه.
وهذا المعنى الثاني: إن كنتم تخفون ذلك جاء عن سعيد بن جُبير، واختاره ابن جرير[18] وابن كثير[19]، أن المعنى كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ يعني: تخفون إسلامكم خوفًا من المشركين، فقد يكون في هؤلاء من يخفي إسلامه، فإذا لقي أهل الإيمان سلَّم عليهم، أو قال: لا إله إلا الله مظهرًا إيمانه لهم الذي يخفيه عن قومه.
"كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ [النساء:94] بالعزة والنصر حتى أظهرتموه"، فهذان معنيان: الأول: كنتم كفارًا فهداكم الله للإسلام، لكن أيهما أليق بالسياق؟ الثاني كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ، يعني: كنتم كفارًا فهداكم للإسلام ما علاقته؟ هنا نهي عن قتل من أظهر الإسلام، إنما كنتم تخفون إسلامكم خوفًا من قومكم.
تفضيل المجاهد على من لم يجاهد، والآية صريحةٌ في هذا، هنا رواية في هذا الباب، الحديث المشهور عن أبي هريرة : من آمن بالله ورسوله وأقام الصلاة وصام رمضان كان حقًا على الله أن يدخله الجنة، هاجر في سبيل الله، أو جلس في أرضه التي ولد فيها قالوا: يا رسول الله، أفلا ننبأ الناس بذلك؟ قال: إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله، كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة[20]، فهذا صريح في بيان هذا التفاضل.
في سبب نزولها هذا الاحتراز لما جاء في حديث سهل بن سعد الساعدي أنه قال: رأيت مروان بن الحكم جالسًا في المسجد، فأقبلت حتى جلست إلى جنبه، فأخبرنا أن زيد بن ثابت أخبره أن رسول الله ﷺ أملى عليه لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:95]، قال: فجاءه ابن أم مكتوم وهو يُملُّها -يعني يمليها- وهو يُملُّها عليّ، فقال: يا رسول الله، لو أستطيع الجهاد لجاهدتُ، وكان رجلًا أعمى، فأنزل الله -تبارك وتعالى- على رسوله ﷺ وفخذه على فخذي، فثقُلت عليّ حتى خفت أن تُرضَّ فخذي -يعني لمّا نزل الوحي كان ذلك شديدًا وثقيلًا- يقول: ثم سُري عنه فأنزل الله غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ[النساء:95]» [21]، هذا مُخرَّج في الصحيح.
وفي رواية عن البراء قال: «لمّا نزلت لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ[النساء:95]، قال النبي ﷺ: ادعُ لي فلانًا فجاءه ومعه الدواة واللوح أو الكتف -يعني ليكتب- فقال: اكتب لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ [النساء:95] وخلف النبي ﷺ ابن أم مكتوم، فقال: يا رسول الله، أنا ضرير، فنزلت مكانها لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:95]» [22]، فهذا سبب النزول.
يعني من به علة تمنعه من الجهاد فقد يُبلَّغ منازل المجاهدين إذا كان له في ذلك نية، وبالمناسبة ابن عباس -ا- ورد عنه أنه نسختها التي بعدها يعني غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ [النساء:95] ، وهذا صريح بأنهم يقصدون بالنسخ ما يعرض للنص من تقييدٍ، أو بيانٍ للمجمل، أو تخصيص للعام، ونحو ذلك؛ لأن هذا ليس من قبيل الرفع قطعًا.
يقول: "وقُرئ غير بالحركات الثلاث"، قُرئ بالحركات الثلاث قراءة نافع التي جرى عليها المؤلف ابن عامر الكسائي (غَيْرَ أُوْلِي الضَّرَرِ)، والقراءة الأخرى -قراءة الجمهور- بالضم غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وأما بالكسر (غَيْرِ أُوْلِي الضَّرَرِ) فليست من القراءات المتواترة.
صفة أو بدل، يعني لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ فيكون صفةً للقاعدين أو بدلًا منه.
على الاستثناء من القاعدين لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ لأنهم هم المُحدث عنهم، فيكون استثناءً منه.
على كل حال والنصب وبالنصب كل هذا لا إشكال فيه، أو الحال أيضًا من القاعدين، حال من القاعدين، حال منه، وجاز وقوع غير حالًا وإن كانت مضافة؛ لأنها نكرةٌ لا تتعرف بالإضافة، غَيْرُ هي ملازمة للإضافة، لكنّها لا تتعرف بها (لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرَ أُوْلِي الضَّرَرِ).
وبالخفض صفةٌ للمؤمنين. لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرِ أُوْلِي الضَّرَرِ.
قوله -تعالى-: دَرَجَةً قيل: هي تفضيلٌ على القاعدين من أهل العذر والدرجات على القاعدين بغير عذر، وقيل: إنّ الدرجات مبالغةٌ وتأكيد الدرجة.
الدرجة هنا، الله يقول: فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً فهذا تفضيل للمجاهدين على القاعدين، واستُثني من القاعدين من ذُكر أُوْلِي الضَّرَرِ، فهؤلاء مستثنون فهم يُبلغون للعذر إذا كانت لهم نية، يعني يتمنون الجهاد ولكنهم يعجزون عنه.
هنا يقول: "من أهل العذر والدرجات على القاعدين بغير عذر"، الآية في المجاهدين وليست في القاعدين، لكن القاعدين استثناهم الله فيُلحقون بالمجاهدين بخلاف من قعد بلا عذر.
يقول: "وقيل: إن الدرجات مبالغة وتأكيد الدرجة"، يعني في قوله -تبارك وتعالى-: فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً، فهنا الدرجة مع قوله: وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا دَرَجَاتٍ[النساء:95-96]، يعني كأنه أو أن بعضهم يقول: كأنه هو الذي جرى عليه أو قال: قيل: هي تفضيل القاعدين، يعني إن الأولى دَرَجَةً هي بين القاعدين لعذر والقاعدين لغير عذر، والدرجات بين المجاهدين والقاعدين، لكن الظاهر -والله تعالى أعلم- أن ذلك واحد، فالدرجة جنس تشمل القليل والكثير، وذكر بعده الدرجات فكأنه تأكيدٌ وتفسيرٌ له، فهذه الدرجات بين المجاهدين والقاعدين من غير أهل الأعذار.
الله يقول: فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً فكيف يُقال هذا التفضيل للقاعدين لعذر على القاعدين لغير عذر؟ فالله يذكر المجاهدين، فكل ذلك واحد أعني أنه في المجاهدين، فالدرجة مُفسرة بالدرجات، والحديث بيَّن هذا إن في الجنة مائة درجة، أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض[23].
فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ، فأل هنا للعهد الذكري مذكور قبله، بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً، فهنا عَلَى الْقَاعِدِينَ مذكورين في قوله: لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فهنا نفي الاستواء بين المجاهدين والقاعدين، ومن هنا قال ابن أم مكتوم : أنه من ذوي الأعذار، فجاء هذا الاحتراز غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ، فالآية في أولها وآخرها ووسطها هو في المفاضلة بين المجاهدين والقاعدين، فلا يُقال: إن ذلك في خصوص القاعدين لعذر لمجرد أنه ذكرت الدرجة مفردة، فالدرجة جنس فتشمل القليل والكثير، وجاءت مُفسرةً مؤكدةً بعد ذلك دَرَجَاتٍ مِنْهُ، والله أعلم.
هكذا عندكم في النسخ؟ أو على المصدرية من معنى فَضَّلَ.
لا إشكال، ما يتغير المعنى بهذا الاعتبار، ولكن القول بأن أَجْرًا منصوب على الحال من درجات هكذا كيف؟ أو المصدرية من معنى فَضَّلَ، يعني أنه يكون مصدرًا من غير لفظه.
الفعل المضمر يعني لربما أيضًا يعني كان ذلك هنا على البدل من الأجر أو بفعلٍ مضمر دَرَجَاتٍ، هنا نصبه -كما هو معلوم- يكون بالكسرة، فإذا قيل: بأنه منصوب يكون على البدل أَجْرًا عَظِيمًا دَرَجَاتٍ، باعتبار أنها تفسير لهذا الأجر أو بدل منه، أو بفعلٍ مُضمر يعني مثلًا أعطى دَرَجَاتٍ، أو نحو ذلك، ويمكن أن يكون ذلك على الجر ذوي دَرَجَاتٍ منه، لكن فيه بعد والله أعلم، أو في دَرَجَاتٍ منه، وهذا أيضًا لا يخلو من بعد والله أعلم، فهي منصوبة والله أعلم؛ لأنه حتى الذي عُطف عليها المغفرة جاء منصوبًا.
غفر لهم ورحمهم بإضمار فعلٍ منهما، كذا؟
فعلهما، لأ فعلهما أحسن، فعلها لهما، فعلهما أوضح.
جاء في الصحيح عن ابن عباس -ا- أن أناسًا من المسلمين كانوا مع المشركين يُكثِّرون سواد المشركين على رسول الله ﷺ، فيأتي السهم يُرمى به، فيصيب أحدهم فيقتله، أو يُضرب فيُقتل، فأنزل الله: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ[النساء:97][24].
هذا سبب النزول، يكونون في صف المشركين يُكثِّرون السواد، فيُقتلون في صفهم.
يعني: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ، يعني: في الماضي، تقول: توفاه الله تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ فيما مضى، وإذا كان مضارعًا تَوَفَّاهُمُ بمعنى تتوفاهم الملائكة، والآية تحتمل هذا، والمتبادر تَوَفَّاهُمُ أنها مضارع، أي تتوفاهم، وليست تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ في الماضي.
يعني حال كونهم بهذا المثابة ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ.
طبعًا هذا -كما سيأتي في الاستثناء- فيمن كان يستطيع الهجرة.
قوله: "كنت أنا وأبي وأمي"، الحديث ثابت معروف، لكنّه هذا الأثر ثابت لكن من غير ذكر الأب، كنت أنا وأمي من المستضعفين، كنت أنا وأمي ممن عنى الله بهذه الآية.
- تفسير الطبري (9/61)، رقم: (10186).
- تفسير ابن كثير (2/380).
- تفسير ابن كثير (2/381).
- المعجم الكبير للطبراني (5/149)، رقم: (4905).
- انظر: تفسير الطبري (9/67)، رقم: (10204).
- أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، رقم: (3023).
- أخرجه أبو داود، كتاب الفتن والملاحم، باب في تعظيم قتل المؤمن، رقم: (4270)، والنسائي، كتاب تحريم الدم، رقم: (3984).
- السنن الكبرى للبيهقي (9/23)، رقم: (17753).
- تفسير ابن كثير (2/378).
- انظر: سنن الترمذي، أبواب الإيمان عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء لا يزني الزاني وهو مؤمن، (5/15)، رقم: (2625).
- أخرجه البخاري، كتاب مناقب الأنصار، باب وفود الأنصار إلى النبي ﷺ بمكة، وبيعة العقبة، رقم: (3892).
- تفسير الطبري (9/81).
- أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} [النساء:94]، رقم: (4591).
- أخرجه أحمد (39/310)، رقم: (23881).
- أخرجه البخاري، كتاب المغازي، باب بعث النبي ﷺ خالد بن الوليد إلى بني جذيمة، رقم: (4339).
- أخرجه البخاري، كتاب المغازي، باب بعث النبي ﷺ أسامة بن زيد إلى الحرقات من جهينة، رقم: (4269)، مسلم، كتاب الإيمان، باب تحريم قتل الكافر بعد أن قال: لا إله إلا الله، رقم: (96).
- أخرجه أبو داود، كتاب الجهاد، باب في قتل النساء، رقم: (2669).
- تفسير الطبري (9/83).
- تفسير ابن كثير (2/384).
- أخرجه البخاري، كتاب التوحيد، باب {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود:7]، {وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [التوبة:129]، رقم: (7423).
- أخرجه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب قول الله تعالى: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ} رقم: (2832).
- أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء:95] {وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [النساء:95]، رقم: (4594).
- أخرجه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب درجات المجاهدين في سبيل الله، يقال: هذه سبيلي وهذا سبيلي، رقم: (2790).
- أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} الآية، رقم: (4596).
- أخرجه البخاري، كتاب الجنائز، باب إذا أسلم الصبي فمات، هل يصلى عليه، وهل يعرض على الصبي الإسلام، رقم: (1357).