الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته نرحب بكم جميعًا أيها الأحبة، وأسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل هذا المجلس خالصًا لوجهه الكريم مقربًا إلى مرضاته وأن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته.
نحمد الله تبارك وتعالى على التيسير والإعانة أن وفقنا وهدانا وأولانا وأعطانا، فالاشتغال بالعلم نعمة تستوجب الشكر وكثير من الناس لا يوفق وقد لا يعان وقد لا يصبر، العلم يحتاج إلى صبر، وبالصبر تنال المطالب العالية سواء كان ذلك في باب العلم أو العمل، أو ما يعقب ذلك من الجزاء.
وأسأل الله أن يرزقنا وإياكم علمًا نافعًا.
هذا المجلس سنعرض فيه إن شاء الله لثلاثة عشر مصنفًا من المصنفات في باب: "الملل والنحل والفرق"، وهي تتضمن الكتب المعتمدة التي هي المراجع الأصلية في هذا الباب وزيادة، وهذه الكتب منها ما هو متقدم ومنها ما هو معاصر، وهي:
الكتاب الأول: "الملل والنحل" للشهرستاني.
الكتاب الثاني: "الفرق بين الفِرق" للبغدادي.
الكتاب الثالث: "الفِصل الملل والأهواء والنحل" لأبي محمد بن حزم.
الكتاب الرابع: "مقالات المسلمين أو مقالات الإسلاميين" لأبي الحسن الأشعري.
وهذه الكتب الأربعة هي المراجع الأصلية، وسيكون الكلام عليها بشيء من التفصيل إن شاء الله تعالى؛ لأنها تستحق ذلك، وما عداها سأعرف به تعريفًا يحصل به المقصود من غير إخلال إن شاء الله بما يتفق مع الوقت.
الكتاب الخامس: "التنبيه والرد"، للملطي رحمه الله.
الكتاب السادس: "اعتقاد فرق المسلمين والمشركين"، للفخر الرازي.
الكتاب السابع: "البرهان في معرفة عقائد أهل الأديان" للسكسكي.
الكتاب الثامن: "الموجز في الأديان والمذاهب المعاصرة"، وهذا من الكتب المعاصرة للدكتور/ القفاري، والدكتور/ ناصر العقل
الكتاب التاسع: "دراسات في الفرق" للدكتور/ صابر طعيمه.
الكتاب العاشر: "فرق معاصرة تنتسب للإسلام وبيان موقف الإسلام منها"، للدكتور/ غالب العواجي.
الكتاب الحادي عشر: "خبيئة الأكوان"، لصديق حسن خان رحمه الله.
الكتاب الثاني عشر: "الموسوعة الميسرة" وهو معروف لديكم جميعًا.
الكتاب الأخير الثالث عشر: "مذاهب الإسلاميين" للدكتور/ عبد الرحمن بدوي.
هذه الكتب التي سنعرض لها إن شاء الله ونسأل الله الإعانة والتوفيق وأن يبارك لنا في الوقت:
وهذا الكلام يحتاج إلى تقييد وكتابة؛ لأنه يتضمن أشياء يُحتاج إلى ضبطها وتدوينها.
أهمية دراسة الأديان والفرق
أبدأ أولًا: بالكلام على أهمية دراسة الأديان والفرق، يعني دراسة هذه الموضوعات ابتداء، وهذا لا يخفى إذ بذلك تتجلى حقيقتها، ولهذا حدثنا القرآن الكريم عن كثير من أحوال الأمم والطوائف.
وحينما نتحدث عن هذه المؤلفات ونعرف بها ونذكر ما لها وما عليها، فبهذا يحصل تقويم هذه المصادر والدراسة لها بصورة علمية، وهذا أمر معلوم الأهمية في سائر الموضوعات، يعني دراسة المصنفات في أي باب من الأبواب في الفقه في التفسير أصول التفسير وعلوم القرآن وعلوم الحديث، وما أشبه ذلك هذا كله لا تخفى أهميته فيتعرف الدارس على هذه المصنفات.
لا سيما أن هذه الموضوعات التي ندرس ما صُنف فيها أو بعض ما صنف فيها هي في غاية الخطورة، هي تتحدث عن الملل والأديان والفرق والأهواء.
وهؤلاء الذين صنفوا قديمًا والتصنيف فيها كان منذ وقت مبكر، منذ زمن بعيد، لربما في القرن الثالث الهجري، وكثير من المصنفين كانوا من أهل الأهواء من المعتزلة، وطوائف المتكلمين كالأشاعرة، بل رءوس الفرق أحيانًا يؤلفون بهذا يعني الذين تنسب إليهم فرق صنفوا في هذا، وكذلك أيضًا جاء بعض أتباعهم الكبار فصنفوا فيها المعتزلة، والرافضة، والأشاعرة، والخوارج، وغير هؤلاء.
فالدارس لهذه الكتب يحتاج أن يعرف ما في مضامينها من أجل أن لا يلتبس عليه الحق بالباطل، هذا بالإضافة إلى أنهم ضمنوا في كثير من الأحيان عقائدهم ومذاهبهم في هذه المصنفات بطريقة تُشعر الدارس أن هذا هو الحق، وأن ما عداه انشعاب وافتراق وانحراف عن هذا الأصل الذي هو الحق.
وأما هؤلاء فتفرقوا عنه، وهذا في غاية الخطورة.
وأيضًا هؤلاء حينما يوردون هذه المعلومات كما سيأتي إن شاء الله الغالب أنهم ينقلون من كتب الخصوم، يعني لا ينقلون في الغالب من كتب الطائفة نفسها، وإنما يكتبون وينقلون من كتب لربما صنفها مخالفون، يعني حينما يتحدثون مثلًا عن الكرامية، وعلى سبيل المثال ينقلون من كتب ألفها معتزلة، وأشاعرة وهم خصوم الداء لهؤلاء الكرامية كل هذه طوائف منحرفة لكن الله أمر بالعدل.
وشيخ الإسلام رحمه الله نبه إلى هذا، بل نبه إلى ما هو أبعد من هذا في نقل المذاهب الفقهية أن كثيرًا من الناقلين لها لربما لا ينقلها على وجهها الصحيح، فينسب لهذه المذاهب وللأئمة ما ليس من أقاويلهم.
وأيضًا ما يشير إليه مما قد يأتي إن شاء الله من أن هؤلاء لربما يذكرون القولين، والثلاثة، والأربعة، ويتحدثون عنها ويناقشونها ويرجحون بينها وليس بينها قول أهل السنة والجماعة، لا يعرفونه أصلًا، ولربما بعضهم يذكر أهل السنة على أنه من جملة الأقوال المنحرفة، أقوال أهل البدع والضلال.
وبعض هذه الكتب تتضمن أحكامًا ومناقشات، وهذه المناقشات فيها ما فيها من العوج والإشكال، ولربما الأحكام بالكفر، ونحو ذلك.
وهذا أمر في غاية الخطورة، فالتكفير عند كثير من هؤلاء المتكلمين من المعتزلة والأشاعرة فضلًا عن الخوارج والرافضة يتوسعون فيه جدًا، ولربما حكموا على كل من خالفهم بأنه كافر، ولو خالفهم في مسائل جزئية.
وفي النية إن شاء الله إذا يسر الله أن أتحدث في أيام أخرى عن التكفير عند المنحرفين من الطوائف، كثير من الناس يظن أن العقلانيين أو من يقدمون العقل على النقل كالمعتزلة، وطوائف المتكلمين أن هؤلاء عندهم من السماحة ما ليس عند غيرهم، وأنهم يمثلون التسامح الحقيقي في الإسلام، هكذا يظن البعض أن المعتزلة يمثلون هذا، أن الأشاعرة يمثلون هذا والواقع أنهم لا يمثلونه لا من قريب ولا من بعيد فالتكفير عندهم من أسهل الأشياء.
وسأعقد مقارنة إن شاء الله تعالى بين كلامهم وبين كلام الأئمة كالإمام أحمد رحمه الله، وشيخ الإسلام العلم ابن تيمية رحمه الله والإمام شيخ الإسلام العلم محمد بن عبد الوهاب رحمه الله كيف أن هؤلاء يتحرزون غاية التحرز في هذه المسألة، ويضبطونها بالضوابط الشرعية العلمية بدقة حتى لا يضلل الناس، فالتلبيس في هذه الأوقات كثير، والدعاية للفرق المنحرفة الضالة التي يريد أعداء الإسلام لها أن تنتشر، وأن تكون بديلًا للإسلام الصحيح.
هؤلاء يزعمون أن هؤلاء الأئمة الكبار أئمة الهدى أنهم غلاة، وأنهم يبالغون في التكفير ونحو ذلك، وهذا الكلام فرية لا حقيقة لها أبين ذلك إن شاء الله بكلامهم وأقوالهم، وأنقل أقوال المخالفين حتى من كتب الفقه في باب أحكام المرتد من غير الحنابلة كما يقولون؛ ليعرف الناس هذه الكِذبة الكبيرة التي يراد لها أن تروج.
هذه الكتب التي ذكرتها اعتمدت فيها على الطبعات التي عندي، وكان هذا الجرد في حدود سنة ألف وأربعمائة وثمانية عشر للهجرة، وما قُدر لها أن تقدم وتلقى على مسامعكم، ففي كل مرة يصرف عنها صارف، والآن أسأل الله أن ينفع بها لكن الطبعات التي اعتمد عليها بالنسبة لكتب المعاصرين هي الطبعات التي كانت في ذلك الوقت، وأظن أن عامتها إن لم يكن جميع تلك الطبعات هي الطبعة الأولى لا أدري هل طبعت الكتب بعد ذلك طبعات أخرى وحصل فيها زيادة ونقص وتعديل لا أعلم لكن هكذا كان أتحدث عن طبعات كانت في ذلك الوقت.
بعد ذلك مما يذكر بين يدي هذا الموضوع هو الإشارة إلى طريقة الوقوف على منهج المؤلف إذا أردنا أن ندرس كتابًا.
فهناك طريقة هي طريقة وصفية، كما يقال أن تقرأ مقدمة الكتاب وغالبًا ما يكون المصنف قد ذكر طريقته ومنهجه، وما يذكره في هذا الكتاب، وكذلك استعراض الكتاب من أوله إلى آخره، فيقال: قسمه على أربعة أبواب مثلًا، وذكر تحت كل باب فصلًا من الفصول، ثم تحدث عن الموضوع أو الموضوعات الفلانية، وهكذا، توصيف للكتاب وهذه طريقة سهلة.
الطريقة الثانية: هي الطريقة أو الدراسة النقدية، أن تقرأ مقدمة الكتاب، وتقف على ما قاله المؤلف بأنه يلتزم بكذا وكذا، وذكر كذا وكذا ثم بعد ذلك تقرأ الكتاب وتنظر هل التزم بهذه الأمور أو خالفها، هل وفى بها، وكذلك هذه المعلومات التي ينقلها هل ينقلها من المصادر الأصلية، وهل ينقلها بأمانة بدقة ترجع إلى المصادر وتقارن كلامه، وكذلك النصوص التي يوردها من الأحاديث، والآثار هل يلتزم الصحة، وتدرس هذه النصوص.
وكذلك أيضًا التجرد في النقل والحكم، ونحو ذلك.
هذا كله يحتاج إلى دراسة ومقارنة هل يعزو في النقولات التي يوردها عن غيره، أو أنه ينقل كلام غيره دون أن يضيفه إليه ما يسمى بالأمانة العلمية مثلًا، هذه كلها في الدراسة النقدية، وهذه الطريقة أصعب هذا في دراسة، أي كتاب في أي فن من الفنون.
وهذه الدراسة التي بين أيدينا الكتب التي نعرض لها هذه يحتاج إليها كل من يقرأ يعني لا تحتاج إلى طالب علم متخصص؛ لأن معرفة المذاهب والفرق والأديان ونحو ذلك هذه قد صنف فيها كتب كثيرة، وهي في متناول الجميع في الشبكة، وفي غيرها.
وكذلك أيضًا الناس بحاجة إلى رجوع واطلاع ومعرفة فيقرؤون عن الأديان، أو يقرؤون عن بعض المذاهب، ونحو ذلك، فلا بد لهم من معرفة هذه الكتب ما الذي يقتنونه! ما مزايا هذا الكتاب، وما هي الأمور الذي ينبغي أن يتنبه لها بحيث لا يقع الإنسان في إشكالات لربما توجد فيه، أو في غيره.
ملاحظات عامة على كتب الفرق
هناك ملحوظات عامة على كتب الفرق والمقالات والمذاهب والملل والأديان لا تختص بكتاب معين، وهي:
الملاحظة الأولى: الحاجة إلى توثيق المعلومات: المعلومات التي في مضامينها تحتاج إلى توثيق، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه "المنهاج منهاج السنة" أن ما ينقله الشهرستاني وأمثاله من المصنفين في "الملل والنحل" عامته مما ينقله بعضهم عن بعض، وكثير من ذلك لم يحرر فيه أقوال المنقول عنهم، ولم يذكر الإسناد في عامة هذا المنقول، بل ينقل من كتب من صنف المقالات قبله كأبي عيسى الوراق، يقول: "وهو من المصنفين للرافضة المتهمين في كثير مما ينقلونه"، هذا مرجع للأسف لكثير من المؤلفين في هذا الباب، "وكأبي يحيى، وغيره من الشيعة، وينقل أيضًا من كتب بعض الزيدية والمعتزلة الطاعنين في كثير من الصحابة رضي الله تعالى عنهم"[1].
يقول: "وقد رأيت كثيرًا من كتب أهل المقالات التي ينقلون فيها مذاهب الناس ورأيت أقوال أولئك، -يعني في مصنفاتهم- فرأيت فيها اختلافًا كثيرًا"[2]، يعني أن هذه الأقوال لم تنقل بدقة فالاعتماد على كتب المقالات في معرفة مذاهب المخالفين هذا يحتاج إلى شيء من التدقيق والتحرير وليس كما ينقل بإطلاق.
وذكر أيضًا كما في مجموعة الرسائل بأن المصنفين في المقالات ينقلون كثيرًا من المقالات من كتب المعتزلة كما نقل الأشعري يعني في كتابه الذي سندرسه إن شاء الله مقالات المسلمين أو مقالات الإسلاميين، وهكذا غيره ينقلون من كتب المعتزلة[3]، فإنهم من أكثر الطوائف، وأولها تصنيفًا في هذا الباب، للأسف الشديد لذلك قلت لكم: بأن ذلك كان في وقت مبكر من أوائل المصنفين، يعني لربما في أوائل القرن الرابع الهجري، أو في القرن الثالث الهجري.
الملاحظة الثانية: أن هذه الكتب في المقالات غير كتب المعاصرين كتب المتقدمين تكاد تخلو من بيان عقيدة السلف، إما بعدم ذكرها أصلًا أو بذكرها مشوهة، وعليه فهذه الكتب لا تعد مصادر موثوقة لنقل عقيدة أهل السنة والجماعة إطلاقًا، أعني الكتب المتقدمة إلا ما ندر، كما سيأتي إن شاء الله.
وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله في "درء التعارض بين العقل والنقل" بأن كثيرًا منهم يذكر أقوالًا متعددة، والقول الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وكان عليه سلف الأمة لا يذكره، ولا يعرفه، يقول: "وهذا موجود في عامة الكتب المصنفة في المقالات والملل والنحل، مثل كتاب: أبي عيسى الوراق، والنوبختي، وأبا الحسن الأشعري، والشهرستاني: تجد هؤلاء يذكرون من أقوال اليهود والنصارى والفلاسفة وغيرهم من الكفار ومن أقوال الخوارج والشيعة والمعتزلة والمرجئة والكلابية والكرامية والمجسمة، والحشوية، أنواعًا من المقالات.
والقول الذي جاء به الرسول ﷺ وكان عليه الصحابة والتابعون وأئمة المسلمين لا يعرفونه ولا يذكرونه.
بل وكذلك في كتب الأدلة والحجج التي يحتج بها المصنف للقول الذي يقول: إنه الحق تجدهم يذكرون في الأصل العظيم قولين أو ثلاثة أو أربعة أو أكثر من ذلك وينصرون أحدها، ويكون كل ما ذكروه أقوالًا فاسدة، مخالفة للشرع والعقل.
والقول الذي جاء به الرسول ﷺ وهو الموافق لصحيح المنقول والمعقول لا يعرفونه ولا يذكرونه، فيبقى الناظر في كتبهم حائرًا ليس فيما ذكروه ما يهديه ويشفيه ولكن قد يستفيد من رد بعضهم على بعض علمه ببطلان تلك المقالات كلها"[4].
هذا يرد على هذا وهذا وهم كلهم أهل باطل فيعرف بطلان ما عليه هؤلاء من رد هؤلاء، وبطلان ما عليه هؤلاء من رد هؤلاء.
وذكر أيضًا في المنهاج "منهاج السنة" بأن: "غالب كتب أهل الكلام والناقلين للمقالات"، يعني كتب المذاهب والفرق التي ندرسها، "ينقلون في أصول الملل والنحل من المقالات ما يطول وصفه، ونفس ما بعث الله به رسوله ﷺ، وما يقوله أصحابه والتابعون لهم في ذلك الأصل الذي حكوا فيه أقوال الناس، لا ينقلونه لا تعمدًا منهم لتركه، بل لأنهم لم يعرفوه، بل ولا سمعوه؛ لقلة خبرتهم بنصوص الرسول ﷺ وأصحابه والتابعين"[5]، وذكر نحوًا من هذا أيضًا في "درء تعارض العقل والنقل"[6].
الملاحظة الثالثة: ما يتعلق بكتب المقالات وحديث الافتراق: افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة[7]، هذا الحديث المشهور في باب الافتراق.
يمكن أن نصنف مواقف المؤلفين في الفرق من هذا الحديث إلى ثلاثة أصناف:
الصنف الأول: من لم يتعرض له أصلًا كأبي الحسن الأشعري في كتابه المقالات مقالات المسلمين، وكذلك أيضًا الفخر الرازي.
الصنف الثاني: وهم من ردوا الحديث وضعفوه أصلًا كابن حزم[8]، بل زعم أحد المعاصرين وهو الدكتور/ عبدالرحمن بدوي أنه موضوع[9].
الصنف الثالث: من أخذ به وبنى عليه كتابه كالبغدادي في كتاب: "الفرق بين الفرق" والاسفراييني، وكذلك كأبي المعالي الحسيني في "بيان الأديان"، يعني بعض المؤلفين جعله أصلًا للكتاب ما هذه الفرق التي افترقت في هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة؟.
هنا تنبيه فيما يتعلق بالحديث أن المحققين من أهل العلم لا يُعنون بتشعيب هذه الفرق إلى ثلاث وسبعين إنما يذكرون الأصول الكبار، فغالبهم يذكر أربعة أصول للفرق فيقول: منها تشعبت، فقد تظهر فرق في المستقبل، وهذا في علم الغيب، وبعضهم يحاول أن يصل إلى هذا الرقم إلى ثلاث وسبعين فرقة لكنهم يضطربون ولا يتفقون، فهذه الفرق بعضها يتداخل يعني الفرقة الواحدة تنقسم إلى فرق كثيرة، يعني ذكروا في المعتزلة مثلًا أنها انقسمت إلى ثنتي عشرة فرقة، الخوارج قالوا: انقسمت إلى ثنتي عشرة فرقة، الشيعة قالوا: انقسمت إلى ثنتي عشرة فرقة، وهكذا وقد يكون أكثر من هذا.
ولا زالت تنشعب وتتفرق هذه الطوائف؛ لأنها ليست على الحق، ولو كانت على الحق لكانت واحدة، ولذلك ذكروا في أهل السنة العلماء كالأصبهاني[10]، والسمعاني[11]، وغير هؤلاء بأن من أوصاف أهل السنة أنهم على قول واحد، تجد أولهم وآخرهم يصدرون عن قول واحد من مشكاة واحدة هي مشكاة الوحي يصدرون عنها الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح، ولذلك على اختلاف أزمانهم وافتراق بلدانهم يعني ما قابل بعضهم بعضًا هذا في المشرق وهذا في المغرب قولهم واحد، لا يتفرقون ولا يختلفون؛ لأن المصدر واحد.
أما هذه الفرق فاختلفت مصادرها فاختلفت مذاهبها، فالذين يعتمدون على العقل لكل واحد منهم عقل، وهذا العقل يختلف عن العقل الآخر، فيكثر الاختلاف بينهم، وهكذا الذين يعتمدون على أمور أخرى مما يسمونه بالإلهام، أو الرؤى والمنام، أو الأكاذيب التي يضيفونها إلى بعض الأئمة ونحو ذلك، هؤلاء يفترقون كثيرًا لكل واحد منهم رأي.
فنحمد الله أن هدانا للسنة، ونسأل الله أن يثبتنا عليها إلى أن نلقاه.
الجانب الآخر فيما يتعلق بحديث الافتراق لما قال النبي ﷺ: كلها في النار، ذكر أهل العلم كالشاطبي[12] وغيره بأن ذلك لا يعني الخلود في النار، وإنما أن هؤلاء متوعدون في النار لوقوعهم في الانحراف والضلالة لكن لا يعني أنهم يخلدون فيها، فقد يعذبون ويخرجون منها، كذلك أيضًا هؤلاء من جهة الآحاد يعني الأفراد يختلفون ليسوا على سنن واحد، وعمل واحد، واعتقاد واحد، فبعضهم قد لا يعتقد كل ما يقال، ولذلك من الخطأ أن يجمع ما عند الطائفة الكبيرة التي تتفرع عنها مدارس وفرق فيجمع ما عند هذه المدارس وهذه الفرق مما لا يتفقون عليه أصلًا بل بعضهم قد يكفر بعضًا كما هو معلوم طوائف المعتزلة بعضهم يكفر بعضًا، وهكذا طوائف الخوارج يكفر بعضهم بعضًا، وذكرت لكم في العبر من التاريخ أشياء من حروب طاحنة بين الخوارج وكثير من زعماء الخوارج الكبار قُتل على أيدي الخوارج، فهم يكفر بعضهم بعضًا، كذلك طوائف الشيعة، وغير هؤلاء.
فمن ثم ليس من العدل أن يجمع كل ما ينسب إلى هذه الطائفة الكبيرة التي تمل على طوائف متناحرة أن يجمع أسوأ ما عندهم ويقال: هؤلاء هم الطائفة الفلانية لا بعض هؤلاء لا يقر بهذا، ويرى أنه ضلال أو كفر انحراف، فكيف ينسب إلى جميعهم مثل هذا القول والرأي، هذا سواء كان في المعتزلة، أو في طوائف المتكلمين من الأشاعرة والماتريدية.
وكذلك أيضًا الصوفية فهم أيضًا كما هو معلوم طرق كثيرة جدًا، بعضهم غلاة، وبعضهم بين بين، وبعضهم دون ذلك، فلا يجمع أسوأ ما عند الصوفية بطوائفهم المختلفة ويضاف إلى الصوفية جميعًا ويقال: هؤلاء هم الصوفية فالله أمر بالعدل، وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا [الأنعام:152] ولو كان المقول فيه ممن نخالفه فنحن مأمورون بلزوم العدل، ولا ينسب لأحد قولًا لم يقله ولم يعتقده، ولا ننقل أيضًا عنه شيئًا مما قاله خصومه فيه، فهذا خلاف ما أمر الله تبارك وتعالى به: وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ [المائدة:8]، يعني البغض والعداوة لهؤلاء الناس عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا [المائدة:8].
الكتب المتعلقة بالفرق
وفيما يتعلق بالمؤلفات بهذا الموضوع تتنوع من حيث جوانب الدراسة على النحو الآتي:
أولًا: الكتب التي تقتصر على الفرق المنتسبة في الإسلام: يعني هذه المؤلفات بعضها اقتصر فقط على الكتب التي تنتسب للإسلام ولم يتعرض للأديان كاليهودية، والنصرانية، والبوذية، والهندوسية، ونحو ذلك، أو المذاهب القديمة كالمزدكية، ونحو ذلك مذاهب الفرس، إنما اقتصر على مذاهب التي تنتسب إلى الإسلام، الفرق التي تنتسب إليه، فمن هذه الكتب من هذا النوع:
كتاب: "الفرق الكلامية الإسلامية مدخل ودراسة" للدكتور/ علي عبد الفتاح المغربي هذا مطبوع سنة ألف وأربعمائة وسبعة.
كذلك أيضًا كتاب: "الفرق المتفرقة بين أهل الزيغ والزندقة" لعثمان العراقي هذا مطبوع محقق.
وكذلك كتاب: "الفرق الإسلامية وهو ذيل لكتاب "شرح المواقف للكرماني"، هذا محقق مطبوع سنة ثلاث وسبعين ميلادية.
وكتاب: "تاريخ الفرق دراسة نقدية مقارنة"، للدكتور محمد أحمد عبد القادر مطبوع سنة خمسة وثمانين ميلادي.
وكتاب:"تاريخ الفرق الإسلامية ونشأة علم الكلام عند المسلمين"، لعلي مصطفى الغرابي.
وكتاب: "دراسات في الفرق"، للدكتور صابر طعيمه.
وكتاب: دراسات في الفرق والمذاهب القديمة والمعاصرة لعبد الله الأمين هذه كلها مطبوعة.
وكتاب: "ذكر مذاهب الفرق الثنتين والسبعين المخالفة للسنة والمبتدعين"، لعبد الله اليافعي.
وكتاب: في علم الكلام دراسة فلسفية لآراء الفرق الإسلامية في أصول الدين"، لأحمد صبحي.
وكتاب: معجم الفرق الإسلامية للشريف يحيى الأمين.
وكتاب: "المقالات"، لأبي منصور الماتريدي.
وكتاب: الفرق بين الفرق للحسين بن علي الكرابيسي لاحظ هذا متوفى سنة مائتين وخمس وأربعين للهجرة يعني منتصف القرن الثالث الهجري، وهو من أهل الكلام .
وكتاب: "المقالات"، لمحمد بن هارون الوراق المعتزلي الرافضي، هذا شيخ ابن الراوندي هذا متوفى سنة مائتين وسبع وأربعين للهجرة، يعني منتصف القرن الثالث الهجري، هذا الذي ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية ابن الوراق.
كتاب: "المقالات"، لليمان بن رباب الخارجي لاحظ الخوارج معتزلة أهل كلام يؤلفون في هذه الموضوعات.
كتاب: "مقالات الإسلاميين"، للكعبي المعتزلي.
كتاب: "المقالات والفرق"، لسعد بن عبد الله بن أبي خلف الأشعري القمي هذا مطبوع في ظهران سنة ثلاث وستين ميلادي، ألف وتسعمائة وثلاث وستين.
كتاب: "فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام وبيان موقف الإسلام منها"، للدكتور غالب العواجي هذا مطبوع في مجلد كما سيأتي إن شاء الله.
وهناك مؤلفات أخرى للبيروني، وابن أبي الحديد، وغير هؤلاء هذه فقط في الفرق التي تنتسب إلى الإسلام.
ثانيًا الكتب التي تذكر الأديان والفرق: مثل كتاب: "البرهان في معرفة عقائد أهل الزمان"، لأبي الفضل السكسكي، هذا مطبوع سنة ألف وأربعمائة وثمانية.
وكتاب: "الملل والنحل"، للشهرستاني، وهو من الكتب التي سنتحدث عنها إن شاء الله.
وكتاب: "الفصل أو الفِصل في الملل والأهواء والنحل"، لابن حزم.
وكتاب: "الديانات والعقائد في مختلف العصور"، لأحمد عبدالغفور عطار، هذا مطبوع سنة ألف وأربعمائة وواحد.
وكتاب: "المدخل إلى دراسة الأديان والمذاهب"، للعميد عبدالرزاق بن محمد، مطبوع سنة ألف وأربعمائة وواحد.
وكتاب: "المرشد الأمين إلى اعتقادات فرق المسلمين والمشركين"، لطه عبدالرؤوف سعد ومصطفى الهواري، هذا مطبوع في سنة ألف وثلاثمائة وثمان وتسعين للهجرة.
وكتاب: "التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع"، للملطي.
وكتاب: "الأديان والفرق والمذاهب المعاصرة"، لعبدالرزاق شيبة الحمد.
وكتاب: "المقالات في أصول الديانات المسائل"، و"العلل في المذاهب والملل"، كلاهما للمسعودي الشيعي المعتزلي أيضًا.
وله أيضًا كتاب: "الإبانة عن أصول الديانة".
ثالثًا: الكتب التي تقتصر على دراسة فرقة واحدة، أو فرقتين، أو ديانة واحدة: أو نحو ذلك وهذه كثيرة جدًا على سبيل المثال
"فرق الشيعة" للحسن بن موسى النوبختي هذا طبع سنة ألف وأربعمائة وأربعة
كتاب: "دراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين الخوارج والمعتزلة"، أحمد جلي
كتاب: "محاضرات في النصرانية"، لأبي زهرة رحمه الله
وهكذا كتب كثيرة كتب الشيخ إحسان إلهي ظهير رحمه الله كان يفردوا في كل طائفة منها مصنفًا، وهي مطبوعة.
رابعًا: الكتب التي تقتصر على دراسة فرق أو أديان في بلد معين أو في عصر محدد: مثل:
كتاب: "الفرق الإسلامية في بلاد الشام في العصر الأموي" للدكتور/ حسين عطوان، هذا مطبوع سنة ست وثمانين ميلادية.
كتاب: "أديان الهند الكبرى"، لأحمد شلبي.
كتاب: "الموسوعة الميسرة"، هذا من إصدارات الندوة العالمية، هذا يتحدث عن العصر الحديث يعني ما يوجد في العصر الحديث من الأديان والمذاهب والفرق وتيارات ونحو ذلك.
كتاب: "فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام"، للدكتور/ غالب العواجي.
كتاب: "مذاهب فكرية معاصرة" للأستاذ/ محمد قطب
كتاب: "الموجز في الأديان والمذاهب المعاصرة" للدكتور/ القفاري والدكتور ناصر العقل يعني بعضهم يقتصر على العصر الحديث فقط يعني ما يوجد منها في هذا العصر التي اندثرت لا يعرضون لها.
خامسًا: الكتب التي تقتصر على دراسة الأديان فقط، مثل:
كتاب: "الأديان في القرآن"، لمحمود الشريف.
كتاب: "في مقارنة الأديان بحوث ودراسات"، لمحمد الشرقاوي.
كتاب: "بيان الأديان"، لمحمد الحسيني العلوي.
وكتاب: "مقارنة الأديان"، لأبي زهرة.
وكتاب: "أديان العالم الكبرى"، لحبيب سعيد.
فمن أراد أن يقتني أو يرجع أو يبحث أو نحو ذلك الكتب متنوعة فيحتاج أن يعرف يعني قد يشتري كتابًا، أو يقتني مصنفًا في الفرق في العصر الحديث فيبحث عن فرق قديمة لا يجدها، فلا يكون ذلك نقصًا في الكتاب، أو عيبًا فيه، وإنما ذلك على شرط المؤلف، قد يتحدث عن عصر من العصور، فلا يجد بعض الفرق التي اندثرت أو التي جاءت بعده، أو في بلد معين.
كذلك قد تكون الدراسة للمذاهب والفرق المنتسبة للإسلام، فلا يبحث عن اليهودية والنصرانية والبوذية، ونحو ذلك يقول: لِم لَم يذكر هذه الكتب مثل ما ذكرها فلان وفلان.
نبدأ بدراسة هذه الكتب، وسأبدأ من الكتب المتقدمة بالأهم وهي المراجع الأصلية التي سأبسط القول فيها بعض البسط بما يتفق مع الوقت إن شاء الله تعالى، وهي أربعة، الكتب التي عليها العمدة في هذا الباب كمراجع أساسية هي ثلاثة أو أربعة من الكتب المتقدمة، وسأبدأ بها من حيث الأهمية في نظري:
فأول ذلك كتاب: "الملل والنحل"، للشهرستاني، بالنسبة للمؤلف مع شهرته إلا أن المصادر التي ترجمت له قليلة جدًا، وهو محمد بن أبي القاسم عبد الكريم بن أبي بكر أحمد ويكنى بأبي الفتح، ويلقب بتاج الدين، ولد بشهرستان سنة أربعمائة وتسع وستين، وقيل: سبعة وستين، وقيل: تسع وسبعين، وبها توفي في شعبان سنة خمسمائة وثمان وأربعين، وقيل: تسع وأربعين، وكان قد جاوز الثمانين.
كان في أول أمره مشتغلًا بطلب العلوم الشرعية، ثم اشتغل بالعلوم الكلامية والفلسفية حتى غلب ذلك عليه، وهذه الأشياء أذكرها في ترجمته ولا أحتاج أن أذكر في الآخرين ترجمات؛ لأن الوقت لا يكفي، لكن هنا لوجود إشكالات في الكتاب وفي كتبه الأخرى يحتاج معها إلى معرفة بعض الشيء في ترجمته حتى نفسر هذه الأمور التي تبدوا مستغربة.
كان حسن المعاشرة والمحاورة على قدر كبير من الأدب، ومؤلفاته تقرب من عشرين مجلدًا، منها:
"نهاية الإقدام في علم الكلام"، كتاب مشهور.
كتاب: "مصارعة الفلاسفة"، يرد على ابن سينا.
كتاب: "الإرشاد إلى عقائد العباد".
كتاب: "غاية المرام في علم الكلام".
وهو في مذهبه في الاعتقاد المشهور أنه أشعري، وكتابه "نهاية الإقدام في علم الكلام"، وما شابهه يقرر فيها مذهب المتكلمين الأشاعرة، وأما المذهب الفقهي فهو شافعي.
لكن رُمي من قبل بعض المنتسبين للعلم وبعض المصنفين بأمور:
منها: الاشتغال بالفلسفة والدفاع عنها والذب عن أصحابها، وممن نسب إليه ذلك حينما يقولوا: الاشتغال بالفلسفة ونحو ذلك يعني أنه على مذهب الفلاسفة القدماء ومذاهبهم كانت في غاية الانحراف ممن نسب إليه ذلك الخوارزمي كما في "معجم البلدان"[13].
وكذلك نقله عنه الذهبي في "سير أعلام النبلاء"[14]، نقل عن الخوارزمي، وكذلك جاء هذا النقل في "لسان الميزان"[15].
ونقله كذلك علي بن أبي القاسم البيهقي في "تاريخ حكماء الإسلام"[16]، وكذلك ابن السمعاني كما في "السير"[17]، يعني هؤلاء قالوا عنه مثل الخوارزمي، وعلي البيهقي، وابن السمعاني اتهموه بالفلسفة والاشتغال بها وكأنه على يميل إلى مذاهب الفلاسفة.
ويستدلون على هذا بأمور، يقولون فيه مثلًا: كتابه في الملل حينما تعرض للفلاسفة، وحاول إظهارهم بصورة حسنة بأنهم يقرون بالتوحيد، يعني الفلاسفة القدامى هؤلاء من اليونانيين، ومن تبعهم ممن يسمونهم بالفلاسفة الإسلاميين هؤلاء هم من أضل الناس في باب الإلهيات، ومن أضل الناس فيها.
علوم الفلسفة القديمة يدخل فيها علوم نافعة، مثل: الطب، والهندسة، والجبر، والرياضيات، هذه علوم نافعة، لكن الكلام في الإلهيات فكلام الفلاسفة في هذه العلوم الطبيعية والرياضية هو من أنفع الكلام، وعندهم من العلوم علم التشريح، وعلوم دقيقة، وقد ذكر هذا شيخ الإسلام[18] رحمه الله، ولهم فيها صواب كثير أعني الفلاسفة القدماء مثل: أرسطو، وأفلاطون، وأمثال هؤلاء.
لكن إذا تحدثوا في الإلهيات فهم أبعد الناس عن الحق وأضل الناس؛ لأنهم لا يعتمدون في ذلك على الوحي، هذه أمور غيبية ولذلك تجد عند طوائف المشركين كمشركي العرب من قضايا تتعلق بهذا الباب باب الإلهيات ما ليس عند الفلاسفة، يعني أن المشركين من العرب أهدى من الفلاسفة على جهالة أولئك المشركين، أهدى من الفلاسفة في باب الإلهيات؛ لأن هؤلاء من المشركين كان عندهم بقية باقية من ملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام الفلاسفة ما عندهم شيء يعتمدون على عقولهم فقط.
وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله جملة من المسائل التي وافقهم الشهرستاني في أمور الفلسفة ذكر هذا في الفتاوى ودرء تعارض العقل والنقل.
هذا مع العلم بأن المؤلف رد على بعض آرائهم وصنف كتاب: "مصارعة الفلاسفة" في الرد على ابن سيناء، وابن سيناء يعتبرونه من أبرز الفلاسفة الذين يسمونهم بالفلاسفة الإسلاميين، المنتسبين للإسلام وعنده من الانحرافات ما قد عُلم، هذا وأمثاله أمثال الفارابي وجماعة، ولكن ربما يكون بعض هؤلاء قد رجع وابن سيناء له كلام وذهب إلى ربه تبارك وتعالى، لكن يقولون عند موته: أعتق مماليكه، وتصدق، وأكثر من الصدقات، ونحو ذلك لما حضرته الوفاة فقد يكون تاب على كل حال هذه أمور عند الله نحن لا نشتغل بهذا.
الأمر الثاني: الذي قيل عن المؤلف يعني الشهرستاني هو الميل إلى مذهب الباطنية والغلو في التشيع الباطنية الذين يقولون: للدين باطن وظاهر، ويقولون: بأنه لا جنة ولا نار، ولا صلاة، ولا صيام، ولا حج، ولا زكاة، وكل هذه رموز يعرفها أهل الباطن كقول بعضهم مثلًا: بأن الحج هو قصد الولي، والصلاة هي مناجاة الولي، والصيام كتم أسرار المذهب، إلى غير ذلك من الضلالات والانحراف، لا يؤمنون بالجنة ولا بالنار غلاة هؤلاء من الباطنية.
ممن نسب إليه الميل إلى مذهب الباطنية ابن السمعاني في "التحبير في المعجم الكبير"[19]، وقال الذهبي رحمه الله في كتابه: "العبر": "اتهم بمذهب الباطنية"[20].
الذين يقولون هذا يؤيدون قولهم بأن للمؤلف كتابًا سماه مفاتيح الأسرار ومصابيح الأبرار وهذا الكتاب في التفسير وهو يتضمن الكلام على الظاهر كما يذكر فيه التفسير الباطن يعني التفسير الظاهر هذا للعوام كما يقولون، والباطن للخواص، وينسب معظم ما يذكر في هذا الكتاب من التفسير الباطن لآل البيت، وهم يكذبون عليهم، ويقول: "إذا قلت قال: أهل القرآن وأصحاب الأسرار فلا أريد به نفسي وإنما أريد الصديقين من أهل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهم الواقفون على الأسرار وهم المصطفون الأخيار"، وتضمن هذا الكتاب كثيرًا من الطوام ونحن ليس مقصودنا هو تتبع أخطاء فلان، أو عثرات فلان، وإنما المقصود هنا دراسة هذه الكتب حتى نعرف ما فيها ونجتنب هذه الإشكالات، فلا نقع في شيء منها لربما نحسن الظن بمن صنفها، فيلتبس الحق بالباطل؛ لأن هذه مراجع موجودة وهي مراجع تعتبر عمد في بابها من الذي لا يعرف كتاب: "الملل والنحل"، للشهرستاني، ويدرس في الجامعات كمرجع أساس.
في هذا الكتاب فيه إشكالات كبيرة جدًا منها:
ادعاء وجود مصحف علي وهل لعلي مصحف ليس في القرآن شيء منه.
وأن عليًا أحق الصحابة بجمع المصحف، مع أن علي كان مؤيدًا لعثمان، ويذكر لو أنه كان قد ولي يعني الخلافة لفعل ما فعل عثمان ، وكان الذي فعله عثمان من جمع المصاحف بإجماع من الصحابة منهم علي وهذا معلوم.
ويذكر في هذا الكتاب أن الصحابة جمعوا القرآن من غير علم نسأل الله العافية، ومن غير الرجوع إلى أهل البيت، وأنهم هجروا القرآن ولم يعملوا به بخلاف آل البيت، وأنهم ردوا مصحف علي، وهجروه، نسأل الله العافية.
هذه لا يقولها حتى أهل الكلام من الأشاعرة الذين اشتهر أن المؤلف منهم، لا يقولون بهذا، بل ولا المعتزلة، المعتزلة لا يقولون بمثل هذا الكلام مصحف علي واتهام الصحابة بجمع القرآن، وأنهم هجروه، ولم يعملوا به بخلاف أهل البيت.
وكذلك أثار شبهات حول مصحف عثمان العبارات المعروفة نعاس الكاتب أن في القرآن لحنًا إلى آخره، مما لا يثبت أصلًا، ولم يستبعد وجود نسختين للقرآن ليس بينهما اختلاف تضاد كالتوراة والإنجيل، نسأل الله العافية هذه أمور عظيمة.
ومنها مما وجد في ذلك الكتاب الادعاء بأن آل البيت يختصون بشيء من العلوم، وأن الصحابة اتفقوا على أن علم القرآن مخصوص بأهل البيت، وهذا كذب وفي البخاري عن أبي جحيفة أنه سأل عليًا رضي الله تعالى عنه هل خصكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشيء؟ قال: لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إلا فهمًا يؤتيه الله رجلًا في كتابه أو ما في هذه الصحيفة[21]، الصحيفة فيها ما يتعلق بالديات، ونحو ذلك مما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مما هو معلوم عند الصحابة
ومن هذه الأمور في ذلك الكتاب القول بالوصية والإمامة، أن علي هو الوصي في الخلافة، وهو الإمام، وأن الإيمان بالوصية كالإيمان بالنبوة تمامًا، هذا قول الرافضة يقول: "من لم يقر بالوصية فهو كافر"، يعني أن علي هو الوصي هذا لا يقول به أحد من أهل السنة لا المعتزلة.
أقصد إذا قلت السنة في مقابل الرافضة أو الشيعة في باب الإمامة يدخلون فيهم طوائف المتكلمين من المعتزلة والأشاعرة والماتريدية ونحو ذلك يعني في باب الإمامة فقط، لكن أهل السنة المحضة هم الصحابة، ومن تبعهم بإحسان من التابعين، ومن كان على طريقهم السنة المحضة فليس منهم الأشاعرة، ولا المعتزلة، هذه اصطلاحات يحتاج أن تعرف، فالقول بأن عليًا هو الوصي وأن الوصية الإيمان بها كالإيمان بالنبوة، ومن لم يقر بذلك فهو كافر هذا لا يقول به أحد من طوائف المتكلمين، فيما نعلم إلا من وقع في شيء من هذه الانحرافات والآراء يعني تجد البعض لربما كان من المعتزلة، وهو رافضي مثلًا، هذا وجد بل وجد من غيرهم أيضًا أو بعض من تلبس بشيء من ذلك.
من هذه القضايا أيضًا في الكتاب، تفضيل علي مطلقًا، وأنه أحق بالإمامة، وقد عد اعتبر حال الأمة حينما لم تقدم عليًا كحال بني إسرائيل عندما امتنعوا من دخول بيت المقدس فعوقبوا بالتيه نسأل الله العافية، يقول: "عوقبت هذه الأمة بالحيرة في الدين"، وذكر أن هذا هو سبب فقدان البراهين والبينات الحمد لله البينات والبراهين لم تفقد وموجودة في الكتاب والسنة ومحفوظة، لكن فقدها من لم يرجع هذه المصادر المحفوظة.
هو يذكر أن جرم بني إسرائيل كان أخف.
ملحظ خامس في هذا الكتاب وهو التفسيرات الباطنية، ويقول: بتشخيص الآيات، يعني يجعل كل عبادة أو شعيرة أو سنة في الإسلام في مقابل رجل أو ولي من المسلمين طريقة الباطنية فالكعبة ترمز لشخص، الطواف يرمز لشخص الحج والعمرة في مقابلة شخص، أو شخصين النبي، والوحي الصفا والمروة رجل وامرأة هما زوجان علي وفاطمة رضي الله عنهما، فمن حج البيت في مقابل رجل، اعتمر في مقابل الوحي هكذا سائر أعمال الحج والصوم والزكاة على طريقة الباطنية، يقول: الصفا يرمز إلى علي، والمروة ترمز إلى فاطمة، مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ [الرحمن:19] علي وفاطمة، هو لم يقل هذا لكن هذا مذاهب الباطنية يقولون يفسرون بهذه الطريقة يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ [الرحمن:22] يعني الحسن والحسين هذه ضلالات.
على كل حال هذه الأشياء ليست في كتابه: "الملل والنحل"، وإنما في كتابه الذي ذكرته: "مفاتيح الأسرار ومصابيح الأبرار"، فهذا يذكره من يقول بأن الرجل كان يميل إلى مذهب الباطنية.
- منهاج السنة النبوية (6/ 301).
- منهاج السنة النبوية (6/ 303).
- منهاج السنة النبوية (2/ 618).
- درء تعارض العقل والنقل (9/ 67).
- منهاج السنة النبوية (6/ 303).
- انظر: درء تعارض العقل والنقل (9/ 68).
- أخرجه ابن ماجه، أبواب الفتن، باب افتراق الأمم، برقم (3993)، وأحمد في المسند، برقم (12208)، وقال محققوه: "حديث صحيح بشواهده"، والحاكم في المستدرك برقم (441)، بدون زيادة: ((كلها في النار إلا واحدة))، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، وله شواهد"، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (2042).
- انظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل (3/ 138).
- انظر: مذاهب الإسلاميين (1/ 33-34).
- انظر: الحجة في بيان المحجة (2/ 239).
- انظر: الانتصار لأصحاب الحديث (ص: 45).
- انظر: الاعتصام للشاطبي ت الهلالي (2/ 709).
- معجم البلدان (3/ 377).
- سير أعلام النبلاء ط الرسالة (20/ 288).
- لسان الميزان (2/ 292).
- تاريخ حكماء الإسلام (ص:141 -142).
- سير أعلام النبلاء ط الرسالة (20/ 287).
- انظر: مجموع الفتاوى (9/ 21)، والرد على المنطقيين (ص: 311).
- التحبير في المعجم الكبير (2/ 160-161).
- العبر في خبر من غبر (3/ 7).
- أخرجه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب فكاك الأسير، برقم (3047)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل على أن حب الأنصار وعلي رضي الله عنهم من الإيمان وعلاماته، وبغضهم من علامات النفاق، برقم (78).