الثلاثاء 17 / جمادى الأولى / 1446 - 19 / نوفمبر 2024
[5] من قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ} الآية 12 إلى قوله تعالى: {وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ} الآية 14.
تاريخ النشر: ١١ / شوّال / ١٤٢٨
التحميل: 2814
مرات الإستماع: 2369

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال المفسر -رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى:

هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ ۝ وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ [سورة الرعد:12، 13].

يخبر تعالى أنه هو الذي يسخر البرق، وهو ما يرى من النور اللامع ساطعاً من خلل السحاب. وروى ابن جرير أن ابن عباس كتب إلى أبي الجلد يسأله عن البرق، فقال: البرق الماء. وقوله: خَوْفًا وَطَمَعًا قال قتادة: خوفاً للمسافر يخاف أذاه ومشقته، وطمعاً للمقيم يرجو بركته ومنفعته ويطمع في رزق الله، وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ أي: ويخلقها منشأة جديدة، وهي لكثرة مائها ثقيلة قريبة إلى الأرض، قال مجاهد: السَّحَابَ الثِّقَال الذي فيه الماء، قال: وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ كقوله: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ.

وروى الإمام أحمد عن إبراهيم بن سعد، أخبرني أبي قال: كنت جالساً إلى جنب حميد بن عبد الرحمن في المسجد، فمر شيخ من بني غفار، فأرسل إليه حميد، فلما أقبل قال: يا ابن أخي، وسع فيما بيني وبينك، فإنه قد صحب رسول الله ﷺ فجاء حتى جلس فيما بيني وبينه، فقال له حميد: ما الحديث الذي حدثتني عن رسول الله ﷺ؟ فقال له الشيخ: سمعت عن شيخ من بني غفار أنه سمع النبي ﷺ يقول: إن الله ينشىء السحاب فينطق أحسن النطق، ويضحك أحسن الضحك[1] والمراد ـ والله أعلم ـ أن نطقها الرعد وضحكها البرق.

وقال موسى بن عبيدة عن سعد بن إبراهيم قال: يبعث الله الغيث فلا أحسن منه مضحكاً، ولا آنس منه منطقاً، فضحكه البرق، ومنطقه الرعد.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

نقل العلامة ابن كثير في قوله –تبارك وتعالى: خَوْفًا وَطَمَعًا قول قتادة: "خوفاً للمسافر يخاف أذاه ومشقته، وطمعاً للمقيم يرجو بركته ومنفعته ويطمع في رزق الله"، وهذا القول الذي قاله قتادة قال به جماعة من أهل العلم من المفسرين، وهو اختيار كبير المفسرين ابن جرير -رحمه الله.

ومن أهل العلم من قال: خَوْفًا من الصواعق، وَطَمَعًا في المطر، وهذه المعاني صحيحة، وهذا أشبه ما يكون بالتفسير بالمثال، ومن المعلوم أن المسافر يحصل له الخوف إذا رأى البرق؛ وذلك أنه أمارة على المطر، والمطر إذا حصل مع السفر فإن المسافر يتأذى به، لاسيما في تلك الأزمان، وأما الطمع فيحصل للمقيم بالمطر، وكذلك يحصل الخوف للجميع من الصواعق ويحصل الطمع ببركة المطر.

وأما ما نقل عن ابن عباس –ا- أنه كتب إلى أبي الجلد يسأله عن البرق، فقال: البرق الماء، وهذا القول ليس هو الظاهر المتبادر، وذلك لحديث ابن عباس -ا- قال: أقبلت يهود إلى النبي ﷺ فقالوا: يا أبا القاسم أخبرنا عن الرعد ما هو؟ قال: ملك من الملائكة موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب حيث شاء الله، فقالوا: فما هذا الصوت الذي نسمع؟ قال: زجره بالسحاب إذا زجره حتى ينتهي إلى حيث أمر...[2].

قوله -تبارك وتعالى: وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ أي: يسبح متلبساً بحمد الله -تبارك وتعالى- وإذا فسر الرعد بأن الرعد ملك من الملائكة يسبح بحمد الله –تبارك وتعالى- فهذا ظاهر لا إشكال فيه، وإذا فسر الرعد بالصوت الذي يصدر من السحاب، فهذا أيضاً ظاهر لا إشكال فيه؛ لأن الله يقول: وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا [سورة الإسراء:44]، "إن" نافية بمعنى "ما" والمعنى ما من شيء، وشيء نكرة في سياق النفي تفيد العموم، فكل شيء يسبح بحمد الله –تبارك وتعالى- تسبيحاً يليق به.

وروى الإمام أحمد عن سالم عن أبيه قال: كان رسول الله ﷺ إذا سمع الرعد والصواعق قال: اللهم لا تقتلنا بغضبك، ولا تهلكنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك[3]، ورواه الترمذي والبخاري في كتاب الأدب، والنسائي في اليوم والليلة، والحاكم في مستدركه.

هذا الحديث وإن حسنه بعض أهل العلم إلا أن إسناده لا يخلو من ضعف، ففيه الحجاج بن أرطأة، وفيه أبو مطر فيه جهالة.

وعن عبد الله بن الزبير -ا- أنه كان إذا سمع الرعد ترك الحديث وقال: "سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته، ويقول: إِن هذا لوعيد شديد لأهل الأرض"[4]. رواه مالك في الموطأ، والبخاري في كتاب الأدب.

وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: قال ربكم : لو أن عبيدي أطاعوني لأسقيتهم المطر بالليل، وأطلعت عليهم الشمس بالنهار، ولما أسمعتهم صوت الرعد[5].

هذا الحديث لا يخلو من ضعف وفي سنده رجل يقال له صدقة بن موسى، وأما ما جاء عن عبد الله بن الزبير فهو ثابت صحيح.

وقوله تعالى: وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء [سورة الرعد:13] أي: يرسلها نقمة ينتقم بها ممن يشاء؛ ولهذا تكثر في آخر الزمان.

قوله –تبارك وتعالى: فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء لا يلزم أن يكون ذلك على سبيل النقمة والعقوبة، فقد يصيب بهذه الصواعق بعض الدواب، وقد تصيب هذه الصواعق بعض الناس ولا يكون ذلك نقمة.

وروى الحافظ أبو القاسم الطبراني عن ابن عباس -ا- أن أربد بن قيس بن جزء بن جليد بن جعفر بن كلاب، وعامر بن الطفيل بن مالك، قدما المدينة على رسول الله ﷺ فانتهيا إليه وهو جالس فجلسا بين يديه، فقال عامر بن الطفيل: يا محمد ما تجعل لي إن أسلمت؟ فقال رسول الله ﷺ: لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم، قال عامر بن الطفيل: أتجعل لي الأمر إن أسلمت من بعدك؟ قال رسول الله ﷺ: ليس ذلك لك ولا لقومك، ولكن لك أعنة الخيل قال: أنا الآن في أعنة خيل نجد، اجعل لي الوبر ولك المدر، قال رسول الله ﷺ: لا، فلما قفلا من عنده قال عامر: أما والله لأملأنها عليك خيلاً ورجالاً، فقال له رسول الله ﷺ: يمنعك الله، فلما خرج أربد وعامر، قال عامر: يا أربد، أنا أشغل عنك محمداً بالحديث فاضربه بالسيف، فإن الناس إذا قتلت محمداً لم يزيدوا على أن يرضوا بالدية ويكرهوا الحرب، فنعطيهم الدية، قال أربد: أفعل، فأقبلا راجعين إليه، فقال عامر: يا محمد قم معي أكلمك، فقام معه رسول الله ﷺ فجلسا إلى الجدار، ووقف معه رسول الله ﷺ يكلمه، وسل أربد السيف، فلما وضع يده على السيف يبست يده على قائم السيف، فلم يستطع سل السيف، فأبطأ أربد على عامر بالضرب، فالتفت رسول الله ﷺ فرأى أربد وما يصنع، فانصرف عنهما، فلما خرج عامر وأربد من عند رسول الله ﷺ حتى إذا كانا بالحرة ـ حرة واقم ـ نزلا، فخرج إليهما سعد بن معاذ وأسيد بن حضير، فقالا: اشخصا يا عدوي الله، لعنكما الله، فقال عامر: من هذا يا سعد؟ قال: هذا أسيد بن حضير الكتائب، فخرجا حتى إِذا كانا بالرقم، فخرجا حتى إذا كانا بالرقم أرسل الله على أربدَ صاعقة فقتلته، وخرج عامر حتى إذا كان بالخريم أرسل الله قرحة فأخذته، فأدركه الليل في بيت امرأة من بني سلول، فجعل يمس قرحته في حلقة ويقول: غدة كغدة الجمل في بيت سلولية، يرغب أن يموت في بيتها، ثم ركب فرسه فأحضره حتى مات عليه راجعاً، فأنزل الله فيهما اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى ـ إلى قوله ـ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ قال: المعقبات من أمر الله يحفظون محمداً ﷺ ثم ذكر أربد وما قتله به، فقال: وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ الآية[6]. وأصل هذا الحديث في صحيح البخاري مختصراً.

قوله: يرغب أن يموت في بيتها، أي: يرغب عن أن يموت، ومنه قوله –تبارك وتعالى: وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ [سورة النساء:127]، أي: ترغبون عن نكاحهن، فكان يأنف أن يموت في بيتها ويتنزه عن ذلك، فقد تعجب مما حل به.

والثابت هو ما ورد في صحيح البخاري[7] دون هذا السياق وهذا التفصيل، والحديث بهذا السياق الطويل، وهذه التفصيلات فيه ضعف، وفي إسناده عبد العزيز بن عمران.

وقد وردت رواية أخرى أصح من هذه الرواية، وهي من حديث أنس قال: بعث النبي ﷺ مرة رجلاً إلى رجل من فراعنة العرب أن ادعه لي، قال: يا رسول الله إنه أعتى من ذلك، قال: اذهب إليه فادعه، قال: فأتاه، فقال رسول الله ﷺ يدعوك، قال: أرسول الله وما الله؟ أمن ذهب هو أم من فضة هو أمن نحاس هو؟ فرجع إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله قد أخبرتك أنه أعتى من ذلك وأخبر النبي ﷺ بما قال قال: فارجع إليه فادعه فرجع فأعاد عليه المقالة الأولى فرد عليه مثل الجواب فأتى النبي ﷺ فأخبره، فقال: ارجع إليه فادعه فرجع إليه فبينما هما يتراجعان الكلام بينهما إذ بعث الله سحابة حيال رأسه فرعدت ووقعت منها صاعقة فذهبت بقحف رأسه، وأنزل الله وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ [سورة الرعد:13]"[8]

وقوله: وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ أي: يشكون في عظمته، وأنه لا إله إلا هو، وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ.

قوله: يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ أي: يجادلون في توحيده، كما قال – تبارك وتعالى : أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [سورة ص:5]، وكما قال الله : وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ [سورة الرعد:30]، وكقوله: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا [سورة الفرقان:60].

وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ قال ابن جرير: شديدة مماحلته في عقوبة من طغى عليه، وعتا وتمادى في كفره، وهذه الآية شبيهة بقوله: وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ۝ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ [سورة النمل:50، 51]، وعن علي وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ أي: شديد الأخذ.

قوله: وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ قال ابن جرير: أي شديدة مماحلته في عقوبة من طغى عليها وتمادى، وهذه الآية كقوله – تبارك وتعالى: وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ [سورة النمل:50].

وقال بعض أهل العلم: وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ، أي: شديد الكيد، وبعضهم فسرها بالشدة والقوة، وقال بعضهم: شَدِيدُ الْمِحَالِ، أي: شديد الأخذ، وقال بعضهم: أي: شديد العداوة لمن عاداه، وقال بعضهم: شديد العقوبة إذا عاقب، وهذه الألفاظ متقاربة والله أعلم.

قوله: لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ [سورة الرعد:14]، قال علي بن أبي طالب -: لَهُ دَعْوَةُ الْحَقّ قال: التوحيد. رواه ابن جرير.

وقال ابن عباس -ا- وقتادة ومالك عن محمد بن المنكدر: لَهُ دَعْوَةُ الْحَقّ لا إله إلا الله، وَالّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الآية، أي: ومثل الذين يعبدون آلهة غير الله كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ، قال علي بن أبي طالب -: كمثل الذي يتناول الماء من طرف البئر بيده وهو لا يناله أبداً بيده، فكيف يبلغ فاه؟

وقال مجاهد: كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ يدعو الماء بلسانه ويشير إليه فلا يأتيه أبداً، ومعنى هذا الكلام أن الذي يبسط يده إلى الماء إما قابضاً وإما متناولاً له من بعد كما أنه لا ينتفع بالماء الذي لم يصل إلى فيه الذي جعله محلاً للشرب، فكذلك هؤلاء المشركون الذين يعبدون مع الله إلهاً غيره، لا ينتفعون بهم أبداً في الدنيا ولا في الآخرة، ولهذا قال: وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ.

قول الله تعالى: لَهُ دَعْوَةُ الْحَقّ أنه تعالى صاحب دعوة الحق لذاته وصفاته، وإن لم يوجب لداعيه بها ثواباً فإنه يستحقها لذاته، فهو أهلٌ أن يعبد وحده ويدعى وحده ويقصد ويشكر ويحمد ويحب ويرجى ويخاف، ويتوكل عليه، ويستعان به، ويستجار به، ويلجأ إليه، ويصمد إليه فتكون الدعوة الإلهية الحق له وحده.

ومن قام بقلبه هذا معرفة وذوقاً وحالا صح له مقام التبتل والتجريد المحض، وقد فسر السلف دعوة الحق بالتوحيد والإخلاص فيه والصدق ومرادهم هذا المعنى.

فقال علي دعوة الحق: التوحيد. وقال ابن عباس -ا: شهادة أن لا إله إلا الله. وقيل: الدعاء بالإخلاص، والدعاء الخالص لا يكون إلا لله، وحده ودعوة الحق دعوة الإلهية وحقوقها وتجريدها وإخلاصها.

قوله -تبارك وتعالى: وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ [سورة الرعد:14]، نقل عن علي قال: كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء كمثل الذي يتناول الماء من طرف البئر بيده، وهو لا يناله أبداً بيده، فكيف يبلغ فاه، وقال مجاهد: كباسط كفيه يدعو الماء بلسانه، يشير إليه فلا يأتيه. وهذا الذي اختاره ابن جرير -رحمه الله.

ويقول ابن كثير: "ومعنى هذا الكلام أن الذي يبسط يده إلى الماء إما قابضاً وإما متناولاً له من بعد كما أنه لا ينتفع بالماء الذي لم يصل إلى فيه الذي جعله محلاً للشرب، فكذلك هؤلاء المشركون الذين يعبدون مع الله إلهاً غيره، لا ينتفعون بهم أبداً في الدنيا ولا في الآخرة" ومعنى هذا الكلام أن الذي يبسط يده إلى الماء إما قابضاً وإما متناولاً له من بعد، كما أنه لا ينتفع بالماء الذي لم يصل إلى فيه الذي جعله محلاً للشرب، فكذلك هؤلاء لا ينتفعون.

ويحتمل أن يكون معنى قوله: َكباسط كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ كالذي يقبض على الماء بيده، يريد القبض عليه، فلا يحصل له شيء، فالماء ليس كالأجسام والأجرام التي يمكن قبضها باليد، فهو يحاول قبضه ولا يستطيع، كما قال الشاعر:

فأصبحت مما كان بيني وبينها على الود مثل القابض الماءَ باليد

(مسألة)

الرعد إذا أطلق يمكن أن يراد به الملك، ويمكن أن يراد به الصوت المعروف، فالآية تحتمل هذا وهذا، فإذا فسر بالملك فهذا لا إشكال فيه، ويكون قوله: وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ [سورة الرعد:13] من باب عطف العام على الخاص.

  1. رواه الهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (2 / 255)، برقم (3297)، وصححه الألباني في السلسلة، برقم (1665).
  2. رواه الترمذي، كتاب التفسير، تفسير سورة الرعد (5 / 294)، برقم (3117)، وصححه الألباني في السلسلة، برقم (1872).
  3. رواه الترمذي، كتاب الدعوات، باب ما يقول إذا سمع الرعد (5 / 503)، برقم (3450)، وأحمد (10 / 47)، برقم (5763)، وضعفه الألباني، انظر مشكاة المصابيح (1 / 343)، برقم (1521).
  4. رواه مالك في الموطأ (5 / 1444)، برقم (3641).
  5. رواه أحمد في مسنده (14 / 327)، برقم (8708)، وضعفه الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة (2 / 287)، برقم (883).
  6. المعجم الكبير للطبراني (9 / 187)، برقم (10608)،
  7. رواه البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة الرجيع (4 / 1501)، برقم (3864).
  8. سنن النسائي الكبرى (6 / 370)، برقم: (11259).

مواد ذات صلة