بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
نواصل الحديث فيما يمكن استخراجه من الهدايات من هذه الآيات الكريمة، من هذه السورة العظيمة، سورة البقرة.
فالله -تبارك وتعالى- يذكر فيها أوصاف المنافقين، وبعد أن تم ذكر تلك الأوصاف، بين الله -تبارك وتعالى- حقيقة الحال التي اختاروها لأنفسهم، وأن هؤلاء الذين كانوا يعتقدون أنهم على شيء من الحصافة والفِطنة، وأن أهل الإيمان هم السفهاء أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ [سورة البقرة:13] فالله -تبارك وتعالى- يقول عنهم هنا: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ [سورة البقرة:16] هؤلاء أهل النفاق باعوا أنفسهم في صفقة خاسرة، فاختاروا الكفر، وتركوا الإيمان، فكانت صفقتهم في غاية الخسارة والغبن، وهذا هو الخُسران الحقيقي، وهؤلاء أبعد ما يكون الواحد منهم عن الاهتداء، وهذه حاله.
تأمل قول الله -تبارك وتعالى: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى [سورة البقرة:16] جاء هنا بالإشارة إلى البعيد؛ لبُعد حال هؤلاء عن الهدى؛ لأنهم في منزلة من السفول والانحطاط سحيقة، فجاءت الإشارة بذلك، كما يقول بعض أهل العلم، والعلم عند الله تعالى.
ثم تأمل كيف عبّر عن هذه الحال بأنهم اشتروا، فالله -تبارك وتعالى- قد سمى المُعاملة معه تجارة فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ [سورة البقرة:16] هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [سورة الصف:10] وسمى ذلك بيعًا فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ [سورة التوبة:111] وسماه تجارة، وسماه شراء اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى [سورة البقرة:16] اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ [سورة آل عمران:177].
وكذلك أيضًا سمى الخسارة في هذه المعاملة سماها خسارة، وسمى يوم الجزاء والحساب: بيوم التغابن، والغبن في الأصل إنما يكون في البيع والشراء ونحوهما.
فهؤلاء كانوا في غاية الغبن؛ وذلك أن ربنا -تبارك وتعالى- أعطى كل واحد رأس مال، هذه الأنفاس، هذا العمر ليتجر مع ربه -تبارك وتعالى- بالأعمال الصالحة، فهؤلاء جدوا واجتهدوا في تحصيل المنازل، في الدرك الأسفل من النار، وأهل الإيمان جدوا واجتهدوا في تحصيل المنازل العالية في الجنة، فدخل أهل الإيمان الجنة، وأيضًا أورثهم الله -تبارك وتعالى- منازل أهل النار التي في الجنة، وأولئك أدخلهم الله النار، وأورثهم أيضًا منازل أهل الجنة التي في النار.
فهذا لا شك أنه غاية في الغبن، فهؤلاء أهل النفاق رغبوا في الضلالة رغبة المشتري للسلعة، الذي يكون من رغبته فيها أنه يبذل فيها الأثمان والأموال، وهذا تصوير لشدة إقبالهم على الضلال والكفر والانحراف، فجعل الضلالة التي هي غاية الشر كالسلعة، وجعل الهدى الذي هو غاية الصلاح بمنزلة الثمن اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ [سورة البقرة:16].
مع أن هؤلاء لم يكونوا على هدى، فبذلوه مُقابل أخذ الضلالة، ولكن من أهل العلم من يقول: إن ذلك بتركهم نور الفطرة، فكل مولود يولد على الفطرة، وأحسن من هذا -والله تعالى أعلم- أن يُقال: إن إيثارهم الضلالة على الهدى هو بهذه المثابة اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فهذا الاختيار منهم والإيثار للضلالة هو بمنزلة الاشتراء، وإنما يشتري الإنسان ما يرغب فيه، فهؤلاء لما كانت فِطرهم قد تدنست، وفسدت، صارت نفوسهم تُقبل على القبائح والرذائل، كالجُعلان تدفع بآنافها النتن، فهذا حيث تنتكس الفِطر.
كما أن هذه الآية أيضًا تدل على الإنسان قد يتصور أنه على حال من التمام والكمال، والاستقامة في الحال والعمل، ولا يشعر بما هو فيه من الإساءة والضياع، فانظر إلى هؤلاء، كيف اشتروا بالضلالة بالهدى؟ ظنًا منهم أنهم على صواب، وأنهم رابحون؛ ولهذا قال الله -تبارك وتعالى: فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ [سورة البقرة:16].
ومثل هذا التركيب يدل على العموم، ما ربحت بحال من الأحوال، وبصورة من الصور، فهم خاسرون خاسرة مُحققة من كل وجه حتى في الدنيا، حيث ظنوا أنهم قد أحرزوا أموالهم، وحقنوا دماءهم، فهم ينغمسون في الضلالة، وهم مُتحققون بالخسارة، وكذلك أيضًا: وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ يعني: بحال من الأحوال.
فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ فهم لم يكونوا على شيء من الاهتداء، لا في هذا الاختيار، ولا فيما هم عليه من الاعتقاد، ومع ذلك يرون أنهم أهل معرفة، وحُسن نظر في الأمور، ويصفون أهل الإيمان بالسفهاء.
فهكذا إذا طُمست البصائر يختار الإنسان ما يضره، كما قال الله -تبارك وتعالى: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ [سورة الحشر:19] وإذا أنسى الله -تبارك وتعالى- العبد نفسه صار إقباله على ما يضره، فيبذل الأموال فيما يكون فيه ضرره المُحقق، ويكون عمله على غير اهتداء، وسعيه في غي، وانظر فيما تراه، وما تُشاهده في هذه الأوقات، وفي غيرها من الأوقات، كيف تعمى البصائر؟ فيُقدم الإنسان على أعمال وأحوال لا يمكن أن يُقبل عليها من فتح الله بصيرته، وأنار الله قلبه، فقد يبذل مُهجته ونفسه، ويكون في حال من كراهة المنظر، وسوء المُنقلب -نسأل الله العافية- وهو يظن أنه على حق، وعلى اهتداء، وفعله هذا في غاية الفساد والإفساد والشر، وقد يكون ذلك سببًا لفتنة نائمة فيوقظها، والنبي ﷺ يقول: الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها [1].
ويظن أنه على خير، وعلى هدى، فتسمع بالعجائب والغرائب، والله -تبارك وتعالى- يهدي من يشاء، ويوفق من يشاء، ويُضل من يشاء، لكن انظروا إلى أثر طمس البصائر، كيف يصنع بأهله وأصحابه؟
ثم بعد ذلك هو لا يتردد في كونه على صواب وهدى وحق، ويرى أهل الحق والإيمان أنهم في غاية السفه.
ثم ضرب لهم المثل، وقد تكلمنا على هذا المثل تفصيلاً في ألفاظه، ومضامينه، ومراميه، ولكن في مثل هذه المجالس إنما يُشار إلى بعض الفوائد والهدايات التي تُستخرج من الآيات.
مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ [سورة البقرة:17] هذا مثل ضربه الله لهؤلاء المنافقين بعد أن بين حالهم، وما هم فيه من الخسارة المُحققة، وما هم فيه من مُجانبة الاهتداء.
والمثل تكلمنا عليه تفصيلاً في مجالس، وأن عامة موارد هذه المادة ترجع إلى معنى الشبه، بل إن بعض أهل العلم أعاد ذلك في جميع موارده إلى معنى الشبه، كما فعل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- وخلق من أهل العلم قبله وبعده، ولكن على كل حال ليس هذا محل اتفاق إلا إنه الغالب في الاستعمال.
مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا وهذا من الأمثال الصريحة في القرآن، فإن الأمثال في القرآن منها ما هو صريح مُصرح فيه بلفظ المثل، ومنه ما يُذكر فيه أداة التشبيه، ومنه ما لا يُذكر فيه هذا.
فهنا صرح الله -تبارك وتعالى- بأن ذلك من قبيل المثل، وهذا المثل هو أحد المثلين الناريين في كتاب الله -تبارك وتعالى- فهذا الذي في سورة البقرة مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا والمثل المائي هو الذي بعده أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ [سورة البقرة:19] إلى آخر ما ذكر الله .
وذكر المثلين أيضًا المائي والناري في قوله: أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا ثم ذكر المثل الناري بعده وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ [سورة الرعد:17] فهذا في ضرب الحق والباطل، وما هنا في سورة البقرة هو في بيان حال هؤلاء المنافقين على خلافًا بين المُفسرين، هل هذان المثلان لطائفة واحدة في أحوال مختلفة، أو أن ذلك لنوعين وفئتين من المنافقين.
فالله -تبارك وتعالى- يقول: مَثَلُهُمْ حال هؤلاء الذين أظهروا الإيمان، ولم يكن ذلك في قلوبهم بأنهم بهذه المثابة كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا هذا إنسان في مكان مُظلم، فاستعار نارًا استوقدها، ثم بعد ذلك فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ وانتفع بهذه الإضاءة ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ [سورة البقرة:17] فبقوا في الظلام بعد أن انتفعوا بهذا النور شيئًا من الوقت.
تأمل في هذا المثل المضروب لهؤلاء مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا "استوقد" السين والتاء للطلب، يعني: كأن هذا قد استعاره من غيره فهو لا يكون نابعًا من داخله وإنما هو شيء اجتلبه اسْتَوْقَدَ نَارًا فهؤلاء أهل النفاق هم لا يملكون الإيمان، ولم يتحققوا به، وإنما هو شيء ادعوه فهو خارج عن ذواتهم، اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ لاحظ ما أضاءت قلوبهم، ونفوسهم، ودواخلهم، وإنما أضاءت ما حوله، فجعل هذا خارجًا عنهم مُنفصلاً عن ذواتهم، ولو اتصل الضوء بهم ولابسهم؛ فإنه يبقى، ويستنير به القلب، ويتحقق بذلك الإيمان، ولكنه ضوء مجاورة لا مُلابسة ومُخالطة، فهو ضوء عارض، والظُلمة أصلية ثابتة في نفوس هؤلاء وقلوبهم.
فلما انكشفت الحقائق رجع الضوء إلى معدنه، والظلمة إلى معدنها، فـذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ [سورة البقرة:17] بقوا على الأصل، انتفعوا بعض الوقت بهذه الدعوى -دعوى الإيمان- فحصل لهم من حقن الدماء وإحراز الأموال، فذهب ذلك النور، وبقيت الظلمة.
وتأمل التنكير في قوله: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا قد يُفهم من هذا التنكير التعظيم استوقد نارًا عظيمة فانتفع بها، فدعوى الإيمان هذه التي ادعوها هي دعوة كبيرة، لكنها لا تُمثل حقيقة في نفوس هؤلاء.
ثم إن ذلك أيضًا يدل على أن الإيمان له نور، لكن هذا النور لم يكن في نفوس هؤلاء، وإنما كان من حولهم، فإن الإيمان يحصل به استنارة القلب، ويحصل به من المنافع في الحياة الدنيا، وفي البرزخ، وفي القيامة وفي الجنة، ويكفي ما جاء في ذلك من أنه: أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان [2] وفي رواية: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان فأخرجوه [3] هذا الإيمان الصحيح المُنجي.
فهؤلاء ليس في قلوبهم شيء من الإيمان فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ إذًا لم يكن ذلك في قلوبهم ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ لاحظ "استوقد نارا"، ثم لم يقل ذهب الله بنارهم قال: فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ لم يقل ذهب بضوئهم، وإنما قال: ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ فهذه ثلاثة أشياء: النار التي استوقدوها، فالنار فيها الإحراق وفيها أيضًا الضياء، فهذا النور الذي يكون معه حرارة يُقال له ضوء هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا [سورة يونس:5] فهذا النور الذي يكون من الشمس يُقال له ضياء؛ لأن معه حرارة، ولهذا قال النبي ﷺ: الصلاة نور. .. والصبر ضياء [4] الصبر لما فيه من الحرارة، وأما الصلاة فهي نور، ليس فيها حرارة وجُعلت قُرة عيني في الصلاة [5] قُرة العين، القُرة البرودة، قرت عينه كما ذكرنا في بعض المُناسبات أنه حينما يفرح الإنسان يحصل له بسبب ذلك شيء من برودة القلب، والجوف، وتكون دموع الفرح باردة، وأما إذا كان الإنسان في حال من الحُزن فإنه يشعر بحرارة في جوفه، وتكون دموع الحُزن ساخنة، بل إنه يجد مع الحُزن السخونة في نفس العين، يجد فيها حرارة.
فهنا اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ أثر هذه النار هو الضوء؛ لأن فيه حرارة، ما الذي ذهب؟ لم تذهب النار، ولم يذهب الضوء، وإنما ذهب النور فقط، فالنور من غير حرارة ولا إحراق، فذهب النور، وبقيت الحرارة والإحراق -نسأل الله العافية- انظر إلى حال هؤلاء، وهذا من استهزاء الله -تبارك وتعالى- بهم، يذهب النور، وتبقى الحرارة، لو قال: ذهب الله بضوئهم، فإنه يذهب الحرارة وكذلك أيضًا النور، لو قال: ذهب الله بنارهم تذهب الحرارة ويذهب النور، ولكنه قال: ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ.
إذًا: ما الذي بقي حينما ذهب النور؟ بقي الإحراق والحرارة.
هكذا كل من تمتع بشيء يبذل في سبيله دينه، ولكنه يكون من سخط الله -تبارك وتعالى- ومُحادته وحرب أوليائه، فإنه يتمتع به قليلاً بمال أو وظيفة أو جاه، أو نحو ذلك، لكن سُرعان ما يذهب هذا النور، ثم بعد ذلك تبقى الحرارة والإحراق، يبقى عليه ذلك سُبة في الدنيا وعذابًا في الآخرة، إن لم يغفر الله له.
ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ [سورة البقرة:17] ولاحظ هنا أن الله -تبارك وتعالى- قال: ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ فوحد النور لكن الظلمات وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ تركهم في ظلمات جمع الظلمات؛ لأن الحق واحد والضلالات كثيرة جدًا، ومن أزاغ الله -تبارك وتعالى- قلبه لم يُبال به بأي وادٍ هلك، فقد يركب أي ملة، أو نِحلة أو ضلالة، لكنه في النهاية سالك طريق الغواية، والشر والضلال، والانحراف الذي يؤدي به إلى سخط الله ومقته وعذابه، فطُرق الضلال كثير وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ.
وبهذا نعرف أن الطريق الموصل إلى الله واحد، ومن أراده فعليه أن يتبع، ويلزم الصراط المستقيم الذي رسمه الله لعباده من أجل سلوكه.
وتأمل في قوله -تبارك وتعالى: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ [سورة البقرة:257].
ثم أيضًا تأمل ما ذكره الله -تبارك وتعالى- هنا: وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ [سورة البقرة:17] قد يكون الإنسان في ظُلمة لكنه يُبصر معها إبصارًا ضعيفًا أما هؤلاء في عمى تام، نفى عنهم الإبصار بالكلية؛ لئلا يتوهم أن هذه الظلمات يكون معها شيء من الإبصار، وهذا يُبين حال هؤلاء أهل النفاق، وكذلك أيضًا حال أهل الكفر فهم يتخبطون في ظلمات.
وقد ضرب الله المثل لهذه الظلمات كما في سورة النور أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا [سورة النور:40] هذه ظلمة القلب، وظلمة الكفر، وظلمة الطبع، وظلمة المعاصي، هي ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها.
أسأل الله أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، ويجعلنا وإياكم هداة مهتدين.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد.
- أخرجه الرافعي في تاريخ قزوين (1/ 291)، قال عنه الألباني: منكر. انظر: سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة (7/ 255).
- أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب: تفاضل أهل الإيمان في الأعمال، رقم: (22)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب إثبات الشفاعة وإخراج الموحدين من النار، رقم: (184).
- أخرجه البخاري، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: وُجُوهࣱ یَوۡمَىِٕذࣲ نَّاضِرَةٌ إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةࣱ رقم: (7439).
- أخرجه مسلم، كتاب الطهارة، رقم: (223).
- أخرجه النسائي، كتاب عشرة النساء، باب حب النساء، رقم: (3940).