الأربعاء 23 / جمادى الآخرة / 1446 - 25 / ديسمبر 2024
[1] من قوله تعالى: {الر} الآية 1إلى قوله تعالى: {وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون} الآية 8.
تاريخ النشر: ١٣ / ربيع الآخر / ١٤٢٨
التحميل: 2930
مرات الإستماع: 2498

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال المفسر -رحمه الله تعالى:

تفسير سورة هود ، وهي مكية.

روى أبو عيسى الترمذي عن ابن عباس -ا- قال: قال أبو بكر: يا رسول الله قد شبت، قال: شيبتني هود، والواقعة، والمرسلات، وعم يتساءلون، وإذا الشمس كورت[1].

وفي رواية: هود وأخواتها[2].

بسم الله الرحمن الرحيم

الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ۝ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ ۝ وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ ۝ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [سورة هود:1-4].

قد تقدم الكلام على حروف الهجاء في أول سورة البقرة بما أغنى عن إعادته هنا، وبالله التوفيق.

وأما قوله: أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ أي: هي محكمة في لفظها، مفصلة في معناها، فهو كامل سورة ومعنى، هذا معنى ما روي عن مجاهد وقتادة واختاره ابن جرير.

ومعنى قوله: مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ أي: من عند الله الحكيم في أقواله وأحكامه، الخبير بعواقب الأمور، أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ أي: نزل هذا القرآن المحكم المفصل لعبادة الله وحده لا شريك له، كقوله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [سورة الأنبياء:25]، وقال: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ [سورة النحل:36].

وقوله: إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ أي: إني لكم نذير من العذاب إن خالفتموه، وبشير بالثواب إن أطعتموه، كما جاء في الحديث الصحيح أن رسول الله ﷺ صعد الصفا فدعا بطون قريش، الأقرب ثم الأقرب، فاجتمعوا، فقال: يا معشر قريش أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً تصبحكم ألستم مصدقيّ؟، فقالوا: ما جربنا عليك كذباً، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد[3].

وقوله: وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ أي: وآمركم بالاستغفار من الذنوب السالفة، والتوبة منها إلى الله فيما تستقبلونه، وأن تستمروا على ذلك، يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً أي: في الدنيا، إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ أي: في الدار الآخرة، قاله قتادة، كقوله: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً [سورة النحل:97] الآية.

وقوله: وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ، هذا تهديد شديد لمن تولى عن أوامر الله تعالى وكذّب رسله، فإن العذاب يناله يوم القيامة لا محالة، إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ أي: معادكم يوم القيامة، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ: أي هو القادر على ما يشاء من إحسانه إلى أوليائه وانتقامه من أعداءه، وإعادة الخلائق يوم القيامة، وهذا مقام الترهيب، كما أن الأول مقام ترغيب.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فأقرب الأقوال في الحروف المقطعة أنها حروف تهجٍّ لا معنى لها في نفسها، وإنما تشير إلى الإعجاز، وأن هذا القرآن مركب من هذه الحروف التي تركبون منها الكلام، وأنتم عاجزون عن الإتيان بمثله، وعلى هذا جماعة من المحققين، ويستدل لهذا بما ورد من ذكر القرآن بعد ذكر هذه الحروف في عامة المواضع، إلا في نحو موضعين، ويمكن أن يحمل في هذين الموضعين على الوحي أو القرآن، فهذا القرآن مركب من هذه الحروف الم ۝ ذَلِكَ الْكِتَابُ [سورة البقرة:1-2]، الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ، الم ۝ اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۝ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ [سورة آل عمران:1-3]، وهكذا في سائر المواضع، ومن أوضحها كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ

وحينما يقال بأن هذه الحروف حروف تهجٍّ لا معنى لها لا يرد على الذهن أن في القرآن شيئاً ليس له معنى، يعني أنه حشو، فالقرآن منزه عن الحشو، لكن هذه حروف تهجٍّ، وحروف التهجي في لغة العرب ليس لها معنى، لكن ليس في القرآن كلام مركب لا معنى له، والحروف منها حروف معانٍ مثل: حروف الجر كـ من، وإلى وعن وعلى، ومنها ما هي حروف مبانٍ مثل الفاء والسين والراء، فبالنظر إلى هذه الحروف ليس لها معنى في نفسها، وإنما يركب منها الكلام.

أما حروف المعاني فكما يقول النحاة: الكلام مكون من اسم وفعل وحرف جاء لمعنى، ثم يعرفون الحرف: ما دلّ على معنى في غيره ولم يقترن بزمن، وهذا فيه نظر، وإن كان مشهوراً عند النحاة، فهو له معنى في نفسه، فـفي تدل على الظرفية، وعلى تدل على العلو، ونحو هذا، فحروف التهجي لا معنى لها في نفسها قطعاً، فليس في القرآن شيء مما يرد في كلام العرب لمعنى وليس له معنى، لا يوجد فيه حروف معانٍ ليس لها معنى، ولا يوجد فيه أسماء ولا أفعال ولا تراكيب ليس له لها معنى، قال صاحب مراقي السعود:

ولم يكن في الوحي حشو يقع ..

يقول -رحمه الله- في معنى: أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ: اختلف المفسرون في معنى الإحكام؛ وبناءً على ذلك وقع الاختلاف في معنى ثُمَّ هل هي للترتيب، يعني الترتيب من حيث الوقوع، حصل كذا ثم بعد ذلك حصل كذا، من أهل العلم من يقول: أُحْكِمَتْ أي إن أولها محكم، ذكر فيه هذه القضايا الكلّية، أمرهم بالاستغفار والتوبة وما إلى ذلك، ثم بعد ذلك فصّل بما حصل بين النبي ﷺ وأعدائه، وما حصل لأعداء الرسل -عليهم الصلاة والسلام، فقالوا: هذا التفصيل، فعلى هذا التفسير تكون ثُمَّ للتعقيب، يعني أن أولها أحكم ثم بعد ذلك جاء التفصيل فيما وقع بين النبي ﷺ وبين هؤلاء الكفار.

ومن أهل العلم من فسر الإحكام بمعنى أنها لم تنسخ، ومن أهل العلم من ذكر لها معنى آخر في الاستعمال كشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله، لكن المشهور أنها ترجع إلى معنى المنع، فإذا قلت: الحكمة، فهي صفة تمنع صاحبها ومن تحقق بها من الشطط في القول، والخطل في الرأي؛ ولذلك يقولون: الحكمة هي الصواب في القول والعمل، وإذا قلت: هذا الكلام محكم، بمعنى أنه منع منه النقص والعيب والخلل في ألفاظه وفي معانيه، كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ

فالله وصف القرآن بأنه محكم، اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ [سورة الزمر:23]، ووصفه بالتشابه يعني يشبه بعضه بعضاً في الحسن والبلاغة والفصاحة، ووصفه أيضاً بأنه محكم باعتبار أنه في غاية الفصاحة والبلاغة والإحكام، لا يتطرق إليه عيب ولا نقص ولا خلل لا في ألفاظه ولا معانيه،  وقال في آل عمران مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ [سورة آل عمران:7]، فالمحكمات هي التي تقابل الآيات المنسوخة، ومن أهل العلم من نظر إلى هذا وقال: أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ أي: لم تنسخ.

ومنهم من نظر إلى أصل المعنى اللغوي من الإحكام، كما ذهب إليه الحافظ ابن كثير -رحمه الله-؛ لأن الإحكام الذي يقابل النسخ هو معنىً خاص، فالحافظ ابن كثير -رحمه الله- قال: أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ، أي: هي محكمة في لفظها، مفصلة في معناها، محكمة في لفظها يعني أن لفظها في غاية الإحكام، بالغٌ في الفصاحة والبلاغة غايته، لا يتطرق إليه خلل في تراكيبه ولا في ألفاظه، ليس فيه لفظ ينبو عنه السمع، ولا يعاب، ولا يتطرق إليه لحن أو خلل، ومن جهة المعنى أيضاً ليس فيه تناقض وتعارض؛ ولهذا نفى الله عنه الريب بقوله: ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ [سورة البقرة:2]، ولا يدعو للريب، وإنما يدعو إلى كمال اليقين، وفيه كمال اليقين.

وثُمَّ  في قوله: أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ ليست للترتيب والتعقيب، فمن جهة الوقوع حصل الإحكام ثم بعد ذلك حصل التفصيل، وتكون للترتيب في مثل اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ، أي: استغفروا ربكم ومع ذلك توبوا إليه، كما قال تعالى أيضاً: ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا [سورة البلد:17] يعني: فوق ذلك؛ لأن الإيمان أصلاً يكون سابقاً.

وقوله: فُصِّلَتْ أي: معانيها، وأُحْكِمَتْ ألفاظها، يقول: "هذا معنى ما روي عن مجاهد وقتادة واختاره ابن جرير"، وإن كانت عبارة مجاهد وقتادة تختلف بعض الشيء عما ذكره الحافظ ابن كثير لكن عند التأمل هي ترجع إلى هذا المعنى، وقول ابن جرير –رحمه الله: إنها أحكمت ألفاظها يعني من الباطل منعت، ثم فصلت بالأمر والنهي تشبه عبارات بعض السلف، وابن كثير -رحمه الله- يقول: "محكمة في لفظها مفصلة في معناها".

وكلام ابن كثير لا يعارض هذا ولا يعارض الأقوال التي أشار إليها عن السلف، وكلامه مجمل، إذا كانت محكمة في لفظها فمعنى ذلك أنها منعت من الباطل، في عبارات قوية فصيحة رصينة محكمة، والمعاني مفصلة، المعاني فيها الأمر والنهي، كما قال ابن جرير، فيها القصص والأمثال، فيها الأخبار، والتفاصيل التي تتعلق بالعقائد، صفات الله ، دلائل القدرة والوحدانية، وما أشبه ذلك من الأمور، كل هذا من التفاصيل التي جاءت في هذا القرآن، واختاره ابن جرير -رحمه الله.

يقول: مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ۝ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ بعض أهل العلم يقول: أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ مفعول له، حذفت منه اللام، يعني، كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ لئلا تعبدوا إلا الله، وهذا القول له وجه من النظر، وبعضهم يقول: إن "أنْ" هذه في أَلاَّ تَعْبُدُوا مفسرة، و "أن" المفسرة هي التي تأتي بعد القول الذي لم تذكر حروفه أي إذا ذكر بمعناه تكون همزة "أن" مفتوحة كقوله: فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا [سورة مريم:11]، فكلمة أوحى فيها معنى القول، وإذا ذكر القول بحروفه تأتي همزة "إن" مكسورة كقول الله: قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ [سورة مريم:30]، وقوله: قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء [سورة البقرة:69].

فالتفصيل فيه معنى القول، فمن نظر إلى هذا قال: إن "أنْ" هذه هي المفسرة، كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ، ثم جاء تفسير هذا التفصيل أو الإحكام أو هما معاً أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ، وبعضهم يقول: كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ، بألا تعبدوا إلا الله، وهذا قول الكسائي، وابن جرير يقول قريباً من هذا القول، لكنه يجعل ذلك مرتبطاً بالتفصيل، كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ  بألّا تعبدوا إلا الله، وقيل غير هذا.

وقوله: فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ يعلم بعواقب الأشياء، وخباياها وخفاياها، فلا يتطرق إلى تفصيله وإحكامه وأمره ونهيه شيء من الشك؛ لأن الإنسان عادة يرتاب ويشك من إحدى جهتين حينما يؤمر بشيء، إما أنه يتخوف من جهة نقص العلم، أن الذي أمره معلوماته قد تكون خطأ، لأن هذا الشيء الذي أمر به في نفسه غير صحيح، أو يتخوف من جهة الحكمة، قد يكون هذا الشيء الذي تقوله الآن صحيحاً لكن ليس في هذا الوقت، مع أنه في نفسه حق، لكن الله لا يرِد عليه لا هذا ولا هذا، لا نقص في العلم ولا في الحكمة، فهو يضع الأشياء في مواضعها، ولذلك إذا أمر بشيء ينبغي أن يُتلقى مباشرة، بكل ثقة، ولا يقال: هذه ما تصلح، هذه تؤدي إلى مفاسد، هذا يمكن أن يرد في كلام الناس، غير الوحي تقول فيه: قد يخطئ فلان فهم القضية، قد يقول كلاماً حقاً لكن لا يصلح لفلان من الناس، لا يصلح للبيئة الفلانية، لا يصلح لكذا..

قال ابن كثير -رحمه الله- في قوله: أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ "أي: نزل هذا القرآن المحكم المفصل لعبادة الله وحده لا شريك له، كقوله: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ" [سورة الأنبياء:25]، وهذا تفسير جيد، والآيات في هذا المعنى كثيرة، فجاء الأمر بالتوحيد وغيره، لكنه ذكر التوحيد لأن كل ما يذكر من الأمر والنهي عائد إليه، فيذكر القصص والأمثال وغير ذلك، من أجل أن يتعظوا ويعتبروا وينقادوا ويستجيبوا لله -تبارك وتعالى- إذا دعاهم لعبادته.

وما يذكره من أسمائه وصفاته ودلائل قدرته كل ذلك راجع إلى التوحيد، ولهذا قال الشافعي -رحمه الله: "جميع ما تقوله الأمة شرح للسنة، وجميع السنة شرح للقرآن، وجميع القرآن شرح لأسماء الله وصفاته"، ولهذا قيل: إن سورة الفاتحة ترجع إليها جميع معاني القرآن، وأن جميع معاني الفاتحة ترجع إلى قوله: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [سورة الفاتحة:5]، وقوله: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ هو عين التوحيد، فرجع إلى التوحيد، ولهذا قال شارح الطحاوية: إن التوحيد هو أول الأمر وآخره.

وقوله: وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى من أهل العلم من يقول: يستغفرون عما مضى ويتوبون في المستقبل، وقيل غير ذلك، وقوله -تبارك وتعالى: يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا، أصل الإمتاع الإطالة؛ ولهذا تقول: متّعنا الله بك، يعني أطال الله بقاءك ونفْعك، فهذا أصل الإمتاع، يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا، "متاعاً حسناً" يعني الحياة الطيبة الكريمة وطيب العيش، وسعة الرزق.

يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا، قال: "أي في الدنيا"، إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، أي: الموت، وبعضهم يقول: إلى القيامة، والأقرب أنه إلى الموت؛ لأن الإنسان إذا مات قامت قيامته، وعندئذ يلقى جزاءه بعد ذلك.

وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ، كقوله تعالى كما ذكر الحافظ ابن كثير -رحمه الله: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً [سورة النحل:97] يعني: بعضهم قال: في الدنيا، وبعضهم قال في الآخرة، ولا مانع أن يكون ذلك جميعاً في الدنيا والآخرة، فالحياة الطيبة تحصل له في الدنيا وتحصل له في الآخرة، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله: "إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة"[4]، فهذا هو الأقرب -والله تعالى أعلم.

وهذه الآية نظير قول هود ﷺ: وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ [سورة هود:52]، فزيادة القوة وإدرار الأرزاق في الدنيا، من قوله: يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا، كما قال الله : وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ [سورة الأعراف:96]، وكذلك في قول نوح ﷺ: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ۝ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا ۝ وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا [سورة نوح:10-12]، هذا كله من المتاع الحسن الذي يكون في الدنيا، وما يعقبه في الآخرة من الجنة والنعيم.

أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [سورة هود:5].

قال ابن عباس -ا: كانوا يكرهون أن يستقبلوا السماء بفروجهم وحال وقاعهم، فأنزل الله هذه الآية، روى البخاري من طريق ابن جرير عن محمد بن عباد بن جعفر أن ابن عباس  -ا- قرأ: "أَلا إِنِّهُمْ تَثْنوني صُدُورُهُم"، فقلت: يا أبا العباس ما "تَثْنوني صُدُورُهُم"؟ قال: الرجل كان يجامع امرأته فيستحي، أو يتخلى فيستحي، فنزلت: "أَلا إِنِّهُمْ تَثْنوني صُدُورُهُم"[5]، وفي لفظ آخر له قال ابن عباس -ا: أناس كانوا يستحيون أن يتخلوا فيفضوا إلى السماء، وأن يجامعوا نساءهم فيفضوا إلى السماء فنزل ذلك فيهم[6].

وروى البخاري عن ابن عباس -ا: يَسْتَغْشُونَ يغطون رءوسهم[7].

هذا المعنى الذي ذكره الحافظ ابن كثير -رحمه الله- عن ابن عباس في سبب النزول له حكم الرفع؛ لأنه بلفظ صريح، والمعنى أن هؤلاء الناس يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ: يعني حياءً من الله ليكون ظهره حائلاً بين عورته وبين السماء، يستحي من الله فينزل ظهره حينما يقضي حاجته، أو حينما يريد أن يجامع فهو يستحي من الله أن ينظر إلى عورته وهذا لجهلهم، فالله لا يخفى عليه من أمرهم خافية، فرد الله عليهم لفعلهم هذا: أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ يعني: حينما يلتحف في فراشه، الله يعلم ماذا يحصل تحت هذا اللحاف، وما يتلجلج في نفسه يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ [سورة النحل:23]، لا يخفى عليه خافية، فهذا معنى.

وذكر هذه القراءة: "أَلا إِنِّهُمْ تَثْنوني صُدُورُهُم"، تثنونِي يعني تنثني صدورهم، وهي قراءة غير متواترة، وفيها قراءات أخرى غير متواترة، وبعض أهل العلم حملها على المنافقين، لكن هذه السورة مكية، ولم يكن في أهل مكة نفاق، وقال بعضهم: هذه في المنافقين إذا رأوا النبي ﷺ استغشوا ثيابهم، فيغطون وجوههم؛ لئلا يراهم النبي ﷺ فيدعوهم إلى الإيمان، كما قال نوح -عليه الصلاة والسلام- عن قومه: وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ [سورة نوح:7]، وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ إصراراً ألا يسمعوا، وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ يعني: غطوا وجوههم ورءوسهم بهذه الثياب، من أجل أن لا يروه ﷺ.

وبعضهم يقول: إنهم يفعلون ذلك لشدة بغضهم له، لا يحبون رؤيته؛ لأن البغض إذا كان قوياً مستحكماً فإن الإنسان لا يطيق معه النظر إلى من يبغضه، وبعض أهل العلم يقول: أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ العرب تعبر بمثل هذا ويقصد به الإعراض، فإذا رأوه حادوا ومالوا عنه؛ لئلا يسمعوا كلامه، حمله بعض أهل العلم على هذا المعنى، معنى الانحراف، وبعضهم قال: يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ كناية عما يطوونه في صدورهم ويكنونه في قلوبهم، وتنطوي عليه ضمائرهم من الكفر والتكذيب.

والضمير في قوله: لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ يحتمل أنه يرجع إلى النبي ﷺ، يستغشون ثيابهم إذا رأوه من شدة البغض ليستخفوا منه، أو يستغشونها من أجل ألا يوجِّه خطاباً لهم؛ لئلا يأمرهم بالإيمان ويدعوهم، ويحتمل أن يكون الضمير يرجع إلى الله على المعنى الذي ذكره ابن عباس -ا- مثلاً، أنه لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أي: من الله حينما يميل بظهره فيظن أنه يستر عورته عن الله

وكذلك قول من قال: إن ما تنطوي عليه ضمائرهم من الكفر يظنون أنه يخفى على الله ، ويحتمل أنه يقصد به استخفاء ذلك عن النبي ﷺ؛ ولهذا حمله بعضهم على المنافقين، قال: الكفار ما كانوا يكنّون هذا ويخفونه بل يجاهرون بالعداوة والكفر، ويعلنون ذلك صراحة، إنما كان الذي يخفيه هم أهم النفاق، فإذا حملنا الآية على المعنى الذي ورد فيه سبب النزول فيمكن أن يكتفى به، وإن كان ورد بعض الروايات لكنها لم تصح في مثل ما ذكر بأنهم كانوا إذا رأوا النبي ﷺ غطوا، لكن لا يصح شيء في هذا، وابن جرير -رحمه الله- حمل ذلك على أن يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ إشارة إلى ما ينطوي فيها من الكفر والتكذيب، وإذا صحت هذه الرواية -الرواية التي أوردها في سبب النزول وهي صحيحة- فيكفي هذا -والله أعلم- في تفسير الآية.

إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ، أي: بما يجول في القلوب، وما يوجد فيها من الخوف والكفر أو الإيمان أو نحو هذا.

وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [سورة هود:6]، أخبر تعالى أنه متكفل بأرزاق المخلوقات من سائر دواب الأرض صغيرها وكبيرها، بحريّها وبريّها، وأنه يعلم مستقرها ومستودعها أي يعلم أين منتهى سيرها في الأرض وأين تأوي إليه من وكرها، وهو مستودعها، وقال علي بن أبي طلحة وغيره عن ابن عباس -ا: وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا أي: حيث تأوي، وَمُسْتَوْدَعَهَا: حيث تموت، وأن جميع ذلك مكتوب في كتاب عند الله مبين عن جميع ذلك، كقوله: وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ [سورة الأنعام:38]، وقوله: وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ [سورة الأنعام:59].

قوله: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا، الدابة: كل ما يدب على الأرض، هذا في أصل معناها في اللغة، فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ، بعضهم يقول: المستقر في الأصلاب، والمستودع في الأرحام، وبعضهم يقول: المستقر في الأرض أي على ظهرها، والمستودع في باطنها، إلى غير ذلك من الأقوال، فقوله: يَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا قيل: المستقر في الأصلاب، يعني هذه الدواب، يَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا، قال: أي في الأرحام أو ما يقوم مقامها كالبيضة مثلاً.

وبعضهم يقول هنا كما قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله: إنه يعلم مستقرها ومستودعها أي: يعلم أين منتهى سير هذه الأشياء، فحينما تنطلق الطيور من أوكارها، والدواب تخرج من جحورها ونحو ذلك فهي حينما تنطلق الله يعلم منتهى ذلك، يعلم مستقرها أين تصل، أين تذهب، أين تجيء، أين تكون، حينما تقع على الأشجار أو على الجبال أو غير ذلك، يَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا أين تكون، ومنتهى سيرها، وَمُسْتَوْدَعَهَا المكان الذي تأوي إليه، كل ذلك يعلمه، كل ما يصدر منها من حركة وانتقال فالله قد أحاط به وعلمه لا يخفى عليه من ذلك خافية، فهذا معنىً جيد ذكره الحافظ ابن كثير -رحمه الله، أين تأوي إليه من وكرها ومستودعها.

وذكر "عن ابن عباس -ا: مُسْتَقَرَّهَا أي: حيث تأوي، والمستودع قال: حيث تموت"، وهذا قال به ابن جرير -رحمه الله، فالله جعل الأرض مستودعاً لهذه المخلوقات، ثم يبعثهم الله منها، ويدل عليه حديث أبي عزة قال: قال رسول الله ﷺ: إذا قضى الله لعبد أن يموت بأرض جعل له إليها حاجة، أو قال: بها حاجة[8]، فتقول: هذا ما استودعتني، فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ، -والله أعلم.

كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ أي: يبين عما فيه من عددها وأرزاقها وحركاتها وسكناتها، وتفاصيل كل ما يتعلق بها، كما في الآية الأخرى وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم، قوله: مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ، الراجح فيه: اللوح المحفوظ.

وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ ۝ وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمْ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون [سورة هود:7، 8].

يخبر تعالى عن قدرته على كل شيء، وأنه خلق السماوات والأرض في ستة أيام، وأن عرشه كان على الماء قبل ذلك، كما روى الإمام أحمد عن عمران بن حصين -ا- قال: قال رسول الله ﷺ: اقبلوا البشرى يا بني تميم، قالوا: قد بشرتنا فأعطنا، قال: اقبلوا البشرى يا أهل اليمن، قالوا: قد قبلنا فأخبرنا عن أول هذا الأمر كيف كان؟، قال: كان الله قبل كل شيء، وكان عرشه على الماء، وكتب في اللوح المحفوظ ذكر كل شيء، قال: فأتاني آتٍ فقال: يا عمران انحلت ناقتكم من عقالها، قال: فخرجت في إثرها فلا أدري ما كان بعدي[9].

وهذا الحديث مخرج في صحيحي البخاري[10] ومسلم[11] بألفاظ كثيرة.

وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص -ا- قال: قال رسول الله ﷺ: إن الله قدّر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء[12]. وروى البخاري في تفسير هذه الآية عن أبي هريرة -: أن رسول الله ﷺ قال: قال الله : أَنفِق أُنفِق عليك، وقال: يد الله ملأى لا يغيضها نفقة، سَحّاءَ الليل والنهار، وقال: أفرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض، فإنه لم يغضِ ما في يمينه، وكان عرشه على الماء، وبيده الميزان يخفض ويرفع[13].

اختلف أهل السنة والجماعة في أول المخلوقات فقال بعضهم: إن أول المخلوقات كان العرش، ومنهم من يقول: القلم لحديث: أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب[14]، فيحتمل أن الله -تبارك وتعالى- أول ما خلق القلم قال له: اكتب، وليس المراد بأنه أول المخلوقات فهي أولية نسبية، ومن أهل العلم من يقول: إن العرش أول المخلوقات، ويستدلون بهذه الآية والأحاديث المتقدمة، والستة الأيام من أهل العلم من يقول: إنها بحساب الله : وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ [سورة الحـج:47].

وبعضهم يقول: ليس الأيام التي عندنا، باعتبار أن هذه الأيام إنما وجدت بعد الشمس والقمر والسماوات الأرض، وحينما ذكر الله هذا المعنى خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لم يكن هناك لا شمس ولا قمر، ويمكن أن يكون ذلك بحسابها وتقديرها -ولا مانع من هذا- في ستة أيام، والخلق بدأ يوم الأحد ثم بعد ذلك إلى يوم الجمعة، في يوم الجمعة خُلق آدم، وفيه اكتمل الخلق، وهو أحد المعاني في سبب تسمية يوم الجمعة بهذا الاسم، لاجتماع الخلائق، يعني اكتمل خلقها في يوم الجمعة، أو لأنه اجتمع فيه خلق آدم، وقيل غير ذلك، فيمكن أن يكون ذلك بحسابها وإن لم يكن هناك شمس ولا قمر، ويوجد في الجنة يوم الجمعة، وورد في طوبى أن الراكب يمشي في ظلها مسيرة كذا، ولا يوجد شمس، فهذه المعاني التي جاءت عن الله  كلها حق، ولا يشترط أن يكون الظل من شمس، تقول: مشينا في ظل القمر، فالأنوار قد يوجد ما يحول بين الإنسان وبينها، فيوجد تحته ما يمكن أن يشبه الظل أو يكون ظلاً، فمثل هذه الأمور أخبر الله عنها، وكلها حقائق ثابتة.

وقوله تعالى: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً أي: خلق السماوات والأرض لنفع عباده الذين خلقهم ليعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، ولم يخلق ذلك عبثاً، كقوله: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ [سورة ص:27]، وقال تعالى: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ۝ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ [سورة المؤمنون:115، 116]، وقال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [سورة الذاريات:56] الآية.

وقوله: لِيَبْلُوَكُمْ أي: ليختبركم، أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ولم يقل: أكثر عملاً، بل أحسن عملاً، ولا يكون العمل حسناً حتى يكون خالصاً لله على شريعة رسول الله ﷺ، فمتى فقد العمل واحداً من هذين الشرطين حبط وبطل.

الله  خلق الخلق من أجل إحسان العمل كما في قوله تعالى: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً، ولم يقل: أكثر عملاً، فالعبرة ليست بالكثرة، وإنما العبرة بإتقان العمل، وهذا ينبغي أن يعتبر به الإنسان في كل أمر من أموره.

قوله: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً أي: ليختبر صبركم وعملكم وبذْلكم، وكل ما يصدر منكم، فالله جعل هذه الدنيا داراً للابتلاء يبتلي بها خلقه فيتمايزون ويتفاضلون فيها غاية التفاضل والتمايز، فيظهر منهم من ينافق إما ابتداءً وإما لعارض حصل من شدة نزلت به أو نحو ذلك فيحصل له نوع نفاق، ومنهم من يحصل له ردة وتكذيب، ومنهم من يحصل له شك، ومنهم من يثبت إيمانه، وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا [سورة الأحزاب:22]، كل هذا يحصل للناس في هذه الحياة.

وقوله: وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ الآية، يقول تعالى: ولئن أخبرت يا محمد هؤلاء المشركين أن الله سيبعثهم بعد مماتهم كما بدأهم مع أنهم يعلمون أن الله تعالى هو الذي خلق السماوات والأرض، كما قال تعالى: وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [سورة الزخرف:87]، وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [سورة العنكبوت:61]، وهم مع هذا ينكرون البعث والمعاد يوم القيامة، الذي هو بالنسبة إلى القدرة أهون من البداءة، كما قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [سورة الروم:27]، وقال تعالى: مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ [سورة لقمان:28]، وقولهم: إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ أي: يقولون كفراً وعناداً: ما نصدقك على وقوع البعث، وما يذكر ذلك إلا مَن سحرْتَه، فهو يتبعك على ما تقول.

ويحتمل أن يكون إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ أي: هذا الذي تقوله باطل كبطلان السحر، لكن هذا لا يظهر كل الظهور؛ لأنه جعله هنا بمنزلته، يعني مشبهاً به، وهنا الآية ظاهرها إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ؛ لهذا قال بعضهم: إن اسم الإشارة "هذا" يرجع إلى القرآن، إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ ، وهذا كثير في القرآن، أخبر عن مقالتهم في القرآن أنهم قالوا فيه: سحر، وقيل: إن اسم الإشارة يرجع إلى النبي ﷺ باعتبار قراءة أخرى متواترة، قراءة حمزة والكسائي إِنْ هَذَا إِلاَّ سَاحْرٌ مُّبِينٌ، فقراءة إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ  يمكن أن يكون المراد بها القرآن ويدخل فيه ما جاء من الإخبار عن البعث، فهذا الذي جئت به سحر مبين، وعلى القراءة الأخرى يكون ذلك موجهاً إلى النبي ﷺ.

وقوله: وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ الآية، يقول تعالى: ولئن أخرنا العذاب والمؤاخذة عن هؤلاء المشركين إلى أجل معدود وأمد محصور، وأوعدناهم إلى مدة مضروبة، ليقولن تكذيباً واستعجالاً مَا يَحْبِسُهُ أي: يؤخر هذا العذاب عنا، فإن سجاياهم قد ألفت التكذيب والشك، فلم يبقَ لهم محيص عنه ولا محيد.

الأَمّ: القصد، تقول: أَمّ نحو كذا بمعنى قصد، وإِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ يعني إلى مدة قصدهم بالعذاب مثلاً، لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ هذا إذا ربطناها بأصل المعنى اللغوي، إِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ إلى مدة زمنية محدودة معدودة قليلة لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ.

والأمة تستعمل في القرآن والسنة في معانٍ متعددة، فيراد بها الأمد كقوله في هذه الآية: إِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ، وقوله في يوسف: وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ [سورة يوسف:45].

لفظ الأمة من قبيل الألفاظ المشتركة، والمشترك: هو اللفظ الواحد الذي له معانٍ متعددة، وهذا الذي يسمونه بالوجوه والنظائر، فالأمة تأتي لمعانٍ متعددة في القرآن، يقول: متعددة فيراد بها الأمد، يعني المدة الزمنية.

وتستعمل في الإمام المقتدى به كقوله: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [سورة النحل:120].

باعتبار أنه يؤتم به، يقتدى به، أو باعتبار أنه جامع، فهو جامع للخصال والأوصاف الكاملة التي تفرقت في غيره واجتمعت فيه، ولا منافاة بينهما.

وتستعمل في الملة والدين، كقوله إخباراً عن المشركين إنهم قالوا: إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ [سورة الزخرف:23]، وتستعمل في الجماعة كقوله: وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ [سورة القصص:23].

الجماعة إما مطلقاً كقوله: وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً يعني: جماعة من الناس، وإما الجماعة المتفقة أو المجتمعة على دين واحد، كما في قوله تعالى: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً [سورة البقرة:213]، يعني: مجتمعة على دين واحد، كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [سورة آل عمران:110] الأمة المجتمعة على الإسلام، على توحيد الله  واتباع رسوله ﷺ، وهكذا، فهي الجماعة: تارة مطلقاً وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ جماعة من الناس يسقون، أو الجماعة المجتمعة على دين.

وقوله: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ [سورة النحل:36]، وقال تعالى: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَاء رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ [سورة يونس:47]، والمراد من الأمة هاهنا الذين يبعث فيهم الرسول مؤمنهم وكافرهم، كما في صحيح مسلم: والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار[15]، وأما أمة الأتباع فهم المصدقون للرسل، كما قال تعالى: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، وفي الصحيح: فأقول: أمتي أمتي[16].

يعني أن أمة محمد ﷺ تنقسم إلى قسمين، أمة إجابة، وهم الذين اتبعوه وأسلموا وآمنوا، وأمة دعوة، وهم كل من وجهت إليهم الدعوة، فاليهود والنصارى الموجودون الآن وأهل الأوثان وغيرهم هؤلاء كلهم أمة محمد ﷺ، يعني أمة الدعوة، الذين خوطبوا بالدعوة، فهم كلهم من أمته.

وتستعمل الأمة في الفرقة والطائفة كقوله تعالى: وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ [سورة الأعراف:159]، وكقوله: مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ الآية.

الطائفة والجماعة مما يرجع إلى معاني الأمة، وهي تأتي بأربعة معانٍ على المشهور: بمعنى المدة الزمنية، والرجل المقتدى به، الجامع لخصال الخير، والجماعة من الناس بفرعيها مطلقاً، أو المجتمعة على دين وملة واحدة -والله أعلم.

  1. رواه الترمذي برقم (3297)، وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه من حديث ابن عباس إلا من هذا الوجه، كتاب تفسير القرآن عن رسول الله ﷺ، باب ومن سورة الواقعة، والحاكم في المستدرك (2/374)، برقم (3314)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري و لم يخرجاه، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (955)، وفي صحيح الجامع برقم (3723).
  2. رواه الطبراني في المعجم الكبير (22/123)، برقم (318)، وقال الألباني: "سنده جيد" كما في السلسلة الصحيحة برقم (955).
  3. رواه البخاري برقم (4523)، كتاب التفسير، باب قوله: إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ [سورة سبأ:46]؛ ومسلم برقم (208)، كتاب الإيمان، باب في قوله تعالى: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [سورة الشعراء:214]، من حديث ابن عباس -ا- ولفظهما قال: صعد النبي ﷺ الصفا ذات يوم فقال: يا صباحاه، فاجتمعت إليه قريش قالوا ما لك؟ قال: أرأيتم لو أخبرتكم أن العدو يُصبحكم أو يمسيكم أما كنتم تصدقونني؟ قالوا: بلى، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فقال أبو لهب: تبا لك، ألهذا جمعتنا؟ فأنزل الله: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ.
  4. انظر: موقف ابن تيمية من الأشاعرة (1/180)، والشهادة الزكية في ثناء الأئمة على ابن تيمية، للكرمي (34).
  5. رواه البخاري برقم (4405)، كتاب التفسير، باب أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ.
  6. رواه البخاري برقم (4404)، كتاب التفسير، باب أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ.
  7. رواه البخاري برقم (4406)، كتاب التفسير، باب أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ.
  8. رواه الترمذي برقم (2147)، وقال أبو عيسى: هذا حديث صحيح، كتاب القدر عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء أن النفس تموت حيث ما كتب لها، وأحمد في المسند من حديث مطر بن عكامس (36/308) برقم (21983)، وقال محققوه: صحيح لغيره، والحاكم في المستدرك (1/102)، برقم (126)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (1221).  
  9. رواه الإمام أحمد في المسند (33/108)، برقم (19876)، وقال محققوه: إسناده صحيح على شرط الشيخين.
  10. رواه البخاري برقم (3019)، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في قول الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [سورة الروم:27]، بلفظ أن عمران بن حصين قال: "دخلت على النبي ﷺ وعقلت ناقتي بالباب فأتاه ناس من بني تميم فقال اقبلوا البشرى يا بني تميم، قالوا قد بشرتنا فأعطنا مرتين، ثم دخل عليه ناس من أهل اليمن فقال: اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم، قالوا: قد قبلنا يا رسول الله، قالوا: جئناك نسألك عن هذا الأمر قال: كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السماوات والأرض، فنادى منادٍ ذهبت ناقتك يا ابن الحصين فانطلقت فإذا هي يقطع دونها السراب، فوالله لوددت أني كنت تركتها".
  11. رواه الإمام مسلم بمعناه برقم (2648)، كتاب القدر، باب كيفية الخلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه وأجله وعمله وشقاوته وسعادته.
  12. رواه مسلم برقم (2653)، كتاب القدر، باب حجاج آدم وموسى -عليهما السلام.
  13. رواه البخاري برقم (4407)، كتاب التفسير، باب قوله وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء [سورة هود:7].
  14. رواه أبو داود برقم (4700)، كتاب السنة، باب في القدر، والترمذي برقم (3319)، وقال: هذا حديث حسن غريب، كتاب تفسير القرآن عن رسول الله ﷺ، باب ومن سورة ن، وأحمد في المسند (37/378) برقم (22705)، وقال محققوه: حديث صحيح، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2017).
  15. رواه مسلم برقم (153)، عن أبي هريرة بلفظ: والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت، ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار كتاب الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد ﷺ إلى جميع الناس ونسخ الملل بملة.
  16. جزء من حديث رواه مسلم برقم (193)، كتاب الإيمان، باب أدني أهل الجنة منزلة فيها.

مواد ذات صلة