اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [آل عمران:2]، "الله" افُتتحت بهذا الاسم الكريم، وقد قلنا بأن الجمهور يقولون: بأنه الاسم الأعظم، وأن جميع الأسماء الحسنى ترجع إليه لفظًا ومعنى، قلنا لفظًا باعتبار أنها تكون معطوفة عليه تأتي بعده، ومن جهة المعنى أنه متضمن لجميع معاني الأسماء الحسنى، جميع الصفات التي تضمنتها الأسماء، فالمألوه الإله لابد أن يكون ربًا، وأن يكون رازقًا، وأن يكون خالقًا، وأن يكون حيًا، وأن يكون قيومًا، وأن يكون عليمًا وسميعًا وبصيرًا، وما إلى ذلك، فإنه لا يكون ناقصًا بوجه من الوجوه.
"الله" والافتتاح بهذا الاسم الكريم فيه ما فيه من تربية المهابة فهو أعظم الأسماء "الله" وقال بعده اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [آل عمران:2]، لا معبود بحق سواه، فالله يتضمن صفة الإلهية، وهو مشتق على اختلاف في مادة اشتقاقه، وبعض المحققين يقولون: إنه مشتق من الإلهية، وهو يدل على هذه الصفة، فذكر بعده لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، فذلك لتحقيق الوحدانية فهو منفرد بالإلهية جل جلاله وتقدست أسماؤه، لا معبود بحق سواه، وهذه أقوى صيغ الحصر كما هو معلوم النفي والاستثناء، أقوى الصيغ في اللغة، وعند الأصوليين هي هذه الصيغة.
الحصر له صيغ تتفاوت في القوة، هذه أقوى صيغة، وهذه أجل كلمة، وأعظم كلمة، كلمة التوحيد التي بها يُدخل الإسلام: ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة، فهي مفتاح الجنة، وهي أصدق كلمة على الإطلاق.
وذكر هذه الجملة هنا في افتتاح هذه السورة له تعلق بما يُذكر بعد ذلك من الرد على النصارى الذين قالوا: إن الله ثالث ثلاثة، ثم قال: الْحَيُّ الْقَيُّومُ [آل عمران:2] ذو الحياة الكاملة، وهو القيوم القائم بنفسه، المُقيم غيره، لا قيام للخلق إلا بإقامته ، وهو أيضًا القائم على خلقه بأعمالهم وأرزاقهم وآجالهم، فهذه من أجل الأوصاف وأعظمها كما سيأتي؛ وذلك أن هذين الاسمين كما ذكر بعض أهل العلم يستغرقان جميع الأوصاف، يعني: كما قلنا بأن "الله" يتضمن صفة الإلهية، وأن الإلهية تتضمن جميع صفات الكمال، وأنها ترجع إليها، فكذلك "الحي القيوم" معًا، يقولون: الحي يدل على كمال الصفات، والقيوم يدل على كمال الأفعال، فبكمال الصفات وكمال الأفعال يحصل الكمال المطلق، وذلك من جهة كمال الذات وكمال الصفات والأفعال، كل ذلك الحي القيوم، فلا تكون الحياة كاملة إلا إذا كانت سالمة من كل نقص، وكذلك أيضًا إذا كانت متضمنة للكمالات ولهذا في سورة البقرة في آية الكرسي كما مضى لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ[البقرة:255]، لما قال الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255] نفى عنه السِنة والنوم، وذلك أن السِنة وهي مقدمة النوم وخثورته، بعضهم يُفسرها بالنُعاس، وبعضهم يُفرق بين السِنة والنُعاس، فيقولون: السِنة في الرأس، والنُعاس في العين والنوم في القلب، وعلى كل حال هما متقاربان السِنة والنُعاس، فنفى عنه السِنة؛ لأنها نقص في الحياة، ونفى عنه النوم؛ لأنه نقص أيضًا بالحياة، فالنوم نقص في الحياة؛ لأنه موته، وإنما يكون ذلك كمالاً في المخلوق لضعفه، وكذلك أيضًا لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ [البقرة:255]، كذلك أيضًا الحُزن وقد ذكر شيخ الإسلام أنه نقص في الحياة، ولهذا قال ابن جرير -رحمه الله- في قوله تعالى: لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ [البقرة:255] فسرها بمعنى عام قال: "لا تعتريه الآفات" يعني كأنه ذكر السِنة والنوم على سبيل المثال والتقريب، فلا يتطرق إليه نقص وآفة بوجه من الوجوه، فهذا يدل على كماله في ذاته، وكماله في أوصافه، جل جلاله، وتقدست أسماؤه، فذلك هو الذي يصلح أن يكون الإله المعبود؛ لأنه لا يصلح للإلهية إلا من كان كاملاً، ولهذا في سورة الفاتحة كما سبق الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:2-3]، هذه أوصاف مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4]، فجعل الحمد كله؛ لأن أل للاستغراق، كل الحمد لله، ولا يمكن أن يكون الحمد كله له إلا إذا كان كاملاً من كل وجه، فإنه لا يُحمد من كل وجه الحمد المُطلق الذي ليس فيه استثناء إلا من كان كاملاً الكمال المطلق الذي ليس فيه استثناء، لكن من يُحمد من بعض الوجوه يُقال: لكن هو كريم، هو خلوق، تصف أحدًا من الناس: هو قوي، هو غني؛ لكن فيه كذا، فالله -تبارك وتعالى- له الكمال المطلق.