الحمد لله، والصَّلاة والسلام على رسول الله.
أما بعد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته،
في هذه الليلة أختم الكلام -إن شاء الله- عن هذه الآية الكريمة: آية الكرسي التي هي أعظم آيةٍ في كتاب الله -تبارك وتعالى-، وذلك لما اشتملت عليه من المعاني العظيمة، والأسماء الحسنى، والصِّفات الكريمة، فقد اشتملت هذه الآية على التوحيد بأنواعه الثلاثة: توحيد الإلهية، وتوحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصِّفات، فكما أنَّها دلَّت على توحيد الله -تبارك وتعالى- بأنواعه الثلاثة؛ فكذلك أيضًا دلَّت على إحاطة ملكه: لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ [البقرة:255]، وعلى إحاطة علمه، وكذلك أيضًا على سعة سلطانه، وجلاله، ومجده، وعظمته، وكبريائه، وعلوه، وغناه، كما ذكرنا في الكلام على الآية.
وهكذا أيضًا، فإنَّ مَن تأمّل فيما اشتملت عليه من الأسماء الحسنى؛ فإنَّ ذلك قد يُرشده إلى كونها قد دلَّت على جميع أسماء الله الحسنى؛ لكون هذه الأسماء ترجع إلى بعض الأسماء المذكورة في هذه السّورة، كما نصَّ على ذلك بعضُ أهل العلم، وفيها أصول الأسماء والصِّفات من الإلهية والوحدانية: الحياة، القيّومية، العلم، الملك، القُدرة، الإرادة، وقد جاء التَّصريحُ فيها بخمسة أسماء ذُكرت مُصرَّحًا بها.
وأمَّا الصِّفات فهي كثيرةٌ جدًّا، تقرب من العشرين، تقرب من عشرين صفة، فبُدئت هذه الآية بذكر تفرّد الله -تبارك وتعالى- بالإلهية، وبطلان إلهية مَن سواه: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [البقرة:255]، ثم ذكر حياة الربّ -تبارك وتعالى- الكاملة، الحياة التي لا يلحقها فناء، مع ذكر قيّوميّته: القيّوم، فهو قائمٌ بنفسه، مُقيمٌ لغيره، قائمٌ على خلقه بآجالهم، وأعمالهم، وأرزاقهم، يُدبّر أمر الخليقة.
كما تضمّنت أيضًا تنزيهه -تبارك وتعالى- عن صفات النَّقص: السِّنة، النَّوم، كذلك أيضًا سعة الملك، وكلّ مَن في السَّماوات والأرض فهم عبيدٌ له، تحت قهره وسُلطانه، ومن عظمته -تبارك وتعالى- وغناه ألا يشفع عنده أحدٌ إلا بإذنه.
وفيها إثبات صفة العلم المحيط بكلِّ معلومٍ، كما ذكرنا: يعلم ما كان، وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون.
وفيها بيان عظمة المعبود ، الكرسي وسع السَّماوات والأرض، فكيف بالعرش؟! فكيف بخالق الكرسي والعرش -جلَّ جلاله، وتقدَّست أسماؤه-؟!
وفي هذا أيضًا دليلٌ على كمال قُدرته: لَا يَئُودُهُ يعني: لا يُثْقِله ولا يُعجزه حفظ السَّماوات والأرض.
وهكذا خُتمت باسمين عظيمين: العلي، والعظيم. إثبات العلو بجميع أنواعه: الذَّات، والقدر، والقهر. وإثبات العظمة، فله جميع معاني العظمة والجلال، ولا يستحقّ التَّعظيم المطلق من كل وجهٍ إلا هو .
ومن هنا قال النبيُّ ﷺ لأُبي بن كعبٍ سأله: يا أبا المنذر، أتدري أيّ آيةٍ في كتاب الله أعظم؟ فردد عليه ذلك مرارًا، فقال أُبي: هي آية الكرسي. فقال النبيُّ ﷺ: ليهنك العلم أبا المنذر[1]، معنى: ليهنك العلم ليكن العلمُ هنيئًا لك. استطاع من بين الآيات الكثيرة في القرآن أن يعرف الآيةَ التي يصدق عليها هذا الوصف من غير أن يسمع ذلك من رسول الله ﷺ، وهذا يدلّ على كمال القُدرة والعلم؛ القُدرة على الاستنباط واستخراج هذه المعاني، الكمال الذي يصلح للعالم، الكمال الذي يصلح للمخلوق، كيف استطاع أن يعرف أنَّ هذه أعظم آيةٍ، مع أنَّ الآيات التي اشتملت على التوحيد، والتي اشتملت على الأحكام كثيرةٌ جدًّا؟! فجاء بهذه الآية من أطول سورةٍ من سور القرآن، وذلك لا شكَّ يدلّ على فهمه لما تضمّنته هذه الآية، فهذا قال فيه النبيُّ ﷺ: ليهنك العلم أبا المنذر، هنيئًا لك بهذا العلم الذي توصّلت به إلى معرفة هذا المعنى.
وقد ذكر شيخُ الإسلام -رحمه الله- أنَّ الله -تبارك وتعالى- قد وصف نفسَه بهذه الآية بالصِّفات الثُّبوتية، وأيضًا ذكر من السَّلبية خمسًا[2]، الصِّفات الثُّبوتية مثل: الله الصَّمد، الله أحد، مثلاً في سورة الإخلاص، السَّلبية: لم يلد، لم يُولَد، يعني: النَّفي، يعني مثلاً في قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11]، هذا أصلٌ في باب الأسماء والصِّفات، فـلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ هذا في جانب النَّفي، تنزيهٌ لله عن كلِّ شبيهٍ أو مثيلٍ، فهذا من باب السَّلب؛ سلب الشَّبيه والمثيل، ولك أن تقول: النَّقائص، والإثبات: وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ، فأثبت له صفتين.
لا يمكن لأحدٍ أن يُنكر شيئًا من صفات الله بدعوى أنَّ ذلك يُفضي إلى مُشابهة المخلوقين إلا وأن يُلزم بهذين الوصفين: السَّمع، والبصر؛ لأنَّهما كما قال أهلُ العلم -كالشيخ محمد الأمين الشَّنقيطي- أوغل بالنِّسبة للتَّشبيه، لو كان ذلك يدلّ على تشبيه السَّمع والبصر[3]، فأثبت الله ذلك لنفسه، لكن لا على سبيل مُماثلة المخلوقين، فالله أعظم وأجلّ من ذلك، ولكنَّه السَّمع والبصر الذي يليق بجلاله وعظمته.
فإذا قال قائلٌ ينفي شيئًا من أوصاف الله، باعتبار أنَّ ذلك يُفضي إلى مماثلة المخلوقين، يُقال: هذا السَّمع والبصر أثبته الله، وقال أيضًا: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.
فشيخ الإسلام يقول فيها: آية الكرسي فيها صفات ثبوتيَّة، وفيها أيضًا خمس سلبيَّة، هذه الخمس عددها: لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، لاحظوا الاستنباط والدِّقَّة في استخراج هذه الأوصاف، فقوله: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يقتضي انفراده بالإلهية؛ ولذلك لاحظوا أنواع الدّلالة: المطابقة، التَّضمن، الالتزام. كيف تُطبق على هذه الأسماء والصِّفات والألفاظ المذكورة في الآية.
فقوله: لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يقتضي انفراده بالإلهية، وذلك يتضمّن انفراده بالربوبيَّة؛ لأننا قلنا: إنَّ الربوبيَّة مُضمّن في الإلهية، بمعنى: أنَّه لا يكون الإلهُ كذلك إلا إذا كان هو الربّ، فإذا أثبت أنَّه هو الإله؛ فهذا في ضمنه أنَّه هو الربّ؛ لأنَّ الإلهَ لا يكون إلهًا إلا إذا كان خالقًا، رازقًا، مُحييًا، مُميتًا، مُدبِّرًا، إلى آخره، فأثبت في ضمن ذلك أنَّه مُتَّصفٌ بالربوبيَّة.
يقول: وأنَّ ما سواه عبدٌ له، مُفتقرٌ إليه[4]، إذا كان لا إله إلا هو، فالباقي إمَّا إلهٌ، يعني: المعبود ، وإمَّا عبدٌ ذليلٌ مُنقادٌ لربِّه -تبارك وتعالى-، مُفتقرٌ إليه، وكذلك أنَّه خالق ما سواه، وهذا كلّه من الإثبات.
الثاني في قوله: لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ [البقرة:255] هذا يتضمّن إذا كان نفى عنه -كما قلنا- الصِّفات السَّلبية، يعني: لا إله إلا هو، نفي الآلهة، هذا يقتضي إثبات الوحدانية له وحده ، وهنا: لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ، قلنا: إنَّ النَّفي لا يكون بمجرده مدحًا إلا إذا اقتضى ثبوت كمال ضدّه، فحينما يقول: لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ هذا يقتضي ثبوت كمال حياته؛ لأنَّها حياة لا تعتورها الآفات؛ لأنَّ السِّنة والنّوم نقصٌ في الحياة، النوم موتةٌ صغرى، فالله لا يعتريه شيءٌ من ذلك، فهذا لكمال حياته، ولكمال قيّوميَّته؛ لأنَّه لا يكون قائمًا على الخلق، ويعتريه النّوم والسِّنة، فهذا نقصٌ في الحياة والقيومية، فمَن كان النومُ واردًا عليه؛ فإنَّه لا يمكن أن يكون قائمًا وحافظًا لأمور الخلق، فهنا هذا التَّنزيه عن السِّنة والنوم يستلزم كمال الحياة، والقيومية، والحياة والقيومية من صفات الإثبات.
الثالث: في قوله: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة:255] قلنا: إنَّ الاستفهام هنا مُضمّن معنى النَّفي، يعني: لا أحدَ يشفع عنده إلا بإذنه، فهذا مُتضمن أنَّه لا يشفع أحدٌ عنده إلا بإذنه، هذا يتضمّن كمال القُدرة، وكمال الخلق، والربوبية، وأنَّ غيره لا يُؤثر فيه بوجهٍ من الوجوه، كما يتضمّن كمال الغنى، باعتبار أنَّ المخلوقين يُؤثر فيهم مَن يشفع عندهم، ويضطرون إلى قبول شفاعته؛ خوفًا من غوائله، أو نحو ذلك.
أمَّا الله -تبارك وتعالى- فالشَّفاعة عنده لا تكون إلا بإذنه، فهو الذي يأذن للشَّفيع، وهو الذي يجعله شفيعًا، ثم يقبل شفاعته، فلا شريكَ له ولا عونَ بوجهٍ من الوجوه، وهذا يتضمّن كمال القُدرة، والخلق، والرُّبوبية، والغِنى، والصَّمدية، هو الذي خلق الخلق، وهم عبيده، ولا يتقدّم أحدٌ لشفاعةٍ ولا لغيرها إلا بإذنه، وهو الذي يُوفّقه لهذا.
الرابع: في قوله: وَلَا يُحِيطُونَ [البقرة:255]، لاحظ: هذا كلّه نفيٌ، أسلوب كما يُقال: وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ، فهذا يقتضي أنَّه الذي يُعلِّم العبادَ ما شاء من علمه: وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ، وأنَّه لا علمَ لهم إلا ما علَّمهم، فهو المنفرد بالهداية والتَّعليم، ومَن لم يُوفقه الله لشيءٍ من ذلك فإنَّه لا يمكن أن يعلم شيئًا لم يُرده الله ولم يُعلِّمه إياه، كما أنَّ ذلك أيضًا يدلّ على أنَّه المنفرد بالخلق والإيجاد، فهو الذي خلق فسوَّى، وهو الذي قدَّر فهدى، أول ما نزل من القرآن: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [العلق:1-5]، وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ.
الخامس: أيضًا من هذا الأسلوب من النَّفي: وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا [البقرة:255] حفظ السَّماوات والأرض، يعني: لا يُثقله، فهذا يقتضي كمال القوّة، وكمال القُدرة، وأنَّه لا تلحقه مشقّة ولا حرج: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ [ق:38] يعني: من تعبٍ، ونفي اللّغوب يقتضي كمال القُدرة.
هذه معاني تضمّنتها هذه المواضع الخمسة التي جاءت في سياق النَّفي، وكما قلنا: بأنَّ النَّفي لا يكون كمالاً ومدحًا وثناءً إلا إذا اقتضى ثبوت كمال ضدّه.
وقد ذكر بعضُ أهل العلم أنَّه قد تكرر فيها اسمُ الله تعالى بين مُضْمَرٍ وظاهرٍ ثماني عشرة مرَّة، عدّوا معي: اللَّهُ هذا ظاهرٌ، لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ مُضْمَرٌ، الْحَيُّ ظاهرٌ، الْقَيُّومُ ظاهرٌ، لَا تَأْخُذُهُ الضَّمير، وكذلك: لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ هذا مُضمر، مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ هذا مُضمر، إِلَّا بِإِذْنِهِ الهاء ترجع إلى الله، مُضمر، وكذلك يَعْلَمُ هو، هذا مُضمر، يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ مُضمر، إِلَّا بِمَا شَاءَ هو مُضمر، وَسِعَ كُرْسِيُّهُ الهاء ترجع إليه، ضمير، السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ "يؤوده" هذا الضَّمير يرجع إلى الله: حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ.
فهذا كلّه يرجع إلى الله -تبارك وتعالى- بين مُضمر وظاهر، هذا بالإضافة إلى بعض المواضع الخفيّة، يعني: مثلاً في قوله -تبارك وتعالى-: وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا، "حفظهما" هذا مصدرٌ مُضافٌ إلى المفعول، "حفظهما" يعني: السَّماوات والأرض، ولا بدَّ له من فاعلٍ: وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا، الآن "حفظ" هذا مصدرٌ مُضافٌ إلى المفعول الذي هو الهاء، الضَّمير، فهنا مَن الفاعل؟ هذا يرجع إلى الله -تبارك وتعالى-.
كم اجتمع عندنا؟ هذا يقول: اثنان وعشرون. وهذا يقول: ستة عشر. وأنت كم تقول؟ أربعة عشر، أكثر، أكثر، سبعة عشر، عددتم الأخيرة التي في المصدر؟
على كل حالٍ، لو دقَّقتم يصل إلى أكثر من هذا، لكن هي على هذا الحساب: ستة عشر، وإذا أضفت إليها الخفيّ الأخير؛ صارت سبعة عشر، هكذا عدَّها بعضُ أهل العلم، وبعضهم قالوا: ثمانية عشر: وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ.
المقصود: انظر، تأمّل هذا، هل وقفتَ مع الآية، وحسبتَ هذه الأشياء، ونظرتَ فيما تضمّنته من هذه الأسماء والصِّفات؟ هل توجد آية تضمّنت هذا القدر من أسماء الله وصفاته، وذكر هذه الأسماء ظاهرةً، وذكر الضَّمير الذي يرجع إليه ؟ هذه آية واحدة.
تصور الآن: أُبي بن كعب لما سأله النبيُّ ﷺ كان يستحضر هذه القضايا؟ هو لا يستحضر ذلك في آية الكرسي فقط، هو من علماء الصَّحابة ، فهو يستحضر آيات القرآن كلّها، وما تضمّنته بهذه الطَّريقة، فاستطاع أن يستخرج من بين هذه الآيات هذه الآية، ويقول: هذه أعظم آيةٍ من كتاب الله.
لاحظ، ونحن نُعمل أذهاننا، ونستعين بكلام أهل العلم حتى نستخرج هذه الأوجه التي دلّت عليها هذه الآية الكريمة من أسماء الله وصفاته، فانظر إلى علم الصَّحابة ، وما آتاهم الله .
أختم بذكر أمرين:
الأول: ما ذكره شيخُ الإسلام -رحمه الله- في مسألة الجهر بالآيات: فقد ذكر في "الفتاوى الكبرى" أنَّ النبي ﷺ والصَّحابة والخلفاء ما كانوا يجهرون بعد الصَّلاة بآية الكرسي ولا بغيرها من القرآن، ويرى أنَّ المداومة على ذلك من قبيل البدعة[5].
قلنا من قبل: إنَّه يجهر بالأذكار إلا الآيات، متى تُقرأ: قبل الأذكار، أو في آخرها بعدما يُسبح، ويحمد، ويُكبر، ونحو ذلك؟
الأمر في هذا يسيرٌ، لكن جاء في فتاوى سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله-: أنَّ آيةَ الكرسي تُقرأ بعد كل صلاةٍ، كما دلَّت عليه السُّنة، فيُستحبّ له أن يقرأها بعد السَّلام، وبعد الذكر بينه وبين نفسه[6]. يعني: من غير جهرٍ، بعد الذكر، يعني: يُسبح، ويحمد، ويُكبر.. إلى آخره، فإذا انتهى قرأ آيةَ الكرسي، ولا يجهر بذلك.
هذا ما يتعلّق بهذه الآية، وأسأل الله أن ينفعنا وإياكم بالقرآن العظيم، ويجعله ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وذهاب أحزاننا، وجلاء همومنا، وأن يُذكرنا منه ما نُسينا، وأن يُعلمنا منه ما جهلنا، وأن يرزقنا تلاوتَه آناء الليل وأطراف النَّهار على الوجه الذي يُرضيه عنا.
والله أعلم، وصلَّى الله على نبينا محمدٍ، وآله وصحبه.
- أخرجه مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل سورة الكهف وآية الكرسي، برقم (810).
- انظر: "الجواب الصحيح لمن بدَّل دين المسيح" لابن تيمية (3/209)، و"الصّفدية" لابن تيمية (2/64).
- انظر: "العذب النَّمير من مجالس الشَّنقيطي في التفسير" للشنقيطي (4/15).
- انظر: "الصفدية" لابن تيمية (2/64).
- انظر: "الفتاوى الكبرى" لابن تيمية (2/213).
- انظر: "فتاوى نور على الدرب" لابن باز (9/127).