الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين، أما بعد:
فاللهم اغفر لنا ولشيخنا والحاضرين، والمستمعين.
قال المفسر ابن جزيِّ -رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فقوله: وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً يقول: "إخبارٌ أن النصارى أقرب إلى مودة المسلمين" فالمؤلف -رحمه الله- هنا عممه في عموم النصارى، ولم يقيد ذلك بمن آمن منهم بالنبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، وهذا أيضًا ما مشى عليه جماعة من أهل العلم، منهم الحافظ ابن كثير -رحمه الله-، وعلّل ذلك لما في قلوبهم من الرقة والرأفة[1]، وبما في كتابهم أيضًا، ففي كتابهم: "من ضربك على خدك الأيمن، فأدر له خدك الأيسر" وأنه أيضًا ليس في دينهم وملتهم وشرعهم قتال، والقول بعموم النصارى فهمه من قرينةٍ في الآية، بعد الإطلاق في أولها: الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى قال: ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ فهذه قرينة تدل على العموم، دون أن يختص ذلك بطائفةٍ منهم، كذلك يحتج من عمم هذا القول بطوائف النصارى: بأن الله -تبارك وتعالى- قال: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ [المائدة:82] فـأَشَدَّ صيغة تفضيل، وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً قالوا: القرب لا يعني الوصول، يعني ليسوا بأهل مودة، ولكن مقارنةً باليهود والمشركين فهم أقرب مودةً بهذا الاعتبار، وهذا أيضًا علله شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- بنحو مما قاله ابن كثير -رحم الله الجميع-؛ لأن دينهم ليس فيه بغض أصلاً[2]، يعني ليس في دينهم بغضٌ لأعداء الله المحاربين له ولرسله، فكيف بالمؤمنين المعتدلين، كما يقول شيخ الإسلام -رحمه الله- الذين هم أهل ملة إبراهيم، الذين آمنوا بجميع الكتب، وجميع الرسل، وأن هذه الآية ليس فيها مدح للنصارى بالإيمان، ولا وعد بالنجاة، وأن الذين مدحهم ووعدهم بالثواب هم الذين ذكرهم بعدهم، قال: وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ [المائدة:83] فيكون هذا في طائفةٍ خاصة منهم وهم من آمن، فهذا وجه من قال بالعموم، أن ذلك بحسب المقارنة من جهة شدة العداوة وقرب المودة، وهذا بهذا الاعتبار له وجه، النصارى في عمومهم مقارنةً باليهود أقل عداوةً، واليهود أشد، وكذلك أهل الأوثان، وإن كان الجميع يُوصَفون بالعداوة.
وذهب آخرون، ومنهم أبو جعفر بن جرير -رحمه الله-[3]، والواحدي[4]، والبغوي[5]، وآخرون إلى أن ذلك ليس في عموم النصارى، بل في من أسلم منهم كالنجاشي، وأصحابه، أو غير هؤلاء ممن دخل في الإسلام، وجاء عن جماعة من السلف كسعيد بن جبير، والسدي[6] أنها نزلت في وفد النجاشي كما سيأتي، وجاء عن عطاء بن أبي رباح أنها في قومٍ من أهل الحبشة أسلموا لما قدم عليهم الصحابة [7]، وهكذا جاء عن قتادة: أنها في نصارى أسلموا لما رأوا المسلمين[8].
وكل هذه الروايات عن هؤلاء السلف ترجع إلى معنىً واحد وهو: أنها فيمن أسلم منهم، وهذا كما قلت: تدل عليه القرينة في الآية: وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ [المائدة:83-84] فهذا لا يقوله عموم النصارى وإلا لكانوا مسلمين، والأصل في الكلام أنه متحد، وأن أوله يرتبط بآخره، وأن آخره يرتبط بأوله.
لكن الذين قالوا: هو في عموم النصارى جعلوه مفرقًا، فأوله في عموم النصارى، وآخره في طائفةٍ خاصة منهم، مع أن ظاهر الآيات أن ذلك إنما هو حديثٌ عن طائفةٍ واحدة، سواءٌ كانت عموم النصارى، أو كانت فئة من النصارى، وهم من أسلم منهم، مع أن القول الأول لا يُستبعَد، فالله ذكر اليهود وشدة عداوتهم، ثم ذكر النصارى وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ [المائدة:82] فهذا في مقابل اليهود لا يخفى أنه عموم أهل الملة الذين انتسبوا إلى النصرانية، لكم كما قلتُ: يُشكِل عليه ما بعده، وهو: وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ.
وعلى القول الآخر: أنها في طائفةٍ منهم يكون قوله -تبارك وتعالى-: وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ يقولون: إن هذا ظاهره العموم، يعني من قبيل العام المراد به الخصوص، يعني هو عامٌ من حيث الصيغة، ولكن يُرَاد به الخصوص، وهذا كما تعلمون غير العام المخصوص، فالعام المخصوص الذي جاء دليل يُخصِصِه، فيكون هذا من قبيل العام المراد به الخصوص، كما ذكرنا في بعض المناسبات: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ [آل عمران:173] وهو خاص، فاللفظ عام يُرَاد به خصوص، الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ ليس كل الناس، وإنما فئة خاصة منهم، وهكذا.
قوله: ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ يقول: القسيس العالم، وابن كثير -رحمه الله- فسر القسيسين: بقوله: هم خطباؤهم وعلماؤهم[9]، وبعضهم يقول: القسيس هو العالم العابد، من قسست الشيء، وقصصته، يعني تتبعت، ويقولون: بأنه سُمِي بذلك لتتبعه كتابه، وآثار معانيه.
يقول: "والراهب العابد" وهكذا قال ابن كثير -رحمه الله-[10]، فهم المبالغون في العبادة، والانقطاع عن الناس، مأخوذ من -رهبة الله - سمي راهبًا لشدة الرهبة، والرهبة مرتبة من مراتب الخوف، كما هو معلوم، وهذا هو المعروف أن الرهبان هم أهل العبادة الذين انقطعوا لها، كما قال الله : وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا [الحديد:27] فكان هؤلاء يجلسون ويبقون في أماكن منعزلة عن الناس في أديرةٍ، ونحو هذا بالفلوات ونحوها، ولا يختلطون بالناس، وإنما يترهبون ويُبالغون في العبادة، وذُكِر من أخبارهم في هذا أشياء، والله أعلم بصحتها، وقد يكون فيها مبالغة، فيُذكَر عن بعضهم أنه لربما جلس في بئرٍ مدة أربعين سنة، أو نحو ذلك، أو أشياء من هذا القبيل غريبة وعجيبة.
يقول بأن آية: وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ [المائدة:82] نزلت في النجاشي، وفي الوفد الذين بعثهم إلى رسول الله ﷺ وهم سبعون رجلاً، والذي جاء عن ابن عباس -ا- من طريق ابن أبي طلحة أن ذلك في قصة جعفر وأصحابه، في القصة المشهورة المعروفة، حينما هاجروا من مكة، وهم: جعفر بن أبي طالب، وعثمان بن مظعون، وابن مسعود، وجماعة ، فسبقهم المشركون إلى الحبشة، وهم عمرو بن العاص ومن معه، فذكروا للنجاشي أن هؤلاء قد فرقوا جماعتهم، وادعوا أن فيهم نبيًا، وأنهم سبّوا آلهتهم، وأنهم جاءوا إلى أرضه ليُفرِقوا قومه، ويُفسِدوهم، فدعا بأصحاب النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، وسألهم عن ذلك، فقال: هؤلاء المشركون بأن هؤلاء لم يُحيوك بالتحية التي تُحيا بها، فسألهم عن ذلك، فقالوا: حييناك بتحية أهل الجنة، وقالوا له: بأنهم يقولون في عيسى وأمه غير ما تقولون، فسألهم عن ذلك، فأجابوه أنهم يقولون: هو عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروحٌ منه، فسألهم هل معهم شيء مما أُنزِل عليهم؟ فقرأ عليه جعفر صدر سورة مريم، فأخذ عودًا من الأرض، وقال: والله أن ما سمعه لا يُفارِق أو لا يُخالِف ما في كتابهم مثل هذه، يعني ولا شيئًا يسيرًا، وبكى الذين بحضرته من القسس، الذين شهدوا ذلك، وسمعوا القرآن، فهذا من طريق ابن أبي طلحة[12].
وجاء أيضًا عن ابن الزبير عند النسائي في السنن الكبرى[13]، وهو في تفسيره[14]، وكذلك البزار[15]، وابن جرير[16]، وابن أبي حاتم[17]، أن هذه الآية وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ إلى آخره نزلت في النجاشي وأصحابه، وهذا بإسنادٍ صحيح عن ابن الزبير، لكن قال: نزلت هذه الآية، وهذا ليس بصريح في سبب النزول، والرواية الأولى عن ابن عباس من طريق ابن أبي طلحة ليس فيها تعرض أصلاً لسبب النزول.
فهاتان روايتان صحيحتان، وأما ما ذكره في وفد نجران، قال: "وكانوا نصارى عشرين رجلاً" فهذا غير وفد نجران الذين جاءوا بعد الهجرة، وأنزلهم النبي ﷺ المسجد، فهؤلاء يختلفون، فهؤلاء يقولون: بأنهم جاءوا بمكة، وسمعوا من النبي ﷺ، وسألوه، وربما يكون قد نما إليهم خبره حينما ذهب من ذهب إلى الحبشة، وهم نصارى، فجاء وفد نجران هؤلاء يقولون قبل الهجرة في مكة، والتقوا بالنبي ﷺ، وسمعوا منه القرآن، ودعاهم إلى الإسلام، فبكوا لما سمعوا، وأسلموا، وأن أبا جهل قام إليهم وذمهم وعابهم، وقال: بئس الوفد أنتم[18]، إلى آخر ما ذكر، لكن هذه الرواية لا تصح، والله تعالى أعلم.
مِمَّا يعني من ما، يعني بسبب ما عرفوا من الحق، فالثانية لبيان الجنس.
يعني آمنا بالقرآن من عند الله، وآمنا بالرسول ﷺ.
يعني الذين يشهدون بالتوحيد الخالص لله -تبارك وتعالى-، وبالنبوة والرسالة لرسول الله -عليه الصلاة والسلام-، ويؤمنون بجميع الرسل، وأنهم بلغوا الرسالة، وأدوا الأمانة، فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ [آل عمران:53] فيشهدون بالإيمان والتوحيد، وكذلك بالنبوة والرسالة، وأن الرسل قد بلغوا أممهم البلاغ المبين، وكذلك من الشاهدين على الأمم السابقة، حيث تشهد هذه الأمة بالتصديق أو بالتكذيب، فهم في جملة أمة محمد ﷺ، يشهدون على الأمم، وكذلك هؤلاء الذين قالوا هذا يشهدون شهادة الحق، فكل ذلك يدخل فيه، والله تعالى أعلم.
"توقيفٌ لأنفسهم" يعني أنهم قالوا ذلك يُعبِرون عن أنفسهم فحسب، يعني كمن يقول مثلاً لمن رأى دلائل الحق: وما لي لا أتبع الحق؟ يكون من باب التوقيف لنفسه، من غير محاجة لغيره، وقد يقول ذلك القائل محاجةً لغيره، حينما يُثبِطه أو يُعارِضه، فيقول: وما لي لا أؤمن بالله وقد جاءني الحق ببراهينه ودلائله الواضحة، فهذا قوله: "أو محاجةً لغيرهم".
وبعض أهل العلم يقول: يقولونه في أنفسهم عندما يُخامِرهم التردد، يعني عند ترك دينهم يترددون هل يتركون دينهم إلى الإسلام، فهذا يحصل لمن أراد أن ينتقل من دينٍ إلى دين، فذلك ليس بالأمر السهل، ويحتمل: أنهم يقولونه لمن يُعارِضهم من أهل ملتهم، أو لمن يُعيِرهم من اليهود، أو غيرهم، بأنهم لم يثبتوا في دينهم، فهذا كله كما قال ابن جزي -رحمه الله-، قالوه لأنفسهم، أو قالوه لغيرهم.
وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ [المائدة:84] حال كوننا نطمع أَنْ يُدْخِلَنَا هذا إذا كانت حالية، وعلى القول الآخر: أن هذه الجمل متعاطفة، الجملة الأولى: وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ والثانية: وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ عطف جملة على جملة، وليس عطف فعل على فعل، يعني: نؤمن ونطمع.
قوله: لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ [المائدة:87] يقول: "سببها أن قومًا من الصحابة غلب عليهم خوف الله إلى أن حرم بعضهم النساء" هذا جاء عن ابن عباس -ا- من طريق ابن أبي طلحة، وأنا أذكر طريق ابن أبي طلحة أحيانًا إذا كان من طريقه لأنه إسنادٌ جيد -إن شاء الله-، يقول: نزلت في رهطٍ من أصحاب النبي ﷺ قالوا: نقطع مذاكيرنا، ونترك شهوات الدنيا، ونسيح في الأرض، كما يفعل الرهبان، وبلغ ذلك النبي ﷺ فأرسل إليهم، فذكر لهم ذلك، فقالوا: نعم، فقال النبي ﷺ: لكني أصوم، وأفطر[22] إلى آخره[23]، وهذه الرواية يقول فيها: نزلت هذه الآية، وقلنا: إن هذا يكون من قبيل التفسير في الغالب، وليس بصريح بأنه سبب النزول.
وورد أيضًا كما جاء عن عائشة -ا- لو صح، أنها نزلت في عثمان بن مظعون حين اعتزل امرأته الحولاء، وأنها جاءت متبذلة إلى عائشة -ا-، وعندها نسوة، فسألوها عن حالها، وعن هذا التبذل، فذكرت أن زوجها لم يقربها منذ كذا وكذا، فجاء النبي ﷺ، وهن يضحكن، فسألهن عن ذلك، فذكرت عائشة -ا- للنبي ﷺ هذا، من حال عثمان، أو من كلام امرأته، فدعاه النبي ﷺ، فسأله، فذكر أنه ترك ذلك لله، تقربًا إليه، فنهاه النبي ﷺ عن هذا[24]... إلى آخره، لكن لا تخلو هذه الرواية من ضعف.
وكذلك جاءت مراسيل عن السدي بنحوٍ من هذا[25]، أنها نزلت في بعض أصحاب النبي ﷺ لم أرادوا أن يُحرِموا بعض الحلال، أو أن يترهبوا، لكن في هذه الروايات المرسلة، التصريح بأنها سبب النزول، وبعضها صحيحة الإسناد إلى من أرسلها، لكن المرسل كما هو معلوم هو من قبيل الضعيف، لكن المراسيل إذا تتابعت يُقوِي بعضها بعضًا.
وجاء أيضًا في بعض الروايات الوصل، وإن لم يكن صريحًا في سبب النزول، فهذا له شواهد متعددة، فالذي يظهر -والله تعالى أعلم- أن قوله: لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ نزلت بسبب ما هم به بعض أصحاب النبي ﷺ من تحريم بعض الحلال تقربًا إلى الله -تبارك وتعالى- بصرف النظر عن التفاصيل.
ويدخل في عموم قوله: لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ، هذا التركيب: لا تُحَرِّمُوا يدل على العموم، (لا) الناهية مع الفعل بعدها، فيدخل فيه تحريم الطيبات بسبب الترهب، ويدخل فيه غير ذلك، كقول الرجل مثلاً: يحرم عليَّ كذا، يعني حينما يريد أن يُلزِم نفسه بشيء، أو ينشئ ذلك ابتداءً من غير حلف، يقول: يحرم عليه كذا، كما قال النبي ﷺ، عندما حرّم العسل على نفسه، في أشهر الروايات، وصح أيضًا في غير الصحيحين أنه حرم الجارية، فأنزل الله : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ [التحريم:1] فقوله: لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ أيضًا بمعنى هذا.
وما ذكره في الحاشية بالنسبة لسبب النزول السابق، أن قومًا من الصحابة... إلى آخره، حيث يقول: أخرجه البخاري بلفظ: إني لأخشاكم[26]، فهذا الذي في الصحيحين ليس فيه تعرض أصلاً لسبب النزول، فلا يكون التخريج من هذا، وإنما يُذكَر ما ذُكِر معه أنها نزلت في كذا، أو صُرِح معه بسبب النزول، والله تعالى أعلم.
قوله: وَلا تَعْتَدُوا يعني: لا تُفرِطوا في التشديد على أنفسكم أكثر مما شُرِع لكم، يعني لا تُجاوِزوا الحد، فالاعتداء: هو مجاوزة الحد، لا تُجاوِزا حدود الله فيما أحل لكم وحرّم، ويحتمل أن يكون كما لا تُحرِمون الحلال فلا تعتدوا أيضًا في تناول الحلال.
والحافظ ابن كثير -رحمه الله- حمل قوله: وَلا تَعْتَدُوا على تحريم المباح، أو الاعتداء في تناول الحلال[27]، يعني جعله هذا أو هذا، فكل ذلك من الاعتداء، تحريم المباح، أو التوسع في تناول الحلال، فقد يُوقِعه ذلك في الحرام.
ولذلك ذكر الشاطبي -رحمه الله- في الموافقات في الكلام على المباح أن التوسع في المباحات يُوقِع في المشتبهات[28]، وذكر أن التوسع في المباحات مما يُذَم؛ لأنه يُوصِل إلى المشتبهات، ومن وقع في المشتبهات فذلك مؤذنٌ بوقوعه في الحرام، كما في الحديث.
الأمر هنا بالأكل في هذا الموضع ونحوه أنما يكون لمناسبة، يعني يُؤمَر بالأكل إما على سبيل الامتنان، أو لبيان تشريعٍ، ونحو ذلك، وإلا كما قال الشاطبي -رحمه الله-: بأن ما تتوافر عليه الدواعي، فيكون أمرًا تدعو إليه الغريزة، وتتوافر دواعيه في الإنسان، فلا يحتاج إلى تأكيد ولا حث[29]، كالأكل، والجماع، ونحو هذا، لكن ما يحتاج إلى مجاهدة وصبر، مثل إقامة الصلاة، والإنفاق، ونحو ذلك هذا يتكرر كثيرًا؛ لأن دواعي النفس لا شك أنها تضمر دونه، وتُحجِم عنه؛ لثقله عليها، فهذا هو الفرق؛ ولذلك فيما يتعلق بالأكل إذا جاء الأمر به، فهو على هذا النهج؛ وكذلك تجد في الجماع فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ [البقرة:187] هذا لبيان تشريع الجواز لما كان ذلك في البداية ممنوعًا، في ليالي الصوم، ثم أُبيح بعد ذلك، ومع ذلك قال: وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ على القول بأن المراد تحري ليلة القدر، فلا يشغلكم الجماع عن هذه الليالي الفاضلة، أو أن المراد: وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ يعني الولد، الذي ينشأ في طاعة الله ، ويكون صالحًا عابدًا، ونحو ذلك، يعني يكون لكم أيضًا في هذا مقاصد صحيحة، إلى غير ذلك مما قيل فيه، لكن هذا ما يُناسِب المقام الذي ذكرته شاهدًا عليه، والله أعلم.
اللغو ما يجري من الكلام من غير عقدٍ ولا قصد، ويُطلَق على الذي لا فائدة فيه، وعلى الباطل من الكلام، كـلا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا [مريم:62] فهو ما لا خير فيه، ولا طائل تحته، وأما اليمين اللاغية فهي التي لا يقصدها الحالف، بل تجري على لسانه من غير عقد قلبٍ ولا تأكيد، ويدخل في هذا قول الرجل: لا والله، وأي والله، وبلى والله، ونحو ذلك عند الجمهور، وأدخل فيه الشافعي -رحمه الله- ما يكون عند اللجاج، والغضب، والعجلة[30]، ونحو هذا، فتكون من قبيل اللغو.
وشيخ الإسلام -رحمه الله- يُدخِل في هذا أيضًا: ما قُصِد به الإكرام، كأن يحلف على إنسان أن يجلس هنا، أو أن يحلف عليه أن يطعم، أو نحو هذا[31]، فيرى أنه لو لم يطعم، أو لو لم يجلس في هذا المكان أنه لا كفارة عليه؛ لأن مقصوده الإكرام وقد حصل، يعني ليُظهِر له الإكرام، والتقدير فحصل منه ذلك، ووصل هذا إلى السامع، أو المخاطب، وبلغته الرسالة، فهذا كلام شيخ الإسلام -رحمه الله- وأنه لا كفارة عليه لو لم يفعل ذلك، وهكذا ما ذكروه من اللجاج ونحوه، باعتبار أنه مثل الذي يحلف.
وكالنذر: أنه لو فعل الشيء الفلاني، فإنه يصوم ستة أشهر، أو سنة، وكل ذلك من أجل أن يمنع نفسه، وهذا يفعله بعض الناس ليمنع نفسه من معصية قد اعتادها، فيصعب عليه فراقها، فيأتي بعضهم ويقول: أنه حلف أو نذر أن يصوم ستة أشهر، أو سنة إن فعل هذا الشيء ثم يفعل، أو أن يتصدق بجميع ما يملك، أو نحو هذا، فهذا يدخل فيما ذُكِر، والله أعلم.
قوله: بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ هذا الذي يُقابِل اللغو، فيكون اللغو ما لا عقد للقلب فيه، ومعنى بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ قال: "بما قصدتم عقده بالنية" يعني لم يوثقوه باللفظ مع العزم عليه.
وبعضهم يقول: عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ يدل على توكيد اليمين بالحلف على الشيء مرارًا، لكن هذا ليس بلازم بحالٍ من الأحوال.
يقول: "وقُرئ عقدتم بالتخفيف، وعاقدتم بالألف" بالتخفيف (عقدتم) قراءة حمزة والكسائي، وقراءة الجمهور مشددة[32] عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ.
وأما قراءة الألف فهي عن ابن ذكوان[33].
ومعنى عقدتم: أوجبتم على أنفسكم، وهو ما يعزم عليه القلب هكذا، والله تعالى أعلم، يقول: "وعاقدتم بالألف، تعاهدتم وتحالفتم" عاقدتم الأيمان تعاهدتم وتحالفتم، وهذا باعتبار أن المفاعلة تكون بين اثنين، وذكرت في مناسبةٍ سابقة أن ذلك لا يلزم، فقد يكون مع نفسه، فتكون بمعنى القراءة الأولى، وزيادة المبنى لزيادة المعنى، فهذا فيه زيادة توكيد وتوثيق؛ ولهذا حمله بعضهم على التكرير في اليمين.
وأما عقدتم فقالوا: اليمين مرة واحدة، وعقدّتم يعني كرّر اليمين، وعاقدتم مع الغير، لكنه ليس بلازم، فقد تأتي المفاعلة من غير أن يكون ذلك بين طرفين، مثل ما قُلنا: تثاءب، وتقاعد، وتكاسل، ونحو ذلك، وعلى كل حال هذا يقابل اللغو.
وبعض العلماء في اللغو أدخل صورةً: وهي أن يحلف الإنسان على شيءٍ يعتقده ويتبين له خلافه، وهذا على كل حال ليس عليه فيه شيء أصلاً، فهي يمينٌ على خبر، خالف الواقع، فإن كان ذلك بقصدٍ منه فهذا الكذب، وهي اليمين الغموس، والراجح أنه لا كفارة لها؛ لأنها أعظم من أن يكون لها كفارة، وإنما التوبة العظيمة، والحسنات الكثيرة، فهذه اليمين الغموس، وقيل لها ذلك لأنها تغمس صاحبها في النار، هذا إذا قصد، وإن لم يقصد فيكون ذلك من قبيل الخطأ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286] قال الله: قد فعلت[34]، فهذا لا إشكال فيه، وليس فيه كفارة أيضًا.
والكذب في أصله اللغوي، كما هو معلوم، ما يكون من المخالفة بين القول مثلاً، وما في الخارج، فإذا وقعت هذه المخالفة فهذا كذب، فالذي أخطأ يُقَال كذب، لا على سبيل الذم، وأما الكذب المذموم شرعًا: فهو ما يقع فيه المخالفة بين ما في القلب، إذا قال وقلبه يعتقد خلاف ما يقول، سواء وافق الواقع أو خالفه، يعني لو أنه قال شيئًا وتبين أن وفاق الواقع، لكن كان يعتقد عكس هذا، فهذا كذب، فلو أنه حلف أن زيدًا مسافر، وهو يعتقد أنه موجود، وتبين أنه مسافر، فهذا كذب، فهذا هو المذموم شرعًا.
ليس في الآية اشتراط الحرية، وإنما مساكين، فلا يُزَاد في هذه الأوصاف، أما إن أطعم غير مسكين خطأً هل يُجزِئ أو لا يُجزِئ؟ قال هنا: "لا يُجزِئ على المشهور من المذهب" يعني مذهب مالك، وهو قول طائفة من أهل العلم، كما هو معروف، والعلماء -رحمهم الله- يُفصِلون في مثل هذه الأبواب، يعني: اليمين، والزكاة فيما لو دفع الزكاة لأحدٍ وتبين أنه غني، إلى غير ذلك من المسائل المشابهة، فهل يُخرِج غيرها أو لا؟ فبعضهم يُفصِل ويُفرِق، وهنا في مسألة الكفارة الذي يظهر أنه لا يُجزئه؛ لأنها لم تقع على المحل الذي ذكره الله المسكين.
ولا يدخل اليمين الغموس في هذا عند الجمهور كما سبق، فهذه لا كفارة فيها، لو حلف كاذبًا على خبر خلافًا للشافعي، واليمين التي فيها الكفارة التي يذكرها الفقهاء في أحكام اليمين، وفي باب اليمين إلى آخره، ويُرتِبون عليها ما يتعلق بالكفارة من تعددٍ، أو اكتفاء بواحدة إلى آخره، فيما لو حلف أكثر من يمين، كل هذه التفاصيل التي تصدر عن المكلف لإلزام نفسه، أو غيره على فعلٍ أو ترك، في المستقبل، كأن حلف أن يفعل كذا، أو حلف على غيره أن يفعل كذا، على تفاصيل، فيما لو حلف على أمرٍ لا يملكه هو، أو على غيره.
أما الخبر مثلاً كأن يحلف أنه لم يفعل هذا الشيء، كامرأة استحلفها زوجها هل فعلت هذا؟ وحلفت أنها لم تفعل، فهذا اليمين الغموس إذا كانت كاذبة، أو حلفت أنها فعلت هذا الشيء خوفًا منه، فهذه إذا كانت كاذبة فهي اليمين الغموس، ولا كفارة فيها، وهكذا لو حلف على خبر مثلاً أن فلانًا قد حضر أو سافر، أو نحو ذلك وهو كاذب، فهذه اليمين الغموس.
وأما ما يذكره العامة من أنه حلف على المصحف، فهذا لا أصل له شرعًا، فالحلف على المصحف مضاهاة لأهل الكتاب في حلفهم على كتابهم، وليس له أصل في الشرع.
ويذكر أهل العلم: أن أول من استحلف على المصحف قاضٍ من أهل اليمن، من المتأخرين، فلا يُعرَف في زمن النبي ﷺ، ولا في زمن السلف الصالح ، فلا يوجد شيء اسمه استحلاف على المصحف، وليس لأحد أن يستحلف على المصحف، وهي يمين غموس استحلف على المصحف، أو لم يستحلف عليه إن كان كاذبًا، وإن كان استحلفه على شيءٍ أن يلتزمه، أو أن لا يفعل كذا، أو أن يفعل كذا، أو نحو ذلك، فينبغي له أن يحفظ هذه اليمين، كما قال تعالى: وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ [المائدة:89] فهذا مما يدخل فيه، كما سيأتي -إن شاء الله-.
ابن القاسم من المالكية.
قوله هنا: مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ هل التوسط هنا في المقدار، يعني وسطٌ بين الكثير والقليل؟ يقول: "فقال مالكٌ: يطعم بالمدينة مدًّا بمدّ النبي ﷺ، وبغيرها يُطعَم وسط من الشبع" يعني ليس بالكثير ولا بالقليل، ونقل هنا عن الشافعي والقاسم: أنه يُجزِئ المد في كل مكان، وهذا هو الأقرب، فلا تفريق بين المدينة وغيرها، لكن اختلفوا هل القدر الواجب هو المد، أو أنه يُخرِج أكثر من هذا؟ يعني نصف صاع مثلاً، أو يُفرَق بين البُر وغيره، فيُخرِج مدًا من البُر، ونصف صاع من غير البُر، كالرز، والشعير، ونحو ذلك، هذا على خلاف بين الصحابة فمن بعدهم، وقول معاوية معروف في هذا؛ لما أتى المدينة وذكر البُر، وأن ذلك -يعني في نظره- يُجزئ منه المد، وفرّق بين البُر وغيره، وبعض الصحابة لم يُفرِق بينهما، باعتبار أن البر رزين.
قال أبو حنيفة: "إن غدّاهم وعشاهم أجزأه" يعني لا يُشتَرط فيه التمليك؛ لأنه قال في جزاء الصيد: إطعام، ولم يقل: طعام، فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَام [المائدة:95] فلم يقل: إطعام، فالطعام يُمَلَك لهم في جزاء الصيد، لكن هنا قال: إطعام، فلا يُشتَرط فيه التمليك بناءً على هذا، هكذا فهم أبو حنيفة وطائفة من أهل العلم؛ لأنه قال: إطعام، فهو يترك ذلك، يُمكِنهم من الأكل، لكن لا يُشتَرط فيه التمليك، في فرق بين أن يضع طعامًا يأكلون منه، وبين أن يملكهم إياه.
وهذه المسألة في الفقه لها يعني تعلقات وأحكام ونظائر... إلى آخره، يعني مثلاً لو دعاك أحد من الناس ووضع الطعام بين يديك، هل لك أن تأخذ منه لبيتك باعتبار أنه وضعه قرى لك في بيته هو، أو في فندق، أو في مطعم؟ الجواب: لا، ففرق بين إباحة الأكل، ووضع ذلك بين يديك، وتمكينك من تناوله، وبين التمليك، فأنت لا تملكه، فليس لك أن تأخذ معك، كالذي يُوضَع بالفنادق مثلاً، لساكني هذا الفندق، كالبوفيه المفتوحة، ونحو ذلك، هذا تمكين لهم من الأكل وإباحة، ولكن هل له أن يأخذ منه معه شيئًا؟ الجواب: لا، ليس له أن يأخذ منه، لكن إن أعطاك هذا الطعام تمليكًا لك، يقول: خذ هذا الطعام، ففرق بين هذا وهذا، فالفاكهة التي في الفندق يضعونها في الغرفة فهذه ليست تمليك، وإنما هي تمكين، تأكل منه، لكن لو ما أكلت منها، أو بقي منها وتريد أن تحملها معك إذا أردت السفر؟ الجواب: لا، ليس ذلك، ففرق بين التمليك والتمكين من الشيء أن تأكل منه.
لكن هناك صورة تكون خارجة عن هذا: إذا كان ذلك سيُتلَف، يعني أنت تعلم أن هذا الطعام الذي بقي سيُتلَف، أنت أخذت الآن معك في هذا الإناء طعامًا، وبقي منه بقية، هو مباشرة سيجعلها في النفايات، ففي هذه الحالة سيُتلَف، فله أن يأخذ ما لم يلحقه في ذلك تهمة، من طعامه هو الذي بقي، ولا يتقصد الإكثار من أجل أن يأخذ، فهذا الطعام يُعطَى لأحد يحتاج إليه، أو هو يأكل منه بعد ذلك، أو يعطيه من يأكله، أو نحو ذلك.
لكن بقية الطعام الموجود الذي لم تمسه الأيدي، الذي يأخذ منه الناس، فيقول: في النهاية والمآل يبقى منه الكثير ويُتلَف، فنقول: هذا لا شأن لك به الآن، أنت مُكِنت من الأكل، فتأكل من هذا، فهناك فرق بين الصورتين، فهذا يلتبس أحيانًا، فيظن الإنسان أنه ما دام هذا الطعام موضوعًا، فله أن يأخذ ما شاء معه، وليس الأمر كذلك، وقد تكون بعض هذه الأشياء جافة تُحمَل، فيحملها معه، وليس له ذلك، وهكذا ما يُترَك له في الغرفة من أشياء، فيُقال للنزلاء: هذه لكم، فهذا تمكين وليس بتمليك، كالصابون، وما له هذا المعنى، إلا إذا كان سيُتلَف، أما إذا كان لا يُتلَف، كأن يضيفوا عليه، كما هو معروف، فليس له أن يأخذه، ذكرت هذا للمناسبة؛ ولأنه يلتبس، ويسأل بعض الناس عنه، والله أعلم.
يقول: "هذا بالنسبة للقدر" يعني الأوسط هو الأعدل في المقدار أو الجنس، أو القلة والكثرة، كما سيأتي، يعني بين القليل والكثير، وهذا الذي اختاره ابن جرير -رحمه الله-[40]، فابن جرير يرى أن الأعدل الأوسط بين القلة والكثرة، وهو نصف صاع، ورُوِي هذا عن جماعة من الصحابة ، ثم من بعدهم: كعمر، وعلي، وابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، والضحاك[41].
وبعضهم يقول: إن الأوسط بمعنى الأجود، وهذا مروي عن عطاء الخراساني[42]، وإن كانت كلمة الأوسط قد تأتي بمعنى الأجود لكن الذي يظهر هنا أنه ليست مرادة، وإنما يكون بين بين إما في المقدار، وإما في الصنف.
وذكر هنا في الصنف أنه يُطعِم من عيش نفسه، أو من عيش أهل بلده، وعلى التأويل الثاني من أوسط ما تُطعِمون أيها الناس أهليكم على الجملة، يعني عيش أهل البلد، وهكذا أيضًا ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن المراد التوسط بين الجيد والرديء، وهذا جاء عن ابن عمر، والأسود، وعبيدة السلماني، والحسن، وابن سيرين، وشريح[43]، وسطٌ بين بين، ليس الأجود وليس الرديء، يعني بعض الناس وللأسف في الكفارات وحتى أيضًا في زكاة الفطر يبحث عن أرخص الأنواع ويخرجه، فهذا لا يجوز، وإنما مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ.
والقول بأن المقصود بالأوسط بين الجودة والرداءة هو اختيار أيضًا القرطبي -رحمه الله-[44].
وهل ذلك باعتبار عيش أهل البلد، أو باعتبار عيش نفسه؟ قال: "وعلى الأول يختص الخطاب بالمكفّر" مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ يعني ما تُطعِم أهلك في الكفارة، والذي يُطعِم أهله من أوسطه، إما بين القلة والكثرة، أو بين الجيد والرديء، ولا يبعد أن يُقَال: بأن ذلك كله مراد، أن يكون بين القلة والكثرة، فلا يكون قليلاً، وإنما بنحو نصف صاع، أو مد، عند من يقول بأنه مد، كذلك أيضًا بين الجودة والكثرة، كما يُقال في زكاة بهيمة الأنعام ونحو ذلك، فلا يأخذ الأجود ولا الرديء، وإنما وسطٌ بين ذلك؛ لئلا يشق عليه، ولا يكون ذلك من قبيل البخس في حق الفقراء، والله أعلم.
فلو أنه لو أخذ وجبات من المطعم وأعطاها لكل فقير مثلاً قطعة من اللحم، أو الدجاج ونحو هذا مع الرز فهذا يُجزِئ، والله أعلم، يعني بالقدر الذي يكفيهم، يكون وسطًا سواء في الجودة، أو في المقدار، يعني لا يبحث عن الأرخص والأردأ.
الله -تبارك وتعالى- أطلق في الكسوة، أَوْ كِسْوَتُهُمْ [المائدة:89] فقال مجاهد: أدناه ثوب، وأعلاه ما شئت[46]، وقال كثير من العلماء: يجزئ ثوبٌ واحدٌ لمسكين؛ لأنه يقال فيه: كسوة، وهذا اختيار ابن جرير -رحمه الله-[47]، وبه قال من السلف الحسن، وعطاء، وطاووس، وإبراهيم النخعي، وحماد بن أبي سليمان، شيخ أبي حنيفة -رحم الله الجميع-[48].
وقال مالك: إنما يجزي ما تصح به الصلاة، فللرجل ثوبٌ واحد، وللمرأة قميص وخمار[49]، ولا يبعد بأن يُقال: بأن ذلك يختلف باختلاف الزمان والمكان، يعني قديمًا في بعض البيئات يكفي ثوب واحد ليس تحته شيء، ويُقال فيه: كسوة، ولكن إذا رجعنا إلى العرف مراعين الزمان والمكان فيختلف ذلك، يعني مثلاً الكسوة في بلدنا هنا، أو في عرف الناس هنا، هل يكفي ثوب فقط، فيخرج فيه للناس من غير أن يلبس شيئًا تحته؟ لا يكفي هذا، هذه الثياب التي يلبسها الناس الآن لا تستر، فلا بد من شيءٍ آخر معها، بل إذا كان في عرفهم وعادتهم أن الواحد منهم لا يخرج إلا بشيءٍ على رأسه، فيكون ذلك مما يدخل فيه، ويكون من جملة الكسوة.
والحافظ ابن كثير -رحمه الله- يقول: ما يصح أن يُصلِي فيه إن كان رجلاً أو امرأةً، كلٌ بحسبه[50]، كما قال الإمام مالك -رحمه الله-، لكن كما سبق أن هذا يختلف باختلاف العرف، يعني هذا الثوب هل يصح أن يصلي فيه وحده؟ هل يشف؟، وضابط ذلك عند الفقهاء أن ما يظهر معه البشرة لا تصح معه الصلاة، وهذه الثياب هكذا إذا أُفرِدت.
س:...
لا، أَوْ كِسْوَتُهُمْ ما يصدق عليه أنه كسوة، لكن يُراعى فيه ما سبق، الأوسط، هنا لا يُقال: المقدار؛ لأنه إذا أرجعناه إلى العرف، أو قلنا: ما تصح الصلاة فيه، انتهى، لكن من ناحية الجودة والرداءة يُراعى فيه مثل هذا، فلا يُعطِي الأردأ، فيبحث عن أرخص شيء، ولا يكون مطالبًا بالأجود، إنما الوسط، مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ يعني من الثياب التي يلبسها عموم الناس، ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ وكذلك في الكسوة يُراعى فيها مثل هذا، وهو الوسط، يعني لا يُعطي ثيابًا لا يلبسها هو، ويتنزه عنها، فبعض الثياب لربما بعشرة ريالات، أو نحو هذا، وهو لا يمكن أن يلبسه، ولا للنوم، فيأتي ويعطيه في الكفارة، فهذا غير صحيح.
وتقع في هذا أخطاء أو اجتهادات من العامة، فبعضهم يُخرِج في الإطعام فاكهة، وهذا لا يُجزئ، لا بد أن يكون هذا الطعام من الطعام الذي لا يكون فاكهةً، الفاكهة هي قدرٌ زائد على الطعام الرئيس، الذي يقتات الناس منه، والله أعلم.
س:...
هذه الثلاث التي هي: الإطعام، أو الكسوة، أو العتق، يكون فيها مخيرًا، وسبق ذكر قاعدة في هذا أن ما يكون للمكلف من باب الكفارات ونحوها فهو للتشهي، يعني يختار ما شاء، وأما ما يرجع إلى المصالح العامة، فيكون بحسب ما تقتضيه المصلحة، مثل ما ذكرنا في المحاربين إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا [المائدة:33] أن هذا التخيير بناءً على المصلحة، إن كان يرجع إلى العموم، فيكون بحسب المصلحة، وأما ما يرجع إلى المكلف نفسه، فهذا يكون بالتشهي، فيختار هذا أو هذا، مثل كفارة الأذى في فعل المحظور في الإحرام، فهو للتشهي، فيختار من أيها يشاء.
يقول هنا: أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ هذا من قبيل المطلق، يقول: "اشترط مالك فيها أن تكون مؤمنةً لتقيدها بذلك في كفارة القتل، فحمل هذا المطلق على ذلك المقيد" خلافًا لأبي حنيفة؛ لأن أبا حنيفة -رحمه الله- لا يرى حمل المطلق على المقيد، ومعلومٌ أن المطلق مع المقيد له أربعة أحوال، في حالتين وقع الاتفاق على الحكم، وفي حالتين توسطتا، واختلف العلماء فيها، فما اتفق فيه الحكم والسبب، فهذا لا شك أنه يُحمَل المطلق على المقيد، وما اختلف فيه الحكم والسبب، فإنه لا يُحمَل المطلق على المقيد بلا إشكال، يبقى الوسط، إذا اتفق الحكم، واختلف السبب، أو اتفق السبب، واختلف الحكم، فهذا فيه خلاف بين الفقهاء، وشرح هذا قد يطول، والوقت يضيق علينا، وليس هذا بدرس أصول، فهذا تدرسونه في الأصول، في أحوال المطلق مع المقيد، ولا شك أنه مر عليكم، وعرفتموه.
لكن ما يتعلق هنا في مسألة تحرير الرقبة في كفارة اليمين، هنا جاءت مطلقة، وفي كفارة القتل رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ [النساء:92] مقيدة، والسبب في كفارة اليمين: الحلف، وفي كفارة القتل: القتل، فاختلف السبب، يعني موجب الكفارة، والحكم واحد الذي هو عتق الرقبة، ففي كفارة القتل جاء مقيدًا بالإيمان، وفي كفارة اليمين جاءت مطلقة، فبعض أهل العلم يرى حمل المطلق هنا على المقيد، فهذه الصورة المختلف فيها، إذا اختلف السبب واتحد الحكم، هذا مثاله، وعكسها إذا اختلف الحكم واتحد السبب، فهذا مما اختلف فيه، الذين يمنعون في هذه الحالة يقولون: أن القتل غير اليمين، ولا التقاء بين القتل واليمين، فهذا له حكمه، وهذا له حكمه، فهذا فيه كفارة عتق رقبة من غير تقييد بالإيمان، وذاك يكون مقيدًا بالإيمان، فهذا يحتمل، وهو محل خلاف كما ذكرت.
يقول: "واشترط مالكٌ أيضًا أن تكون سليمةً من العيوب"[54]، هذا رُوِي عن جماعة من السلف، ولم ينفرد به الإمام مالك -رحمه الله-، ومعنى سليمةً من العيوب أي: عاملة، ليس فيه إعاقة، باعتبار أنه يُعتِق رقبة كاملة، يعني لا يُعتِق من به إعاقة تعوقه عن العمل، كالأقطع: مقطوع اليد، أو اليدين، أو مقطوع الرجل، أو الأعمى، ونحو ذلك، فمثل هذا رقبة ناقصة، ولا يستطيع العمل، وسيكون عالة على غيره، فيُعتِقه، فيكون ذلك ضررًا عليه؛ ولربما على غيره، يعني باعتبار أن المطلق يُحمَل على الكامل في الأوصاف، رقبة تامة، والفقهاء يتكلمون في إعتاق الصغير، والمعاق، ونحو هذا.
هذه الخصال الثلاث على التخيير، وهذا بالإجماع، وهو صريح في الآية.
يقول: "والصيام مرتبٌ بعدها لمن عدمها" وما ضابط هذا العدم؟ قال مالك: "ليس عنده يعني زيادة على قوته وقوت عياله في يوم".
وابن جرير يقول: "في يومه وليلته"[56]، وهم يُطلِقون اليوم ويُقصِدون مع ليلته، كما هي عادة العرب، فيُطلقون الليلة ويقصدون مع يومها، يعني في يومه وليلته، فهذا الضابط لمن لم يجد، فمن يستطيع العتق، أو الكسوة، أو الإطعام، لا يُجزِئه الصيام، والذائع عند كثيرٍ من العامة أنهم إذا ذكروا اليمين فالصيام، مع قدرتهم على الإطعام، أو الكسوة، وهذا لا يُجزِئ، ولا يصح، ومن فعل ذلك فعليه أن يُخرِج الكفارة على الوجه الصحيح، ولا يكتفي بالصوم فإنه لا يُجزِئ، ولو صام، إلا إذا لم يجد، والصوم هل هو مقيدٌ بالتتابع أو أنه يُجزِئ أن يصوم ثلاثة أيام متفرقة؟ هذا مما يدخل في مسألة حمل المطلق على المقيد، فهذه الصورة في اجتماع الحكم والسبب معًا، وذلك أن الله قال: فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ وفي القراءة الأخرى غير متواترة: (فصيام ثلاثة أيام متتابعات) والسبب فيهما كفارة اليمين، السبب واحد، والحكم: صيام ثلاثة أيام، واحد أيضًا، فجاء في القراءة المتواترة مطلقًا، وجاء في القراءة الأخرى مقيدًا، وهي صحيحة الإسناد، فيُحمَل المطلق في هذه الحال على المقيد، صيام ثلاثة أيام متتابعات، فيُقال: لا بد من التتابع؛ لأنه اتفق الحكم والسبب، لكن من لا يُوجِب ذلك، قد لا يحتج أصلاً في القراءة غير المتواترة، ولو صح سندها، يعني في الأحكام، فيقول: لم تثبت قرآنيتها، فبطل العمل بها، ومن يقول: إنه يُحتج بها إذا صح سندها، وهو الأرجح، يقول: تُنَزل منزلة الحديث النبوي، صح إسنادها إلى النبي ﷺ فيُعمَل بها، وهذا الأقرب.
وذكرت في بعض المناسبات أن القراءة غير المتواترة إذا صح سندها يُستفاد منها ثلاثة أمور:
الاحتجاج بالأحكام، وتُفسِر القراءة المتواترة، ويُحتَج بها أيضًا في اللغة، فهذه ثلاثة أمور، لكن عند من لا يحتج بالقراءة غير المتواترة، ولو صح سندها، فهل يُقال: التتابع هنا واجب باعتبار كفارة الجماع مثلاً في نهار رمضان، صيام شهرين متتابعين، وكفارة القتال صيام شهرين متتابعين؟ فهنا قيد بالتتابع فهل يُقال: بأن كفارة اليمين يُطلَب فيها التتابع باعتبار أنه جاء مقيدًا بذلك في كفارة القتل وكفارة الجماع في نهار رمضان، فلاحظ السبب هنا يمين، وفي الجماع في نهار رمضان السبب: الجماع، وفي كفارة القتل: القتل، فالسبب مختلف، والحكم الصيام، فاتحد الحكم واختلف السبب، فهذه الصورة هي التي وقع فيها الخلاف، لكن اجتماع الحكم والسبب في القراءة غير المتواترة: صيام ثلاثة أيام متتابعات، فهذا يُحمَل بالاتفاق، لكن هنا ما الذي جعل العلماء يختلفون فيه؟ بناءً على العمل بالقراءة غير المتواترة إذا صح سندها، هل يُعمل بها في الأحكام أو لا؟ فهذا منشأ الخلاف في المسألة.
ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ يعني حلفتم ثم حنثتم، أو أردتم ذلك، ففرق بين وقوع ذلك منه أو الإرادة، يعني أنه يُكفِر قبل أن يفعل بخلاف مقتضى اليمين، يقول: اختُلِف هل يجوز تقديم الكفارة على الحنث أم لا؟ لا شك أنه لا يصح تقديم الكفارة على الحلف، يعني لو أنه أخرج كفارة باعتبار أنه سيحلف، ثم يحنث فيها، فهذا لا يصح بلا إشكال، وبالاتفاق، لكن هل يُقدِم الكفارة على الحنث باليمين؟ فهذا فيه خلاف، والأقرب أن ذلك يصح، فيصح له أن يُخرِج الكفارة قبل، ويصح أن يكون ذلك بعد، فهو مخير بين هذا وهذا، وحديث لا أحلف على يمين، فأرى غيرها خيرًا منها، إلا كفرت عن يميني، وأتيت الذي هو خير، أو: أتيت الذي هو خير، وكفرت عن يميني[57]، فدل على أنه يمكن أن يُقدِم الكفارة.
وجاء عن عائشة -ا- لما حلفت ألا تُكلِم ابن أختها -أعني عبد الله بن الزبير- في القصة المعروفة لما قال كلمةً، في كثرت نفقة عائشة وصدقاتها -ا- بأنه إن لم تكف فإنه سيحجر عليها، فبلغها ذلك، فغضبت، وحلفت ألا تكلمه أبدًا، فأدخل شفعاء في هذا، فأبت، ثم بعد ذلك دخل عليها، واعتذر إليها، ونحو ذلك، فكانت تتأبى لشدة اليمين، وكان قد أعتق عنها أربعين، وكان ذلك قبل أن تحنث، حتى رضيت، والله أعلم.
الذي يظهر -والله أعلم- أن الآية تشمل ذلك جميعًا، يعني احفظوها من حيث عدم الحنث، لكن لا يعني هذا أن الإنسان إذا رأى غيرها خيرًا منها أنه يتمسك بيمينه؛ لأن النبي ﷺ قال: لا أحلف على يمين...[58] إلى آخره، ففي هذه الحال يحنث يُكفِر عن يمينه، ولكن إذا كان الداعي غير موجود فينبغي أن يحفظ يمينه، ولا يتساهل فيها، وكذلك أيضًا إذا حصل منه الحنث فإنه يُكفِر عن يمينه، فهذا من حفظها أيضًا، وهذا الذي قاله ابن جرير في محمله هنا[59]، وكذلك قال: "احفظوها ألا تنسوها تهاونا بها" وكذلك تُحفَظ عن أن يحلف كاذبًا، فلا يحلف إلا صادقًا، وكذلك تُحفَظ عن كثرة الحلف، وجاء عن بعض السلف كإبراهيم النخعي أنهم كانوا يؤدبون الصبيان على الحلف[60]، وتجد الصغير إذا اعتاد على هذا، أو يسمع من الكبار يكثرون من الحلف، لربما بين كل كلمتين يمين، فهذا استخفاف باليمين، وبمقام الله ؛ ولهذا جاء في كتاب التوحيد -كما تعلمون-: باب ما جاء في كثرة الحلف[61]، ومدخله في كتاب التوحيد أن ذلك مما يُؤذن عن استخفاف، أو عن قلة تعظيم لله ، والله أعلم.
- تفسير ابن كثير ت سلامة (3/167).
- الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (3/109) ودقائق التفسير (2/66).
- تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (10/501).
- الوجيز للواحدي (ص:331).
- تفسير البغوي - إحياء التراث (2/74).
- تفسير ابن كثير ت سلامة (3/166).
- تفسير ابن كثير ت سلامة (3/166).
- تفسير ابن كثير ت سلامة (3/166).
- تفسير ابن كثير ت سلامة (3/167).
- تفسير ابن كثير ت سلامة (3/167).
- التعريف والإعلام بما أبهم في القرآن من الأسماء والأعلام للسهيلي (ص:70).
- تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (10/500) وتفسير ابن كثير ت سلامة (3/166).
- أخرجه النسائي في السنن الكبرى برقم: (11083).
- تفسير النسائي (ص:443)، (168) مؤسسة الكتب الثقافية.
- مسند البزار = البحر الزخار (6/142).
- تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (10/508).
- تفسير ابن أبي حاتم - محققا (4/1185).
- تفسير الثعلبي = الكشف والبيان عن تفسير القرآن (9/250).
- تفسير الزمخشري = الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (1/670).
- تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (2/227).
- أخرجه البخاري في كتاب النكاح، باب الترغيب في النكاح برقم: (5063) ومسلم في النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه برقم: (1401).
- سبق تخريجه.
- تفسير ابن أبي حاتم - محققا (4/1187) وتفسير ابن كثير ت سلامة (3/169).
- تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (10/517).
- تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (10/517).
- سبق تخريجه.
- تفسير ابن كثير ت سلامة (3/172).
- الموافقات (1/188).
- الموافقات (1/208).
- تفسير القرطبي (6/266).
- الفتاوى الكبرى لابن تيمية (5/501).
- السبعة في القراءات (ص:247) وحجة القراءات (ص:234).
- العنوان في القراءات السبع (ص:88) وإبراز المعاني من حرز الأماني (ص:433).
- أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان قوله تعالى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ} [البقرة:284] برقم: (126).
- جامع الأمهات (ص:234).
- التوسط بين مالك وابن القاسم في المسائل التي اختلفا فيها من مسائل المدونة (ص:55).
- المجموع شرح المهذب (18/118).
- التوسط بين مالك وابن القاسم في المسائل التي اختلفا فيها من مسائل المدونة (ص:55).
- البناية شرح الهداية (6/135).
- تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (10/543).
- تفسير ابن كثير ت سلامة (3/174).
- تفسير ابن كثير ت سلامة (3/173).
- زاد المسير في علم التفسير (1/580).
- تفسير القرطبي (6/276).
- أسهل المدارك «شرح إرشاد السالك في مذهب إمام الأئمة مالك» (2/29).
- تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (10/545).
- تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (10/551).
- تفسير ابن كثير ت سلامة (3/176).
- أسهل المدارك «شرح إرشاد السالك في مذهب إمام الأئمة مالك» (2/29).
- تفسير ابن كثير ت سلامة (3/175).
- أسهل المدارك «شرح إرشاد السالك في مذهب إمام الأئمة مالك» (2/29).
- تحفة الفقهاء (2/343).
- أسهل المدارك «شرح إرشاد السالك في مذهب إمام الأئمة مالك» (2/29) والمعونة على مذهب عالم المدينة (ص:642).
- أسهل المدارك «شرح إرشاد السالك في مذهب إمام الأئمة مالك» (2/29) والمعونة على مذهب عالم المدينة (ص:642).
- النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات (4/24).
- تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (10/557).
- أخرجه البخاري في كتاب الأيمان والنذور برقم: (6623).
- سبق تخريجه.
- تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (10/562).
- لم أجده بهذا اللفظ، وأخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة ، باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم برقم: (2533) بلفظ: قال إبراهيم: "كانوا ينهوننا ونحن غلمان عن العهد والشهادات"
- كما في التوحيد لابن عبد الوهاب (ص:140).