الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فمما جاء عن السلف في باب التحذير من إيذاء الصالحين والضعفة والمساكين ما جاء عن عروة بن الزبير -رحمه الله- قال: سببت ابن فريع، يعني حسان بن ثابت ؛ لأن حسان بن ثابت كان ممن تكلم في عائشة -ا- في قضية الإفك، سبه عند عائشة -ا- فقالت: يا ابن أخي أقسمت عليك لَمَا كففتَ عنه[1]، أي: أقسمُ أن تكف عنه، فإنه كان يدافع عن رسول الله ﷺ.
ويقول أبو رجاء العطاردي: كان لنا جار من بلهجيم فقدم الكوفة فقال: ما ترون هذا الفاسق ابن الفاسق قتله الله، يعني: الحسين بن علي؟، فرماه الله بكوكبين من السماء فطمس بصره، ذكره الذهبي -رحمه الله- في سير أعلام النبلاء[2].
ويقول السدي: أتيت كربلاء تاجراً، فعمل لنا شيخٌ من طيٍّ طعاماً، فتعشينا عنده، فذكرنا قتل الحسين، فقلت: ما شارك أحد في قتله إلا مات ميتة سوء، فقال: ما أكذَبَكم، أنا ممن شارك في ذلك، فلم نبرح حتى دنا من السراج وهو يتقد بنفط، فذهب يخرج الفتيلة بأصبعه، فأخذت النار فيها، فذهب يطفئها بريقه، فعلقت النار في لحيته، فعَدا فألقى نفسه في الماء، فرأيته في الماء كأنه حُممة[3].
وتغوط رجل من بني أسد على قبر الحسين فأصاب أهل ذلك البيت خبلٌ وجنون، وبرص وفقر وجذام، هذا في سير أعلام النبلاء[4].
وعلى كل حال هذه الحكايات قد تصح وقد لا تصح، فالله تعالى أعلم، ولا شك أن إيذاء الصالحين أمر غير محمود العواقب.
ورجل تكلم في أبي هريرة لما حدّث رجلٌ بحديث عن أبي هريرة فقال الرجل وهو من أهل العراق، يعني: من أهل الرأي، قال: إنه ليس بفقيه -يعني أبا هريرة ، فسقطت حية من السماء، فجعلت تتبعه وهو ينطلق، والناس يقولون: تب إلى الله، تب إلى الله، يقول الذهبي -رحمه الله: إسناده أئمة. أي: ثابت لا مطعن في إسناده.
يقول الذهبي -رحمه الله- هنا: عامة من سعى في دم عثمان قُتلوا، وعسى القتل خيراً لهم وتمحيصاً[5].
وعن أبي الطفيل قال: عزلنا سبعة أرؤس وغطينا منها رأس حصين بن نمير وعبيد الله بن زياد، عبيد الله بن زياد هو الذي كان أميرًا على العراق، وهو الذي سيّر الجيش لقتال الحسين ، يقول: فجئت فكشفتها -يعني الرأسين، فإذا حية في رأس عبيد الله تأكل[6].
وكان عبيد الله شارك في قتل الحسين ، طبعاً الذين قتلوا الحسين كعبيد الله إلى آخره قتلوا في عهد مصعب بن الزبير حينما كان أميراً على العراق، تتبعهم واحداً واحداً وقتلهم.
وبلغ الشعر عمران بن حطان في مدح ابن ملجم، ابن ملجم هو الذي قتل عليًّا -، فقال فيه عمران بن حطان من الخوارج:
يا ضربةً مِن تقيٍّ ما أراد بها | إلا ليبلغ مِن ذي العرش رضوانا |
قال: فبلغت هذه عبد الملك بن مروان، فأدركته الحمية لقرابته من علي ، فنذر دمه، ووضع العيون عليه، فلم تحمله أرض، فاستجار برَوْح بن زِنْباع، فأقام في ضيافته، فقال: ممن أنت؟ وروح لا يعرف عمران بن حطان، فقال عمران: من الأزد، فبقي عنده سنة، فأعجبه إعجاباً شديداً، فسمر روحٌ ليلة مع عبد الملك بن مروان، فتذاكرا شعر عمران هذا، وهو لا يعرف أنه عمران، فلما انصرف تحدث مع عمران بما جرى، فأنشده بقية القصيدة، قال باقي القصيدة التي فيها "يا ضربة من تقي"، -حافظها، فلما عاد إلى عبد الملك قال: إن في ضيافتي رجلاً ما سمعت منه حديثاً قط إلا وحدثني به وبأحسن منه، ولقد أنشدني تلك القصيدة كلها، قال: صفه لي، فوصفه، قال: إنك لتصف عمران بن حطان، اعرض عليه أن يلقاني، قال: فهرب إلى الجزيرة، يعني: بين العراق وبين الشام، ثم لحق بعُمان فأكرموه[7]، وعُمان من ذلك الوقت كانوا على رأي الخوارج، وكان هناك طائفة من الخوارج.
وعن علي بن زيد قال: قال لي سعيد بن المسيب: قل لقائدك يقوم فينظر إلى وجه هذا الرجل وإلى جسده، فقام وجاء فقال: رأيت وجه زنجي وجسده أبيض، فقال سعيد: إن هذا سب هؤلاء طلحة والزبير وعليًّا ، فنهيته، فأبى، فدعوت الله عليه قلت: إن كان كاذباً فسود الله وجهه، فخرجت بوجهه قرحة فاسود وجهه[8].
وعن كاتب الحجاج قال: كنت أكتب للحجاج وأنا يومئذ غلام يستخفني ويستحسن كتابتي، وأدخل عليه بغير إذن، فدخلت عليه يوماً بعد أن قتل سعيد بن جبير؛ لأن سعيد بن جبير كان من جملة القراء الذين خرجوا مع ابن الأشعث لقتال الحجاج ثم هزموا، فتفرقوا واختفوا، فطلبهم الحجاج، وكان سعيد بن جبير ممن اختفى في مكة، فيقول: وهو في قبة له -يعني الحجاج- لها أربعة أبواب، فدخلت عليه مما يلي ظهره، فسمعته يقول: مالي ولسعيد بن جبير، فخرجت رويداً وعلمت أنه إن علم بي قتلني، فلم ينشب إلا قليلا حتى مات[9].
أي: أنه كان يتعذب بعد أن قتل سعيد بن جبير؛ لأن سعيد بن جبير كما قال الإمام أحمد: قتله الحجاج وما في الدنيا أحد إلا وهو محتاج إلى علمه، والله المستعان.
وجاء عن فضيل بن مرزوق قال: سمعت الحسن بن الحسن يقول: دخل عليّ المغيرة بن سعيد -يعني الذي أُحرق في الزندقة، فذكر من قرابتي وشبهي برسول الله ﷺ، وكنت أشبَّه وأنا شاب برسول الله ﷺ، ثم لعن أبا بكر وعمر، فقلت: يا عدو الله، أعندي؟، ثم خنقته -والله- حتى دَلعَ لسانُه[10].
وكان سعد بن إبراهيم عند هشام المخزومي أمير المدينة، فاختصم عنده يوماً ولد لمحمد بن مسلمة وآخر من بني حارثة، فقال ابن محمد: أنا ابن قاتل كعب بن الأشرف، تعرفون كعب بن الأشرف اليهودي، الذي كان يشبب بأزواج النبي ﷺ، ويطعن في رسول الله ﷺ ويسبه ويشتم الصحابة، فبعث إليه النبي ﷺ محمد بن مسلمة ومن معه في قصة معروفة، فقتلوه.
فقال الحارثي: أما والله ما قُتل إلا غدراً، من ذلك الحين ويوجد من يطعن في النبي ﷺ وفي أصحابه، والله ما قتل إلا غدراً، فانتظر سعد أن يغيرها الأمير، أي: أنه انتظر من الأمير أن يكون له موقف من هذا، فلم يفعل حتى قاما، فلما استقضي سعد، أي: صار قاضياً، قال: أُعطي الله عهداً لئن أفلتَ الحارث منك -يقول لمولاه- لأوجعنك، قال شعبة: فصليت معه الصبح ثم جئت به سعداً، فلما نظر إليه سعد شق القميص، ثم قال: أنت القائل: إنما قُتل ابن الأشرف غدراً؟ ثم ضربه خمسين ومائة سوط، وحلق رأسه ولحيته، ولا شك أن هذا لا يجوز، أي أن يحلق لحيته، لكن كانوا يفعلون ذلك إهانة، إذا أرادوا أن يهينوا إنساناً حلقوا رأسه ولحيته، وقال: والله لأقوِّمنك بالضرب ما كان لي عليك من سلطان[11]، انتصاراً لرسول الله ﷺ ولأصحابه .
وقام يوسف بن عمر الثقفي بأعمال شديدة من الجور والظلم، منها: تعذيبه خالد بن عبد الله القسري، وهو أيضاً أمير ظالم، لكن سلط الله عليه من هو أظلم منه، كما قيل:
وما مِن يدٍ إلا يدُ الله فوقَها | ولا ظالمٍ إلا سيُبلَى بظالمِ |
سُلط على خالد القسري ووهب بن منبه -رحمه الله- حتى قتله، فبعث يزيد بن خالد القسري مولاه أبا الأسد، فدخل السجن فضرب عنق يوسف بن عمر، وقيل: رموه قتيلاً، فشد الصبيان في رجله حبلاً، وجُر في أزقة دمشق، سُحب وسحل، وقال الذهبي: نعوذ بالله من البغي وعواقبه[12].
وكان بين سليمان التيمي -رحمه الله- وهو من الأئمة العباد- وبين رجل تنازع، فتناول الرجل سليمان، فغمز بطنه، فجفت يد الرجل[13].
وجاء عن سعيد بن أبي عروبة قال: من سب عثمان افتقر[14].
وعن حريز بن عثمان قال: لا تعادي أحداً حتى تعلم ما بينه وبين الله، فإن كان محسناً فإن الله لا يسلمه لعداوتك، وإن كان مسيئاً فأوشكَ بعمله أن يكفيكه[15].
وبعث أبو جعفر المنصور الخشّابين -أي: النجارين- حين خرج إلى مكة وقال: إن رأيتم سفيان الثوري فاصلبوه، فجاء النجارون ونُصب الخشب، ونودي عليه فإذا رأسه في حجر الفضيل بن عياض ورجلاه في حجر سفيان بن عيينة، فقيل: يا أبا عبد الله، اتق الله لا تشمت بنا الأعداء، أي: اختفِ، فتقدم إلى الأستار، يعني: أستار الكعبة، ثم أخذها، وقال: برئت منه إذا دخلهما أبو جعفر، قال: فمات أبو جعفر قبل أن يدخل مكة، فأُخبر بذلك سفيان فلم يقل شيئاً[16].
ويقول يزيد بن هارون: سمعت أبا جزء بن طريف يقول: أبو معشر السندي أكذب من في السماء والأرض، يقول: فقلت في نفسي: هذا علمك بالأرض، فكيف علمك بالسماء؟، فوضع الله أبا جزء ورفع أبا معشر[17].
وهذا يقع في الناس، فلان كذاب، وفلان فيه، وفلان مبتدع، وفلان زنديق، وفلان هالك، وفلان تالف، وفلان..، وسيعلم غداً من التالف، ومن الهالك.
وعن الفضيل قال: والله ما يحل لك أن تؤذي كلباً ولا خنزيراً بغير حق، فكيف تؤذي مسلماً[18]؟!.
والشافعي -رحمه الله- يقول: بئس الزاد العدوان على العباد[19].
ويقول: أنفع الذخائر التقوى، وأضرها العدوان[20].
ويقول إبراهيم بن أبي طالب: جئت عثمان بن أبي شيبة فقال لي: إلى متى لا يموت إسحاق بن راهويه؟ -عالم إمام من أئمة السنة، فقلت له: شيخٌ مثلك يتمنى هذا؟!، قال: دعني فلو مات لصفا لي جرير بن عبد الحميد -وهذا أيضاً إمام من أئمة السنة، قلت: فما عاش بعد إسحاق سوى خمسة أشهر[21].
ويقول الحسين الكرابيسي: مثل الذين يذكرون أحمد بن حنبل مثل قوم يجيئون إلى أبي قُبيس -جبل بجوار الصفا معروف كبير، يريدون أن يهدموه بنعالهم[22].
وبقيت بقية أتركها في الليلة القادمة -إن شاء الله.
وأسأل الله أن يحفظنا وإياكم من كل مكروه، وأن يصون ألسنتنا وجوارحنا من كل ما يسخطه، وأن يجعلنا وإياكم من أوليائه وعباده المتقين، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.
- سير أعلام النبلاء (2/ 514).
- المصدر السابق (3/ 313).
- المصدر السابق.
- المصدر السابق (3/ 317).
- المصدر السابق (3/ 481).
- المصدر السابق (3/ 549).
- المصدر السابق (4/ 216).
- المصدر السابق (4/ 242).
- المصدر السابق (4/ 332).
- المصدر السابق (4/ 486).
- المصدر السابق (5/ 420).
- المصدر السابق (5/ 444).
- المصدر السابق (6/ 199).
- المصدر السابق (6/ 416).
- المصدر السابق (7/ 81).
- المصدر السابق (7/ 251).
- المصدر السابق (7/ 436).
- المصدر السابق (8/ 427).
- المصدر السابق (10/ 41).
- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (9/ 123).
- سير أعلام النبلاء (11/ 152).
- المصدر السابق (11/ 204).