الأربعاء 23 / جمادى الآخرة / 1446 - 25 / ديسمبر 2024
[2] أقسام التفسير وعدد سور القرآن وآياته
تاريخ النشر: ١١ / شعبان / ١٤٢٥
التحميل: 13521
مرات الإستماع: 7775

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه،  وبعد.

أقسام التفسير:

قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى:

"قال ابن جرير: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا مؤمل، حدثنا سفيان، عن أبي الزناد قال: قال ابن عباس: التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه أحدٌ إلا الله" 

هذا الأثر المشهور عن ابن عباس -ا- يتحدث عن أنواع التفسير من جهة معرفة الناس له، وهكذا ينبغي أن يحمل هذا الأثر وأن يفسر، فهو يدل على هذا المعنى؛ وذلك أن الناس في فهمهم لكلام الله منه ما يعرفونه بلغتهم –أي: تعرفه العرب بكلامها، وهذا كالذي سأل عنه عمر -: ما الأبُّ؟ فهذا يعرف من لغة العرب، ولما سأل عن التخوف في قوله تعالى:  أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ سورة النحل: 47، فأجيب بجواب مأخوذٍ من كلام العرب، واستشهد له على ذلك ببيت:

تَخَوَّف السيرُ منها تامكاً قَرِداً كما تَخوّف عُودَ النَّبْعةِ السَّفَنُ

هذا كله يرجع فيه إلى لغة العرب ويعرف منها، كالألفاظ الغريبة وما شابه ذلك.

وطائفة من كلام الله لا يعذر أحد بجهله فهو يعرفه كل أحد، وليس المقصود بأنه لا يعذر أحد بجهله بمعنى ما يتعلق بالفرائض، بل هو يتحدث عن إمكانية الوصول إليه، وطريق الوصول إليه، فهذا يعرف من جهة اللغة، وهذا لا يعذر أحد بجهله لمعرفه كل أحد به، وهذا في الأشياء الواضحة جداً التي لا تخفى، فهي تُعرف بمجرد سماعها.

والقسم الثالث: ما يعرفه العلماء، وهذا الذي يحتاج إلى استنباط، ويحتاج إلى دقة نظر، وذلك مثل الآيات التي ظاهرها التعارض، وذلك مثل قوله -تبارك وتعالى: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ سورة الصافات: 24، مع قوله: فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلَا جَانٌّ سورة الرحمن: 39.

وكذلك في مثل قوله تعالى:  هَذَا يَوْمُ لَا يَنطِقُونَ سورة المرسلات: 35، وقوله -تبارك وتعالى:  فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا سورة طـه: 108، مع قوله عن الكفار أنهم يقولون:  وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ سورة الأنعام: 23، وأشباه ذلك كثير مما يحتاج إلى استنباط ويحتاج إلى جمع بين الآيات، ويحتاج إلى دقة نظر، فهذا لا يعرفه عامة الناس وإنما يعرفه العلماء.

والقسم الرابع: هو ما لا يعلمه إلا الله ، وذلك في الأمور التي لا يمكن أن يوقف عليها، وهو ما يسمونه بالمتشابه المطلق، أما الذي يشكل على بعض ويعرفه آخرون فهو من قبيل المتشابه النسبي، وذلك من جهة المعنى، وأما ما يتعلق بالأمور الغيبية كحقائق الصفات، وحقائق ما أخبر الله عنه من نعيم الجنة، أو عذاب النار، وما أشبه ذلك، فقد وصفه  لنا، أو وصف لنا بعضه، فنحن نفهم معاني ما وصف لنا، ولكن حقائق هذه الأشياء لا ندركها، مثل: كيف يدُ الله ؟ وكيف سمعه؟ وكيف بصره؟

كذلك حينما يذكر نعيم الجنة كأن يذكر مثلاً أن فيها أنهاراً من ماء، وفيها أنهاراً من لبن، وأنهاراً من خمر إلى آخره، فما هي مركبات هذا اللبن ونحوه؟ فنحن لا ندري ما هي مركباته.

وكذلك أيضاً حينما يخبرنا –جل وعلا- عن الماء الذي في الجنة كما في قوله تعالى:  عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًاسورة الإنسان: 18، ما هي مركبات هذه المياه؟ هل تتركب مما تتركب منه مياه الدنيا؟

لا ندري؛ لأن هذه أمور غيبية لا ندركها، وهكذا في بقية الأمور الغيبية الأخرى.

فما لا يمكن الوقوف عليه من حقائق الغيب فهذا يقال له: المتشابه المطلق، وليس ذلك من جهة المعنى وإنما من جهة الكُنه والكيفية، ولهذا إذا سئلنا: هل يوجد في القرآن شيء لا يعرفمعناهأحد من الأمة؟

نقول: لا؛ إذ ليس في القرآن متشابه مطلق من جهة المعنى؛ فالله خاطبنا بما نفهم، وبما نعرف، ولم يخاطبنا بأمورٍ هي من قبيل الألغاز.

وأما من جهة الكنه والكيفية فإن القرآن يوجد فيه متشابه مطلق، وهذان المعنيان يفسر به قوله -تبارك وتعالى- في آية سورة آل عمران:  مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ..سورة آل عمران: 7.

فعلى الوصل والوقف في الآية يتغير المعنى، فإذا وصلت: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ، فهذا بمعنى المتشابه من جهة المعنى الذي يشكل على البعض ويعرفه آخرون.

وإذا وقفت وقلت:  وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُثم قرأت: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ، فعلى هذه القراءة يكون المقصود به المتشابه المطلق -يعني من جهة الكنه والكيفية والحقيقة- وكلاهما –الوقف والوصل- ثابت عن ابن عباس -ا.

المكي والمدني من سور القرآن:

"روى همام عن قتادة قال: "نزل في المدينة من القرآن البقرة وآل عمران والنساء والمائدة" 

يعني مثل هذه الروايات حينما يرويها قتادة -وقتادة من التابعين- فهو يتحدث عن قضايا تتعلق بزمن الوحي، فمثل هذه الروايات لا تعتبر ثابتة صحيحة في منهج المحدثين، وإنما هي من قبيل المرسل وهذا إذا قلنا: إن هذا مما لا يقال من جهة الرأي، وهو يتحدث عن نزول القرآن وأماكن النزول، مع أن كثيراً من العلماء يتكلمون في هذا من جهة النظر والرأي باعتبار المعاني التي تلوح لهم في بعض الآيات فيها.

فعلى كل حال هذا على أحد الأقاويل في المكي والمدني، ويوجد غير ما ذكر، بل إن بعضهم عدَّ من المختلف فيه هل هو مكي أو مدني -من السور وليس من الآيات- اثنتين وثلاثين سورة من المختلف فيه، فمثل هذا حينما تسرد في مثل هذه السور على أن هذه مكية وهذه مدنية فليس ذلك بقاطع، وهذا هو المقصود.

"نزل في المدينة من القرآن البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والرعد والنحل والحج والنور والأحزاب ومحمد والفتح والحجرات والرحمن والحديد والمجادلة والحشر والممتحنة والصف والجمعة والمنافقون والتغابن والطلاق ويا أيها النبي لم تحرم، إلى رأس العشر، وإذا زلزلت وإذا جاء نصرالله, هؤلاء السور نزلت بالمدينة، وسائر السور بمكة.

عدد سور القرآن وآياته:

فأما عدد آيات القرآن العظيم فست آلاف آية"

 هنا لم يتعرض لعدد السور، بل تكلم فيما بعد عن معنى السورة واشتقاقها، ولم يتحدث عن عدد السور؛ ربما بناء على أن المعروف والمشهور أن سور القرآن أربع عشرة ومائة سورة، فبعضهم ينقل عليه الإجماع فيقول: هذا بالإجماع لا خلاف فيه، لكن لو قيل: إن هذا هو القول المعروف المشهور المستقر عند العلماء لكانت هذه العبارة أدقَّ؛ وإلا فإن من أهل العلم من قال: إن سور القرآن أكثر من ذلك، ومنهم من قال: إنها أقل؛ وذلك بناءً على أن بعضهم عدَّ سورتين منسوختين في اللفظ وهما سورتا الخلع والحفد -وهما مما يقال في القنوت- فإذا أضفت هاتين السورتين صار العدد ست عشرة ومائة سورة، قالوا: وهما في مصحف أبي بن كعب يعني نسخ لفظهما، لكن كأنه أبقاهما في آخره على أنهما من الدعاء الذي يقال في القنوت.

فهما سورتان قصيرتان قد نسخ لفظهما ولكن المعنى لم ينسخ، فسورة الخلع هي: "اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك".

وسورة الحفد هي: "اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك"، وفي بعض الروايات: "ونخشى نقمتك، إن عذابك بالكافرين ملحق".

فإذا كان هذا مما نسخ من القرآن، فهل ما نسخ من القرآن يعد منه؟

بالإجماع أنه لا يُعد، وعلى هذا فمثل هذا القول: إن سور القرآن ست عشرة ومائة لا يلتفت إليه.

أما أُبيّ  إن كانت في مصحفه فهو لم يعدها أصلاً، إلا إن كان لم يبلغه النسخ، وإلا فما مغزى كونها موجودة في آخر المصحف ومكتوبة؟ فنقول: كتبها للدعاء، لا على أنها سورة، وما قال بأنها سورة؛ إذ لم ينقل عنه إطلاقاً أنه يقول : إن سور القرآن ست عشرة ومائة سورة.

وبعضهم يقول: عدد سور القرآن اثنتاعشرة ومائة سورة، والسبب في ذلك كما قالوا؛ لأن سورتي المعوذتين غير موجودتين في مصحف ابن مسعود، وهذا مشهور، ولكن ابن مسعود لم يكن يخفى عليه أنهما من القرآن ولكن لم يكتبهما؛ لأنهما محفوظتان لا تخفيان فهو لم يكتبهما في مصحفه وذلك أن مصاحفهم كانت مصاحف شخصية، كل إنسان يكتب لنفسه مصحفاً.

وبعضهم يقول: ظن أنها تعويذة ورقية.

ولكن على كل الأحوال هما قطعاً من القرآن بلا شك، فمن زعم بأن سور القرآن مائة واثنتا عشرة سورة فهو قولٌ شاذ بناءً على ما ذكرنا.

ومنهم من يقول: هو خمس عشرة ومائة سورة، وهذا القول بناءً على أنه عدَّ سورتين من القرآن سورةً واحدة، مثل سورة الفيل وإيلاف قريش، قالوا: هذه سورة واحدة أصلاً، ومنهم من عد سورة الشرح مع سورة الضحى، وقال: هذه سورة واحدة, ومنهم من عد غير ذلك سورة واحدة بالطريقة نفسها، وهذه أقوال شاذَّة أيضاً.

لكن كل هذه الأقوال شاذة لا يلتفت إليها، وإنما ذكرت هذا ونبهت عليه؛ لأنه قد يعرض لأحد في بعض كتب التفسير، أو كتب متعلقة بالتفسير أو كتب خادمة له، فيشكل عليه مثل هذا ويلتبس عليه.

فالمستقر الثابت الذي وقع عليه ما يشبه الإجماع هو أن سور القرآن مائة وأربع عشرة سورة..

"فأما عدد آيات القرآن العظيم فست آلاف آية، ثم اختُلف فيما زاد على ذلك على أقوال، فمنهم من لم يزد على ذلك، ومنهم من قال: ومائتاآية وأربع آيات، وقيل: وأربع عشرة آية، وقيل: ومائتان وتسع عشرة آية، وقيل: ومائتان وخمس وعشرون آية أو ست وعشرون آية، وقيل: ومائتان وست وثلاثون، حكى ذلك أبو عمرو الداني في كتابه "البيان" 

على كل حال أبو عمرو الداني -رحمه الله- إمام كبير من أئمة القراءة، وله مصنفات كثيرة جداً ربما تصل إلى أربعين مصنفاً في شتى الفنون والعلوم المتعلقة بالقرآن، وله مصنفات في غير ذلك أيضاً، فهو من كبار أئمة القراءة، وكتابه معروف مشهور، وعهدي به مخطوط في الجامعة الإسلامية لم يخرج للطبع، وعلى كل حال اسم كتابه: [البيان].

يقول: "حكى ذلك أبو عمرو الداني في كتابه [البيان]"[اسمه البيان في عد آي القرآن]، والكتب المؤلفة نظماً ونثراً في عدِّ الآيات كثيرة جداً، والأقاويل في عدد آيات القرآن أكثر مما ذكر الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى- وهي أكثر من هذا، والخلاف في هذا كثير جداً.

والعلماء حينما يختلفون في عدد الآيات فليس معنى ذلك أن أحداً منهم يسقط آيةً من كتاب الله وآخر يزيد آية، وقل مثل ذلك حينما نتحدث عن خلافهم في عدد الكلمات، وعن خلافهم في عدد الحروف، فهم متفقون على هذا المصحف الذي بين أيدينا، ولكن كيف وقع بينهم الاختلاف في العدد؟

والعلماء حينما يختلفون في عدد الآيات فليس معنى ذلك أن أحداً منهم يسقط آيةً من كتاب الله وآخر يزيد آية، وقل مثل ذلك حينما نتحدث عن خلافهم في عدد الكلمات، وعن خلافهم في عدد الحروف، فهم متفقون على هذا المصحف الذي بين أيدينا، ولكن كيف وقع بينهم الاختلاف في العدد؟

والعلماء حينما يختلفون في عدد الآيات فليس معنى ذلك أن أحداً منهم يسقط آيةً من كتاب الله وآخر يزيد آية، وقل مثل ذلك حينما نتحدث عن خلافهم في عدد الكلمات، وعن خلافهم في عدد الحروف، فهم متفقون على هذا المصحف الذي بين أيدينا، ولكن كيف وقع بينهم الاختلاف في العدد؟

هناك جواب مجمل، وهو أن العلماء  من القراء -أئمة القراءة في المدينة ومكة والشام، والكوفة، والبصرة  رحمهم الله جميعاً- لهم طريقة في العدِّ، فأهل الشام لهم طريقة في العدِّ، وأهل البصرة لهم طريقة، وأهل الكوفة لهم طريقة، وقد وقع بينهم هذا التفاوت ويمكن أن يرجع ذلك إلى القراءة، ومعلوم أن القرآن نزل على سبعة أحرف، وأقرب مثالٍ يوضح هذا المعنى: أن البسملة على بعض القراءات آية من سورة الفاتحة، وعلى بعضها ليست بآية، وفي بعض الوجوه من القراءات أنها آية من كل سورة عدا سورة براءة، فإذا عددت البسملة على بعض الأوجه من القراءات آية من كل سورة عدا براءة، صار عندنا آيات زيادة عددها ثلاث عشرة ومائة، ومن لم يعدها اختلف عنده العدد، وليس ذلك من جهة الرأي إطلاقاً.

ووجه الجمع بين هذه الأقاويل هو ما ذكره صاحب المراقي بقوله:

وبعضهم إلى القراءة نظر وذاك للوفاق رأيٌ معتبر

ن قرأ بقراءة كقراءة ابن كثير -وهي قراءة أهل مكة، وهي التي كان يقرأ عليها الإمام الشافعي -رحمه الله- فإنه يعد البسملة آية من الفاتحة، وهكذا.

فعلى كل حال هذا مثال بسيط يوضح وجه ذلك، وهناك أشياء أخرى يمكن أن تذكر في هذا المجال.

الخلاف في عدد آيات القرآن:

سور القرآن من حيث عدد الآيات يمكن أن تجعل على ثلاثة أقسام:

قسم اتفق العلماء على عدده جملةً وتفصيلاً، وهذه يمكن أن يقال: إنها تبلغ أربعين سورةً.

ومنه ما حصل الاتفاق على عدده جملةً لا تفصيلاً، بمعنى أنهم متفقون على أن عدد آيات هذه السورة مثلاً: عشرون آية لكنهم مختلفون في رأس الآية، هل هي هذه أو تلك؟ وذلك حصل في نحو أربع سور.

ومنه ما اختلفوا فيه جملةً وتفصيلاً، وهذا هو الأكثر، وذلك في سبعين سورة، والمعنى أن هذا يقول: عدد الآيات مثلاً: عشر، وهذا يقول: بل إحدى عشرة آية، فضلاً عن الخلاف فيما يقال له: الفاصلة أو المقطع، أو أين تنتهي الآية، وأقرب مثال لذلك سورة الفاتحة، فإنهم مختلفون فيها، فبعض العلماء -كما هو المشهور-يقول: هي سبع آيات بالإجماع، لكن هذا الكلام فيه نظر؛ لأننا إذا قلنا: إنها سبع آيات مثلاً –وهو ما عليه عامة أهل العلم وهذا هو المشهور- فالسؤال هو: أين السابعة؟ هل هي البسملة، أو أن ذلك عند قوله -تبارك وتعالى: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ؟

صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ: هنا رأس آية، ثم غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ: هذه آية أخرى، هذا عند من قال: إن الفاتحة ليست البسملة آيةً منها وهي سبع آيات، نقول: فأين السابعة، يقولون:  صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْهذا رأس آية،  وبعضهم قال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ: هذا رأس آية، فعلى هذا لم ينقص شيء ولم يزد شيء، ومن هنا نعرف كيف يقع التفاوت في العدد، فالقرآن هو القرآن الذي بين الدفتين، لا يدعي أحد فيه زيادة حرف ولا نقصان حرف، لكن لا بد من فهم وجه مثل هذه الاختلافات، وسيأتي أيضاً مثل هذا الكلام في عدد الحروف وفي عدد الكلمات.

فعندنا الآن الاختلاف في البسملة، وعندنا الاختلاف في أوائل بعض السور مثل الحروف المقطعة فيها خلاف مشهور هل تعد آية أم ليست بآية؟ فبهذا يفترق العدد، وكذلك في مثل بعض أوائل السور كقوله تعالى: وَالْعَصْرِ سورة العصر:1، ومثل: وَالضُّحَىسورة الضحى:1، ومثل:  وَالنَّجْمِسورة النجم:1، وما أشبه ذلك، وكذلك مثلاً حينما يقول الله في أول سورة القصص: طسم سورة القصص:1، هذه اختلفوا فيها هل هي آية مستقلة أو أنها ليست بآية مستقلة؟

وفي السورة نفسها-سورة القصص: وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ سورة القصص:23،  يَسْقُونَهل هذه رأس آية؟ بعضهم يقول: نعم، هنا موضع الفاصلة.

وكذلك في سورة العنكبوت، اختلفوا في الم، وكذلك في قوله:  مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ سورة العنكبوت:65، هل هي رأس آية؟ وكذلك في قوله سبحانه: وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَسورة العنكبوت:29، هل هي رأس آية؟

وفي قوله تعالى فى سورة الجن: لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ سورة الجن:22، هل هذه رأس آية؟ وفي سورة العصر أيضاً: وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ سورة العصر:3، هل هذه رأس آية، أم أنها آية واحدةهكذا:  وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ سورة العصر:3؟ وهكذا فيما ذكرت من سورة الفاتحة.

إذا اعتبرت هذا كله تبين لك وجه هذا الاختلاف في العدد.. لكن هل هذا أمر يؤثر؟ الجواب: هذا لا يؤثر؛ فالقرآن محفوظ لم يتطرق إليه زيادة ولا نقصان، وما جاء أحد فقال عن آية: إنها ليست من القرآن، أو قال: هذه زيادة، أو نحو ذلك، أبداً، بل كل ذلك من القرآن، ولكنهم يختلفون فيما ذكرنا.

سبب الاختلاف في مواضع فواصل الآيات:

سبب الاختلاف في موضع الفاصلة ما ذكره بعض أهل العلم من أن النبي ﷺ كان يقرأ عليهم القرآن، ويقف عند رأس كلِّ آية، فتلقوا ذلك عنه؛ لأن أخذ ذلك والحكم بأن هذه آية أو ليست بآية هذه أمور توقيفية وليست قضايا اجتهادية في الأصل، إنما كانوا يتلقون ذلك عن رسول الله ﷺ، فهناك ما وقف عليه النبي ﷺ دائماً، وهناك ما وصله النبي ﷺ دائماً، وهناك أشياء وقف فيها ووصل فيها، فربما أنه لما أفهمهم ﷺ بقراءته أن هذه رأس آية قرأها بعد ذلك اتكالاً أو اعتماداً على ما فهموا، فظن بعضهم أنها ليست رأس آية في هذا الموضع.

وقضية الآيات ورءوس الآيات كانت معروفة لدى الصحابة وجاء ذلك في الأحاديث، والنبي ﷺ لا يوضح لهم ولا يذكر لهم شيئاً إلا ويخاطبهم بما يعرفون.

فحينما يقول النبي ﷺ عن الدجال: من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال [1]، فبماذا يخاطبهم؟ إنه يخاطبهم بشيء يعرفونه.

وحينما يقول عن سورة تبارك ﷺ:  سورة من القرآن ثلاثون آية [2]، فهذا شيء معروف عندهم.

وكذلك حينما يقول النبي ﷺ عن آخر آيتين من سورة البقرة:  من قرأهما في ليلة كفتاه [3].

وكذلك ما جاء في الروايات الكثيرة في قراءة النبي ﷺ الآيات العشر الأخيرة من سورة آل عمران، حينما قام من الليل[4] .

فعندنا شواهد كثيرة، لو أراد الإنسان أن يؤلف في ذلك كتاباً لوجد من الروايات ما يكفيه، فهو أمرٌ مشهورٌ ذائع معروف.

ما الفائدة من معرفة أن هذه آية كاملة أو جزء من آية؟

معرفة هذا الأمر قد يحتاجه الإنسان فيما لو نذر –مثلاً- أن يقرأ عشر آيات، وقرأ من الآيات التي فيها هذا الخلاف، هل يكون قرأ تسعاً أو عشراً، فهو يحتاج لمعرفة ذلك حتى يتحقق من وفائه بنذره.

كذلك حينما يأتي ليطبق بعض الأحاديث في الفضائل فإنه يحتاج لمعرفة العدّ، كحديث:  من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين ومن قام بمائة آية كتب من القانتين ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين [5].

حتى إن بعض أهل العلم  في الأجزاء الأخيرة كالحافظ ابن حجر -رحمه الله- عدَّ من أين يبدأ حتى يكون قد قرأ ألف آية يصلي بها قبل أن ينام، ففي مثل هذا يحتاج إلى العد.

وكذلك أيضاً يحتاج إلى معرفة ذلك من قال: إن خطبة الجمعة لا بد فيها من قراءة آية كاملة، فلو قرأ في الخطبة قول الله تعالى: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ، فهل هذه آية كاملة أم لا بد مما بعدها لتتم له آية كاملة؟

كذلك في قضية الإعجاز، فلو قلنا: بماذا يثبت الإعجاز؟ فالجواب: يثبت بأقصر سورة من القرآن، وأقصر سورة ثلاث آيات.

إذن: هل نقول: أو ما يعادلها من آية طويلة، أو ثلاث آيات أخرى من القرآن على قول بعض أهل العلم؟

فهذا أيضاً يحتاج فيه إلى معرفة، وهكذا..

ولذلك العلماء اعتنوا بهذه القضية وألفوا فيها نظماً ونثراً، بل إن كثيراً من الكتب المؤلفة في هذا لأئمة كبار مخطوطة لا زالت لم تطبع.

فعلى كل حال هذا يمكن أن يرجع فيه إلى ما ذكرت من تنوع القراءات الناتج عن تعدد الأحرف التي نزل بها القرآن، فالقرآن نزل على سبعة أحرف.

طبعاً كان لا بد من ذكر هذا الكلام؛ لئلا يقع إشكال في ذهن أحد فيلتبس عليه الأمر، وإلا فنحن ما نطيل بهذه الطريقة، وإلا لن ننتهي ولا بعد ثلاثمائة سنة من هذا الكتاب، لكن هذه قضية لا بد من الوقوف عندها طالما أن المؤلف ذكرها.

"وأما كلماته فقال الفضل بن شاذان عن عطاء بن يسار: سبع وسبعون ألف كلمة وأربعمائة وتسع وثلاثون كلمة، وأما حروفه فقال عبد الله بن كثير عن مجاهد: هذا ما أحصيناه من القرآن وهو ثلاثمائة ألف حرف وأحد وعشرون ألف حرف ومائة وثمانون حرفاً، وقال الفضل عن عطاء بن يسار: ثلاثمائة ألف حرف وثلاثة وعشرون ألفاً وخمسة عشر حرفاً، وقال سلام أبو محمد الحماني: إن الحجاج جمع القراء والحفاظ والكتاب، فقال: أخبروني عن القرآن كله كم من حرف هو؟ قال: فحسبنا فأجمعوا أنه ثلاثمائة ألف وأربعون ألفاً وسبعمائة وأربعون حرفاً"

على كل حال عدد الكلمات وعدد الحروف الأقاويل فيها كثيرة جداً أيضاً، وهي مبنية على ما سبق.

  ومبنية أيضاً على أمر آخر، خذ مثالاً يوضح لك القضية في سورة لا تلتبس على أحد: الكلمة الواحدة أحياناً يختلفون فيها هل هي كلمة واحدة أو أكثر؟ فالله  يقول: سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ50 سورة إبراهيم، فهل كلمة:  قَطِرَانٍكلمة واحدة "قطران"؟ أم هي كلمتان "قطر" و"آن"، أي: قطر حار؟

القطر معروف، و"آن" يعني حاراً، فعلى هذا هي كلمتان، وإلا فهي كلمة واحدة؟ فهم في مثل هذا يختلفون.

وكذلك يختلفون في نفس الكلمة من جهة أخرى من حيث عدّ الضمائر وعدم العدّ، فهل يعدون الضمائر مستقلة أو يعدون الكلمة الواحدة بما يرتبط فيها من ضمائر، كقوله تعالى:  أَنُلْزِمُكُمُوهَا28 سورة هود؟

هذه الكلمة إذا عددتها كلمة واحدة بما ارتبط بها فهذا وجه، أو أنك تقول "أنلزم" هذه كلمة، و"الكاف" للخطاب، وتعد الضمائر مثل "الهاء"، فهل تعد هذه كلمة واحدة أو تعدها كلمات؟

كذلك قوله تعالى: أَنعَمتَ، هل تعدها كلمة واحدة؟ أو تقول "أنعم" كلمة و"التاء" كلمة أخرى؟ فهم يختلفون في العد بهذا الاعتبار.

وقل مثل ذلك بالنسبة لعد الحروف بناءً على أي شيء يتم العد؟ هل يكون بناءً على ظاهر الرسم؟

كذلك قوله تعالى: مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِسورة الفاتحة:4 كيف كتبت في القرآن مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ؟ كتبت من غير ألف فتعدها ثلاثة أحرف، أو تعدها بحسب النطقمَالِكِ يَوْمِ الدِّينِفتصير أربعة أحرف؟

هناك حروف تكتب ولا تنطق، وهناك حروف ينطق بها ولا تكتب، فما هو المعتبر في العد؟

من عد كل حرف مرسوم فإن عده يختلف عن عدِّ من قال بعدّالحروف التي ينطق بها، وقل مثل ذلك في الكلمات، فيقع اختلاف كثير في عدد الحروف بهذا الاعتبار، كما يقع الخلاف في عدد الكلمات.

وعلى كل حال، العلماء تكلموا عنهذا كثيراً، فالحجاج كان من أكثر الأمراء عنايةً بالقرآن، وهذا من العجائب والغرائب في التناقضات، وهذا يدل على أن شخصيته كانت غير طبيعية، بل كانت متناقضة، لا يعرف من الأمراء من كان أكثر عناية بالقرآن من الحجاج، فقد كان يقرأ كل ليلة ربع القرآن، وجاء بمجموعة كالحسن البصري وجماعة وأعطاهم حب شعير، وبقوة السيف أرهبهم وأمرهم أن يعدوا كل حرف في القرآن بحبات الشعير، ويبينوا له أين ينتهي الربع الأول، وينتهي النصف؛ على أساس أنه يقرأ إلى الحرف الأخير الذي يقف عنده في نهاية الربع، وفي نهاية النصف وهكذا، فعملوا له ذلك حتى انتهوا من هذا كله في نحو أربعة أشهر، فكان كل ليلة ما ينام حتى يقرأ ربع القرآن.

فالحاصل أن العلماء اعتنوا بهذا عناية كبيرة جداً، وتجدون الكلام على مثل هذه الأشياء في الكتب التي تتكلم عن العد وهي كثيرة، وتجدونه في كتاب: [البرهان في علوم القرآن للزركشي]، وكذلك: [الإتقان للسيوطي]، وكذلك في كتاب: [جمال القراء للسخاوي علم الدين]، والكتاب عبارة عن مجموعة من الرسائل في موضوعات تتعلق بعلوم القرآن، جمعها في كتابٍ واحد، وفي إحدى هذه الرسائل كان يتحدث عن قضية العد.

وتجد مثل ذلك في كتاب: [بصائر ذوي التمييز] تجد على سبيل المثال: كيف كانوا يعتنون بهذه القضية، والخدمة التي لقيها كتاب الله من قبل هؤلاء العلماء -رحمهم الله- وتكلم على عدد الآيات، وعدد الكلمات، يقول مثلاً: قراء الكوفة عدوا قوله تعالى: وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِآية، والباقون لم يعدوها آية، ويقول: بل جعلوا آخر الآية: فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍسورة ص:2.

وقراء الكوفة عدوا:  قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُسورة ص:84 ، والباقون لم يعدوها، بل جعلوها: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَسورة ص:85.

فالحاصل أنه تكلم على هذا، ثم بدأ يتكلم على عدد كلمات القرآن، وعدد الحروف، ثم بدأ يتكلم عما هو أغرب من ذلك حيث تكلم عن عدد النقط في القرآن.

ثم بدأ يتكلم عن عدد الألفات في القرآن، حيث أتى بكل الحروف الهجائية، فذكر كل حرفوكم مرة تكرر، وهو تفنن عجيب.

ومثل هذا الكتاب أيضاً كتاب: [فنون الأفنان في عيون علوم القرآن لابن الجوزي]، تجد فيه أشياء عجيبة جداً، وهو مولع بهذه الأشياء، يذكر مثلاً أسئلة أو قل: ألغازاً فيقول: سبع آيات متواليات، آخر كلٍ منها اسمان لله ؟ آيات أول كل حرف منها حرف الشين؟ آية تحتوي على حروف المعجم كاملة؟ سور ليس فيها لفظ الجلالة؟

ثم تكلم على تحزيب القرآن، وذكر تقسيمات عجيبة جداً -فتأمل حتى تعرف شدة عناية العلماء بهذا القرآن- تكلم عن عدد الآيات والحروف، وتكرار حروف المعجم في القرآن حرفاً حرفاً كما سبق، وعدد النقط في القرآن، وذكر أجزاء القرآن، وأين النصف، وأثلاث القرآن، وأرباع القرآن، أين ينتهي الربع، وأين ينتهي الخمس إذا أردت أن تقرأ في كل يوم خمس القرآن، أين الأسداس، الأسباع، الأثمان، الأتساع، الأعشار، أنصاف الأسداس، أنصاف الأسباع، أنصاف الأثمان، أنصاف الأتساع، أنصاف الأعشار، ثمانيةوعشرين جزءاً، ثلاثين جزءاًوهكذا، قسموه بهذه الطريقة.

إذا أردت أن تحفظ القرآن في سنة، فأين ينتهي بالضبط مقدار كل جزء من هذه الأجزاء المقسمة على أيام السنة، فعدوا الحروف، حتى عدوا نصف القرآن أين ينتهي يعني إلى أي حد، وتعرفون الكلام على تفسير الجلالين هل يمسه غير المتوضئ أو لا؟ باعتبار القول: إنه إذا كان التفسير أغلب فإنه لا بأس، فعدوا حروف الجلالين مع حروف القرآن، فوجدوها متساوية أظن إلى سورة المزمل، فهذه العناية لم يحظ بها كتاب مثل هذا القرآن.

"قال: فأخبروني عن نصفه؟ فإذا هو إلى الفاء من قوله في الكهف: وَلْيَتَلَطَّفْسورة الكهف:19"

نقل عنه أنه كان يقرأ إلى هذا الموضع في الليلة الثانية حيث كان كل يوم يقرأ ربع القرآن، والأصل أن هذه الطريقة غلط، حيث ينبغي للإنسان أن يكمل الآية، والأفضل أن يكمل السورة، وهذا كان يقف على الحرف في الربع وفي النصف وهكذا، فما كان يريد أن يزيد عليها حرفاً واحداً، وهذه الطريقة غير شرعية.

"وثلثه الأول عند رأس مائة آية من براءة، والثاني على رأس مائة أو إحدى ومائة من الشعراء، والثالث إلى آخره، وسبعه الأول إلى الدال من قوله تعالى:  فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّسورة النساء:55، والسبع الثاني إلى التاء في قوله تعالى في سورة الأعراف:  حَبِطَتْسورة الأعراف:147 والثالث إلى الألف الثانية من قوله تعالى في الرعد: أُكُلُهَاسورة الرعد:35والرابع إلى الألف في الحج من قوله:  جَعَلْنَا مَنسَكًا "

الذين يتكلمون الآن على ما يسمونه بالإعجاز العددي بناءً على عدد الآيات، وعدد الكلمات وعدد الحروف، هل يمكن أنهم يأتون بشيء يبنى عليه قولٌ بالإعجاز؟

هذه المعاني العجيبة التي يستنبطونها في نهاية الدنيا، وقيام القيامة وانتهاء دولة اليهود، هذا الكلام يمكن أن يعتمد عليه؟ كيف يعدون وأكثر هؤلاء ما يعرفون طريقة العد أصلاً، ولا سمعوا بخلاف أهل العلم في عدِّ الآي وطريقتهم في العد!، وتكلمنا على هذا في التفسير العلمي والإعجاز العددي، وبينت الأعداد التي يذكرونها، وأين هي من الواقع.

"والخامس إلى الهاء من قوله في الأحزاب: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍسورة الأحزاب:36، والسادس إلى الواو من قوله تعالى في الفتح: الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِسورة الفتح:36،  والسابع إلى آخر القرآن. قال سلام أبو محمد: علمنا ذلك في أربعة أشهر، قالوا: وكان الحجاج يقرأ في كل ليلة ربع القرآن، فالأول إلى آخر الأنعام، والثاني إلى:  وَلْيَتَلَطَّفْمن سورة الكهف، والثالث إلى آخر الزمر، والرابع إلى آخر القرآن، وقد حكى الشيخ أبو عمرو الداني في كتابه البيان خلافاً في هذا كله، فالله أعلم.

وأما التحزيب والتجزئة فقد اشتهرت الأجزاء من ثلاثين كما في الربعات بالمدارس"

الربعات: جمع ربعة، وهي كما تقول: المكان أو الصندوق الذي يوضع فيه أوراق المصحف، أو توضع فيه المصاحف أو نحو هذا.

"وقد ذكرنا فيما تقدم الحديث الوارد في تحزيب الصحابة للقرآن، والحديث في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود وابن ماجه وغيرهم عن أوس بن حذيفة: أنه سأل أصحاب رسول الله ﷺ في حياته كيف تحزبون القرآن؟ قالوا: ثلث اًو خمس اًوسبع اًوتسع اًو أحد عشر وثلاثةعشر وحزب المفصل حتى تختم"

 على كل حال التجزئة هذه على ثلاثين جزءاً  لم تكن في زمن الصحابة ، وشيخ الإسلام -رحمه الله- تكلم على هذا، وبين أن  الصحابة كانوا يجزئون بالسور، وما كانوا يجزئون بهذه الأجزاء؛ لأن التجزئة بالسور أكمل وأتمّ بحيث إن السورة تقرأ كاملةً، وأما في التجزئة فقد يكون رأس الجزء في وسط قصة وبالتالي فالمعنى لم يكتمل، فيتوقف الإنسان بناءً على نهاية الجزء، فالتجزئة بالسور أفضل من التجزئة بالطريقة المنتشرة المشهورة.

وعلى كل حال هذه الرواية التي ذكرها,فالذي أذكر أنها غير صحيحة بل هي ضعيفة من جهة الإسناد، ويمكن أن يراجع هذا، وهي في سياق ذكر الوفود الذين يأتون النبي ﷺ، فكان يأتي إليه مثلاًوفد ثقيف، ويقف يراوح بين قدميه، وتأخر عليهم ذات ليلة، وقال: إنه قد شغلني وردي أو حزبي من القرآن، فسئل الصحابي كيف تقسمون؟ فلتراجع على كل حال.

لكن على كل حال التقسيم المشهور هو بالسور، هذا هو المعروف، والنبي ﷺ قال:  لم يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث [6].

وقال لعبد الله بن عمروأيضاً:  اقرأ القرآن في أربعين [7].

وفي الرواية المشهورة عنه كما في البخاري:  اقرأ القرآن في شهر، قال: قلت: إني أجد قوة، حتى قال: فاقرأه في سبع ولا تزد على ذلك [8].

فتقسيمه إلى سبع على كل حال تقسيم مشهور وهو الذي كان يرتضيه ويختاره عامة أهل الحديث، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

 
  1. صحيح مسلم في كتاب: صلاة المسافرين وقصرها – باب: فضل سورة الكهف وآية الكرسي (809) (ج 1/ ص 555)، وأبو داود في كتاب: الملاحم - باب: ذكر خروج الدجال (4323) (ج 2/ ص 520)، وأحمد (27556) (ج 6/ ص 446).
  2. أخرجه أبو داود في كتاب: الصلاة – باب: في عدد الآي (1400) (ج 1/ ص 445)، والترمذي في كتاب: فضائل القرآن عن رسول الله ﷺ باب: ما جاء في فضل سورة الملك (2891) (ج 5/ ص 164)، وأحمد (7962) (ج 2/ ص 299)، والحاكم (2075 ) (ج 1/ ص 753)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2091).
  3. أخرجه البخاري في كتاب: المغازي – باب: شهود الملائكة بدراً (3786) (ج 4/ ص 1472), وفي كتاب: صلاة المسافرين وقصرها - باب: فضل الفاتحة وخواتيم سورة البقرة والحث على قراءة الآيتين من آخر البقرة (808) (ج 1/ ص 555).
  4. أخرجه البخاري في كتاب: الوضوء - باب: قراءة القرآن بعد الحدث وغيره (181) (ج 1/ ص 78)، ومسلم في كتاب: صلاة المسافرين وقصرها - باب: الدعاء في صلاة الليل وقيامه (763) (ج 1/ ص 525).
  5. أخرجه أبو داود في كتاب: الصلاة - باب: تحزيب القرآن (1398) (ج 1/ ص 444)، وابن خزيمة (1144) (ج 2/ ص 181)، وحسنه الألباني في المشكاة برقم (1201).
  6. أخرجه أبو داود في كتاب: الصلاة – باب: في كم يقرأ القرآن؟ (1390) (ج 1/ ص 442)، والترمذي في كتاب: القراءات – باب: ما جاء أنزل القرآن على سبعة أحرف (2949) (ج 5/ ص 198)، وابن ماجه في كتاب: إقامة الصلاة والسنة فيها – باب: في كم يستحب ختم القرآن؟ (1347)، وأحمد (6535) (ج 2/ ص 164)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح برقم (2201).
  7. أخرجه الترمذي في كتاب: القراءات عن رسول الله ﷺ باب: (13) حديث رقم (2946) (ج 5/ ص 196)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (1154).
  8. أخرجه البخاري في كتاب: فضائل القرآن –  باب: في كم يقرأ القرآن وقول الله تعالى:  فَاقْرءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ20 سورة المزمل حديث رقم (4767) (ج 4/ ص 1927).

مواد ذات صلة