الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
ففي هذه المجالس نتحدث -بإذن الله عن خصائص أهل السنة والجماعة، وسيكون الحديث عن توطئة تشتمل على سبع قضايا:
الأولى: وهي الكلام على أهمية مثل هذا الموضوع، ولماذا نطرحه، وفي هذا الوقت بالذات؟.
والثانية: في ذكر مواقف الناس إزاء هذه القضية.
وفي الثالثة: نذكر لمحة تاريخية للانحراف عن الصراط المستقيم.
وفي الرابعة: نشير إلى موقف السلف من بوادر الانحراف وبداياته التي ظهرت في زمانهم.
وفي الخامسة: نتحدث عما تستند إليه كل فرقة من هذه الفرق.
وفي السادسة: كيف نعرف المحق من المبطل؟
وأما السابعة: ففي ذكر أهل السنة وأوصافهم وأسمائهم الشرعية.
أولاً: وهو ما يتعلق بأهمية موضوعنا هذا، والحاجة إلى طرحه ومدارسته ومذاكرته كثيراً في الأوساط والمجامع العامة، وفي المجالس الخاصة، أن يُدرس هذا الباب دراسة مستفيضة حتى يستقر في النفوس، ويثبت الناس على جادة الصواب، فالناس اليوم بحاجة إلى التثبيت.
أقول:
أولاً: نحن بحاجة إلى الموضوعات التي تؤسس المسلم؛ ليبني عمله واعتقاده على أصول ثابتة، راسخة لا تتزعزع حينما تثار الشبهات.
قد ندرك في كثير من الأحيان أن الكثيرين لربما لا يحملون هذه الأصول إذا وقعوا في مواقع تصل إليهم فيها الشبهات.
وقد أرسل إليّ أحد السائلين رسالة يسأل فيها، يقول: هل نحن مجسمة؟ هل نحن حشوية؟ هل نحن نابتة؟ هل حقًّا نحن ننتسب إلى السنة ولا نمت لها بصلة؟ وأننا فرقة أسسها ابن تيمية وابن عبد الوهاب؟
فطلبت منه أن يتصل، فسألته: من أين لك هذا؟.
قال: دخلت في بعض المواقع في الشبكة، فالتبس الأمر عليّ فلم أعد أدري الحق من الباطل، فوقعت في حيرة.
وآخر جاء إلى بعض أهل العلم بحمل من الكتب، وهو يكفكف دموعه! دخل في بعض المواقع ليناظر بعض الطوائف المنحرفين وهو جاهل، ثم بعد ذلك وقع له من التلبيس والتشكيك حتى إنه كان في شهر رمضان يقول: هذا اليوم الثالث لم أصم فيه، يعني أنه بقي متحيراً في دين الإسلام، وهو صغير، طالب في المرحلة الجامعية يفضي به الأمر إلى أنه يتبجح أنه لا يؤمن بشيء من الأديان التي يقال لها: الأديان السماوية، وأنه مستعد ليناظر أكبر الناس علماً، من أين له هذا؟.
يدخل في بعض المواقع ليطلع، ليقرأ، ثم بعد ذلك يقع في هذا التشكيك، يدخل في البحر الخضم وهو لا يحسن السباحة.
نحن بحاجة إلى أن نؤسس، وأن نطرح الموضوعات الجادة، الموضوعات التي تجعل المسلم ثابتاً راسخاً لا يتزعزع، ولا يتضعضع أمام الشبهات، مع أننا نقول: إن المسلم لا ينبغي له أن يعرض سمعه وبصره وقلبه للشبه؛ لأنه كما قال عمر بن عبد العزيز -رحمه الله: "من جعل دينه عرضة للخصومات أكثر التنقل"[1]، أكثر التحول، يعني كل يوم على مذهب.
وسأتحدث عن هذه القضية -بإذن الله - بحديث مفرد في غير هذه الدورة، وذلك -إن شاء الله تعالى- أننا سنطرح جملة من الموضوعات التي يثار حولها شغب كثير ويُزلزَل الناس بسببها، قد تزيد على العشرة، يكون كل موضوع -بإذن الله - في مجلس مفرد مما يلبِّس به الملبسون، ويفتري به كثير من أهل الإفك، مع أن بعضهم نعلم جيداً أنهم كذبة، بعض هؤلاء قد أُشربت قلوبهم البدع والأهواء، وبعض هؤلاء قد لُبس عليهم ويظنون أنهم على شيء، لكن من الناس من يتعمد التلبيس على الناس، وأصبح اعتقاد الأمة ودين الأمة كلأ مباحاً، يسومه كل أحد، ويتكلم فيه من شاء، وقل الورع والخوف من الله ، وعاد ذلك كلأ مباحاً.
لقد هزلت حتى بدا من هُزالها | كُلاها وحتى سامها كلُّ مفلسِ[2]. |
وأمر آخر بسببه نطرح هذا الموضوع، وهو: كثرة الفتن بهذا الزمان، والنبي ﷺ أخبر عن هذه الفتن، وأن المرء يصبح مؤمناً، ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً، ويصبح كافراً[3].
وكذا ما يطرح من الشبهات، والشبه خطافة تعلق في القلوب، وقد لا تخرج منها.
وأمر ثالث وهو: هذا الانفتاح الإعلامي الهائل، فصار السحر والوثنية ودين اليهود والنصارى، وسائر الطوائف، صار يعرض على الناس، ويصل إليه من شاء، الصغير والكبير، يصل إليهم في وسط بيوتهم، وما عادت القضية مجرد شهوات يُعافسها من يُعافسها ممن أصغى قلبه إليها، وإنما أخذت القضية منحًى آخر خطيرًا، وهو أن الأهواء المُردية أصبحت تجتاح كثيراً من الناس.
الهيئة يقبضون على شاب في المرحلة الثانوية قد دخل سوقًا من الأسواق بلباس وزي وهيئة وشعر لا يمت إلى ديننا بصلة، وقد علق على رقبته صليباً لا شبهة فيه، ولما سُئل عن هذا ذكر أنه من باب التجديد والتغيير، ومحاكاة الآخرين، يفعل هذا، حتى الأفلام التي يشاهدونها مما يصدَّر إليهم من اليهود والنصارى لربما تجد هذا الإنسان الذي يقوم بدورٍ بارزٍ في هذا الفيلم، أو تلك المرأة الفاتنة، أو نحو ذلك بين لحظة وأخرى يسلط على نحره التصوير؛ ليُبرز صليباً، ولربما وشماً في ذراعه أو عضده، ويتكرر هذا المشهد السنين الطوال، ويعجبون بهذا غاية الإعجاب، ثم بعد ذلك يحاكونه في كل شيء، حتى في هذا.
وهناك أمور أخرى مما يجده أصحاب الهيئات من عبدة الشيطان، أو ممن يحاكونهم -إن أحسنا الظن- ولا يعتقدون هذا الاعتقاد، ويلبسون شعاراتهم، كل ذلك مما تفعله بهم شياطين الإنس وشياطين الجن.
كان الناس لا يسمعون إلا ما يقوله علماؤهم، ويتلقونه عن شيوخهم في الجوامع، وفي المدارس، وفي وسائل الإعلام، ثم بعد ذلك صار يطولهم -من وسائل إعلامية تُصدَّر إليهم من بلاد لا تؤمن بالله، ولا باليوم الآخر- ألوانُ الكفر والانحراف الاعتقادي والأخلاقي.
كان الناس لا يسمعون إلا ما يقوله علماؤهم، ويتلقونه عن شيوخهم في الجوامع، وفي المدارس، وفي وسائل الإعلام، ثم بعد ذلك صار يطولهم -من وسائل إعلامية تُصدَّر إليهم من بلاد لا تؤمن بالله، ولا باليوم الآخر- ألوانُ الكفر والانحراف الاعتقادي والأخلاقي.
والعلماء -رحمهم الله- منهم من قسم المسلمين إلى قسمين: إلى مسلمة الدار، ومسلمة الاختيار.
ومعلوم أن مسلمة الدار هم الذين أخذوا الإسلام وراثة، فهؤلاء يعيشون في كنف المسلمين على مر العصور السابقة، يعيش الواحد منهم، ويقوم بالشعائر التعبدية ولا يعرف سوى الاعتقاد الذي تلقاه من أبيه وأمه، وما درسه منذ نعومة أظفاره، ثم يموت على هذا، لكن هؤلاء لا يقفون أمام الشبهات غالباً، ولا يستطيعون التصدي لهذه الأمور المزلزلة، فكانوا يعيشون بحال من السكون والاستقرار في الاعتقاد، حتى جاء هذا العصر، وصار هؤلاء يُستهدفون ويُتخطفون، وسرعان ما يسقط الواحد من هؤلاء، ويكون فريسة لمثل هذه السهام التي توجه إليه.
بخلاف مسلمة الاختيار فهم الذين درسوا وقرءوا واختاروا الإسلام عن قناعة ودراسة، اختاروه على سائر الأديان، فهؤلاء أثبت اعتقاداً ممن ورثه وراثة.
وأمر رابع وهو: تداعي الأمم على هذه الأمة بأجمعها، وعلى أهل السنة المحضة خاصة، وذلك أن الأعداء منذ زمنٍ طويل يدركون أن الخطر إنما يصلهم ويتوجه إليهم ممن يحملون الإسلام حقًّا، ولهذا لما جاء الاستعمار نبش الديانات القديمة، وشغل الناس بالآثار، ولما جاءت الحملة الفرنسية إلى مصر جاءوا معهم بمائة وستة وأربعين عالماً من علماء الآثار، وأنشئوا معهداً للآثار، ثم بعد ذلك جاء الإنجليز بعدهم وكانت المنافسة بين الإنجليز والفرنسيين منافسة شديدة للغاية، فعمد الإنجليز إلى محو كل أثر يذكِّر بالفرنسيين إلا شيئاً واحداً وهو معهد الآثار، أبقوه بعلماء الآثار من أجل أنه يحقق الهدف، ثم عمد هؤلاء ومن وراءهم من المستشرقين إلى نبش التراث وأخرجوا كتب الفرق، وإذا نظرنا إلى كثير من كتب الفرق نجد أن الذين أخرجوها وحققوها هم من المستشرقين، كتب المعتزلة، كتب الفلاسفة، كتب الباطنية، إلى غير ذلك من طوائف الضلال، أخرجها هؤلاء من المستشرقين غالباً.
بل إنهم زرعوا بعض الفرق كالقديانية في بلاد المسلمين كما هو معلوم، وكانوا يشجعون الفرق والطوائف الموجودة الخارجة عن السنة، ويدعمونها إلى يومنا هذا، والتاريخ شاهد بذلك، والواقع أكبر شاهد به.
هم لا يشعرون أبداً أن هذه الفرق المنحرفة تمثل خطراً عليهم، بل هي رِدءٌ لهم وعونٌ، وهذا أمر لا خفاء فيه.
إنما الخطر الحقيقي ممن يحملون الإسلام الصافي بعقيدته الصحيحة التي لم تشبها الشوائب، ولذلك حاربوه بكل طريق مستطاع، ورموه بأقبح الأوصاف، ولذلك نجد هذه الدعاية العظيمة ضد الإسلام تتوجه إلى أهل السنة بنسبتهم إلى الألقاب القبيحة، وتهديدهم، ومطالبتهم بتغيير مناهجهم وعقائدهم ودينهم، وما أشبه ذلك، ولم يطالبوا الفرق الأخرى بشيء من هذا، ومهما عملت تلك الفرق من قتل وتشريد وتدمير وذبح فإنها لا توصم بشيء، ولا بعشر معشار ما يوصف به أهل السنة والجماعة.
فالمستهدف هو الإسلام الحقيقي الصافي الذي جاء به الرسول ﷺ، فهم يصرحون أن هذا هو الخطر على الحضارة الغربية، فتداعت الأمم، أوجدوا إذاعات وقنوات، وألفوا المؤلفات، حتى إنهم ألفوا كتاباً ليكون بديلاً للقرآن، واشتغلوا بالتشكيك والتلبيس، وأبرزوا بعض الشخصيات التي تحقق أهدافهم، وتطرح طرحاً مائلاً معوجاً عن منهج أهل السنة والجماعة؛ ليضللوا جمهورهم، وقد قال كبير من هؤلاء في هذا العصر أمام مجلس من مجالس قومه، قال: "إننا لا نستطيع أن نوقف هذا المد" يقصد المد الإسلامي الذي أفسد عليهم خطط التنصير والاستعمار "إننا لا نستطيع أن نوقف هذا المد، ولكننا سنحاول أن نغير مجراه".
ونحن نعرف جيداً كيف يعمدون إلى تغيير مجراه.
أقول: تداعت الأمم كما أخبر النبي ﷺ: كما تداعى الأكَلَة إلى قصعتها[4]، وحركوا من حركوا من أهل الأهواء، فأظهروا قرونهم، وطالت أعناقهم، واجترءوا جرأة ما كانوا يجترئونها قبل ذلك، وأصبح أهل السنة كالغنم الذليلة في الليلة الشاتية المطيرة، يُرمون بالسهام من كل جانب، ويُلبَّس عليهم، ويتهمون، ويشكك ناشئتهم في دينهم واعتقادهم.
بل عمد هؤلاء الأعداء إلى صرف المليارات من أجل أن يستهدفوا الجيل الجديد لينشأ نشأة أخرى على الكفر بالله ، ما عادت القضية -كما ذكرنا- مطالبة بمزيد من الشهوات والإغراق في الملذات، هذا يزني ثم يتوب، وهذا يرقص ثم يتوب، وهذا يعجب بمغنية أو بممثل أو ممثلة، القضية صارت أكبر من هذا، صار الكفر والزندقة والضلال الذي يؤدي إلى النار هو الذي يراد لأمة محمد ﷺ.
وأمر خامس نطرح من أجله هذا الموضوع وهو -للأسف الشديد: وجود طوائف من الملبِّسين من داخل الصف، ممن استزلهم الشيطان، منهم من تخرج على الشيوخ، وأخذ العلم الشرعي من مصادره الأصلية، وهؤلاء لا يخفى عليهم الحق، فهم درسوا دراسة وافية، ولكنهم استزلهم الشيطان، منهم من يريد شهرة بأي ثمن ولو بالبول ببئر زمزم! فيأتي بالعجائب والغرائب، والمخالفات النَّكِدة، ولا يهمه دين المسلمين ولا عقيدتهم، ولا في أي وادٍ هلكوا، المهم أن يظهر، وأن يُصدَّر وأن يُقدَّم.
ومنهم من زين له الشيطان تحت مسميات مبهرجة ليس تحتها شيء، جَهام يبرق ويرعد وليس فيه مطر، تحت مسمى الانفتاح على الآخر، والرأي والرأي الآخر، وأن الإنسان لا يحتكر الحق، وأننا يجب أن نسمع من غيرنا، وأنه لا يوجد طائفة من الطوائف تمتلك الحقيقة كاملة، ولذلك يأنف بعض هؤلاء من أن ينتسب إلى الألقاب الشرعية، وينكر هذا، ويقولون: القول بأن أهل السنة والجماعة هم على الحق هذه أحادية في التفكير، ورمي الآخرين بالباطل والضلال، هذه إقصائية، وإنما هؤلاء عندهم شيء من الحق، وهؤلاء عندهم شيء من الحق، وهؤلاء عندهم شيء من الحق، ولا مانع لدى هذا أن يتخذهم إخواناً وأخداناً، وأن يجلس معهم، وأن يسمع منهم كل شيء، وأن يحاورهم في كل شيء، حتى في أصل التوحيد، كما يصرح بهذا بعضهم، وجاءوا برءوس الضلال؛ ليجروا لهم المقابلات في صحفهم، وإن كان تحت يده موقع في الإنترنت جاء به، وطرح ما عنده، دون أن يرد عليه ويبين زيغ ما قال، تحت مسمى الحرية، وسموا هذه الفِرق المنحلة الضالة المضلة أطيافاً؛ ليهونوا أمرها، حتى الكافر صاروا يقولون له: الآخر، فكم ضيعوا من حق!، وكم هدموا من أصل!، وكم ميعوا من حقيقة من حقائق دين الله بسبب هذه التمويهات التي ظنها بعضهم شيئاً وليست بشيء!.
وإن من أعظم ما سوّق لذلك وهيأ له تلك العلوم الفاسدة التي تُقدم لهم على شكل دورات، أعني ما يسمى: بالبرمجة العصبية، تقدم لهم قواعد تدرس على أنه يجب أن ننظر إلى نصف الكأس الممتلئ، ولا ننظر إلى الفارغ، فإن نظرت إلى الفارغ فأنت إقصائي، أنت سوداوي، أنت تنظر بنظر أحادي، والمسكين الذي لا يعلم حقائق ما جاء به الرسول ﷺ حينما يسمع هذا الكلام يصدقه، ويحسب أنهم على شيء.
الشرك نجاسة مغلظة لا تطهرها مياه البحار، فمن أشرك بالله : فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ [الحـج:31].
الشرك هو أعظم الظلم، فمهما كان عند هذا المشرك من فضائل وحسنات، فإن نجاسة الشرك تكدرها، فلا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً، وكل ما نحتاج إليه في شأن الهداية فقد تكفل الله به: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9]، فلسنا بحاجة لأن ننظر فيما عند أهل الأوثان، وأهل الصلبان وأحفاد القردة والخنازير، لنقول: إن هؤلاء عندهم جانب أو جوانب مشرقة إذا نظرنا إليها استطعنا أن نتعايش وأن نتقارب، وأن نستفيد من هؤلاء.
إذا كانت معطيات الحضارة المادية فهذا لا إشكال فيه، فهي لا تختص بهم، يأخذها المسلمون ويأخذها غيرهم، وقد أخذ النبي ﷺ من الكفار أشياء كحفر الخندق، فهي خطة عسكرية فارسية، لكنها لا تنسب إلى دينهم.
وهمَّ النبي ﷺ بمنع وطء النساء في حال الرضاع[5]؛ لأن العرب كانوا يعتقدون أن المرأة إذا وُطئت وهي ترضع أن ذلك يوهن عظم الولد الرضيع، فينبو السيف في يده، ولهذا قال شاعرهم:
فوارسُ لم يُغالوا في رضاعٍ | فتنبوَ في أكفِّهِمُ السيوفُ[6] |
فهمَّ النبي ﷺ أن يمنع من وطء النساء في حال الرضاع، فأُخبر أن الفرس والروم يفعلونه ولا يضرهم، فتركه ﷺ، إلى غير ذلك.
كما اتخذ النبي ﷺ دليلاً أميناً مشركاً أوصله من مكة في هجرته ﷺ إلى المدينة[7].
فالاستفادة من الكفار فيما عندهم من ماديات وعلوم دنيوية لا يمنع منها أحد من أهل العلم، وهو أمر مجمع عليه، ولكن الكلام ليس في هذا، الكلام في التسول على فتات موائدهم، وأخذ ما عندهم مما يتعلق بالأخلاق واللوثات الفلسفية التي لا يدركها كثير ممن يدرسونها، فلسفات تفسد ولا تصلح، وما فيها من حق فإن الناس يعرفونه بفطرهم، تعرفه العجائز، فإذا قررت هذه القواعد والمبادئ الفاسدة على الناس ما الذي يحصل لهم؟ تسيطر هذه القواعد على رأس هذا الإنسان، فإذا جلس في محفل أو مع هؤلاء المنحرفين، أو نحو ذلك، بدأت هذه القواعد تهيمن عليه؛ لئلا يُحكم عليه بأنه إقصائي أو سوداوي أو أحادي أو ضيق العَطَن، إلى غير ذلك من الألقاب والأوصاف التي يذكرونها.
فصار هؤلاء يتكلمون بكل طلاقة، الجهال يتكلمون في المسائل العظام، ويجلس مع القُسس، ويجلس مع أئمة الضلال، ويقول: أنا مستعد أن أتحاور معكم في كل شيء حتى في الوحدانية، ويقول: لماذا نمتنع؟، ألسنا نثق بما عندنا؟ والسلف النصوص الواردة عنهم إن لم تكن بالمئات فهي بالعشرات في التحذير من الإصغاء إلى أصحاب الشبه، والسماع منهم، ومن مجالستهم، ومن مجادلتهم إلا في حالات ثلاث فقط ليس هؤلاء منها في قليل ولا كثير:
الحالة الأولى: إذا طُرحت الشبهة وعمت وطمت كما حصل في عهد الإمام أحمد، صار الناس يُمتحنون بالقول بخلق القرآن، والعلماء يقادون بالحديد، ليقولوا بخلق القرآن، فلابد أن يتصدى لها أهل السنة، ولكن من يتصدى لها؟ يتصدى لها الجبال لا الجهال.
والحالة الثانية: من جاء مسترشداً وعنده شبهة تحتاج إلى بيان، يحتاج إلى تعريفٍ بالحق، فهذا يُبين له الحق بأقرب طريق من غير إيغالٍ في أمور لا يجوز الإيغال فيها، ومن غير تنقير في أمور لا يجوز التنقير فيها.
والحالة الثالثة: إذا طُرحت الشبهة بمجلس أنت حاضر فيه، وما استطعت أن تصرف الناس عن ذلك، فلابد من الجواب، لا يُترك الناس أمام هذه الشبهة.
أما أن يذهب الناس إلى أهل الشبه بأقدامهم، ويدخلون في مواقعهم ويجلبونهم من أجل إجراء المقابلات معهم، ويضرب الواحد صدره، ويقول: نحن نثق بما عندنا، ثم بعد ذلك يتخبط غاية التخبط، وتزل الأقدام، والسلف كانوا يقولون: "إن القلب ضعيف"[8]، وإن الشبه خطافة.
والنصوص الواردة عنهم كثيرة جدًّا، ومن شاء فليراجع كتاب: "أصول السنة" لللالكائي، و"الشريعة" للآجري، و"رد الدارمي على المريسي"، والمجلد الأول من "شرح السنة" للبغوي، و"الإبانة الكبرى" لابن بطة، و"الإبانة الصغرى" له، و"السنة" لمحمد بن نصر المروزي، و"أصول السنة" لابن أبي زمنين، وإلى غير ذلك من الكتب، ففيها نصوص كثيرة عن السلف يحذرون من السماع من أهل البدع، ومن الجلوس معهم.
وكان الإمام أحمد -رحمه الله- ينعَى على المحاسبي أنه يطرح الشبهة ثم يحاول الجواب عنها، ويقول: "لا آمن أن تقع في قلب رجل ثم لا تخرج منه"[9].
وقد يجاب عن هذه الشبهة ثم بعد ذلك لا يقتنع السامع، ثم يقال: قصر أهل السنة، لاسيما أن مبنى تلك المجادلات على المغالبات؛ لأن أصحابها غالباً لا يقصدون بذلك التوصل إلى الحق، وإنما المغالبة، وإظهار ما عندهم من باطل.
فالمقصود: أنه وُجد من يلبِّس على الناس كثيراً، ويقول: ما المانع من أن نسمع؟ وما المانع من أن نحاور؟ وما المانع من أن يكون هؤلاء عندهم جوانب من الحق ليست عندنا؟ ويقولون: نحن نشأنا في بيئة على أمور، ونشأ غيرنا على أمور، فهؤلاء عندهم شيء، ونحن عندنا شيء، ونجتمع، ويُجمع من هذا وهذا، ثم يلملم، ونخرج بدين وعقيدة مخلطة، لا تبرأ بها الذمة عند الله -تبارك وتعالى، وجود هؤلاء المُلبِّسين المُخلِّطين، من ينتسب إلى السنة ممن أخذ العلم من مصادره للأسف الشديد، أو من الجهال ممن لا دراية لهم بالعلم الشرعي أصلاً، وكثير من هؤلاء كانوا قد درسوا في بلاد الغرب، وتأثروا بما عليه أولئك من أنماط في الثقافات، وما عندهم من الحرية.
وقد رأيت هذا بنفسي، ألقيت مرة محاضرة في أحد المراكز الإسلامية عن "منهج أهل السنة والجماعة في التلقي والنظر والاستدلال"، فبمجرد ما انتهى الحديث وإذا بالأيدي مرفوعة، أكثر من حضر لا تدل هيئتهم على التدين أصلاً، فظننت أنهم يريدون السؤال، ففوجئت أن هؤلاء يريدون التعقيب والمناقشة، وما اقتنعوا في عدد من القضايا التي هي أصول ومسلمات عند أهل السنة والجماعة، فتعجبت!.
والسبب الذي أوقع هؤلاء في مثل ذلك أنهم يظنون أن هذا مثل الكيمياء والفيزياء والرياضيات والأحياء، وحياة الحيوان، وما أشبه ذلك، كل إنسان يقول ما عنده بكل حرية، أصاب أو أخطأ لا يضره في دينه.
هذه قضايا اعتقاد، هذه أصول كبار في الدين لا يتكلم فيها الإنسان إلا بعلم، والله يقول: وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء:36]، يمكن للإنسان أن يتحدث عن تخصص يحسنه في أي علم من العلوم الدنيوية، يكون طبيباً بارعاً حاذقاً يتحدث عن قضايا الطب، ويطرح رأيه، والأشياء التي لا يقتنع فيها يقول بملء فمه: إنه لا يقتنع فيها، لكن إذا كان الحديث عن الاعتقاد والدين فإنه لا يجوز لأحد أن يتكلم إلا بعلم، والإنسان أحياناً قد يلتبس الأمر عليه يظن أنه إذا كان بارعاً في الزراعة أو في أي فن من الفنون أنه من حقه، ويستطيع أن يتكلم في جميع العلوم بحجة أنه ليس عندنا كهنوت كما هو عند النصارى، من حق كل إنسان أن يتكلم في الدين، ولربما اتخذ عموداً صحفيًّا وجعل يتكلم في أصول الدين، ويبدي آراءه فيها، يهدم أصولاً كباراً، فهذا لا يجوز بحال من الأحوال، وقد ابتلينا كثيراً في هذا الزمان بمثل هذه الأفكار والأطروحات، والله المستعان.
ثانياً: مواقف الناس إزاء هذا الموضوع الذي نطرحه على قسمين:
الأول: الموافق: وهم ثلاثة أصناف:
الصنف الأول: وهم أصحاب الموقف العاطفي، هو مع أهل السنة، ومن أهل السنة، ويحب نصرة منهج أهل السنة والجماعة، ولكنه لا يتعلمه، ولا يمتثل ذلك في واقعه، فهو لا يعرف عن ذلك شيئاً، لكن له عاطفة.
الصنف الثاني: وهو صاحب الجانب النظري العلمي، يعرف تفاصيل منهج أهل السنة معرفة نظرية، أما التطبيق والامتثال والتحقيق فهذا شأن آخر، هو يحسن أن ينظر.
الصنف الثالث: هو الموقف العلمي العملي، وهذا الذي يجب أن يكون عليه المسلم، أن يمتثل ذلك، وأن يكون واقعاً له، يقف عنده ويلتزمه من الناحية الواقعية العملية بعد أن يعرفه من الناحية النظرية.
وأما المخالفون فهم صنفان:
الأول: وهم قوم لا بصر لهم بحقائق الدين، وهم الذين أشرت إليهم حينما تحدثت عن أسباب طرح هذا الموضوع، لا بصر لهم بحقائق الدين، هؤلاء أناس قد يكون لهم بصر بعلوم أخرى دنيوية، ولكنهم لم يتعلموا العلوم الشرعية.
وهؤلاء قد تأثروا بثقافات أخرى تحت دعاوى الحرية، وما أشبه ذلك -كما ذكرنا- من الإقصاء والسوداوية والأحادية، والألقاب التي تطلق على الإنسان الذي يقول: أهل السنة على حق وما عداهم على باطل بين مقل ومكثر، يقولون: لا، لا تحتكر الحقيقة، هؤلاء أناس جهلة في الغالب لم يعرفوا حقائق ما جاء به الرسول ﷺ، وإذا أردت أن تناقش هؤلاء فإنك تحتاج إلى أن تُوجِد عندهم أرضية للنقاش، تحتاج أن تشرح لهم أشياء، تحتاج أن تبين لهم أن الحق هو ما جاء به الرسول ﷺ، الحق هو الكتاب والسنة، فإذا وصلت معهم إلى هذه الحقيقة تحتاج أن تبين لهم أن الكتاب والسنة قد يفهمان بأفهام مختلفة، وجد منهم من يقول: نقرأ القرآن قراءة جديدة، بمعنى نفهمه بفهم جديد.
ووجد من يقول: لسنا ملزمين بفهم السلف الصالح ، لنا فهم ولهم فهم، وهؤلاء حتى الإجماع فإن بعضهم قد أنكره، ولا يعرفه، تقول له: هذا مجال إجماع، يقول لك: هذا إجماعهم هم؟، تقول له: إجماع الصحابة، يقول: نعم، ولكن أهل العصر لم يجمعوا على ذلك.
تحتاج أن تبين له أصولاً، تبين له ما هو الإجماع، وحكم مخالفة الإجماع، وتبين له أن فهم الكتاب والسنة يجب أن يكون بفهم السلف الصالح ، وتشرح له قضايا طويلة، تحتاج أن تعطي هذا الإنسان دورات، ثم بعد ذلك تُوجِد الأرضية التي يمكن أن تتناقش معه فيها، فهذا لون من المخالفين لا يعجبهم طرح مثل هذا الموضوع: أهل السنة، أصول أهل السنة، خصائص أهل السنة، وما أشبه ذلك، يقولون: اطرح ما شئت، لكن لا تقل: إن هؤلاء هم الذين يمثلون الحق، إنما الحق موزع في طوائف الأمة.
الطائفة الثانية: وهم أهل الأهواء والبدع بطبيعة الحال؛ لأنهم يخالفون أهل السنة كما هو معلوم، ويرون أنهم هم أهل الحق، وأن أهل السنة على الباطل.
ثالثاً:هو ما سنذكر فيه -بإذن الله لمحة سريعة نستعرض فيها تاريخ الانحراف عن الصراط المستقيم.
نحن نعلم أن الله -تبارك وتعالى- حينما خلق آدم ﷺ أسكنه الجنة، ونهاه عن أكل الشجرة، فوسوس له الشيطان حتى أخرجه من الجنة بعد أكله من الشجرة التي نهاه الله عن الأكل منها.
ثم بعد ذلك خرج إلى هذه الدار، وبقي الناس على الإيمان وتوحيد الله -تبارك وتعالى- عشرة قرون؛ كما جاء عن ابن عباس [10].
ثم بعد ذلك وقع الشرك في قوم نوح ﷺ حيث صوروا التصاوير؛ ليتذكروا بها أولئك العبّاد والصالحين الذين كانوا في أسلافهم، ثم بعد ذلك زين لهم الشيطان عبادة هذه الصور، وبقي فيهم نوح ﷺ ألف سنة إلا خمسين عاماً، يدعوهم إلى الله -تبارك وتعالى- وإلى الإيمان والتوحيد، وهم في غاية الإعراض، ثم أهلكهم الله -تبارك وتعالى- بالطوفان، ثم رجع الشرك من جديد، فبعث الله الرسل بعد نوح ﷺ يدعون الناس إلى الإيمان والتوحيد، بعث هوداً وصالحاً وشعيباً، ثم جاء من بعدهم إبراهيم ولوط.
ثم بعد ذلك جاء أنبياء بني إسرائيل، ومن أكبرهم وأعظمهم وأجلهم: موسى ، ثم جاء عيسى ، كل هؤلاء يدعون الناس إلى عبادة الله وحده لا شريك له، حتى انمحى كثير من آثار رسالة الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- قبل مبعث النبي ﷺ، واندرست معالم الرسالات، ولم يبقَ من ذلك إلا أثر قليل في بقايا من أهل الكتاب.
أما العرب الذين كانوا على ميراث من دين إبراهيم ﷺ فقد أفسد دينهم عمرو بن لُحي الخزاعي، وقد كانت خزاعة تحكم مكة، وتترأس فيها ما يزيد على ثلاثمائة سنة، بل إن بعض المؤرخين أوصل ذلك إلى خمسمائة سنة، فجاء عمرو بن لُحي الخزاعي -وهو سيد مطاع- بعد أن زار الشام ووجد العماليق بمآب من أرض البلقاء يعبدون الأصنام، وأخبروه أنهم يستمطرون بها المطر فيُمطرون، وأنهم يستنصرون بها على عدوهم فيُنصرون، فطلب صنماً فأعطوه "هُبلا"، فجاء به إلى مكة ونصبه، وأمر الناس بعبادته وتعظيمه، فعبدوه.
وحينما بدأ بنو إسماعيل يتفرقون في البلاد أخذوا يحملون معهم من حجارة الحرم تعظيماً للحرم، فحيثما نزلوا وضعوه، فطافوا به كطوافه بالبيت، فعبدت الأحجار بعد عبادة الله -تبارك وتعالى، وكثرت الأصنام في العرب، فكانت "ود" لبني كلب بن مرة بدومة الجندل، و"سُواع" لبني هذيل بمكان اسمه: "رُهاط"، و"يغوث" لبني أنعَم من طيِّئ، ولأهل "جُرَش" من "مُذْحِج" اليمانية، و"يعوق" لبني خَيوان الهمدانيين، و"نسر" لقبيلة ذي الكلاع الحميرية، وهي الأصنام التي كان يعبدها قوم نوح، نبشت من جديد، وعادت لتُعبد ثانية بعد أن غمر الطوفان وجه الأرض، وذهبت تلك المعبودات، فيذكر المؤرخون أن الشيطان جاء لـ"عمرو بن لحي الخزاعي"، وأنه أمره أن يذهب إلى أصنام معدة على ساحل جدة، فذهب، ثم بعد ذلك نبش فوجدها فأخرجها، فتفرقت في العرب، فعبدوها من دون الله -تبارك وتعالى: وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا [نوح:23]، هذا قاله قوم نوح .
وكان لخَوْلان صنم يدعى: "عم أنس"، وقيل: "عم يانوس" يقسمون قسْماً بين الله وبينه من أنعامهم وحروثهم؛ كما قال الله : وَجَعَلُواْ لِلّهِ مِمِّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُواْ هَذَا لِلّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَآئِنَا [الأنعام: 136]، إلى آخر ما ذكر الله -تبارك وتعالى- من سفههم وجهالاتهم في سورة الأنعام.
وكان لـ"بني مَلكان" من كنانة صنم يقال له: "سعد".
وكان لـ"دوس" صنم معروف يقال له: "ذو الخَلَصة".
وكان لقريش مع "هبل" صنم آخر، يقال له: "إساف"، وصنم ثالث يقال له: "نائلة" على موضع زمزم، ينحرون عندهما.
واتخذ أهل كل دار في دارهم صنمًا يعبدونه.
وقد جاء في البخاري عن أبي رجاء العُطاردي -رحمه الله- قال: "كنا نعبد الحجر، فإذا وجدنا حجراً هو أخير منه ألقيناه وأخذنا الآخر، فإذا لم نجد حجراً جمعنا جُثْوة من تراب ثم جئنا بالشاة فحلبناها عليه، ثم طفنا به"[11]إلى هذا الحد، وقد قال النبي ﷺ في عمرو بن قَمِئة الخزاعي، وهو عمرو بن لُحي قال: "إنه رآه ﷺ يجر قُصْبه في النار -يعني يجر أمعاءه، كان أول من سيّب السوائب"[12].
وفي بعض الروايات: "إنه كان أول من غير دين إسماعيل ، فنصب الأوثان، وبحّر البحيرة، وسيّب السائبة، ووصل الوصيلة، وحمى الحامي"[13].
وكانوا يطوفون بالبيت عراة وهم يصرخون، والمرأة تطوف عارية -كما في صحيح مسلم- وتقول:
اليومَ يبدو بعضُه أو كلُّه | وما بدا منه فلا أُحِلُّه[14] |
يعني الفرج، ومن شاء أن يعرف أخبار العرب، وكثيراً من جهالاتهم وطقوسهم في الطواف، وفي معابدهم وأنساكهم، ومحال الذبح عندهم، وعاداتهم، وما يفعلونه في حرمهم، وما إلى ذلك من محظورات الإحرام، والتلبية، وغير ذلك فلينظر كتاباً مفصلاً موسعاً يقال له: "المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام"، يبلغ نحو عشرة مجلدات، فيه كل شيء من أخبارهم العجيبة، وهناك كتب أخرى في قصص العرب وفي أخبار العرب وتاريخهم، دون هذا الكتاب.
الحاصل: أن العرب اتخذت طواغيت مع الكعبة، وهي بيوت كانوا يعظمونها كتعظيم الكعبة، لها سدنة وحجّاب، ويُهدى لها، ويطاف بها، وينحر عندها، فكانت لقريش وبني كنانة: "العزى" بوادي نخلة، وكانت: "اللات" لثقيف بالطائف، وكانت: "مناة" للأوس والخزرج، وكان "ذو الخَلَصة" لدوس وخثعم وبَجيلة، ولهم في هذا أخبار عجيبة، من ذلك أن بني حنيفة اتخذوا في الجاهلية إلهًا من "حَيْس"، يعني من الأَقِط والتمر والسمن، يخلط ذلك جميعاً، فصنعوا منه إلهًا، فعبدوه دهراً طويلاً، ثم أصابتهم مجاعة فأكلوه! فقال رجل من بني تميم يعيرهم بذلك:
أكلتْ ربَّها حنيفةُ من جو | عٍ قديمٍ بها ومن إعوازِ |
وقال فيهم آخر:
أكلتْ حنيفةُ ربَّها | زمن التقحُّمِ والمجاعة |
لم يحذروا من ربهم | سوءَ العواقب واتباعه[15] |
وظهرت في أرض العرب إلى جانب عبادة الأصنام: عبادة النجوم، وعُبدت الشمس في بلاد اليمن؛ كما قال الله في خبر الهدهد: وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ [النمل:24].
وتسربت بعض فرق المجوسية الفارسية إلى بلاد العرب، بل دخلت اليهودية بلاد العرب بصفة عامة، والمدينة وخيبر ووادي القرى، وفَدَك وتيماء، ووصلت إلى اليمن، ودان بها "ذو نُوَاس" الملك الحميري المشهور في التاريخ.
وانتشرت في "بني كنانة" و"بني الحارث بن كعب" و"كندة"، وتسربت المسيحية إلى الغساسنة والمناذرة، وتسربت إلى جنوب الجزيرة العربية في "نجران"، وفي "اليمن"، ودانت بعض قبائل قريش بالمسيحية، ومنهم "بنو أسد بن عبد العزى" كما اعتنقها "بنو امرئ القيس" من تميم، و"بنو تغلب" من ربيعة.
أما خارج الجزيرة العربية فإذا أردت أن تعرف حلم الله فاقرأ في أخبار اليهود، وقد كان اليهود حرفوا دينهم وضيعوه وبدلوه، وكابد منهم الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- ما كابدوا، وقص القرآن كثيرًا من أخبارهم، وقد اقتبس اليهود كثيرًا من عقائدهم بعد ذلك من الوثنيين الجاهليين في الأمم التي جاوروها.
هذا بالإضافة إلى أن التوراة والتلمود قد طفح بأوصاف ونعوت لا تليق بذات الله ووحيه وأنبيائه ورسله -عليهم الصلاة والسلام، يذكرون أن الله -جل وعلا وتقدس عما يقولون علوًّا كبيراً: "بكى على الطوفان حتى رمدت عيناه وعادته الملائكة"[16].
ويذكرون في التوراة المحرفة: أن الله دخل في عراك ومصارعة مع عبده ونبيه يعقوب دامت ليلة كاملة[17].
ويذكرون في التوراة: إلهاً خاصًّا بهم لا يحب غيرهم؛ لأنهم شعبه المختار، وأن الأمم الأخرى كالأغنام، لا يؤبه بها، ويسمونها بـ"الجونيم".
ويذكرون -تقدس الله عن مقالتهم وتعالى علوًّا كبيراً: أن نوحاً سكر حتى استلقى وانكشفت سوءته[18].
ويصورون لوطاً : أنه سكير وعاهر يزني بابنتيه في حالة السكر ثم تحملان وتلدان!
وتدعي توراتهم المحرفة: أن جميع النساء غير اليهوديات مومسات.
ويصورون إبراهيم في توراتهم المحرفة: أنه أغرى زوجته سارة بأن تذهب إلى فرعون حينما دخل مصر بصفتها أختاً لإبراهيم من أجل أن تعرض نفسها عليه ليعطيها حظيرة من أغنام وحمير.
ويصورون يعقوب : بأنه محتال، وأنه سرق النبوة من أخيه البكر بأسلوب قذر.
ويصورن ابنة يعقوب المسماة: "دِينة" بأنها زانية، زنى بها ابن رئيس المدينة المجاورة.
ويقولون في تلمودهم: إن عيسى ابن غير شرعي، حملته أمه سفاحاً وهي حائض، وإنه كذاب، ومجنون، ومضلل، وساحر، ومشعوذ، ووثني.
ويصف تلمودهم المسيحيين: بأنهم ليسوا أكثر من خِرق حيض المرأة التي ترمى في القاذورات، وأنهم وثنيون، وقتلة، وفسقة، وحيوانات قذرة، وحمير وخنازير وكلاب، ويصورون نبيهم داود بأنه: زنى بامرأة أحد قادته حتى حملت منه، وأنه كان رآها على السطوح فأعجبه جمالها[19].
وأما النصارى فقد حُرفت المسيحية أو حُرف الإنجيل وحُرف دين عيسى ، ولشدة العداوة التي كانت بين اليهود وبين النصارى ترك النصارى العمل بالتوراة، وقد تعبدهم الله بها، وكان بها كتاب الشريعة، فتركوها، وأعرضوا عنها، وبقوا بلا نظام ولا شريعة تضبط حياتهم، ثم بعد ذلك اخترعوا لهم كتاباً وقانوناً سموه بـ "الأمانة العظمى"، وهو في الواقع كما قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله: الخيانة العظمى[20].
ودخلت في النصرانية كثير من الوثنيات، بل إن قسطنطين وهو ملك الرومان حينما أظهر الدخول في النصرانية، الواقع أنه لم يدخل في النصرانية، وإنما سحب النصرانية ليدخلها في وثنيته، فدخل كثير من عقائد اليونان والرومان في تعاليم النصارى، وفي دينهم، وأصبحت على مر العصور ديانة وثنية لا تمت إلى التوحيد بصلة، بل إن اليعقوبية منهم يقولون: إن المسيح هو الله، وإن الله -تعالى- مات وصلب وقتل، وإن العالم بقي ثلاثة أيام بلا مدبر، تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيراً[21].
وهم في غاية التناقض في أمر المسيح، مرة تصفه الأناجيل بأنه ابن الله، ومرة ابن يوسف، ومرة ابن داود، ومرة ابن الإنسان، ومرة إله يخلق ويرزق، ومرة هو خروف الله، ومرة هو في الله والله فيه، ومرة هو في تلاميذه وتلاميذه فيه، ومرة هو علم الله وقدرته، ومرة لا يحتكم على أحد، ولا يُنفذ إرادته، ومرة هو نبي وغلام الله، ومرة أسلمه الله إلى أعدائه، ومرة قد انعزل الله له عن الملك وتولاه، وصار هو يولي أصحابه خطة التحريم والتحليل في السموات والأرض، ومرة يجوع ويطلب ما يأكل، ويعطش ويشرب ويعرق من الخوف، ويلعن الشجرة إذا لم يجد فيها تيناً يأكله[22].
وأما المجوس فقد شاع في إيران قبل ظهور "زرادشت" الاعتقاد بألوهية "مَيْثراً وياما وأشاه"، وظل ذلك حتى بعد ظهور "الزرادشتية" التي تأثرت بهذه الديانة الوثنية القديمة التي تقدس بعض العناصر الطبيعية كالنار والكواكب، ويعبد فيها آلهة متعددة.
أما "الزرادشتية" في أصلها فقد كانت حرباً على عقيدة "مَيْثرا وياما وأشاه" تلك العقيدة الوثنية.
وبعد موت "زرادشت" ظهرت فرق المجوس الذين يعبدون النار ويرونها إلهًا، ويستعملونها في شعائرهم الدينية.
ومن الطقوس التي كانت موجودة من قبل "زرادشت" عبادة الأصنام، وتقديم القرابين.
وفي القرن الثالث قبل الميلاد ظهر "ماني" بمذهبه الذي كان مزيجاً من "الزرادشتية، والمسيحية والدَّيصانية"، وعده "الزرادشتيون" ملحداً خارجاً عن دينهم الحق الذي يعتقدونه؛ لأن ديانته ثنوية صريحة إذ تقول بوجود كائنٍ ثنائي الطبيعة، وبوجود مبدأ أو كائنين يسيطران على العالم، هما مبدأ النور ومبدأ الظلام، والأول مصدر الخير، والثاني مصدر الشر، وعند امتزاج هذين الكائنين نشأ الكون بما فيه.
وظهر "مَزْدك" في أواخر القرن الخامس الميلادي، وسار على تعاليم "ماني" معلناً شيوعية المال والنساء، وأخذ الملك الإيراني "قِباذ" بآراء "مَزْدك" وطبقها في المجتمع في السنوات العشر الأولى من حكمه.
وظهرت في "إيران" كذلك الديانة المرقونية، وعقيدتها ثنوية، لزعمهم أن النور خالق الخير، والظلمة خالقة الشر.
وكذلك ظهرت في إيران الديانة "الدَّيصانية" وهي من الديانات الثنوية، وذهبت إلى ما ذهبت إليه المرقونية من وجود عالم ثالث -إضافة إلى النور والظلمة- مهمته أن يفصل بين عالم النور وعالم الظلمة.
وأما في الصين فكانت تسودهم في القرن السادس الميلادي ثلاث ديانات: ديانة "لاتشوا" وديانة "كنفوشوس" و"البوذية".
أما الأولى: فقد كانت وثنية، وعاش أتباعها زاهدين رهباناً.
وأما "كنفوشوس" فقد كان يُعنَى بالأمور العملية أكثر من النظريات، ولكن انحصرت تعاليمه في شئون الدنيا، وكان أتباعه لا يعتقدون في بعض الأزمنة بعبادة إله معين، ويعبدون ما شاءوا من الأشجار والأنهار، بل إنهم بنوا الهياكل، وعبدوا "كونفوش"، ويقدمون التماثيل ويصنعونها ويعملونها، ثم بعد ذلك يعبدونها، ويقربون لها الذبائح والقرابين، ويركعون لها.
وشاعت في الصين قبيل الإسلام عبادة الأرواح، كانوا يعتقدون أن الأرواح تعيش بينهم، وأنها تخالطهم.
وأما البوذية الصينية فقد فقدت القدر القليل جدًّا من بساطتها، وابتلعتها البرهمية الثائرة الموتورة، فتحولت وثنية تحمل معها الأصنام حيث سارت، وتبني الهياكل، وتنصب التماثيل لـ"بوذا" حيث حلت.
وأما في الهند فقد سادت فيها الديانة "البَرهمية" التي عبد أتباعها القوى المؤثرة في الكون، والتي جسّدوها، ثم اعتقدوا حلولها في بعض الأجسام، فعبدوا الأصنام لحلولها فيها، وتعددت آلهتهم، ثم حل بعقائدهم التغيير والتبديل، حتى انحصرت الآلهة في ثلاثة أقانيم: "براهما، وسيفا -أو سيوا، وفشنو".
ومن بعد البَرهمية سادت البوذية في الهند، وسادت الوثنية المجتمع الهندي بأسره، حتى وصل عدد الآلهة حدًّا خرافياً، صارت الآلهة بالملايين، ووجدت في كل المرافق، ومن كل نوع، فمنها أشخاص تاريخية، وأبطال تمثل فيهم الله -حسب زعمهم، وجبال تجلس عليها بعض الآلهة.
ومنها معادن كالذهب والفضة تجلى فيها الإله.
ومنها ما هو الكنج، وآلة الحرب والكتابة، وآلة التناسل، وحيوانات أعظمها: البقرة، والأجرام الفلكية، وعبدوا الفئران، وعبدوا كل شيء.
ثم في هذا الأثناء بعث الله نبيه ﷺ على حين فترة من الرسل في جاهلية لا تعرف للحق رسماً، ولا تقيم به في مقاطع الحقوق حكماً، وإنما ينتحلون ما تهواه نفوسهم، وما تزينه لهم شياطينهم، وما وجدوا عليه الآباء، فجاهدهم ﷺ جهاداً كبيراً، ودعاهم إلى الله ، وقارعهم بالحجة ثم بالسِّنان لما كابروا وعاندوا، وكان نصر الله حليفه، فاستقام أمره، وانتصر على عدوه، وظهر دينه، فجاء نصر الله، ودخل الناس في الإسلام أفواجاً، حتى أتم الله على الناس النعمة، وظهر الحق، ووضح الطريق، فتوفى الله نبيه ﷺ بعد أن أكمل الدين: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا [المائدة:3].
ثم قام صحابته بعده بالدين الحق خير قيام، فجاهدوا في الله حق جهاده، وقاتلوا المرتدين، وقاتلوا سائر الأمم، ودعوهم إلى الله -تبارك وتعالى- حتى تحقق ما أخبر عنه النبي ﷺ فيما رواه ثوبان عند مسلم في صحيحه: إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زُوي لي منها، وأعطيت الكنزين: الأحمر والأبيض، وإني سألت ربي لأمتي ألا يهلكها بسَنة عامة-يعني بفقر، ومجاعة، وقحط عام، وأن لا يسلط عليها عدوًّا من سوى أنفسها فيستبيح بيضتهم، وإن ربي قال: يا محمد إني إذا قضيت قضاءً فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسَنة عامة، وأن لا أسلط عليهم عدوًّا من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها، حتى يكون بعضهم يهلك بعضًا، ويسبي بعضهم بعضاً[23].
ثم فتح الله على المسلمين بلاد الروم وفارس في عهد الخليفة عمر بن الخطاب ، وأُنفقت كنوزهما في سبيل الله -تبارك وتعالى، وواصلت جحافل التوحيد إلى مشارق الأرض ومغاربها تفتح القلوب قبل البلاد، وتنشر توحيد الله حتى أتم الله نعمته على العباد، وصاروا يعبدون الله وحده لا شريك له، بعد تلك الجاهليات التي عاثت وعاث أهلها في الأرض فساداً.
ثم بعد ذلك بدأ الدس لهذا الدين، وبدأت الحيل والمكر، وألوان الأعمال التي يُكاد بها دين الله -تبارك وتعالى، فقتل الخليفة عمر بن الخطاب ، ثم وقع ما وقع لعثمان فقتل في داره مظلوماً، ثم بعد ذلك حصل ما حصل من الفتن.
وقد كان أصحاب النبي ﷺ من أولهم إلى آخرهم أبعد الناس عن البدع والأهواء والضلالات، ومع ما وقع بينهم من قتال واختلاف على بعض الأمور إلا أنهم لم يختلفوا في الدين، لم يكن اختلاف أصحاب النبي ﷺ من الاختلاف المذموم، ولهذا لم يتفرقوا إلى مذاهب وإلى شيع، ولا يُحفظ عن واحد منهم مقالة منحرفة قط.
ولما ظهرت الفرق في زمانهم كالخوارج والشيعة لم يكن أحد من أصحاب النبي ﷺ ينسب إلى شيء من هذه الضلالات، وقد وجدت حالات فردية في زمان الصحابة فيها شيء من البدع، فقضوا عليها في مهدها، قام رجل إلى النبي ﷺ وقال له: "يا محمد، اعدل فإنك لم تعدل"[24].
وقام رجل فقال: "هذه قسمة ما أريد بها وجه الله "[25].
وجاء أيضاً رجل في زمن عمر بن الخطاب يقال له: "صبَيغ بن عِسْل"، يسأل عن متشابه القرآن.
وقد جاء في بعض الروايات: أن عمر بن الخطاب قامِع البدع والأهواء والضلالات الحصن الحصين دونها، قال: "اللهم أظْفِرني به، وأعد له عراجين، ثم جاء الناس يتغدون عند عمر وجاء رجل عليه عمامة ضخمة كبيرة، فقال بعد أن تغدى مع الناس: يا أمير المؤمنين: وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا [الذاريات:1-2] فقال عمر : من أنت؟ فقال: أنا عبد الله صبيغ، فقال عمر: وأنا عبد الله عمر، فأخرج العراجين فضربه على رأسه حتى سقطت عمامته، ثم أدمى رأسه، ثم بعد ذلك عاد ثانية وثالثة حتى انطحن ما في رأسه، وقال: يا أمير المؤمنين إن كنت تريد ما بي فوالله قد ذهب"؛ -لأن من الناس من لا يذهب ما في رأسه إلا بعراجين عمر، "إن كنت تريد ما بي فوالله قد ذهب، وإن كنت تريد قتلي فأنت وذاك"، فقال عمر : "والله لو وجدتك محلوقاً لأخذت الذي بين عينيك"، "لو وجدتك محلوقاً" يعني: صفة الخوارج التي أخبر عنها النبي ﷺ، "لأخذت الذي بين عينيك -يعني لقتلتك، ثم أمر به فنفي إلى البصرة، وأمر أميرها أبا موسى الأشعري ألا يجالسه أحد، وألا يكلمه أحد، -فبقي كالبعير الأجرب،- فكان إذا جلس إلى حلقة من الناس وفيهم من لا يعرفه، قيل: عزمة أمير المؤمنين فانفضوا وتركوه وحده، حتى ضاق الأمر عليه، واشتد به الحال، وكان سيداً في قومه فذل، فكتب أبو موسى الأشعري إلى عمر: أن الرجل قد صلحت حاله، فأمر عمر بمجالسته"[26].
هكذا كان عمر يعالج هذه الأهواء، وهكذا كان يُذهب ما ببعض الرءوس من بعض الضلالات، والأفكار المنحرفة.
ثم بعد ذلك استمر الناس على السنة في عهد أبي بكر وعمر، وفي آخر عهد عثمان بدأ يتحرك رجل من اليهود يقال له: عبد الله بن سبأ، وهو من يهود اليمن، انتقل من اليمن، وأظهر الإسلام، فجاء إلى الحجاز، ثم بعد ذلك ذهب إلى البصرة، ثم بعد ذلك إلى الكوفة، ثم بعد ذلك ذهب إلى الشام، ثم بعد ذلك إلى مصر، ومكث فيها حتى جاء أولئك الذين قتلوا عثمان سنة خمس وثلاثين، ثم جاء عهد عليٍّ ، وفيه ظهرت بدعة الخوارج والشيعة، ثم تتابع ظهور الفرق في أواخر عهد الصحابة ، في خلافة عبد الملك بن مروان ظهرت بدعة القدرية والمرجئة.
وفي أول عصر التابعين في أواخر الخلافة الأموية ظهرت بدعة الجهمية والمشبهة، ففي القرن الأول ظهر هذا اليهودي وهو عبد الله بن سبأ، الذي وضع بعض البذور لبعض البدع: زعم أن النبي ﷺ أوصى لعليٍّ بالخلافة من بعده.
وزعم أن النبي ﷺ سيرجع.
وزعم أن عليًّا لم يمت، وأنه سيرجع، وأنه في السحاب، وأن الرعد صوته، وأن البرق سوطه[27].
وانتحل قوله طائفة من الزنادقة ممن ألّهوا عليًّا ، فحفر لهم الخندق وألقاهم في النار، وقد قال فيهم:
لمّا رأيتُ الأمرَ أمراً منكراً | أجّجتُ ناري ودعوت قَنْبرا[28] |
وقنبر هو مولًى لعلي .
وكانوا يتقحّمون في النار راغبين ويقولون: وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى [طـه:84].
وقالوا: أنت هو؟ قال: من هو؟ قالوا: الله؛ لأنه لا يعذب بالنار إلا رب النار وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ [البقرة:93].
انظروا إلى أي حد يقتحمون في النار راغبين، ويقولون: قد علمنا أنك هو؛ لأنه لا يعذب بالنار إلا رب النار"[29].
وزعم أن في عليٍّ جزءًا إلهيًّا، وكان منه انطلاق فرق الشيعة من الغلاة، وغيرهم.
وظهر رجل آخر مجوسي يقال له: "سَيْسويْه"، وعنه تلقى "مَعبد الجهني" القول بالقدر، وقد قتل الحجاج بن يوسف -وكان أميراً لعبد الملك بن مروان- معبدًا الجهني سنة ثمانين للهجرة.
وعن "معبد" أخذ "غيلان الدمشقي" الذي قتله هشام بن عبد الملك.
وكانت مقالة التعطيل التي قال بها "الجعد بن درهم" الذي قتله خالد بن عبد الله القسري، سنة مائة وأربع وعشرين، وقد قيل: إنه قتله في يوم الأضحى بعد أن خطب الناس، وقال: "أيها الناس، ضحوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مضحٍّ بالجعد بن درهم، فإنه قد زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً، ولم يكلم موسى تكليماً، فنزل وذبحه ذبحاً"[30].
وفيه قال ابن القيم -رحمه الله:
شَكَر الضحيةَ كلُّ صاحبِ سنةٍ | لله درُّكَ من أخي قُربانِ[31] |
وهذه الواقعة تناقلها كثير من أهل العلم، وذكرها الذهبي وغيره، مع أن إسنادها لا يثبت[32].
الحاصل: أن هذه المقالة ذكر كثير من أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- وجماعة: أن أصل مقالة الجعد بن درهم قد أخذت من "أبان بن سمعان"، وأبان بن سمعان أخذها من طالوت ابن أخت لبيد بن الأعصم اليهودي، وطالوت أخذها من لبيد بن الأعصم الذي سحر النبي ﷺ، وعن الجعد بن درهم أخذ هذه المقالة الجهم بن صفوان الذي قُتل في سنة مائة وثمان وعشرين للهجرة، وعنه أخذ بشر المريسي، وعنه أيضاً أخذ طائفة كأحمد بن أبي دؤاد رئيس القضاة في عهد المأمون، وكان أول من عُرف أنه قال بأن القديم "جسم" هو هشام بن الحكم الرافضي[33].
الحاصل: أن الفرق قد تمحورت والتأمت ورجعت واجتمعت في أربعة أصول، وهي ما أشرنا إليها: الخوارج، والشيعة، والقدرية، والمرجئة.
الأمر الرابع: موقف السلف حينما ظهرت هذه الأهواء والبدع، لما ظهرت أنكروها مباشرة، وما سكتوا عنها، وما قالوا: هذا الرأي الآخر، وما قالوا: حرية التفكير، وما قالوا: كل إنسان يعتقد ما شاء، بل إن عمر ضرب "صَبيغ بن عِسل"؛ لأنه كان يسأل عن متشابه القرآن.
موقف السلف حينما ظهرت هذه الأهواء والبدع، لما ظهرت أنكروها مباشرة، وما سكتوا عنها، وما قالوا: هذا الرأي الآخر، وما قالوا: حرية التفكير، وما قالوا: كل إنسان يعتقد ما شاء، بل إن عمر ضرب "صَبيغ بن عِسل"؛ لأنه كان يسأل عن متشابه القرآن.
فالحاصل: أنهم أنكروها غاية الإنكار.
هذا ابن عمر قال لمن أخبره عن القدرية: "إذا لقيتَ أولئك فأخبرهم أن عبد الله بن عمر منهم بريء، وهم منه برآء" قالها ثلاث مرات[34].
وقال ابن عباس -ا: "ما في الأرض قوم أبغض إليَّ من أن يجيئوني، فيخاصموني من القدرية"[35]، في القدر.
ويقول أبو الجوزاء -رحمه الله: "لأنْ يجاورني القردة والخنازير في دار أحب إليّ من أن يجاورني رجل من أهل الأهواء"[36].
وقال البغوي -رحمه الله- ناقلاً إجماع السلف على معاداة أهل البدع ومهاجرتهم: "وقد مضت الصحابة والتابعون وأتباعهم وعلماء السنن على هذا مجتمعين متفقين على معاداة أهل البدع ومهاجرتهم".
وكلام السلف من الصحابة فمن بعدهم كثير لا يكاد يحصى، ومن شاء فليرجع إلى الكتب التي ذكرناها سابقًا في تحذير السلف من سماع كلام أهل الأهواء، وكان الواحد منهم يدخل على الرجل من السلف فيقول: "أقرأ عليك آية؟ فيقول: لا، إما أن تقوم وإما أن أقوم"[37].
ويأتي أحدهم إلى أيوب السختياني ويقول له: "أكلمك بكلمة؟ فيقوم ويشير بأصبعه، ويقول: ولا نصف كلمة، ولا نصف كلمة"[38].
وكان بعض السلف حينما يُسأل عن ذلك يقول: "أخشى أن يقرأ آية فيحرفها، فيقع ذلك في قلبي"[39].
وكانوا يقولون: "إن القلب ضعيف"[40].
وكان عمر بن عبد العزير -رحمه الله- يقول: "من جعل دينه عرضة للخصومات أكثر التنقل"[41].
وكانوا لا يسمحون لهم أن يلقوا بدعهم، وأن يتكلموا فيها، ولا يسمحون لأحد أن يجلس معهم، أو أن ينصت إليهم، وكانوا لا يجالسونهم ولا يؤاكلونهم ولا يحاورونهم ولا يخاطبونهم، وكانوا يزجرونهم غاية الزجر، وكانوا يقولون: "ليس بأشد عليهم من السكوت"، هكذا كانوا يقولون، ما اتخذوهم أخداناً وخلاناً وإخواناً، وجالسوهم وآكلوهم، وقالوا: لهم رأيهم ولنا رأينا، ولهم عقائدهم وأفكارهم ولنا عقائدنا، ولا بأس أن نجلس معهم، وأن نتناقش معهم، وأن نتحاور معهم، وأن نجلس معهم على حد سواء، ما قالوا ذلك، هذه أمور نحتاج إلى إيقاظها في النفوس، وأن نبرز منهج السلف الصالح أهل السنة والجماعة وهم الفرقة الناجية والطائفة المنصورة، فمن لقي الله على غير ما هم عليه فقد لقيه بالهوى والردى شاء أم أبى، هذا هو اعتقادنا، وهذا ديننا الذي نلقى الله به، سواء قيل لذلك: إنه إقصاء، أو إنه أحادية في النظرة، أو إننا نحتكر الحقيقة، أو غير ذلك.
فالسلف يجتمع الحق فيهم، وما وُجد في غيرهم من الحق فهو جزء مما عند السلف .
خامساً: هذه الفرق كانت تتشبث بشيء من النصوص من الكتاب والسنة، إلى غير ذلك من الأصول التي تعلقوا بها، فالوعيدية مثلاً وهم الخوارج والمعتزلة كانوا يحتجون بمثل قول النبي ﷺ: والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل: من يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه، أخرجه البخاري[42].
فيقولون: نفى عنه الإيمان، وقد فعل معصية من المعاصي، فاحتجوا بذلك على أن فاعل المعصية أو الكبيرة كافر كفراً يخرج من الملة، مع أن النبي ﷺ لم يقصد هذا المعنى، وإنما المقصود بذلك أنه لم يؤمن الإيمان الكامل الكمال الواجب الذي يسلم العبد فيه من التبعة؛ لأنه يجب جمع النصوص، فالنبي ﷺ أخبر: أن من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه أنه يدخل الجنة، فقال أبو ذر : وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق، ثلاثاً، قال: وإنْ رغم أنف أبي ذر[43].
فيجب جمع هذه النصوص جميعاً، ويُضم بعضها إلى بعض، ويفهم المراد منها، لكن هؤلاء كانوا ينتزعون النصوص على طريقة أهل الأهواء يجتزئون ببعضها، ثم يأخذونه ويجعلونه أصلاً وقاعدة ينطلقون منها، فالمرجئة مثلاً كانوا يحتجون بقول النبي ﷺ: ما من عبد قال: لا إله إلا الله، ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة، أخرجه البخاري[44].
وأما نفاة القدر فكانوا يحتجون بقوله ﷺ: كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه[45].
وأما مثبتة القدر الذين بالغوا في ذلك -وهم الجبرية- فقد احتجوا بمثل قول النبي ﷺ: اعملوا فكل ميسر، أخرجه البخاري[46].
وأما الرافضة فقد احتجوا في إكفار الصحابة بقوله ﷺ: يرِد عليّ يوم القيامة رهط من أصحابي فيُجلون عن الحوض، أخرجه البخاري[47].
والمقصود بهؤلاء هم الذين ارتدوا بعد النبي ﷺ.
وأما الصحابة فقد قال الله فيهم: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ [الفتح:18].
وكذلك أيضاً يقول الله : وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ [التوبة:100].
فأثنى الله على هؤلاء الصحابة، أثنى على المهاجرين: لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الحشر:8]، والأنصار : وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ [الحشر:9].
فالمقصود: أن هذه الطوائف كانت تنتزع هذه الأدلة انتزاعاً، فلا يأخذون النصوص جميعاً من الكتاب والسنة، ويُعملونها جميعاً، وإنما يأخذون بعضها كما يفعل بعضهم اليوم في أي باب من الأبواب -أصحاب الهوى، هذا يريد التبرج والسفور والاختلاط فيأخذ بعض الأدلة، يأخذ دليلاً على أن أنسًا في يوم أحد كان يرى عائشة -ا- ومن معها من النساء يداوين الجرحى[48]، وما أشبه ذلك.
فيقول: هذا يدل على جواز عمل المرأة في الجيش، وعلى جواز الاختلاط، ويأخذ من حال تلك المرأة التي دخل عليها النبي ﷺ فكانت تسلت العرق وتضعه في الطيب[49]، أنه يجوز الخلوة بالمرأة الأجنبية، والدخول عليها، وأنه يجوز أن يمسها الرجل، وما أشبه ذلك، إلى غير ذلك من شبهاتهم.
فيأخذون هذه النصوص، ويتركون النصوص الأخرى المحكمات الواضحات التي تدل على تحريم مثل هذه الأمور، هذا في باب العقائد وفي غيره من الأبواب، وسيأتي كلام على ذلك بإذن الله في موضوعات شتى نتحدث عنها -بإذن الله -تبارك وتعالى- في غير هذه الدورة.
الناسُ شتى وآراءٌ مفرَّقةٌ | كلٌّ يرى الحقَّ فيما قال واعتقدا[50] |
سادساً: كيف تعرف المُحق من المبطل؟
لا يمكن أن يكون الدليل من الكتاب والسنة دليلاً للمقالة ونقيضها، وقد أخبر النبي -ﷺ: أن هذه الأمة سوف تفترق، وأن الفرقة الناجية هي واحدة، ما عليه النبي ﷺ وأصحابه؛ كما عند الترمذي[51]، وفي رواية عند أبي داود وابن ماجه وأحمد: هي الجماعة[52].
وحديث: الافتراق، حديث مشهور جاء من حديث أبي هريرة ، عن النبي ﷺ: افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، أو اثنتين وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى إلى ثلاث وسبعين فرقة، أو اثنتين وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، وقد رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، بإسناد حسن[53].
وجاء من حديث معاوية عند أحمد، والدارمي، وأبي داود، والحاكم[54]، وقد حسنه الحافظ ابن حجر -رحمه الله.
وجاء من حديث أنس عند أحمد، وابن ماجه[55]، وفي إسناده ضعف.
وجاء من حديث عوف بن مالك الأشجعي عند ابن ماجه، والحاكم، وابن أبي عاصم في السنة، واللالكائي، بإسناد حسن[56].
ومن حديث أبي أمامة الباهلي عند اللالكائي، وابن أبي عاصم، والطبراني[57]، بإسناد حسن.
وجاء من حديث سعد بن أبي وقاص عند الآجري[58]، وفيه راوٍ ضعيف[59].
وجاء من حديث عمرو بن عوف المزني عند الحاكم[60]، وفيه رجل متروك.
وجاء أيضاً من حديث عبد الله بن عمرو عند الترمذي، والحاكم، وغيرهما[61]، وفي إسناده ضعف، وله شواهد.
والمقصود: أن حديث الافتراق قد صححه جمع من أهل العلم، كالحافظ ابن القيم، والشاطبي[62]، وحسنه العراقي[63]، والألباني، وغير هؤلاء.
وثبت في بعض الزيادات: كلها في النار إلا واحدة[64].
وليس المقصود من قوله ﷺ: كلها في النار -كما ذكر الشاطبي وشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- أن الفرق الاثنتين والسبعين أنهم كفار، وأنهم يخلدون في النار، وإنما هم يختلفون ويتفاوتون، فقد يدخل بعضهم النار ثم يخرج منها بعد ذلك، وقد لا يدخلها بعض الأفراد بمصائب مكفرة، أو بحسنات عظيمة، أو بشفاعة، أو غير ذلك من الموانع[65].
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله: "من كان منهم منافقاً فهو كافر في الباطن، ومن لم يكن منافقاً بل كان مؤمناً بالله ورسوله في الباطن لم يكن كافراً في الباطن، وإن أخطأ في التأويل كائناً ما كان خطؤه، وقد يكون في بعضهم شعبة من شعب النفاق، ولا يكون فيه من النفاق الذي يكون صاحبه في الدرك الأسفل من النار،..."، ثم ذكر من قال بأن هؤلاء يكفرون كفراً مخرجاً من الملة، وأنهم يخلدون في النار، وقال عنه: "إنه قد خالف الكتاب والسنة، وإجماع الصحابة، وإجماع الأئمة الأربعة"[66].
بعد ذلك أقول: نعرف المحق من المبطل بالميزان الذي يوزن به الناس، وهو ما كان عليه النبي ﷺ وأصحابه، فأسعد الناس حظًّا بالهداية هو أقربهم إلى مسلك النبي ﷺ، والناس في هذا بين مقل ومكثر، ولا يمكن أن يُفهم الكتاب والسنة إلا بفهم السلف الصالح ؛ لأنهم أهل اللغة، فلغتهم لم تكدر بعجمة، وإنما وقعت العجمة لمن بعدهم، فوقع الانحراف في الفهوم كما قال الحسن -رحمه الله- في بعض من ذُكر له خطؤه وانحرافه: "أهلكتهم العجمة"، فلم تتكدر ألسنة الصحابة بعجمة، وكانوا أبر الناس قلوباً، وأحسن الناس قصداً، وكانوا أقرب الناس إلى شمس الرسالة والنبوة، وقد عاصروا النبي ﷺ، واختارهم الله لصحبة رسوله ﷺ على العالمين، وزكاهم الله -تبارك وتعالى، فهم أهل الحق، وقد رباهم النبي ﷺ على عينه، إن لم يكن النبي ﷺ وصحابته وزوجاته وبناته على الحق فلا يوجد أحد على الحق إطلاقاً؛ فإذا أردنا أن نفهم الكتاب والسنة فيجب أن نفهم بفهمهم، لا يجوز أن تُحمل نصوص الكتاب والسنة على اصطلاح حادث، وإنما تحمل على عرف المخاطبين بالقرآن، أما أن يأتي أحد بعدهم ثم يقول: لنا أفهامنا ولهم أفهامهم، ومن حقنا أن نفهم ولسنا بملزمين بفهمهم فهذا أصل كبير من أصول الضلال.
- الزهد، ص: (302) للإمام أحمد، والإبانة (2/ 503) لابن بطة، والسنة (6/ 105) للخلال.
- آداب العلماء والمتعلمين، ص: (9).
- أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب الحث على المبادرة بالأعمال قبل تظاهر الفتن، رقم: (328).
- أخرجه أبو داود، كتاب الملاحم، باب في تداعي الأمم على الإسلام، برقم (4299)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح، برقم (5369).
- أخرجه مسلم، كتاب النكاح، باب جواز الغيلة، وهي وطء المرضع، وكراهة العزل، برقم (1442).
- أضواء البيان (3/ 506).
- أخرجه الحاكم في المستدرك (3/ 9)، برقم (4272)، وقال: "صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، وصححه الألباني في فقه السيرة، ص: (161).
- الإبانة الكبرى، لابن بطة (2/ 446).
- انظر: مجموع الفتاوى (5/ 533).
- أخرجه الحاكم في المستدرك (2/ 480)، برقم (3654)، وقال: "صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه"، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة في تعليقه على حديث رقم (3289).
- أخرجه البخاري، كتاب المغازي، باب وفد بني حنيفة وحديث ثمامة بن أثال، برقم (4376).
- أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ، برقم (4623)، ومسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء، برقم (7372).
- أخرجه البزار، برقم (8991)، وقال الألباني: "وهذا إسناد حسن"؛ كما في السلسلة الصحيحة، (2/ 421) برقم (1677).
- أخرجه مسلم، كتاب التفسير، باب في قوله تعالى: خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31]، برقم (7736).
- المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام (13/ 39).
- انظر: الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة، لابن القيم (3/ 1011)، وهداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى، لابن القيم (2/ 419).
- سفر التكوين (32/ 30).
- سفر التكوين (إصحاح 9: العدد20-28).
- انظر: هداية الحيارى، لابن القيم، ص: (106- 108).
- انظر: البداية والنهاية (2/ 121).
- انظر: الفصل في الملل، لابن حزم (1/ 48)، وهداية الحيارى، لابن القيم، ص: (140).
- انظر: الفصل في الملل، لابن حزم (2/ 59).
- أخرجه مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب هلاك هذه الأمة بعضهم ببعض، رقم: (7440).
- أخرجه البخاري، كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، برقم (3610)، ومسلم، كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم، برقم (2496)، بلفظ: يا رسول الله، اعدل، فقال: ويلك، ومن يعدل إذا لم أعدل؟! قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل
- أخرجه البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب حديث الخضر مع موسى ، برقم (3405)، ومسلم، كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي إيمانه، برقم (2495)، بلفظ: "إنها لقسمة ما أريد بها وجه الله".
- انظر: الإبانة الكبرى لابن بطة (2/ 609)، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي (4/ 635).
- انظر: الفرق بين الفرق (ص: 224)، وشرح نهج البلاغة (8/ 120).
- مجموع الفتاوى (35/ 185).
- أخرجه أبو داود، كتاب الجهاد، باب في كراهية حرق العدو بالنار، رقم: (2675)، وأحمد: (16077)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، رقم: (2268).
- الإبانة لابن بطة (6/ 120)، ومنهاج السنة لابن تيمية (1/ 214).
- متن القصيدة النونية، ص: (8).
- تاريخ الإسلام (7/ 338).
- مجموع الفتاوى (13/ 154).
- أخرجه أحمد في المسند، رقم: (375)، وقال محققو المسند: "إسناده صحيح".
- أخرجه الفريابي في القدر (ص: 175)، والآجري في الشريعة (2/ 872).
- شرح أصول اعتقاد أهل السنة (1/ 131)، والإبانة (2/ 467).
- السنة (6/ 105) للخلال، والإبانة (2/ 446) لابن بطة.
- شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/ 143).
- الحجة في بيان المحجة (2/ 558).
- شرح اعتقاد أهل السنة (1/ 135) للالكائي، والإبانة (2/ 447) لابن بطة.
- الزهد، ص: (302) للإمام أحمد، والإبانة (2/ 503) لابن بطة، والسنة (6/ 105) للخلال.
- أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب إثم من لا يأمن جاره بوايقه، برقم (6016).
- أخرجه البخاري، كتاب اللباس، باب الثياب البيض، برقم (5827)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ومن مات مشركا دخل النار، برقم (283).
- أخرجه البخاري، كتاب اللباس، باب الثياب البيض، برقم (5827)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ومن مات مشركا دخل النار، برقم (283).
- أخرجه البخاري، كتاب الجنائز، باب ما قيل في أولاد المشركين، رقم (1385).
- أخرجه البخاري، كتاب التفسير، باب فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى، برقم (6605)، ومسلم، كتاب القدر، باب كيفية الخلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه وأجله وعمله وشقاوته وسعادته، برقم (6903).
- أخرجه البخاري، كتاب الرقاق، باب في الحوض، برقم (6585).
- أخرجه أبو داود، كتاب الجهاد، باب في المرأة والعبد يأخذان من الغنيمة، برقم (2727).
- أخرجه مسلم، كتاب الفضائل، باب طيب عرق النبي ﷺ والتبرك به، برقم (2331).
- أقاويل الثقات، ص: (66) للكرمي.
- أخرجه الترمذي، كتاب الإيمان، باب ما جاء في افتراق الأمة، برقم (2641)، وضعفه الألباني في مشكاة المصابيح، برقم (171).
- أخرجه أبو داود، كتاب السنة، باب شرح السنة، برقم (4599)، وابن ماجه، كتاب الفتن، باب افتراق الأمم، برقم (3992)، وأحمد في المسند، برقم (16979)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (2042)، وفي صحيح ابن ماجه، رقم: (3226).
- أخرجه أبو داود، كتاب السنة، باب شرح السنة، برقم (4598)، وابن ماجه، كتاب الفتن، باب افتراق الأمم، برقم (3992)، وأحمد في المسند، برقم (8377)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، برقم (3226).
- أخرجه أبو داود، كتاب السنة، باب شرح السنة، برقم (4597)، وأحمد في المسند، برقم (16937)، وقال محققوه: "إسناده حسن، وحديث افتراق الأمة منه صحيح بشواهده"، والدارمي في سننه، برقم (2560)، وقال محققه سليم أسد: "إسناده صحيح"، والحاكم في المستدرك، برقم (443).
- أخرجه ابن ماجه، كتاب الفتن، باب افتراق الأمم، برقم (3993)، وأحمد في المسند، برقم (12208)، وقال محققوه: "حديث صحيح بشواهده، وهذا إسناد ضعيف لضعف النميري".
- أخرجه ابن ماجه، كتاب الفتن، باب افتراق الأمم، برقم (3992)، والحاكم في المستدرك، برقم (6325)، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/ 112)، برقم (149)، وابن أبي عاصم في السنة، برقم (63)، وحسنه الشيخ حسن حيدر الوائلي في نزهة الألباب في قول الترمذي "وفي الباب" (6/ 3307).
- أخرجه الطبراني في المعجم الكبير بألفاظ متعددة، برقم (8052)، وبرقم (8053)، وبرقم (8054)، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/ 114)، برقم (151)، وابن أبي عاصم في السنة، برقم (69).
- أخرجه الآجري في الشريعة (1/ 313)، برقم (28).
- هو: موسى" بن عبيدة بن نشيط بن عمرو بن الحارث الربذي، ضعفه ابن المديني وأبو زرعة والنسائي، وقال أحمد: "لا يكتب حديثه، وحديثه منكر". انظر: تهذيب التهذيب (10/ 356-357).
- أخرجه الحاكم في المستدرك، برقم (445).
- أخرجه الترمذي، أبواب الإيمان عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في افتراق هذه الأمة، برقم (2641)، والحاكم في المستدرك، برقم (444)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع، برقم (5343).
- الاعتصام للشاطبي (2/ 698).
- تخريج أحاديث الإحياء (المغني عن حمل الأسفار) (ص: 1133).
- أخرجه ابن ماجه، كتاب الفتن، باب افتراق الأمم، رقم: (3993)، وأحمد، رقم: (16979)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، رقم: (3227).
- انظر: مجموع الفتاوى (20/ 287).
- انظر: المصدر السابق (7/ 218).