بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المفسر -رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى:
إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [سورة النساء:17-18].
يقول : إنما يتقبل الله التوبة ممن عمل السوء بجهالة، ثم يتوب ولو قبْل معاينة الملك الذي يقبض روحه، أي: قبل الغرغرة.
قال مجاهد وغير واحد: كل من عصى الله خطأً أو عمداً فهو جاهل حتى ينزع عن الذنب، وقال قتادة عن أبي العالية: أنه كان يحدث أن أصحاب رسول الله ﷺ كانوا يقولون: كل ذنب أصابه عبد فهو بجهالة، رواه ابن جرير، وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن قتادة قال: اجتمع أصحاب رسول الله ﷺ فرأوا أن كل شيء عُصي به فهو جهالة عمداً كان أو غيره.
وقال ابن جريج: أخبرني عبد الله بن كثير عن مجاهد قال: كل عامل بمعصية الله فهو جاهل حين عملها، قال ابن جريج: وقال لي عطاء بن أبي رباح نحوه، وقال أبو صالح عن ابن عباس -ا: من جهالته عمل السوء.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
هذه الأقوال التي أُثرت عن السلف -رضوان الله عنهم- هي المعتمدة في تفسير هذه الآية، وذلك أن من اجترأ على حدود الله باقتراف معاصيه فإنه ما قدر الله حق قدره، ولا عظمه حق تعظيمه، إذ لو عظم الله في قلبه لأوقفه تعظيمه عن ارتكاب ما يسخطه ويغضبه، ولذا أطلق عليه لفظ الجاهل لهذا المعنى.
وأما القول بأن الجهالة هي بمعنى أن يجهل الإنسان أي: يتعدى، فهذا التفسير لا يتأتى مع تفسير الآية؛ لأن لفظ الآية تبيّن حال العاصين الذين اجترءوا على حدود الله جهلاً منهم بما يجب له من التعظيم والمهابة والخوف والحياء منه سبحانه، والله أعلم.
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس -ا: ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ قال: ما بينه وبين أن ينظر إلى ملك الموت.
وقال الضحاك: ما كان دون الموت فهو قريب.
وقال الحسن البصري: ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ ما لم يغرغر.
وقال عكرمة: الدنيا كلها قريب.
وروى الإمام أحمد عن ابن عمر -ا- عن النبي ﷺ قال: إن الله يقبل توبة عبده ما لم يغرغر[1] ورواه الترمذي وابن ماجه، وقال الترمذي: حسن غريب.
ووقع في سنن ابن ماجه عن عبد الله بن عمرو -ا، وهو وَهْم، إنما هو عبد الله بن عمر بن الخطاب.
الصواب أن ضابط التوبة من قريب في قوله سبحانه: ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ ما يكون قبل أن تغرغر الروح في الحلقوم، بمعنى أنها تتردد في أعلى الصدر، ولذلك النبي ﷺ دعا عمه أبا طالب في مرض الموت إلى الإسلام، ولما مرض الغلام اليهودي أتاه النبي ﷺ يعوده وهو بالموت، فقعد عند رأسه فقال له: أسلم، فنظر إلى أبيه وهو عند رأسه فقال له: أطع أبا القاسم، فأسلم، فقام النبي ﷺ وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه بي من النار[2]، أما إذا وصلت الغرغرة الحلقوم، وعاجل العبد السكرات فإنه لا ينفعه حينئذ إيمانه ولا توبته. والله أعلم.
الغلاصم: الحلق، وقد يطلق على أقصى الحلق حيث يكون ما بعده المنحدر إلى الجوف.
فلا توبة متقبلة حينئذ، ولات حين مناص، ولهذا قال: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ [سورة النساء:18]، وهذا كما قال تعالى: فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ... [سورة غافر:84] الآيتين، وكما حكم تعالى بعدم توبة أهل الأرض إذا عاينوا الشمس طالعة من مغربها كما قال تعالى: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا... [سورة الأنعام:158] الآية.
وقوله: وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ يعني أن الكافر إذا مات على كفره وشركه لا ينفعه ندمه ولا توبته، ولا يقبل منه فدية ولو بملء الأرض، قال ابن عباس -ا- وأبو العالية والربيع بن أنس وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا قالوا: نزلت في أهل الشرك.
روى الإمام أحمد عن أسامة بن سلمان: أن أبا ذر حدثهم: أن رسول الله ﷺ قال: إن الله يقبل توبة عبده أو يغفر لعبده ما لم يقع الحجاب، قيل: وما وقوع الحجاب؟ قال: أن تخرج النفس وهي مشركة[3]، ولهذا قال الله تعالى: أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا أي: موجعاً شديداً مقيماً.
هذا الحديث يفسر الآية، لكن لا يخلو من ضعف، والله أعلم.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاء سَبِيلاً [سورة النساء:19-22].
روى البخاري عن ابن عباس -ا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا، قال: كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته، إن شاء بعضهم تزوجها، وإن شاءوا زوجوها، وإن شاءوا لم يزوجوها، فهم أحق بها من أهلها، فنزلت هذه الآية في ذلك: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا.
هذا هو سبب النزول أن أولياء الميت في الجاهلية كان الواحد منهم يسبق إلى المرأة فيلقي عليها ثوباً فيكون قد وضع يده عليها بهذا الاعتبار، ثم بعد ذلك يكون بالخيار إن شاء تزوجها إن كان له رغبة فيها، وإن شاء أمسكها حتى تفتدي بأن تعيد لهم المهر الذي دفعه زوجها لها، أو تدفع لهم نصيبها من الميراث؛ لئلا يتفرق ميراثهم ويذهب إلى الآخرين بزعمهم، أو يبقي عصمتها تحته فلا تتزوج إلا بأمره، ولا يوافق على تزويجها إلا إذا دفعت له الصداق الذي يعطيها إياه الزوج الجديد، أو غير ذلك مما يفعلونه من أنواع المظالم، فإن فرت ووصلت بيت أهلها قبل أن يلقي عليها ثوباً تكون بذلك قد ملكت أمرها، وتصرفت في شأنها، ولا لأحد يد عليها من أقارب زوجها.
ومما تفسر به الآية ما صح عن ابن عباس -ا: أنهم كانوا في الجاهلية إذا مات الرجل وترك زوجة ألقى عليها حميمه ثوباً فمنعها من الناس، فإن كانت جميلة تزوجها، وإن كانت ذميمة حبسها حتى تموت فيرثها، وهذا يعنى أن نفس المرأة تكون ميراثاً ومن جملة تركة الميت.
وجاء أيضاً عن سهل بن حنيف كما عند النسائي في السنن الكبرى بإسناد حسنه الحافظ ابن حجر -رحمه الله- أنه لما توفي أبو قيس بن الأسلت أراد ابنه أن يتزوج امرأته، وكان ذلك لهم في الجاهلية فأنزل الله: لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا.
وفي لفظ عند أبي داود: وذلك أن الرجل كان يرث امرأة ذي قرابته فيعضلها حتى تموت، أو ترد إليه صداقها، فنهاهم الله عن ذلك، وتوارد هذه الروايات يؤكد أنهم كانوا يفعلون هذه الأمور جميعاً. والله أعلم.
العضل يقع على صور عديدة ومنه:
أن يعضل الرجل ابنته وموليته من التزوج لأجل الخدمة، أو للانتفاع مما تتقاضاه من الأجرة مقابل عملها، وهذه الصورة وإن لم تكن مرادة في الآية إلا أنها من صور العضل المحرم.
ومن صوره: أن يعضل الرجل امرأته الناشز المترفعة عن طاعته حتى تفتدي منه، فهذه الصورة وإن كانت جائزة إلا أن الأولى أن يترفع الزوج عنها عملاً بقوله سبحانه: وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ [سورة البقرة:237].
وصورة أخرى: أن يمنع أولياء المرأة المطلقة أن ترجع إلى زوجها الأول إذا حصل التراضي بينهما، وهذا لا يجوز. وقد سبق الكلام عليه.
وقالت طائفة: إن الصورة المرادة من الآية مرتبطة بما سبق من قوله سبحانه: لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ فيكون المعنى: لا تمنعها من التزوج من أجل أن ترد الصداق الذي أعطاه إياها قريبك لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن؛ ومعلوم كما سبق أن أولياء الميت في الجاهلية كان الواحد منهم إذا سبق إلى المرأة ألقى عليها ثوباً فمنعها من الزواج حتى تفتدي منه.
لكن يرد على هذا التفسير أن الله قال بعدها: إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ فهل يعتبر هذا قيداً
يُحل له أن يمنعها من الزواج في حال مجيئها بفاحشة مبينة؟ هذا فيه إشكال وإن كان قال به جماعة من أهل العلم.
والظاهر أن ما ذكره ابن كثير في تفسير العضل بقوله: أي: لا تضاروهن في العشرة لتترك لك ما أصدقتها... هو المراد، فإذا كان الرجل لا رغبة له بالمرأة فالأولى أن يطلقها ولا يجوز له أن يبقيها على وجه المضارة من أجل أن تفتدي، وإنما يجوز له ذلك إذا كانت تسيء عشرته وتترفع عن طاعته، ويكون هذا هو معنى قول الله : إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ.
فالفاحشة المبينة في الآية: النشوز، وهو الترفع عن طاعة الزوج، وسوء العشرة معه، والتطاول عليه وما أشبه ذلك، وابن جرير -رحمه الله- يحمل الآية على العموم، فأدخل الزنا والترفع عن طاعة الزوج وما أشبه ذلك في الفاحشة.
والفاحشة: هي الذنب، وتطلق في عرف الاستعمال غالباً على الزنا، وما في معناه كقوله تعالى: أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ [سورة الأعراف:80]، وتطلق أيضاً على الذنب العظيم، والنشوز وعقوق الزوج والترفع عن طاعته، كما قال الله : يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ [سورة الأحزاب:30]
فُسرت الفاحشة هنا بعقوق الزوج، والترفع عن طاعته وأذيته وما أشبه ذلك، والله يقول في المطلقات: وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ [سورة الطلاق:1]، قال أهل التفسير: الفاحشة المبينة هي التطاول على الزوج والأحماء والإساءة إليهم، فيكون ذلك مستثنى، فالحاصل أنه لا يلزم أن تفسر الفاحشة بالزنا.
ومن أهل العلم من يجعل لفظ الفاحشة على ثلاثة أنواع:
- إذا عرفت بـ"أل" فهي الزنا وما في معناه.
- وإذا ذكرت منكرة كان المقصود بها الذنب العظيم.
- وإذا قيدت بالبيان فُهم المراد من السياق، فالفاحشة في هذا الموضع من الآية هي بمعنى عقوق الزوج، والنشوز عن طاعته، وهذا الكلام قد لا يكون دقيقاً في كل المواضع.
والخلاصة أن الآية تتحدث عن قضيتين:
الأولى: ما كان يتعامل به أهل الجاهلية مع زوجة قريبهم بعد موته.
الثانية: خطاب من الله للأزواج فيما ينبغي من التعامل الحسن مع النساء كما قال الله : وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [سورة النساء:19] فإذا كان هذا الإنسان لا رغبة له فيها فهو بالخيار إما إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، أما عضلها من أجل أن تفتدي منه فلا يجوز له إلا إن أتت بفاحشة مبينة فله ذلك، والله أعلم.
وقوله: إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ قال ابن مسعود وابن عباس -، وسعيد بن المسيب والشعبي والحسن البصري ومحمد بن سيرين وسعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة وعطاء الخرساني والضحاك وأبو قلابة وأبو صالح والسدي وزيد بن أسلم وسعيد بن أبي هلال: يعني بذلك الزنا، يعني إذا زنت فلك أن تسترجع منها الصداق الذي أعطيتها وتُضاجرها حتى تتركه لك وتخالعها، كما قال تعالى في سورة البقرة: وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ [سورة البقرة:229] الآية، وقال ابن عباس -ا، وعكرمة والضحاك: الفاحشة المبينة: النشوز والعصيان.
واختار ابن جرير أنه يعم ذلك كله: الزنا والعصيان والنشوز وبذاء اللسان وغير ذلك، يعني أن هذا كله يبيح مضاجرتها حتى تُبْرئه من حقها أو بعضه ويفارقها، وهذا جيد، والله أعلم.
إذا أفسدت فراشه وقذرته بالزنا فله الحق أن يطالبها بالمهر الذي أعطاها، بل يرى الإمام مالك -رحمه الله- أن للزوج الحق إذا كانت امرأته ناشزاً أن يأخذ كل ما تملك، والمسألة فيها خلاف معروف، هل له أن يأخذ كل ما دفع، أو دونه، أو أكثر منه، أو بحسب ما يتفقون عليه، الله أعلم بالصواب.
حملت اللحم: يعني سمنت وامتلأ جسمها.
ويجتمع نساؤه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها رسول الله ﷺ فيأكل معهن العشاء في بعض الأحيان، ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها، وكان ينام مع المرأة من نسائه في شعار واحد يضع عن كتفيه الرداء، وينام بالإزار، وكان إذا صلى العشاء يدخل منزله يسمر مع أهله قليلاً قبل أن ينام يؤانسهم بذاك ﷺ، وقد قال الله تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [سورة الأحزاب:21].
وقوله تعالى: فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا أي: فعسى أن يكون صبركم -مع إمساككم لهن وكراهتهن- فيه خير كثير لكم في الدنيا والآخرة، كما قال ابن عباس -ا- في هذه الآية: هو أن يعطف عليها فيرزق منها ولداً، ويكون في ذلك الولد خير كثير، وفي الحديث الصحيح: لا يفرك مؤمن مؤمنة إن سخط منها خلقاً رضي منها آخر[6].
ما نقل عن ابن عباس هو من باب التفسير بالمثال، وإلا فالمعنى أعم، وهنا قضيتان يتعزى المرء بهما:
الأولى: أن هذه المرأة التي قد لا يتلاءم الرجل معها في بعض الأمور، قد تكون سبباً لفلاحه دنيا وآخرة، وربما يجري الله على يديها ألواناً من الخير، ويدفع عن العبد بسببها نقماً أو نحوها، مصداق ذلك قوله تعالى: فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا، فهذه الأمور ينبغي أن تكون أشبه بالأساسات في التفكير في المعاشرة الزوجية.
القضية الأخرى التي يتعزى بها المرء في المعاشرة الزوجية: هو ما جاء على لسان المصطفى ﷺ بقوله: إن المرأة خلقت من ضلع، وأن أعوج شيء في الضلع أعلاه [7] فالرجل إذا أدرك طبيعة المرأة وسجيتها وتعامل معها على أساسه، استراح في حياته وأراح، وقد أخبر النبي ﷺ أنهن أكثر أهل النار، فلما سئل بِمَ؟ قال: تكفرن العشير وتكثرن اللعن، لو أحسنت إلي إحداهن الدهر كله ثم رأت منك شيئاً قالت: ما رأيت منك خيراً قط [8] فهذه طبيعة غالبة لدى كثير من النساء لكنها إلى حد معين، ولذا كان من أهم الأشياء التي تتجاوز بها المشكلات عند التعامل مع الناس أن يعرف الإنسان طبيعة من يتعامل معه فيعامله بمقتضى ذلك.
وأما معنى قوله ﷺ: لا يفرك مؤمن مؤمنة، أي: لا يبغض، وخلق الموازنة بين المحاسن والمساوئ عند الزوجين ينحل به كثير من الإشكال والنفور الذي يقع بينهم، والله أعلم.
وقوله تعالى: وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً [سورة النساء:20].
أي: إذا أراد أحدكم أن يفارق امرأة ويستبدل مكانها غيرها فلا يأخذن مما كان أصدق الأولى شيئاً، ولو كان قنطاراً من مال.
هذا في حال ما إذا كانت الرغبة عنها ناتجة ومبتدأة منه.
عَلَق القِربة: وهو حبل تعلق به، أي: تحملت لأهلك كل شيء حتى علق القربة، ويقال في أمر يوجد فيه كلفة ومشقة، ولذلك لا يتحمل أن يرى منها تقصيراً، ويريد امرأته أن تكون كاملة في كل شيء.
ثم رواه الإمام أحمد وأهل السنن من طرق، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وروى الحافظ أبو يعلى عن مسروق قال: ركب عمر بن الخطاب منبر رسول الله ﷺ ثم قال: أيها الناس ما إكثاركم في صُدُق النساء!!، وقد كان رسول الله ﷺ وأصحابه والصَّدُقات فيما بينهم أربعمائة درهم فما دون ذلك، ولو كان الإكثار في ذلك تقوى عند الله أو كرامة لم تسبقوهم إليه، فلا أعرفن ما زاد رجل في صداق امرأة على أربعمائة درهم، قال: ثم نزل فاعترضته امرأة من قريش فقالت: يا أمير المؤمنين نهيت الناس أن يزيدوا النساء صداقهم على أربعمائة درهم، قال: نعم، فقالت: أما سمعت ما أنزل الله في القرآن؟ قال: وأي ذلك؟ فقالت: أما سمعت الله يقول: وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا [سورة النساء:20] الآية؟ فقال: اللهم غفراً، كل الناس أفقه من عمر، ثم رجع فركب المنبر، فقال: إني كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صداقهن على أربعمائة درهم، فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب، قال أبو يعلي: وأظنه قال: فمن طابت نفسه فليفعل. إسناده جيد قوي.
والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه وآله وصحبه.
- رواه الترمذي برقم (3537) (5/547)، ورواه ابن ماجه ولفظه ((إن الله ليقبل توبة العبد ما لم يغرغر برقم (4253) (2/1420)، وأحمد برقم (6160) (2/132)، وحسنه الألباني في صحيح وضعيف الجامع الصغير برقم (3143).
- رواه أبو داود برقم (3097) (3/152)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود برقم (3095).
- رواه أحمد في مسنده برقم (21562) (5/174)، قال شعيب الأرنؤوط: إسناده ضعيف لجهالة ابن نعيم...، ويغني عنه قوله ﷺ: ((إن الله يقبل توبة العبد....
- رواه الترمذي برقم (3895) (5/709)، وابن ماجه (1977) (1/636)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف الجامع الصغير برقم (5625).
- رواه أبو داود برقم (2580) (2/334)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف الجامع الصغير برقم (12963).
- رواه مسلم في كتاب الرضاع – باب الوصية بالنساء برقم (1469) (2/1091).
- رواه البخاري في كتاب الأنبياء – باب قول الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً [سورة البقرة:30] برقم (3153) (3/1212)، ومسلم في كتاب الرضاع – باب الوصية بالنساء برقم (1468) (2/1090).
- رواه البخاري في كتاب الحيض – باب ترك الحائض الصوم برقم (298) (1/116).