الأربعاء 23 / جمادى الآخرة / 1446 - 25 / ديسمبر 2024
[9] من قول الله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ} الآية 25 إلى قوله تعالى: {وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا} الآية 28.
تاريخ النشر: ١٠ / شوّال / ١٤٢٦
التحميل: 3713
مرات الإستماع: 2546

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال المفسر -رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى:

وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [سورة النساء:25].

يقول تعالى: ومن لم يجد منكم طولاً أي: سعة وقدرة أن ينكح المحصنات المؤمنات، أي: الحرائر العفائف المؤمنات فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ أي: فتزوجوا من الإماء المؤمنات اللاتي يملكهن المؤمنون وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ أي: هو العالم بحقائق الأمور وسرائرها، وإنما لكم أيها الناس الظاهر من الأمور.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فقد فسر جمهور المفسرين الطَّوْل بما ذكره الحافظ ابن كثير -رحمه الله- أي: السعة وغنى المال الذي يدفعه مهراً للحرة، وقيل الطَّوْل: الصبر لمن كان يهوى أمة ولا يجد صبراً عنها، ويخشى أن يقع عليها بالزنا فله أن يتزوجها؛ ليكون ذلك الوقاع بالحلال، وقال بعضهم: وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أي: يتزوج حرة.

ونقل عن بعض الفقهاء -كالإمام مالك –رحمه الله- قوله: إن الرجل لا يحل له أن يتزوج أمة إن كانت تحته حرة، فإن لم يكن تحته حرة جاز له أن يتزوج بالأمة، ولكن القول المتبادر الذي عليه عامة أهل العلم أن المراد بقوله سبحانه: وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أي: سعة يتمكن بها من أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ أي: الحرائر العفيفات.

والإحصان يتغير معناه بحسب سياق الآية ومعناها فالمراد بالإحصان في هذه الآية غير المراد به في قوله سبحانه: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [سورة النساء:24] إذ المراد بالإحصان هنا: المتزوجات.

وقوله سبحانه: فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ الفتاة تطلق على الأنثى الشابة، ويشمل الوصف في الآية الكبيرة والصغيرة كما في الحديث: لا يقول: عبدي وأمتي، وإنما يقول: فتاي وفتاتي[1] والمعنى أي: فتزوجوا من إمائكم المؤمنات، والإيمان في الأمة المراد تزوّجها شَرَطه جمهور أهل العلم؛ فلا يجوز التزوج بالأمة الكتابية، مع أن الله أباح نكاح حرائر أهل الكتاب قال سبحانه: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ... [سورة المائدة:5]. 

وأجاز أبو حنيفة -رحمه الله- نكاح الأمة غير المؤمنة ولم يقل بقول الجمهور بناء على أصوله فهو لا يرى إعمال مفهوم المخالفة، وهذا هو مأخذ المسألة.

وأما مسألة الوطء للأمة فمذهب عامة أهل العلم أن الأمة غير الكتابية –كالمجوسية والوثنية- لا يجوز له أن يطأها بملك اليمين، ولقد ذكر الحافظ ابن عبد البر -رحمه الله- بأن ذلك لم يخالف فيه إلا طاوس بن كيسان -رحمه الله، ولكن عند استعراض النصوص نجد أنه لم يرد في مسألة تحريم الوطء للأمة شيء لا في كتاب الله ، ولا عن النبي ﷺ يدل على أنه لا توطأ غير الكتابية، بل كان سبايا العرب عند المسلمين كتابيات وغير كتابيات -كسبايا أوطاس وغير أوطاس- وكانوا يطئونهن ولم ينهاهم النبي ﷺ عن وطئهن، وما أمرهم أن يفرقوا أو ينظروا في دينهن، والله أعلم.

ولا يجوز لإنسان أن يتزوج أمته بالإجماع إلا إذا أعتقها فله أن يتزوجها.

وقوله سبحانه: وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ يحتمل أن يكون ذلك من جهة النسب يعني يرخص لك في التزوج بالأمة في حال الاضطرار إذا خفت على نفسك العنت -يعني الزنا، فيجوز أن تتزوج الأمة، وهذا الأمر كانت العرب تنفر منه، والله قد كرهه لهم، فخفف عليهم وطأته بأن جعله في حال الاضطرار، وقالت طائفة: وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ يعني أنتم ترجعون في النسب في الأصل إلى آدم -عليه الصلاة والسلام. 

وبعضهم يقول: بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ: أي في الإيمان، فأنتم مشتركون فيه، وهذا بناء على أنه -كما ذكرنا من قول الجمهور- لا يجوز له أن يتزوج بالأمة غير المسلمة ولو كانت كتابية، بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ.

ثم قال: فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ فدل على أن السيد هو ولي أمته لا تزوج إلا بإذنه، وكذلك هو ولي عبده ليس لعبده أن يتزوج بغير إذنه، كما جاء في الحديث: أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه فهو عاهر[2] أي: زان، فإن كان مالك الأمة امرأة زوّجها من يزوج المرأة بإذنها؛ لما جاء في الحديث: لا تزوج المرأة المرأة، ولا المرأة نفسها، فإن الزانية هي التي تزوج نفسها[3].

المقطع الأخير في الحديث من قوله: فإن الزانية هي التي تزوج نفسها[4] لا يخلو من ضعف.

وقوله تعالى: وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ أي: وادفعوا مهورهن بالمعروف، أي: عن طيب نفس منكم.

استدل الإمام مالك -رحمه الله- بهذه الآية على أن المهر يكون ملكاً للأمة؛ لأن الله سبحانه أمر بأن تعطى هذا المهر، وعدوا هذا الموضع مما يستثنى وقالوا: إنما استحقته مقابل ما استحل من بضعها، والمشهور أن المهر لسيدها وإن أضافه إليها؛ لأن الأمة لا تملك إنما الذي يملك هو سيدها، والله أعلم.

ولا تبخسوا منه شيئاً استهانة بهن؛ لكونهن إماء مملوكات.

وقوله تعالى: مُحْصَنَاتٍ أي: عفائف عن الزنا لا يتعاطينه.

وفي قراءة الكسائي وهي قراءة متواترة بكسر الصاد مُحْصِنَاتٍ يعني لفروجهن.

ولهذا قال: غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وهن الزواني اللاتي لا يمنعن من أرادهن بالفاحشة، وقوله تعالى: وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ قال ابن عباس -ا: المسافحات هن الزواني المعلنات، يعني الزواني اللاتي لا يمنعن من أرادهن بالفاحشة، ومتخذات أخدان: يعني أخلاء.

وكذا روي عن أبي هريرة ومجاهد والشعبي والضحاك وعطاء الخرساني ويحيى بن أبي كثير ومقاتل بن حيان والسدي، قالوا: أخلاء.

والمعنى أن تكون الأمة المراد نكحاها عفيفة ممتنعة من الفاحشة، وهذا أحد المعاني في قوله -تبارك وتعالى: وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ [سورة الأنعام:120]، وكذا في قوله في الفواحش: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ... [سورة الأعراف:33] فما ظهر، قيل: الزنا علانية ومجاهرة، وما بطن قيل: مع الأخلاء والأخدان.

وقوله تعالى: فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ.

وفي قراءة حمزة وعاصم: فَإِذَا أَحْصَنَّ والمعنى على الأقرب واحد.

المراد بالإحصان هاهنا التزويج؛ لأن سياق الآية يدل عليه حيث يقول : وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ، والله أعلم.

وحمْل الإحصان على التزويج هو اختيار جماعة من المحققين، من المعاصرين الشيخ محمد الأمين الشنقيطي –رحمه الله، وذهب جمهور المفسرين إلى أن المراد بالإحصان الإسلام فَإِذَا أُحْصِنَّ أي: أسلمن، ولو أخذنا بمفهوم المخالفة بناء على قول الجمهور فإن ذلك يقتضي أن لا حد عليها إذا لم تسلم. 

ولكن الجمهور يتعقبون ذلك بالقول: إنه لا اعتبار لمفهوم المخالفة في هذا الموضع؛ لأنه معارض بمنطوق السنة الصريح في إقامة الحد، فقد جاء عن أبي هريرة وزيد بن خالد –ا- أن النبي ﷺ سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن فقال: إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم بيعوها ولو بضفير[5].

وثبت من حديث أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب عليها، ثم إن زنت فليجلدها الحد ولا يثرب، ثم إن زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من شعر[6].

إذا تعارض المفهوم والمنطوق قدم المنطوق؛ لأنه أقوى، وابن جرير -رحمه الله- جمع بين القولين فقال: إن قول الجمهور تفسر به قراءة الفتح فَإِذَا أَحْصَنَّ أي: أسلمن، وقراءة الضم فَإِذَا أُحْصِنَّ بالبناء للمجهول، بمعنى: تزوجن، فجعل معنى كل قراءة يختلف عن الآخر بناء على القاعدة أن القراءتين إن اختلف معناهما فهما بمنزلة الآيتين، ولكن الذي عليه كثير من أهل العلم: أن معنى القراءتين واحد، وهذا هو المتبادر من السياق، والله أعلم.

وقالت طائفة: لا يقام عليها الحد، ولكنها تضرب تأديباً، واستدلوا ببعض الظواهر التي قد لا تخلو من ضعف، ومما يضعف هذا الرأي حديث أبي هريرة السابق، وما روي عن علي أنه قال: يا أيها الناس، أقيموا على أرقائكم الحد -لمن أحصن ولمن لم يحصن- فإن أمة لرسول الله ﷺ زنت فأمرني أن أجلدها، فهذا يدل على أن الأمة يقام عليها الحد سواء كانت مسلمة أو غير مسلمة متزوجة أو غير متزوجة.

والآية الكريمة سياقها كلها في الفتيات المؤمنات فتعيَّن أن المراد بقوله: فَإِذَا أُحْصِنَّ أي: تزوجن، كما فسره ابن عباس -ا- ومن تبعه.

وقوله: نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ، يدل على أن المراد من العذاب الذي يمكن تنصيفه وهو الجلد لا الرجم، والله أعلم.

واختلف المفسرون في المراد بالمحصنات في قوله سبحانه: فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ فقال بعضهم: الحرائر، وقيل: المتزوجات، والمشهور الأول، وكل هذا يبينه السياق، وهذا يدل على أن اللفظة الواحدة يكون لها في كل موضع معنى بحسب السياق، والله أعلم.

وقوله تعالى: ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ أي: إنما يباح نكاح الإماء بالشروط المتقدمة لمن خاف على نفسه الوقوع في الزنا، وشق عليه الصبر عن الجماع، وعنت بسبب ذلك كله فحينئذ يتزوج بالأمة.

أصل العنت: الإثم، والعرب تقول ذلك لانكسار العظم إذا انجبر، وقد يراد بالعنت المشقة؛ لكون الإثم سبباً للمشقة، وقد يراد بالعنت الزنا باعتبار أن الزنا سبب للإثم الذي يتسبب عنه المشقة في الدنيا وفي الآخرة.

وإن ترك تزوجها وجاهد نفسه في الكف عن الزنا فهو خير له؛ لأنه إذا تزوجها جاء أولاده أرقاء لسيدها، ولهذا قال: وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [سورة النساء:25].

فكره الله لأهل الإيمان أن يتزوجوا الإماء إلا في حال الضرورة، بخلاف وطء الأمة بملك اليمين فإن أولاده منها أحرار، وينسبون لأبيهم، والله أعلم.

يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ۝ وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا ۝ يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا [سورة النساء:26-28] يخبر تعالى أنه يريد أن يبين لكم أيها المؤمنون ما أحل لكم وحرم عليكم مما تقدم ذكره في هذه السورة وغيرها وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ يعني طرائقهم الحميدة واتباع شرائعه التي يحبها ويرضاها وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ أي: من الإثم والمحارم وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌْ أي: في شرعه وقدَره وأفعاله وأقواله.

وقوله: وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا أي: يريد أتباع الشياطين من اليهود والنصارى والزناة أن تميلوا عن الحق إلى الباطل ميلاً عظيماً.

وبعض أهل العلم اقتصر في حمل الآية على الزناة، والمراد أن الله إنما رخص لكم في التزوج بالأمة تخفيفاً عنكم في حال الضرورة، ومندوحة لكم كي لا تقعوا في هذه الفاحشة -الزنا- ولكي تسلكوا مسالك النزاهة والطهر والنظافة، وفي المقابل يريد عبيد الشهوات الزناة أصحاب الفواحش -ويدخل في الآية اليهود والنصارى ومن تابعهم في ذلك ممن يريدون إفساد المرأة وإخراجها من بيتها، واختلاطها بالرجال، وما إلى ذلك من معاني العري والتهتك والتفسخ- أن تميلوا ميلاً عظيماً.

يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ أي: في شرائعه وأوامره ونواهيه وما يقدره لكم، ولهذا أباح الإماء بشروطه كما قال مجاهد وغيره.

وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا فناسبه التخفيف لضعفه في نفسه، وضعف عزمه وهمته، وروى ابن أبي حاتم عن طاوس: وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا أي: في أمر النساء، وقال وكيع: يذهب عقله عندهن.

يعني لغلبة الشهوة فيضيع كثيراً من حقه وحق من ولاه الله شئونهم، وهذا التخفيف روعي فيه ضعف الإنسان لكونه لا يصبر عادة على النساء، لأجل ذلك أبيح له التزوج بالأمة في حال الاضطرار، فهذا المعنى في غاية المناسبة.

لكن الأحسن أن يقال: إن الآية عامة كما يقول الحافظ ابن القيم -رحمه الله- وجماعة من المحققين، فإن الإنسان خلق ضعيفاً في أصله فخلقه من ماء مهين، وخلق ضعيفاً في نشأته حيث يبدأ طفلاً صغيراً، ثم يبدأ يكبر، ثم يضعف مرة أخرى، وهو ضعيف في بنائه وتكوينه وفي نفسه فرب كلمة أضحكته تارة وأبكته أخرى، ويعجز عن كثير من الأمور التي يتمنى فعلها أو القيام بها، ومن ضعفه أنه لا يصبر عن النساء، فرخص له وروعي حاله، وهذا من رحمة الله ولطفه بالمكلفين.

والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه وآله وصحبه والحمد لله رب العالمين.

  1. أخرجه البخاري في كتاب العتق - باب كراهية التطاول على الرقيق وقوله عبدي وأمتي (2414) (ج 2 / ص 901).
  2. أخرجه أبو داود في كتاب النكاح - باب في نكاح العبد بغير إذن مواليه (2080) (ج 2 / ص 188) وأحمد (14250) (ج 3 / ص 300) والدارمي (2233) (ج 2 / ص 203) وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (2734).
  3. أخرجه ابن ماجه في كتاب النكاح - باب لا نكاح إلا بولي (1882) (ج 1 / ص 606) وصححه الألباني في إرواء الغليل برقم (1841) وقال في صحيح ابن ماجه: "إن الحديث صحيح دون جملة الزانية، انظر ضعيف الجامع حديث رقم (6214)".
  4. قال الألباني في صحيح ابن ماجه: إن الحديث صحيح دون جملة الزانية، وأحال إلى كتابه ضعيف الجامع حديث رقم (6214).
  5. أخرجه البخاري في كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة - باب إذا زنت الأمة (6447) (ج 6 / ص 2509) ومسلم في كتاب الحدود - باب رجم اليهود أهل الذمة في الزنى (1703) (ج 3 / ص 1328).
  6. أخرجه البخاري في كتاب البيوع - باب بيع المدبر (2119) (ج 2 / ص 777) ومسلم في كتاب الحدود - باب رجم اليهود أهل الذمة في الزنى (1703) (ج 3 / ص 1328).

مواد ذات صلة