الثلاثاء 17 / جمادى الأولى / 1446 - 19 / نوفمبر 2024
(5) تتمة نظرات في كتب المعاصرين
تاريخ النشر: ١٢ / ذو القعدة / ١٤٣٨
التحميل: 472
مرات الإستماع: 697

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

الكتاب الثالث عشر: "مذاهب الإسلاميين"

الكتاب الأخير من هذه الكتب التي أردت الحديث عنها والتعريف بها هو كتاب: "مذاهب الإسلاميين" للدكتور/ عبدالرحمن بدوي، والكتاب يقع في مجلدين كبار، والمطبوع المتداول هو المجلد الأول.

والمجلد الأول يتعلق بالمعتزلة والأشاعرة.

وأما الثاني ففي الإسماعيلية، والقرامطة، والنصيرية، والدروز، الأول متداول ومنتشر ومطبوع، والثاني لا يكاد يوجد، وإنما قد يتداوله بعض طلبة العلم بالتصوير، ربما يكون ذلك بسبب أن دور النشر لربما تجد إشكالًا في نشره باعتبار أنه يتحدث عن هذه الطوائف الأربعة الإسماعيلية، والقرامطة، والنصيرية، والدروز، فلا أدري هل كان ذلك من قبل المؤلف أو من قبل دور النشر!

وهناك جزء ثالث: لم أقف عليه، في الكلام على أشهر الفلاسفة المنتسبين إلى الإسلام، كالكندي، والفارابي، وابن سيناء، والغزالي، وابن رشد، والسهروردي، والمؤلف معروف أنه ممن تعمق في الفلسفة وتشربها كثيرًا، وهو ضليع بعلوم الفلسفة، ثم بعد ذلك صارت له حال أخرى رجع فيها عن كثير من ذلك، ولم أتتبع كلامه بعده، لكن سمعت أنه رجع وتاب، ونسأل الله أن يتوب علينا وعليه، وعلى إخواننا المسلمين.

والذين تابوا ورجعوا من الفلسفة، أو من المذاهب المنحرفة كثير كما تعلمون، ذُكر هذا عن جماعة من الكبار كالغزالي كما هو معلوم قيل: "إنه مات وصحيح البخاري على صدره"[1]، والجويني كان يقول: "أموت على دين العجائز"[2]، مع كثرة ما قرأ فيما ذكر عن نفسه من الكتب المخالفة.

وكذلك أيضًا ذُكر هذا عن آخرين.

فهذا الكتاب ألفه حينما كان معنيًا بالفلسفة يعني قبل رجوعه، وصرح في المقدمة أن كتابه في الفلسفة الإسلامية وليس في تاريخ الفرق، وأنه لا يعتني في الفرق إلا بالجانب الفلسفي، أو الفكري الخالص القائم على الاستدلال العقلي، هذا لشدة تأثره بالفلسفة، ولم يلتزم عمليًا بذلك حيث تكلم على أعياد الطائفة، وعرض جملة من آرائها الفقهية، فصرح في بعض المواضع أنه مجرد مؤرخ للفرقة للطائفة، ولربما ليتخلص بذلك من بيان الحق.

كما حرص المؤلف على الإكثار من نقل نصوص منظري الطائفة، يقول: "من أجل أن يتعود القارئ على أسلوبهم وعباراتهم وليتسم البحث أيضًا بالموضوعية"، وهذا ظاهر في الجزء الأول من الكتاب حتى إنه لربما أطال النقل، نقل في أول صفحة بعد المقدمة رسالة كاملة لأبي الحسن الأشعري في الاستحسان علم الكلام، وهذه مشكلة.

ونقل كلام هؤلاء بحجة أن يتعود عليه على الأسلوب القارئ هذا يوقع القارئ في إشكالات في هذه المنقولات وما فيها من الانحرافات، لكن المؤلف لا يعنى بهذا قبل المرحلة الأخيرة التي كان عليها فمن أوغل في الفلسفة لم يستغرب منه مثل هذا.

كما أثنى على أعلام الفلسفة باعتبار ما وصلوا إليه من التحرر الفكري في أمر العقيدة، ويتمنى أن نصل إلى ذلك في هذا العصر أو نقترب منه مع أنهم كانوا أكثر الناس ضلالًا، نسأل الله العافية.

وكان يطمع أن تكون مثل هذه الدراسات وسيلة إلى تجديد الفكر الإسلامي بعامة كما يقول، بحيث يجعل نقطة انطلاقه من آخر مرحلة وصل إليها هذا الفكر المتعمق المتحرر الواسع الآفاق يعني الفكر الفلسفي، هذا قبل رجوعه، وهذا الكلام غير صحيح كما هو معلوم.

كما صرح بأن الفرق الإسلامية لا تدخل تحت الحصر، وحكم على حديث الافتراق بالوضع مع أن الرجل ليس من أهل الحديث، وليس له باع في هذا الشأن لا في قليل ولا في كثير.

وفي الكتاب عجائب أيضًا، منها: أنه أنكر حديث الافتراق، كما سبق، ومن جملة أدلته على أن الحديث موضوع يقول: "إنه ليس في وِسع النبي ﷺ أن يتنبأ مقدمًا بِعدّ الفرق"، يعني العدد الذي تصل إليه هذه الفرق عند المسلمين.

والجواب عن هذا أوضح من الواضح: فالنبي ﷺ تكلم عن وحي ولم يتكلم عن اجتهاد عليه الصلاة والسلام، أو استشراف للمستقبل من جهة الرأي، وإنما هو وحي يوحى، فالله هو الذي أوحى إليه وأعلمه بذلك هذا هو الجواب، وهو واضح لا إشكال فيه.

ومنها: أنه حصر التيارات الأساسية في العقائد إلى ما يلي: المعتزلة، والأشاعرة، والشيعة، والخوارج، والباطنية، والمرجئة.

ومنها: أنه في كلامه على مدارس المعتزلة نقل كلام ابن المرتضى في "المنية والأمل" حيث قسمهم إلى ثنتي عشرة طبقة، وهذا من أعجب الأشياء مدارس المعتزلة اثنا عشر طبقة، الطبقة الأولى: هم الخلفاء الأربعة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رأيتم الفلسفة! وما قال شيخ الإسلام عن أهل الفلسفة، الخلفاء الأربعة، وقدم عليًا على أبي بكر وعمر وعثمان.

وذكر أيضًا الطبقة الأولى ابن عباس مع أنه من صغار الصحابة ، وابن مسعود، وابن عمرو، وذكر أبا الدرداء، وأبا ذر، وعبادة بن الصامت، هذه الطبقة الأولى، ولا أدري أين بقية الصحابة الكبار! هذا لو سلمنا له.

الطبقة الثانية: الحسن والحسين وابن الحنفية وابن المسيب، وطاووس، وأبو الأسود الدؤلي، وعلقمة، والأسود النخعيان، وشريح القاضي.

الطبقة الثالثة: الحسن بن الحسن وابنه عبد الله، وأولاده النفس الزكية، وغير النفس الزكية، وكذلك أبو هاشم عبدالله بن محمد بن الحنفية، ومحمد بن علي بن عبدالله بن عباس، وزيد بن علي، ثم ابن سيرين، والحسن البصري، وهذه الأسماء الذين يعددهم كأنه متأثر بالشيعة.

ومنها: أنه ينقل من كتب الفرق كالمقالات، وكذلك كتاب الشهرستاني، ويتكلم عن الفرقة من نواحي شتى كاسمها، وسببه، ومعناه، وما اتفقوا عليه، وأشهر الأعلام، ويتحدث عن كل علم بالتفصيل، والمسائل التي تبنوها، والمؤلفات، والأعياد، وغير ذلك، رجع إلى كثير من المصادر التي ألفها أصحاب الفرق، وكثير منها لا زال مخطوطًا.

ومنها: أنه يعتمد على عرض المعلومات فقط دون حكم أو مناقشة، ويرفض المؤلف كل دعوى طائفة تدعي لنفسها أنها وحدها تملك الحق، وأنها وحدها تمثل الدين الصحيح وهذا أثر الفلسفة.

والواقع أن أهل السنة من كانوا على منهج السلف الصالح رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم هم الذين يمثلون الحق، وهم الذين يمثلون الإسلام الصحيح، ومن عداهم فعنده من الحق بحسب ما وافقهم به، هي هكذا، ولذلك لا نقول كما يقول البعض: بأننا بحاجة إلى أن نطلع إلى ما عند الآخرين من المذاهب والفرق فنأخذ الجوانب الجيدة التي عندهم والإيجابية وأنهم لا يخلون من حق، نقول: لا نحتاج؛ لأن ما عندهم من الحق إنما يكون بقدر ما وافقوا أهل السنة ولسنا بمتهوكين ولا شاكين، فعندنا الكتاب والسنة والآثار المنقولة عن السلف الصالح رضي الله تعالى عنهم فنفهم على ضوء فهمهم، ولسنا بحاجة إلى أن نرقع مذهبًا ودينًا من المذاهب والطوائف المنحرفة، وهذا يقوله من لم يعرف مذهب السلف رضي الله تعالى عنهم فهم الذين يمثلون الإسلام الصحيح.

والغرب يعرفون هذا، وذكر هذا جماعة من مفكريهم، وأن الخط بين هذه الخطوط الكثيرة الافتراق خطًا بعض المفكرين من الغربيين يقولون: تجد خطًا مستقيمًا ضاربًا في أعماق التاريخ، وحوله هذه الخطوط الفرق، يعني هذا الخط المستقيم هو أهل السنة والجماعة الذي كان عليه الأئمة الأعلام أئمة الهدى ومصابيح الدجى رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.

ومن طلب السعادة والنجاة فينبغي أن يسلك مسلكهم سواء كان ذلك في المسائل العلمية، أو في المسائل العملية أو في السلوك، فإنما يكون موافقة بعض الطوائف لهم في بعض الجوانب هو ما أصابوا به الحق.

والمؤلف يرفض هذه الدعوى أن تدعي طائفة لنفسها الحق، أو أنها تملك الحق، أو أنها تمثل الدين الصحيح، ويرى أن الخير كل الخير أن يكون الدين مفتوحًا لكل الاتجاهات غنيًا بشتى التجارب وهذا لا يكون: وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ [المؤمنون:71]، وإنما يكون أسعد الناس بالحق هو من لزم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم على فهم السلف الصالح رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.

هذا آخر ما أردت إيراده وذكره في الكلام على هذه الكتب، وليس ذلك للاستقصاء فهناك كتب أخرى، وقد حصلت على كتب أخرى بعد ما جمعت مادة هذا المجلس قديمًا، ولكن لم يتيسر لي جردها، وكنت أظن أن الوقت أصلًا لا يكفي.

فالحمد لله على ما يسر، وأساله تبارك وتعالى أن ينفعني وإياكم بما سمعنا.

وإنما المقصود هو التعريف بهذه الكتب من أجل أن يتعرف الدارس لها على الجوانب الإيجابية والجوانب التي ينبغي أن يتفطن لها، جوانب الكمال، وجوانب القصور، وليس المقصود بذلك هو الحط على فلان أو علان، فهذا ليس من شأننا ولا نشتغل به كما هو معلوم في كل المجالس والدروس التي نتحدث عنها، وكما كان في مجلس سابق الكلام على كتب التفسير وما يتصل بها، تحدثت عن جملة من كتب التفسير الكتب المتعلقة بها أيضًا من كتب علوم القرآن، ونحو ذلك.

فهذا حديث عن كتب الفرق؛ لأنه يحتاج إليه كما ذكرت كل من يقرأ، ففي الكليات تدرس مادة تعرف بالمذاهب والفرق والتيارات، ونحو ذلك، كما هو معلوم، فيحتاج إلى التمييز.

أسأل الله تبارك وتعالى لي ولكم العلم النافع، والعمل الصالح والنية، وأن يرينا الحق حقًا ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلًا وأن يرزقنا اجتنابه، رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر:10]، ربنا اغفر لنا، ولوالدينا، ولإخواننا المسلمين.

اللهم ارحم موتانا، واشف مرضانا، وعاف مبتلانا، واجعل آخرتنا خيرًا من دنيانا، والله أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.

  1. انظر: بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية (6/ 134).
  2. انظر: سير أعلام النبلاء ط الرسالة (18/ 471)، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي (5/ 185)، ودرء تعارض العقل والنقل (8/ 47).

مواد ذات صلة