الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وعلمنا الحكمة والقرآن، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحابته الطيبين الطاهرين.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولشيخنا والحاضرين والمستمعين، أما بعد:
فيقول الإمام ابن جُزي الكلبي عند قوله تعالى:
"وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ الواحد له ثلاثة معان كلها صحيحة في حق الله تعالى:
أحدها: أنه لا ثاني له، فهو نفي للعدد.
والآخر: أنه لا شريك له، ولا نظير.
والثالث: أنه واحد لا يتبعض، ولا ينقسم، وقد فسر المراد به هنا بقوله: لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ".
وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ الله -تبارك وتعالى- إله واحد، بمعنى: أنه فرد صمد، لم يزل وحده، فهو المتفرد بذاته، وصفاته، وأفعاله، وهو الواحد في إلهيته، وربوبيته، وأسمائه، وصفاته، فهو متوحد في جميع الكمالات، ليس له فيها مثيل، ولا نظير، هذا معنى الواحد، وأما ما ذكره هنا بأن الواحد، كما في النوع الثالث -جعله على ثلاثة معان-: أنه لا يتبعض ولا ينقسم، فهذا غير صحيح، هذا قول المتكلمين، ونحن نقول: بأن الله -تبارك وتعالى- متصف بأوصاف الكمال، سواء كان ذلك في ذاته، أو في صفاته، وأفعاله، سواء كان ذلك في الصفات الذاتية، أو في الصفات الفعلية، المتعلقة بالمشيئة، والإرادة.
فالله -تبارك وتعالى- له الكمال المطلق، ولا نقول كما يقول هؤلاء من المتكلمين بهذه العبارات المحدثة، التي هي مجملة، تحتمل حقًا وباطلًا، فنحن لا نقول: بأن الله يتبعض، ولا نقول: بأن الله لا يتبعض، بل نجتنب هذه العبارات، ونسأل هؤلاء الذين أحدثوا مثل هذه العبارات، التي لم ترد في الكتاب، ولا في السنة، ولا في كلام السلف الصالح : ماذا تريدون بهذه العبارات؟ فهم بهذا -كما هو معلوم- نفوا الصفات الذاتية: كالوجه، واليد، ونحو ذلك، الصفات الذاتية غير المعنوية، فالمعنوية مثل العلم، والذاتية مثل الوجه، هكذا وقع لطوائف من أهل الكلام من الأشاعرة، وغيرهم، ومن هنا فإن الله -تبارك وتعالى- عندهم لا يُرى حقيقة، وإن كان الأشاعرة يثبتون الرؤية، لكن يقولون: هذه الرؤية لا إلى جهة.
والواقع أنه عندهم لا يُرى حقيقة؛ لأنه ليس له حقيقة قائمة بنفسها عندهم، فلا يُشار إليه، أنه في العلو مثلًا، ولا يوصف بذلك، لا يقال: بأن الله في العلو، أو متصف بالعلو، أو نحو هذا، والله -تبارك وتعالى- يقول: يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ [النحل:50] ويقول: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] ونحو ذلك.
فحينما يقولون: لا يتبعض ولا ينقسم، هم يعتقدون أن إثبات هذه الصفات الذاتية غير المعنوية أن هذا يقتضي إثبات الأبعاض والأجزاء بالنسبة لله -تبارك وتعالى- وهكذا جاء تفسير الواحد عندهم، تجد هذا في كلام كثير من المتكلمين، حينما يعرفون الواحد، وهذا غير صحيح، وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ أي: أنه المعبود وحده، لا إله إلا هو في إلهيته، وربوبيته، وأسمائه، وصفاته، قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:1-4].
فثبت له ما أثبته لنفسه، أو أثبته له رسوله ﷺ من غير تمثيل، ولا تكييف، ولا تعطيل.
"واعلم أن توحيد الخلق لله تعالى على ثلاث درجات:
الأولى: توحيد عامة المسلمين، وهو الذي يعصم النفس والمال في الدنيا، وينجي من الخلود في النار في الآخرة، وهو نفي الشركاء والأنداد، والصاحبة، والأولاد، والأشباه، والأضداد".
فهذا هو التوحيد الذي جاءت به الرسل -عليهم الصلاة والسلام- ولا يقال: إن هذا هو توحيد عامة المسلمين، وإنما هذا هو التوحيد الذي يجب على المكلف أن يحققه.
مثل هذا من جملة كلام الصوفية، ولا حاجة إلى مثل هذا التقسيم، لكن الإيمان على مراتب:
فمن الناس من يكون كامل الإيمان، عظيم التوكل، ومن الناس من يكون إيمانه دون ذلك، فقوله هنا: "وهو أن يرى الأفعال كلها صادرة من الله وحده، ويشاهد ذلك بطريق المكاشفة، لا بطريق الاستدلال، الحاصل لكل مؤمن" يعني بمعنى أنه يصل إلى ذلك بحصول اليقين في نفسه، الذي يصل به إلى مرتبة المكاشفة هذه، التي تسمى عند الصوفية بوحدة الشهود، وهذا النوع -وحدة الشهود- يعني أن يرى جميع الأفعال أنها صادرة من الله، يعني يصل إلى هذه المرتبة، فهذه قد تكون مقدمة لعقيدة وحدة الوجود، وهذا أوضح في الدرجة الثالثة، يعني هذه مرتبة فوق توحيد العامة عنده، فالدرجة التي فوقها هي: أشبه ما تكون بعقيدة وحدة الوجود، وإن لم يكن المؤلف يقصد هذا، لكن من الصوفية من وصل إلى ذلك، وصاروا على عقيدة وحدة الوجود، كما هو معلوم عند غلاتهم.
فهذا يشبه كلام قول أهل وحدة الوجود، لكن الفرق بين هذا، وبين قول أهل وحدة الوجود أن أهل وحدة الوجود، يرون أن كل هذه المشاهدات، أنها هي الإله المعبود، وأنه ليس ثمّ إلا الله، تعالى الله عن قولهم علوًا كبيرًا، كما قال أحدهم عن نفسه: "ما في الجُبة إلا الله"[1]، وغيره من الكلام القبيح الذي لا يحسن إيراده من عبارات هؤلاء الغلاة، لكن على كل حال هذا الكلام يشبه كلامهم، وإن لم يقصده المؤلف، فهو هنا لا يقصد أن جميع الموجودات أنها هي الله، فهذا لا شك أنه من أعظم الإلحاد، لكن يقصد هنا مرتبة الفناء، يعني أنه يغيب عنها لا يشاهدها، ولا يراها، فهي بمنزلة العدم عنده، وهذا كله من الكلام الباطل، والتخليط الذي لا حاجة إليه، وحال النبي ﷺ وحال أصحابه هي أكمل الأحوال، وليس عندهم هذا الفناء، ولا هذه الوحدة -وحدة الشهود- ولا غير ذلك من هذه الأمور المحدثة.
فقول أهل وحدة الوجود يقوم على اعتقادهم بإنكار الموجودات، أو ادعاء أن الوجود كله مظهر من مظاهر الوجود الإلهي، هذه الصورة هي الصورة المشهورة المعروفة عند أهل وحدة الوجود، وعليها قول ذاك الذي يقول: "ما في الجبة إلا الله" وعبارات أخرى مشابهة لهذا معروفة لهؤلاء الملاحدة، وهم زنادقة، لكن هذه الصورة الأخرى التي هي عقيدة أهل وحدة الوجود التي تُبنى على إنكار الموجودات، هذا يشبه كثيرًا هذا الكلام الذي يذكره، لكنه هنا لا يقصد أنها غير موجودة، ولكنه يصل إلى مرتبة بحيث يغيب عنها، كأنه يشتغل عنها بربه، فينصرف ذهنه وقلبه وعقله عنها، فكأنه لا يراها، ولا يشعر بها، فهو يقصد هذا، لكنه كان في غنى عن هذا كله.
"إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الآية ذكر فيها ثمانية أصناف من المخلوقات، تنبيهًا على ما فيها من العبر، والاستدلال على التوحيد المذكور قبلها، في قوله: وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ.
وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ أي: اختلاف وصفهما من الضياء والظلام، والطول والقصر، وقيل: المعنى إن أحدهما يخلف الآخر".
يعني كما قال الله : يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ [الحج:61] [لقمان:29] [فاطر:13] [الحديد:6] وقال تعالى: لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ [يس:40] فهنا في قوله: وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ تعاقب الليل والنهار، كذلك اختلاف الليل والنهار في الطول والقصر، وكذلك أيضًا في الصفة من الضياء والظلام، وكذلك حينما يأخذ الليل من النهار، ويأخذ النهار من الليل، كل هذا داخل فيه، والله تعالى أعلم.
(ما) هذه يحتمل أن تكون موصولة، يعني بالذي ينفع الناس، أو تكون مصدرية، أي تجري في البحر بنفع الناس.
كل هذا داخل في تصريف الرياح، من شدة، ولين، وسهولة، وكذلك فيما أُرسلت به من العذاب، أو الرحمة، مبشرة بين يدي المطر، ونحو هذا، وتلقيح السحاب، وتلقيح الشحر، وكذلك أيضًا تصريف الرياح من جهات مختلفة، فمنها ما يكون شرقيًا، وهو الصبا، ومنه ما يكون غربيًا، وهو الدبور، ومنها الشمالية، ومنها الجنوبية، ومنها ما بين ذلك، يعني شمالي غربي مثلًا، أو شمالي شرقي، أو نحو هذا، والنبي ﷺ يقول: نصرت بالصبا التي تهب من قِبَل الشرق، وأُهلكت عاد بالدبور[2]، فهذا كله من تصريف الرياح.
"وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ اعلم أن محبة العبد لربه على درجتين:
إحداهما: المحبة العامة، التي لا يخلو منها كل مؤمن، وهي واجبة.
والأخرى: المحبة الخاصة، التي ينفرد بها العلماء، الربانيون، والأولياء والأصفياء، وهي أعلى المقامات، وغاية المطلوبات، فإن سائر مقامات الصالحين: كالخوف، والرجاء، والتوكل، وغير ذلك هي مبنية على حظوظ النفس، ألا ترى أن الخائف إنما يخاف على نفسه، وأن الراجي إنما يرجو منفعة نفسه، بخلاف المحبة، فإنها من أجل المحبوب، فليست من المعاوضات".
يعني ما هي الآن محبة الخاصة، التي ينفردون بها؟! فالمحبة مراتب بلا شك، والنبي ﷺ يقول: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين[3]، هذا في محبة النبي ﷺ فكيف بمحبة الله -تبارك وتعالى-؟! فيكون ربه -تبارك وتعالى- هو المحبوب الأعظم، الذي لا يقدم على محبته محبة النفس، أو الولد، والوالد، والناس أجمعين، فقد ذكر النبي ﷺ في هذا الحديث أنواع المحبوبات، فمحبة الوالد التي يكون معها الإجلال والتعظيم، ومحبة الولد، التي يكون معها الشفقة، ومحبة الناس لما بينهم من المشاكلة، ونحو ذلك، فمحبة الله -تبارك وتعالى- أعظم من ذلك في قلب المؤمن، فهذا مضى الكلام عليه في الكلام على الأعمال القلبية في المحبة، ومراتب الناس في المحبة.
وقوله -تبارك وتعالى-: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِكحب الله على قولين للمفسرين:
القول الأول: منهم من يقول: يحبونهم كحب الله، أي يسوون بين محبة هؤلاء، ومحبة الرب -تبارك وتعالى- وهذا شرك في المحبة، ثم هم يقولون بعد ذلك، حينما يعاينون الحقائق تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ [الشعراء:97، 98] وهذا الذي عليه أكثر أهل العلم في تفسير الآية، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية[4]، والحافظ ابن القيم -رحم الله الجميع-.
القول الثاني: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ يعني كمحبة المؤمنين لله، كما يحب المؤمنون ربهم -تبارك وتعالى-.
وهذا أضعف من الذي قبله؛ لأن الله قال: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ، وذلك أن محبة المؤمنين خالصة، ليس فيها تشريك، ومحبة هؤلاء محبة شركية، فهي دون محبة أهل الإيمان؛ ولهذا قال: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ فمحبتهم خالصة، ومعنى أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ قيل: أشد حبًا من محبة هؤلاء لربهم -تبارك وتعالى-؛ لأن محبة أهل الإيمان خالصة، وهذا هو المعنى الراجح فيها.
وبعضهم يقول: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ يعني أعظم محبة لله من محبة هؤلاء لمعبوداتهم الباطلة.
"واعلم أن سبب محبة الله معرفته، فتقوى المحبة على قدر قوة المعرفة، وتضعف على قدر ضعف المعرفة، فإن الموجب للمحبة أحد أمرين، أو كلاهما إذا اجتمعا، ولا شك أنهما اجتمعا في حق الله تعالى على غاية الكمال.
فالموجب الأول: الحسن والجمال.
والآخر: الإحسان والإجمال، فأما الجمال: فهو محبوب بالطبع، فإن الإنسان بالضرورة يحب كل ما يستحسن، ولا جمال مثل جمال الله في حكمته البالغة، وصنائعه البديعة، وصفاته الجميلة الساطعة الأنوار، التي تروق العقول، وتبهج القلوب، وإنما يدرك جمال الله تعالى بالبصائر، لا بالأبصار".
وهم يوم القيامة يرونه، فلا يكون لهم نعيم أعظم من النظر إليه -تبارك وتعالى- والنبي ﷺ قال: إن الله جميل يحب الجمال[5]، فهو جميل في ذاته، وجميل في صفاته -تبارك وتعالى-.
ولا شك أن معرفة الله -تبارك وتعالى- هي الجالب للمحبة، فمن عرفه بأسمائه وصفاته وكمالاته أحبه، والقلوب مفطورة على محبة الكمال والجمال، وهكذا سائر الصفات؛ ولهذا كان التعرف على الله -تبارك وتعالى- بما عرف به نفسه في كتابه، أو وصفه به رسوله ﷺ في السنة من أنفع ما يكون للعبد في تنمية الإيمان، وتربية هذه الأعمال القلبية في نفسه، فجُمعت مثل هذه في الكتب التي تشرح الأسماء الحسنى، فلو أن الإنسان أكثر من النظر فيها، والتفكر في ملكوت السماوات والأرض، والتفكر في الآيات المتلوة والتدبر؛ لأورثه ذلك تعظيم الله وإجلاله، ومحبته والخوف منه، ورجاءه، ونحو ذلك.
"وأما الإحسان: فقد جبلت القلوب على حب من أحسن إليها، وإحسان الله إلى عباده متواتر، وإنعامه عليهم باطن وظاهر، وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها [إبراهيم:34] ويكفيك أنه يحسن إلى المطيع والعاصي، وإلى المؤمن والكافر، وكل إحسان ينسب إلى غيره فهو في الحقيقة منه وحده، فهو المستحق للمحبة وحده.
واعلم أن محبة الله إذا تمكنت من القلب ظهرت آثارها على الجوارح، من الجدّ في طاعته، والنشاط لخدمته، والحرص على مرضاته، والتلذذ بمناجاته، والرضا بقضائه، والشوق إلى لقائه، والأنس بذكره، والاستيحاش من غيره، والفرار من الناس، والانفراد في الخلوات، وخروج الدنيا من القلب، ومحبة كل ما يحبه الله، وكل مَن يحب الله، وإيثار الله على كل مَن سواه، قال الحارث المحاسبي: المحبة تسليمك إلى المحبوب بكليتك، ثم إيثارك له على نفسك، وروحك، ثم موافقته سرًا وجهرًا، ثم علمك بتقصيرك في حبه".
يقول: "والفرار من الناس، والانفراد في الخلوات" ونحو هذا، لكن أكمل الهدي هدي النبي ﷺ وهدي أصحابه، والنبي ﷺ يقول: الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجرًا من المؤمن الذي لا يخالط الناس، ولا يصبر على أذاهم[6].
وما ذكره عن الحارث المحاسبي، وهو من المتكلمين، وهو أيضًا ممن له ميل إلى التصوف، يقول: "المحبة تسليمك على المحبوب بكليتك..." إلخ، هذا تفسير للمحبة بلوازمها، ليس هذا معنى المحبة، وإنما تفسير لها باللازم، فكثير من الأعمال القلبية تُفسر إما بسببها، أو بلازمها، أو بجزء معناها.
قراءة أهل مكة والكوفة، وأبي عمرو بالياء[7]، وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا، وقد فسرها أبو عبيد القاسم بن سلام -رحمه الله- بقوله: "لو يرى الذين ظلموا في الدنيا عذاب الآخرة؛ لعلموا حين يرونه أن القوة لله جميعًا"[8]، يعني هذا على فرض رؤيته في الدنيا، لو أنهم رأوه في الدنيا؛ لعلموا أن القوة لله جميعًا وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا وعلى قول أبي عبيد هنا فالرؤية بصرية.
والمؤلف يقول على هذه القراءة من رؤيا القلب وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا يعني: لو يعلم، لكن على قول أبي عبيد أن ذلك في الدنيا، أنهم لو يرون عذاب الله لعلموا أن القوة لله جميعًا، وبعضهم يقول كما قال المؤلف: بأن الرؤيا علمية، يعني لو يعلمون حقيقة قوة الله، وشدة عذابه؛ لتبينوا ضرر اتخاذهم الآلهة، وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا يعني: ولو يعلم الذين ظلموا إذ يرون العذاب، يعني حين يرون العذاب أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا، فقراءة يَرَى يحتمل أن تكون الرؤية بصرية، ويحتمل أن تكون الرؤية علمية.
القراءة الأخرى (ولو ترى) قرأ بها الباقون، وظاهر الخطاب أنه موجه للنبي ﷺ ويكون المعنى: لو ترى يا محمد الذين ظلموا في حال رؤيتهم العذاب؛ لعلمت أن القوة لله جميعًا، وتكون الرؤية على هذا بصرية، لو تراهم حين يرون العذاب يعني ما يكونون فيه من الشدة والفزع، ومعاناة العذاب، والألم لعلمت أن القوة لله جميعًا، فهؤلاء تتلاشى كل تلك الدعاوى العريضة التي كانوا يدعونها، ومظاهر القوة والمكابرة والعناد والطغيان والعدوان على الخلق، ويكونون في غاية الضعف، وعندها تعلم أن القوة لله جميعًا، وهذا المعنى على هذه القراءة، قال به ابن جرير -رحمه الله-[9]، وأن ذلك المراد به الأمة، يعني أن الأمة خوطبت بشخص النبي ﷺ فيكون ذلك صالحًا لأفراد الأمة.
وفي قراءة ابن عامر (إذ يُرَون العذاب أن القوة لله جميعًا)، وهنا كلام المؤلف يقول: (ولو ترى) من رؤية العين والَّذِينَ ظَلَمُوا مفعول، يعني ولو ترى الذين ظلموا، فهو مفعول به، يقول: "وجواب (لو) محذوف" فجواب (لو) يُحذف في مقامات الوعيد؛ لأن ذلك أبلغ في تصوير الشدة، حذف جواب لو في مقام الوعيد يدل على التهويل ليذهب الذهن كل مذهب، في تصور هذ الشدة والهول.
يقول: وهو العامل في (أن) أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا يقول: والتقدير: ولو ترى الذين ظلموا لعلمت، هذا العامل المحذوف، الذي هو جواب (لو)، وهو لعلمت أن القوة لله جميعًا.
وعلى القراءة الثانية: لعلموا أن القوة لله جميعًا، ويمكن يُقدر غير هذا، لارعووا، أو لخافوا، أو لانكفوا عن الشرك، ونحو ذلك، أو لعلموا أن القوة لله جميعًا على قراءة وَلَوْ يَرَى فيكون المقدر عند المؤلف: لعلموا أن القوة لله جميعًا، وعلى قراءة: يَرَى يكون الذين ظلموا فاعل، وأن القوة مفعول (يرى)، قال: "وجواب لو محذوف والتقدير: ولو يرى الذين ظلموا أن القوة لله لندموا، ولاستعظموا ما حل بهم".
كما سبق بأن (إذ) في مثل هذا كثير من أهل العلم يقولون: إن العامل فيه مقدر محذوف دائمًا تقديره: (اذكر) إذ تبرأ الذين اتبعوا، ويمكن أن يكون بدلًا من إِذْ يَرَوْنَ.
إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا يقول: هم الآلهة، أو الشياطين، أو الرؤساء من الكفار، والعموم أولى.
والله -تبارك وتعالى- أخبرنا عن براءة الملائكة ممن عبدهم من دون الله -تبارك وتعالى- تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ [القصص:63] هذا قول الملائكة: مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ [القصص:63] وهكذا في قوله عن الملائكة أنهم: قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ [سبأ:41] وهكذا في قول الله -تبارك وتعالى-: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ [الأحقاف:6،5] فهذا في عموم المعبودات، وهكذا في قوله: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا [مريم:82،81] فهذا في كل المعبودات، وهكذا في يوم القيامة أيضًا يتبرؤون منهم ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا [العنكبوت:25] فهذا يشمل كل ما عُبد من دون الله -تبارك وتعالى- والله المستعان.
جماعة من السلف فسروه بالمودة، وهذا تفسير له بجزء المعنى، وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ أسباب الخلاص والنجاة من العلائق، والأنساب والقرابات والمودات والصلات التي كانت في الدنيا.
كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ فبعضهم يقول: هذه الأعمال هي السيئات والذنوب، وبعضهم يقول: الحسنات وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:23] فلم يرون هذه الأعمال تصير كالهباء وكالرماد، فلا يجدون عائدة، ولا ثوابًا عند الله -تبارك وتعالى- فيكون ذلك حسرة عليهم، ويمكن أن يقال -والله أعلم-: إن (أعمال) مضاف إلى معرفة، وهذا للعموم، فهم يرون تلك الأعمال التي عملوها من عبادة غير الله -تبارك وتعالى- والإشراك به، والتقرب إلى هذه المعبودات الباطلة، فيتحول ذلك إلى عذاب، فيكون حسرات عليهم، فالإنسان يعذب على الشرك، وعلى العمل لغير الله -تبارك وتعالى- ولا يكون ذلك باطلًا حابطًا ذاهبًا فحسب، بل يُعذب عليه، فتتحول هذه الأعمال السيئة من المعاصي والجرائم والإشراك إلى حسرات يوم القيامة، ومثل هذا كله لا شك أنه يدعو إلى المحاسبة والمراجعة، فيجعل الإنسان عمله كله لله -تبارك وتعالى- لا يُرائي بشيء من عمله، إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48، 116] فهو لا يرجع بالسلامة من الرياء والسمعة، بحيث يذهب العمل لا له ولا عليه، ولكنه يكون جرمًا وذنبًا من أعظم الذنوب، ومعلوم أن جنس الإشراك أعظم من جنس الكبائر، هذا من حيث الجنس لا من حيث الأفراد، وهكذا في قوله: كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ تقطعت بهم الأسباب أيضًا، وصارت الأعمال حسرات، فهناك لا معين، ولا مغيث، ولا ناصر، ولا شفيع، ولا حميم.
وإنما الكل مشغول بنفسه، فهذه الأعمال السيئة والمعاصي والجرائم تتحول إلى عذاب وحسرات على أصحابها، فلربما يستمتع بها في الدنيا، ولكنها تتحول إلى حسرات يوم القيامة، فالعاقل لا يُقدم على شيء يكون في حقه حسرة، والواقع أنها حسرات أيضًا في الدنيا قبل الآخرة لما يصيبهم بسببها من الألم والنكد، وشدة العيش، والوحشة التي لا تفارق قلوبهم، مع ما هم فيه من المتع والملذات، فلسان الحال، كما قال الشاعر:
دع عنك لومي فإنَ اللوم إغراءُ | وداوني بالتي كانت هي الداءُ[10] |
نسأل الله العافية، يعني أنه يشرب الخمر، ثم بعد ذلك يشرب على شربه لعله يجد بذلك راحة، وإجمامًا لتلك النفس المستوحشة، والله المستعان.
الأمر يأتي لمعان منها: الإباحة، والأصوليون يمثلون بمثل هذه الآية كثيرًا على مجيئه للإباحة، فهي في سياق الامتنان، وليس هذا للوجوب كما هو معلوم كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ وإذا أراد الإنسان أن يتعمق في مثل هذا، ويقول: الأكل الذي تبقى معه المهجة واجب، ونحو ذلك، فليس هذا هو المقصود.
الحلال سمي بذلك قيل: لانحلال عقدة الحظر عنه فـحَلَالًا حال مِمَّا فِي الْأَرْضِ يعني: كلوا مما في الأرض حال كونه حلالًا، أو مفعول بـكُلُوا كلوا حلالًا، أو صفة لمفعول محذوف: كلوا شيئًا حلالًا، لكن هذا لا يخلو من بُعد وتكلف؛ لأن الأصل عدم التقدير، وهذه الآية هي في سياق الامتنان، وإلا فكما قال الشاطبي -رحمه الله-[11]: بأنه لم يُعهد في كلام الله -تبارك وتعالى- الحث على الأكل والشرب والجماع، ونحو ذلك من الغرائز التي تدعو إليها طبيعة الإنسان، وما جُبِل عليه، وما رُكّب فيه، فهو يسعى إلى هذا، ويحتاج إلى شيء من الترويض، وإنما يأتي الحث كثيرًا على الصبر والصلاة والإنفاق في سبيل الله، ونحو ذلك من الأعمال التي تتطلب جهدًا ومجاهدة ومشقة، فيأتي ذلك كثيرًا، ولذلك تجد الأمر بالصلاة كثيرًا، والأمر بالصبر كثيرًا، والأمر بالإنفاق كثيرًا، إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة؛ لأن هذا يحتاج إلى مجاهدة، لكن ما يقول لهم: كلوا، واشربوا، لا تفرطوا في هذا، وجامعوا نساءكم، ونحو ذلك؛ لأن هذا لا يحتاج أنه يؤمر به، بل النفوس تجمح إليه، والله -تبارك وتعالى- يقول: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ [البقرة:187] يعني: ينقطع الصبر عن مقاربة النساء ليلة الصوم، فأباحه لهم لضعفهم، وأما قوله -تبارك وتعالى-: فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ [البقرة:187] فهذا الأمر للإباحة، ولكن وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ قيل: لا تنسوا العبادة في ليالي العشر، ويشغلكم عنها الاستمتاع بالنكاح.
وقيل: المعنى وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ بطلب ليلة القدر، وبعضهم يقول: ليكن لك نية في هذا الجماع، يعني طلب الولد، فحتى في هذا المقام يذكرهم بما هو أهم.
"حلالًا حالٌ مما في الأرض، أو مفعول بـ(كلوا) أو صفة لمفعول محذوف، أي: شيئًا حلالًا طيبًا، يحتمل أن يريد الحلال.
طَيِّبًا يحتمل أن يريد الحلال، أو اللذيذ".
أي: طيب من جهة الكسب، لا يكون محرمًا إما بكسبه، أو لوصفه، مثل: الخمر، والخنزير، والميتة، والدم، والربا، والرُشا، ونحو ذلك، فهذه خبيثة لوصفها، فهذا يحتمل أن يريد الحلال أو اللذيذ حَلَالًا طَيِّبًا يعني المستلذ، والجيد، كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا فالأول يكون أراد به ما طاب من جهة الحِل، وهذا ما طاب من جهة الجودة واللذة، ونحو ذلك، قوله -تبارك وتعالى- في خبر أصحاب الكهف: فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذهِ إِلَى الْمَدِينَةِ [الكهف:19] من أجل أن يأتيهم بطعام، صفة هذا الطعام أَزْكَى طَعَامًا [الكهف:19] فأزكى فيه قولان: أزكى يعني من جهة الكسب، يعني أنه ليس فيه شبهة، ولم يأتِ بطريق محرم، أو نحو هذا، وهذا هو الأقرب.
والمعنى الثاني: أزكى يعني المستلذ والأجود والأفضل والأكمل، قالوا: إن هؤلاء كانوا من أبناء الملوك، فيبحثون عن الأجود من الطعام، وهذا بعيد؛ لأن هؤلاء الذين آووا إلى الكهف، وتركوا الدنيا وراءهم، لا يبحثون عن اللذيذ والأجود في الأصناف، إنما يبحثون عن الحلال.
الخطوات جمع خطوة، بعضهم يقول: إنها بالضم للمسافة التي بين القدمين، يقال: خطوة، والخَطوة بالفتح، واحدة الخطو، تقول: خطوت خطوة وخطوتين، وثلاث، وتقال: الخُطوة للمسافة بين القدمين، تقول: زد على هذه المساحة خُطوة، يعني ما بين القدمين، وبعضهم يقول: هما لغتان، فـخُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ما يأمر به، ويزينه ويسوله، ويمليه، ويدرج الإنسان فيه، فهو يبدأ معه بالأسهل، ومع كل أحد بما يناسبه، وما يميل إليه، فيأتي إلى صاحب العبادة الذي يميل إلى النسك، ونحو ذلك يأتيه من هذا الطريق، ويأتي إلى من به نوع شدة من هذا الطريق، ويأتي إلى من به ميل إلى النساء من هذا الطريق، وهكذا، فيدرجه شيئًا فشيئًا يغريه بنظرة، ثم بعد ذلك لا يزال به، حتى يوقعه بالفاحشة.
يقول: "وأصله من خطوة المشي، وقال المنذر بن سعيد" هو البلوطي -رحمه الله- من العلماء الذين كانوا على عقيدة السلف، وهو الوحيد -فيما أعلم- من المتقدمين الذي له كتاب في الفرق، والمؤلف على عقيدة أهل السنة والجماعة، وإن كان كلامه -رحمه الله- في بعض القضايا لا يخلو من إشكالات، أو غرابة.
يقول: "يحتمل أن يكون من الخطيئة، ثم سهلت" هذا بعيد "وقرئ بضم الطاء" خُطُوات، وخُطْوات، فـ(خُطْوات) هذه قراءة نافع وأبي عمرو وحمزة، والباقون بالضم[12] خُطُوَاتِ، فهما لغتان.
فـخُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ هي طرائقه ومسالكه، ويدخل في ذلك ما يضل به أتباعه من تحريم الحلال، أو تحليل الحرام، فالله -تبارك وتعالى- لما أمر بالأكل مما في الأرض حلالًا طيبًا، بخلاف حال المشركين الذين حرموا ما أحل الله، وأحلوا ما حرم الله، وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا [الأنعام:138] إلى آخر ما ذكر الله -تبارك وتعالى- عنهم من تحريم هذه الطيبات، التي أباحها الله لهم، فهذا داخل في ذلك، وفي الحديث المشهور: وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين، فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم[13].
والله -تبارك وتعالى- يقول: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا [فاطر: 6] ويقول: أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ [الكهف: 50] وبعض السلف كقتادة والسدي يقولون: كل معصية لله -تبارك وتعالى- فهي من خطوات الشيطان[14].
وجاء عن ابن عباس : ما كان من يمين أو نذر في غضب فهو من خطوات الشيطان، وكفارته كفارة يمين[15].
فالمقصود أن خطوات الشيطان هي مسالكه، وما يغري به، والله يقول: إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ [المجادلة: 10] يعني من تزيينه، وتسويله، وإملائه، ونحو ذلك.
قيل: سمي السوء بذلك لأنه يسوء صاحبه إذا رآه في صحيفته، والفحشاء يقول بعضهم: إن أصلها سوء المنظر، يعني حسًا، ثم استُعمل فيما يقبح من جهة المعنى، وعلى كل حال الفحشاء: كل ذنب عظم فهو من الفحشاء، والسياق قد يحدد بعض المعاني، والعُرف قد يخص الفحشاء بنوع من الذنوب العظام؛ ولهذا كانت الفاحشة تطلق في الغالب على الزنا، وما في معناه، وتفسيره هنا الفحشاء بالمعاصي لا يخلو من إشكال؛ لأن ليس كل المعاصي يقال لها: فحشاء، وليس كل معصية فاحشة، وإنما ذلك يقال لما عَظُم، الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ [النجم: 32] على المعنى المشهور أن اللمم هي الصغائر.
وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ يدخل فيها الإشراك، ونسبة الصاحبة والولد والشريك إلى الله -تبارك وتعالى- وتحريم الحلال، ونحو ذلك.
- هذه العبارة قالها الحلاج، انظر: الرد على القائلين بوحدة الوجود (ص:132).
- أخرجه البخاري في أبواب الاستسقاء، باب قول النبي ﷺ نصرت بالصبا برقم: (1035) ومسلم في كتاب صلاة الاستسقاء، باب في ريح الصبا والدبور برقم: (900).
- أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب وجوب محبة رسول الله ﷺ أكثر من الأهل والولد، والوالد والناس أجمعين، وإطلاق عدم الإيمان على من لم يحبه هذه المحبة برقم: (44).
- جامع الرسائل لابن تيمية - رشاد سالم (2/255).
- أخرجه أحمد (6/338-3789) وصححه الألباني في صحيح الجامع (2/1270-7674).
- أخرجه ابن ماجه في كتاب الفتن، باب الصبر على البلاء برقم: (4032) وصححه الألباني.
- إعراب القرآن للنحاس (1/88).
- إعراب القرآن للنحاس (1/88).
- تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (3/285).
- البيت لأبي نواس انظر: درة الغواص في أوهام الخواص (ص:143).
- الموافقات (3/387).
- معاني القراءات للأزهري (1/188).
- أخرجه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار برقم: (2865).
- تفسير ابن أبي حاتم - محققا (1/281-1508) وتفسير ابن كثير ت سلامة (1/479).
- تفسير ابن كثير ت سلامة (1/479).