"أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ ردًا على قولهم: بَلْ نَتَّبِعُ، والآية في كفار العرب.
وقيل: في اليهود، والمعنى: أتتبعونهم ولو كانوا لا يعقلون؟ فدخلت همزة الإنكار على واو الحال".
جاء عن ابن عباس -ا- في سبب نزول الآية، أنها نزلت في اليهود لما دعاهم النبي ﷺ إلى الدخول في الإسلام، جاءه نفر منهم، فدعاهم، فقالوا: بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا [لقمان:21][1] لكن الرواية لا تصح، وبناء على ذلك فلا يختص ذلك باليهود، بل ظاهره أنه في المشركين، فإن الله -تبارك وتعالى- ذكر ذلك عنهم، وهكذا من رد دعوة الرسل -عليهم السلام- كانوا يحتجون بمثل هذا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ [الزخرف:22-23] وقوله: وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ [الأعراف:28].
"وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا الآية في معناها قولان:
الأول: تشبيه الذين كفروا بالبهائم؛ لقلة فهمهم، وعدم استجابتهم لمن يدعوهم، ولا بد في هذا من محذوف.
وفيه وجهان:
- أحدهما: أن يكون المحذوف أول الآية، والتقدير: مثل داعي الذين كفروا إلى الإيمان، كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ أي: يصيح، بِما لا يَسْمَعُ وهي البهائم التي لا تسمع، إِلَّا دُعاءً وَنِداءً ولا تعقل معناه.
- والآخر: أن يكون المحذوف بعد ذلك، والتقدير: مثل الذين كفروا كمثل مدعو الذي ينعق، ويكون دُعاءً وَنِداءً على الوجهين مفعولا (يسمع)، والنعيق هو زجر الغنم، والصياح عليها، فعلى هذا القول شبه الكفار بالغنم، وداعيهم بالذي يزجرها وهو يصيح عليها.
والقول الثاني: تشبيه الذين كفروا في دعائهم وعبادتهم لأصنامهم بمن ينعق بما لا يسمع؛ لأن الأصنام لا تسمع شيئًا، ويكون دُعاءً وَنِداءً على هذا منقطعًا، أي: أن الداعي يتعب نفسه بالدعاء والنداء لمن لم يسمعه من غير فائدة، فعلى هذا شبه الكفار بالناعق".
قوله -تبارك وتعالى-: وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً ذكر القول الأول ومداره على أن التشبيه إنما هو لحال هؤلاء الكفار مع من يدعوهم إلى الإيمان، وهذا قول عامة المفسرين، وقول الجمهور، وهو اختيار ابن جرير -رحمه الله- أنها في وعظ الكافر وواعظه، لكن ابن جرير خصها باليهود، باعتبار أن ما قبله في اليهود[2]، قالوا: بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وذكرنا أن الرواية في هذا لا تصح، فابن جرير يرى أن هذا التشبيه أيضًا في اليهود، ورد على من قال بأنها في المشركين، وأنها في دعائهم لآلهتهم، وهذا القول الثاني.
ومعنى القول الأول: أنها في تشبيه وتمثيل حال هؤلاء الكفار مع من يدعوهم فهم يسمعون صوتًا من غير أن يعقلوه، فهم كحال هذه البهائم السارحة التي يصيح بها الراعي، فهي لا تسمع إلا مجرد الصوت دون أن تعقل معناه.
وابن جزي يقول: "الأول تشبيه الذين كفروا بالبهائم لقلة فهمهم، وعدم استجابتهم لمن يدعوهم، ولا بد في هذا من محذوف، وفيه وجهان: الأول: أن يكون المحذوف أول الآية، ومثل داعي الذين كفروا إلى الإيمان، والآخر: أن يكون المحذوف مؤخرًا: مثل الذين كفروا كمثل مدعو الذي ينعق بالبهائم، ويكون دُعَاءً وَنِدَاءً على الوجهين مفعولا (يسمع) لا يسمع إلا دعاء ونداء، يعني هذه البهائم لا تسمع إلا مجرد الصوت، دون أن تعقل معناه، فعلى هذا القول شبه الكفار بالغنم وداعيهم بالذي يزجرها، فهذا حاصل هذا القول على التقديرين: أن المقدر مقدم: ومثل داعي الذين كفروا، أو ومثل الذين كفروا كمثل مدعو الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء.
والقول الثاني: أنه تشبيه الذين كفروا في دعائهم وعبادتهم للأصنام بمن ينعق بما لا يسمع، فالأصنام لا تسمعهم، والذي حمل هؤلاء على هذا القول هو ما فهموه من ظاهر الآية، وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ يعني مثلهم حينما يوجهون الدعاء لهذه الآلهة من الأصنام ونحوها كذاك الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء، أخذوا بالظاهر، أن المثل للذين كفروا، في مزاولتهم عبادة غير الله ودعاء غير الله، فيكونون بهذه المثابة، وهؤلاء قالوا به باعتبار أنه يوافق ظاهر الآية، لكن يرد عليه إشكال، وهو أن هؤلاء الكفار حينما يدعون الأصنام هي لا تسمع أصلًا، ليست بمنزلة البهائم، البهائم أعلى رتبة من هذه الأصنام، فالمعبودات من دون الله: أصنام، وأوثان، وأشجار، ونحو ذلك، فهي لا تسمع أصلًا، دعاء ونداء، فيقول هنا: ويكون دُعَاءً وَنِدَاءً على هذا منقطعًا لا يسمع إلا دعاء ونداء، لكن هو يجتهد في الدعاء والنداء من غير فائدة، ومن غير طائل، يعني نفى عنها السمع، فهذا ممكن أن يكون جوابًا عن هذه الإيراد، فالكلام منقطع، يعني ليس له نصيب وحظ من هذا إلا أن يبح صوته، ويتعب نفسه، وهي لا تسمعه أصلًا، فيكون الاستثناء منقطعًا، والمشهور هو الأول، وهو الذي عليه عامة أهل العلم: أنه مثل لحال الكفار مع داعيهم فيكون وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا يعني حينما توجه إليهم الدعوة وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا مع من يدعوهم إلى الله كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ لكن الذي يُشكل على هذا أن التشبيه على هذا التوجيه وهذا المعنى يكون: مثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق، والواقع أن الذي ينعق بما لا يسمع هو داعيهم، وليس الذين كفروا؛ ولهذا قال من قال بالقول الآخر: إن المثل للذين كفروا، فيما يتوجهون به من الدعاء لآلهتهم، لكن على الأول: أن مثل الذين كفروا كالبهائم، التي ينعق بها الراعي، فهذا تيئيس من استجابتهم، وتقبيح لحالهم، فجعلهم بمنزلة البهائم أنهم فيما يوجه إليهم لا يسمعون إلا مجرد الصوت دون أن يصل ذلك إلى قلوبهم، وهذا هو الأقرب، والله تعالى أعلم.
وقد تكلمت على هذا تفصيلًا في الكلام على شرح الأمثال في القرآن.
يعني هم صم؛ يصف الكفار عمومًا بأنهم بهذه المثابة صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ يقوي التأويل الأول باعتبار أن الدعوة التي توجه إليهم لا تجد المحل القابل، فهم صُمٌّ بُكْمٌ... إلخ، يعني القول الأول في معنى المثل أنه في تصوير حال الكفار مع داعيهم، قال: صُمٌّ بُكْمٌ... إلخ، إذن ليست في الآلهة التي يعبدونها، ويوجهون إليها الطلب والدعاء.
الأصل أن الشكر واجب؛ لأن هذا أمر، والأمر للوجوب، ثم أيضًا حينما علقه على العبادة، وهي واجبة إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ.
قول النبي ﷺ: أحلت لنا ميتتان ودمان[3]، فهذا ظاهره الإطلاق، دون التسبب في إزهاق نفسها بوضعها في الماء، أو قطع عضو منها، فهذا مستثنى من عموم الميتة.
وهذا من أجلى الصور في حمل المطلق على المقيد من الأحوال الأربع التي له، وهو ما اتحد فيه السبب والحكم، أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا فيُقيد الدم بالمسفوحية، أما الدم الذي يكون في اللحم، ونحو ذلك، فهو معفو عنه، ولا يكون محرمًا، ولا يكون نجسًا، والدم المسفوح هو الذي يخرج من أوداج الذبيحة إذا ذُبحت.
وشيخ الإسلام -رحمه الله- له كلام في تعليل تحريم الدم، ذكرته في المجالس التي بعد العشاء في الهدايات والتدبر، فهو يرى أن الدم يقوي الناحية الشهوية والغضبية في الإنسان، يقول: ولهذا حُرم[4].
فقد يكون هذا، وقد يكون غيره، فهو مضر بالإنسان إذا أكله، أو شربه، وقد كانوا في الجاهلية إذا أمحلوا، سواء كان في أيام القحط، أم كان في الأسفار، ونفدت أزوادهم، ربما قطعوا عرقًا من الناقة، أو الجمل، ويأخذون ذلك الدم، وربما خلطوه بشيء من الوبر، وطبخوه، ويسمونه العلهز، فهذا نجس ومستقذر ومحرم.
سواء كان الخنزير أهليًا، أو وحشيًا، أو بريًا، كل هذا حرام، كذلك شحمه بإجماع.
يعني هذا توجيه في ذكر اللحم باعتبار أن اللحم يطلق على الأحمر دون الأبيض، فخص اللحم؛ لأنه هو المقصود الأساس الأول، ولا يعني ذلك أن غيره مباح، ومن أهل العلم -وهو الأقرب والله أعلم- من يقول: إن قوله: أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ [الأنعام:145] إن اللحم يشمل عند العرب إذا أطلق عند المخاطبين بالقرآن، في معهودهم يشمل الأحمر والأبيض، فيكون ذلك شاملًا للنوعين، لكن خُص في عُرف الاستعمال بعد ذلك بالأحمر، وعلى هذا فلا يحتاج إلى مثل هذا التوجيه، فيكون لحم الخنزير يشمل الشحم وغير الشحم.
لكن يمكن أن يقال في غيره كالعظام والإنفحة، وكذلك أيضًا العصب والأوردة والعروق، ونحو ذلك إنها محرمة، لكن خُص اللحم؛ لأنه هو المقصود الأول، كما قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا [النساء:10] خص الأكل؛ لأنه غالب وجوه الانتفاع، وإلا فلو أنه أتلفها بأي لون من الإتلاف، فإن ذلك يحرم بأكل، أو غيره، لو اشترى بها سيارة، أو لو اتخذها للسياحة واللهو والسفر والنزهة، أو أحرقها، فكل ذلك محرم، فهنا ذكر اللحم يشمل الأحمر والأبيض، وسائر الأجزاء تبع لذلك؛ ولهذا دهون الخنزير، والزيوت المستخلصة منه، كلها حرام، وكذلك الشرايين والأوردة ونحو هذا، ويقول بعض الأطباء: بأن من أفضل ما توصلوا إليه في عمليات القلب يضعون أوردة من الخنزير، وأنها تبقى مدة أطول من غيرها، والنبي ﷺ ذكر: إن الله لم يجعل شفاء هذه الأمة فيما حرم عليها[5]، فيُمنع هذا، وهذا مما يُبتلى به الناس، فيقال لهم: هذا مفيد في كذا، وهذا ينفع في كذا، فيغترون بمثل هذا، ويعتقدون أنها حال ضرورة، والواقع أنها ليست ضرورة.
أصل الإهلال: رفع الصوت، حتى قيل: إن الهلال قيل له ذلك باعتبار أنهم كانوا إذا رأوه رفعوا الصوت بذلك، فصار الإهلال للذبيحة لغير الله -تبارك وتعالى- بهذا الاعتبار أنه يُذكر عليها اسم غير الله -تبارك وتعالى-.
يقول: "ثم استعمل في النية في الذبح" يعني ولو لم يحصل رفع الصوت، أو لم يتكلم به، لكنه قصد بهذه الذبيحة غير الله فيحرم أكلها؛ لأن الأعمال بالنيات، وتكون نجسة، فلا تطهر بهذه الذكاة، وهذا يدل على قوة نجاسة الشرك، وأنها تسري في الذوات، فغيرت هذه الذبيحة، مع أنها ذُبحت، فحولتها إلى نجاسة لمجرد النية، فنجاسة الشرك تسري وتؤثر تأثيرًا حسيًا في الذوات، فيقال: هذه نجسة، وليست بمذكاة، بينما إذا ذُكر اسم الله عليها صارت طاهرة، ويحل أكلها، وتكون من الطيبات.
"لِغَيْرِ اللَّهِ الأصنام، وشبهها.
اضْطُرَّ بالجوع، أو بالإكراه، وهو مشتق من الضرورة، ووزنه افتعل، وأبدل من التاء طاء".
بالجوع أو الإكراه، يعني إذا لحقته مشقة غير معتبرة، فخاف على نفسه الهلاك، فإنه يأكل من الميتة، ويكون ذلك مباحًا للضرورة، والإكراه فيما لو أنه أُلجأ إلى هذا، وهُدد بالقتل مثلًا ممن يغلب على ظنه أنه يفعل، فإنه يجوز له ذلك.
مجاهد يقول في تفسيرها: يعني غير قاطع للسبيل، أو مفارقًا للأئمة، أو خارجًا في معصية الله[6].
فهؤلاء لا يرخص لهم، إذا كان سفره، أو خروجه في معصية: كقطاع الطرق، والبغاة، وكل من كان سفره لمعصية، ونحو هذا جاء عن سعيد بن جبير[7].
وقال مقاتل بن حيان، وفي رواية عن سعيد بن جبير: "غير مستحله"[8]، فيراد بقوله: غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ بالاستحلال.
وجاء عن قتادة غَيْرَ بَاغٍ يعني في أكله، بأن يتعدى الحلال إلى الحرام، وهو يجد مندوحة[9]، أي يجد البدائل، لكنها آثر الميتة مثلًا.
وبعضهم يقول: الباغي الذي يأكل الحاجة، والعادي من يأكل الميتة، وهو يجد مندوحة، فبغى بتجاوز القدر الذي يُضطر إليه، يعني يأكل ما يبقي له المهجة، ويسد الجوع الشديد، أما الخمر فلا يُرخص لمن حصل له شدة العطش، قالوا: لأنه يزيد في العطس، لكن ممكن يرخص لمن غص أن يدفع ذلك، ولم يجد إلا الخمر، فإنه يشرب ما يدفع به الغصة، لكن لا يسترسل، فيكون بذلك متعديًا، فإن الضرورات تقدر بقدرها، ولا يتجاوز في ذلك، فيحصل العدوان تارة بالبغي، وتارة بأكل أكثر من الحاجة، كالذي يأكل إلى الشبع، أو يتزود منها، ولم يقف عند حد الضرورة، أو يصنع بها ما يدل على أنه غير كاره لذلك، كأن يتفنن في صنع الطعام فيها، فهذا ليست حاله كحال المضطر.
وقل مثل هذا في التصوير، فهو حرام، وهذا الذي يضطر للصورة لشيء مما لا بد له منه في الأوراق، التي لا بد لها من صور، ونحو ذلك من المعاملات الرسمية، فإذا أراد أن يذهب إلى التصوير يتخير أحسن المصورين، ويتصنع، ويلبس على غير المعهود؛ ليخرج بأجمل وأبهى صورة، فهذا من التجاوز، ولا يدل على كراهية هذا الإنسان واضطراره لهذا المحرم.
وبعضهم يفسر البغي بأن يأكل عن شهوة ويشبع، وابن جرير -رحمه الله- حملها على الجميع[10]، غير الأول، فهو لا يرى أن من خرج لمعصية، وكان عاصيًا في سفره، أو نحو ذلك أنه يُمنع من الرخصة، لكن الباقي كالذي يتزود، أو يأكل أكثر من حاجته، أو يأكل عن شهوة، ويستمتع بهذا الأكل ونحو هذا، أن ذلك جميعًا يدخل في معنى غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ.
وهكذا في الرخص الأخرى، مثل: الجمع والقصر، فبعض العلماء يقولون: إذا خرج في معصية لا يجوز له الجمع والقصر، كل ذلك مبناه على أن هذا الإنسان العاصي في سفره لا يُعان، ولا يرخص؛ لأن الرخصة توسعة، فلا يوسع له في هذا السفر الذي يعصي الله فيه، وبعض أهل العلم يقول: هذا لا يترخص؛ لأن الجهة منفكة، فهذه الرخص تكون في السفر، وما يتعلق بالميتة تكون لحال الضرورة، وهو عاص في سفره، يأثم على هذا السفر المحرم.
يعني ما وصل إلى حال الضرورة، بمجرد جوع محتمل أقدم على أكل الميتة.
وهذا غريب، فبالنسبة للشبع فهو فوق حاجته الأصلية، يعني بما يبقي المهجة، وأما التزود فهذا بعيد؛ لأن الضرورة تندفع بالأكل الذي يبقي على نفسه، لكن لو أنه كان في سفر طويل، أو نحو ذلك، وهو لا يجد شيئًا، فأخذ من هذه الميتة من أجل أنه إن لم تندفع ضرورته أكل منها ثانية، فهذا لا إشكال فيه، وإلا فلا يجوز له بحال من الأحوال إذا اندفعت الضرورة أن يأكل من هذا الذي تزود منه، أو يعلم أنه يصل إلى بلده فيأكل من هذا، هذا لا يقول به مالك -رحمه الله- ولا غير مالك من أهل العلم.
يعني الآية لما ذكر تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير ذكر الضرورة بعدها فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فهذا يرجع إلى هذه المذكورات، من الميتة والدم ولحم الخنزير إذا اضطر، لكن هنا تأتي المفاضلة فيما لو وجد ميتة وخنزير، وكذلك فيما لو وجد ميتة ومال معصوم، فهل يأخذ من مال المعصوم ولا يأكل من الميتة؟ أو يأكل من الميتة ويترك المال المعصوم؟، هذا في الترجيح والمفاضلة بين هذه الأمور، وما هو المتعين منها في حال الضرورة، للعلماء كلام في هذه المسائل، وهو خارج عن حد التفسير.
باعتبار أنهم كتموا صفة النبي ﷺ والحافظ ابن كثير -رحمه الله- ذكر أنهم فعلوا ذلك لئلا تذهب رئاستهم[11]، وما كانوا يأخذونه من العرب من الهدايا والتحف على تعظيمهم إياهم، فخشوا إن أظهروا هذا يعني صفة النبي ﷺ وأنه النبي الموصوف في كتبهم أن الناس يتبعونه ويتركونهم، فتذهب تلك المكانة والمنزلة، وتذهب تلك العطايا والهبات التي كانوا يعطونهم إياها.
فيدخل هذا في ذلك، ويدخل غير هذا من الرشا.
والكتمان هنا يدخل فيه كتمان صفة النبي ﷺ ويدخل فيه غير ذلك من الكتمان، يعني كتموا مثلًا حد الزنا، وكما في القصة المشهورة المعروفة في الحبر لما سألهم النبي ﷺ عن حد الزنا، حينما أخذوا رجلًا وامرأة، وطافوا بهما مع تسويد الوجه منكسين على حمار، فقالوا: هذا الذي يجدونه في كتابهم، فدعا بالتوراة، فقرأ الحبر، ووضع أصبعه على الآية التي فيها حد الزنا، فقال عبد الله بن سلام: يا رسول الله، مُره فليرفع أصبعه، فإذا آية الزنا تلوح حد الزنا[12].
والله -تبارك وتعالى- يقول: تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا [الأنعام:91] فهذا الإخفاء هو من الكتمان لتفاصيل الشريعة للممالأة، مواطأة لهوى في نفوسهم، للأموال التي كانوا يأخذونها من الرشا، كل ذلك مما يتقاضونه على هذا الكتمان داخل فيه، وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فكل عرض الدنيا قليل، وبعض أهل العلم يقول: أصلًا الذي كانوا يأخذونه هو شيء قليل، أيًا كان الواقع أن عرض الدنيا قليل.
فإذا كانت هذه الآية في اليهود فمن وقع في هذا من هذه الأمة بكتمان الحق، وكتمان ما أنزل الله -تبارك وتعالى- فإنه أشد من هؤلاء اليهود؛ لأنه على قدر المقام يكون الملام، فإذا كان هذا الذم متوجهًا بالوعيد إلى هؤلاء اليهود، فهذه الأمة أكمل، وكتابها أعظم، ونبيها ﷺ أشرف، فالذم المتوجه إليهم إذا حصل الكتمان يكون أشد، فلا يختص هذا باليهود، ويقال: هذه الأمة بمنأى عنه.
هذا احتمال، أن هذا الأكل للرشا والأموال التي يحصّلونها من هذا الطريق تقودهم إلى النار.
وهذا هو الظاهر، وهذا الذي اختاره الحافظ ابن كثير -رحمه الله-: أنهم يأكلون النار حقيقة[13]، وهذا يكون في النار في الآخرة، يعني الذي يأكلونه الآن هو طعام وشراب لكن في القيامة يكون نارًا تلظى في أجوافهم، كما قال الله : إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [النساء:10] وفي الحديث: الذي يشرب في إناء الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم[14]، فهذا صريح.
بالنسبة للتأويل الأول: "عبارة عن غضبه عليهم" هذا تأويل للآية بصفة الغضب، وهؤلاء من قِبَل أهل الكلام الذين لا يثبتون صفة الغضب لله فيقولون: الغضب هو غليان دم القلب، فيفسرونه بلازمه، يقولون: الغضب هو إرادة الانتقام، لكن قال في قوله: وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ: عبارة عن غضبه عليهم، لكن نقول: إنه على ظاهره، أي: لا يكلمهم تكليم رضا، كما قال الله : اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ [المؤمنون:108] وهذا بمفهوم المخالفة يدل على أنه يكلم أهل الإيمان بما يحبون، كما قال: سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [يس:58].
والأشاعرة يثبتون صفة الكلام إجمالًا، ولكن حقيقة قول الأشاعرة هي نفي الكلام، يعني هم يقولون: يتكلم لكن لا بحرف وصوت، وكلامه لا تعاقب فيه، ولا انقضاء، فالكلام عندهم هو المعنى النفسي، وأما القرآن فهو عندهم عبارة عن كلام الله، إما أنه من كلام جبريل عبّر عن المعنى، أو هو من كلام النبي ﷺ، وألقى إليه المعنى جبريل فعبّر عنه النبي ﷺ فحقيقة قول الأشاعرة، هي أن القرآن مخلوق، فهم يتفقون مع المعتزلة في حقيقة قولهم، لكنهم يثبتون الكلام النفسي، والواقع أن الكلام النفسي لا قيمة له، ولا يوجد -كما يقولون- معنى نفسي من غير لفظ، فإن الكلام هو مجموع اللفظ والمعنى، كالإنسان فهو مجموع الروح والجسد، فالروح من غير جسد، لا يقال له: إنسان، وكذا الجسد من غير روح، لا يقال له: إنسان، كذلك الكلام والقول، ونحو ذلك، لا يقال: إنه المعنى، بل مجموع اللفظ والمعنى، هذا في لغة العرب؛ ولذلك شنع عليهم المخالفون من المعتزلة وغيرهم، قالوا: لا يعقل كلام نفسي، ولا تعاقب فيه، ولا انقضاء؛ ولذلك كان قول المتكلمين من الأشاعرة في الكلام النفسي، وفي مسألة الكسب في أفعال العباد، من الأمور التي لا يمكن أن تتصور بصورة صحيحة؛ لأنه كما قال شيخ الإسلام: الباطل لا يمكن تصويره؛ لأنه لو كان حقًا لأمكن تصويره، أما الباطل فلا يمكن فيه ذلك.
فهنا وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ الأشاعرة يثبتون الكلام، لكن يقولون: من غير حرف ولا صوت، ولا يكون متعلقًا بالمشيئة والإرادة، ومن ثم إذا عُبّر عنه بالعربية فهو قرآن، وإذا عُبّر عنه بالعبرانية فهو توراة، وإذا عبّر بالسريانية فهو إنجيل، والأمر عين النهي، وعين الخبر وعين الاستخبار، وهذا من أعجب الأشياء.
يعني كأن معنى قوله: وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ عبارة عن غضبه، يعني الأشاعرة لا يفسرون الكلام بالغضب، لكن هنا في هذا السياق يقول: "عبارة عن غضبه عليهم" يعني هل يقصد هو نفي صفة الكلام؟ ليس بالضرورة ذلك، فالأشاعرة لا ينفون هذه الصفة، لكن كان اللائق أن يقال: هذا يدل على إثبات صفة الكلام لله بمفهومه وَلَا يُكَلِّمُهُمُ لأن كلامه لو كان ممتنعًا لما كان تخصيص هؤلاء له معنى، وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ فدل على أنه يكلم أهل الرضا، فهذه الآية وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ عبارة عن غضبه عليهم، يعني هو فسره بلازمه، فلو أثبت الصفة، وفسر باللازم فلا إشكال.
فسره هنا بأحد المعنيين:
الأول: هذا الذي ذكره: الثناء، تقول: فلان يزكي فلان فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ [النجم:32] تثني عليه وتقول: أنا تقي، وأنا أخاف من الله، وأنا صالح، وكذلك لا يزكي بعضكم بعضًا فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ نزل النفوس منزلة النفس، مثل قوله: وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ [البقرة:188] وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [النساء:29] فيكون هنا النهي عن التزكية، والنبي ﷺ نهى عن هذا، ورخص في حال الاضطرار، أو الحاجة، أن يقول: أحسبه والله حسيبه، ولا أزكي على الله أحدًا[15]، وهكذا قول فلان شهيد، يقول عمر : "وأخرى تقولونها في مغازيكم: قتل فلان شهيدًا، مات فلان شهيدًا، ولعله أن يكون قد أوقر عجز دابته، أو دف راحلته ذهبًا وفضة، يبتغي التجارة، فلا تقولوا ذاكم، ولكن قولوا كما قال محمد ﷺ: من قتل في سبيل الله فهو في الجنة[16].
فالتزكية تكون بمعنى الثناء، ونحو ذلك، ومن ذلك أن يقول شخص أحيانًا لشخص من أهل الخير والصلاح وطلاب العلم، ونحو ذلك: أكتب لي تزكية، يعني أن تثني عليه.
الثاني: هو بمعنى التطهير، وهذا يكون بتزكية الله للعبد فيزكيه من الشرك وأدرانه، ومن أدناس الموبقات، وسائر المدنسات، فتكون نفسه زكية، كما قال الله : قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10] فالتزكية تكون بمعنى التطهير للنفس، وتكون بمعنى الثناء فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ فهذا بمعنى الثناء، ونحو ذلك، وليس ذلك بمعارض لقوله: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا التزكية هناك بمعنى تهذيب النفوس وتطهيرها من الشرك والمعاصي والموبقات وسائر المدنسات، وَلَا يُزَكِّيهِمْ يحتمل أن يكون المعنى: لا يطهرهم، ويحتمل أن يكون: لا يثني عليهم.
فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ يعني كما يقول الحافظ ابن كثير: إنهم في عذاب شديد عظيم هائل، يتعجب من رآهم فيه[17]، من صبرهم على ذلك.
وهذا احتمال، ويحتمل أن يكون المعنى فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ: ما أجرأهم على النار، باجترائهم على الكتمان، وأكل الحرام استعاضة بذلك، ونحو هذا مما يجترأ فيه العبد على ربه -تبارك وتعالى- بفعل ما يوقعه، ويدخله في النار، استعاضة من الحق، استعاضة بالضلالة واختيارها على الهدى، فهؤلاء مجترؤون على النار، فهو تعجب من جرأتهم على النار، وعلى الأسباب التي توصل إلى النار، وتؤدي إلى النار، وهذا الذي اختاره ابن جرير -رحمه الله-[18]، والمقصود: أن هذه الصيغة فَمَا أَصْبَرَهُمْ تدل على التعجب عند الجمهور، والذين قالوا: إن (ما) استفهامية يكون معنى فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ يعني: ما الذي جعلهم يصبرون على النار؟ فليس فيها تعجب، وذكر ابن جزي -رحمه الله-: أن الذي حمل هذا القائل هو فراره من إثبات التعجب لاعتقاده أنه لا يليق بالله ؛ لأن التعجب بزعمه لا يكون إلا ممن فَجَأَه ذلك، ولم يكن له إحاطة بالشيء، فحصل عنده هذا التعجب، أما من يعلم الخفيات والجليات، فيقول: إنه لا يحصل منه التعجب، وهذا الكلام غير صحيح، فالله يعلم الخفيات والجليات، ولكنه يتعجب التعجب اللائق بجلاله وعظمته، فهذه الآية فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ تدل على التعجب، ويدل على ذلك صراحة القراءة المتواترة (بل عجبتُ ويسخرون) فعلى هذه القراءة يكون التعجب صادرًا من الله -تبارك وتعالى- وكذلك أيضًا في الحديث المشهور: عجب ربنا من قوم يقادون إلى الجنة في السلاسل[19]، فهذا لا يمكن أن يؤول! فصفة التعجب ثابتة لله على ما يليق بجلاله، وعظمته، ولكن ابن جزي هنا أثبت هذه الصفة مع أن الأشاعرة ينفونها، وهذا يدل على أنه لا يضطرد على التأويل، وعلى عقيدة أهل الكلام، فتارة يثبت أشياء ينفونها، وتارة يوافقهم، وتارة يذكر القولين أو الأقوال ولا يرجح، وتارة يرجح قول المتكلمين، وتارة يرجح قول السلف.
"ذلِكَ إشارة إلى العذاب ورفعه بالابتداء، أو بفعل مضمر.
بِأَنَّ اللَّهَ الباء سببية.
بسبب أن الله.
يحتمل أن يكون جنس الكتاب، فيدخل فيه القرآن دخولًا أوليًا، ويدخل فيه أيضًا سائر الكتب المنزلة على الأنبياء، قبل النبي ﷺ فهذا لتحقيق جرمهم، فالله -تبارك وتعالى- قد نزل الكتاب بالحق الثابت، وهؤلاء جنوا هذه الجناية العظيمة بالكتمان، فإذا قلنا: بأن هؤلاء الذين يكتمون هم اليهود مثلًا، فيدخل فيه كل من يكتم ما أنزل الله، فيكون ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق: القرآن، وسائر الكتب؛ ولهذا زاد الحافظ ابن كثير -رحمه الله- هذا يعني القرآن، وغير القرآن من الكتب المنزلة[20].
أي: بالإخبار الصادق، وابن كثير يقول: بتحقيق الحق، وإبطال الباطل[21].
ويمكن أن يكون: إنزالاً متلبساً بالحق، أو متضمنة للحق.
والحق يقال للشيء الثابت، ومن هنا قال: " أي الواجب" والحق له معانٍ واطلاقات، منها الشيء الثابت، بخلاف الباطل فهو الذاهب، فتفسيره هنا بالواجب باعتبار أن من معاني الحق الشيء الثابت، أو بالإخبار الحق، أي الصادق، فالله نزل الكتاب بالحق، فالله حق، وكلامه حق، فهو في غاية الصدق والعدل، وأحكامه حق، وأنها عادلة، فلا يتطرق إليها الباطل، بحال من الأحوال، لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ [فصلت:42].
سببية يعني بسبب الحق، أو للمصاحبة يعني الحال.
هذا الذي اختاره ابن جرير -رحمه الله-[22] أن قوله: الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ اليهود والنصارى، اختلفوا في الكتاب المنزل، وكذلك أيضًا في القرآن، يعني قالوا فيه ما قالوا: إنه سحر، وشعر، وكهانة، وأساطير الأولين، ونحو هذا، فيحمل على جنس الكتاب، ويحتمل أنه الكتاب المنزل عليهم التوراة والإنجيل، وهذا على قول ابن جرير -رحمه الله-.
الكلام في الكاتمين إذا قلنا: إن هؤلاء الذين كتموا هم اليهود أهل الكتاب، وكذلك أيضًا يدخل فيه كل من كتم.
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ فإذا قلنا: المراد: بـ(نزل الكتاب) يعني جنس الكتب وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ يدخل فيه الكتب المنزلة، وما وقع فيها من الاختلاف بالتكذيب، ونحو ذلك، فيدخل في ذلك أهل الكتاب دخولًا أوليًا، وكذلك من كذب بالقرآن، أو كذب بشيء من الكتب السماوية، فردوا على الأنبياء رسالتهم، وكذبوا بالوحي المنزل عليهم، فالآية ظاهرها العموم، والله أعلم.
"لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ أي: بعيد من الحق والاستقامة.
لَيْسَ الْبِرَّ الآية خطاب لأهل الكتاب؛ لأن المغرب قبلة اليهود، والمشرق قبلة النصارى، أي: إنما البر التوجه إلى الكعبة، وقيل: خطاب للمؤمنين، أي: ليس البر الصلاة خاصة، بل البر جميع الأشياء المذكورة بعد هذا".
قوله: لَيْسَ الْبِرَّ هذا الموضع قُرئ بالنصب بقراءة حمزة وحفص، وقرأه الباقون بالرفع[23] (ليس البرُ)، فعلى قراءة النصب يكون البر خبر لـلَيْسَ مقدم، وأَنْ تُوَلُّوا مصدر مؤول، أي توليتكم، هو اسم (ليس) مؤخر، ليس توليتكم جهة المشرق والمغرب البرَ، فيكون خبر (ليس)؛ لأن اسم ليس يكون مرفوعًا، ويكون خبرها منصوبًا، أما على قراءة رفع (البر) وهي قراءة الجمهور، فهو اسم (ليس) وهذا لا إشكال فيه، ويكون أن تولوا وجوهكم توليتكم... إلخ، هو الخبر في محل نصب.
هنا يقول: "الآية خطاب لأهل الكتاب؛ لأن المغرب قبلة اليهود، والمشرق قبلة النصارى" فظاهر الخطاب أنه موجه للمؤمنين لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وخُص بأهل الكتاب -على هذا القول- باعتبار ذكر المشرق والمغرب، فالمغرب قبلة اليهود، والمشرق قبلة النصارى، وبعضهم يقول: إن اليهود يستقبلون بيت المقدس، وهو آنذاك عنهم إلى جهة الغرب، والنصارى يستقبلون مطلع الشمس، فلما ذُكر المشرق والمغرب حُمل على اليهود والنصارى، مع إن الذين كانوا في المدينة حينما يتوجهون إلى بيت المقدس فهم لا يتوجهون غربًا، ولكن يتوجهون شمالًا، لكن جاء في بعض الروايات تسمية تلك الناحية بالغرب، في أحاديث آخر الزمان، والفئة المنصورة، ونحو ذلك، جاء في بعضها: هم بالغرب والمقصود: الشام، فالشام على اسمه في ناحية الشمال، لكن بيت المقدس منه إلى الغرب بالنسبة للجزيرة العربية، فهو في الشمال الغربي بالنسبة لجزيرة العرب، وهذا القول: بأن ذلك الخطاب لأهل الكتاب باعتبار ذكر المشرق والمغرب، هذا الذي اختاره ابن جرير -رحمه الله-[24]، بناء على رواية جاءت عن أبي العالية[25]، لكن هذه الرواية لا تصح، فهذا لا يختص باليهود، ولكن الآية عامة، ويمكن أن تكون من جملة الرد على هؤلاء الذين كانوا يشغبون على تحويل القبلة.
يعني على الأول، أي: إنما البر التوجه إلى الكعبة، وليس قبل المشرق والمغرب، إذا قلنا: إنها في أهل الكتاب، وقيل: خطاب للمؤمنين، أي ليس البر الصلاة، يعني التوجه هنا باعتبار الصلاة، فليس البر الصلاة خاصة، بل البر جميع الأشياء المذكورة بعد هذا، يعني فُسر هنا التوجه بالصلاة؛ لأنها هي التي يُستقبل بها القبلة، وهذا لا يخلو من بُعد، لكن لو قيل: ليس البر بالتمسك بالتوجه إلى ناحية المشرق أو المغرب بر طاعة، أو بر معتبر، أو بر حقيقي، هذا ليس بطاعة لله إن لم يكن عن أمر الله -تبارك وتعالى- ولكن البر الحقيقي هو الإيمان بالله، واليوم الآخر، والملائكة، والنبيين، وإيتاء المال... إلخ، مما ذكره الله -تبارك وتعالى- من أعمال القلوب والجوارح والسلوك والآداب والأخلاق، فهذه المذكورات في هذه الآية تنتظم أعمال القلوب، وأعمال الجوارح، وجوامع البر، وأبواب البر، فهم كانوا يشغبون على مسألة التوجه والقبلة، وما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها، ونحو هذا، فيقال لهم: ليس البر الطاعة والخير في أن تتوجهوا هنا أو هناك في وجهة لم يشرعها الله -تبارك وتعالى- فتتمسكوا بها، ولكن البر الحقيقي هو بالإيمان الصحيح، والعمل الصالح، مما يتصل بأعمال الجوارح والقلوب، وكذلك بذل الأموال في طاعة الله -تبارك وتعالى- والله أعلم.
يقول: (ولكنْ البرُ) على قراءة التخفيف، وهي قراءة نافع وابن عامر[26]، وهي قراءة متواترة فـ(لكن) إذا كانت مخففة لا تعمل، فيكون البر مبتدأ، ومَنْ آمَنَ خبر، وَلَكِنَّ لا عمل لها على قراءة التخفيف.
وعلى قراءة التشديد وَلَكِنَّ فإذا كان البر بمعنى (البار) فهو اسم (لكن) وخبرها مَنْ آمَنَ، أما إذا كان على معناه (البر) باعتبار أنه مصدر، وهو اسم جامع لما يحبه الله ويرضاه، من أنواع الطاعات، والتقدير على هذا: ولكنّ البرُ بر من آمن، أو ولكن ذا البر من آمن، ثم حُذف المضاف، وأعرب المضاف إليه إعرابه.
فإذا قلنا: بأن البر مصدر، وهو ما يحبه الله، فهل البر هو من آمن؟ أو صاحب البر هو من آمن؟ فيكون هناك مقدر محذوف، فتأويله: لكن صاحب البر من آمن، أو لكن البر بر من آمن، أو يكون البر مصدرًا وصف به، يعني أنه على سبيل المبالغة، كأنه جعل البار هو نفس البر؛ لشدة تمكنه فيه، وَلَكِنَّ الْبِرَّ يكون معناه لكن البار من آمن، فوصفه بالمصدر البر، فجعل البار عين البر.
فقوله هنا: وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ يقول: لا يصح أن يكون مَنْ آمَنَ خبرًا عن البر، هذا على أحد الأوجه، وإلا إذا جُعل البر مصدرًا وصف به فإنه يكون الخبر مَنْ آمَنَ، والله أعلم.
فهذه المذكورات كما يقول سفيان الثوري -رحمه الله-: أنها جمعت أنواع البر كلها[27].
وابن كثير يقول: من اتصف بهذه الآية فقد دخل في عرى الإسلام كلها، وأخذ بمجامع الخير كله[28].
هذه قرينة ترجح هذا، مع أنه يوجد من قال: بأن وَآتَى الْمَالَ هنا الزكاة، لكن المشهور خلاف هذا، والقرينة تدل على أن المقصود غير الزكاة.
وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ الضمير يعود على المال، وقد سئل النبي ﷺ: أي الصدقة أعظم أجراً؟ قال: أن تصدق وأنت صحيح شحيح، تخشى الفقر، وتأمل الغنى[29]، وكذلك في قوله تعالى: وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ [الإنسان:8] وقال: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92] فالضمير يعود على المال، وهو الراجح، فالضمير يعود إلى أقرب مذكور.
يقول: "وهو على هذا تتميم، وهو من أدوات البيان" يعني أن قوله: عَلَى حُبِّهِ أن ذلك من قبيل التتميم، وهو من أدوات البيان، وهو عند أهل الفن أن يؤتى بكلام لا يوهم غير المراد، يعني المعنى مفهوم، لكن يأتي بزيادة تفيد نكتة، أو أن يأتي بكلمة، أو كلام متمم للمقصود لرفع اللبس عنه إن وجد، ويقربه للفهم، أو لزيادة حُسن، بحيث أنه لو حذف، لو طُرح من الكلام وأُلغي نقص المعنى في ذاته، أو في صفاته، هكذا يقول بعضهم في التتميم.
فشبه الجملة وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ أفادت الزيادة، وهو أن هذا الإيتاء لم يكون عن زهد فيه وإعراض عنه، وإنما مع حبه، فكان ذلك أعظم؛ لأن الصدقة تعظم بحسب متعلقها، مما يقوم في القلب، أو ما يكون في الخارج من شدة الحاجة مثلًا، أو للنوع المُعطى: كالصدقة على ذي الرحم، ونحو هذا.
قال: "وقيل: يعود على مصدر آتى" عَلَى حُبِّهِ يعني الإيتاء، يعني على حب الإيتاء، يحب البذل، وقيل: على الله عَلَى حُبِّهِ أي على حب الله، لكن هذا فيه بُعد، والأقرب أنه يعود إلى المال.
وفي الحديث: الصدقة على المساكين صدقة، وعلى ذي القرابة اثنتان: صدقة وصلة[30] فجاءت هذه الأشياء مرتبة كما ذكر المؤلف: القرابة أحق ثم بعد ذلك الأهم بالحاجات.
اليتيم من فقد أباه دون سن البلوغ، فهؤلاء لا عائل لهم، وهم ضعفاء، لا قدرة فيهم على الكسب، فهم عُرضة للضياع، فهم أحق من الكبير المحتاج؛ لأنه يستطيع أن يحمي نفسه، ويستطيع أن يتقلب، ويذهب هنا وهناك، لكن هذا الصغير أين يذهب؟!
المسكين حاجته ملازمة له هو دائمًا في هذه الحال، وابن السبيل حاجته عارضة، فهو من ذهب ماله في سفر، ونحو هذا، فنُسب إلى السبيل لملازمته لها، وهي الطريق، وهذا من ناحية العدد هم أقل من المساكين، ومن ناحية نوع الحاجة فهي عارضة، أما المسكين فحاجته ملازمة.
"وَابْنَ السَّبِيلِ الغريب، وقيل: الضيف.
وَالسَّائِلِينَ وإن كانوا غير محتاجين".
يعني أخر السائلين باعتبار أن بعضهم يصدق، وبعضهم لا يصدق، ثم هم يتعرضون الناس بالسؤال، فهذا يعطيهم، وهذا يردهم، ليسوا كالمسكين الذي قد بقي يقاسي الفقر، ولا يتفطن له أحد، كما قال النبي ﷺ: ليس المسكين الذي يطوف على الناس ترده اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن به، فيتصدق عليه ولا يقوم فيسأل الناس[31]، يعني لا يجد كفايته، ولا يتفطن له الناس، فيتصدقون عليه.
يعني العتق، ويدخل فيه فك الأسارى، ويدخل فيه أيضًا إعانة هؤلاء المكاتبين، كما قال الله : وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ [النور:33] فيعان في هذه النجوم، أو الأقساط التي عليه من أجل أن يفدي نفسه بذلك ويُعتق.
وَالْمُوفُونَ جاء مرفوعًا، فهذا يحتمل أن يكون عطفًا على الضمير في (آمن) يعني من آمنوا، هم والموفون وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ البر من آمن، والموفون، فيكون عطفًا على الضمير بآمن والموفون، أو على من في قوله: مَنْ آمَنَ ولكن البر المؤمنون والموفون، ويحتمل أنه خبر لمبتدأ محذوف على إضمار (وهم) يعني وهم الموفون بعهدهم، على المدح لهؤلاء، يعني وهم الموفون.
نصب بإضمار فعل، تقديره: أمدح، أو أخص، أو أعني، أخُص الصابرين، ونحو ذلك، وعلى كل حال المغايرة في الإعراب بين المتعاطفات يمكن أن يُنزل على القاعدة المعروفة، وهي: أن من شأن العرب إذا تطاولت صفة الواحد في مقام المدح، أو الذم أنها تفصل بالرفع تارة، وبالنصب تارة، فيكون ذلك أبلغ في المدح، أو الذم، ويكون ذلك أيضًا أدفع للسآمة، وأبلغ في الكلام.
وهذا مذهب الجمهور، إن البأساء هي الفقر، والضراء المرض.
خص هذه الثلاثة لشدتها، وإلا فالصبر مطلوب في الأحوال كلها، حتى مع النعمة، وسعة العيش والعافية، ونحو ذلك، يصبر على طاعة الله ويلزم حدوده، فلا يطغى كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى [العلق:6-7] فيحتاج إلى صبر في حال الرخاء أو العافية وفي حال الشدة، لكن خص هذه الثلاثة لشدة الحاجة معها إلى الصبر، والله أعلم.
أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا هؤلاء الذين صدقوا بدعوى الإيمان، وليس أولئك الذين يشغبون على تحويل القبلة، ويتوجهون إلى جهات لم يوجهم الله إليها، والله أعلم.
أسئلة وردت للشيخ:
س1: يقول: كل إمام من السابقين في التفسير له خروج عن أهل السنة، ولكن هناك تبريرات لهم أنهم عاشوا في عصرهم، هكذا علماؤهم، وهكذا كل إمام، للنووي مثلًا في كتاباته مآخذ، ولكن لهم ما يعتذر، والشوكاني، فما قولكم؟ هل يرد كتبهم من أجل ذلك؟ أرجو توضيح ذلك.
ج: الخطأ يقال خطأ، ولكن لا يُترك الكتاب لوجود خطأ فيه، أما إذا غلب الضلال والانحراف على كتاب من الكتب، فإنه يُترك، أما وجود بعض الأخطاء في مواضع، ونحو هذا، فهذا لا يسلم منه أحد إلا المعصوم.
س2: يقول: هل الاستدلال بقوله تعالى: فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا [المؤمنون:14] أن اللحم يطلق على كل ما فوق العظم، وعلى هذا يكون لحم الخنزير يشمل اللحم؟
ج: اللحم في لغة العرب يشمل الأحمر والأبيض، وفي قول النبي ﷺ في حديث خباب لما شكوا للنبي ﷺ وهو متوسد على برد في ظل الكعبة ذكر لهم قد كان من قبلكم، يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض، فيجعل فيها، فيجاء بالمنشار، فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد، ما دون لحمه وعظمه، فما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله، والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون[32] ذكر العصب، فالشحم داخل في هذا، ما دون عظمه يعني كل ما على العظم، فالله أعلم.
س3: يقول: وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ [فصلت:6-7] هل معنى الزكاة هنا الطهارة المعنوية، أم الزكاة المفروضة؟
ج: قولان لأهل العلم، والأقرب أن المقصود هنا الإيمان، وتزكية النفوس، بعبادة الله -تبارك وتعالى- والتطهر من الشرك، والمعاصي، ونحو ذلك، وبعضهم فسرها بالزكاة المالية، وهذه المسألة: هل الكفار مخاطبون بفروع الشريعة أو لا؟ فبعضهم يقول: مخاطبون، ويختلفون في الأثر المرتب على هذا، هل يوجد أثر دنيوي، أو أن الأثر أخروي في مضاعفة العذاب؟ قالوا مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ [المدثر:42-43] فذكروا الصلاة، وذكروا عدم إطعام المسكين... إلخ، فهذا يضاعف لهم العذاب، لكن الآية الذي يظهر والله أعلم لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ يعني تزكية النفوس.
س4: يقول: أي شخص يشرح له عقيدة الطرق الأخرى: مثل الأشعرية والمعتزلة وغيرها يجد التفكير والقول الضعيف عندهم، وأهل السنة والجماعة تجد النور والحق في قولهم؛ لماذا رفض هؤلاء الرجوع عن عقيدتهم؟
ج: القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن، يقلبها كيف شاء، والإنسان قد يدرس من العلوم الكلامية، ونحو ذلك ما يظن معه أنه الحق، يعني إذا اختل مصدر التلقي، وصارت نصوص الكتاب والسنة نصوص الوحي تُحاكم إلى مقررات عقلية، يظنون أنها مقاييس صحيحة، هذا يؤدي في النتيجة إلى الانحراف، وانظر إلى حال أهل زمانك فيمن يريد أن يحكم عقله في كل شيء، أو يدرس دراسات يتلقى فيها نظريات منحرفة، ونحو هذا، كيف يفهم الأمور؟ وكيف يعقلها؟ وكيف يتصور؟
س5: يقول: في قوله : فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ [الرحمن:40] وفي سورة (ق) قال: لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ [الحجرات:28] وقال: وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ [البقرة:174] كيف يكون حسابه للكفار... إلخ؟
ج: الآيات التي فيها إثبات التكليم ونفي التكليم يجيب عنها العلماء بجوابين:
الأول: لا يكلمهم كلام تكريم، ولا يسألهم سؤال استعتاب؛ ليجيبوا، فيعفوا عنهم، وإنما يسألهم سؤال تبكيت، ويكلمهم كلام تعنيف، فيكون من جملة عذابهم، قال: اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ [المؤمنون:108].
الثاني: بعضهم يقول: يوم القيامة يوم طويل، ففي بعض أحيانه لا يكلمهم، وفي بعضها يكلمهم.
س6: يقول: هل هناك علاقة بين العبارات هذه: التبعض لله، والجوهر، لو شرحتم ما يقصدون بالجوهر والعرض؟
ج: التبعض يقصدون به نفي الصفات الذاتية غير المعنوية، وبالنسبة للجوهر والعرض، فالجوهر يقصدون به الأشياء الذاتية المتشخصة، والأعراض: هي الأمور التي ليست كذلك، يعني مثلًا الرضا عندهم عرض، والغضب عرض، والضحك عرض، ونحو هذا.
س7: يقول: إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [البقرة:169] هل يمكن أن يفسر الفحشاء والقول على الله بعطف الخاص على العام؟
ج: القول على الله هو من الجرائم الكبار، فإذا فُسرت الفحشاء بكل ذنب عظيم، فيدخل في ذلك القول على الله بلا علم، فيكون قد خصه لشدة جرم صاحبه، وهنا يقول: إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ ولا شك أن القول على الله بلا علم من جملة السوء، لكن الذي يظهر أن السوء هي عموم المعاصي، والفحشاء هي الكبار منها.
س8: يقال: إن استدراج الشيطان من جهتين: من جهة الشبهات: كالقول على الله بلا علم، ومن جهة الشهوات الفحشاء.
ج: على كل حال الفحشاء كل ذنب عظيم، ولا يختص بالشهوات في هذه الآية.
س9: يقول: تارك المباني الأربعة كافر أم لا؟
ج: فيه تفاصيل لأهل العلم، فالصحابة نُقل عنهم الاتفاق على من ترك الصلاة فقد كفر، وجاءت النصوص في هذا، ولكن اختلف أهل العلم فيمن ترك الزكاة والصيام، أو الحج مع قدرته، وعدم جحده هل يكفر أو لا؟ خلاف معروف.
س10: يقول: قد علمنا وحدة الوجود، فما العيب والخطأ في وحدة الشهود؟
ج: هي الطريق إلى وحدة الوجود.
س11: كيف الجمع بين عدم الخلطة مع الناس التي تضعف الإيمان، وبين مخالطتهم؟
ج: تكون مخالطة بمقدار، يعني فضول الخلطة، كثرة الخلطة لا شك أنها تكون سببًا للغفلة، هي أحد أنواع الفضول الموجبة للغفلة، لكن لا بد للإنسان من مخالطة الناس، فيكون ذلك باعتدال، والله أعلم.
س12: يقول: استدل بعضهم بجواز أكل لحم الآدمي عند الضرورة بجواز زراعة الأعضاء، فهل هذا استدلال له وجاهته؟
ج: هذا على كل حال ليس بدليل صحيح على هذا، فهذه الأعضاء هي ملك لله وإذا كانت ملكًا لله -تبارك وتعالى- فكيف يبيعها الإنسان، وهي ليست بملك له! وكذلك كيف يتبرع بها وهو لا يملكها أصلًا! هو لا يملكها حتى يتبرع بها، فالله أعلم.
أما بالنسبة للتبرع بالدم هنا تدعو إليه الضرورة، أو الحاجة التي تنزل منزلة الضرورة، وخروج الدم من الإنسان ليس كبتر عضو من أعضائه، فإن الدم يتجدد في الإنسان، وقد يكون ذلك أصح للبدن.
- تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (3/42).
- تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (3/51).
- أخرجه أحمد ط الرسالة (10/15-5723) وقال محققو المسند: "حديث حسن، وهذا إسناد ضعيف لضعف عبد الرحمن بن زيد بن أسلم". وأخرجه ابن ماجه في كتاب الصيد، باب صيد الحيتان، والجراد برقم: (3218) وصححه الألباني، لكن بلفظ: "أحلت لنا ميتتان: الحوت، والجراد".
- مجموع الفتاوى (17/338 -645).
- أخرجه البخاري (7/110) موقوفاً عن ابن مسعود بلفظ: "إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم" وأخرجه الطبراني مرفوعاً في المعجم الكبير (23/326-749) وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (ص:237-1637).
- تفسير مجاهد (ص:219).
- تفسير ابن أبي حاتم - محققا (5/1408).
- تفسير ابن أبي حاتم - محققا (5/1408).
- تفسير الثعلبي = الكشف والبيان عن تفسير القرآن (2/46).
- تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (3/325).
- تفسير ابن كثير ت سلامة (1/483).
- أخرجه البخاري في كتاب المناقب، باب قول الله تعالى: {يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون} [البقرة:146] برقم: (3635) ومسلم في الحدود، باب رجم اليهود أهل الذمة في الزنا رقم: (1699).
- تفسير ابن كثير ت سلامة (1/483).
- أخرجه البخاري في كتاب الأشربة، باب آنية الفضة برقم: (5634) ومسلم في اللباس والزينة، باب تحريم استعمال أواني الذهب والفضة في الشرب رقم: (2065).
- أخرجه البخاري في كتاب الشهادات، باب إذا زكى رجل رجلا كفاه برقم: (2662) ومسلم في الزهد والرقائق، باب النهي عن المدح إذا كان فيه إفراط رقم: (3000).
- أخرجه مسند أحمد ط الرسالة (1/419-340) وقال محققو المسند: " إسناده قوي، رجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي العجفاء".
- تفسير ابن كثير ت سلامة (1/484).
- تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (3/71).
- أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد، باب في الأسير يوثق برقم: (2677) وصححه الألباني.
- تفسير ابن كثير ت سلامة (1/484).
- تفسير ابن كثير ت سلامة (1/484).
- تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (3/74).
- حجة القراءات (ص:123).
- تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (3/76).
- تفسير ابن كثير ت سلامة (1/486).
- حجة القراءات (ص:123).
- تفسير ابن كثير ت سلامة (1/486).
- تفسير ابن كثير ت سلامة (1/486).
- أخرجه البخاري في كتاب الزكاة، باب فضل صدقة الشحيح الصحيح برقم: (1419) ومسلم في الزكاة، باب بيان أن أفضل الصدقة صدقة الصحيح الشحيح رقم: (1032).
- أخرجه ابن ماجه في كتاب الزكاة، باب فضل الصدقة (1/591-1844) وصححه الألباني.
- أخرجه البخاري في كتاب الزكاة، باب قول الله تعالى: {لا يسألون الناس إلحافا} [البقرة:273] وكم الغنى برقم: (1479) ومسلم في كتاب الزكاة، باب المسكين الذي لا يجد غنى، ولا يفطن له فيتصدق عليه برقم: (1039) واللفظ للبخاري.
- أخرجه البخاري في كتاب الإكراه، باب من اختار الضرب والقتل والهوان على الكفر برقم: (6943).