بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المفسر -رحمه الله تعالى:
تفسير سورة الرعد وهي مكية.
بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ
المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِيَ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ [سورة الرعد:1].
أما الكلام على الحروف المقطعة في أوائل السور فقد تقدم في أول سورة البقرة، وقدمنا أن كل سورة ابتدأت بهذه الحروف ففيها الانتصار للقرآن، وتبيان أن نزوله من عند الله حق لا شك فيه ولا مرية ولا ريب؛ ولهذا قال: تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ [سورة يونس:1] أي: هذه آيات الكتاب، وهو القرآن، ثم عطف على ذلك عطف صفات فقال: وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ أي: يا محمد مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ خبر تقدم مبتدؤه، وهو قوله: وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
قول الحافظ ابن كثير -رحمه الله- عن سورة الرعد: ”وهي مكية“، هو قول جمهور أهل العلم، وهذا هو الأقرب، ومن أهل العلم من قال: بأنها نزلت بالمدينة، وبعضهم قال: إنها نازلة في مكة سوى آيتين، والسورة التي نزلت قبل الهجرة هي مكية، ولو نزل شيء في مكة بعد الهجرة فإنه يكون من قبيل المدني وليس من قبيل المكي.
ومن القواعد في هذا الباب: أن السورة النازلة في مكة الأصل أن جميع الآيات فيها نازلة في مكة إلا لدليل، وأن السورة النازلة في المدينة الأصل أن جميع الآيات التي فيها نازلة في المدينة إلا لدليل، والاستثناءات التي يذكرها المفسرون عادة، يقولون: إلا آية كذا، في كثير من الأحيان يكون مرجع ذلك النظر إلى المعنى، وهذا فيه نظر، فإذا كانت الآية مثلاً تتحدث عن اليهود، قالوا: هذه السورة مكية إلا الآية الفلانية فإنها مدنية، مع أنه لا إشكال أن تأتي السورة المكية متحدثاً عن اليهود، كما أنهم يذكرون هذا أحياناً بناء على معنى لاح لهم في الآية من حكم فهموه منها، مع أن الآية تحتمل هذا كما تحتمل غيره، فقول الله -تبارك وتعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى [سورة الأعلى:14، 15]، هذه السورة مكية، ففهم بعضهم منها أن تَزَكَّى يعني: أخرج زكاة الفطر، وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ يعني: التكبير للعيد، فَصَلَّى يعني: صلاة العيد، قالوا: وزكاة الفطر والجهر، رفع الصوت بالتكبير، وصلاة العيد كل ذلك ما شرع إلا في المدينة، فقالوا: هذه الآية مدنية، من سورة مكية.
وهذا الكلام فيه نظر؛ لأن معنى الآية غير هذا، ولأن الآية قد تنزل متحدثة عن أمر أو عن حكم قبل وقوعه، فلو فرضنا أن هذا هو المعنى، مع أنه ليس كذلك، فإنه يطبق عليه ما سبق، الآية تنزل متحدثة عن أمر عن حكم قبل وقوعه، وهذا موجود في القرآن، وما ذكروه في قوله تعالى: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [سورة الكوثر:2]، مع أن هذه السور مدنية، لكن قالوا: في قوله: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ المقصود صلاة العيد –عيد الأضحى- والنحر يعني الهدي والأضاحي، وهذا المعنى قد لا يكون هو المراد بالآية، وإنما الآية تأمر بالإخلاص في كل الأعمال في الصلاة، كقوله: قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [سورة الأنعام:162]، والنسيكة: هي الذبيحة، فأنحر أي اذبح لله ولا تذبح لغير الله من الأصنام والمعبودات ونحو هذا.
قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله: ”أما الكلام على الحروف المقطعة في أوائل السور فقد تقدم في أول سورة البقرة“، وأقرب هذه الأقوال والعلم عند الله هو القول بأن هذه الحروف هي من حروف المعجم، ولا معنى لها في نفسها، ولا يقال يوجد في القرآن شيء لا معنى له، فالقرآن ليس به حشو.
والمقصود: أن هذه حروف مباني وليست بحروف معاني، فحروف المعاني مثل: ”في“ حروف الجر مثلاً، ”إلى، عن، على“، فالنحاة يقولون: لا معنى لها في نفسها، وإنما تربط بين أجزاء الكلام، لكن الأمر ليس كذلك، فلها معنى في نفسها، فعلى تدل على العلو أو الاستعلاء، وفي تدل على الظرفية، وهكذا.
والقسم الثاني هو حروف المباني التي تكون منها الكلمات، فالزاي من زيد، الزاي والياء والدال، هذه إذا أفردت ليس لها معنى في نفسها، فهذه الحروف المقطعة ليس لها معنى في نفسها، وإنما تدل على معنى، والابتداء بها يدل على الإعجاز، وأن هذا القرآن قد ركب من هذه الحروف التي تركبون منها الكلام، فهو يتحداهم أن يأتوا بمثله، وأنزله على سبعة أحرف، سبعة أوجه من وجوه التغاير، وكل ذلك بالغ في الإعجاز غايته، وهم يعجزون عن محاكاته والإتيان بمثله، ولذلك تجد إذا ذكرت هذه الحروف المقطعة ذكر بعدها القرآن، الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ [سورة البقرة:2]، يذكر الكتاب، يذكر الوحي والتنزيل وما شابه ذلك، إشارة إلى هذا المعنى، الم اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ [سورة آل عمران:1-3] وهكذا.
وقال في هذه السورة: تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ أي: هذه آيات الكتاب وهو القرآن، ثم عطف على ذلك عطف صفات فقال: تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ، والحافظ ابن كثير -رحمه الله- يرى أن قوله: تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ يعني: القرآن وأن ما ذكر بعده من صفته، نفس القرآن، وَالَّذِيَ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ.
ومن أهل العلم من السلف من يقول: بأن الجملة الأولى تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ ليس المقصود بها القرآن، بناء على أن العطف يقتضي المغايرة، فيكون معنى قوله: تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ أي: الكتب التي نزلت على الأنبياء قبلكم، ثم عطف عليه القرآن، فقال: وَالَّذِيَ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ، فهذا هو القرآن، فلا يكون بهذا الاعتبار من قبيل عطف الصفات، وإنما هذا العطف عطف تغاير، فالأول غير الثاني، وهذا الذي اختاره كبير المفسرين ابن جرير الطبري -رحمه الله، والذين قالوا كالحافظ ابن كثير: بأن هذا من قبيل عطف الصفات قالوا: إن الصفات تأتي متتابعة تارة بالعطف بذكر حرف العطف وتارة بحذفه، كما قال الله : سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى [سورة الأعلى:1-4]، فهذا كله يعود إلى موصوف واحد، فهذا من باب عطف الصفات.
إلى الملك القرم وابن الهمام | وليث الكتيبة في المزدحم |
فقول ابن كثير تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ يعني: القرآن، وَالَّذِيَ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ يعني: هو القرآن، فكل ذلك من صفته، وهذا هو الأقرب -والله تعالى أعلم، فذلك يرجع إلى القرآن، والله سمى هذا القرآن كتاباً، ولا يستشكل هذا بأنه في ذلك الحين لم يكن القرآن مكتوباً، ولم ينزل في كتاب، فالمراد بقوله -تبارك وتعالى- في أول سورة البقرة: ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ أنه القرآن قطعاً، ومن تتبع موارد هذه اللفظة في القرآن فإن الذي يترجح والله تعالى أعلم أن المراد بالكتاب هو القرآن، إلا لقرينة أو دليل يدل على ذلك، والعطف هنا ليس دليل.
وقوله: وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ كقوله: وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ أي: مع هذا البيان والجلاء والوضوح لا يؤمن أكثرهم لما فيهم من الشقاق والعناد والنفاق.
اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ [سورة الرعد:2].
يخبر الله تعالى عن كمال قدرته وعظيم سلطانه أنه الذي بإذنه وأمره رفع السموات بغير عمدٍ، بل بإذنه وأمره وتسخيره رفعها عن الأرض بعداً لا تنال ولا يدرك مداها، فالسماء الدنيا محيطة بجميع الأرض، وما حولها من الماء والهواء من جميع نواحيها وجهاتها وأرجائها، مرتفعة عليها من كل جانب على السواء، وبعد ما بينها وبين الأرض من كل ناحية مسيرة خمسمائة عام، وسمكها في نفسها مسيرة خمسمائة عام، ثم السماء الثانية محيطة بالسماء الدنيا وما حوت، وبينهما من بعد المسير خمسمائة عام، وسمكها خمسمائة عام، وهكذا السماء الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة، كما قال تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ الآية.
وقوله: بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا روي عن ابن عباس -ا- ومجاهد والحسن وقتادة وغير واحد أنهم قالوا: لها عمد ولكن لا ترى. وقال إياس بن معاوية: السماء على الأرض مثل القبة، يعني بلا عمد، وكذا روي عن قتادة، وهذا هو اللائق بالسياق، والظاهر من قوله تعالى: وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ [سورة الحـج:65]، فعلى هذا يكون قوله: تَرَوْنَهَا تأكيداً لنفي ذلك، أي هي مرفوعة بغير عمد كما ترونها، وهذا هو الأكمل في القدرة.
في قوله تعالى: اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا، قولان مشهوران للمفسرين القول الأول: أن الله رفع السماء بغير عمد نراها، فقوله -تبارك وتعالى: بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا يحتمل أن الله رفعها بغير عمد مرئية، يعني لها عمد لكنها غير مرئية، فيكون الضمير في قوله: تَرَوْنَهَا عائد إلى العمد، بغير عمد تُرى، وقيل: العمد هو قدرته -تبارك وتعالى، وقيل: لها عمد لكنها لا تبصر بالأعين، أو أن الضمير في قوله: تَرَوْنَهَا عائد إلى السماء، فالله خلقها من غير عمد كما نراها ونشاهدها، وكل واحد من القولين قال به طائفة من السلف، فالآية تحتمل المعنيين.
فمن قال: بأن الضمير يرجع إلى العمد، قال: هذا دليل على القدرة، فهذه عمد غير مرئية، وهذا أمر غير معهود للناس، ومن قال: بأن الضمير عائد إلى السماء، قال: هذا أدل على القدرة، كما قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله، باعتبار أن هذا السقف العظيم الهائل لا يقوم على أعمدة، فالله -تبارك وتعالى- هو الذي يمسكه، فهو يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه ، وهذا المعنى الثاني هو الأقرب، وهو المتبادر إلى الذهن.
ولا يقال: بأن الضمير يرجع إلى أقرب مذكور وهي العمد، فإن السياق وما يمكن أن تفسر به الآية من القرآن يدل على رجحان المعنى الآخر، وهو أن السماء ليس لها عمد أصلاً، ومن أهل العلم كابن جرير -رحمه الله- من يقول: لا نتكلم في هذا، وإنما نقول كما قال الله أنه خلق السماء بغير عمد نراها، فهي كما نشاهد ليس لها أعمدة، سواء كان الأمر كما نشاهد ليس لها أعمدة أصلاً، أو كان لها أعمدة لا تبصر، فكل هذا من دلائل قدرته وعظمته ووحدانيته ، ولا شك أن هذا القول أسلم، وقول الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في السموات: بأن ما بينها وبين الأرض من كل ناحية مسيرة خمسمائة عام، وأن سمكها مسيرة خمسمائة عام، إلى آخره.
هذا الحديث الوارد في هذا المعنى لا يصح، المسافات التي بين كل سماء وسماء خمسمائة عام، الحديث لا يصح، لكن لا شك أن ما بين كل سماء وسماء أنه يوجد مسافة، وأن السماوات ليست منطبقة على بعضها، هذا أمر مقطوع به، وحديث المعراج يدل على ذلك، وأن لكل سماء من يسكنها من الملائكة، لكن يبقى النظر في الأرض، فالله -تبارك وتعالى- أخبر أنه خلق سبع سماوات قال: وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ [سورة الطلاق:12]، فالأرض سبع طبقات، ولا يقال هل هذه الطبقات منفصلة كل طبقة عن الأخرى أو متصلة ملتصقة، هذا لا علم لنا به فلا نخوض فيه، وما ورد فيه في بعض المرويات بأن كل أرض فيها من يسكنها، وأنها فيها من الأنبياء كأنبيائنا، إلى آخره، كل هذا لا يصح فيه شيء، فالله تعالى أعلم- هل هي ملتصقة أو منفصلة، لكن الله قال: يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ.
وهكذا ما يذكره أهل علم الأرض من أن هذه الطبقات هي الطبقة القشرة، الطبقة الصخرية، ثم الطبقة المنصهرة،... إلى النواة، هذا الكلام لا تفسر به طبقات الأرض السبع، وما يذكر في هذا إنما هو نظريات وليس عندهم فيه برهان، وهم يقرون بذلك، ومن قال: بأن الأرض المقصود بهذه الطبقات يعني سبعة أفلاك، غير صحيح، وإنما بعضها فوق بعض، ويدل على هذا أدلة، منها قوله ﷺ: طوقه إلى سبع أرضين[1] من غصب شبراً من الأرض، وكذلك النصوص الواردة التي يذكر فيها أحياناً الخسف، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة[2]، أي: في الأرض.
تمر كما جاءت من غير تحريف أو تكييف، ويفسر المعنى، فكلمة ”علا“ في كلام العرب بمعنى استوى، وتأتي بمعنى علا وارتفع، فالاستواء علو خاص، استواؤه -تبارك وتعالى- على العرش هو أحد الأدلة الدالة على علوه -تبارك وتعالى، فيفسر الاستواء بالعلو والارتفاع.
قوله -تبارك وتعالى: وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، بمعنى ذللهما، فهما يسيران بهذه المنازل وهذا السير المنضبط غاية الانضباط، لما قدره الله وقضاه من مصالح العالم، فيتعاقب الليل والنهار، ويحصل التعاقب بين الفصول في السنة، إلى غير ذلك من المنافع، كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً، الحافظ ابن كثير هنا قال: ”أي يجريان إلى انقطاعهما بقيام الساعة“، فهذا السير للشمس والقمر بهذه الطريقة المنتظمة غاية الانتظام، تخرج من المشرق ثم تغرب من جهة المغرب في كل يوم بهذا الانتظام العجيب الدقيق، كل ذلك إلى وقت معلوم، وهو وقت قيام الساعة، فيحصل التغير لهذه النجوم والأفلاك، وتنكدر النجوم وتكور الشمس وتجمع مع القمر ويلقيان في النار، فتتغير أحوال العالم العلوي والعالم السفلي، وهذا عليه عامة أهل العلم من المفسرين.
ومن أهل العلم من قال: بأن المقصود في الدنيا، كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً، والمقصود به منازل الشمس ومنازل القمر، فمنازل الشمس تكون في سنة، ومنازل القمر تكون في شهر، يبدأ القمر من أول ليلة في منزلة ثم الليلة الثانية في منزلة، وهكذا في ثمان وعشرين منزلة، والذي عليه عامة السلف فمن بعدهم أن المقصود كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً أي: يوم القيامة، فإذا جاء يوم القيامة توقف هذا الجريان، وتغيرت هذه الأحوال التي نشاهدها.
وقوله تعالى: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا، وقيل: إن مستقرهما وهو تحت العرش، الله قال: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا، المستقر: يفسر بأنها تسجد تحت العرش، كما ثبت عن النبي ﷺ، ولكن ذلك في الشمس وليس القمر، والله -تبارك وتعالى- قرن بينهما في المسير في هذه الآية، والجريان، قال: كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً، فلا يفسر والله تعالى أعلم هذه الآية بالسجود تحت العرش، والأجل في قوله: لِأَجَلٍ مُسَمّىً أي: قيام الساعة، والله أعلم.
والجريان ليس فقط للشمس والقمر كما هو معلوم، فالنجوم كذلك، فخص الله تبارك وتعالى الشمس والقمر دون سائر الكواكب والنجوم لظهورهما وعظم منافعهما مقارنة بغيرهما -والله أعلم.
- رواه مسلم من حديث عروة برقم (1610)، كتاب المساقاة، باب تحريم الظلم وغصب الأرض وغيرها.
- رواه البخاري من حديث أبي هريرة برقم (5452)، كتاب اللباس، باب من جر ثوبه من الخيلاء، ومسلم برقم (2088)، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم التبختر في المشي مع إعجابه بثيابه.