الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاللهم اغفر لنا ولشيخنا والحاضرين، والمستمعين، ولجميع المسلمين.
قال ابن جزي -رحمه الله تعالى- في قوله تعالى:
هو كذا؛ لأنه قال: "لأنهم يرجون أن يستشهدوا مثلهم، فينالوا مثل ما نالوا من السعادة".
في موضع المفعول، أو بدل من الذين، وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ في موضع المفعول من أجله، يقول: "أو بدل من الذين" وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ، أو موضع المفعول من أجله، يعني كأنه لأجل أَلَّا خَوْفٌ، فيكون مفعولًا لأجله.
يعني كُرر ثانيةً ليذكر ما بعده، مما تعلق به، وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ هذا استبشار بالذين لم يلحقوا بهم، ثم ذكر الاستبشار بالنعيم، يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ.
يقول: الَّذِينَ اسْتَجابُوا "صفةٌ للمؤمنين" ويكون سياق الكلام هكذا: يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا [آل عمران:171، 172] صفة للمؤمنين، يقول: "أو مبتدأ" يعني استئناف، جملة جديدة، وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ثم استأنف في كلامٍ جديد، قال: الَّذِينَ اسْتَجابُوا فهذا مبتدأ، وخبره: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ فهذا يحتمل، وكذلك الأول.
يقول: "نزلت في الذين خرجوا مع رسول الله ﷺ في اتباع المشركين بعد غزوة أحد، فبلغ بهم إلى (حمراء الأسد) وهي على ثمانية أميالٍ من المدينة" وبعضهم يقول: على عشرة أميال "وأقام بها ثلاثة أيام، وكانوا قد أصابتهم جراحاتٌ" إلى آخره، "فمدحهم الله بذلك".
وجاء عن ابن عباس -ا- قال: "لما انصرف المشركون عن أُحُد، وبلغوا الروحاء، قالوا: لا مُحمدًا قتلتموه، ولا الكواعب أردفتم" والكاعب يعني المرأة التي قد تكعّب ثديها، ويعني شواب النساء "بئسما صنعتم، ارجعوا، فبلغ ذلك رسول الله ﷺ فندب الناس، فانتدبوا، حتى بلغوا حمراء الأسد، أو بئر أبي عنبة".
هكذا بئر أبي عنبة؟
لأنه في بعض المصادر قد تجدون غير ذلك، في بعضها ضبطه: عُيينة، أو غير ذلك من التصحيف كثير.
"بئر أبي عنبة، فأنزل الله تعالى: الَّذِينَ اسْتَجَابُوا وهذا رواه النسائي في السُنن الكُبرى[2]، والطبراني الكبير[3]، وإسناده لا يخلو من ضعف، وصححه بعضهم، لكن السياق يدل على هذا؛ لأن قوله: مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ يعني: الجراح، وهذا كان بعد غزوة أُحُد، فظاهر أنه في الذين خرجوا مع رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- إلى حمراء الأسد.
وجاء عن عائشة -ا- أنها قالت لعروة بن الزُبير عن قوله تعالى: الَّذِينَ اسْتَجَابُوا: "يا ابن أختي كان أبواك منهم" يعني الزُبير وأبي بكر، قال: "لما أصاب رسول الله ﷺ ما أصابه يوم أُحُد، وانصرف عنه المشركون، خاف أن يرجعوا، فقال: من يذهب في إثرهم؟ وانتدب منهم سبعون رجلًا قال: كان فيهم أبو بكر والزُبير"[4]، وهذا مُخرّج في الصحيحين عن عائشة -ا- فهذا لا شك في ثبوته، وإن كان الأول فيه ضعف، لكن هذا يشهد له، وسياق الآيات في هذا أنه بعد أُحُد، عند ما خرجوا إلى حمراء الأسد.
طبعًا بالنسبة "بلغوا حمراء الأسد، أو بئر أبي عنبة" ففرق بين حمراء الأسد وبئر أبي عنبة، حمراء الأسد تبعد نحو عشرة أميال عن المدينة، وبئر أبي عنبة تبعد نحو ميل عن المدينة، فأنزل الله: الَّذِينَ اسْتَجَابُوا، يعني يمكن أن يحتمل هذا -لو صُححت الرواية- أنها نزلت حينما كانوا في الطريق، فبلغوا بئر أبي عنبة قبل وصولهم إلى حمراء الأسد، والآن حتى حمراء الأسد أظنها الآن صارت من ضمن أحياء المدينة، فبعض الأحياء وصلت إلى حمراء الأسد الآن.
"فقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، فخرجوا" هذا أخرجه ابن جرير في التفسير[5]، وغيره، لكن هو من رواية محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وهو تابعي لم يشهد هذا، ففيه الضعف من الجهتين: جهة محمد بن إسحاق، ومن جهة أيضًا أنه من قبيل المُرسل، فكون ذلك من قول أبي سُفيان لركب عبد القيس، يُخوّف المؤمنين فكان جوابهم: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ هو بهذه الرواية الضعيفة.
فيكون هذا من قبيل العام المراد به الخصوص، يعني الناس كل الناس، ولم يقل لهم جميع الناس، وإنما الذي قال لهم فئة مُعينة، فيكون من قبيل العام المراد به الخصوص، والعام المراد به الخصوص تارةً يقع على هذه الصورة، يعني مجموعة من الناس وليس كل الناس، وأحيانًا يُراد به شخص واحد على القول -كما سيأتي- بأن الذي قاله هو نُعيم بن مسعود[6]، فيكون من قبيل العام المراد به الخصوص، اللفظ عام، بصيغة عامة ويُراد بها معنًى خاص، وهذا غير العام المخصوص، فهو عام جاء نص خصصه.
يعني الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ ركب عبد القيس الذين بلغوا، إِنَّ النَّاسَ يعني المشركين، وهذا أيضًا من العام المراد به الخصوص، وهكذا على القول بأن إِنَّ النَّاسَ يعني أبا سفيان، فهو من العام المراد به الخصوص، يعني على كلا الاحتمالين، أو الوجهين.
يعني يكون -كما سبق- من قبيل العام المراد به الخصوص، وهذا كثيرًا ما يُمثل به الأصوليون على هذا النوع، وهذه الرواية: أن الآية في إرسال أبي سفيان نُعيم بن مسعود ليثبط المسلمين أخرجها الطبري أيضًا، لكن عن مُجاهد[8]، فهي من قبيل المُرسل، فلا تصح هذه الرواية من جهة الإسناد، لكن السياق يدل على أنه قيل لهم ذلك، فكانوا في غاية الثبات، فَزَادَهُمْ إِيمَانًا يعني هذا التخويف زادهم إيمانًا، كما ذكرنا في بعض المناسبات في آية الأحزاب: وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا [الأحزاب:22] فالشدائد حينما يراها أهل الإيمان تزيدهم إيمانًا، وليست تزيدهم وهنًا، وشكًا، وتراجعًا، وسوء ظنٍ بالله -تبارك وتعالى- كما قد يحصل من المنافقين، أو ضعفاء الإيمان.
فالمنافقون في وقعة الأحزاب قالوا: مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا [الأحزاب:12] يعني أين الوعد؟ والمنافقون في أُحُد وضعفاء الإيمان كانوا يُرددون تلك العبارات: لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا [آل عمران:156]، لَوْ أَطَاعُونَا [آل عمران:168] ونحو ذلك، مما لا يُجدي عنهم شيئًا، و(لو) تفتح عمل الشيطان، ولا يُسترد بها سليب، ولا يحصل بها إلا تتابع الحسرات، لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ [آل عمران:156].
وما تشهده الأمة في مثل هذه الأيام من أحداث كِبار، وشدائد عظام، لا ينبغي أن يكون مواقف أهل الإيمان مشابهة لمواقف أهل النفاق، لَوْ أَطَاعُونَا، لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا، ونحو ذلك، وليس هذا مقام تلاوم، ولا مقام نياحة وبُكاء وعويل، أو إعانة للعدو بنشر الشائعات، وما يورث الوهن في النفوس، ويُذيع الخوف في القلوب، ويكون ذلك سبيلًا إلى الهزيمة قبل أن يلقوا عدوهم، فهذا ليس من فعل الراشدين، وأهل الإيمان، وإنما من فعل ضعفاء الإيمان وأهل السفه، ولربما أهل النفاق، وكم من مندسٍ في هذه الأحداث يبث مثل هذه الرسائل ليورث الرعب والخوف، ويفرق الصف، ويُشتت الشمل، فأعداءٌ كُثُر بأسماء مُختلفة يندسون في هذه الوسائل، وفي الإعلام الجديد، ولربما نحن من يُروج رسائلهم، ويتوصلون إلى أغراضهم للأسف عن طريقنا، وعلى ظهورنا بغباءٍ ظاهر دون أن نشعر، والله المستعان.
فهذه المقامات هي مقامات الثبات والصبر وأن النصر مع الصبر[9]، كما قال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وأيضًا بحفظ القلوب والأسماع والأبصار والألسُن، أما أن يتكلم كل أحد، ويكون الإنسان أيضًا مُصغيًا إلى كل أحد، ومُشاهدًا لكل مقطع يورثه الوهن، فهذا غير صحيح، وليس ذلك من فعل أهل العقول، وأُولي الألباب، فينبغي للإنسان أن يتبصر فيما يأتي ويذر، وأن يبذل كل إنسان وسعه في نصرة إخوانه، ولو بكفّ الأذى عنهم، وليس هذا مقام تلاوم، وإنما يُذكر من الأسباب ما يُمكن أن يُستدرك، أما ما لا يُمكن استدراكه ليس هذا أوانه، لكن من الأسباب ما يُمكن أن يُستدرك مثل التفرق والاختلاف والتنافر، ونحو ذلك، فهذا لا بد من التنبيه عليه؛ لأنه أعظم أسباب الهزيمة، وهكذا فيما يتصل بتقوى الله والتوبة والاستغفار، وترك المعاصي ونحو ذلك، سواءً كانت معاصي القلب، أو معاصي الجوارح، ومن أعظم معاصي القلب الرياء والسمعة، وإرادة غير الله وحب الرئاسة والشهرة، وأن يكون الإنسان مُطاعًا مُقدمًا في الناس إلى غير ذلك، فهذا كله مما يُحتاج معه إلى توبة واستغفار وإخبات، وأن يكون حال الواحد كما كان شيخ الإسلام: "ما لي شيء، ولا مني شيء، ولا في شيء"[10]، يعني يقول: أنا ما قدمت شيئًا، ولا لي شيء، ولا لي مكتسبات، إنما المقصود هو نصر الدين، وليس أن يُنسب إلي من ذلك شيء، أو أن أقول: أنا الذي فعلت، وأنا الذي بذلت، وأنا الذي قدمت، وأنا الذي سبقت، وأنا الذي تقدمت، وأنا الذي حققت كذا وكذا، هذا كله لا قيمة له عند أهل الإخلاص والصدق، فنحتاج إلى نفوس متجرّدة مُخبتة، ونبتعد قليلًا عن حظوظ النفس، ولربما مما يصعب معه ضبط النيات كثرة التصوير، تصوير الإنسان وهو يُطلق على العدو، وهو يصيح في وجه العدو، ونحو ذلك، كيف يضبط الإنسان نيته، وهو يواجه الموت، وقد سمعت بعض المقاطع لأحد هؤلاء الأعداء يسخر من هؤلاء المقاتلين المجاهدين، ويقول لأصحابه: لا تكترثوا بهم، اثبتوا، هؤلاء إنما يرشقونكم لحظات أمام الكاميرات، ثم بعد ذلك ما يلبث أن يخفت ذلك ويسكن، فيقول: اثبتوا، فهذا الرشق الشديد فقط أمام التصوير، يُصورون فيجتهدون في الرمي ويستبسلون أمام هذه الكاميرات، هذا يقوله عدو شامت، فالإنسان دائمًا يحتاج إلى مراجعة قلبه ونفسه ونيته وصدقه مع الله -تبارك وتعالى- يبتعد عن الأسباب التي يصعب معها الاحتراز.
وأما النياحة فليس هذا موضعها، ونشر المقاطع التي فيها نياحة هذا لا يليق، ولا يصح، فهذه تُطوى ولا تُروى وتُدفن وتقف عندك دون أن تكون جسرًا تُصدّرها إلى الآخرين، وإن ناح نائحٌ بحسن قصدٍ ونية، والواقع أن هذا لا يليق، ولا يليق أن يراه الأعداء، فنحن بحاجة إلى ثبات وتقوية القلوب، فتصور لو أننا نسمع هذه المقاطع التي تنتشر ونسمعهم ينوحون ويبكون، فماذا يكون شعورنا؟ سنفرح ونقوى ونشعر بالعزة، وأهل الإيمان حينما يسمعون هذا من إخوانهم لا شك أن هذا يورثهم الوهن، فأفيقوا وتبصروا بما يصل إليكم، وكثير من هذا -أنا لا أشك- أنه يصل عبر أعداء متربصين، يبثونه في الناس لأغراضٍ يتوصلون إليها، فالله حسيبهم، والله المستعان.
ومثل هذه الأحداث الكِبار لا يصلح فيها مثل هذه الفوضى في الميدان، ولا يصح فيها أيضًا مثل هذه الفوضى في اللسان، كلٌ يتكلم، وكلٌ يُنظّر، نسأل الله أن ينصر إخواننا، ويجبر كسرهم، وأن يلطف بهم، وأن يخذل عدوّه وعدوهم، وأن يكبتهم، ولكن مثل هذا الكلام يُقال لمن يستمع هنا، فنحتاج أن نحبس ألسنتنا، وأن ننظر فيما نقول وما نأتي وما نذر، ولا يصح أن يتكلم كل أحد بما شاء، هذا يلوم، وهذا يُثرب، وهذا يشكك، وهذا يطعن، وهذا يتلقف ويُرسل فوضى عارمة في هذا الحدث الكبير، الكل يجتهد بحسب عقله وخلفيته ومعطياته، فالأمة لا تتحقق مصالحها، وتنتصر بهذه الطريقة من الفوضى والعشوائية، والله المستعان.
هو هكذا "ضمير المقول" فالفاعل ضمير المقول، يعني بأن الضمير الفاعل يرجع إلى المقول الذي هو: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ ما الذي زادهم؟ ضمير المقول فَزادَهُمْ.
وهذه العبارة كأنها منقولة من الكشاف، فالكشاف يقول: بأن الضمير الفاعل يرجع إلى المقول[11]، وهذه أوضح، الضمير الفاعل: فَزادَهُمْ ما الذي زادهم؟ يرجع إلى المقول الذي هو: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ، والمؤلف كما عرفنا يعتمد على الكشّاف، وابن عطية.
"والصحيح: أن الإيمان يزيد وينقص" هذا قول أهل السنة، "فمعناه هنا قوة يقينهم وثقتهم بالله".
يحتمل، فَزَادَهُمْ إِيمَانًا يعني قوّى يقينهم، وثقتهم بالله.
فإذا كانت العبارة "قوّى يقينهم، وثقتهم بالله" لا إشكال، وإذا كان الكلام هكذا: "فمعناه هنا قوة يقينهم، وثقتهم بالله" فهذا قد لا يخلو من إشكال، باعتبار أنه يُفسّر الإيمان بالتصديق، فيكون بقوة اليقين، وهو هنا يتكلم عن زيادة الإيمان، فإن كانت العبارة هكذا: زيادة الإيمان قوة اليقين والثقة بالله، ففيها إشكال، يعني باعتبار أنه قصر زيادته على قوة اليقين، بينما زيادة الإيمان تكون أيضًا بقوة اليقين، وتكون بزيادة الأعمال القلبية، والأعمال بالجوارح؛ لأن الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، هذه عقيدة أهل السنة والجماعة، لكن ينبغي أيضًا التنبّه إلى أن بعض المنحرفين أو بعض المتكلمين يقولون: بأن زيادة الإيمان باعتبار زيادة متعلقاته، وهذا أيضًا غير صحيح، يعني هم لا يقولون: إنه يزيد وينقص بنفسه، وإنما بزيادة مُتعلقاته، ومتعلقاته يعني من أعمال القلوب، وأعمال الجوارح، لكن هو في نفسه لا يزيد، ولا ينقص، وهذا غير صحيح، وبعضهم يُفسر زيادته بزيادة الأدلة والبراهين، وهذا أيضًا غير صحيح، فزيادة الأدلة والبراهين والمعرفة بمجردها ليست هي زيادة الإيمان، وإنما هي سببٌ لذلك، فهذه أقاويل لهؤلاء من أهل الكلام.
فالعبارة التي هُنا عن ابن جُزي إن كانت هكذا كما في هذه النسخة عندنا: "فمعناه هنا قوة يقينهم، وثقتهم بالله"، فهذه العبارة فيها إشكال، وإن كانت العبارة: "فمعناه هنا قوّى يقينهم، وثقتهم بالله" فهذا لا إشكال فيه، ولاحظ اختلاف يسير في العبارة يُمكن أن تكون جارية على الصواب واعتقاد أهل السنة، ويمكن أن تكون جارية على اعتقاد المُرجئة أو المتكلمين، الذين يقولون: بأن الإيمان هو التصديق، فالتصديق هو الذي مثلًا عنده -وليس عند كلهم- يزيد وينقص، ونحن نقول: يزيد الإيمان في نفسه وينقص، واليقين يتفاوت، والإيمان يتفاوت، كذلك أيضًا يزيد بالعمل والطاعة، وينقص بالمعصية، كل هذا، وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ [البقرة:143]، والإيمان بضع وسبعون شعبة فالأعمال الصالحة، أعمال القلوب وأعمال الجوارح من الإيمان فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان[12].
ولاحظ هنا في مسألة الإيمان والتصديق هل يزيد وينقص أو لا؟ هذا للأسف قد طرده المتكلمون، فلما ألفوا في أصول الفقه مثلًا، وتكلموا عن الفقه، فقالوا: "الفقه هو العلم بالأحكام الشرعية الفرعية المُستخرجة من أدلتها، والمستنبطة من الأدلة التفصيلية" استشكلوا هذا فقالوا: العلم يدل على اليقين، فلا يكون علمًا إلا أن يكون قاطعًا، وهذا بناءً على أن العلم عندهم لا يتفاوت؛ لأن الإيمان عندهم لا يتفاوت، فقالوا: الفقه من باب الظنون، وليس هذا أيضًا على إطلاقه، فيُولدون مسائل باطل من باطل، وهكذا في مسألة خبر الآحاد في علوم الحديث، يقولون: بأن خبر الواحد لا يُفيد العلم مُطلقًا، باعتبار أنه لا يتحقق العلم إلا بخبر التواتر، والواقع أن العلم يتفاوت، واليقين يتفاوت، لكن هُم بناءً على اعتقادهم الفاسد في الإيمان أنه لا يتفاوت، ولا يزيد ولا ينقص، قالوا: بأن العلم لا يزيد ولا ينقص من جهة العلم الذي هو معرفة الشيء على ما هو به، كما يُعبرون، يعني أن ذلك يكون مقطوعًا ومجزومًا به، فهذه على حدٍ واحد عندهم، لا تتفاوت، والواقع أن العلم يتفاوت، واليقين يتفاوت، كما يجد الإنسان ذلك من نفسه، فعلمه بالشيء الذي قد تحققه، ورأى دلائله، وتتابع الإخبار به، غير ما حصلت الثقة به، بنقل خبرٍ من ثقة، يحصل به العلم عندهم، ففرق بين هذا وهذا، فإذا جاء مُخبر آخر فأخبره زاد العلم، فإذا جاء ثالث ورابع وعاشر فالعلم يزيد، واليقين يزيد، فالعلم يتفاوت، وهم يقولون: لا يتفاوت؛ لأن اعتقادهم في الإيمان أنه لا يتفاوت، حتى لا يكون ذلك إلزامًا لهم، وتجد هذا في الأصول والمصطلح، وفي كتب اللغة عند المتأخرين للأسف سرى إليها مثل هذا النفس الكلامي؛ ولذلك فالذي يدرس الأصول أو يُدرّس الأصول وغيرها هذه علوم الآلة، يحتاج أن يُنبه على مثل هذه المآخذ الدقيقة، وهكذا في دراسة التفسير طالب العلم يحتاج أن يكون له بصر في العقيدة، وما إلى ذلك، فما تنطلي عليه مثل هذه العبارات، ثم بعد ذلك يُردد: إن المؤلف كان على عقيدة السلف، وكما ذكرت إن جميع من وقفت عليه، ممن كتبوا -على كثرة الرسائل في هذا الكتاب ودراسته- لما تكلموا عن المؤلف كلهم كانوا يقولون: كان المؤلف على عقيدة السلف، وهذا كلام غير دقيق، لكنهم يقرؤون بعض العبارات في الصفات مثلًا بأنها تُجرى على ظاهرها، ونحو ذلك، لكن هو يقصد بذلك التفويض، ويذكر من العبارات ما يدل على التفويض، لكن لما كان هؤلاء لربما لم يكن لهم معرفة في مثل هذه الأمور، من المذاهب في الاعتقاد، وأقوال المخالفين، ونحو ذلك، كان مثل هذه العبارات تنطوي على كثيرين.
جاء في الصحيح عن ابن عباس -ا- قال: "حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم حين أُلقي في النار، وقالها محمد ﷺ حين قالوا: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ"[13]، وجاء أيضًا عن أبي سعيد الخُدري مرفوعًا: كيف أنعم وقد التقم صاحب القرن القرن -يعني الملك الموكل بنفخ الصور- وحنى جبهته، وأصغى سمعه، ينتظر أن يؤمر أن ينفخ، فينفخ قال المسلمون: فكيف نقول يا رسول الله؟ قال: قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، توكلنا على الله ربنا[14].
الحسب هو الكافي، وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق:3] أي كافيه.
"ومعنى: وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ثناءٌ على الله، وأنه خير من يتوكل العبد عليه، ويلجأ إليه.
فَانْقَلَبُوا [آل عمران:174] أي: رجعوا بنعمة السلامة، وفضل الأجر".
فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ ما هي النعمة؟ وما هو الفضل؟ يقول: "نعمة السلامة، وفضل الأجر" وبعضهم يقول: النعمة ما يُنعم الله به على عباده، والفضل ما يتفضل به عليهم، هكذا على سبيل العموم، وبعضهم يقول: النعمة يعني الثواب، والفضل الزائد.
وجاء عن ابن عباس -ا- في سياقٍ طويل، وفيه: "وقد كان أبو سفيان قال للنبي ﷺ: موعدك موسم بدر، حيث قتلتم أصحابنا، فأما الجبان فرجع" يعني أبا سفيان "وأما الشجاع، فأخذ أُهبة القتال والتجارة، فلم يجد به أحدًا" يعني ما جاء أبو سفيان في بدر الموعد "وتسوّقوا، فأنزل الله: فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ[15]، يعني بذلك -والله أعلم- الأجر والفضل التجارة، لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ [البقرة:198] يعني: التجارة في مواسم الحج، يعني حصّلوا الأمرين، الأجر والربح والكسب في التجارة.
وجاء أيضًا عن ابن عباس -ا- أن النعمة، أنهم سلِموا، والفضل أن عيرًا مرّت، وكانت في أيام الموسم، فاشتراها النبي ﷺ فربح فيها مالًا، فقسمه بين أصحابه[16]، وهذا يرجع إلى معنى بعض ما ذُكر من أن النعمة السلامة، والفضل التجارة.
إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ يعني: يكون هذا استئناف.
"ذلِكُمُ الشَّيْطانُ فيكون نعتًا، وما بعده خبر" يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فهذا هو الخبر، إِنَّمَا ذَلِكُمُ يعني المثبط لكم، فيكون الشيطان وصفًا له، إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ المثبط لكم الشيطان.
س: أحسن الله إليك: ألا يكون الشيطان بدل؟
ج: الله أعلم، كأنه ما يظهر هذا، ما أعرف.
يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ أي: يُخَوِّفُكُم أولياءه، يعني أن يُخوّف هنا له مفعولين، الأول: كاف الخطاب "يخوفكم" والمفعول الثاني: أولياءه، يعني إذا أردت أن تفهم الكلام هكذا كأنه: يُخوف المؤمنين أولياءه، يخوفهم الكفار.
يخوفكم من أوليائه، فله مفعولان: يخوف أهل الإيمان أعداء الله بحيث يجعل لهم انتفاشة وهالة وزخمًا، فيكون لهم وقع في النفوس، فيُصيب الرعب القلوب، والهلع النفوس، فتمتلئ خوفًا من هؤلاء الأعداء، وهم ليسوا بشيء، فهذه الدعايات الضخمة الآن التي يبثها الأعداء، ومن يسعى معهم بقصدٍ، أو بغير قصد هذا كله من عمل الشيطان.
ومن أعجب الأشياء التي لا ينقضي منها العجب، ولا أدري هل هذا مبلغ هؤلاء من العقل، أو أنهم هم من جملة طابور الأعداء، إذا لاحت بوارق التهديد والحرب على بلد من بلاد المسلمين بدأ البعض في الإعلام يذكرون ما للعدو من القوة والمواقع القريبة والبعيدة، وكم عنده من الأسلحة الفتّاكة النووية، وراجمات وقاذفات الصواريخ من الغواصات، التي تقذف من جوف البحر، ولا يراها الناس، وكم عندهم من الطائرات بأنواعها، وكم عندهم من المُدمرات، وكم عندهم من حاملات الطائرات وبالرسم، وقد يضعون المقارنة، كم عند المقابل في مقابلةٍ يبدو معها الكفة ظاهرة للعدو، فحينما يقرأ الناس مثل هذا وبالرسم، ولربما بالصور والتشجير، ونحو ذلك، يأخذهم ما قرُب وما بعُد، ويشعرون أنهم تحت رحمة العدو، وتحت قبضته وتصرفه وتسلطه، وأنهم أقرب إليه، وأخذه من اليد للفم، يأخذهم كيف شاء، متى شاء، وهم ضعفاء مساكين، مثل الشاة التي وُضعت سكين على نحرها تُغمض عينيها بذلٍ ومهانة، ترمق السكين، وترمق ذابحها، تنتظر بس متى يقطع الأوداج، هذا واقع للأسف في هذه الأحداث التي تلوح والحروب والتهديدات التي تُوجه إلى بلد من بلاد المسلمين، فيأتي هؤلاء السفهاء، وينشرون في وسائلهم هذه، ولعلكم جميعًا رأيتم أشياء من هذا، فهؤلاء هم -لا شك- بفعلهم هذا رُسُل للعدو، وهم مُقدّم لجيشهم يفعلون بالمسلمين ما قد لا يفعله سلاح العدو، فعجيب أمر مثل هؤلاء كيف يفعلون ذلك.
وعلى كل حال هذا المعنى الذي تضمنته هذه الآية معنًى كبير، إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ، يُعطيهم من الهالة والانتفاشة، ويُضخّمهم في النفوس من أجل أن يهابهم أهل الإيمان، وأن يحسبوا لهم ألف حساب، والواقع أنهم حزب الشيطان، والشيطان كيدُه ضعيف، وأن أهل الإيمان هم حزب الله، كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ [البقرة:249] فالله ولي المؤمنين، وهو ناصرهم، وأولئك لا مولى لهم.
"يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَه قيل: المعنى يُخوّف المنافقين، وهم أولياؤه" يعني يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ الذين هم أهل النفاق "من كفار قريش، فالمفعول الثاني على هذا محذوف" وعلى الأول المفعول الأول هو المحذوف، يخوفكم أولياءه، وعلى المعنى الثاني يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ يعني المنافقين يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ يخوفهم من؟ يخوفهم قريشًا، فهذا المفعول الثاني، لكن القول الأول هو المُتعين، وهو الذي تحته هذه العبرة الكبيرة، والمعنى الذي أشرت إليه.
وفي قوله: "وقرأ ابن مسعود وابن عباس: يُخَوِّفُكم أَوْلِيَاءَهُ وهذه القراءة غير متواترة تُفسّر القراءة المتواترة يُخَوِّفُكُم أَوْلِيَاءَهُ فهذه واضحة لا إشكال فيها.
وكذلك في قراءة أُبيّ بن كعب: يُخَوِّفُكُم بأَوْلِيَائِهِ[18].
يقول هنا في التعليق على القراءة الأولى: يُخَوِّفُكُم أَوْلِيَاءَهُ قال: "وبذلك قرأ النخعي" ينقل عن ابن عطية، "وحكى أبو الفتح بن جني" وأبو الفتح بن جني له كتاب في القراءات الشواذ اسمه (المحتسب) "عن ابن عباس أنه قرأ: يُخَوِّفُكُم أَوْلِيَاءَه فهذه قراءة ظهر فيها المفعولان"[19].
حَزِنَ هذا الثلاثي، أما أحْزَن فهذا رباعي، من أربعة أحرف، فحَزِنَ هذا لازم، وأحْزَنَ مُتعدّي، تقول: حَزِنَ يعني في نفسه، وأحزَن غيره.
وَلا يُحْزِنْكَ هذه قراءة نافع التي عليها هذا الكتاب، وقراءة الجمهور: وَلا يَحْزُنْكَ[20].
يقول: "وقُرِئَ بفتح الياء، وَلا يَحْزُنْكَ "حيث وقع مضارعًا من حَزِنَ الثلاثي، وهو أشهر في اللغة من أحزن" يعني من حَزِنَ، الفعل اللازم أو القاصر، ووَلا يُحْزِنْكَ هذا من أحزَنَ، أي: لا يُدخل الحزن عليك.
"الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ أي: يبادرون إلى أقواله وأفعاله، وهم المنافقون والكفار" فلا شك أن المنافقين والكفار يسارعون في الكفر، ويمكن أن يوضع (أو) باعتبار أن ذلك على قولين: وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ، ابن جرير يقول: هي في المنافقين[21]، يعني حمله على المنافقين، وابن جُزيّ إذا كانت الواو في قوله: "المنافقون والكفار" يكون جمعا بين القولين، وبعضهم يقول: هي في الكفار، وبعضهم يقول: في المنافقين.
إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ عند ابن جرير: هم المنافقون[22]، والكفار أيضًا اشتروا الكفر، أي استعاضوا به عن الإيمان، اشتروا الضلالة بالهدى "أو على العموم في جميع الكفار" يعني إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ ليس المقصود به خصوص الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ الذين ذكرهم قبل ذلك، هذا احتمال، إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ هم أولئك المذكورون، الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ، أو عموم الكفار، إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا يكون كلامًا جديدًا، لا تعلق له بما بعده، يعني كأنه لما ذكر خصوص الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ عمّ بعد ذلك.
أصل الإملاء يُقال للزمن الطويل وامتداد في شيءٍ من زمن أو غيره.
يعني (ما) هي مكتوبة مُتصلة بـ(أَنَّ)، (أَنَّما)، يقول: "وحقُّها أن تُكتب منفصلة".
وفي الإعراب أوجه أخرى غير هذا، ومما ذُكر في ذلك.
وَلا يَحْسَبَنَّ يحسب هذا فعل مضارع يتعدى لمفعولين، مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، في محل جزم بلا الناهية.
وقُرئ بياء الغيبة يَحْسَبَنَّ، وبتاء الخطاب (تَحْسَبَنَّ)[23]، فعلى قراءة الياء يَحْسَبَنَّ يكون الَّذِينَ في محل رفع فاعل.
أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ فـ(مَا) هذه في أَنَّمَا تكون موصولة بمعنى الذي، وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا يعني أن الذي نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ، فهي في محل نصب اسم (أن)، اسم موصول، ويجوز أن تكون (مَا) مصدرية، والمصدر المؤول: ما نُملي، يعني وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي أن إملاءنا، فهذه حينما تُصاغ بمصدر، وهو اسم (أن)، و(أَنَّ) وما اتصلت به في محل نصب ساد مسد مفعولي يحسب، أو ساد مسد أحدهما، والمفعول الآخر محذوف تقديره: نافعًا.
وعلى قراءة وَلا تَحْسَبَنَّ بالتاء، الفاعل ضمير مستتر وجوبًا تقديره: أنت، عائد إلى النبي ﷺ والَّذِينَ مفعول أول لـتَحْسَبَنَّ، وأَنَّمَا نُمْلِي في محل نصب مفعول ثاني، على تقدير حذف مضاف، أي: ولا تحسبن شأن الذين كفروا، وقيل غير هذا.
(ما) كافة يعني كافّة عن العمل، تكفّ (أنّ) عن العمل، و(أنّ) معروف أنها المبتدأ يكون اسمًا لها، والخبر خبرًا لها، فهي تنصب الاسم، وترفع الخبر، فإذا دخلت عليها (ما) كفّتها عن العمل، على هذا الاعتبار.
كما قال الله : أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لا يَشْعُرُونَ [المؤمنون:55-56]، وهكذا في قوله: سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ [القلم:44-45] فما يُعطاه الأعداء من الرفاهية والنعيم الدنيوي والتمكين المؤقت، وطول الأعمار، وأنواع اللذات، هو إملاءٌ لهم ليزدادوا إثمًا، وما ذكره هنا من أن (ما) كافّة هذا على أحد الأوجه، وإلا إذا قلنا: بأنها اسم موصول فلا تكون كافّة بهذا الاعتبار.
- تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (6/242).
- أخرجه النسائي في التفسير، برقم: (11017).
- أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (11/247-11632).
- أخرجه البخاري في كتاب المغازي، باب {الذين استجابوا لله والرسول} [آل عمران:172] برقم: (4077) ومسلم في كتاب فضائل الصحابة -، باب من فضائل طلحة، والزبير -ا- برقم: (2418) واللفظ للبخاري.
- تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (6/246).
- تفسير ابن أبي حاتم - محققا (11/252) وتفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (3/532).
- تفسير السمرقندي = بحر العلوم (1/265).
- تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (3/532).
- أخرجه أحمد ط الرسالة (5/18-2803) وقال محققو المسند: "حديث صحيح".
- المستدرك على مجموع الفتاوى (1/143).
- تفسير الزمخشري = الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (1/442).
- أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب شعب الإيمان برقم: (35).
- أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن، باب {إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم} [آل عمران:173] الآية برقم: (4563).
- أخرجه الترمذي ت شاكر في أبواب تفسير القرآن، باب ومن سورة الزمر برقم: (3243) وصححه الألباني.
- تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (6/251) وتفسير ابن أبي حاتم - محققًا (3/819).
- تفسير ابن كثير ت سلامة (2/171).
- البحر المحيط في التفسير (3/440).
- البحر المحيط في التفسير (3/440).
- تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (1/544).
- السبعة في القراءات (ص:219) ومعاني القراءات للأزهري (1/281) وحجة القراءات (ص:181).
- تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (6/257).
- تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (6/257).
- حجة القراءات (ص:182).