الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله.
أمَّا بعد: فهذا "باب دعاء الرعد"، أورد فيه المؤلفُ دعاءً أو ذكرًا واحدًا، وذلك ما جاء عن عامر بن عبدالله بن الزبير: أنَّه كان إذا سمع الرعدَ ترك الحديث، وقال:"سبحان الذي يُسبح الرعدُ بحمده، والملائكةُ من خيفته"، ثم يقول:"إنَّ هذا لوعيدٌ لأهل الأرض شديدٌ".
هذا الأثر عن هذا التَّابعي -رحمه الله- أخرجه الإمامُ مالك -رحمه الله- في كتابه "الموطأ"[1]، وصحح إسنادَه النَّووي[2]، وابن الملقن[3]، والعيني[4]، والألباني[5]، وهو من كلام عامر بن عبدالله بن الزبير، وليس من كلام النبي ﷺ.
قوله: "كان إذا سمع الرعدَ" يعني: سمع صوتَه.
"ترك الحديثَ"، المقصود بترك الحديث: الحديث مع الناس، ليس الحديث عن رسول الله ﷺ، يكون في مجلس تحديثٍ مثلاً، لا،"ترك الحديث" يعني: هو يتحدّث مع أهله، مع أصحابه، يسكت، لا يتكلم، يتوقف؛ وذلك هيبةً وخوفًا وإقبالاً على ذكر الله والتَّسبيح.
فالرعد يُسبح بحمد الله : وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ[الرعد:13]، فالرعد مُسبّح.
فهو يتوقف ويُسبّح، يقطع الحديث، ويقول:"سبحان الذي يُسبّح الرعدُ بحمده، والملائكة من خيفته"، يقطع الحديثَ ليقول ذلك.
والرَّعد هذا الذي يُسبّح بحمد الله -تبارك وتعالى-، وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ، جاء من حديث ابن عباسٍ-رضي الله عنهما-: أنَّ النبي ﷺ قال: إنَّ الرعدَ ملكٌ مُوكَّلٌ بالسَّحاب، معه مخاريق من نارٍ يسوق بها السَّحاب حيث شاء الله[6]، صححه الشيخ ناصر الدين الألباني-رحمه الله-.
وكذلك أيضًا صحَّ عن النبي ﷺ أنَّه قال: الرَّعد ملكٌ من الملائكة[7]، وذكر ﷺ أنَّ الرعدَ صوته، والبرق سوطه، يسوق فيه السَّحاب.
هذه قضايا غيبية أخبرنا عنها الذي لا ينطق عن الهوى، ولا يصحّ لأحدٍ أن يُدخل عقلَه هنا، أو ما تلقَّاه من معارف عن القُصَّر من الآدميين من أمثاله ممن يزعمون أنَّ هذا إنما يكون بسبب التَّصادم والاحتكاك الذي يكون بين السُّحب، فينتج عنه هذا الصّوت.
وأنَّه أيضًا ينتج هذا البرقُ بسبب هذا الاحتكاك، فيوجد شُحنة كهربائية يكون لها الوميضُ الشَّديد، هذا الكلام غير صحيحٍ، وما كلّ ما يقوله الناسُ صحيحٌ، إنما الصَّحيح هو قول مَن لا ينطق عن الهوى، الصَّحيح هو ما قاله الذي خلق هذه السُّحب، وخلق الرعد، وخلق الخلق، وخلق العالم العلوي، والعالم السُّفلي.
فلا يلزم أنَّ النَّظريات التي درسناها أنها تكون جميعًا صحيحة، فيها غلط، أشياء أُخذت من نظرٍ ناقصٍ وقاصرٍ، فالرعد ملك، وهذا الصَّوت هو صوته يزجر السَّحاب، والوميض هو سوطه يسوق فيه السَّحاب.
والذين يُحكِّمون عقولهم لا يقبلون مثل هذا الكلام، وهذه العقول ماذا عسى أن تُدرك؟! ماذا عسى أن يُدرك الإنسانُ فيما بين أضلعه؟! هذه النَّفس، الروح، وما يكون من أحوال الإنسان في خلقه، وما إلى ذلك ولا يُدركها، فكيف يُدرك أحوالَ تدبير الخليقة والعالم؟!
ولذلك تجد بعضَ مَن افتتن بتحكيم العقل على الوحي أنَّ قائلهم قال في كتبٍ من كتبه في التَّفسير، يقول: كأنَّ السَّحابَ حمارٌ بليدٌ يحتاج إلى سوقٍ بسوطٍ وزجرٍ. هذا أحد روَّاد المدرسة العقلية الحديثة يقول مثل هذا الكلام.
وهؤلاء إنما كانت فتنتهم في مبدئها بتحكيم العقل، وبالنَّظر إلى العالم المادي في الغرب؛ ليُقدِّموا له إسلامًا يقبله أولئك الذين لا يؤمنون إلا بالحسِّ والمادّة، ولا يؤمنون بالغيب، وأول أوصاف المتَّقين التي ذكرها الله في أول القرآن: ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ[البقرة:2-3] قبل كلِّ شيءٍ، ثم قال:وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ[البقرة:3]، فذكر الإيمانَ بالغيب، فهذا أول أوصاف المؤمنين، وهو أخصّ أوصاف المؤمنين، ويدخل فيه الإيمانُ بالله، والإيمان بجميع أركان الإيمان الأخرى، إلى غير ذلك مما يدخل في الغيب.
إذن هذا الرعد كما أخبر النبيُّ ﷺ أنَّه يُسبّح: وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ، فإذا كان الرعدُ مَلَكًا، فـ"الملائكة" يكون من قبيل عطف العامِّ على الخاصِّ.
يقول:"سبحان الذي يُسبِّح الرعدُ"،معنى: يُسبِّح، أي: يُنَزِّه لربِّه وخالقه حال كونه مُتلبسًا بحمده؛ بحمد الله: وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ، يعني: يُسبّح مُتلبسًا بحمده، أو يقول:"سبحان الله وبحمده"، أو يقول:"سبحانك اللهم وبحمدك".
والله -تبارك وتعالى- لما قال للنبي ﷺ:فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا[النصر:3]، كما في حديث عائشة -رضي الله عنها-: كان يُكثر أن يقول في ركوعه وسجوده:سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي.
فهذه ترجمة وامتثال وتطبيق لقوله: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ، كيف يُسبّح بحمده؟
سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، هكذا يكون التَّسبيح بحمده.
فالرَّعد يُسبّح بحمد الله ، إذن يقول:"سبحان الله وبحمده"، أو يقول: "سبحانك اللهم وبحمدك"، فهو يُسبّح لله -تبارك وتعالى- حال كونه مُتلبسًا بحمده لربِّه وخالقه -جلَّ جلاله.
وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ[الرعد:13] أي: من أجل الخوف من الله-تبارك وتعالى- أيضًا يُسبِّحون.
بعضُ أهل العلم يقول:وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ الضَّمير يرجع إلى الرَّعد المذكور قبله؛ خوفًا من الرَّعد.
والذين يقولون هذا يقولون: هذا ملك، وهؤلاء معه أعوان:وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ، من خيفة هذا الملك.
ولو قيل: بأنَّ الأقرب -والله أعلم-: والملائكة يُسبّحون بحمد ربهم أيضًا؛ خوفًا من الله -تبارك وتعالى.
هذا القول الذي قاله عامر بن عبدالله بن الزبير هو امتثال، أو تحقيق، أو اتِّصاف بما ذكر الله -تبارك وتعالى- من تسبيح الرعد بحمد الله في الآية: وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ، فهو يقول حينما يسمع الرعد، يقول مثل هذا الذكر:"سبحان الذي يُسبح الرعدُ بحمده، والملائكةُ من خيفته".
وقد جاء عن ابن عباسٍ -رضي الله عنهما- قال:"كنا مع عمر في سفرٍ، فأصابنا رعدٌ وبرقٌ، فقال لنا كعب: مَن قال حين يسمع الرعدَ:"سبحان مَن يُسبّح الرعدُ بحمده، والملائكة من خيفته" ثلاثًا عُوفي من ذلك، فقلنا؛ فعُوفينا"[8].
وجاء عن ابن عباسٍ -رضي الله عنهما- قال:"مَن قاله فأصابته صاعقةٌ فعليَّ ديته"[9].
وجاء عن جماعةٍ من السَّلف كما أخرج ابنُ جريرٍ عن أبي هريرة مرفوعًا: أنَّه –يعني: النبيَّ ﷺ كان إذا سمع الرعدَ قال:سبحان مَن يُسبِّح الرعدُ بحمده[10].
وجاء عن عليٍّ: أنَّه كان إذا سمع الرعدَ قال:"سبحان مَن سبَّحْتَ له"[11].
وجاء نحو ذلك أيضًا عن ابن عباسٍ[12]-رضي الله عنهما-، وطاووس بن كيسان[13]، والأسود بن يزيد النَّخعي[14]، كلّهم كان يقول ذلك؛ أخذًا من قوله تعالى:وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ.
هذا ما يتعلَّق بهذا الذكر الذي يُقال عند سماع الرعد، فنحن نقول ذلك، ونُؤمن بما قاله رسولُ الله ﷺ عن هذا الرَّعد.
ولا يصحّ أنَّ الإنسانَ يسمع الرعد وهو في حالٍ من اللَّهو والغفلة، ولا يحصل في قلبه شيءٌ من الخوف والتَّعظيم لله -تبارك وتعالى-، فإنَّ هذا الرعدَ هو مظهرٌ من مظاهر قُدرة الله وعظمته.
ثم ذكر بعده بابًا آخر، قال: "باب من أدعية الاستسقاء"، يعني: طلب السُّقيا، وذكر فيه ثلاثة أدعية، أو أحاديث:
الأول: ما جاء عن جابر بن عبدالله-رضي الله عنهما- قال: أتت النبيَّ ﷺ بواكي، فقال: اللهم اسقنا غيثًا مغيثًا، مريئًا، مريعًا، نافعًا، غير ضارٍّ، عاجلاً، غير آجلٍ، قال: فأطبقت عليهم السَّماء.
أخرجه أبو داود[15]، وسكت عنه، وما سكت عنه مقبولٌ عنده.
وقال ابنُ عبدالبرِّ في "الاستذكار"[16]،وفي "التَّمهيد"[17]أنَّه: "أحسن ما رُوِيَ في هذا الباب"،يعني:في الاستسقاء.
وقد صحح إسناده النَّووي[18]، وقال:"على شرط مسلم"،وصححه الشيخ ناصر الدين الألباني[19]-رحمه الله-، وأعلَّه الدَّار قطني[20] بالإرسال، والإمام أحمد[21]-رحمه الله-.
قوله: "أتت النبيَّ ﷺ بواكي"، معنى "بواكي": جمع باكية، يعني: جاءت عند النبي ﷺ نفوس باكية، أو نساء باكيات، بسبب انقطاع المطر والقحط والجدب، يلتجئون إلى الله -تبارك وتعالى-، ويشكون ما أصابهم.
وضبطه بعضُ أهل العلم كما ذكر الخطَّابي[22]-رحمه الله- بغير هذا، يعني قوله:"أتت النبيَّ ﷺ بواكي"، قال:"رأيتُ النبيَّ ﷺ يُواكي"، يعني: ليس "أتت النبيَّ ﷺ بواكي"، يعني يقول: وجه الرِّواية: "رأيت النبيَّ ﷺ يُواكي".
والمواكاة تُقال: للتّوكّؤ، أو الاتِّكاء، أو يُعبر بعبارات مُقاربة، بمعنى: التَّحامل على الشَّيء، يعني: كأنَّه ﷺ تحامل على يديه حين رفعهما في الاستسقاء، ومدّها في الدُّعاء، فمن هذا التَّوكّؤ على العصا، يتَّكِئ على العصا، التَّحامل عليها.
يعني: يقصد الخطَّابي حينما قال: إنَّ الرِّواية هكذا:"رأيتُ النبيَّ ﷺ يُواكي"، يعني: يتحامل؛ لشدّة الرفع، فكان يرفع ﷺ في الاستسقاء حتى يظهر بياض إبطيه؛ لشدّة الرفع، يعني: الرفع في الدُّعاء تكون فيه اليدان –الكفَّان- قِبَل الوجه، لكن في الاستسقاء يرفع رفعًا زائدًا، سواء كان الإمامُ يستسقي وهو على المنبر يوم الجمعة، فيُشرع له الرفع فقط في الاستسقاء، أمَّا باقي الدُّعاء لا يرفع، والمأموم وهو يسمع خطبةَ الجمعة يرفع يديه والإمام يخطب، ويدعو، يستسقي، فقط في الاستسقاء، فإذا دعا بشيءٍ آخر وضع يديه الإمام والمأموم.
فيرفع يديه رفعًا زائدًا الإمامُ والمأمومُ، حتى إنَّ بعضَ أهل العلم قال: إنَّه في الاستسقاء تكون ظهورُ الأكفّ إلى الأعلى.
وهذا ليس بمرادٍ-والله أعلم-، وإنما كما قال الحافظُ ابن حجر[23]-رحمه الله-: لشدّة الرفع، ومع طول الدُّعاء فإنَّ اليد قد تميل من غير قصدٍ، فيظنّ أنَّه قصد أن يضع الظُّهور إلى الأعلى، وإنما السؤال يكون ببطون الأكفّ، ولا يصحّ شيءٌ فيما يتَّصل بالاستعاذة أو الاستسقاء بأنَّ النبي ﷺ كان يسأل بظهور كفَّيه، أو يستعيذ بظهور كفَّيه، ما ورد من ذلك في مسألة الاستعاذة لا يصحّ: أنَّ السؤال ببطون الأكفّ، والاستعاذة بظهورها، لا يصحّ بهذا شيءٌ، وردت فيه روايات، لكنَّها لا تصحّ عن النبي ﷺ.
فكان يرفع رفعًا زائدًا -عليه الصَّلاة والسَّلام-، وهذا هو المشروع في الاستسقاء، فالنبي ﷺ قال: اللهم يعني: يا الله،اسقنا غيثًا يعني: مطرًا يُغيثنا من الجدب.
الإنسان لا يقول: اللهم أمطرنا، اللهم إنا نسألك مطرًا؛ لأنَّ المطر قد يكون عذابًا، وقد ينزل المطرُ ولا يخرج الربيع، ولا تُنبت الأرض، ولا يُنتفع به إلا الغرق، وخراب المساكن والدُّور والطُّرق، وما إلى ذلك.
تنزل أمطار كثيرة جدًّا؛ يتوقع الناسُ أن تُخرج الأرض بركتها، ثم بعد ذلك تبقى ممحلة كأنها لم تُمطر، كما نُشاهد: تنزل أمطار يظنّ أنَّ الأرض تكون في غاية الإنبات، ويظهر الخصب، ولكن المشاهد أنَّ الأرض كأنها لم تُمطر، وينزل المطر في أوانه، كما هو في هذه الصَّحراء -جزيرة العرب- له وقتٌ معلومٌ، فالوسمي منه هو الذي يخرج الربيع بإذن الله -تبارك وتعالى-، وما بعده يكون فيه سقي الشَّجر ونماؤه، وينزل المطرُ في موسمه، ثم بعد ذلك لا ترى أثرًا، هذا مطرٌ، وليس بغيثٍ.
ولذلك إذا سأل يسأل غيثًا؛ المطر الذي يُغيث الناس من الجدب:مغيثًا لاحظوا التَّأكيد، ينقذ بإذن الله من هذه الشّدة، ويكون عونًا للناس على مصالحهم ومنافعهم، يعني: مُشْبِعًا للأرض، مرويًا للنَّبات.
مريئًا يعني: هنيئًا محمود العواقب، لا ضررَ فيه من الغرق والهدم، أمَّا إذا جاء مطرٌ ولم يخرج به نباتٌ، وإنما غرق الناس، وأفسد الطُّرق، وأفسد الدُّور، وما إلى ذلك، مثل هذا لا يكون غيثًا، ولا مغيثًا، ولا مريئًا، ولا مريعًا.
و"مريعًا" بالضم والفتح:غيثًا مغيثًا، مريئًا محمود العواقب،مريعًا، كلّ هذا يُقال في ضبطه، فهذا يعني من المراعاة، وهي الخصب: "أمرع المكان" إذا أخصب، وضبطه بعضُهم:"مربعًا"، يعني: يخرج الربيع، ينبت الربيع بإذن الله -تبارك وتعالى-، كما يقول الخطَّابي[24]-رحمه الله-.
وبعضُهم ضبطه: "مَرْتَعًا" بفتح الميم والتاء، يعني: ينبت به، ويخرج به ما يجعل الإبل ترتع بهذا النبات، وكلّ خصبٍ فهو مرتع، ومنه قول الله في قصّة يوسف مُخبرًا عن قيل إخوته: أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ[يوسف:12]، على بعض الأقوال في تفسير الآية.
فهنا كأنَّه سأل، بل هو سأل ﷺ المطر الذي يحصل به النَّفع، ولا يقع به الضَّرر، ويخرج به الربيع، يعني: المطر الذي يكون في أوانه.
وهنا ﷺ قال أيضًا: نافعًا، غير ضارٍّ، وقال: عاجلاً، غير آجلٍ، ويُؤخذ من ذلك: أنَّه يجوز للإنسان أن يسأل ربَّه الحاجة، ويُقيد ذلك بهذا القيد، يقول مثلاً: اللهم اشفِ فلانًا عاجلاً غير آجلٍ، اللهم أعطني كذا عاجلاً غير آجلٍ، اللهم فرِّج عن فلانٍ كُربته عاجلاً غير آجلٍ.
وبعض الناس يسأل يقول: هل هذا من الاعتداء في الدُّعاء؟ هل هذا من الاستعجال فيه؟ هل هذا من سُوء الأدب مع الله -تبارك وتعالى- أن يطلب ذلك عاجلاً؟
الجواب: لا، فالنبي ﷺ قال:عاجلاً غير آجلٍ.
فهنا قال: "فأطبقت عليهم السَّماء" يعني: أطبقت عليهم بالمطر، من قولهم: أطبقت عليه الحمّى، الحمّى التي تُلازم الإنسان ليلاً ونهارًا، لا تفتر عنه، شدّتها لا تُفارقه.
ويحتمل أنَّ المراد: أصابتهم السَّماء بالمطر العامِّ، مطرٌ مُطبقٌ، ويُقال: طبق الغيم، طبق السَّحاب تطبيقًا؛ إذا أصاب ماؤُه جميعَ الأرض، يعني: يكون مطرًا عامًّا، غيثًا عامًّا، لا يختصّ ببقعةٍ مُعينةٍ.
فهنا: اللهم اسقنا غيثًا طبقًا أيضًا يعني: يملأ الأرضَ ويعمّها.
شيخ الإسلام -رحمه الله- يقول في بعض هذه الألفاظ، كرواية: مريعًا، يقول:"هو المطر الوسمي؛ الذي يسم الأرضَ بالنَّبات، قيل له: وسمي، يسم الأرضَ بالنَّبات"[25]، فهذا كما قال ابن عبدالبر[26]: أحسن شيءٍ رُوِيَ في الدُّعاء في الاستسقاء.
وقد صحَّ عن النبي ﷺ غير هذا، كما سيأتي، إن شاء الله تعالى.
هذا، وأسأل الله أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، وأن يغيث قلوبنا وبلادنا وبلاد المسلمين.
ونسأله -تبارك وتعالى- أن يسقينا غيثًا مغيثًا، هنيئًا، طبقًا، مجللاً، نافعًا، غير ضارٍّ.
والله أعلم، وصلَّى الله على نبينا محمدٍ، وآله وصحبه.
- "موطأ مالك" رواية أبي مصعب الزهري (2/171)، برقم (2094)، والبخاري في "الأدب المفرد"، برقم (723).
- انظر: "الأذكار" للنووي، ت: الأرناؤوط (ص181)، برقم (523)، و"خلاصة الأحكام" (2/888)، برقم (3147).
- "تحفة المحتاج إلى أدلة المنهاج" (1/567)، برقم (737).
- لم أقف عليه.
- "صحيح الأدب المفرد"، برقم (560).
- أخرجه الترمذي: أبواب تفسير القرآن عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، باب: ومن سورة الرعد، برقم (3117)، والنَّسائي في "الكبرى"، برقم (9024)، وحسَّنه الألباني في "صحيح الجامع"، برقم (3553).
- أخرجه الخرائطي في "مكارم الأخلاق" (ص332)، برقم (1018)، عن أبي صالح، والطَّبراني في "الدعاء" عن ابن عباسٍ -رضي الله عنهما-، برقم (992)، ورُوِيَ عن مجاهدٍ كما في "مسند ابن الجعد" (ص55)، برقم (252)، وحسَّنه الألباني في "صحيح الجامع"، برقم (3553).
- "تفسير القرطبي" (9/298).
- "تفسير البغوي" ط. طيبة (4/303).
- "تفسير الطبري = جامع البيان" ط. هجر (13/477)، و"تفسير ابن كثير" ت: سلامة (4/441).
- "تفسير الطبري" (13/477)، و"تفسير ابن كثير" ت: سلامة (4/441).
- "الدر المنثور في التفسير بالمأثور" (4/624).
- "تفسير الطبري" (13/478).
- "تفسير الطبري" (13/477).
- أخرجه أبو داود: تفريع أبواب الجمعة، باب رفع اليدين في الاستسقاء، برقم (1169)، والحاكم في "المستدرك"، برقم (1222)، وقال: "هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشيخين، ولم يُخرجاه"، وقال الشيخ مُقبل الوادعي في "أحاديث معلّة ظاهرها الصحّة" (ص101): "الحديث ظاهر سنده أنَّه على شرط مسلم، ولكن قال الحافظُ في "التلخيص الحبير" (2/202): وقد أعلَّه الدَّارقطني في "العلل" بالإرسال، وقال: رواية مَن قال: "عن يزيد الفقير" من غير ذكر جابر أشبه بالصَّواب، وكذا قال أحمد بن حنبل -رحمه الله-، وجرى النَّووي في "الأذكار" على ظاهره فقال: صحيحٌ على شرط مسلم".
- "الاستذكار" (2/431).
- "التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد" (23/433).
- "الأذكار" للنووي، ت: الأرناؤوط (ص176)، برقم (508).
- "صحيح أبي داود"، برقم (1060)، وفي "مشكاة المصابيح"، برقم (1507).
- "علل الدارقطني" (13/391)، برقم (3284).
- "العلل ومعرفة الرجال" لأحمد، رواية ابنه عبدالله (3/346)، برقم (5530).
- انظر: "معالم السنن" (1/254-255).
- انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/518).
- "معالم السنن" (1/255).
- "مجموع الفتاوى" (18/310).
- سبقت الإشارة إلى مصدره.