الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله.
أما بعد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته،
ففي "أذكار الصَّباح والمساء" ذكر المؤلفُ تحت هذا العنوان قوله: "الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على مَن لا نبيَّ بعده"، ولا أعلم لماذا ذكر هذا تحت هذا العنوان في بداية أذكار الصباح والمساء؟! فإنَّ هذا ليس مما يُقال في بدايات الأبواب، وإنما يُقال في افتتاح الكتاب إن كانت مقدمةً، وإن كان المقصودُ الذكر فليس هذا من أذكار الصَّباح والمساء.
وذكر في التَّخريج في الهامش عن أنسٍ يرفعه: "لأن أقعد مع قومٍ يذكرون الله تعالى من صلاة الغداة حتى تطلع الشمسُ أحبُّ إليَّ من أن أعتق أربعةً من ولد إسماعيل، ولأن أقعد مع قومٍ يذكرون الله من صلاة العصر إلى أن تغرب الشمسُ أحبُّ إليَّ من أن أعتق أربعةً"[1]. رواه أبو داود، وحسَّنه الألباني في "صحيح أبي داود".
فكأنَّه يُشير بذلك إلى أنه يذكر ربَّه -تبارك وتعالى-، لكن ليس بهذه الصِّيغة، فهذه الجملة موضعها في هذا تحت هذا العنوان قد لا يكون دقيقًا.
ثم ذكر بعده: "قراءة آية الكرسي"، في أذكار الصَّباح والمساء هنا ذكر في الهامش قال: "مَن قالها حين يُصبح أُجير من الجنِّ حتى يُمسي، ومَن قالها حين يُمسي أُجير منهم حتى يُصبح". أخرجه الحاكم، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب"، وعزاه إلى النَّسائي والطَّبراني، وقال: "إسناد الطَّبراني جيدٌ"، هو ليس بهذه الدِّقّة -والله تعالى أعلم-، الذي صححه الشيخُ ناصر الدين الألباني ليس فيه ذكر الصَّباح والمساء، يعني: في قراءة آية الكرسي، غاية ما هنالك ما جاء في بعض الرِّوايات في واقعة تكررت مع عددٍ من الصَّحابة ، حاصلها أنَّ شيطانًا قد عمد إلى طعامٍ، أو تمرٍ من تمر الصَّدقة، فجعل يحثو أو يأخذ أو ينتقص هذا الطَّعام، فلما قيل له: لأرفعنَّك إلى رسول الله ﷺ. أراد أن يتخلَّص في الثالثة، فوعد بأن يُعلِّم مُخاطبه شيئًا ينفعه، فذكر له آيةَ الكرسي، وهذا جاء على أنواعٍ، في بعضها عند النوم: "إذا أويتَ إلى فراشك"[2]، وهذا هو المشهور من حديث أبي هريرة في أشهر رواياته.
وفي بعضها ما يُصرح بأنَّ الشيطان لا يقرب بيتَه أو داره، وفي بعضها أنَّه لا يقرب طعامَه، ولا يخلفه أحدٌ على أهله.
وفي بعضها أنَّه حينما يقرأ ذلك في الصَّباح يكون له ما سمعتُم حتى يُمسي، ومَن قرأها في المساء يكون له ما سمعتم حتى يُصبح.
حديث أبي هريرة في روايته المعروفة المشهورة التي أوردها الإمامُ البخاري -رحمه الله- في "صحيحه"[3] بقوله: وقال عثمان بن الهيثم أبو عمرو: حدَّثنا عوف، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة .
فبعض أهل العلم -كابن العربي المالكي- يرى أنَّ هذا من قبيل المنقطع في إسناده؛ وذلك لأنَّ البخاريَّ -رحمه الله- أسقط الواسطةَ، وهو شيخه الذي يرويه عن عثمان بن الهيثم، ولكن هذا ليس بقاطعٍ، فيحتمل أنَّ البخاري -رحمه الله- سمعه من عثمان بن الهيثم، وأنَّ الإسناد متَّصلٌ، فمَن رأى أنَّ الواسطةَ قد أسقطت عدَّه من المعلَّقات.
والحديث في روايته المشهورة قال: "وكَّلني رسولُ الله ﷺ بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آتٍ، فجعل يحثو من الطَّعام، فأخذتُه وقلتُ: والله لأرفعنَّك إلى رسول الله ﷺ، قال: إني محتاجٌ، وعليَّ عيالٌ، ولي حاجة شديدة. قال: فخليتُ عنه، فأصبحتُ، فقال النبيُّ ﷺ: يا أبا هريرة، ما فعل أسيرك البارحة؟، قلت: يا رسول الله، شكا حاجةً شديدةً وعيالاً؛ فرحمتُه فخلَّيتُ سبيله. قال: أما إنَّه قد كذبك وسيعود، فعرفت أنَّه سيعود لقول رسول الله ﷺ: إنَّه سيعود، فرصدتُه، فجاء يحثو من الطَّعام، فأخذتُه، فقلتُ: لأرفعنَّك إلى رسول الله ﷺ، قال: دعني؛ فإني محتاجٌ، وعليَّ عيالٌ، لا أعود. فرحمته فخليتُ سبيله، فأصبحتُ، فقال لي رسولُ الله ﷺ: يا أبا هريرة، ما فعل أسيرك؟، قلتُ: يا رسول الله، شكا حاجةً شديدةً وعيالاً؛ فرحمتُه فخليتُ سبيله. قال: أما إنَّه قد كذبك وسيعود، فرصدتُه الثالثة، فجاء يحثو من الطَّعام، فأخذتُه، فقلتُ: لأرفعنَّك إلى رسول الله ﷺ، وهذا آخر ثلاث مرَّاتٍ أنَّك تزعم لا تعود ثم تعود! قال: دعني أُعلِّمك كلمات ينفعك اللهُ بها. قلتُ: ما هو؟ قال: إذا أويتَ إلى فراشك فاقرأ آيةَ الكرسي: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255] حتى تختم الآية، فإنَّك لن يزال عليك من الله حافظٌ، ولا يقربنَّك شيطانٌ حتى تُصبح. فخليتُ سبيله، فأصبحتُ، فقال لي رسولُ الله ﷺ: ما فعل أسيرك البارحة؟، قلتُ: يا رسول الله، زعم أنَّه يُعلِّمني كلمات ينفعني اللهُ بها؛ فخلَّيتُ سبيله. قال: ما هي؟ قلتُ: قال لي: إذا أويتَ إلى فراشك فاقرأ آيةَ الكرسي من أوَّلها حتى تختم الآية: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ، وقال لي: لن يزال عليك من الله حافظٌ، ولا يقربك شيطانٌ حتى تُصبح. وكانوا أحرصَ شيءٍ على الخير، فقال النبيُّ ﷺ: أما إنَّه قد صدقك وهو كذوب، تعلم مَن تُخاطِب منذ ثلاثٍ يا أبا هريرة؟، قلت: لا. قال: ذاك شيطانٌ[4]، وفي بعض ألفاظه أنَّه قال: ذاك الشَّيطان[5].
"شيطانٌ" مُبهم، شيطانٌ من الشَّياطين، لكن ذاك الشَّيطان يحتمل أنَّه الشيطان الأكبر تمثّل بهذه الصُّورة، فهذه هي الرِّواية المشهورة، لكن ليس فيها ذكر الصَّباح والمساء، وإنما فيها قراءة هذه الآية عند النوم: إذا أوى إلى فراشه، وهذا الأثرُ المرتَّب عليها: "لا يزال عليك من الله حافظٌ، ولا يقربك شيطانٌ حتى تُصبح"، وهذا معلومٌ، ولا علاقةَ له بأذكار الصَّباح والمساء، لكن في روايةٍ أخرى عند النَّسائي[6] من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- وقع في بعض ألفاظه مُغايرة.
كذلك أيضًا وقع مثل ذلك لمعاذ بن جبل ، كما عند الطَّبراني[7]، وأبي بكر الرُّوياني[8].
فقوله هنا انظروا الفُروقات بين الرِّوايات الواردة في الباب، سواء من حديث أبي هريرة ، أو ما جاء عن غيره من الصَّحابة ، فيقول: "وكَّلني رسولُ الله ﷺ بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آتٍ يحثو"[9].
وفي روايةٍ أخرى من حديث أبي هريرة: "أنَّه كان على تمر الصَّدقة"[10]، وتمر الصَّدقة وزكاة رمضان المعنى مُتقارب، وفيه أيضًا: "فوجد أثر كفٍّ كأنَّه قد أُخِذَ منه"[11]، يعني: هو لاحظ النَّقص، فتفطَّن إلى وجود مَن ينقصه ويأخذ منه.
وفي روايةٍ لابن الضّريس في كتابه: "فضائل القرآن" -كتابٌ مطبوعٌ- يقول: "فإذا التَّمر قد أُخِذَ منه ملء كفٍّ"[12].
وقوله هنا في الرِّواية التي أوردها آنفًا عند البخاري، يقول: "فأخذتُه"، وفي روايةٍ ليست عند البُخاري: "أنَّ أبا هريرة شكا ذلك إلى النبي ﷺ"، يعني: لما رأى النَّقص، فقال له النبيُّ ﷺ، يعني: أبو هريرة هو الذي شكا للنبي ﷺ من البداية، فقال له النبيُّ ﷺ: إن أردتَ أن تأخذه فقل: سبحان مَن سخَّرك لمحمدٍ ﷺ!، يقول: فقلتُها، فإذا أنا قائمٌ بين يديه"[13].
وقوله في رواية البخاري: "إني محتاجٌ، وعليَّ عيالٌ"، يعني: نفقة عيالٍ، أو لي عيالي. وفي روايةٍ: فقال: "إنما أخذتُه لأهل بيتٍ فُقراء من الجنِّ".
الشَّاهد أنَّه قال له في حديث أبي هريرة: "دعني أُعلّمك"[14]، وفي روايةٍ: "خَلِّ عني أُعلمك كلمات ينفعك الله بها"[15]، وفي روايةٍ: "إذا قلتهنَّ لم يقربك ذكرٌ ولا أنثى من الجنِّ"[16].
وفي روايةٍ لابن الضّريس: "لا يقربك من الجنِّ ذكرٌ ولا أنثى، صغيرٌ ولا كبيرٌ"، وقال: "قلتُ: ما هنَّ؟"، وفي روايةٍ: "قلتُ: وما هؤلاء الكلمات؟" فقال له: "إذا أويتَ إلى فراشك"، وفي روايةٍ: "عند كل صباحٍ ومساءٍ"، وهذا هو الشَّاهد.
وفي حديث معاذ بن جبل فيه زيادة ذكر خاتمة سورة البقرة: آمَنَ الرَّسُولُ [البقرة:285] إلى آخرها، وقال في أول حديث معاذٍ: "ضمَّ إليَّ رسولُ الله ﷺ تمر الصَّدقة، فكنتُ أجد فيه كلَّ يومٍ نقصانًا، فشكوتُ ذلك إلى رسول الله ﷺ، فقال لي: هو عمل الشَّيطان، فارصده، فرصدتُه، فأقبل في صورة فيلٍ، فلمَّا انتهى إلى الباب دخل من خلل الباب في غير صورته، فدنا من التَّمر، فجعل يلتقمه، فشددتُ عليَّ ثيابي، فتوسّطه"[17]، وفي روايةٍ: "فأخذتُه، فالتفَّت يدي على وسطه، فقلتُ: يا عدو الله، وثَبْتَ إلى تمر الصَّدقة فأخذتَه، وكانوا أحقَّ به منك، لأرفعنَّك إلى رسول الله ﷺ فيفضحك"[18].
وفي روايةٍ: "ما أدخلك بيتي تأكل التَّمر؟! قال: أنا شيخٌ كبيرٌ، فقيرٌ، ذو عيالٍ، وما أتيتُك إلا من نصيبين"، يعني: هو من بلدٍ يُقال له: نصيبين، كما هو معلومٌ في قصة جنِّ نصيبين، جاء هذا الاسم، يقول: "ولو أصبتَ شيئًا دونه ما أتيتُك، ولقد كنا في مدينتكم هذه حتى بعث صاحبكم، فلمَّا نزلت عليه آيتان تفرَّقنا منها، فإذا خليتَ سبيلي علّمتُكهما. قلتُ: نعم. قال: آية الكرسي، وآخر سورة البقرة من قوله: آمَنَ الرَّسُولُ"[19].
وجاء هذا أيضًا من حديث أُبي بن كعب عند النَّسائي في "السنن الكبرى"[20]، وكذلك عن أبي أيوب الأنصاري عند الترمذي[21]، ومن حديث أبي أسيد الأنصاري عند الطَّبراني في "الكبير"[22]، وزيد بن ثابت عند ابن أبي الدُّنيا، جاءت وقائع مُشابهة[23]، وهذا كما قال الحافظُ ابن حجر -رحمه الله-: "محمولٌ على التَّعدد؛ أنَّ الواقعةَ تعددت مع جماعةٍ من الصحابة "[24].
ففي حديث أُبي بن كعب: "أنَّه كان له جرنٌ فيه تمرٌ"، المكان الذي يُوضع فيه، وأنَّه كان يتعاهده، فوجده ينقص، فإذا هو بدابَّةٍ شبه الغلام المحتلم"، يعني: بحجم الغلام الذي ناهز سنَّ الاحتلام، يعني: لم يبلغ في هيئته وخلقته مبلغ الرِّجال الذين قد اكتمل نموّهم، وإنما الغلام المحتلم أربع عشرة سنةً، أو نحو ذلك، بهذه الحدود، ومعلومٌ أنَّ الذكر إنما يكمل نموّه -العظام عند الأطباء- إذا بلغ الحادية والعشرين، والبنت إذا بلغت السَّابعة عشرة، يعني: يكتمل نمو العظام، فهذا –يعني- بقدر الغلام المحتلم.
يقول: فقلتُ له: أجنٌّ أم إنسيٌّ؟ قال: بل جنيٌّ.
وفيها أنَّه قال له: بلغنا أنَّك تُحبّ الصَّدقة، وأحببنا أن نُصيبَ من طعامك. قال: فما الذي يُجيرنا منكم؟ قال: هذه الآية؛ آية الكرسي. فذكر ذلك للنبي ﷺ فقال: صدق الخبيثُ[25].
فهنا لم يذكر ذلك أنَّه إذا أوى إلى فراشه، ولا في الصَّباح، ولا المساء، ولا إذا قالها في بيته، وإنما جاء ذلك بإطلاقٍ، وليس ذلك في كلِّ ألفاظه كما سيأتي.
ومن حديث أبي أيوب الأنصاري : "أنَّه كانت له سهوة"، يعني: الصّفة التي فيها التَّمر، والسَّهوة بعضُهم يقول: ثلاثة أعوادٍ يُوضع عليها الشَّيء، يعني: مثل الرَّفِّ، أو نحو ذلك.
وبعضهم يقول: مثل الخزانة الصَّغيرة تكون –يعني- مُنهبطة في الأرض، ومُرتفعة، لها ارتفاعٌ قليلٌ، يُوضَع فيها المتاع.
الشَّاهد: "كانت له سهوة، وكانت الغولُ تجيء فتأخذ منه"، المقصود بالغول: الجنّ إذا تهيَّأوا وتشكَّلوا بصورةٍ مُعينةٍ، هذا المقصود بالغول، والرِّوايات التي جاءت بالغول لا تخلو من ضعفٍ، "كانت الغولُ" يقول: "تجيء فتأخذ منه"، فشكا ذلك إلى النبي ﷺ، فقال: إذا رأيتَها فقل: بسم الله، أجيبي رسول الله، فأخذها، فحلفت ألا تعود، فذكر ذلك ثلاثًا، فقالت: إني ذاكرةٌ لك شيئًا؛ آية الكرسي، اقرأها في بيتك؛ فلا يقربك شيطانٌ ولا غيره"[26].
هنا: "اقرأها في بيتك"، وحديث أُبي بإطلاقٍ، وفي حديث أبي هريرة: "إذا أويتَ إلى فراشك"، وفي لفظٍ منه: أنَّه في الصَّباح والمساء.
وفي حديث أبي أسيد السَّاعدي لما قطع تمرَ حائطه جعلها في غرفةٍ، وكانت الغولُ تُخالفه فتسرق تمره وتُفسده عليه، فذكر نحو حديث أبي أيوب سواء، وقال في آخره: "وأدلّك على آيةٍ تقرأها"، يعني: لما عرفه وأخذه قال له: "أدلّك على آيةٍ تقرأها في بيتك فلا يُخالف إلى أهلك"، يعني: لا يعقبهم مَن تكره بعد أن تخرج منه، "وتقرأها على إنائك فلا يُكشَف غطاؤه"[27]، وهي آية الكرسي.
وفي حديث زيد بن ثابت: أنَّه خرج إلى حائطه -المزرعة-، فسمع جلبةً، فقال: "ما هذا؟ قال: رجلٌ من الجنِّ، أصابتنا السّنة –يعني: مجاعة وقحط-، فأردتُ أن أُصيبَ من ثماركم. فقال له: فما الذي يُعيذنا منكم؟ قال: آية الكرسي"[28].
فهذه الألفاظ المتعددة المتنوعة، وهذه الألفاظ جمعها الحافظُ ابن حجر -رحمه الله- في "الفتح"[29]، وقد جمعت جملة من هذه الألفاظ والرِّوايات من مصادرها؛ لأنَّ المذكورَ هنا ليس فيه ذكر "الصَّباح والمساء"، الرِّواية التي أشار إليها في "صحيح الترغيب والترهيب"[30].
فالحاصل أنَّ حديثَ أُبي بن كعب الذي هنا كأنَّه يُشير إليه لفظه هكذا: "أنَّه كان لهم جرنٌ فيه تمرٌ، وكان أبي يتعاهده، فوجده ينقص، فحرسه، فإذا هو بدابَّةٍ تُشبه الغلام المحتلم، فسلّمت، فردّ السلام، يقول: فقلتُ: مَن أنت: أجنٌّ أم إنسٌ؟ قال: جنٌّ. قال: فناولني يدك، فناولني يده، فإذا يد كلبٍ، وشعر كلبٍ. قال: هكذا خلق الجنّ؟ قال: لقد علمت الجنّ ما فيهم أشدّ مني. يعني: يد الكلب ضعيفة، يعني: إذا قبضت هي ليست كيد الأسد مثلاً، فكأنَّ السؤال -والله أعلم- أنَّه كأنَّه رأى هذا الضَّعف، فهذا يقول: قد علمت الجنّ أنَّه ما فيهم أشدّ مني. يعني: كأنَّه يقول: هذا أقوى ما هنالك، والله أعلم.
فقال له أُبي: "ما حملك على ما صنعتَ؟ قال: بلغنا أنَّك رجلٌ تُحبُّ الصَّدقةَ، فأحببنا أن نُصيب من طعامكم. قال أُبي: فما الذي يُجيرنا منكم؟ قال: هذه الآية؛ آية الكرسي"، ولم يذكر الصَّباح والمساء.
هذا عند النَّسائي في "الكبرى"[31]، والحاكم[32]، وقال المنذري: إسناده صحيحٌ[33]، أو حسنٌ، أو ما قاربهما. وقال البُوصيري: له شاهدٌ. وأشار الشيخُ أحمد شاكر إلى أنَّه صحيحٌ[34]، وصححه الشيخ ناصر الدِّين الألباني[35].
هذا الذي في "صحيح الترغيب والترهيب" من حديث أُبي بن كعب، وليس فيه ذكر الصَّباح والمساء، لكن اللَّفظ الذي عند الحاكم في "المستدرك" عن أُبي جاء فيه: قال: "فما يُجيرنا منكم؟ قال: تقرأ آيةَ الكرسي من سورة البقرة: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ، قال: نعم، قال: فإذا قرأتها غدوةً أُجرتَ منا حتى تُمسي، وإذا قرأتها حين تُمسي أُجرتَ منا حتى تُصبح". قال الحاكم: "هذا حديثٌ صحيحُ الإسناد، ولم يُخرجاه".
وجاء عند الحاكم من حديث ابن عباسٍ -رضي الله عنهما- قال: "كان رسولُ الله ﷺ نازلاً على أبي أيوب الأنصاري في غرفةٍ –يعني: أول ما هاجر إلى المدينة-، وكان طعامُه في سلَّةٍ من المخدع -وهو غرفةٌ صغيرةٌ يُوضَع فيها نفيس المتاع-، فكانت تجيء من الكوة السّنور –يعني: الهرّة- حتى تأخذ الطَّعامَ من السَّلة، فشكا ذلك إلى رسول الله ﷺ، فقال رسولُ الله ﷺ: تلك الغول، فإذا جاءت فقل لها: عزم عليكِ رسولُ الله ﷺ ألا ترجعي، فجاءت، فقال لها أبو أيوب: عزم عليكِ رسولُ الله ﷺ ألا ترجعي. فقالت: يا أبا أيوب، دعني هذه المرّة، فوالله لا أعود. فتركتها، أو فتركها، فأتى رسول الله ﷺ فأخبره، قالت ذلك مرتين –يعني: تكرر-، ثم قالت: هل لك أن أُعلّمك كلمات إذا قلتُهنَّ لا يقرب بيتَك شيطانٌ تلك الليلة، وذلك اليوم، ومن غدٍ؟ قال: نعم، قالت: اقرأ آيةَ الكرسي: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ. فأتى رسول الله ﷺ فأخبره، قال: صدقَتْ، وهي كذوبٌ[36]. هذا أخرجه الحاكمُ، وسكت عنه الذَّهبي.
وهناك روايات أخرى سيأتي ذكرُها، إن شاء الله تعالى.
والله أعلم، وصلَّى الله على نبينا محمدٍ، وآله وصحبه.
- أخرجه أبو داود: كتاب العلم، باب في القصص، برقم (3667)، وحسَّنه الألباني في "صحيح الجامع"، برقم (5036).
- متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب الوكالة، باب إذا وكَّل رجلًا، فترك الوكيلُ شيئًا، فأجازه الموكّل، فهو جائزٌ، وإن أقرضه إلى أجلٍ مُسمًّى جاز، برقم (2311)، وكتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده، برقم (3275)، ومسلم: كتاب الذكر والدُّعاء والتوبة والاستغفار، باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع، برقم (2710).
- أخرجه البخاري: كتاب الوكالة، باب إذا وكّل رجلًا، فترك الوكيل شيئًا، فأجازه الموكّل، فهو جائز، وإن أقرضه إلى أجلٍ مُسمًّى جاز، برقم (2311).
- الرِّواية السَّابقة.
- أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" (4/91)، برقم (2424).
- أخرجه البخاري: كتاب الوكالة، باب إذا وكّل رجلًا، فترك الوكيل شيئًا، فأجازه الموكّل، فهو جائزٌ، وإن أقرضه إلى أجلٍ مُسمًّى جاز، برقم (2311)، وكتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده، برقم (3275)، والنَّسائي في "السنن الكبرى"، برقم (10729).
- أخرجه الطَّبراني في "المعجم الكبير" (20/51)، برقم (89).
- انظر: "فتح الباري" لابن حجر (4/488).
- أخرجه النَّسائي في "السنن الكبرى"، برقم (10729).
- أخرجه النَّسائي في "السنن الكبرى"، برقم (7963).
- أخرجه النَّسائي في "السنن الكبرى"، برقم (7963)، وبرقم (10729).
- "فضائل القرآن" لابن الضريس (ص93)، برقم (195).
- رواية النَّسائي المخرّجة سابقًا.
- أخرجه البخاري: كتاب الوكالة، باب إذا وكل رجلًا، فترك الوكيل شيئًا، فأجازه الموكّل، فهو جائز، وإن أقرضه إلى أجلٍ مُسمًّى جاز، برقم (2311)، والنَّسائي في "السنن الكبرى"، برقم (10729).
- أخرجه النَّسائي في "الكبرى"، برقم (7963)، وفي "عمل اليوم والليلة"، برقم (958).
- أخرجه النَّسائي في "الكبرى"، برقم (7963)، وفي "عمل اليوم والليلة"، برقم (958).
- أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (20/51)، برقم (89).
- "فتح الباري" لابن حجر (4/488).
- "فتح الباري" لابن حجر (4/488).
- أخرجه النَّسائي في "الكبرى" (9/352)، برقم (10731).
- أخرجه الترمذي: أبواب فضائل القرآن عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، باب ما جاء في فضل سورة البقرة وآية الكرسي، برقم (2880)، وقال: "هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ، وفي الباب عن أُبي بن كعب".
- أخرجه الطَّبراني في "المعجم الكبير" (19/263)، برقم (585).
- انظر: "هواتف الجنان" لابن أبي الدنيا (ص132)، برقم (164)، و"مكائد الشيطان" (ص35).
- "فتح الباري" لابن حجر (4/294).
- أخرجه النَّسائي في "السنن الكبرى"، برقم (10730)، وبرقم (10731)، وابن حبان في "صحيحه"، برقم (784)، والحاكم في "المستدرك"، برقم (2064)، وقال: "هذا حديثٌ صحيحُ الإسناد، ولم يُخرجاه"، وصححه لغيره الألبانيُّ كما في "السلسلة الصَّحيحة"، برقم (3245).
- أخرجه الترمذي: أبواب فضائل القرآن عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، باب ما جاء في فضل سورة البقرة وآية الكرسي، برقم (2880)، وأحمد في "المسند"، برقم (23592)، وقال مُحققوه: "إسناده ضعيفٌ".
- "مختصر قيام الليل وقيام رمضان وكتاب الوتر" لأحمد بن علي المقريزي (ص167).
- "العظمة" لأبي الشيخ الأصبهاني (5/1674).
- انظر: "فتح الباري" لابن حجر (4/487)، وما بعدها.
- "الترغيب والترهيب" للمنذري (2/244)، برقم (2258).
- أخرجه النسائي في "السنن الكبرى"، برقم (10730).
- "المستدرك على الصحيحين" للحاكم (1/749)، برقم (2064).
- "الترغيب والترهيب" للمنذري (2/244)، برقم (2258).
- "عمدة التفسير" (1/311).
- "السلسلة الصحيحة"، برقم (3245).
- أخرجه الحاكم في "المستدرك"، برقم (5932).