الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله.
أما بعد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته،
ذكر المؤلفُ تحت هذاالباب: (باب دُعاء طرد الشَّيطان ووساوسه)، ذكر الاستعاذة، والأذان، وقد مضىفي الليلة الماضية ذكر الأحاديث التي تدلّ على ذلك، وذكر الثالث من ذلك والأخير، قال: "الأذكار وقراءة القرآن"، وذكر في الهامش الحديث: لا تجعلوا بيوتَكم مقابر، وذكر أنَّ مما يطرد الشيطان: أذكار الصَّباح، والمساء، والنّوم، والاستيقاظ، وأذكار الدُّخول إلى المنزل، والخروج منه، وأذكار دخول المسجد، والخروج منه، وغير ذلك من الأذكار المشروعة، مثل: قراءة آية الكرسي عند النوم، والآيتين الأخيرتين من سورة البقرة، و مَن قال: لاإله إلا الله وحده لا شريكَ له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير، مئة مرة؛ كانت له حرزًا من الشَّيطان يومه كلّه[1]، قال: وكذا الأذان يطرد الشيطان.
كلّ هذا قد مضى الكلامُ عليه في أذكار الصَّباح، والمساء، وما يُقال عند النوم.
أمَّا ما يتعلق بقراءة سورة البقرة: فقد جاء ذلك من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه-: أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: لا تجعلوا بيوتَكم مقابر، إنَّ الشيطانَ ينفر من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة[2].هذا الحديث أخرجه الإمامُ مسلم في "صحيحه".
فقوله-صلى الله عليه وآله وسلم-: لا تجعلوا بيوتَكم مقابر يعني: خالية من الذكر، والطَّاعة، وقراءة القرآن؛ فتكون كالمقابر، وهذا بأي اعتبارٍ؟
يحتمل أنَّه باعتبار أنَّ الموتى الذين هم سُكَّان القبور والمقابر ليس لهم قراءة، ولا ذكر، ولا اشتغال بعبادةٍ، وإنما انقطعت أعمالهم، وصاروا مُرتهنين بما قدَّموا، فالمقابر ليست بموضع عملٍ لهؤلاء الذين يقطنونها.
ويحتمل معنًى آخر: أنَّ المقابر ليست موضعًا للعبادة، يُتقرّب إلى الله وتُتحرى العبادة فيها، وهذا معنى صحيح؛ لأنَّه لا يُصلَّى في المقبرة،لا يُصلَّى إلى القبور، وكذلك لا تتحرى الصَّدقة في المقبرة، ولا قراءة القرآن في المقابر، وإنما المشروع هو أنَّه إذا زار المقابر يقولما ورد: السَّلام عليكم دار قومٍ مؤمنين[3]، إلى آخر ما جاء عن رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام.
ويحتمل معنًى آخر: لا تجعلوا بيوتَكم مقابرأي: لا تدفنوا فيها موتاكم. ولكن هذا المعنى بعيدٌ هنا في هذا الحديث.
لكن قوله -صلى الله عليه وآله وسلم- في هذا الحديث: إنَّ الشيطانَ ينفر من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة[4]هذا يدلّ على أنَّ المقصود ليس كما ذكر: من أنَّ ذلك لنهيهم عن دفن موتاهم في البيوت، وإنما المقصود ألا تخلو هذه البيوت من ذكر الله، وقراءة القرآن، والصَّلاة فيها؛ ولهذا قال: إنَّ الشيطان ينفر، فـ"إنَّ" هنا تدلّ علىالتوكيد، وهي تدلّ على التَّعليل أيضًا، وهذا من معانيها: إنَّ الشيطان ينفر من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة، ينفر من البيت، يعني: يفرّ من البيت الذي تُقرأ فيه هذه السُّورة.
فسَّره بعضُ أهل العلم بأنَّه ييأس من إغواء أهله، بسبب ما يُقرأ فيه من هذه السُّورة، أو لما يرى من جدِّهم، واجتهادهم، وطاعتهم، وعبادتهم، وقراءتهم لهذه السُّورة العظيمة.
وخُصَّت هذه السورة بمزايا لا تخفى: فهي أطول سور القرآن، وفيها من أسماء الله الحسنى الشَّيء الكثير، وكذلك أيضًا الأحكام، حتى قال بعضُهم: فيها ألف أمرٍ، وألف نهيٍ، وألف حكمٍ، وألف خبرٍ. هكذا قال بعضُ أهل العلم[5].
وليست سورة من القرآن تحوي ما حوته سورة البقرة؛ ما فيها من هذه التَّفاصيل في العقائد والأحكام، وما فيها من الحِكَم، وضرب الأمثال، ودلائل البعث، وقُدرة الله -تبارك وتعالى- عليه، وسورة البقرة فيها من الأدلة والبراهين على البعث والنُّشور، والبراهين على قُدرة الله، وعلى وحدانيَّته.
كذلك ذكر الله فيها من المواعظ، والوقائع، والأحوال العجيبة، كذلك أيضًا البراهين، والمعجزات، ودلائل صدق ما جاء به الرسول-صلى الله عليه وآله وسلم-.
وفيها أيضًا خبر الشيطان مع أبينا آدم: حينما خلق اللهُ آدم، وأمر الملائكةَ بالسجود، وأنَّ إبليس أبى، ثم بعد ذلك أبعده الله ،ولعنه، وطرده من رحمته، وهبوط آدم وحواء وإبليس إلى الأرض، ومبدأ هذا الابتلاء الذي صار مع الشيطان، وحزبه، وجُنده، وأوليائه، وما يُوسوسبه إلى بني آدم، ويُزين لهم من الكفر، والكبائر، والمعاصي، وما إلى ذلك، كلّ هذا قد تضمّنته هذه السورة، وغيره كثير، فهي سورة عظيمة.
وفيها آية الكرسي التي هي أعظم آيةٍ في كتاب الله -تبارك وتعالى-، وقد مضى قول ذلك الشَّيطان الذي كان يحثو من تمر الصَّدقة في خبره مع أبي هريرة ، وذكرنا خبرَه مع غيره،قال: (إذا أويتَ إلى فراشك فاقرأ آيةَ الكرسي؛ فإنَّه لا يزال عليك من الله حافظٌ، ولا يقربك شيطانٌ حتى تُصبح)[6]، إذا كان هذا في آيةٍ واحدةٍ في سورة البقرة: لا يقربه شيطانٌ حتى يُصبح، فكيف بقراءة سورة البقرة كاملةً؟!
وكذلك أيضًا قول النبي -صلى الله عليه وآله وسلم، وقد مضى الكلامُ عليه- في قراءة الآيتين من آخر سورة البقرة، قال: مَن قرأهما في ليلةٍ كفتاه[7]، وقد مضى الكلامُ على قوله:كفتاه، بعضُهم يقول: كفتاه من كلِّ ما يتخوف من الشَّيطان: شياطين الإنس، والجنّ، والهوامّ، وما إلى ذلك. وبعضهم يقول: كفتاه، يعني: من غيرهما من الأذكار والأوراد التي تُقال عند النوم.
وهنا قد حذف المتعلّق، والأصل أنَّ حذفَ المتعلق يُفيد العموم؛ يمكن أنَّ ذلك يكفيه جميعذلك، فهذا لعظم هاتين الآيتين، فإذا كان هذا بعض ما تضمّنته سورة البقرة ...
كذلك أيضًا ما يتَّصل بالسِّحر: فهي من الآيات التي يُرقى بها مَن ابتُلِيَ بالسِّحْر:وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا[البقرة:102].
فكلّ ذلك مما بيَّنه اللهُ -تبارك وتعالى- في هذه السُّورة، فإذا قُرئت في دارٍ فإنَّه لا يقربها شيطانٌ، جاء هذا بهذا الإطلاق في هذا الحديث، من غير تقييدٍ، ولو بقينا مع هذا الحديث بمُفرده فإنَّ ذلك قد يُفهم منه أنَّه يكفي في العمر مرةً أن تُقرأ في هذه الدَّار، ولا يقربها شيطانٌ، ولكنَّه جاء في الحديث الآخر ما يدلّ على أنَّ ذلك مُقيدٌ بثلاثة أيام:"لا يقربه شيطانٌ ثلاثة أيام"[8]؛ولذلك يُقال: بأنَّ المطلَق-وهو حديث الباب- محمولٌ على المقيّد الذي هو الحديث الآخر الذي قيّد ذلك به في ثلاثة أيام، هذا مُقتضى الصِّناعة الأصولية، والله تعالى أعلم.
وهذا النُّفور؛ الشيطان يفرّ وينفر من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة، معنى ذلك: أنَّه لا يتسلَّط على أهله بأي نوعٍ من التَّسلطـ، ومن ثم فإنَّ آثارَ ما يفعله الشيطانُ بالناس تتلاشى وتذهب؛ الإغواء بالمعصية، والمنكر، والشَّر، لكن تبقى النفسُ الأمَّارة بالسُّوء والهوى، أمَّا إغواء الشَّيطان فإنَّ الإنسان يتخلَّص من ذلك:"لا يقربه شيطانٌ"، ينفر الشيطانُ.
وكذلك أيضًا فإنَّه يتخلص من أذاه الذي يقع على بدنه، والذي يقع علىولده، والذي يقع على متاعه؛ فإنَّ الشيطان يفعل ما يفعله من أنواع الأذى، هذا بالإضافة إلى ما قد يقع من أذى الشَّياطين بسبب أعمالٍ أخرى يُقارفها السَّحرة، ونحو ذلك، هذا بالإضافة إلى ما يتعلّق بمُشاركته في طعامه، وشرابه، ونومه، ومبيته، ونكاحه.
فالشَّيطان لا يقرب البيتَ الذي تُقرأ فيه سورةُ البقرة، لو أتيت بحرس الدنيا، وجعلت هؤلاء الحرس: أول هؤلاء الحرس دائرة على بيتك، وآخرهم في أقصى المعمورة، دوائر يُحيطون بالبيت؛ لم يمنعوا دخول شيطانٍ فيه؛ لأنَّهم لا سلطانَ لهم على هؤلاء، ولا يستطيعون رؤيتهم، ولا منعهم.
اقرأ سورةَ البقرة ثلاثة أيام لا يدخل شيطانٌ، هل يوجد شيءٌ يُداني هذا، أو يُقاربه، أو يُماثله؟ كلا والله، ولكنَّها كنوزٌ نغفل عنها، ولم نعرف قدرَها، ثم بعد ذلك تكثر الشِّكاية من تسلّط الكوابيس، والفزع عند النوم، والأحلام المزعجة التي تكون من تسلّط الشَّيطان، والخواطر والوساوس السَّيئة التي تُقلق الناس، وتُزعجهم، وتُورثهم الغمَّ، والهمَّ، والحزن، والمخاوف بأنواعها.
والمشكلات الأسرية التي تكون بسبب نزغ الشَّيطان بين الرجل وامرأته، أو ولده، أو نحو ذلك؛ تطيش العقولُ بلحظةٍ لأتفه الأسباب، وأحيانًا من غير سببٍ، يدخل هذا الرجلُ وقد استشاط غضبًا لأمرٍ في الخارج، أو لتقلّب مزاجٍ، من غير سببٍ معينٍ؛ فيصبّ هذا الغضبَ على هؤلاء المساكين: من زوجةٍ، وولدٍ، ثم بعد ذلك ينزغ الشيطانُ بينهم؛ فترد عليه هذه الزوجة بكلمةٍ، ثم بعد ذلك يكون ما يكرهون جميعًا؛ فيرمي عليها الطَّلاق بأي صيغةٍ كانت، ثم بعد ذلك يندمون، ويبحثون عمَّن يُجيب، وعمَّن يجدون عنده المخرج: قصدت، أو لم أقصد، أنا ما قلتُ كذا، أنا قلتُ كذا، أنا كنتُ غاضبًا، أنا كنتُ كذا! وبعض النِّساء تذكر أنَّه ربما طلَّقها عشرات الطَّلقات، في كل مرةٍ ينزغ الشيطانُ بينهما؛ فيرمي الطَّلاق، فهذا يُغري به الشَّيطان.
ونحن نعرف حديث رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- في إبليس وجنوده حينما يُرسلهم ويبعثهم، فيأتون ويُخبرونه عن إنجازاتهم، فهذا يأتي يقول: فرقتُ بينه وبين امرأته[9]،فهذا من أعمال الشَّياطين، وليس كل ذلك يكون من الشيطان، لكن قدر كبير من هذا هو من عمل الشَّيطان.
كذلك ما يحصل من التَّفرق بين الناس في مودّتهم ومحبَّتهم، وقد يكون الإنسانُ يُغلق عليه بابَه، ويسلم من كثيرٍ من الشَّر، اليوم لا يسلم؛ لأنَّمعه هذا الجهاز بيده، فهذه المجموعات من القرابات، والأُسَر، والأصدقاء، والأصحاب، وما إلى ذلك، ينزغ الشيطانُ بيده؛ فيكتب كلمةً، فيردّ الآخر بكلمةٍ، ثم تقع الوحشةُ والقطيعةُ.
وبعضهم يقول: بأنَّه طلَّق امرأته عبر هذه الأجهزة، عبر هذه الوسائل، ردَّت بكلمةٍ مُوحشةٍ، فأجابها بالطَّلاق.
أصبح الإنسانُ حينما يُغلق عليه بابَه لا يسلم أيضًا، وقد يُغريه بفتح مواقع الشُّبهات؛ فتعلق في قلبه؛ فيقع في قلبه الشَّك، أو يُغريه فيفتح مواقع الشَّهوات، ثم بعد ذلك يرى ما يمسخ الدِّين، والفضيلة، والأخلاق؛ فيذهب ذلك، وينسى في سكرةٍ تتحرك معها الغرائز وتتوقد، فيرى الإنسانُ ما لا يحلّ له النَّظر إليه، ثم بعد ذلك يحاول أن يتوب، وقد لا يستطيع، والشَّيطان يُحرِّكه ويُغريه في ذلك كلّه.
والله نهانا أن نتبع خطوات الشيطان: اقرأ هذه المقالة فقط، انظر إلى هذه الصُّورة فقط، فإذا قرأ المقالة تبعها بمقالةٍ أخرى، وإذا نظر إلى هذه الصُّورة؛ فإنَّ أختها تدعوه أيضًا للنظر فيها.
وهكذا الذنوب، والمخالفات، والمعاصي أيّها الأحبّة! فإنَّ بعضَها آخذٌ بحُجُز بعضٍ، فإذا أخذتَ بالأول قادك إلى ما بعده كالسلسلة، خطوات الشيطان خطوات، وليست خطوةً واحدةً، ليس المنتهى عند مشهدٍ واحدٍ، أو مقالةٍ واحدةٍ، أو تغريدةٍ واحدةٍ تُورث الشَّك، أو تُورث اضطرام الغرائز في النفوس، وإنما ذلك سيدعو إلى ما بعده، والنِّهاية في المنتهى في الشُّبهات هو الكفر بالله ، الذي يُودي بصاحبه إلى الخلود في النار.
وأمَّا الشَّهوات فإلى هذه النَّتيجة: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً[الإسراء:32]، هي هذه النِّهاية، دعك من التَّزيين الذي يكون قبلها بألوان المزينات والمحسِّنات: من رخاوة القول، والغُنج فيه، ومن زينةٍ ظاهرةٍ بألوان الأصباغ، واللِّباس، والطِّيب، وما إلى ذلك، كلّ هذا إنما هو مدرجة للهاوية التي وصفها الله في النِّهاية العفنة، الفاحشة: وَسَاءَ سَبِيلاً، ساء سبيلاً ليس في الآخرة فقط، بل حتى في الدنيا: المهانة، والذلّ، والكآبة، وذهاب الدِّين، والمروءة، والفضيلة، وذهاب العفاف، وما يُورثه من الفقر -نسأل الله العافية-، وألوان العاهات، والأمراض الحسيّة التي يعيى الأطباءُ بعلاجها، وقعة واحدة يمكن أن تُوقعه في حفرةٍ لا يستطيع الخروج منها، نسأل الله العافية.
فهنا سورة البقرة هذه يفرّ الشَّيطان، ينفر؛ فإذا قُرئت كل يومٍ، ولو مُجزَّأةً، اقرأها على أجزاء، قراءة سورة البقرة قراءة على طريق السَّرد والحدر الذي لا يتوقف الإنسانُ فيه، يمكن أن تكون بالقراءة السَّريعة ساعة إلا ثلثًا، وإذا كان يترسل بعض الشيء يقرأها في ساعةٍ إلا عشرًا، فلو أنَّه جزَّأها: ساعة إلا ثلثًا،يُجزئها على أجزاء؛ فيجعل ذلك في بعض النَّهار، في أوله، وبعضفي وسطه، وبعض في آخره، يجعله في اليوم والليلة، فإذا ابتدأتَ من هذه الليلة من غروب الشمس؛ فلا تغرب الشمسُ في الغد إلا وقد قرأتها كاملةً.
هذا لمن لا يستطيع أن يقرأها في مجلسٍ واحدٍ؛ فهذا أكمل، وأفضل، وأبلغ،فإذا كان ذلك بصوتٍ تسمعه أذنك، فلا تسأل عن آثارها؛تتبدد أوهام الشيطان التي ملأالقلبَ بها، وتتبدد كلّ التَّصورات الفاسدةوالمخاوف، وتتبدد الأحزان، والهموم، والغموم،تتجلى مثل السُّحب، إذا كان الإنسانُ يقرأها ويُسْمِعنفسَه.
هذه السورة عظيمة، لا يمكن أن يُقادر قدرها، وأعرف من هذا أشياء كثيرة، وأعرف كثيرين قرأوا هذه السُّورة؛ فذهبت عِللهم، وآفاتهم، وتصوراتهم الفاسدة، والخيالات التي كانت تبدو لهم، أيًّا كان نوعها، ووقع ذلك أيضًا لآخرين ابتُلوا بأشياء؛ كان يظنّ أنهم قد أُصيبوا بشيءٍ من السَّحر، أو يظنّ أنهم أُصيبوا بشيءٍ آخر، فما كان من قراءتهم لهذه السُّورة، ونفثهم على أنفسهم؛إلا أن تلاشى ذلك جميعًا في مجلسٍ واحدٍ.
فأقول: هذا التَّلاعب؛ تلاعب الشَّياطين -أيّها الأحبّة- في الناس، تلاعب الشياطين في البيوت، هذه المشاكل، وهذه المشادّات التي في البيوت، وهذه الرّعونات التي تقع بين الإخوان والأخوات، الشيطان ينزغ بينهم:وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ[الإسراء:53]، فـ"إنَّ" هنا تُفيد التَّعليل أيضًا، كأنَّه يقول: لأنَّالشيطانَ ينزغ هذا النزغ:يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ، يُحرِّكه من أجل أن يتكلّم بالشَّر، وما يُورث ردود أفعالٍ لا تُحمد عُقباها، وتجد القتلةَ -نسأل الله العافية للجميع- كان مبدأ ذلك كلمة، أو غمزة، أو حركة، أو إشارة، ثم بعد ذلك طاش العقلُ معها في لحظة غضبٍ، أذهب عقله؛ فجنى هذه الجناية التي جعلته يندم، ولا ينفعه ندمُه في الدنيا، والله المستعان.
هذا، وأسأل الله أن ينفعنا وإياكم بالقرآن العظيم، ويجعلنا وإياكم هُداةً مُهتدين، وأن يُعيذنا وإياكم من الشَّيطان وشركه.
والله أعلم، وصلَّى الله على نبينا محمدٍ، وآله وصحبه.
- متفق عليه:أخرجه البخاري: كتاببدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده، برقم (3293)، ومسلم: كتابالعلم، باب فضل التَّهليل والتَّسبيح والدُّعاء، برقم (2691).
- أخرجه مسلم: كتابصلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة النافلة في بيته وجوازها في المسجد، برقم (780).
- أخرجه مسلم: كتابالطهارة، باب استحباب إطالة الغُرَّة والتَّحجيل في الوضوء، برقم (249).
- أخرجه مسلم: كتابصلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة النافلة في بيته وجوازها في المسجد، برقم (780).
- انظر:"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (1/152).
- أخرجه البخاري: كتابالوكالة، باب إذا وكّل رجلًا فترك الوكيل شيئًا فأجازه الموكّل فهو جائز، وإن أقرضه إلى أجل مُسمًّى جاز، برقم (2311).
- متفق عليه:أخرجه البخاري: كتابالمغازي، برقم (4008)، ومسلم: كتابصلاة المسافرين وقصرها، باب فضل الفاتحة وخواتيم سورة البقرة، والحثّ على قراءة الآيتين من آخر البقرة، برقم (807).
- أخرجه ابن حبانفي "صحيحه": كتابالرقائق، باب قراءة القرآن، برقم (780)، وصححه الألباني في "التعليقات الحسان"، برقم (777).
- أخرجه مسلم: كتابصفة القيامة والجنة والنار، باب تحريش الشيطان وبعثه سراياه لفتنة الناس، وأنَّ مع كل إنسانٍ قرينًا، برقم (2813).