بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
قال المفسر -رحمه الله تعالى:
وقوله: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [سورة هود:114] يقول: إنّ فعل الخيرات يكفر الذنوب السالفة كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وأهل السنن عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قال: كنت إذا سمعت من رسول الله ﷺ حديثاً نفعني الله بما شاء أن ينفعني منه، وإذا حدثني عنه أحد استحلفته، فإذا حلف لي صدقته، وحدثني أبو بكر -وصدق أبو بكر- أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: ما من مسلم يذنب ذنباً فيتوضأ ويصلي ركعتين إلا غفر له[1]، وفي الصحيحين عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان أنه توضأ لهم كوضوء رسول الله ﷺ ثم قال: هكذا رأيت رسول الله ﷺ يتوضأ وقال: من توضأ وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه[2].
وفي الصحيح عن أبي هريرة عن رسول الله ﷺ أنه قال: أرأيتم لو أن بباب أحدكم نهراً غمراً يغتسل فيه كل يوم خمس مرات هل يُبقى من درنه شيئاً؟، قالوا: لا يا رسول الله، قال: وكذلك الصلوات الخمس يمحو الله بهن الذنوب والخطايا[3].
وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ كان يقول: الصلوات الخمس، والجمعة إِلى الجمعة، ورمضان إِلى رمضان، مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر[4].
وروى البخاري عن ابن مسعود أن رجلاً أصاب من امرأة قبلة، فأتى النبي ﷺ فأخبره فأنزل الله: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ فقال الرجل: يا رسول الله ألي هذا؟ قال: لجميع أمتي كلهم[5] هكذا رواه في كتاب الصلاة، وأخرجه في التفسير بنحوه.
وروى الإمام أحمد عن ابن عباس أن رجلاً أتى عمر فقال: إن امرأة جاءت تبايعه فأدخلتُها الدولج فأصبت منها ما دون الجماع، فقال: ويحك لعلها مُغِيبة في سبيل الله؟ قال: أجل، قال: فائت أبا بكر فسله، قال فأتاه فسأله فقال: لعلها مُغِيبة في سبيل الله؟ فقال مثل قول عمر ثم أتى النبي ﷺ فقال له مثل ذلك، فقال: لعلها مُغِيبة في سبيل الله، ونزل القرآن: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ إِلى آخر الآية، فقال: يا رسول الله لي خاصة أم للناس عامة؟ فضرب -يعني عمر- صدره بيده وقال: لا، ولا نَعمَة عين، بل للناس عامة، فقال رسول الله ﷺ: صدق عمر[6].
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فقوله -تبارك وتعالى: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ الحسنات "ال" إما أن تكون العهدية، بمعنى أنها حسنات خاصة، وهي المذكورة في قوله -تبارك وتعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ، وعامة أقوال أهل العلم تدور على أنها الصلوات الخمس، على اختلاف في التفاصيل في المراد بالصلاة طرف النهار، والصلاة في زلف من الليل، فالحسنات يعني تلك الصلوات التي تكون في طرف النهار أو في طرفي النهار، أو في طرفه وفي طرفيه، وفي زلف من الليل تذهب السيئات، باعتبار هذا المعنى والأحاديث التي وردت، كما أورد الحافظ ابن كثير -رحمه الله، وكذلك الصلوات الخمس يمحو الله بهن الذنوب والخطايا.
وإما أن يقال: إن "ال" في الحسنات للتعريف، يعني جنس الحسنات يذهب جنس السيئات، وابن جرير -رحمه الله- حمل الحسنات على الصلوات الخمس باعتبار أن الله قبلها ذكر وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ، وكذلك الأحاديث الواردة في هذا المعنى، ولا شك أن الصلوات الخمس كما ذكر النبي ﷺ كفارة لما بينهن، وذلك لا يختص بالصلوات؛ لأن النبي ﷺ قال: وأتبع السيئة الحسنة تمحها[7]، وذلك مما يندب في التوبة.
وإتباع السيئة بالحسنة تكفير لها لا سيما -كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- إذا كان ذلك من جنسها، لو أنه حصل له تقصير في الصلاة، يعني فاتته صلاة من الصلوات بتفريط، فإنه يكثر من النوافل، فالحسنات يذهبن السيئات، ولهذا ثبت عن النبي ﷺ أنه قال كما في حديث أبي هريرة : إن أول ما يحاسب الناس به يوم القيامة من أعمالهم الصلاة، قال: يقول ربنا لملائكته -وهو أعلم: انظروا في صلاة عبدي أتمها أم نقصها؟ فإن كانت تامة كتبت له تامة، وإن كان انتقص منها شيئا قال: انظروا هل لعبدي من تطوع؟ فإن كان له تطوع، قال: أتموا لعبدي فريضته من تطوعه، ثم تؤخذ الأعمال على ذاكم[8].
وهكذا بالنسبة للصيام، فالحسنات لفظ عام؛ والعبرة بما غلب، فالناجي هو الذي غلبت حسناته على سيئاته، والله يقول: وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم [سورة الأعراف:8، 9]، وقوله أيضاً: السَّيِّئَاتِ هل يقال: إن "ال" للجنس، أو يقال: هذا من العام المخصوص، فيما يتعلق بقول النبي ﷺ: الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر[9] بهذا القيد؟ فيكون المقصود بذلك الصغائر، فالصغائر تكفر بالتوبة، وتكفر أيضاً بما يفعله الإنسان من الحسنات، كالوضوء مثلاً، والصلاة، والصدقات وغير هذا، وإذا كانت الحسنات عظيمة فإن السيئات قد تنغمر في بحر هذه الحسنات، ولذلك قال النبي ﷺ: ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم[10]، وقال في قصة حاطب: ما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم[11]،
والأصل في الكبائر أنها تحتاج إلى توبة، وقد يزول أثرها ولا يعاقب الإنسان بها لسبب آخر، كالشفاعة، أو المصائب التي تقع للإنسان، مصائب مكفرة، أو غير ذلك مما يذكره أهل العلم، ثم ذكر سبب النزول، وقد جاء هذا في روايات كثيرة منها الصحيح ومنها ما هو دونه، ومجموع ذلك يدور على أن رجلاً ألم بامرأة فيما دون الفرج، يعني مما لا يوجب الحد، فجاء للنبي ﷺ وأخبره، فنزلت هذه الآية: وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ.
وهذه الرواية عند الإمام أحمد -رحمه الله- عن ابن عباس أن رجلاً أتى عمر فقال: إن امرأة جاءت تبايعه، يقول: فأدخلتها الدولج – الدولج هو المِخدع، ويقال بالفتح أيضاً: المَخدع، وهي غرفة صغيرة داخل غرفة، يعني غرفة يوضع فيها نفيس المتاع داخل غرفة، يعني أشبه ما تكون بخزانة داخل غرفة، وقال لها: عندي تمر جيد في الداخل ما عرضته، فأدخلها الدولج، فنال منها، فقال: ويحك، لعلها مُغيبة، يقال: امرأة مُغيبة إذا غاب عنها زوجها، ذهب للجهاد، وهذا لا شك أنه أعظم أن ينتهك حرمتها ويخونه في أهله، وهذه الرواية التي ذكرها هنا عند الإمام أحمد في إسنادها ضعف ولكن مجموع الروايات لا شك أنها تتقوى به، وإن كانت هذه الرواية لا تخلو من ضعف.
فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأرْضِ إِلاّ قَلِيلاً مّمّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتّبَعَ الّذِينَ ظَلَمُواْ مَآ أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ وَمَا كَانَ رَبّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىَ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ [سورة هود(116، 117].
يقول تعالى فهلّا وجد من القرون الماضية بقايا من أهل الخير ينهون عما كان يقع بينهم من الشرور والمنكرات والفساد في الأرض، وقوله: إِلَّا قَلِيلاً أي: قد وُجد منهم من هذا الضرب قليل لم يكونوا كثيراً، وهم الذين أنجاهم الله عند حلول غضبه وفجأة نقمته؛ ولهذا أمر الله تعالى هذه الأمة الشريفة أن يكون فيها من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
قول الله : فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ، فَلَوْلاَ أي: هلّا، كَانَ مِنَ الْقُرُونِ يعني: الأمم الماضية المهلَكة، هلا كان فيهم أُوْلُواْ بَقِيّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأرْضِ، البقية في الأصل اسم لما يبقيه الإنسان حينما يُخرج من ماله، فإنه يستبقي عادة أجوده؛ ولهذا أطلقت هذه اللفظة على ما يدل على الجودة، فإذا قيل: فلان من البقية الباقية، أو قيل: فلان من أولي البقية، هلا كان من القرون من قبلكم أولو بقية، لولا كان أُوْلُواْ بَقِيّةٍ يعني: أصحاب عقول راجحة رزينة ناضجة، وأهل دين، فهؤلاء هم أولو البقية، ناس عقلاء، فيهم عقل ودين.
يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأرْضِ إِلاّ قَلِيلاً مّمّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ، وهذا الاستثناء يحتمل أن يكون متصلاً، فيكون فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأرْضِ إِلاّ قَلِيلاً مّمّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ كانوا أصحاب بقية، كانوا أهل بقية فأنجاهم الله ، كما قال الله -تبارك وتعالى: أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ [سورة الأعراف:165]، في قصة أصحاب السبت، ويحتمل أن يكون الاستثناء منقطعاً، أي ما كان فيهم من كانوا بهذه الصفة أُوْلُواْ بَقِيّةٍ ممن ينهون عن الفساد في الأرض.
وقال الحافظ ابن كثير -رحمه الله- إِلاّ قَلِيلاً أي: "قد وجد منهم من هذه الضرب قليل، لم يكونوا كثيراً وهم الذين أنجاهم الله"، فعلى هذا يكون الاستثناء من قبيل المتصل، وهذا هو الأقرب، ولا حاجة للقول بأنه من قبيل المنقطع، فيكون المعنى: فهلا كان من القرون من قبلكم من الأمم المهلَكة أُوْلُواْ بَقِيّةٍ عقلاء أصحاب عقول راجحة ودين ينهون عن الفساد في الأرض إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ [سورة المائدة:13] يعني: وُجد منهم قليل؛ لأن قوله: فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ مضمن معنى النفي، لم يوجد منهم ناس بهذه الصفة، ولهذا جاءت لولا هذه للتحضيض، هلا كان فيكم من يفعل كذا وكذا، وإلا لما قال لهم ذلك إِلاّ قَلِيلاً يعني: كأنه يقول: لم يوجد فيهم من يتصف بهذا الوصف إلا قليلاً ممن أنجاهم الله ، وهذا كما جاء في الآيات في إنجاء الرسل -عليهم الصلاة والسلام- في الآيات التي سبقت، ومن معهم، ابتداءً من نوح -عليه الصلاة والسلام- فمن بعده، ولا شك أن هؤلاء الأمم الذين قص الله خبرهم فيهم من ينطبق عليه هذا الوصف ولابد، وهم الأنبياء الذين دعوهم إلى الله ، قال: إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ [سورة العنكبوت:32]، وكذلك نوح -عليه الصلاة والسلام- وهود وصالح وشعيب -صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
ولهذا أمر الله تعالى هذه الأمة الشريفة أن يكون فيها من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، كما قال تعالى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [سورة آل عمران:104]، وفي الحديث: إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب[12].
ولهذا قال تعالى: فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ، وقوله: وَاتّبَعَ الّذِينَ ظَلَمُواْ مَآ أُتْرِفُواْ فِيهِ أي: استمروا على ما هم عليه من المعاصي والمنكرات ولم يلتفتوا إلى إنكار أولئك حتى فَجَأهم العذاب وَكَانُوا مُجْرِمِينَ ثم أخبر تعالى أنه لم يهلك قرية إلا وهي ظالمة لنفسها، ولم يأت قريةً مصلحةً بأسُه وعذابُه قط حتى يكونوا هم الظالمين، كما قال تعالى: وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ [سورة هود:101]، وقال: وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ [سورة فصلت:46].
قوله : وَاتّبَعَ الّذِينَ ظَلَمُواْ مَآ أُتْرِفُواْ فِيهِ، المترَف: هو الذي غذي باللذات والنعم، وقيل: هو الذي أبطرته النعم، أكثر منها وتوسع فيها، فهو الإنسان المنعم، ولا يشترط في المترف أن يكون قد أبطرته النعم، فمن غذي بالنعم وأكثر منها فإنه يكون بهذه الصفة، بخلاف من لقي من العيش كدراً وعناءً بسبب تحصيله، فهذا لا يكون مترفاً، فالله قال: وَاتّبَعَ الّذِينَ ظَلَمُواْ مَآ أُتْرِفُواْ فِيهِ يعني: صاروا تابعين للنعم التي صاروا مترفين بها، اتبعوا الشهوات، اتبعوا ملذات الدنيا، ومظاهرها ومباهجها واشتغلوا بها عن الدار الآخرة، وصارت هي همهم ومقصودهم ومطلوبهم عن اتباع الرسل والعمل بعمارة آخرتهم.
وقوله: وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ أي: بالشرك، لقوله تعالى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [سورة لقمان:13]، من باب العام المراد به الخصوص، وإلا فظاهر اللفظ العموم؛ لأن كلمة ظلم نكرة في سياق النفي، وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ أيّ ظلم، صغير أو كبير، هذا ظاهر اللفظ فمن فسره بأنه الشرك يعني: بشركٍ قال: إن هذا من العام المخصوص، كقوله -تبارك وتعالى: الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ [سورة الأنعام:82] فهذه مثلها باعتبار أن ظاهرها العموم، نكرة في سياق النفي، والنبي ﷺ فسر تلك بآية لقمان إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ، فيكون المعنى على هذا التفسير: أي أن الله لم يكن يهلك القرى بشركٍ، أي: بسبب إشراكهم -فالباء للسببية- إلا ومعه أمر آخر، يعني أن الله أهلك قوم شعيب -عليه الصلاة والسلام- لأنهم كانوا يطففون -مع الشرك- المكاييل والموازين، وقوم لوط لأنهم يفعلون الفاحشة، وهكذا، فما كان الهلاك واقعاً بهم لمجرد إشراكهم أو بسبب إشراكهم فحسب، بل لابد أن يكون معه أمر آخر من الظلم والفساد المتعدي، وعلى هذا يكون قوله: بِظُلْمٍ يرجع إلى المفعول المهلَكين، وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ أي: بظلم واقع منهم، أي بشرك حاصل منهم فلابد أن يكون معه أمر آخر.
والمعنى الثاني: أن قوله: بِظُلْمٍ حال من الفاعل، وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ أي: وهو ظالم لهم، كما قال الله : وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ [سورة هود:101] أي: أنه لم يقع هذا الإهلاك والتدمير الذي قص الله فيه أخبارهم وما جرى لهم من المثُلات وهو ظالم لهم، وإنما كان ذلك بسبب ظلمهم هم وعصيانهم وكفرهم بالله ، وهذا المعنى هو المعنى الراجح، والمعنى الأول لا حاجة إليه، فالأصل فيما ظاهره العموم أنه محمول على الظاهر إلا لدليل يدل على أنه يراد به خلاف الظاهر، ولا يوجد، والأمر الثاني أن الشرك هو أعظم الظلم، أكبر الجرائم، فهو وحده يكفي لإهلاكهم وتدميرهم ولا حاجة لأن يكون عندهم جرائم أخرى مع الشرك، والله أعلم.
وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [سورة هود :118، 119].
يخبر تعالى أنه قادر على جعل الناس كلهم أمة واحدة من إيمان أو كفر، كما قال تعالى: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً، وقوله: وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ أي: ولا يزال الخُلف بين الناس.
ولا يزال الخُلف بين الناس في أديانهم واعتقادات مللهم ونِحَلهم ومذاهبهم وآرائهم.
وقوله: إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ أي: إلا المرحومين من أتباع الرسل، الذين تمسكوا بما أمروا به من الدين، أخبرتهم به رسل الله إليهم، ولم يزل ذلك دأبهم، حتى كان النبي وخاتم الرسل والأنبياء فاتبعوه وصدقوه ووازروه ففازوا بسعادة الدنيا والآخرة؛ لأنهم الفرقة الناجية كما جاء في الحديث المروي في المسانيد والسنن من طرق يشد بعضها بعضاً: إن اليهود افترقت على إحدى وسبعين فرقة، وإن النصارى افترقت على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا فرقة واحدة، قالوا: ومن هم يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي[13] رواه الحاكم في مستدركه بهذه الزيادة.
قوله: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً يفسر الآية، وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً أي: على الإيمان، ولكن اقتضت مشيئته أن يوجد بينهم الاختلاف في الأديان والمذاهب والأهواء، الاختلاف المذموم طبعاً، وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ فهؤلاء أمم الكفر على أهواء ومذاهب شتى، منهم من يعبد الحجر، ومنهم من يعبد البشر، وبعضهم يضلل بعضاً، ويكفر بعضهم بعضاً، فهذا اختلاف أهل الأهواء، سواء كانوا من الأمم الأخرى، أو كان ذلك من المذاهب المنتسبة للإسلام، المذاهب الباطلة المنحرفة، الذين اختلفوا في الدين، فالله لو شاء لجعل الناس أمة واحدة على الحق، وقوله: وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ، قال: "أي: لا يزال الخُلف بين الناس في أديانهم واعتقاداتهم" أي الاختلاف.
قال الحافظ في قوله: إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ: "أي: إلا المرحومين من أتباع الرسل الذين تمسكوا بما أمروا به من الدين"، فهؤلاء يكون الله قد استثناهم من هؤلاء المختلفين، يعني: الناس أهواء شتى إلا من رحم الله فليسوا كذلك، فهم على الإيمان والحق، وهذا المعنى هو أقرب المعاني، وقيل: وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ يعني: من هؤلاء المختلفين، إلا من رحمه الله فهداه، فانتشله وهداه من هؤلاء المختلفين، والأقرب هو الأول -والله أعلم، لا يزال هؤلاء على هذا الاختلاف والشر والتفرق الذي ذمه الله -تبارك وتعالى: وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [سورة آل عمران:105].
كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ [سورة البقرة:213] يعني يكون التقدير: كان الناس أمة واحدة على الإيمان فاختلفوا، وإن الذين استثناهم الله هم الذين بقوا على الأصل على الإيمان وهم المرحومون، ومن عداهم فهؤلاء هم أهل الذم والتفرق والاختلاف، إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ [سورة الأنعام:159].
وهذا الحديث الذي ذكره الحافظ هو في معنى الآية وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ، فهذه الفرقة الواحدة التي ذكرها النبي ﷺ ليست من المختلفين، هم الذين بقوا على الأصل منذ أن أنزل الله آدم على التوحيد، قال: لا تزال طائفة من أمتي على الحق[14]، وأولئك تفرقوا واختلفوا وخرجوا عن الصراط المستقيم، وهذه الفرق التي ذكرها النبي ﷺ، أي: الثنتان والسبعون فرقة، قال عنها: كلها في النار[15].
وليس المقصود أن هؤلاء خرجوا عن الإسلام بسبب تفرقهم واختلافهم وتشعب آرائهم ومذاهبهم، ولهذا فإن الثنتين والسبعين فرقة لا يحكم عليها أنها خالدة في النار، وإنما متوعدة بالنار، تُعذَّب ما شاء الله أن تعذب، وفيهم من يخرج من الإسلام، وفيهم من لا يخرج من الإسلام، لكن الحديث لا يدل على التخليد في النار، وأن هؤلاء قد خرجوا عن الإسلام قطعاً.
ولهذا شيخ الإسلام والشاطبي وأهل العلم لما تكلموا على معناه، قالوا: هؤلاء ليس المقصود بأنهم في النار يعني يخلدون فيها، يعني الفرق التي ذكرها العلماء مثلاً، مثل الجهمية أو المعتزلة أو الطوائف الخوارج والشيعة وأمثال هؤلاء، فهم يتفاوتون غاية التفاوت، فمنهم من يخرج من الإسلام، ومنهم من لا يخرج، يعذب، وقد يغفر الله له لسبب أو لآخر، قد يكون قلد غيره ولم يجد غير هذا، وهذا كان غاية ما أمكنه، فمات عليه، وقد يكون هذا الإنسان اجتهد وبذل وسعه في طلب الحق، وهذا غاية ما توصل إليه، والله لا يكلف نفساً إلا وسعها، فالله -تبارك وتعالى- أرحم بعباده من أنفسهم، لكنهم مُتوعَّدون بالنار في الجملة، لكن هذا ما ينطبق على كل الأفراد الذين ينتسبون إليهم؛ لأنه لابد من تحقق الشروط وانتفاء الموانع، فالوعيد العام قد يتخلف لسبب.
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله في الأصل على قوله وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ -لأن المختصر لم يتطرق لها:
"وقوله: وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ قال الحسن البصري -في رواية عنه: وللاختلاف خلقهم، وقال مكي بن أبي طلحة عن ابن عباس: خلقهم فريقين كقوله: فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ، وقيل: للرحمة خلقهم، قال ابن وهب أخبرني مسلم بن خالد عن ابن أبي نجيح عن طاوس: أن رجلين اختصما إليه فأكثرا، فقال طاوس: اختلفتما وأكثرتما، فقال أحد الرجلين: لذلك خلقنا، فقال طاوس: كذبت، فقال: أليس الله يقول: وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ؟ قال: لم يخلقهم ليختلفوا ولكن خلقهم للجماعة والرحمة.
كما قال الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس قال: للرحمة خلقهم ولم يخلقهم للعذاب، وكذا قال مجاهد والضحاك وقتادة، ويرجع معنى هذا القول إلى قوله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [سورة الذاريات:56]، وقيل: بل المراد: وللرحمة والاختلاف خلقهم كما قال الحسن البصري في رواية عنه في قوله: وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ قال: الناس مختلفون على أديان شتى إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ فمن رحم ربك غير مختلف، فقيل له: لذلك خلقهم قال: خلق هؤلاء لجنته وخلق هؤلاء لناره وخلق لعذابه. وكذا قال عطاء بن أبي رباح والأعمش، وقال ابن وهب: سألت مالكاً عن قوله تعالى: وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ قال: فريق في الجنة وفريق في السعير، وقد اختار هذا القول ابن جرير وأبو عبيد"[16].
هذا الكلام مهم جداً، وحذفه من هذا المختصر غفلة وسهو من المُختصِر.
اسم الإشارة في قوله: وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ على ماذا يعود؟ الله قال: وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ، ثم قال: إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ، وَلِذَلِكَ واسم الإشارة "ذلك" للبعيد، فمن نظر إلى هذا المعنى قال: وَلِذَلِكَ البعيد هو الاختلاف وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ؛ لأن الله قال: وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ فاقتضت مشيئته وإرادته الكونية وقوع الخلاف بينهم، فلابد أن يقع، قال: وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ فهو يبلوهم بهذا، ثم يجازيهم عليه، وتظهر معاني أسمائه وصفاته، فيعذب أقواماً ويرحم آخرين.
فالشاهد أن هذا المعنى معنىً له وجه، وهو الذي اختاره كبير المفسرين ابن جرير -رحمه الله، ومن نظر إلى أن المذكور آخِراً هو الرحمة، وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ، قال: للرحمة خلقهم، وهذا -والله أعلم- دون الأول، وبعضهم قال: لمجموع الأمرين، للرحمة وللاختلاف، وهذا ليس بمستبعد باعتبار أن الله قد اقتضت حكمته ومشيئته أن يوجد هذا وهذا، فرحمته لأهل الإيمان وأتباع الرسل -عليهم الصلاة والسلام، وغضبه لغيرهم، وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ للاختلاف وللرحمة، والله أعلم.
قوله: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ أي: ثبتت كلمة ربك، والمقصود بكلمة الله التي ثبتت مفسرَّة بما بعدها لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، قضى الله ذلك وقدّره فلابد من وقوعه.
هذا الحديث باعتبار الغالب، أغلب أهل النار من الكبراء والمجرمين الكبار، وأهل الجنة من الضعفاء، وإلا فيوجد في الجنة من أئمة العدل، وليسوا من الضعفاء، ويوجد فيهم من قادة أهل الإيمان، ومن المجاهدين في سبيل الله، والنار يوجد فيها من سقط الناس ومن ضعفائهم، كما ذكر الله حال الأتباع والمتبوعين ومحاجتهم في النار، فالكلام باعتبار الأغلب.
وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ [سورة هود:120].
يقول تعالى وكل أخبار نقصها عليك من أنباء الرسل المتقدمين من قبلك مع أممهم، وكيف جرى لهم من المحاجات والخصومات، وما احتمله الأنبياء من التكذيب والأذى، وكيف نصر الله حزبه المؤمنين وخذل أعداءه الكافرين، كل هذا مما نثبت به فؤادك، أي: قلبك يا محمد؛ ليكون لك بمن مضى من إخوانك من المرسلين أسوة، وقوله: وَجَاءكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ أي: هذه السورة، قاله ابن عباس ومجاهد وجماعة من السلف، وهو الصحيح، يعني في هذه السورة المشتملة على قصص الأنبياء وكيف أنجاهم الله والمؤمنين بهم وأهلك الكافرين، جاءك فيها قصص حق، ونبأ صدق، وموعظة يرتدع بها الكافرون، وذكرى يتذكر بها المؤمنون.
قوله: وَجَاءكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ قال: "أي: في هذه السورة"، وهذا الذي عليه عامة المفسرين باعتبار أن اسم الإشارة "هذه" مؤنث وهو للقريب، فهذا من هاتين الجهتين يصدق على هذه السورة، وابن جرير -رحمه الله- اعتبر هذا القول ورجحه ولم يستجز مخالفته للإجماع، والإجماع عند ابن جرير يقصد به قول عامة المفسرين وأكثرهم، وهذا المعنى ليس محل إجماع؛ لأن من العلماء من قال: وَجَاءكَ فِي هَذِهِ يعني: آيات القرآن وسور القرآن، القرآن كله، وبعضهم يقول: فِي هَذِهِ أي: الدنيا جاءك الحق، والأول هو الأقرب، والله تعالى أعلم، وبعضهم يقول: في هذه الأنباء التي قصها الله في القرآن، ولا تختص بهذه السورة.
وَقُل لِّلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ [سورة هود:121، 122].
يقول تعالى آمراً رسوله أن يقول للذين لا يؤمنون بما جاء به من ربه على وجه التهديد: اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ أي: على طريقتكم ومنهجكم.
أو على تمكنكم وحالكم، معانٍ متقاربة.
إِنَّا عَامِلُونَ أي: على طريقتنا ومنهجنا، وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ أي: فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدِّارِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ [سورة الأنعام:135]، وقد أنجز الله لرسوله وعده ونصره وأيده وجعل كلمته هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى، والله عزيز حكيم.
وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [سورة هود:123].
يخبر تعالى أنه عالم غيب السموات والأرض، وأنه إليه المرجع والمآب، وسيؤتي كل عامل عمله يوم الحساب، فله الخلق والأمر، فأمر تعالى بعبادته والتوكل عليه، فإنه كافٍ من توكل عليه وأناب إليه.
وقوله: وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ أي: ليس يخفى عليه ما عليه مكذبوك يا محمد، بل هو عليم بأحوالهم وسيجزيهم على ذلك أتم الجزاء في الدنيا والآخرة، وسينصرك وحزبك عليهم في الدارين.
آخر تفسير سورة هود ولله الحمد والمنة.
- رواه أبو داود برقم (1521)، كتاب الوتر، باب في الاستغفار، والترمذي برقم (406)، أبواب الصلاة عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في الصلاة عند التوبة، وابن ماجه برقم (1395)، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في أن الصلاة كفارة، وأحمد في المسند (1/219)، برقم (47)، واللفظ له، وقال محققوه: إسناده صحيح، وصححه الألباني في صحيح أبي داود برقم (1361)، وفي صحيح الجامع برقم (5738).
- رواه البخاري برقم (158)، كتاب الوضوء، باب الوضوء ثلاثا ثلاثا، ومسلم برقم (561) كتاب الطهارة، باب صفة الوضوء وكماله، ورقم (566)، باب فضل الوضوء والصلاة عقبه.
- لم أجده بهذا اللفظ وإنما رواه البخاري برقم (505)، كتاب مواقيت الصلاة، باب الصلوات الخمس كفارة، ولفظه: أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمساً ما تقول ذلك يُبقي من درنه، قالوا: لا يبقى من درنه شيئا، قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بها الخطايا، ومسلم برقم (667)، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب المشي إلى الصلاة تُمحى به الخطايا وترفع به الدرجات.
- رواه مسلم برقم (233)، كتاب الطهارة، باب الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر.
- رواه البخاري برقم (503)، كتاب مواقيت الصلاة، باب الصلاة كفارة.
- رواه أحمد في المسند (4/84)، برقم (2206)، وقال محققوه: صحيح لغيره وهذا إسناد ضعيف لضعف علي بن زيد، ولين يوسف بن مهران، والطبراني في المعجم الكبير (12/215)، برقم (12931).
- رواه الترمذي برقم (1987)، وقال: هذا حديث حسن صحيح، كتاب البر والصلة عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في معاشرة الناس، وأحمد في المسند (35/284)، برقم (21354)، وقال محققوه: إسناده حسن، وقال الألباني: حسن لغيره، في صحيح الترغيب والترهيب برقم (2655).
- رواه أبو داود برقم (864)، كتاب الصلاة، باب قول النبي ﷺ: كل صلاة لا يتمها صاحبها تتم من تطوعه، والنسائي برقم (465)، كتاب الصلاة، باب المحاسبة على الصلاة، والترمذي برقم (413)، وقال: "حديث حسن غريب من هذا الوجه"، أبواب الطهارة عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء أن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، وأحمد في المسند (15/299)، برقم (9494)، وقال محققوه: حديث صحيح، والحاكم في المستدرك وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وله شاهد بإسناد صحيح على شرط مسلم" (1/394)، برقم (965)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2020)، وفي صحيح أبي داود برقم (810).
- رواه مسلم برقم (233)، كتاب الطهارة، باب الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر.
- رواه الترمذي برقم (3701)، وقال: هذا حديث حسن غريب، كتاب المناقب عن رسول الله ﷺ، باب في مناقب عثمان بن عفان ، من حديث عبد الرحمن بن سمرة ، والحاكم في المستدرك (3/110)، برقم (4553)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح (3/323)، برقم (6064).
- رواه البخاري برقم (2915)، كتاب الجهاد والسير، باب إذا اضطر الرجل إلى النظر في شعور أهل الذمة والمؤمنات إذا عصين الله وتجريدهن، ومسلم برقم (2494)، كتاب فضائل الصحابة -، باب من فضائل أهل بدر وقصة حاطب بن أبي بلتعة.
- رواه أحمد في المسند (1/221)، برقم (53)، من حديث أبي بكر الصديق ، وقال محققوه: إسناده على شرط الشيخين.
- رواه أبو داود برقم (4596)، كتاب السنة، باب شرح السنة، عن أبي هريرة ولفظه: افترقت اليهود على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، وصحح هذا اللفظ الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (203)، وابن ماجه برقم (3992)، كتاب الفتن، باب افتراق الأمم، والترمذي برقم (2641)، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -ا- بلفظ: ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل، حذو النعل بالنعل حتى إن كان منهم من أتى أمه علانية لكان في أمتي من يصنع ذلك، وإن بني إسرائيل تفرقت على اثنتين وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة، كلهم في النار إلا ملة واحدة، قالوا: ومن هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي، كتاب الإيمان، باب ما جاء في افتراق الأمة، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (1348)، والحاكم في المستدرك (1/218)، برقم (444).
- رواه أبو داود برقم (4252)، كتاب الفتن والملاحم، باب ذكر الفتن ودلائلها، والترمذي برقم (2229)، وقال: وهذا حديث حسن صحيح، كتاب الفتن عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في الأئمة المضلين، وأحمد في المسند (28/94)، برقم (16881)، وقال محققوه: حديث صحيح، وبرقم (19851)، (33/83)، وقال محققوه: إسناده صحيح على شرط مسلم، والحاكم في المستدرك (4/593)، برقم (8653)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (270)، وفي صحيح الجامع برقم (1773).
- رواه ابن ماجه برقم (3993)، من حديث أنس بن مالك ، كتاب الفتن، باب افتراق الأمم، وأحمد في المسند (19/241)، برقم (12208)، وقال محققوه: حديث صحيح بشواهده، والحاكم في المستدرك (1/218)، برقم (443)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2042).
- انظر: تفسير القرآن العظيم (2/565)، للحافظ ابن كثير، تحقق: محمود حسن، دار الفكر للنشر والتوزيع.
- رواه البخاري برقم (7011)، كتاب التوحيد، باب ما جاء في قول الله تعالى: إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ [سورة الأعراف:56]، بدون زيادة: «وعزتك، ولفظه: اختصمت الجنة والنار إلى ربهما فقالت الجنة: يا رب ما لها لا يدخلها إلا ضعفاء الناس وسقطهم؟ وقالت النار -يعني أوثرت بالمتكبرين، فقال الله تعالى للجنة: أنت رحمتي، وقال للنار: أنت عذابي أصيب بك من أشاء، ولكل واحدة منكما ملؤها، قال فأما الجنة فإن الله لا يظلم من خلقه أحدا، وإنه ينشئ للنار من يشاء فيلقون فيها فتقول: هل من مزيد ثلاثا، حتى يضع فيها قدمه فتمتلئ ويرد بعضها إلى بعض وتقول: قطْ قطْ قطْ، ورواه برقم (4569)، ولفظه: تحاجت الجنة والنار فقالت النار: أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين، وقالت الجنة: ما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم؟ قال الله -تبارك وتعالى للجنة- أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي، وقال للنار: إنما أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي، ولكل واحدة منهما ملؤها فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع رجله فتقول قطْ قط قط، فهنالك تمتلئ ويزوى بعضها إلى بعض، ولا يظلم الله من خلقه أحدا، وأما الجنة فإن الله ينشئ لها خلقا، كتاب التفسير، باب قوله: وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ [سورة ق:30]، ومسلم برقم (2846)، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب النار يدخلها الجبارون، والجنة يدخلها الضعفاء.