بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المفسر -رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى:
قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ [سورة الأعراف:144، 145].
يذكر تعالى أنه خاطب موسى بأنه اصطفاه على أهل زمانه برسالاته تعالى وبكلامه، ولا شك أن محمداً ﷺ سيد ولد آدم من الأولين والآخرين، ولهذا اختصه الله تعالى بأن جعله خاتم الأنبياء والمرسلين الذي تستمر شريعته إلى قيام الساعة، وأتباعه أكثر من أتباع سائر الأنبياء والمرسلين كلهم، وبعده في الشرف والفضل إبراهيم الخليل ثم موسى بن عمران كليم الرحمن ولهذا قال الله تعالى له: فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ [سورة الأعراف:144]، أي: من الكلام والمناجاة.
وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ [سورة الأعراف:144] أي: على ذلك ولا تطلب ما لا طاقة لك به، ثم أخبر تعالى أنه كتب له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلاً لكل شيء، قيل: كانت الألواح من جوهر وأن الله تعالى كتب له فيها مواعظ وأحكاماً مفصلة مبينة للحلال والحرام، وكانت هذه الألواح مشتملة على التوراة التي قال الله تعالى فيها: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ [سورة القصص:43]، وقيل: الألواح أعطيها موسى قبل التوراة، والله أعلم.
وقوله: فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ [سورة الأعراف:145]، أي: بعزم على الطاعة، وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا [سورة الأعراف:145].
قال سفيان بن عيينة: حدثنا أبو سعد عن عكرمة عن ابن عباس -ا- قال: أمر موسى أن يأخذ بأشد ما أمر قومه.
وقوله: سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ [سورة الأعراف:145] أي: سترون عاقبة من خالف أمري وخرج عن طاعتي، كيف يصير إلى الهلاك والدمار والتباب.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فقول الله -تبارك وتعالى: يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي [سورة الأعراف:145]، يعني: اصطفاه -عليه الصلاة والسلام- على أهل زمانه، والأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- هم صفوة قومهم وأفضلهم، فيصطفيهم الله من بين سائر الناس، ولا يقال: إن هذا الاصطفاء كان بسبب الرسالات والكلام، فقد جاء قبل موسى إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- وهو أفضل منه، وأتى بعده النبي ﷺ وهو أفضل منه.
فإن قيل: إن "أل" في الناس للجنس.
نقول: النبي ﷺ اصطفاه الله برسالاته وبكلامه، فقد كلمه الله وكلم الله آدم -عليه الصلاة والسلام.
وقوله -تبارك وتعالى: فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ كقوله: يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ [سورة مريم:12]، يعني: بعزم ودون تراخٍ وتكاسل.
قال: وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا فسر الأحسن هنا باعتبار أن أفعل التفضيل على بابها، يعني بالعزائم، وبعضهم قال: بِأَحْسَنِهَا يعني: بفعل المأمور واجتناب المنهي.
ويحتمل أن يكون أفعل التفضيل لا يراد على بابه، فكل ما في الرسالة حسن، فأمرهم بالأخذ بها، كما قال الله : وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ [سورة الزمر:55]، يعني: اتبعوا ما أنزل الله إليكم، باعتبار أن أفعل التفضيل ليست على بابها، والله تعالى أعلم.
وقوله: سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ [سورة الأعراف:145]، فسر الحافظ ابن كثير هذه الآية بتفسير قريب وهو المتبادر -والله أعلم- فقال: "سترون عاقبة من خالف أمري"، يعني: سأريكم نهاية الفاسقين وسوء المنقلب والمصير الذي يرجعون إليه.
ومن أهل العلم من نظر إلى لفظة الدار، وأراد أن يفسرها وينزل التفسير عليها، فقال: دَارَ الْفَاسِقِينَ يعني: مصر، وهي دار الفراعنة، فقد أغرقهم الله -تبارك وتعالى، وهذا القول فيه بعد.
وبعضهم يقول: الفراعنة أُهلكوا، في الوقت الذي جاء فيه موسى -عليه الصلاة والسلام- للميقات، وكان هذا بعدما تجاوز موسى وقومه البحر ونجاهم الله ولهذا قال بعض أهل العلم -ممن أراد أن يحذو هذا الحذو في التفسير: إن دار الفاسقين هي أرض العمالقة في الشام، بمعنى أن الله سيُديلهم عليهم ويخذل أولئك ويهزمهم، وتتلاشى دولتهم.
وقول من قال بأن دار الفاسقين هي النار، عائد إلى التفسير الأول، ولهذا قال ابن جرير -رحمه الله: إن دار الفاسقين هي النار، والله تعالى أعلم.
سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَاء الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [سورة الأعراف:146، 147].
يقول تعالى: سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ [سورة الأعراف:146]، أي: سأمنع فهم الحجج والأدلة الدالة على عظمتي وشريعتي وأحكامي قلوب المتكبرين عن طاعتي ويتكبرون على الناس بغير حق، أي: كما استكبروا بغير حق أذلهم الله بالجهل، كما قال تعالى: وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ [سورة الأنعام:110]، وقال تعالى:فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [سورة الصف:5].
هذا التفسير من الحافظ ابن كثير -رحمه الله- تفسير دقيق، وقد ذكرتُ في مناسبات شتى أن الإنسان قد لا يتبيّن له جودة التفسير وحسنه وما ينطوي عليه من المعاني والدقة إلا إذا قارنه بغيره، أو كان له اطلاع في كتب التفسير، فيعرف قيمة الكتاب الذي يقرأ فيه، فقال ابن كثير في قوله: سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ [سورة الأعراف:146]: "سأمنع فهم الحجج والأدلة الدالة على عظمتي وشريعتي وأحكامي قلوب المتكبرين"، وهذا الكلام جمع أنواع الآيات الثلاث، فيحتمل أن يكون المراد بالآيات هي الآيات المنزلة، فلا يفهمها أو لا يؤمن بها، ويحتمل أن يكون المراد الآيات الكونية، ويحتمل أن يكون المراد بها المعجزات، وكل هذه براهين وأدلة تدل على وحدانية الله وعلى عظمته ، فالحافظ ابن كثير جاء بهذه العبارة التي تشمل ذلك جميعاً، "الأدلة الدالة على عظمتي"، وهذا يوجد في الآيات الكونية وفي غيرها، "وشريعتي" وهذا يوجد في الآيات المنزلة، "وأحكامي"، والمعجزات تدل على صحة الشريعة، وصدق من جاء بها.
وقوله -تبارك وتعالى: سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ يحتمل أن يكون الصرف بمعنى: الصرف عن الإيمان بها، ويحتمل أن يكون الصرف عن فهمها والانتفاع بها، والقولان بينهما ملازمة، ولا نحتاج إلى ترجيح أحدهما؛ لأن الصرف عن فهم الآيات ملازم للصرف عن الإيمان بها كما كان حال المنافقين الذين يحضرون مع النبي ﷺ ويرون القرآن ينزل، فإذا خرجوا من عند النبي ﷺ قالوا: ماذا قال آنفاً؟ فطبع الله على قلوبهم وأعماهم، فلا ينتفعون بالآيات المنزلة ولا ينتفعون بالمعجزات.
وحمل الآيات على المعاني الثلاثة التي ذكرتها آنفاً وهي الآيات المنزلة والمعجزات والآيات الكونية هو الراجح -والله أعلم- وهذا اختيار ابن جرير -رحمه الله.
وفي قوله: الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ هذه الصفة لا يستفاد منها التقييد فلا يقال: إن الذين يتكبرون بالحق لا يصرفون عن آيات الله، فالقيد غير معتبر، وإنما هو يكشف عن الأمر الواقع الحاصل، وهو أن كل من تكبر عن آيات الله فهو متكبر بغير الحق، وهذه الآية كقوله -تبارك وتعالى: وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ [سورة البقرة:61] فليس هناك أحد يقتل نبياً بحق.
وقال سفيان بن عيينة في قوله: سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ [سورة الأعراف:146] قال: أنزع عنهم فهم القرآن وأصرفهم عن آياتي.
قال ابن جرير: وهذا يدل على أن هذا الخطاب لهذه الأمة، قلت: ليس هذا بلازم؛ لأن ابن عيينة إنما أراد أن هذا مطردٌ في حق كل أمة ولا فرق بين أحد وأحد في هذا، والله أعلم.
سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ كل من كان متصفاً بهذا الوصف فهو مصروف عن آيات الله وعن فهمها والإيمان بها، سواء كان في زمن موسى ﷺ أو في زماننا هذا، فإذا قيل: يؤخذ من هذه الآية أن الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق يُصرفون عن فهم القرآن والانتفاع به، فهذا المعنى صحيح.
من المعلوم عن علماء الأصول أن "كل" هي أقوى صيغ العموم، فتدخل الأنواع الثلاثة من الآيات التي ذكرناها، وهي: المعجزات والآيات الكونية والآيات المنزلة.
وقوله: وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً [سورة الأعراف:146] أي: وإن ظهر لهم سبيل الرشد، أي: طريق النجاة لا يسلكوها، وإن ظهر لهم طريق الهلاك والضلال يتخذوه سبيلاً، ثم علل مصيرهم إلى هذه الحال بقوله: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا [سورة الأعراف:146] أي: كذبت بها قلوبهم، وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ [سورة الأعراف:146]: أي لا يعلمون شيئاً مما فيها.
وقوله: وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَاء الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ، [سورة الأعراف:147] أي: من فعل منهم ذلك واستمر عليه إلى الممات حبط عمله.
وقوله: هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ، [سورة الأعراف:147]، أي: إنما نجازيهم بحسب أعمالهم التي أسلفوها إن خيراً فخير وإن شراً فشر، وكما تدين تدان.
قوله: حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ الحبوط هو: البطلان، يقول النبي ﷺ: وإن كل ما أنبت الربيع يقتل حبَطاً أو يلم[1]، والدابة إذا أكلت كثيراً ولم تجتر هذا الطعام فتنتفخ، ثم بعد ذلك تموت.
لذلك بعض الأمهات تدعو على ولدها إذا قضى حاجته على الأرض، أو ضجرت من كثرة ما تذهب به إلى دورة المياه، فتقول له: حبط، وهي لا تعرف معنى هذا الدعاء، فحبطت أعمالهم بمعنى بطلت، وهذا معنى الحبوط، والله أعلم.
وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ وَلَمَّا سُقِطَ فَي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْاْ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ قَالُواْ لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [سورة الأعراف:148، 149].
يخبر تعالى عن ضلال من ضلَّ من بني إسرائيل في عبادتهم العجل الذي اتخذه لهم السامري، من حلي القبط الذي كانوا استعاروه منهم، فشكل لهم منه عجلاً، ثم ألقى فيه القبضة من التراب التي أخذها من أثر فرس جبريل فصار عجلاً جسداً له خوار، والخوار: صوت البقر.
قوله –تبارك وتعالى: وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى [سورة الأعراف:148]، الاتخاذ يدل على العناية بهذا الشيء المتخَذ، وأضافه إليهم جميعاً مع أن الذي فعل هذا هو السامري؛ لأنهم رضوا به وأقروه وعبدوه فنسب ذلك إليهم، كما أضاف الله قتل الناقة إلى قوم صالح -عليه الصلاة والسلام- مع أن الله قال: فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ [سورة القمر:29]، وقال: إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا [سورة الشمس:12].
يقول المفسرون بناء على الروايات الإسرائيلية: إن النساء الإسرائيليات، كنّ يستعرن الحلي، من الفرعونيات فخرجوا ومعهم الحلي، الذي استعاروه، وبعضهم يقول: خرجوا في يوم عيد، ولذلك تجد من أعياد اليهود عيداً يوافق اليوم الذي حصل فيه الاجتياز، فأخذ السامري هذا الحلي وجمعه وصور لهم منه عجلاً، وأخذ قبضة من أثر فرس جبريل -عليه الصلاة والسلام- فألقاها عليه فصار له صوت.
والعلماء مختلفون في قوله -تبارك وتعالى: عِجْلاً جَسَدًا هل العجل بقي من ذهب، أم أنه صار لحماً ودماً؟ لكن قوله -تبارك وتعالى: عِجْلاً جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ يدل على أنه لا حياة فيه، فهو مجرد صورة وهيئة دون أن يكون له حياة حقيقية.
لَّهُ خُوَارٌ، جاء عن ابن عباس أن الخوار هو الهواء الذي يدخل من فمه ويخرج من دبره فيصوت، وهذا ممكن، والله تعالى أعلم.
وهذا الفعل من الحيل التي يحتال بها السحرة للتلبيس على الناس، فقد ذكر العلماء أن رجلاً جاء إلى بعض اليهود ووجدهم يعظمون قبراً، فلاحظ أن أشجار الزيتون عندهم كثيرة، فكان الطائر يصدر صوتاً معيناً، ثم تأتي الكبار من هذا النوع من الطيور، وتأخذ حب الزيتون وتلقيه عليه، فألقى الشيطان في نفس هذا الإنسان أنه يجعل لهذا الميت قبة، ويجعل فيها فتحة في الأعلى، ويجعل فيها شيئاً يصدر هذا الصوت، مثل صوت الطائر إذا جاء الهواء في أوقات معينة، فكانت تأتي الطيور وتلقي الزيتون على هذه الفتحة التي يصدر منها هذا الصوت، فعظم اعتقادهم به وظنوا أن ذلك لكرامته وولايته ومنزلته عند الله فهذا السامري ممكن أن يكون فعل هذه الطريقة، والله تعالى أعلم.
وفعل "اتخذ" في قوله تعالى: وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَدًا، يتعدى إلى مفعولين، فالفعل الأول عجلاً، وأما جسداً فهي صفة له، وحذف المفعول الثاني في جميع المواضع التي ذكرت فيها هذه القصة، وتقديره إلهاً، فلا يتصور ولا يعقل ولا يليق أن يُذكر ويقال: إن العجل قد عُبد من دون الله تعالى، ولهذا السبب حذف المفعول الثاني.
وقد أشار الله إلى عبادتهم للعجل بقوله: فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ [سورة طـه:88].
- رواه البخاري في كتاب الرقائق -باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها (5/2362)، برقم: (6063)، ومسلم في كتاب الزكاة -باب تخوف ما يخرج من زهرة الدينا (2/728)، برقم: (1052).