الجمعة 27 / جمادى الأولى / 1446 - 29 / نوفمبر 2024
[11] من قوله تعالى: {إِنّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ} الآية 98 إلى قوله تعالى: {هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} الآية 103
تاريخ النشر: ٠٥ / رمضان / ١٤٢٩
التحميل: 3223
مرات الإستماع: 5429

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين وللمستمعين، أما بعد:

فقال المؤلف -رحمه الله:

الحديث الثالث:

روى الإمام أحمد عن ابن حرملة عن خالته قالت: خطب رسول الله ﷺ وهو عاصب أصبعه من لدغة عقرب، فقال: إنكم تقولون: لا عدو لكم، وإنكم لا تزالون تقاتلون عدواً حتى يأتي يأجوج ومأجوج، عراض الوجوه، صغار العيون، صُهب الشّعاف، من كل حدب ينسلون، كأن وجوههم المجان المطرقة[1] وكذا رواه ابن أبي حاتم من حديث محمد بن عمرو عن خالد بن عبد الله بن حرملة المدلجي، عن خالة له، عن النبي ﷺ، فذكره، مثله سواء.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فقوله ﷺ: وإنكم لا تزالون تقاتلون عدواً يعني من بعد عدو حتى يأتي يأجوج ومأجوج عراض الوجوه وهذا واضح صغار العيون، صهب الشعاف يعني وصف رءوسهم أو شعورهم بحمرة يعلوها سواد صهب الشعاف بمعنى أن شعورهم ليست سوداء، وإنما بين بين، حمرة يعلوها سواد، وهذه في الغالب ليست أوصاف العرب كما هو معروف.

وصف رءوسهم أو شعورهم بحمرة يعلوها سواد صهب الشعاف بمعنى أن شعورهم ليست سوداء، وإنما بين بين، حمرة يعلوها سواد، وهذه في الغالب ليست أوصاف العرب كما هو معروف.

كأن وجوههم المجان المطرقة المجان يعني التروس؛ لأنها تجنّ الإنسان، يعني تستره وتقيه من النبال، ومن ضرب السيوف، وطعن الرماح.

المطرقة يعني كأنها طبقات، الترس قد يكون من جلد قوي يابس، يوضع فوقه جلد وهكذا حتى يكون مثل الخشب أو مثل المعادن، ولا زال الناس يستعملون هذه الكلمة إلى اليوم، ما تسمعون الناس يقولون: عنده طراقة من كذا؟ من الثياب؟ طراقة من الأقمشة، يعني قد طبق بعضها فوق بعض لكثرتها مثلاً.

وقد ثبت في الحديث أن عيسى ابن مريم يحج البيت العتيق.

وروى الإمام أحمد عن أبي سعيد قال: قال رسول الله ﷺ: ليحجن هذا البيت وليعتمرن بعد خروج يأجوج ومأجوج[2] انفرد بإخراجه البخاري[3].

وقوله: وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ [سورة الأنبياء:97] يعني يوم القيامة إذا حصلت هذه الأهوال والزلازل والبلابل أزفت الساعة واقتربت، فإذا كانت ووقعت قال الكافرون: هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ [سورة القمر:8] ولهذا قال تعالى: فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا [سورة الأنبياء:97] أي: من شدة ما يشاهدونه من الأمور العظام يَا وَيْلَنَا أي: يقولون: يا ويلنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا أي: في الدنيا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَيعترفون بظلمهم لأنفسهم حيث لا ينفعهم ذلك.

قوله ﷺ: ليحجن هذا البيت وليعتمرن بعد خروج يأجوج ومأجوج هذا قد يشكل عليه الحديث السابق في الريح المؤمنة التي تأخذ أهل الإيمان من تحت آباطهم، فلا يبقى بعد ذلك من أهل الإيمان أحد، يبقى أناس هم شرار الخلق، تقوم عليهم الساعة، يتسافدون كما تتسافد الحمر، فهذا بعدما يذهب أهل الإيمان، فالنبي ﷺ أخبر أنه يحج البيت، فقد يكون المراد -والله تعالى أعلم- أن ذلك يكون من هؤلاء قبل أن تأتي هذه الريح الطيبة، يعني بعدما ينتهي يأجوج ومأجوج يحج أهل الإيمان ويعتمرون، وتكون نهايتهم بهذه الريح التي وصفها النبي ﷺ، بحيث تقوم الساعة على الذين وصفهم بأنهم يتسافدون كما تتسافد الحمر، وأنهم شرار الخلق، هؤلاء قال فيهم: عليهم تقوم الساعة فهو مشعر بأنه لا بقاء لأهل الإيمان بعد تلك الريح، وإنما يبقى شرار الناس، ولكن لا يعني هذا أن هذه الريح الطيبة تأتي بعد هلاك يأجوج ومأجوج مباشرة، وإنما يبقون مدة، ويحجون البيت بعد هؤلاء ويعتمرون، ثم في النهاية تأتي هذه الريح، ويموت أهل الإيمان؛ لأن أشراط الساعة الكبرى -كما سبق- كالعقد الذي انفرط في سرعتها.

طلوع الشمس من مغربها: لو تنظرون في الأحاديث الواردة في صحيح مسلم وفي غيره في خروج الدابة، العلماء يستشكلون بعض هذه الأحاديث في التوقيت، حينما ينظرون إليها، يحاولون الجمع بينها، لكن هي متقاربة جداً، بحيث إذا خرجت الشمس من مغربها تخرج الدابة على الناس ضحى، يعني إلى هذا الحد في سرعة هذه العلامات وظهورها، تتابع، ثم بعد ذلك تقوم الساعة.

وفي قوله -تبارك وتعالى: وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ [سورة الأنبياء:97] قال: يعني يوم القيامة إذا حصلت هذه الأهوال والزلازل والبلابل أزفت الساعة واقتربت وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّبعض أهل العلم يقول: إن الواو هنا زائدة إعراباً، ويكون قوله: اقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّإذا حذفت الواو هو جواب (إذا) الأولى.

بمعنى يكون الكلام هكذا، قال الله حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون، اقترب الوعد الحق أي: حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج، اقترب الوعد الحق لأن يأجوج ومأجوج من آخر العلامات الكبرى، فتكون جواباً لـ(إذا) وهذا الذي عليه عامة أهل العلم، وهو اختيار كبير المفسرين ابن جرير -رحمه الله.

وبعضهم يقول: إن جوابها هو قوله تعالى: وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا وبعضهم يقول: هو مقدر محذوف: "حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج قالوا يا ويلنا" يعني الناس يقولون: يا ويلنا، والله تعالى أعلم.

قال : إِنّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ۝ لَوْ كَانَ هَؤُلآءِ آلِهَةً مّا وَرَدُوهَا وَكُلّ فِيهَا خَالِدُونَ ۝ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لاَ يَسْمَعُونَ ۝ إِنّ الّذِينَ سَبَقتْ لَهُمْ مّنّا الْحُسْنَىَ أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ۝ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ ۝ لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ [سورة الأنبياء:98-103].

قال -رحمه الله: يقول تعالى مخاطباً لأهل مكة من مشركي قريش ومن دان بدينهم من عبدة الأصنام والأوثان: إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ قال ابن عباس: أي: وقودها، يعني كقوله: وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [سورة البقرة:24] وفي رواية عن ابن عباس قال: حَصَبُ جَهَنَّمَ يعني حطب جهنم بالزنجية، وقال مجاهد وعكرمة وقتادة: حطبها، وقال الضحاك: حصب جهنم أي: ما يرمى به فيها، وكذا قال غيره.

هذه الأقوال متقاربة، وإن كان لا يوجد دليل على أن هذا بالزنجية، والأصل أن هذا بالعربية، لكن قول من قال بأنه حطب جهنم، أو قول البعض بأنه ما يرمى فيها، أو يلقى فيها، كل ذلك متقارب؛ لأن حطب جهنم هو ما توقد به بمعنىً أعم، وهذا الذي مشى عليه بعض أهل اللغة، يقولون: إن معنى الحصب هو ما توقد به النار وتهيج، فالحطب الذي يلقى في النار هو الذي تتقد به، أما نار جهنم -أعاذنا الله وإياكم منها- فإن وقودها الناس والحجارة حَصَبُ جَهَنَّمَ فهو ما يلقى فيها؛ لأنه إذا عبر عنه بالحطب فمعنى ذلك أنه الوقود لأنهم ليسوا بحطب، وأنت تقول للإنسان أحياناً تحذره من شيء أو كذا تقول: حتى لا تكون حطباً لهذه الفتنة، يعني ما توقد به هذه الفتنة.

وقول من قال: ما يلقى فيها أوسع وأوضح في المعنى، لكن من عبر بالحطب هو لا يقصد أنه حطب جهنم، لكن النار التي توقد في الدنيا يقال للحطب الذي توقد به حصب، فنار جهنم لا توقد بالحطب، ولكن يصح أن يقال لمن يلقى فيها وتتقد به ويكون وقوداً لها أنه حطب لها؛ لأن العرب يتوسعون في الكلام في مثل هذا، وإذا أردت أن توسع العبارة تقول: وما يلقى فيها وتتقد به، ما تتوقد به النار هذا هو حصب جهنم إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَفهم وقودها كما قال الله : وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [سورة البقرة:24] دخول هذه الآلهة، إلقاء الآلهة في النار، وهي جمادات لا تشعر، من أي وجه؟ يكون ذلك تبكيتاً لعابديها، هي أحجار، جمادات، هي لا تتعذب بالنار، ولكن هذا فيه زجر وتبكيت لهؤلاء الذين يعبدونها، فيقال: تلقون فيها أنتم وهذه المعبودات.

وقوله: أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ أي: داخلون لَوْ كَانَ هَؤُلآءِ آلِهَةً مّا وَرَدُوهَايعني لو كانت هذه الأصنام والأنداد التي اتخذتموها من دون الله آلهة صحيحة لما وردوا النار وما دخلوها.

نعم، وهذا يدل على المعنى الذي ذكرته آنفاً، وهو أن دخول هذه الآلهة للنار من باب التبكيت؛ لأن الله يقول لهم: لَوْ كَانَ هَؤُلَاء آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا فانظروا إلى حالها، وما آلت إليه.

وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ أي: العابدون ومعبوداتهم كلهم فيها خالدون لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌكما قال تعالى: لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ [سورة هود:106] والزفير خروج أنفاسهم، والشهيق ولوج أنفاسهم وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ.

هذا المشهور في الشهيق والزفير، الشهيق: إدخال النفس بصوت وبقوة، الإنسان الذي يبكي بكاءً مراً، أو بكاءً شديداً، أو نحو ذلك، ويحاول أن يكتم هذا، أو أتعبه البكاء يأخذ النفس بقوة وبصوت، يظهر في الحلق والصدر، والزفير: هو إخراج النفس بقوة أيضاً وبصوت، هذا هو المشهور، ومن أهل العلم من قال -وهذا الذي اختاره الشيح محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله: إن الشهيق مثل أول صوت الحمار، والزفير كآخره، تعرفون صوت الحمار كيف يبدأ؟ وبعد ذلك يتحول، يتغير، وفي آخره يكون بصورة أخرى، فعلى كل حال هكذا قال، ولكن المتبادر أن الشهيق والزفير ما يُعرف، ما يعرفه الناس في البكاء الشديد من جذب النفس بقوة وبصوت، والزفير إخراجه بقوة وبصوت.

على كل حال ما ذكره الشيخ محمد الأمين -رحمه الله- من أن الزفير هو أول صوت الحمار، والشهيق هو آخره يحتمل، لكن هل هذا هو المتبادر؟ المتبادر -والله تعالى أعلم- أن الزفير والشهيق يستعملهما الناس في كلامهم في صوت البكاء ونحو ذلك، أو صوت النفس عموماً، إن كان له صوت يسمع لعلة، فهنا يقول: لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ [سورة هود:106] كما قال تعالى: لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيق فالزفير خروج الأنفاس، والشهيق ولوج الأنفاس.

قوله: وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ بعضهم يفسره فيقول: لَا يَسْمَعُونَ أي: لا يسمع بعضهم بعضاً لشدة الهول الذي هم فيه، وبعضهم يقول: لا يسمع بعضهم زفير وشهيق بعض، وبعضهم يقول: لا يسمعون كلاماً يؤنسهم، لا يسمعون كلاماً طيباً، لا يسمعون إلا الزجرقَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ [سورة المؤمنون:108] وبعضهم يقول: أهل النار لا يسمعون، وقوله: اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ لا يعارض هذا؛ لأن الله قد يفتح أسماعهم، أو أنهم في بعض الأوقات يسمعون وفي بعضها لا يسمعون، كما أراد الله ، متى ما أراد، فبعض أهل العلم يقول: أصلاً أهل النار لا يسمعون؛ لأن الله يقول عن الكفار: وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا [سورة الإسراء:97] هذا قبل دخولهم النار مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ [سورة الإسراء:97].

وهكذا في قوله تعالى: وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ۝ قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا ۝ قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى [سورة طـه:124-126] وقد ذكرت عند الكلام على الآية أن هذا على ظاهره، أنه يحشر يوم القيامة أعمى فعلاً حقيقة، وهكذا أولئك الذين يحشرون على وجوههم، وقد سئل عنها النبي ﷺ فأخبر أن الذي أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يحشرهم على وجوههم، فهذا كله على ظاهره، وليس المراد بأنه أعمى عن حجته، فهو ليس له حجة أصلاً، وهكذا في قوله تعالى: وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنطِقُونَ [سورة النمل:85] فهم لا ينطقون، ولا يسمعون، ولا يبصرون.

وقوله: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى [سورة الأنبياء:101] قال عكرمة: الرحمة، وقال غيره: السعادة.

على كل حال هذا يبدو -والله أعلم- غير متعارض، الرحمة أو السعادة أو الجنة، فإن الجنة هي رحمة الله  أنتِ رحمتي أرحم بك من أشاء والسعادة: لا شك أن من سبقت لهم السعادة فهم أهل الجنة، وأما من عبر عنها بأنها الجنة فهذا أوضح، فهو غير محتمل لمعانٍ أُخَر؛ ولهذا الله يقول: لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [سورة يونس:26] فالحسنى هي الجنة، والزيادة هي النظر إلى وجه الله الكريم.

أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ [سورة الأنبياء:101] لما ذكر تعالى أهل النار وعذابهم بسبب شركهم بالله، عطف بذكر السعداء من المؤمنين بالله ورسله، وهم الذين سبقت لهم من الله السعادة، وأسلفوا الأعمال الصالحة في الدنيا، كما قال تعالى: لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [سورة يونس:26]، وقال: هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ [سورة الرحمن:60] فكما أحسنوا العمل في الدنيا أحسن الله مآبهم وثوابهم، ونجاهم من العذاب، وحصل لهم جزيل الثواب، فقال: أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ۝ لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا [سورة الأنبياء:101، 102] أي: حريقها في الأجساد.

هو حريقها في الأجساد، الحسيس هو الصوت، صوت الشيء الذي يمر بك قريباً منك، أو نحو ذلك، وهذا يكون حينما تسمع الأصوات بدقة، يعني يكون هدوء، مثلاً في جوف الليل يمكن أن تسمع من يمشي بجوارك، وهو مأخوذ من الحس في أصله؛ ولهذا لا زال الناس يستعملون هذا في الإحراق في النار ببعض صوره يسمونه حسيساً، الآن حينما توضع رءوس الغنم أو نحو ذلك على النار، هذا ماذا يسمى إلى اليوم؟ يسمى حسحسة، أليس كذلك؟ يقال له هذا، فحينما تقلبها على النار تسمع أصواتاً معينة، أصوات وهي تأكل الشعور، أصوات بعض السوائل فيها تحترق، وما إلى ذلك حتى تصير في حال من اليبوسة، فالنار لها صوت وهي تأكل هذه الأشياء لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا هذا معنى ما ذكره الحافظ ابن كثير -رحمه الله، قال: أي حريقها في الأجساد، صوت احتراق الأجساد، فهذا صوت مفزع، فلا يكون لأهل الجنة راحة ولذة ونعيم وهم يسمعون هذه الأصوات، فستفزعهم قطعاً.

الإنسان إذا رأى النار في الدنيا يفزع، فكيف بنار جهنم التي يلقى فيها الشمس والقمر، شيء هائل، الإنسان أضعف من هذا، الإنسان قد لا يستطيع أن ينظر إلى منحدر، أو من علو شاهق، لا يستطيع أن ينظر إلى الأرض أحياناً، فكيف بالنار التي يلقى الشيء فيها، ويصل بعد سبعين خريفاً إلى قعرها؟! لو لم يكن فيها نار لصارت مفزعة لأجل الإلقاء فقط، أو النظر، فكيف إذا كانت تضطرم من النار بصورة دائمة لا تنقطع؟!.

وقوله: وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ [سورة الأنبياء:102] فسلمهم من المحذور والمرهوب، وحصل لهم المطلوب والمحبوب، يقال: نزلت استثناءً من المعبودين، وخرج منهم عزير والمسيح، كما قال حجاج بن محمد الأعور عن ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء عن ابن عباس: إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ [سورة الأنبياء:98] ثم استثنى فقال: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ [سورة الأنبياء:101] فيقال: هم الملائكة وعيسى، ونحو ذلك مما يُعبد من دون الله ، وكذا قال عكرمة والحسن وابن جريج.

وقال محمد بن إسحاق بن يسار -رحمه الله- في كتاب السيرة: وجلس رسول الله ﷺ فيما بلغني يوماً مع الوليد بن المغيرة في المسجد، فجاء النضر بن الحارث حتى جلس معهم، وفي المسجد غير واحد من رجال قريش، فتكلم رسول الله ﷺ فعرض له النضر بن الحارث، فكلمه رسول الله ﷺ حتى أفحمه، وتلا عليه وعليهم إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ إلى قوله: وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ [سورة الأنبياء:100] ثم قام رسول الله ﷺ، وأقبل عبد الله بن الزبعرَى السهمي حتى جلس معهم، فقال الوليد بن المغيرة لعبد الله بن الزبعرَى: والله ما قام النضر بن الحارث لابن عبد المطلب آنفاً ولا قعد، وقد زعم محمد أنا وما نعبد من آلهتنا هذه حصب جهنم، فقال عبد الله بن الزبعرى: أما والله لو وجدته لخصمته، فسلوا محمداً كل ما يعبد من دون الله في جهنم مع من عبده، فنحن نعبد الملائكة، واليهود تعبد عزيراً، والنصارى تعبد المسيح عيسى ابن مريم، فعجب الوليد ومن كان معه في المجلس من قول عبد الله بن الزبعرى ورأوا أنه قد احتج وخاصم، فذُكر ذلك لرسول الله ﷺ فقال: كل من أحب أن يُعبد من دون الله فهو مع من عبده، إنهم إنما يعبدون الشيطان، ومن أمرهم بعبادته وأنزل الله إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ۝ لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ [سورة الأنبياء:101، 102] أي: عيسى وعزير ومن عُبدوا من الأحبار والرهبان الذين مضوا على طاعة الله، فاتخذهم من يعبدهم من أهل الضلالة أرباباً من دون الله. 

ونزل فيما يذكرون أنهم يعبدون الملائكة وأنهم بنات الله وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ [سورة الأنبياء:26] إلى قوله: وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ [سورة الأنبياء:29] ونزل فيما ذُكر من أمر عيسى وأنه يُعبد من دون الله، وعجَبِ الوليد ومن حضره من حجته وخصومته وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ ۝ وَقَالُوا أَآلهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ۝ إِنْ هُو إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ ۝ وَلَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَا مِنكُم مَّلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ ۝ وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْترُنَّ بِهَا [سورة الزخرف:57-61] أي: ما وضعت على يديه من الآيات من إحياء الموتى وإبراء الأسقام، فكفى به دليلاً على علم الساعة، يقول: فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ [سورة الزخرف:61]. 

وهذا الذي قاله ابن الزبعرى خطأ كبير؛ لأن الآية إنما نزلت خطاباً لأهل مكة في عبادتهم الأصنام التي هي جماد لا تعقل؛ ليكون ذلك تقريعاً وتوبيخاً لعابديها؛ ولهذا قال:إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ [سورة الأنبياء:98] فكيف يورد على هذا المسيح وعزير ونحوهما ممن له عمل صالح ولم يرضَ بعبادة من عبده؟!

على كل حال هذه الراوية من طريق محمد بن إسحاق، وهي لا تصح من جهة الإسناد، ولكن الروايات التي وردت في سبب النزول بهذا المعنى كثيرة، وهذه الروايات متفاوتة، لكن مجموع هذه الروايات يقوي بعضه بعضاً، فأصل ذلك صحيح، ويصح أن يقال: إن سبب النزول هو هذا الإيراد والاحتجاج الذي حصل، والاعتراض على رسول الله ﷺ، فنزلت الآية بسبب ذلك، وإن كانت آحاد هذه الروايات قد لا تصح، وإنما تعتضد بغيرها.

والكلام الذي ذكره الحافظ ابن كثير -رحمه الله- هنا في الرد عليهم يتضمن أمرين، أما الرواية فإن فيها الاستثناء الواضح الصريح إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ [سورة الأنبياء:101] لكن ما ذكره بعده، قال: لأن الآية إنما نزلت خطاباً لأهل مكة في عبادتهم الأصنام التي هي جماد لا تعقل، في هذين السطرين جوابان: 

الجواب الأول: أن هذا خطاب لأهل مكة فلا يرِد عليه مَن عبَد المسيح ومَن عبَدَ العُزير، فلا يقول قائل منهم: إذاً نحن مع المسيح ومع العزير، لكن هذا الجواب يرد عليه إيراد وهو أن من العرب من عبد الملائكة، وجاء هذا في بعض الروايات أنهم قالوا: عبدنا الملائكة، فهل الملائكة معنا؟

والجواب الثاني المضمن في كلام ابن كثير -رحمه الله: أن (ما) لما لا يعقل إِنَّكُمْ وَمَا والملائكة والعزير وعيسى -عليهم الصلاة والسلام- هؤلاء ممن يعقل، فذلك لا يتناولهم، وإنما يتناول هذه المعبودات التي عبدها المشركون من الأوثان ونحو ذلك، وهذا حاصل كلام ابن كثير -رحمه الله، فصارت هذه هي الأجوبة المضمنة في كلامه، ولم يكن ذلك لابن كثير وحده، بل ذكر جماعة من أهل العلم هذه الردود والأجوبة على المشركين، منهم الحافظ ابن القيم -رحمه الله، لكن يكفي أن يقال: إن المقصود كل ما عبد من دون الله وهو راضٍ بهذه العبادة، سواء أمر بها أو رضي، فيدخل فيه من عُبد من البشر، البشر الذين يُقدَّسون من المقبورين أو من الأحياء، إذا كانوا يرضون بهذا، فالشاهد أن هذا هو المراد، والعلم عند الله .

وقوله: لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ [سورة الأنبياء:103] قيل: المراد بذلك الموت، رواه عبد الرزاق عن يحيى بن ربيعة عن عطاء، وقيل: المراد بالفزع الأكبر النفخة في الصور، قاله العوفي عن ابن عباس، و أبو سنان سعيد بن سنان الشيباني، واختاره ابن جرير في تفسيره.

على كل حال هذا هو الأقرب وليس الموت، الموت ليس هو الفزع الأكبر، إنما الفزع الأكبر ما يكون بالنفخ في الصور، والعلماء -رحمهم الله- مختلفون في عدد المرات التي ينفخ فيها في الصور، فالمشهور أنهما نفختان، نفخة الصعق وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ [سورة الزمر:68] ونفخة البعث، بعض العلماء يقول: هما نفختان، وبعض العلماء يقول: هناك نفخة ثالثة هي المشار إليها بقوله: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ فهذه يسمونها نفخة الفزع.

فعلى كل حال هنا في قوله -تبارك وتعالى: لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ الفزع الأكبر: هو النفخ في الصور، وهذا ما يدل عليه القرآن كما في قوله -تبارك وتعالى: وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ [سورة النمل:87]، وكما في قوله: وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ [سورة سبأ:51]، وهكذا في قوله: مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ [سورة النمل:89] فهذا كله بعد النفخ في الصور.

وقوله: وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ يعني تقول لهم الملائكة تبشرهم يوم معادهم إذا خرجوا من قبورهم: هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ أي: فأملوا ما يسركم.

نعم وهذا يدل عليه أيضاً قوله -تبارك وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ۝ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُم ْفِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ۝ نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ [سورة فصلت:32]

وهكذا في قوله تعالى: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [سورة النحل:32] فهذا كله يدل على أن ذلك يكون في الآخرة، مع أن أهل الإيمان لهم نصيب من هذا المعنى في الدنيا؛ لأن الله يقول: الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ [سورة الأنعام:82] فإن المشركين الذين عبدوا الكواكب، وخاصموا إبراهيم ﷺ، وخوفوه من آلهتهم، قال لهم إبراهيم -عليه الصلاة والسلام: وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كنتُمْ تَعْلَمُونَ [سورة الأنعام:81]

قال الله: الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ [سورة الأنعام:82] ثم قال: وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ [سورة الأنعام:83]

فمن أهل العلم -كما سبق في الكلام على قواعد التفسير- من يقول: إن هذا من كلام الله  فصل بين الفريقين الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ وبعضهم يقول: هذا من تمام كلام إبراهيم -عليه الصلاة والسلام، وأياً ما كان فهو قول حق، فهم لما خوفوه من آلهتهم أن تُخبله، أو أن تقتله، أو أن تلحق به ضرراً قال: الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وهُم مُّهْتَدُونَ فهذا الأمن حاصل في الدنيا، وحاصل في الآخرة، فلهم من الأمن والاهتداء على قدر ما عندهم من الإيمان الموصوف بهذه الصفة الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ.

وسبق الكلام على هذا عند قاعدة: الحكم المعلق على وصف يزيد بزيادته وينقص بنقصانه، وعند قاعدة أخرى وهي: الكلام على الموصول لفظاً والمفصول معنىً، والله أعلم.

  1. مسند أحمد رقم (22331)، وقال محققوه: إسناده ضعيف.
  2. مسند أحمد رقم (11219)، وقال محققوه: حديث صحيح.
  3. صحيح البخاري، كتاب الحج، باب قول الله تعالى: جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس... رقم (1516).

مواد ذات صلة