الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله.
أما بعد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته،
نواصل الكلام على حديث عليٍّ : أنَّ فاطمةَ -رضي الله عنها- أتت النبيَّ ﷺ تشكو إليه ما تلقى في يدها من الرَّحى، وبلغها أنَّه جاءه رقيقٌ، فلم تُصادفه، فذكرتْ ذلك لعائشةَ، فلمَّا جاء أخبرته عائشةُ.
يقول عليٌّ : فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبنا نقوم، فقال: على مكانكما، فجاء فقعد بيني وبينها، حتى وجدتُ بردَ قدميه على بطني، فقال: ألا أدلُّكما على خيرٍ مما سألتُما؟ إذا أخذتُما مضاجعَكما، أو أويتُما إلى فراشكما، فسبِّحا ثلاثًا وثلاثين، واحمدا ثلاثًا وثلاثين، وكبِّرا أربعًا وثلاثين، فهو خيرٌ لكما من خادمٍ. وهو مُخرَّجٌ في "الصَّحيحين"[1]، وقد مضى الكلامُ على صدر هذا الحديث.
فالنبي ﷺ قال لابنته وزوجها ابن عمِّه -رضي الله عنهم أجمعين-: ألا أدلُّكما على خيرٍ مما سألتُما؟ يعني: مما طلبتُما من الرَّقيق أو الخادم، وذكر لهما النبيُّ ﷺ التَّسبيح، والتَّحميد، والتَّكبير، وقد جاء مُرتَّبًا هكذا في هذه الرِّواية، وأنَّهما يُكبِّران أربعًا وثلاثين، وأما التَّسبيح والتَّحميد فـثلاثًا وثلاثين، لكنَّه جاء في بعض الرِّوايات: أنَّ التَّكبير يكون أيضًا ثلاثًا وثلاثين[2]، وفي بعض الرِّوايات: أنَّ التَّسبيح يكون أربعًا وثلاثين، وفي بعض الرِّوايات: أنَّ التَّحميد يكون أربعًا وثلاثين[3].
ولكن أكثر الرُّواة على أنَّ التَّكبير أربعًا وثلاثين، وأنَّ التَّسبيح والتَّحميد ثلاثًا وثلاثين، هذا عليه الأكثر، وهو الأشهر، ومن ثم رجَّحه كثيرٌ من أهل العلم.
والنبي ﷺ ذكر أنَّ ذلك أفضل، أو أنَّه خيرٌ لهما مما سألا من الخادم أو المملوك، يعني: إذا قالا ذلك في هذا الوقت حينما يأخُذان مضاجعهما، فهذا أفضل لهما مما سألا.
وهنا في هذه الرِّواية ذكر التَّسبيح، ثم التَّحميد، ثم التَّكبير، وجاء أيضًا في بعض الرِّوايات: أنَّ التكبير أولاً[4]، وهذا رجَّحه بعضُ أهل العلم، فيبدأ بالتَّكبير هنا عند النوم، وممن ذهب إلى هذا الحافظُ ابن كثير -رحمه الله-، ويقول: بأنَّ تقديم التَّسبيح يكون في الأذكار التي تكون بعد الصَّلاة: يُسبِّح، ثم يحمد، ثم يُكبِّر، أمَّا عند النوم فيُكبِّر، ثم يذكر ما بعده من التَّسبيح والتَّحميد[5].
وبعض أهل العلم يقولون: هذا جاء في بعض الرِّوايات، فالمكلَّف مُخيَّرٌ، فيكون عاملاً بهذه الرِّوايات، وهي روايات صحيحة.
ونظروا أيضًا إلى أنَّ المقصود هو تحصيل العدد، يعني: أن يأتي المكلَّفُ بهذا الذكر، وأنَّ هذا الترتيبَ لا يُؤثر، ومن ثم فإنَّه إذا قدَّم هذا تارةً، وقدَّم هذا تارةً، فإنَّ ذلك لا أثرَ له.
ويدلّ على ذلك أيضًا ما جاء في الحديث الآخر من أنَّ النبي ﷺ أخبر أنَّه بأيِّهنَّ بدأ لم يضرّ، كما جاء في التَّسبيح، والتَّحميد، و(لا إله إلا الله)، و(الله أكبر)، قال: لا يضرّك بأيِّهنَّ بدأتَ[6]، وقد مضى الكلامُ على هذا، فقالوا: هذا نظير ذاك، وأنَّه لا يضرّ التَّقديم والتَّأخير، فالمقصود أن يُؤتى بهذه الأذكار.
وأما وجه تخصيص التَّكبير بالزيادة بـأربعًا وثلاثين كما في الذكر بعد الصَّلاة في بعض صُوره، وكذلك هنا على أشهر الرِّوايات، فقال بعضُ أهل العلم: لما في ذلك من زيادة التَّعظيم، فإنَّ التَّعظيم والتَّكبير قرينان، فالعظيم هو الكبير، ذو الجلال، والعظمة، والكبرياء؛ ولهذا كثيرٌ من أهل العلم يُفسِّرون العظيمَ بالكبير، كما سيأتي -إن شاء الله- الكلامُ عليه في الأسماء الحسنى، فقالوا: هذا يستلزم الصِّفات التَّنزيهية والثُّبوتيَّة المستفادة من التَّسبيح والحمد؛ فالتَّسبيح تنزيهٌ، والتَّحميد فيه إثباتٌ لصفات الكمال؛ لأنَّ الذي يُحمد إنما يُحمد لكماله؛ ولهذا كان اللهُ له الحمد المطلق، ونقول: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، وأنَّ (أل) هذه للاستغراق، كما مضى في بعض المناسبات، فيكون ذلك استغراقًا لجميع المحامد؛ لأنَّ الله -تبارك وتعالى- هو الكامل من كل وجهٍ، الذي يستحقّ الحمد المطلق الكامل من كل وجهٍ.
وقول النبي ﷺ بأنَّ هذا يكون خيرًا لهم من الخادم، يعني: أفضل، على أي وجهٍ يكون ذلك؟
يحتمل أن يكون وجه الخيرية -كما يقوله بعضُ أهل العلم- باعتبار ما يتَّصل بالعمل الأُخروي، وأنَّ هذا تسبيحٌ وتكبيرٌ وتحميدٌ، فهذا يكون له من الأجر والثَّواب عند الله -تبارك وتعالى- ما هو أفضل من هذا المطلوب الدُّنيوي، وهو الخادم، وهذا له وجهٌ.
ويحتمل أن يكون المراد بذلك معنًى يتَّصل بالمطلوب؛ لأنَّهما إنما جاءا إلى النبي ﷺ يطلبان الخادم، فأرشدهما إلى ما هو أفضل من الخادم، إذًا هذا يتعلَّق به معنًى أُخروي، ويتعلَّق به معنًى دُنيوي. وهذا ربما يكون أقربَ من الذي قبله، بمعنى: أنَّ مَن أتى بهذا الذكر فإنَّه يحصل له من القوة والإعانة على أعماله والمشاقّ التي يُلاقيها ويُكابدها في مُزاولاته ما لا يكون لغيره؛ فيكون ذلك أعظم مما لو كان عنده الخادم.
والإنسان قد يكون عنده من العُمَّال والخدم، ولكنَّه مع ذلك ربما يُعاني، بل ربما كان الحالُ بالنسبة إلى بعضهم أنَّه لو قام بالعمل بنفسه لكان ذلك ربما أحسن حالاً، وأريح بالاً من قيام هذا الذي يُوجِّهه، ولربما يُخطئ المرة بعد المرة، ويحتاج إلى مُتابعةٍ دائمةٍ مُستمرةٍ، ويمكن أن يقوم هذا بالعمل في جزءٍ قليلٍ من هذا الوقت الذي يقضيه في مُتابعة هذا الإنسان، فتجد هذه المرأة مُستوفزة سائر النَّهار: تُوجّه، وتأمر، وتنهى، ولا تستطيع أن تستريح، أو أن تغفل؛ لأنَّ هذه الخادمة ربما لا تُحسن التَّصرف، أو القيام بهذه الأعمال المطلوبة على الوجه الصَّحيح، فتجد هذه المرأة لا هي التي استراحت ونامت، أو اشتغلت بنفسها، ولكنَّها باقية كالحارس، فلو أنَّها اشتغلت بذلك لنفسها لربما اختصرت كثيرًا من الجهد والعناء.
ومن ثم فإنَّه يمكن أن يُقال: بأنَّ ذلك يكون سببًا لإعانةٍ وقوةٍ، ويتمكَّن معها الإنسانُ من القيام بهذه الأعباء والتَّكاليف.
وفيما يتعلّق بهذا المعنى يقول الحافظُ ابن القيم -رحمه الله-: "إنَّ الذكر يُعطي الذاكرَ قُوَّةً، حتى إنَّه ليفعل مع الذكر ما لم يظنّ فعله بدونه، وقد شاهدتُ من قوة شيخ الإسلام ابن تيمية في سننه وكلامه وإقدامه وكتابه أمرًا عجيبًا، فكان يكتب في اليوم من التَّصنيف ما يكتبه النَّاسخ في جمعةٍ وأكثر، وقد شاهد العسكرُ من قوته في الحرب أمرًا عظيمًا، وقد علَّم النبيُّ ﷺ ابنتَه فاطمة وعليًّا -رضي الله عنهما- أن يُسبِّحا كلَّ ليلةٍ إذا أخذا مضاجعهما ثلاثًا وثلاثين، ويحمدا ثلاثًا وثلاثين، ويُكبِّرا أربعًا وثلاثين، لما سألته الخادمَ، وشكت إليه ما تُقاسيه من الطَّحن والسَّعي والخدمة، فعلَّمها ذلك، وقال: إنَّه خيرٌ لكما من خادمٍ، فقيل: إنَّ مَن داوم على ذلك وجد قوةً في يومه مُغنية عن خادمٍ"[7].
وشيخ الإسلام -رحمه الله- يقول: "بلغنا أنَّ مَن حافظ على هذه الكلمات لم يأخذه إعياءٌ فيما يُعانيه من شغل غيره"[8]، كإنسانٍ مُوظَّفٍ يشتغل، أو إنسان أجير يعمل، والمرأة تطبخ للأولاد وللزوج، وتقوم بشؤون المنزل، وما إلى ذلك، يقول: "لم يأخذه إعياءٌ فيما يُعانيه من شغل غيره"، والذي يجد تعبًا وإرهاقًا في العمل يمكن أن يقول مثل هذا الذكر، ويجد من الإعانة والقوَّة ما لا يخطر له على بالٍ.
وهذا الحديث يُستفاد منه أيضًا: حمل الإنسان الأهلَ على ما يحمل عليه نفسه إذا كانوا يُطيقون ذلك ويتحمَّلون، وعندهم من الاحتساب والرَّغبة فيما عند الله -تبارك وتعالى-، وإيثار الآخرة على الدنيا، فيحملهم على ذلك بما يُطيقون، ولكن إذا كانوا دون هذه المثابة فينبغي أن يُراعي هذا؛ لئلا تنفر قلوبُهم، يعني: من الناس مَن تكون له أحوال في الورع والزهد والتَّقشف من الدنيا، والتَّقلل منها، ويُريد أن يحمل أهلَه وزوجتَه وأولادَه على هذه المحامل الصَّعبة، فهذا يُرهقهم، ويُنفرهم، فتنفر نفوسُهم، وتكره ربما العبادة والأعمال الصَّالحة، بل ربما كرهوا أهلَ الصَّلاح، وكرهوا العملَ برُمَّته.
فالمرأة أحيانًا تكون ما اعتادت، أو تكون مُنشغلةً مع الأولاد وتربية الصِّغار، والقيام على شؤونهم، وتسهر إلى وقتٍ مُتأخِّرٍ من الليل، وليس على الواتس، ولا على تويتر، ولكن على الأولاد ورعاية هؤلاء الصِّغار وشؤون المنزل، أو التَّفرغ لذلك بعدما ينامون، فتنام مُتأخِّرةً، والزوج يُوقِظ الصَّغير والكبير من قبل الفجر، ويقول: نحن لسنا من أهل الغفلة. ويقومون ويُصلون، ثم ما ينام أحدٌ من بعد صلاة الفجر، المرأة تكون مُتعبةً ومُرهقةً وفي حالٍ من المعاناة، فيستطيع أن يحمل نفسَه هو على هذا، ولا يُلزم الآخرين به، لكنَّه يُرشدهم ويحثّهم عليه، لكن لا يستطيع أن يُلزم الآخرين بمثل هذا.
كون هذا الإنسان مثلاً يصوم يومًا ويُفطر يومًا، أو ربما يصوم الاثنين والخميس، أو نحو هذا، وهم لا يُطيقون الصوم، فيحملهم على ذلك، فهذا أيضًا غير صحيحٍ، لكنَّه يحثُّهم على الصيام، وقد يكون هذا الإنسانُ يقوم ثلثَ الليل، فيُوقِظ الجميع، فهذا أمرٌ قد يشقّ عليهم، فينبغي أن يُراعى مثل هذا.
وكذلك أحيانًا الإنسانُ يكون عنده صبرٌ وجلدٌ، وليس في نفسه أدنى التفاتٍ إلى التَّرفيه والتَّنزه، وما إلى ذلك؛ لكن الزوجة والأولاد لا يُطيقون هذا، فيحتاجون إلى شيءٍ من التَّرفيه المباح، والسَّفر المباح، وما إلى ذلك، أو سفر الطَّاعة، فكون الإنسان ينقطع بالكليَّة ويقول: أنا لا أُسافر، وأنا أشتغل مثلاً بالعلم والعمل الجاد، أو الدَّعوة إلى الله، أو ما أشبه ذلك، وليس عندي وقتٌ أصلاً أن أذهب: لا إلى بريَّةٍ، ولا استراحةٍ، ولا بحرٍ، ولا غير ذلك من أماكن ليس فيها مُنكرات.
نقول: أنت تُطيق هذا، لا بأس، لكن هؤلاء الذين تحت يدك إن لم يكن عندهم مَن يذهب بهم سواك!
فينبغي للإنسان أن يحتسب عند الله ذلك، ولن يكون أقلّ مما هو فيه -إن شاء الله- من العمل الجاد، والاشتغال بالعلم، فإنَّ ذلك من إدخال السُّرور على هؤلاء، وإجمام القلوب الذي يحتاجون إليه، فالاعتدال في الأمور مطلوبٌ، ويستطيع الإنسانُ أن يحمل نفسَه على حالٍ، لكن لا يستطيع أن يحمل الآخرين عليها إذا كانت نفوسُهم لا تطيق هذا، فإنَّ هذا يُورثهم ربما نفورًا وكراهيةً واستثقالاً لما هو عليه.
ومن مقاصد الشَّريعة -كما قال الشَّاطبي- حينما كلَّف الله الناسَ بها: المداومة على العمل، والإقبال عليه بنفوسٍ راضيةٍ مُحبَّةٍ، وأمَّا إذا ركب الإنسانُ مراكبَ صعبةً، فصار يقبل، أو مَن معه يقبلون على هذه الأمور من الطَّاعات بنفوسٍ مُتثاقلةٍ، فهذا لا يصلح بحالٍ من الأحوال فيما دون الفرائض، لكن في حدود لله ينبغي أن يُرغِّبهم فيها، وأن يُكلِّمهم في ذلك، فإن نفع الكلامُ وإلا حملهم على ذلك بالقوة: كلُّكم راعٍ، ومسؤولٌ عن رعيَّته[9]، فهذه البنت تُريد أن تخرج مُتهتكة، وهذه الزوجة تُريد أن تخرج وتعبث بحجابها، وما إلى ذلك، يقول لها: لا، وإن كان ولا بدَّ فإذًا لا خروجَ من هذه الدار: لا لدراسةٍ، ولا لعملٍ، ولا لزيارةٍ، ولا لشيءٍ إطلاقًا بهذا الحجاب، فتبقى في البيت، ولا تخرج إلا أن تلتزم حدود الله ، فحدود الله لا مجالَ للتَّنازل فيها، لكن في الكلام في المستحبَّات والنَّوافل، وما إلى ذلك، فهذا لا إشكالَ فيه، والاعتدال في الأمور مطلوبٌ، ولا داعي للمُبالغات، ولا داعي لحمل الناس على أحوالٍ لا يُطيقونها.
وفي هذا الحديث أيضًا يُؤخَذ مدى شفقة النبي ﷺ على أهله؛ حيث جاء إليهما بنفسِه ﷺ لما علم ذلك، وهذا من كمال تواضعه.
وأيضًا أبقاهما على حالهما على الفراش، وجلس بينهما ﷺ، فهذا كلّه يدلّ على كمال الشَّفقة، وكمال التَّواضع.
وكذلك يُؤخذ من هذا الحديث مسألة: وهي الخادم للزوجة: هل هذا مما يلزم الزوج، أو لا يلزمه؟
فالنبي ﷺ هنا لم يُلزم عليًّا بالخادم، ففُهِمَ منه أنَّ ذلك لا يلزم الزوج، ومن أهل العلم مَن قيّد ذلك بما إذا كانت هذه المرأة ليست ممن يُخدم في بيت أهلها، يعني: حينما كانت عند أهلها ليس لها خادمٌ، إذًا إذا تزوَّجها هو غير مُلزمٍ بذلك، إذا كانت قادرةً على الخدمة من: طبخٍ، وخبزٍ، وكنسٍ، وما إلى ذلك، ولو كان ذلك واجبًا لأمر به عليًّا -رضي الله عنه وأرضاه-.
وذهب آخرون -كالإمام مالكٍ رحمه الله- إلى أنَّ خدمةَ البيت تلزم المرأة، ولو كانت الزوجةُ ذات قدرٍ وشرفٍ، إذا كان الزوجُ مُعسرًا؛ لأنَّ الله لا يُكلِّف نفسًا إلا ما آتاها: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ [الطلاق:7]، فالمرأة لا تُطالبه بأمورٍ تخرج عن طاقته وإمكاناته، وتُكلِّفه أمورًا ليست في وسعه، فهذا ينبغي أن تُراعيه المرأة، ولا يلزم الرجل مثل هذا على قول الإمام مالك -رحمه الله-.
قال: ولذلك النبيُّ ﷺ ألزم فاطمةَ بالخدمة الباطنة، يعني: أمور البيت، وعليّ بالخدمة الظَّاهرة[10]، فهو يسنو ويعمل -كما سبق- باستخراج الماء من البئر للزرع.
وذهب بعضُ أهل العلم: إلى أنَّ إلزام المرأة بالخدمة الباطنة لا دليلَ عليه، قالوا: إنما أرشد النبيُّ ﷺ إلى أمرٍ هو من قبيل المعروف في العِشرة، وما تعارفوا عليه من حُسن العِشرة، وجميل الأخلاق، وأنَّ هذا داخلٌ في قوله -تبارك وتعالى-: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19].
وهذا القول لعله أقرب هذه الأقوال، وهو أنَّ عملَ المرأة في بيت زوجها من العِشرة بالمعروف، وأنَّ ذلك مما جرت به العادة، فهي تقوم على شؤون البيت والزوج والأولاد.
وذهب آخرون -كأهل الظاهر- إلى أنَّه ليس على الزوج أن يخدمها، ولو كانت بنت الخليفة[11]، يعني: ولو كانت ذات شرفٍ وترفٍ ورفعةٍ ومكانةٍ اجتماعيةٍ، وما إلى ذلك.
والأقرب -والله أعلم- أنَّ ذلك من قبيل العِشرة بالمعروف.
وهذا الذكر ينبغي للإنسان أن يحرص عليه، وأن يُحافظ عليه؛ ليُعان في أموره من الطَّاعات، وطلب العلم، والمباحات، والقيام بأمور الدنيا، وطلب المعاش، وما إلى ذلك.
وعليٌّ يقول: فما تركتُهما بعد، أو فما تركتُها بعد. فقيل له: ولا ليلة صفّين؟ قال: ولا ليلة صفّين[12].
فلنحرص على مثل هذا، ونُحافظ عليه.
ونسأل الله لنا ولكم الإعانة.
- متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب النَّفقات، باب عمل المرأة في بيت زوجها، برقم (5361)، ومسلم: كتاب الذكر والدُّعاء والتوبة والاستغفار، باب التَّسبيح أول النَّهار وعند النوم، برقم (2727).
- أخرجه البخاري: كتاب الدَّعوات، باب التَّكبير والتَّسبيح عند المنام، برقم (6318).
- أخرجه أحمد في "المسند" ط. الرسالة، برقم (26551).
- متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب المناقب، باب مناقب علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي أبي الحسن -رضي الله عنه-، برقم (3429)، ومسلم: كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب التَّسبيح أول النَّهار وعند النوم، برقم (2727).
- "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (8/255).
- أخرجه مسلم: كتاب الآداب، باب كراهة التَّسمية بالأسماء القبيحة وبنافع ونحوه، برقم (3985).
- "الوابل الصيب من الكلم الطيب" (ص77).
- "المستدرك على مجموع الفتاوى" (1/158).
- متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب العتق، باب العبد راعٍ في مال سيده، ونسب النبي -صلى الله عليه وسلم- المال إلى السيد، برقم (2371)، ومسلم: كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل، وعقوبة الجائر، والحثّ على الرفق بالرعية، والنهي عن إدخال المشقّة عليهم، برقم (3408).
- "فتح الباري" لابن حجر (9/507).
- "فتح الباري" لابن حجر (9/507).
- "فتح الباري" لابن حجر (1/325).