سابعاً: من هم أهل السنة والجماعة الذين هم أهل الحق، الذين كانوا على ما كان عليه النبي ﷺ، وثبتوا على ذلك، ولم ينحرفوا عن الصراط المستقيم يمنة ولا يسرة؟ هذا اللقب أعني أهل السنة والجماعة من أين نشأ؟
نشأ استناداً إلى الأحاديث والآثار الداعية إلى الارتباط بالجماعة، والتمسك بالسنة، والنصوص التي تحذر من الافتراق والاختلاف في الدين.
أما السنة لغة: فهي الطريقة والسيرة حسنة كانت أو سيئة.
وأما في الاصطلاح: فهي ما كان عليه النبي ﷺ وأصحابه، اعتقاداً، واقتصاداً، وقولاً، وعملاً.
فلفظ السنة كما قال الشاطبي -رحمه الله: "يطلق في مقابل البدعة، فيقال: فلان على سنة، إذا عمل على وفق ما عليه النبي ﷺ، ويقال: فلان على بدعة إذا عمل على خلاف ذلك[1].
وقد قال بعض المتقدمين من الأئمة: اعلم أن السنة هي طريقة رسول الله ﷺ والتسنن بسلوكها، وهي أقسام ثلاثة: أقوال وأعمال وعقائد، وإذا أطلقت السنة في باب العقائد قصد بها هذا المعنى العام، ما كانوا على نهج النبي ﷺ في الاعتقاد، والعمل، والسلوك، والأخلاق، وما كان عليه النبي ﷺ في جميع أحواله.
أهل السنة والجماعة ليسوا على نهج النبي ﷺ في السلوك فقط، أو في الاعتقاد فقط، أو في العبادات فقط، بل كانوا على مسلكه وهديه الكامل ﷺ في جميع الأمور، من الأعمال والاعتقادات والسلوك والهدي الظاهر، والإيمان الباطن والظاهر.
وهذا اللقب أعني أهل السنة والجماعة يطلق إطلاقين:
الأول: وهو الإطلاق العام، وذلك إذا كان الكلام في مسائل الإمامة، فيقال: أهل السنة في مقابل الشيعة، وبهذا تدخل جميع الفرق المنتسبة إلى الإسلام عدا الشيعة ممن يثبت الإمامة، أعني إمامة الخلفاء أعني أبا بكر وعمر وعثمان ، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله: "فلفظ السنة يراد به من أثبت خلافة الخلفاء الثلاثة، فيدخل في ذلك جميع الطوائف إلا الرافضة" ذكره في "منهاج السنة"[2].
يدخل فيه الأشاعرة، ويدخل فيه الماتريدية، وغير هؤلاء من الطوائف، كلهم من أهل السنة، إذا كان الكلام بهذا الإطلاق العام في أبواب الإمامة.
والثاني: وهم أهل السنة المحضة، الإطلاق الخاص، والمراد به ما يكون في مقابل أهل البدع والمقالات المحدثة، والمراد بهم كما قال شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية -رحمه الله: أنهم أهل الحديث والأثر، أهل السنة المحضة، فلا يدخل فيهم إلا من أثبت الصفات لله -تعالى، وقال: إن القرآن غير مخلوق، وأن الله يرى في الآخرة، وأثبت القدر، وغير ذلك من الأصول المعروفة عند أهل الحديث والسنة[3].
فأهل السنة المحضة كما يقول الشيخ عبد الرحمن ابن سعدي -رحمه الله: "هم السالمون من البدع الذين تمسكوا بما كان عليه النبي ﷺ وأصحابه في الأصول كلها، أصول التوحيد والرسالة والقدر ومسائل الإيمان.
وغيرهم من الخوارج، والمعتزلة، والجهمية، والقدرية، والرافضة، والمرجئة، ومن تفرع عنهم، كلهم من أهل البدع الاعتقادية[4]، فأهل السنة الذين نذكرهم هم أهل الحق ومن عداهم فهم أهل البدع والضلال والباطل.
أهل السنة هم الصحابة ومن سار على طريقتهم، وسلك نهجهم من خيار التابعين، ثم أصحاب الحديث ومن تبعهم من الفقهاء جيلاً فجيلاً إلى يومنا هذا، ومن اقتدى بهم من العوام في مشارق الأرض ومغاربها، فهؤلاء هم أهل النقل والأثر، المتبعين لآثاره ﷺ وآثار أصحابه، هم الذين ساروا على الطريق ولم ينحرفوا عنها يمنة ولا يسرة، ولم يلتزموا أصولاً بدعية يحكمون إليها النصوص، وقد قال ابن المبارك -رحمه الله- كلاماً جميلاً يصلح أن يكون ضابطاً فيما يدخل في البدع الكبار، وما يخرج عنها، يقول: "أصل اثنتين وسبعين هوى أربعة أهواء فمن هذه الأربعة الأهواء تشعبت الاثنتان وسبعون هوى: القدرية والمرجئة والشيعة والخوارج" يقول: "فمن قدم أبابكر وعمر وعثمان وعلي على أصحاب رسول الله ﷺ ولم يتكلم في الباقين إلا بخير، ودعا لهم فقط خرج من التشيع أوله وآخره"[5].
متى يخرج الرجل من التشيع؟.
إذا قدم أبا بكر وعمر وعثمان وعلي على أصحاب النبي ﷺ ولم يتكلم في الباقين إلا بخير، ودعا لهم يكون قد خرج من التشيع أوله وآخره.
وقال -رحمه الله: "ومن قال الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، فقد خرج من الإرجاء أوله وآخره، ومن قال الصلاة خلف كل بر وفاجر، والجهاد مع كل خليفة ولم ير الخروج على السلطان المسلم بالسيف، وإن كان جائراً، فقد خرج من قول الخوارج أوله وآخره، ومن قال: المقادير كلها من الله خيرها وشرها يضل من يشاء، ويهدي من يشاء، فقد خرج من قول القدرية أوله وآخره، وهو صاحب سنة"[6].
هذا ضابط نعرف به متى يدخل الإنسان في مقالة هؤلاء ومتى يبرأ منها ويتخلص من ذلك.
وقد حذر السلف من التسمي بالأسماء المحدثة والانتساب إليها، وقد قال ابن عباس -ا: "من أقرّ باسم من هذه الأسماء المحدثة فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه"[7].
وفي هذا المعنى يقول ميمون بن مهران -رحمه الله: "إياكم وكل اسم يسمى بغير الإسلام"[8].
وجاء عن مالك بن مغول -رحمه الله: "إذا تسمى الرجل بغير الإسلام والسنة فألحقه بأي دين شئت"[9].
ولما قال معاوية بن أبي سفيان لابن عباس : "أنت على ملة علي -رحمه الله-؟، فقال ابن عباس: -لا والله- ولا على ملة عثمان، أنا على ملة رسول الله ﷺ"[10].
وقد ذكر ابن القيم -رحمه الله- في "مدارج السالكين" عند كلامه على قول صاحب المنازل: "ولم ينسبوا إلى اسم" يعني أصحاب العبودية، في ذكر علاماتهم بيّن أن المراد بذلك أنهم "لم يشتهروا باسم يعرفون به عند الناس من الأسماء التي صارت أعلاماً لأهل الطريق، وأنهم لم يتقيدوا بعمل واحد يجري عليهم اسمه، فيعرفون به دون غيره من الأعمال، فإن هذا آفة العبودية، وهي عبودية مقيدة"[11].
يعني أن من الناس من يأخذ بعض الإسلام ويكون ذلك هو شغله وشغل طائفته، فليس لهم شغلٌ سوى هذا، ولربما تحيزوا له وعادوا ونابذوا من لم يدخل معهم في هذا، وقربوا ووالوّا على هذا العمل، فذلك يصير من التحزب المحرم، فإذا غلب عليهم ذلك عرفوا به، وصار لهم اسمٌ يخصهم، أما أهل السنة فإنهم لا يكون لهم شيء من ذلك، فإن أصحاب العبودية المطلقة هم الذين لا يُعرفون باسمٍ معينٍ من أسمائها، وإنما هو كما يقول الحافظ ابن القيم -رحمه الله: "مجيب لداعيها على اختلاف أنواعها"[12].
فالمسلم يُعنى بالعبادات والشعائر الظاهرة، ويُعنى بالدعوة إلى الله ، ويُعنى بالجهاد، ويُعنى بالعلم، ويُعنى بسائر وظائف العبودية، "فله مع كل أهل عبوديةٍ نصيبٌ يضربُ معهمُ بسهم، فلا يتقيد برسمٍ ولا إشارةٍ ولا اسمٍ ولا بزيٍ ولا طريقٍ وضعيّ اصطلاحيّ"، -أصول ومناهج خمسة أو عشرة أو تسعة غير الأصول التي وضعها النبي ﷺ، أركان الإسلام، أركان الإيمان، "بل إذا سُئل عن شيخه قال: الرسول ﷺ، وعن طريقه قال: الإتباع"[13].
يقول ابن القيم -رحمه الله: "وقد سُئل بعض أئمة الإسلام عن السنة؟ فقال: ما لا اسم له سوى السنة، يعني أن أهل السنة ليس لهم اسم ينسبون إليه سواها"[14].
وفي هذا المعنى يُقال: بأن أهل السنة والجماعة هم الذين درجوا على منهاج النبوة، ولم ينفصلوا عنها ولا لحظة واحدة، لا باسمٍ ولا رسمٍ، فليس لهم شخص ينتمون إليه سوى النبي ﷺ، ومن اقتفى أثره، وليس لهم رسم ومنهاج سوى منهاج النبوة الكتاب والسنة، إذِ الأصل لا يحتاج إلى سمة خاصة تميزه، إنما الذي يحتاج إلى اسم معين هو الخارج عن هذا الأصل.
ومن الأسماء المُقرَّة الصحيحة لأهل السنة والجماعة أنهم: أهل الحديث والأثر.
دين النبي محمد أخبـــار | نعم المطية للفتــى آثارُ |
لا ترغبن عن الحديث وآلـه | فالرأي ليل والحديث نهارُ. |
كما قال الإمام أحمد -رحمه الله[15].
وفي هذا يقول السفاريني:
اعلم هديت أنه جاء الخبــر | عن النبي المقتفى خيـر البشر |
بأن ذي الأمة سوف تفترق | بضعاً وسبعيـن اعتقاداً والمحق |
ما كان في نهج النبي المصطفى | وصحبه مـن غير زيغ وجفـا |
وليس هذا النص جزماً يعتبـر | في فرقة إلا على أهل الأثـر[16]. |
وأهل الحديث هم الذين يجمعون بين رواية الحديث واعتقاد ما فيه والعمل به، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله: "ونحن لا نعني بأهل الحديث المقتصرين على سماعه، أو كتابته، أو روايته، بل نعني بهم: كل من كان أحق بحفظه ومعرفته، وفهمه، ظاهراً وباطناً واتباعه باطناً وظاهرا وكذلك أهل القرآن، وأدنى خصلة في هؤلاء: محبة القرآن والحديث والبحث عنهما وعن معانيهما والعمل بما علموه من موجبهما"[17].
أهل الحديث هم الذين يجمعون بين رواية الحديث واعتقاد ما فيه والعمل به، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله: "ونحن لا نعني بأهل الحديث المقتصرين على سماعه، أو كتابته، أو روايته، بل نعني بهم: كل من كان أحق بحفظه ومعرفته، وفهمه، ظاهراً وباطناً واتباعه باطناً وظاهرا وكذلك أهل القرآن، وأدنى خصلة في هؤلاء: محبة القرآن والحديث والبحث عنهما وعن معانيهما والعمل بما علموه من موجبهما"
يعنى لا يشترط أنهم يكونون من علماء الحديث، قد يكون هؤلاء من العوام، لكنهم من أهل الاتباع، الدليل، الوحي من الكتاب والسنة هو المقدم عندهم، لا تقدم الآراء، والعقول، والأذواق والمواجيد، وما أشبه ذلك مما سيأتي إيراده -بإذن الله - مما يتكئ عليه أهل الضلال، فهؤلاء فيهم العوام، وفيهم طلبة العلم، وفيهم العلماء، فيهم الدعاة إلى الله ، وفيهم من يغيثون الناس في النكبات، ومن يرعون الأرملة واليتيم، وفيهم أهل العبادة بالجوارح، وما أشبه ذلك من المعاني.
ولا شك أن أهل الحديث وأهل السنة هم أعلم الناس بأقوال النبي ﷺ وأحواله، وهم أعظمهم تمييزاً بين صحيح السنة وسقيمها، وأئمتهم فقهاءٌ فيها، وهم أهل معرفة بمعانيها واتباع لها، تصديقاً وعملاً وحباً وموالاة لمن والاها، وبغضاً ومعادة لمن عاداها، الأئمة "مالك، الإمام أحمد، الشافعي، سفيان الثوري، ابن عبد البر، ابن القيم، ابن تيمية، الليث بن سعد، الأوزاعي"، ومن قبلهم من التابعين ومن أصحاب النبي ﷺ ومن بعدهم ممن سلك طريقهم هؤلاء هم النجوم، وهم أئمة الهدى، وهم علماء الوراء.
ومن الأسماء الشرعية أيضاً الصحيحة: أنه يقال لهم: السلف الصالح، والمراد بهم الصحابة، وتابعوهم وأتباعهم من أئمة الإسلام العدول.
وهذه اللفظة تطلق بمعنيين: تطلق على الحقبة التاريخية المعينة التي تختص بأهل القرون الثلاثة المتقدمة الذين جاء فيهم الحديث: خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم[18]، فهؤلاء أفضل القرون وهم أقرب الناس إلى شمس النبوة والرسالة، وهم أبعد الناس عن الاختلاف والتفرق في الجملة، وهم أسلم الناس قصداً، وأحسنهم فهماً.
ويطلق أيضاً على الطريقة التي كان عليها الصحابة ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم القيامة، من التمسك بالكتاب والسنة، وتقديمهما على ما سواهما، والعمل بهما على مقتضى فهم الصحابة، فعلى هذا الإطلاق الثاني يكون ذلك منهجاً باقياً مستمراً، والنبي ﷺ كما في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم: لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله[19].
فالمقصود بالسلف تارة أهل القرون المفضلة، وتارة المسلك الذي سلكه أهل القرون المفضلة، فبالاعتبار الثاني يصح الانتساب إليهم، يقال: "فلان على طريقة السلف" أو ينسب إليهم فيقال: "فلان سلفي"، وأما على المعنى الأول فلا يصلح الانتساب إلا لمن كان في تلك الأعصار.
والمقصود بذلك هو العمل والامتثال والاعتقاد والتطبيق والسلوك، وهذا الذي عليه الاعتبار، وهو الذي تحصل به النجاة حقيقة، وتحصل به السلامة وصحة المسلك، وليست العبرة بمجرد التسمية، فقد ينتسب إلى أهل السنة والجماعة ولكنه ليس كذلك.
ويوجد من طوائف البدع من يتسمون بأهل السنة إلى اليوم في بعض بلاد المشرق، ولكنهم في الواقع من الماتريدية وفي السلوك هم من الصوفية! فالتسمية ليست وحدها تجعل الإنسان في نجاة وسلامة وصحة اعتقاد واستقامة عمل وسلوك، العبرة بالعمل والاعتقاد الصحيح والتطبيق والامتثال، فكم من منتسب إلى شيء هو أبعد الناس عن تحقيقه! لكننا لا نقرّ الأسماء المحدثة.
ويقال لهم أيضاً: الفرقة الناجية والطائفة المنصورة؛ لحديث: تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة[20]، وحديث: لا تزال طائفة من أمتي على الحق.
وقد قال الإمام أحمد -رحمه الله: "إن لم يكونوا أصحاب الحديث فلا أدري من هم؟!"[21]، لأن أصحاب الحديث هم المتشبثون بالوحي، هم المتمسكون بالكتاب والسنة، أخذوا ذلك عن شيوخهم عن شيوخهم عن شيوخهم عن رسول الله ﷺ، فإن لم يكن الحق ما هم عليه فلا يمكن أن يكون الحق عند أهل التفرق والضلال، ممن يحكمون العقول أو الأذواق أو المواجيد أو أصحاب الشطح الصوفي الذين يقولون بالكشف، أو يعتمدون على الرؤى، أو نحو ذلك.
يقول ابن المبارك -رحمه الله- في الطائفة المنصورة: "هم عندي أصحاب الحديث"[22]، ونقل هذا المعنى أيضاً عن يزيد بن هارون[23]، والبخاري[24]، وابن المديني[25]، وأحمد بن سنان[26].
وهذه الطائفة يقال لها أيضاً: الجماعة، يقال: أهل السنة والجماعة، فالجماعة ضد الفرقة.
ومعنى: الجماعة، هنا من أهل العلم من قال: هم السواد الأعظم من أهل الإسلام[27].
ومنهم كالبخاري والترمذي من قال: بأنها جماعة المجتهدين[28]، يعني الذي ينعقد بهم الإجماع.
ومنهم من قال: هم الصحابة [29].
ومنهم من قال: هي جماعة المسلمين[30] إذا جمعوا على أمر، يعني معنى الإجماع: وهو اتفاق أهل الحل والعقدِ، جماعة المجتهدين من أصحاب النبي ﷺ على أمر شرعي في عصر من الأعصار.
ومنهم من قال: بأنها جماعة المسلمين إذا اجتمعوا على أمير فلا يجوز الخروج عليهم، واختاره كبير المفسرين ابن جرير الطبري -رحمه الله[31].
ومن أحسن ما فسر به الجماعة ما قاله أبو شامة يقول:"وحيث جاء الأمر بلزوم الجماعة فالمراد به لزوم الحق واتباعه، وإن كان المتمسك بالحق قليلاً، والمخالف كثيراً؛ لأن الحق الذي كانت عليه الجماعة الأولى من النبي ﷺوأصحابه ، ولا ينظر إلى كثرة أهل الباطل بعدهم،" ثم ذكر كلام ابن مسعود يقول: "إن جمهور الناس فارقوا الجماعة وإن الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك"[32].
وفي هذا المعنى يقول نُعيم بن حماد:"أي: إذا فسدت الجماعة فعليك بما كانت عليه الجماعة قبل أن تفسد وإن كنت وحدك فإنك أنت الجماعة حينئذٍ"[33].
يقول الحافظ ابن القيم -رحمه الله- تقريراً لهذا المعنى: "وقد شذ الناس كلهم زمن أحمد بن حنبل إلا نفراً يسيراً، فكانوا هم الجماعة، وكانت القضاة حينئذ والمفتون والخليفة وأتباعه كلهم هم الشاذون، وكان الإمام أحمد وحده هو الجماعة"[34].
وغير هؤلاء هم أهل الأهواء والبدع، وقد ذكر بعض أهل العلم كالشيخ عبد القادر الجيلي بعض العلامات التي يعرف بها أهل البدع يقول: "لهم علامات يعرفون بها، فعلامة أهل البدعة الوقيعة في أهل الأثر، وعلامة الزنادقة تسميتهم أهل الأثر بالحشوية، -يعني أنهم لا فقه لهم بهم ولا فهم لهم في حشو الناس، وعلامة القدرية تسميتهم أهل الأثر مجبرة، وعلامة الجهمية تسميهم أهل السنة مشبهة، وعلامة الرافضة تسميتهم أهل الأثر ناصبة، وكل ذلك عصبية وغياظ لأهل السنة، ولا اسم لهم إلا اسم واحد هو أصحاب الحديث، ولا يلتصق بهم ما لقبهم به أهل البدع كما لم يلتصق بالنبي ﷺ تسمية كفار مكة: ساحراً وشاعراً ومجنوناً ومفتوناً وكاهناً، ولم يكن اسمه عند الله وعند ملائكته وعند إنسه وجنه وسائر خلقه: إلا رسولاً نبياً"[35].
وقبل الدخول في ذكر الخصائص أشير إلى أمر يبين لك كيف وُجدت هذه الخصائص، وكيف انبثقت وكيف تميزوا بها عن غيرهم.
ذكرنا أن البدع ظهرت في أواخر عصر الصحابة ، وأن أول ما ظهر بدعة التشيع وبدعة الخوارج، ولما كان الرافضة يتميزون بالكذب والطعن في الصحابة نتج عن ذلك أمران بالنسبة لأهل السنة والجماعة:
الأول: وهو ما تميزت به هذه الأمة وتميز به أهل السنة من بين سائر الأمم وهو: خاصية الإسناد، العناية بالإسناد، والسؤال والتحري عن الرواة؛ كما قال ابن سيرين: "لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة، قالوا: سموا لنا رجالكم؛ فينظرون إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظرون إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم"[36]، هذا ذكره الإمام مسلم -رحمه الله- في مقدمة الصحيح.
وكان ابن سيرين -رحمه الله- يقول: "إن هذا الحديث دين فانظروا عمن تأخذون دينكم"[37]، فصار أهل السنة يُعنون بالأسانيد، وطرق رواية الحديث، وبهذا استطاعوا أن يميزوا صحيح الحديث من سقيمه.
والأمر الثاني: الذي تميزوا به من جراء ذلك، هو أنهم عُرفوا بأمر افترقوا به عن هؤلاء الروافض وهو أنهم يحبون أصحاب النبي ﷺ ويجلونهم ويعظمونهم، ويقدمونهم على من سواهم، حتى قال الإمام سفيان الثوري -رحمه الله- مفسراً موافقة السنة قال: "هي تقديم الشيخين أبي بكر وعمر"[38].
ثم أيضاً لما خرج الخوارج على الجماعة الذين لهم إمام شرعي، وكانوا يكفرون صاحب الكبيرة، تميز أهل السنة بأمرين عُرفوا بأمرين، وكانوا كذلك من قبل، لكن ذلك عرفوا به وظهر وفشا وانتشر وصار فرقاً بينهم وبين الخوارج:
فالأمر الأول: هو أنهم يحرصون على الجماعة، وعدم الخروج على أئمة الجور بخلاف الخوارج.
والأمر الثاني: أنهم لا يكفرون صاحب الكبيرة؛ لأن الخوارج كانوا يكفرون بالكبائر كما هو معلوم، فتميزوا بهذا وهذا، وهكذا لما جاء الجهمية وحكّموا العقل، عُرف عن أهل السنة اتباع الأثر، وتميزوا بذلك، وصار ذلك شعاراً لهم مع أنهم كانوا كذلك من قبل، وهكذا لما عُرف عن أولئك الجهمية نفي نصوص الصفات، ومنهم من نفى أسماء الله فصار أهل السنة يثبتون نصوص الصفات والأسماء على ظواهرها، على المعاني اللائقة بجلال الله وعظمته.
أما الخصائص فهي ثلاثة أنواع:
الأول: وهو الخصائص في التلقي والنظر والاستدلال.
والثاني: وهو الخصائص العامة التي تميز أهل السنة عن غيرهم.
والثالث: وهي الخصائص السلوكية والأخلاقية التي يتميزون بها؛ لأنه -كما ذكرنا من قبل- بأن أهل السنة لا يقتصرون على جانب واحد من جوانب الدين، وأن السنة هي لزوم الحق اعتقاداً واقتصادًا وعملاً وحالاً وسلوكاً، فلهم ما يميزهم في هذه الأبواب جميعاً.
أولاً: خصائص أهل السنة في التلقي والاستدلال:
فأول ذلك وأعظمه هو: وحدة المصدر: الوحي الذي لم يشوبوه بكدر، فكانوا يتلقون عن الله ويتلقون عن رسوله ﷺ، ولما رأى النبي ﷺ بيد عمر بن الخطاب صحيفة من التوراة تلوّن وجه النبي ﷺ وغضب وقال: أو متهوكون فيها يا ابنالخطاب؟، وقال: والله لو كان أخي موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي[39].
وجاء أيضاً في كتاب الهروي، في ذم الكلام، عن عمرو بن ميمون الأودي قال: "كنا أول ما نزلناالكوفة جاء رجل بكتاب قالوا: ما هذا؟ قال: كتاب، قالوا: وما هو؟ قال: كتاب دانيال، فاجتمعوا عليه فلولا أنهم تحاجزوا عنه لقتلوه، وقالوا: أكتاب سوى القرآن؟"[40].
ولما جاء أبو قرة الهمداني لابن مسعود بكتاب قال ابن مسعود : "إنما هلك من كان قبلكم بإتباعهم الكتب، وتركهم كتاب الله، فدعا بطست وماء، فوضعه فيه، وأماته بيده، حتى رأيت سواد المداد"[41].
يعني أمات الكتاب وضعه بماء؛ لأن الحبر ينغسل بالطريقة التي كانوا يكتبون بها سابقاً، يعني أنه محاه. فأين هذا ممن يقول: بأن أفضل طريقة في التربية والسلوك والتهذيب هي الطريقة الأمريكية؟! هذا يقوله أحد الدعاة، ويأخذون من الكتب المترجمة قضايا تتعلق بالأخلاق وتزكية النفوس وتهذيبها، وفي الكتاب والسنة ما يغني عن ذلك.
المقصود: أن أهل السنة يقتصرون في مصدر التلقي على الوحي فلا ينسبون مقالة ويجعلونها من أصول دينهم، وجمل كلامهم إن لم تكن ثابتة فيما جاء به النبي ﷺ، بل يجعلون ما بُعث به الرسول ﷺ من الكتاب والحكمة هو الأصل الذي يعتقدونه ويعتمدونه.
وقد تمثلت هذه القاعدة الشريفة في عدة ركائز عند أهل السنة والجماعة:
أول ذلك: اعتقادهم الجازم أنه لا يتحقق رضا الله -تبارك وتعالى- والفوز بالجنة والنجاة من النار إلا بالإيمان بالوحي الكتاب والسنة والعمل بهما والتحاكم إليهما: فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [النساء:59]، فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا [النساء:65].
وذلك كله نابع من اليقين القاطع أن ما جاء به النبي ﷺ من ربه أنه حق وصدق.
ثانياً: اعتقادهم أن هذا الدين كامل: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا [المائدة: 3]، والله يقول: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ [النحل:89].
يقول شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية -رحمه الله: "متى ذكرت ألفاظ القرآن والحديث، وبُيّن معناها بياناً شافياً، فإنها تَنظِمُ جميع ما يقوله الناس من المعاني الصحيحة، -هذا كلام يكتب بماء الذهب، -وفيها زيادات عظيمة لا توجد في كلام الناس، وهي محفوظة مما دخل في الكلام من الباطل"[42]؛ كما قال الله -تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9] فما يوجد في كلام بعض العقلاء من غير المسلمين، فإن هذا الكلام إن كان صحيحاً فإنه يوجد في الكتاب والسنة ما يغني عنه، لو أن الإنسان تأمل هذه المعاني، وهذا شيء مدرك معلوم، وكثير مما يشتغل به بعض المشتغلين مما يأخذونه عن اليهود والنصارى، ويترجمون كتبهم ويتربون ويربون الناس عليها، ويقيمون فيها الدورات المختلفة في قضايا تتعلق بالتفكير، والتربية، والسلوك، والأخلاق، وما أشبه ذلك، أقول: يوجد في الكتاب والسنة ما يغني عن صحيح تلك المقالات، فهذه قضية لولا الإطالة لمثلت عليها بأمثلة تجلي هذا المعنى، مما ينقلون ويعتقدونه صحيحاً، انظروا إلى قضية مثلاً التهذيب، من أين يبدأ؟ هل يبدأ من داخل النفس؟ أو يبدأ من إصلاح العمل الظاهر؟
هذه نظريات عند الغربيين، ويأتي بعض المسلمين ويترجم هذه الكتب، وبعضهم يأخذ بهذه المدرسة، وبعضهم يأخذ بهذه المدرسة، وتوجد مدارس تربوية، هل نصلح الظاهر وينعكس على الباطن؟ أو نصلح الباطن وينعكس على الظاهر؟
هذه قضايا متلازمة: ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ألا وهي القلب[43]، ولا شك أن الظاهر أيضاً يؤثر في الباطن، فإذا استقام الظاهر وصلحت حاله، أثّر ذلك في باطن الإنسان، ولهذا نهى عن التشبه بالفسّاق والكفار؛ لأن الموافقة في الظاهر تدعو إلى موافقة الباطن؛ لأن الإنسان يميل بقلبه إلى من يضاهيه ويشابهه كما هو معلوم، كما ذكر شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- في "اقتضاء الصراط المستقيم"، يقول: "لو أنك تجد الإنسان أحياناً في بلد يذهب يسافر في بلد هو غريب فيها، ثم يجد رجل من أهل قريته أو مدينته، في ذلك البلد يكون بينهما المودة والمصافاة والمؤاخاة والملاقاة ما لا يقادر قدره[44]، مع أنه في البلد لا يسأل عنه! ولا يفكر بزيارته! وإذا رآه لربما لا يسلم عليه.
وكذلك لو أنك تجلس في مكان وعليك هذا اللباس، دخلت في قاعة في بلد من البلاد التي لا يلبسون فيها هذا اللباس، ولا يتكلمون لغتك، وأنت جالس في قاعة كبيرة مليئة بالناس ثم دخل إنسان يلبس نفس اللباس، أما يميل إليه قلبك؟ وتبقى العين تنظر إليه، وترمقه من بين سائر الناس؟
الموافقة في الظاهر تورث الموافقة في الباطن، وإذا اتفق الباطن والباطن حصل الاقتراب والاتفاق "من وافق عقده عقدك، وافق قلبه قلبك، ومن خالف عقده عقدك، خالف قلبه قلبك"[45] كما قال بعض السلف .
أقول: مما نتج عن هذا الأصل الكبير عند أهل السنة: وحدة مصدر التلقي، ذكرنا أمرين من الركائز التي نظر إليها أهل السنة والجماعة في هذا المعنى:
الأمر الأول: الاعتقاد الجازم أنه لا يتحقق رضا الله -تبارك وتعالى- والفوز بجنته إلا بالإيمان بالوحي واتباع الكتاب والسنة ظاهراً وباطناً.
الأمر الثاني: وهو اعتقادهم أن هذا الدين كامل لا يحتاج إلى تكميل، لا يحتاج إلى ترقيع.
والأمر الثالث: وهو أنهم بناءً على ذلك قدموا النقل على العقل إذا تُوَهم التعارض بينهما، مع أن النقل الصحيح لا يمكن أن يتعارض مع العقل الصريح الصحيح، لا يمكن؛ لأن الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- جاؤوا بما حارت العقول، ولم يأتوا بمحالات العقول، بمعنى أنهم جاؤوا بأشياء قد يقف العقل دون بعضها، لا يدركه، لا يبلغه العقل، العقل له حد محدود، لكنهم ما جاؤوا بمحالات العقول، ما جاؤوا بأشياء ترفضها العقول، ولهذا قيل للأعرابي: بما عرفت أنه رسول الله؟ قال: ما دعا إلى شيء قط، فقال العقل: ليته نهى عنه، وما نهى عن شيء قط، فقال العقل: ليته أمر به"[46].
والأمر الرابع: الأدب مع نصوص الكتاب والسنة، عظموها حق التعظيم، الجهم بن صفوان كان أحد جلسائه قد تركه وهجره، فلما سُئل عن هذا قال: "كان جالسا وفي حجره المصحف، فقرأ آية ثم قال: ما أظرف محمد وهو يتلو هذه الآية، يقول: فاحتملتها، ثم قرأ آية أخرى في خبر موسى ﷺ ثم قال: ذكر قصته هنا وما أتمها، يقول: فاحتملتها، ثم بعد ذلك قرأ حتى بلغ موضعاً تكلم فيه بنحو هذا، ثم ركل المصحف برجله! دفعه بقدمه! يقول: فوثبت عليه"[47].
وانظر الآن إلى طوائف من أهل البدع قديماً وحديثاً لا يعتنون بالقرآن، ولا يشتغلون بحفظه، ولا يهتمون إطلاقاً بتحسين التلاوة والتجويد، وإذا سألت الواحد منهم: كم يحفظ من القرآن؟ فإنه لا يكاد يحفظ الفاتحة، فضلاً عن قصار السور، وهذا شيء مشاهد.
ولذلك ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- عن إمام كبير من أئمة المتكلمين من علمائهم أنه جيء له بالمصحف، فوُضع بين يديه، عالم، فلما فتحه وأراد أن يقرأ من سورة "الأعراف"، يريد أن يقرأ: المص [الأعراف:1] قرأ: "المص"[48]، هذا عالم من علماء الكلام لا يعرف يقرأ في المصحف.
ذكر بعض أهل العلم عن بعض أئمة الكلام أنه لم يذكر في كتاب من كتبه قط إلا نحو ثلاث آيات! أئمة كبار، وهم حينما يريدون هذه الآيات يريدونها غالباً لتأويلها ومعارضتها ورِّدها، واقرؤوا في كتب المتكلمين، هل يستدلون بالقرآن؟ كأنك تقرأ في كتاب من كتب المنطق، الكلي والجزئي، والكل والجزء، والجزئية والشرطيّ المنفصل والشرطية المنفصلة، والاستثناء، وغير ذلك من الأدلة العقلية، أو من ما يسمونه بالبراهين المنطقية، فهم – أي أهل السنة- يتأدبون مع نصوص الكتاب والسنة.
والأمر الخامس: أنهم يحتجون بنصوص الكتاب والسنة في الاعتقاد وغيره من الأمور العملية، فهم يحتجون بالسنة الآحادية مثلاً، ويؤمنون بها وينقادون لها تمام الانقياد؛ لأن ذلك من مقتضيات شهادة أن محمدا رسول الله ﷺ، والسنة شارحة للقرآن، والنبي ﷺ هو أعلم الأمة بمعاني القرآن، ووجدت عنده ثلاثة أشياء لا يمكن أن توجد في غيره بالقدر الذي وجدت فيه ﷺ: كمال العلم بمعاني القرآن، وكمال الرغبة في هداية الخلق، وهو أقدر الخلق على بيان حقائق الدين، ثلاثة أشياء: القدرة، وكمال الرغبة، والإرادة، وكمال العلم، هذه إذا اجتمعت فإنه يحصل بذلك البيان الكامل لحقائق دين الله -تبارك وتعالى- من غير نقص ولا غموض ولا تأخير للبيان عن وقت الحاجة.
وقد ترك النبي ﷺ هذه الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، فصار أهل السنة بذلك للسنة خاضعين ومعظمين، ولا يعارضون الوحي بآرائهم وأذواقهم، لما حدّث أبو معاوية الضرير بين يدي هارون الرشيد بحديث أبي هريرة: احتج آدم وموسى[49]، الحديث المشهور، قال عيسى بن جعفر وكان حاضرا يسمع: كيف هذا وبين آدم وموسى ما بينهما؟ يقول: كيف حصل الاحتجاج وموسى لم يدرك آدم؟ احتج آدم وموسى، قال: فوثب به هارون الرشيد، وقال: يحدثك عن رسول الله ﷺ وتعارضه بكيف؟ فما زال يقول حتى سكت عنه[50].
يقول: وفي رواية: "أنه حبسه ولم يطلقه حتى حلف الأيمان المغلظة أنه ما سمعه من أحد، وما تلقاه من أحد، يعني خشي الرشيد أن يكون هذا الرجل قد تلقى لوثة بدعية من غيره، وأن هذا مظهر لانحراف بنى عليه رد السنة، فأخبره وحلف له أن القضية مجرد خاطر خطر له، ولم يبنه على أصل فاسد.
ونحن نعرف ما وقع لابن عمر لما ذكر الحديث: لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنكم إليها فقام ابن له فقال: "والله لنمنعهن"، فأقبل عليه عبد الله فسبه سبا سيئا ما سمعته سبه مثله قط، وقال: "أخبرك عن رسول الله ﷺ وتقول: والله لنمنعهن؟"[51].
وحديث سعيد بن جبير: أن قريبا لعبد الله بن مغفل خذف، قال: فنهاه، وقال: إن رسول الله ﷺ نهى عن الخذف...، قال: فعاد، فقال: أحدثك أن رسول الله ﷺ نهى عنه ثم تخذف، لا أكلمك أبدا"[52].
هكذا كانوا يعظمون كلام النبي ﷺ، كما قال الإمام الصابوني -رحمه الله- معقباً على هذه الواقعة التي حصلت للرشيد: "هكذا ينبغي للمرء أن يعظم أخبار النبي ﷺ، وأن يقابلها بالقبول والتسليم والتصديق، وينكر أشد الإنكار على من يسلك فيها غير هذا الطريق الذي سلكه هارون الرشيد"[53].
ولما سئُل ابن المبارك -رحمه الله- عن حديث النزول: كيف ينزل؟ قال: إذا جاءك الحديث عن رسول الله ﷺ فأصغ له"[54].
واقرؤوا في بعض كتابات كتبها بعض المعاصرين يحتجون على أشياء كثيرة جداً مما قاله النبي ﷺ ويحرفونه، وينكرونه غاية الإنكار، وينكرون الحدود الشرعية! وأنكروا حد الردة! وقالوا: حرية شخصية وهي مسألة سياسية، ويقولون: بأن قطع يد السارق إنما يصلح في البيئة الصحراوية التي لا يوجد فيها حراس ولا سجون ولا غير ذلك، أما الآن فلا يصلح هذا أن يوجد في المجتمع مجموعة من المشوهين من مقطوعيّ الأيدي والأرجل، و...
وأما الربا فهو عصب الاقتصاد لا يمكن أن يستغني عنه، ويفتي بعض من سأله وهو يعمل في بنوك ربوية، يقول: لا تتركوا هذه البنوك؛ لئلا تفقدوا وظائفكم؟! ثم لمن تترك هذه البنوك إذا تركها الشباب المستقيم؟ شباب المستقيم يقوم على الربا؟! ويقول: أصبحت من ضرورات الحياة؟!
وأما التمثيل تمثيل المرأة، فدخول المرأة في التمثيل ضرورة من ضرورات اليوم؟! يقول: المرأة عنصر أساسي في التمثيل، فأول قصة ذكرها الله لنا في البشرية هي قصة آدم وحواء، المرأة عنصر أساسي فيها! تورد له نصوص الاختلاط ونصوص التبرج، وما أشبه ذلك، حديث: لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له[55]، يقول: هذا الحديث أصلاً ليس بصريح، ثم حتى لو كان صريح: يمس، يعني: يزني، يطأ، وليس معناها يلمس.
وأعاجيب وغرائب من رد السنة، والجراءة عليها، والتهكم بها، كم تهكم من متهكم بحديث الذباب وغمس الذباب: إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه، فإن في إحدى جناحيه داء والأخرى شفاء[56].
والآخر يسمع حديث النبي ﷺ يقول عن النساء: ناقصات عقل ودين[57]، يقول: أصلا النبي ﷺ كان يهزر؟! هذا كلام؟! هذا داعية يقول هذا الكلام؟!
ويقول: هل يعقل أن النبي ﷺ في يوم عيد يجرح مشاعر النساء، ويقول: تصدقن فإنكن ناقصات عقل ودين[58]؟! لكن بعض هؤلاء جهلة يلوح في رأسه شيء فيقوله، ولم يتأدب بالآداب الواجبة مع سنة رسول الله ﷺ، ولكن من هؤلاء من يُنَظِّر وهو محسوب من أهل العلم، ثم يقول بعض هذا الكلام؟!
الخاصية الثانية: أنه منهج توقيفي، منهج توقيفي بمعنى أننا لا نستطيع أن نأتي بأصول نحن من عند أنفسنا، ونقول: هذه الأصول نعتمد عليها في الاستدلال، نُرّكب أصولاً من عندنا، لا يمكن، نحن نستدل بالكتاب وبالسنة: اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ [الأنعام:106]، وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل:44]، مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ [النساء:80].
الإجماع ما جئنا به من عندنا: وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ [النساء: 115].
وهكذا الأصول التابعة الملحقة بهذه الأصول الكبار، مع أن الإجماع هو عائد إلى الكتاب والسنة في الواقع؛ لأن له مستنداً من الكتاب والسنة، فالمصدر هو الكتاب والسنة في الحقيقة، والإجماع عائد إليهما، والقياس هو دليل مركب من العقل والنقل يرجع فيه إلى الوحي، فيلحق المسكوت عنه بالمنصوص، فهو راجع أيضاً إلى هذه الأصول.
فالمقصود: أن أهل السنة لا يركّبون أصولاً من عند أنفسهم ثم يضعونها في كتاب، أو في ورقة، ثم بعد ذلك يطالبون الناس بإتباعها والتزامها، والسير عليها إطلاقا، هذا منهج توقيفي، توقيفي بمعنى أن الشارع هو الذي حدد هذه الأشياء التي يعتمد عليها بالاحتجاج والنظر والاستدلال، ولم يأت به أحد لا عالم، ولا جاهل من عند نفسه، وهذا هو طريق السلامة المحققة التي لا يمكن أن تحصل السلامة إلا بها.
والخاصية الثالثة: أنه لا معصوم عندهم سوى النبي ﷺ، فمتبوعهم هو رسول الله ﷺ، فهو الذي يجب تصديقه في كل ما أخبر، وطاعته في كل ما أمر، وليست هذه المنزلة لأحد سواه من الأئمة، من الطوائف من جعلوا لهم أئمة، أضفوا عليهم العصمة، وهؤلاء لا يمكن أن تلتقي معهم في الطريق، ولا في وسط الطريق، ولا في آخر الطريق؛ لأن هؤلاء عندهم مصدر آخر، هؤلاء ما يقوله أئمتهم فهو كلام حق: لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ [فصلت:42]، فإذا اجتمع مع هذا! أنهم لا يعرفون الأسانيد أصلاً، وإن لفقوا لهم إسناداً فهو مجموعة من الكذبة والمفترين، فمثل هؤلاء يكذبون وينسبون لهؤلاء الأئمة أشياء كثيرة جداً مما تنبوا عنه الأسماع، فمثل هؤلاء كيف تلتقي معهم؟! تقول: "قال الله"، قال رسوله، يقول: "قال فلان" و "قال فلان" و "قال فلان" طيب فلان يقابل به، قال: هذا معصوم؟! هذا معصوم كلامه حق، هذا تحتاج أن ترجع معه إلى أصل القضية، تبين له أن العصمة إنما تكون للنبي ﷺ وليس لأحد سواه، لا من الصحابة ولا غير الصحابة، ليس لأحدٍ العصمة، لكن الأمّة لا تجتمع على ضلالة، فإذا وجد الإجماع فهو حجة، إجماع الأمة معصوم، فهذه قضية أساسية عند أهل السنة والجماعة.
الصحابة أعلم الناس بعد النبي ﷺ بالدين وكلهم عدول؛ لأنهم شاهدوا التنزيل، وغير ذلك مما سنذكره في موضعه -إن شاء الله، لكن هل أقوالهم حجة؟
نقول: إذا أجمعوا فإن قولهم حجة؛ لأنه إجماع، وإذا انفرد الواحد منهم بقول فإن كان ذلك مما لا مجال للرأي فيه ولم يُعرف بالأخذ عن بني إسرائيل، فإن ذلك يكون حجة؛ لأنه يتكلم عن أمور غيبية لا يمكن أن يقولها برأيه، فهو حجة بهذا الاعتبار، وكذلك أيضاً إذا نُقل عن الواحد منهم قولاً اُشتهر أو لم يشتهر على الراجح ولم يُعلم له مخالف، فإننا نقف عنده إذا لم يُعلم له مخالف، ونقول: هذا حجة، لكنها ليست بحجة رسالية، بل إنها حجة بيانية.
الفرق بين الحجة الرسالية والحجة البيانية:
الحجة الرسالية: معناها أن هذا القول من حيث هو حجة بنفسه، وهذا لا يكون إلا لكلام النبي ﷺ لكلام الله ، لكن كلام الصحابي في هذه الحال لم يُعلم له مخالف ما وجدنا سواه، نقف عنده، حجة بيانية؛ لأنه يبين لنا عن أمر قد خفي علينا من حال النبي ﷺ وكلامه الذي ما بلغنا، فعرفناه عن طريق هذا الصحابي، فمن هذا الباب صار حجة.
والخاصية الرابعة: أن إجماع السلف حجة ملزمة لمن بعدهم؛ لأن دين المسلمين مبني على كتاب الله وسنة نبيه ﷺ، وما اتفقت عليه الأمة، فهذه الثلاثة أصول معصومة، وقد أشرت إلى ذلك عند الكلام على الكتاب والسنة.
الخامس: أنهم لا يقرون قولاً ولا يقبلون اجتهاداً إلا بعد عرضه على الكتاب والسنة والإجماع.
وهذه تكون عصمة -بإذن الله - من الانحراف والشطط والضلال، إذا لم يتقيد الناس بهذه القضية ما الذي يحصل؟! يقلدون الشيوخ، والكبراء، يقلدون المقدم فيهم، من رئيس طائفة أو عالم، أو غير ذلك، مهما تواردت عليه نصوص الكتاب والسنة، فمثل هذا لاشك أنه يَعصم -بإذن الله تبارك وتعالى- من الانحراف، فهم يزينون أقوال الناس وأفعالهم بهذه الأصول الثلاثة: الكتاب، والسنة، والإجماع، يزنون أعمالهم الظاهرة والباطنة كل ما له تعلق بالدين، حتى يعرفون هذا حق أو باطل، مهما كانت منزلة القائل، أو مؤلف الكتاب، أو كاتب المقالة، العبرة بما قاله الله وقاله رسوله ﷺ.
والخاصية السادسة: أنهم لا يعارضون القرآن والسنة بعقل أو رأي أو قياس أو ذوق، أو غير ذلك، فالعقل عندهم خاضع للنقل، والله يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [الحجرات:1] والتقدم بين يدي الله ورسوله يكون بالتقدم بالرأي، والمعارضة، والتشكيك بأحكام الله وأحكام النبي ﷺ، أو تقديم أقوال الناس على أقوال الله وأقوال رسوله ﷺ، فلا نتقدم برأي ولا قياس ولا ذوق ولا نظر، نتأدب مع نصوص الوحي.
والخاصية السابعة: لم يكونوا يتلقون النصوص ومعهم مقررات سابقة من أصول عقلية، أو غير ذلك يحاكمون النصوص إليها، كثير من الطوائف التي انحرفت أهل الكلام مثلاً عندهم مقررات يسمونها: عقليات، وتابعهم أصحاب المدرسة العقلية الحديثة، العقلانيون المعاصرون ومن شابههم، وتبعهم بعض الجهلة ممن يتكلم في المسائل العظام، وينقل كلامه في القنوات، وهو لا يدرك هذه القضايا التي يتكلم فيه ولا أبعادها ولا مراميها، فبسهولة يمكن أن يحاكم نصوص الكتاب والسنة إلى مقررات سابقة، يقول: هذا لا يجري مع العقل، هذا لا يتفق مع معطيات الحضارة المادية اليوم، أو يقول: هذا لا يتفق مع العصر الحديث، وما وصل الناس إليه، أو يقول: هذا يخالف القاعدة الفلانية من القواعد العقلية، أو لا تقبله العقول، أو هذا يخالف الذوق، وما أشبه ذلك مما قد يقال.
الخاصية الثامنة: أن جميع النصوص الواردة في الباب الواحد ينظرون إليها ويجمعون النظير إلى نظيره، فهم لا ينظرون إلى النصوص بنظر الأعور، كما يفعل أهل البدع -كما ذكرنا لكم، المرجئة نظروا إلى النصوص التي فيها المغفرة والرحمة، ومن قال: لا إله إلا الله دخل الجنة[59].
والخوارج والمعتزلة الذين هم الوعيدية، نظروا إلى النصوص الأخرى: والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن، قيل: من؟ قال: من لا يأمن جاره بوائقه[60]، لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن[61]، وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93]، أخذوا هذه النصوص وقالوا: فاعل الكبيرة كافر مخلد في النار، قاله الخوارج، وقال المعتزلة: هو مخلد في النار، وجعلوه بمنزلة بين المنزلتين.
أهل السنة ينظرون إلى هذه النصوص، وهذه النصوص، يجمعون النصوص، ولذلك فإن الإنسان الذي ينظر بنظر أصحاب الأهواء إلى النصوص يأخذ ما يناسبه، ويترك النصوص الباقية التي لو أوردت في الباب لتبين المراد، وهذا أصل من أصول الانحراف في الاستدلال والنظر.
الواجب على الإنسان أن ينصف وأن يكون طالباً للحق فيجمع النصوص جميعاً، ثم بعد ذلك يخرج بالحكم الذي أفادته هذه النصوص.
أقول: هذه المصادر الأصلية عند أهل السنة والجماعة: الكتاب والسنة، ويرجع إليها الإجماع والقياس يبنى على ذلك.
هناك مصادر أيضاً ثانوية عند أهل السنة وهي: العقل الصحيح، والفطرة السليمة، هذه ليست بمستقلة، ولا يُعارض بها الكتاب والسنة، وإنما هي تابعة، مثلاً نحن نستدل على علو الله على خلقه بالقرآن: يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ [النحل:50].
وبالسنة مثل: ينزل ربنا -تبارك وتعالى- كل ليلة إلى السماء الدنيا[62].
ونستدل أيضاً على ذلك بالفطرة: "ما دعا داع إلا وجد في قلبه طلباً للعلو".
وهكذا أيضاً نستدل بالعقل، فهناك أشياء مما يدركه العقل يمكن أن يُستدل، نقول: نستدل على هذه المسألة بالكتاب والسنة والإجماع والفطرة والعقل، فهي تابعة وليست أصلية وأساسية.
المقصود: أنه من خلال هذه الأصول التي اعتمدوها نتج عن ذلك:
1. سلامة المنهج.
2. الاجتماع والائتلاف، وانتفاء الفرقة.
3. ضبط المواقف إزاء المخالفات، كل ما طلع انحراف الموقف واضح ومحدد.
4. البصيرة ووضوح الرؤية، ما يتخبط إذا جاءت الفتن واختلف الناس.
فهذه أشياء ظاهرة عند أهل السنة والجماعة، ومن التزم هذه الأصول فهو بإذن الله يكون على منهج سليم، ويحصل لهؤلاء من الاجتماع.
أما إذا كان لكل أحد من الأصول ما ينفرد به غير هذه الأصول، تتمزق هذه الأمة، وكل ناس يكونون طائفة، هؤلاء لهم ما يعولون عليه ويرجعون إليه، وهؤلاء لهم أصولهم، وإذا جاءت المواقف، جاءت القضايا، نزلت النوازل، هؤلاء لهم منازع في الاستدلال، وهؤلاء لهم منازع في الاستدلال، وتخبطت الأمة تخبطاً عظيماً، ثم بعد ذلك صار على الأبصار غشاوة، هذا مُشرِّق وهذا مُغرِّب، هذا يرى أن الحق وعين الحق هو في كذا، وهذا يرى أنه عين الباطل والضلال والانحراف، كيف يقع مثل هذا؟ كما نشاهد هذه الأيام التناقضات في الرأي والنظر، إلا بسبب ترك هذه الأصول، وعدم الاعتماد عليها.
والنبي ﷺ قد قال: تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدًا: كتاب الله وسنتي[63].
فقد يتساءل الإنسان ويستغرب: كيف يحصل الانحراف في هذه الأمة؟ وكيف ضل من ضل عن الصراط المستقيم؟ وكيف ظهرت هذه الفرق منذ زمان بعيد؟ ولا زالت فرق تتشعب إلى يومنا هذا؟ كيف يضلون وعندهم هذا المعين الصافي الذي لا زال محفوظا بحفظ الله -تبارك وتعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]؟
أقول: لا تعجب ولا تتحير في الجواب عن ذلك؛ فإن الشيطان قد أعد للأمر عدته، واحتاط لهذه الأمور جميعا، فوضع حواجز دون الرجوع إلى هذا المصدر، لدى كثير من الطوائف، انظروا -مثلا- إلى أصحاب المنهج الكلامي، هؤلاء وجد عندهم جملة من المعاول التي هدموا بها النصوص الشرعية، المنقول الوحي الكتاب والسنة.
فأول ذلك هو: توهين النقل ابتدءًا، الخوارج حينما ظهروا لم يكن عندهم ما عند المعتزلة مثلا من الفلسفات التي وجدت لدى كثير من المتكلمين يردون بها النصوص -كما سيأتي، وإنما كان الخوارج يردون النص لطعنهم في الناقل، فقد كفروا أصحاب النبي ﷺ كما هو معلوم، فإذا قيل لهم: قال رسول الله ﷺ، قالوا: هذا غير مقبول؛ لأن الذين رووه قد ارتدوا على أدبارهم، مع أن الخوارج يقبلون خبر الآحاد، ليس عندهم مشكلة إذا كان الراوي مقبولا في نظرهم.
يقول شيخ الإسلام ابن تيميه -رحمه الله: "بأن عصر الصحابة وكبار التابعين لم يكن فيه من يعرض النصوص بالعقليات" وذكر أن الخوارج والمرجئة والقدرية والشيعة في أول أمرهم حينما ظهروا في عهد الصحابة في أواخره أنهم كانوا ينتحلون النصوص، ويستدلون بها على قولهم، ولا يدعون أن عندهم عقليات ترد النصوص وتعارضها، ولكنهم يتوقفون عن قبولها بسبب طعنهم في النقلة.
لكن لما حدثت الجهمية في أواخر عصر التابعين كانوا هم المعارضين للنصوص بما يسمونه: العقليات، بالآراء.
وكانوا في أول أمرهم قلة منبوذة مقموعة، ولولا خشية الإطالة لذكرت لكم شيئاً من حالهم، وما صار إليه أمرهم من قتل وملاحقة، وهجر، حتى تخفوا وصاروا مقموعين، وأولهم: "الجعد بن درهم".
والمقصود: أن بداية الطعن في النقول، في الكتاب أو في السنة، نشأت على يد المعتزلة، جاء: "واصل بن عطاء" المتوفى سنة إحدى وخمسين ومائة، وكانت بداياتهم لربما تبدو ساذجة في أول الأمر؛ لأن كتب اليونان ما ترجمت بعد، فلم تتأصل تلك القواعد، ولم تتبلور تلك الآراء والمذاهب؛ مثلاً "واصل بن عطاء" في مسالة الأسماء: المؤمن والكافر، والمنافق والفاسق، حينما سئل الحسن عن فاعل الكبيرة: هل هو مؤمن؟ فقال "واصل بن عطاء": هو في منزلة بين المنزلتين، هكذا بدأت فكرة، ثم اعتزل هو وأصحابه ويقرر هذا المعنى، وهو من تلاميذ "الحسن" فقال: اعتزلنا "واصل" فسموا بالمعتزلة على ما ذكره بعض أهل العلم، هكذا كانت البدايات.
"واصل بن عطاء" ذكر قضية في أول الأمر، قال: بأن كل خبر لا يمكن فيه التواطؤ والتراسل والاتفاق على التواطؤ، فهو حجة، وما يصح ذلك فيه فهو مطرح، ما معنى هذا الكلام؟ يقول: بأن الخبر الذي يقبل هو ما لا يمكن فيه التواطؤ على الكذب، هذا لم يكن موجودا عند الصحابة ، ولا عند أئمة التابعين، وإنما هو شيء اخترعه من عنده، وهذا يقتضي أنه سيرد سائر النصوص التي يحتمل العقل أن التواطؤ يمكن أن يوجد فيها، فالعقل صار الآن له مدخل في قبول الروايات، وردها بهذا الاعتبار، هذا بداية تحكيم العقل في النصوص.
ثم جاء رجل آخر من المعتزلة وهو "أبو الهذيل العلاف" المتوفى في سنة 232هـ، و"أبو الهذيل العلاف" هذا هو أول من تم به الربط بين الفكر الاعتزالي والفكر الفلسفي، في ذلك الوقت كانت كتب اليونان قد ترجمت، وكان "المأمون" يشجع على هذا -والله حسيبه- حتى إنه قيل عنه -كما ذكرنا سابقا: بأنه ذبح عقيدة المسلمين بغير سكين! وكان يعطي الرجل على الكتاب المترجم وزنه ذهبا! ولذلك تسارع الناس في الترجمة، وتهافتوا عليها، وصارت موضة في ذلك العصر، وجاءت موضة أخرى وهى رونق الجديد، فصار كثير من الناس يتهافتون على الفلسفة والمنطق اليوناني ويتعلمونها، ولربما يقيمون الدورات فيها، فربط بين الاعتزال وبين الفكر الفلسفي، وهو أول من قال بوجوب النظر.
ونحن نعرف أول ما يجب على المؤمن: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [محمد:19]، أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله[64]هذا هو أول واجب الإيمان التوحيد، قول: "لا إله إلا الله".
فجاء هذا المعتزلي وقال: أول واجب هو النظر، يجب عليه أن ينظر أولا، ينظر بماذا؟! حتى إن بعض من جاء بعده قال: أول واجب هو الشك! يشك ثم ينظر! هو الآن مستيقن يشك في ماذا؟! ينظر يقول: لابد أن ينظر في دلائل الأفقية والكونية، في دلائل قدرة الله ووجوده، وربوبيته، حتى يعتقد، وهذا خلاف ما دل عليه الكتاب والسنة.
الحاصل: أن كتب اليونان كانت قد ترجمت في عهد "المأمون" المتوفى سنة 218 هـ، فجاء "أبو هذيل العلاف" وطور مقالة "واصل بن عطاء"، وزاد عليها حتى صارت عنده الحجة فقط في اتباع المقاييس العقلية، وهنا التقى فكر الفلاسفة بفكر المعتزلة، وكان -عليه من الله ما يستحق- يعتبر الرواية ريبة! والحجة في اتباع المقاييس العقلية! ولهم شبهات في هذا لا حاجه لذكرها.
كتب اليونان كانت قد ترجمت في عهد "المأمون" المتوفى سنة 218 هـ، فجاء "أبو هذيل العلاف" وطور مقالة "واصل بن عطاء"، وزاد عليها حتى صارت عنده الحجة فقط في اتباع المقاييس العقلية، وهنا التقى فكر الفلاسفة بفكر المعتزلة، وكان -عليه من الله ما يستحق- يعتبر الرواية ريبة! والحجة في اتباع المقاييس العقلية! ولهم شبهات في هذا لا حاجه لذكرها.
وقد قال الإمام "الأصبهاني" الإمام الكبير، قوام السنة، صاحب كتاب: "الحجة" قال: "قال أهل السنة من السلف: إذا طعن الرجل على الآثار، فينبغي أن يتهم على الإسلام".
ثم جاء "النظام"، وقد تتبعت عددا من رموز هؤلاء، وقرأت في تراجمهم، فوجدت غالبهم ممن قد ضيع شرائع الإسلام، وهو في غاية الفجور والفحش، وبعضهم لا يصلي، وهذا "النظام" -قبح الله وجهه- ذكر في ترجمته: أنه كان يبيت على سكر، ويغدو على جرائرها -نسال الله العافية- هذا منظر، رأس كبير لهؤلاء المبتدعة، لهذه الطائفة الضالة، والقضية لم تقف عندهم إلى اليوم، المنهج العقلاني، تحكيم العقل في النصوص، أما عن تقعيد ونظر وإما عن جهالات، كل ذلك امتداد لفكر المعتزلة وانحرافهم وعقائدهم، إلى يومنا هذا، ويوجد له مراكز في العالم -كما سيأتي، وكتب ومؤلفات، ومنظرون، وأساتذة جامعات! ومحاضرون يخرجون في القنوات الفضائية! حتى بعض القنوات الإسلامية! ولهم أعمدة في صحف شتى شهيرة.
الحاصل: أنه جاء "النظام" المتوفى سنة 231، مائتين وواحد وثلاثين، وهذا كان قد حفظ كتب "ارسطو" في الفلسفة، وما كانوا يعتنون بكتب "ارسطو"، ولا يقرؤونها، ولا يكترثون بها، أعني السلف ، وعلى يديه قوي اتجاه فكر المعتزلة نحو فكر الفلاسفة، واشتد تمسكهم بمنهجهم العقلي، وكان يقول -قبحه الله- إضافة إلى ما قاله شيوخه كان يقول: "الحجة العقلية قادرة على نسخ الأخبار"[65]، إلى هذا الحد، ينسخ الخبر، النقل من الكتاب والسنة بالحجة العقلية عنده، نحن نعرف أن النسخ لا يكون إلا بخطاب شرعي متراخٍ بشروط معروفة، وبهذا نعرف أن مقالة المعتزلة قد مرت بثلاث مراحل:
الأولى: إطراح جميع الأخبار ما لم يتحقق في ذلك الشرط، وهو عدم إمكان التواطؤ.
الثانية: أن الأخبار ريبة، والحجة في المقاييس العقلية.
الثالثة: أن الحجة العقلية قد تنسخ الخبر من الكتاب والسنة، ما عاد بقى شيء، وهذا إنما أوقعهم به الفلاسفة، وحينما ناظرهم الأشاعرة الذين قلَّ علمهم بالمنقول من الكتاب والسنة، ولم يكن لهم بصر بذلك، ألزمهم المعتزلة بالتزامات التزموها، وأوقعوهم في انحرافات وضلالات شتى، فمن ذلك، مما وقع به المعتزلة ومن تابعهم من الأشاعرة والماتردية، وكلهم من أصحاب المنهج الكلامي:
أولا: تضعيف الأدلة النقلية، ووصفوها بأنها ظنية، بحيث لا يستدل بها إلا على سبيل التأكيد، يعني أنها تقبل اعتضاداً، ولا تقبل اعتمادا، يعنى لا يعتمد عليها بمفردها إنما هي لتعضيد الدليل العقلي فقط، يقال دل عليه: العقل، ويشهد له قول الله ، أو قول النبي ﷺ، صار النقل تابعاً للعقل، وهذا أمر مقرر عند المتكلمين من الأشعرية، وغيرهم.
والأمر الثاني: أن أخبار الآحاد لا تفيد إلا الظن بإطلاق، وبناءً على ذلك جاءت المعطية الثالثة، وهى: أن يقدم حكم العقل على النص، إذا كانت أكثر الأخبار آحاد، والآحاد لا تفيد إلا الظن، قالوا: والقواطع هي العقليات فنقدم العقل؛ لأنه قطعي على النص؛ لأنه ظني.
وجاء من أنكر القياس والإجماع، كما فعل "النظام" من المعتزلة.
وأمر خامس: أنهم حكموا أيضا بناءً على ذلك أن الفقه من باب الظنون؛ لأن أكثر المرويات في الفقه أخبار آحاد، وعمومات، والعموم يحتمل أن يكون مخصصاً أو مقيداً إن كان مطلقاً، فيرد عليه واردات، فقالوا: هذا لا يقطع به إنما هو يفيد الظن، والفقه قالوا: هو من باب الظنون، وقالوا: يحتمل فيه ذلك، لكن هذه الظنيات لا تقبل في العقائد أبدا؛ لأنه يعتمد فيها على العقليات.
وأمر سادس: خلط علم الكلام بقضايا الاعتقاد وأصول الفقه، والكثير يقولون: بأن علم أصول الفقه صعب، وفيه قضايا مغلقة، صعبة لا تفهم.
أقول: علم أصول الفقه ليس كذلك في أصله، انظروا الى ما كتبه الإمام الشافعي -رحمه الله- في الرسالة، سهل وواضح، ولكن المتكلمين سرقوا أصول الفقه من أهل السنة كما قال بعض أهل العلم، وما أعادوه إلى اليوم، فصار أكثر من يؤلف في أصول الفقه من المعتزلة والأشاعرة والماتريدية، فأدخلوا فيه علومهم الفلسفية والكلامية، والمنطق، وهذه علوم معقدة لا ينتفع بها، وإذا سمعها الإنسان، وسمع تلك المصطلحات، ظن أن تحتها شيئا، وليست كذلك، "فهو كلحم جمل غث على جبل وعر"، كما قال شيخ الإسلام "لا سهل فيرتقى، ولا سمين فينتقل"[66]، تسمع في علم المنطق أشياء، ومصطلحات، وعبارات، تقرأ مثلاً: الجنس الأعلى، والجنس القريب، والفصل، والخاصة، وتقرأ عبارات وأشياء: الدوران الوجودي والعدمي، العكس والطرد، يسمعها الإنسان لأول وهلة يقول: ما هذا؟ ما هذا؟ وإذا كشفت له وبينت تبين أنها مقررات عنده أصلا يعرفها، تعرفها العجائز، لكن يستهويه اللقب والعبارة والرمز، كما هو شأن حال كثير من العامة يحبون الغريب والنادر والمعدوم، ويزهدون في الواضح والسهل والمبذول.
المقصود: أنهم أخذوا هذه العلوم علم أصول الفقه، مصطلح الحديث، علم البلاغة، سيطروا عليه سيطرة كاملة، وأدخلوا فيه أشياء كثيرة من انحرافاتهم، وصارت البلاغة أيضا صعبة عند كثير من طلابها، وقل مثل ذلك أيضا في النحو، استصعب هذه العلوم كثير من الطلاب لهذا السبب، هكذا فعلوا، وجنوا على النصوص من وحي الله -تبارك وتعالى، مع أن ما قالوا هو باطل محض، فالله قد أنزل كتابه على رسوله ﷺ ليكون هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى [البقرة: 185]، وجعله فارقا بين الحق والباطل: وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ [النور: 34]، كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [النور: 58].
وأوحى إلى نبيه ﷺ سنة وحكمة شارحة لهذا الكتاب: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل:44].
وامتن علينا بذلك: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [الجمعة:2] هذه المنن بإنزال الوحي المعصوم الذي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ [فصلت:42] وقد تعهد الله، وتكفل بحفظه، جاء هؤلاء يطعنون فيه، ويشككون فيه، ويقولون: بأن هذه الآثار يدخلها ما يدخلها، وحتى المتواتر منها يمكن أن يكون مخصصاً، ويمكن أن يكون منسوخا، ويمكن يعنى حتى القرآن لا يصلح للاحتجاج في العقائد عندهم! ما الذي بقي؟ بقى العقل.
وجاءت طائفة وقالوا: حتى العقل أكبر شاهد على أن العقل لا يصلح للاحتجاج أنكم معاشر من تحتجون بالعقل قد اختلفتم غاية الاختلاف، فالمعتزلة انقسمت في أول أمرها إلى اثنتي عشرة فرقة! وانقسمت كل فرقة إلى فرق! -كما سيأتي- تجد "أبا علي الجبائي، وأبا هاشم" الولد والوالد، هذا يكفر الابن، وهذا يكفر الأب، كلهم معتزلة، فرق، هذا له فرقة وهذا له فرقة، كلهم يعتمدون على العقل، وما زادهم ذلك إلا حيرة.
فجاءت طائفة وقالوا: العقل لا يصلح للاحتجاج؛ لأن العقل يختلف الناس فيه، وفي المقاييس العقلية، فجاء من يقول: إذاً نحن لا بد أن نؤمن بالحس فقط! ما نرى! أو ما نشم! أو ما نلمس! أو ما نسمع!
وجاءت طائفة وقالت: حتى الحس يرى النجم من بعيد غائرا صغيرا، ويرى العصا في الماء منكسرة، ويرى الإنسان من بعيد على هيئة الشجرة، حتى الحس يخطئ، فجاء قوم سفسطوا وهلكوا في أوديه الردى -نسال الله العافية- فلا عقل ولا نقل ولا حس، وإنما هي سفسطات وحيرة وضلال، بعد أن أعرضوا عن الكتاب الذي أنزله العليم الحكيم الخبير، أصد ق من يقول، على أفضل نبي، وأفصح من نطق بالعربية، وأكمل الناس أرادة لبيان الحق، تركوا ذلك جميعا الذي أخرج الله به الأمم من الظلمات إلى النور، كما سبق أن ذكرنا من قصص الانحراف في مشارق الأرض ومغاربها، تركوه ورجعوا إلى الأمر الأول الذي كان عليه أهل الانحراف قبل بعث النبي ﷺ، وجعلوا ذلك أصلا يعولون عليه، ويهدمون النصوص، ويتحاكمون إليه في أدق الأشياء، وفي أخص الأشياء، في معرفة الله ، فضلا عن الأمور الأخرى، بحجة أن هذه المنقولات لا يوثق بها، وإنما كان ذلك لجهلهم، وقد تكلم العلماء على هذه القضية.
ومن ذلك أيضاً ما نقله الإمام الأصبهاني في كتاب: "الحجة"، عن أبي المظفر السمعاني، وهو إمام جبل كبير، قد أجمع على قبوله الطوائف من أهل السنة وأهل الكلام؛ لأنه قد رسخت قدمه في العلوم النقلية والعلوم العقلية، ولا يستطيع أحد منهم أن يتهمه بأنه لا يعرف المعقولات، فكان -رحمه الله- يقول: "ما اختلطت إلا على الجاهلين بها، أما العلماء بها فإنهم ينتقدونها انتقاد الجهابذة الدراهم والدنانير، فيميزون زيوفها، ويأخذون جيادها، ولئن دخل في غمار الرواة من وسم بالغلط في الأحاديث، فلا يروج ذلك على جهابذة أصحاب الحديث، حتى إنهم عدوا أغاليط من غلط في الأسانيد والمتون، بل تراهم يعدون على كل رجل منهم في كم حديث غلط، وكم في حرف حرَّف؟ وماذا صحف؟ فإذا لم يرج عليهم أغاليط الرواة في الأسانيد والمتون والحروف، فكيف يروج عليهم وضع الزنادقة وتوليدهم الأحاديث؟!".
ثم يجهَّل من يقول: بأن الزنادقة قد وضعوا أحاديث كيف تميز؟ يقول: "ما يقول هذا إلا جاهل ضال مبتدع كذاب، يريد أن يهجن بهذه الدعوة الكاذبة صحاح آثار رسول الله ﷺ الصادقة، ويلبس على جهال الناس بهذه الدعوى، وما احتج مبتدع في رد آثار رسول الله ﷺ بحجة أوهى منها، ولا أشد استحالة، فصاحب هذه الدعوة يستحق أن يسف في فيه التراب أو الرماد، وينفى من بلاد الإسلام، فتدبر -رحمك الله- أيجعل حكم من أفنى عمره في طلب آثار رسول الله ﷺ شرقا وغربا، وبرا وبحرا، وارتحل في الحديث الواحد فراسخ، واتهم أباه وأدناه في خبر يرويه عن النبي ﷺ[67]، إذا كان موضع التهمة ولم يحابه في مقال، ولا خطاب غضبا لله"، يقول: أئمة الجرح والتعديل بعضهم ضعف أباه[68]، وبعضهم ضعف ابنه، فلم يحابي أحدا، يقول: "ثم ألف الصحف والأجلاد في معرفة المحدثين وأسمائهم وأنسابهم، وقدر أعمالهم، وذكر أعصارهم وشمائلهم وأخبارهم، وفصل بين الرديء والجيد، والصحيح والسقيم، حنقا لله ورسوله ﷺ وغيرة على الإسلام والسنة، ثم استعمل آثاره كلها حتى فيما عدا العبادات من أكله وطعامه وشرابه ونومه ويقظته وقيامه وقعوده، -يعنى النبي ﷺ، ودخوله وخروجه، وجمع سيرته وسننه، حتى في خطواته ولحظاته، ثم دعا الناس إلى ذلك، وحثهم عليه، وندبهم إلى استعماله، وحبب إليهم ذلك بكل ما يمكنه، حتى في بذل ماله ونفسه، كمن أفنى عمره في اتباع أهوائه؟ يقول: كيف نجعل أئمة السنة الكبار كهؤلاء الجهلة "كمن أفنى عمره في اتباع أهوائه وآرائه، وخواطره وهواجسه، ثم تراه يرد ما هو أوضح من الصبح من سنن رسول الله ﷺ، وأشهر من الشمس برأي دخيل، واستحسان ذميم، وظن فاسد، ونظر مشوب بالهوى"[69]، إلى آخر ما ذكر.
يقول: هؤلاء جهال لا يعرفون قدر هؤلاء الجبال من أئمة السنة الذين دونوها وحفظوها.
ونقل عن "أبي المظفر" أيضا في موضع آخر يقول: "بأن الخبر وإن كان يحتمل الصدق والكذب والظن والتجوز له فيه مدخل، لكن تميز ذلك والثقة بالمنقولات ومعرفة صحيح الأحاديث لا يناله أحد إلا أن يكون معظم أوقاته وأيامه مشتغلا بعلم الحديث والبحث عن سيرة النقلة والرواة، ليقف على رسوخهم في هذا العلم، وكنه معرفتهم به، وصدق ورعهم في أحوالهم وأقوالهم، وشدة حذرهم من الطغيان والزلل، وما بذلوه من شدة العناية في تبين هذا الأمر، والبحث عن أحوال الرواة، والوقوف على صحيح الأخبار وسقيمها، يقول: ولقد كانوا -رحمهم الله وأنزل رضوانه عليهم- بحيث لو قتلوا لم يسامحوا أحدا في كلمة يتقولها على رسول الله ﷺ، ولا فعلوا هم بأنفسهم ذلك، وقد نقلوا هذا الدين إلينا كما نقل إليهم، وأدوا على ما أُدي إليهم، وكانوا في صدق العناية والاهتمام بهذا الشأن بما يجل عن الوصف، ويقصر دونه الذكر، وإذا وقف المرء على هذا من شأنهم، وعرف حالهم، وخبر صدقهم وورعهم وأمانتهم؛ ظهر له العلم فيما نقلوه ورووه"[70]، يقول هذا ما يعرفه إلا من عانا علم الحديث.
المقصود: أن أهل السنة كان لهم الموقف الصارم من هؤلاء، ومن علومهم الكلامية، ومن المنطق الأرسطي، هذا المنطق دخل إلى المسلمين كان أول من أدخله: "يحيى بن خالد بن برمك" فلما دخل وجاء المأمون وشجع على ترجمة كتب اليونان صار الناس يتعلمونه، وصاروا يدخلونه في مؤلفاتهم، منهم من قد مازجه المنطق، وكل إنسان لا يستطيع أن يتخلص من ربقة ما اعتاده، وتطبع به، وصار يظهر ذلك في تأليفهم، الإنسان حينما يدمن مثلا قراءة كتب الشاطبي يظهر هذا في كلامه، أسلوبه رفيع، وكلامه لربما ما يفهمه كثير من الناس، الذي يدمن قراءة كتب شيخ الإسلام ابن تيمية يظهر هذا في كلامه وأسلوبه، أسلوب رفيع، أسلوب قوي.
وهكذا كل من قرأ كتبا ظهر ذلك في كلامه وفي تأليفه وكتبه، الذي يدمن قراءة الفلسفات المعاصرة: الانغلاق والتحجر، والانكفاء على الذات، وجلد الذات، يظهر هذا في كتابته إذا بدأ يكتب بدأ يجيد.
فالمقصود: أن هؤلاء لما درسوا المنطق انطبع ذلك في كتاباتهم، ومنهم من أدخله ليثبت أنه مثقف، وأنه قد درس هذه العلوم الجديدة الوافدة على المسلمين من الغرب: الروم اليونان، وأنه لم يكتف بالعلوم التقليدية كما يقول بعضهم، فأدخلوه في المؤلفات.
ومنهم من تكلم في هذه القضايا على سبيل الرد والإبطال ليرد على هؤلاء.
المهم: أنه دخل أيضا حتى في كتابة هؤلاء، تقرأ في بعض الكتب أحيانا قد لا تفهم شيئا! فتغيرت طريقة التأليف في أصول الفقه، والبلاغة، وجملة من العلوم، بعد أن تولى ذلك يعنى التأليف جماعة من المتكلمين، من معتزلة وأشاعرة وماتردية، وكان من أبرز هؤلاء: "أبو حامد الغزالي"؛ لأنه كان يرى ضرورة تعلم المنطق اليوناني، وأنه واجب بل جعله شرطا في تحصيل العلوم، وأنه معيار العلوم وميزانها، وقال: "إن الإنسان لا يبلغ مرتبة الاجتهاد حتى يحيط بالمنطق"، يقول شيخ الإسلام: "فاستفز بهذه المقالة العلماء، وصاروا يتهافتون على دراسة المنطق، ليثبتوا أنهم قد تحققوا في مرتبة الاجتهاد"، وألف كتبا يقرر فيها هذا المعنى، ككتاب: "معيار العلم"، و "محك النظر"، و"القسطاس المستقيم"، و"مقاصد الفلاسفة"، هذه أربعة كتب ألفها الغزالي يقرر فيها هذا المعنى، أنه لا يوثق بعلم من لا يعرف المنطق، بل ذكر في بداية كتابه: "المستصفى" مقدمة منطقية كما هو معلوم، وقال في مقدمته: "بأن من لا يحيط بالمنطق فلا ثقة بعلومه أصلا" فصار كثير من الناس يدخلون المنطق في كلامهم وعلومهم، يقول شيخ الإسلام: "حتى ظن كثير من المتأخرين أنه لا طريق إلا هذا"، يقول: ولم يعلم أنه ما زال العقلاء والفضلاء من المسلمين وغيرهم يعيبون ذلك ويطعنون فيه"[71].
وقد صدرت فتاوى من جماعة من أهل العلم بتحريم المنطق، لما فيه من الضرر والفساد العظيم، وما فيه من النفع والفائدة، لا يحتاج إليه.
الحاصل: أن المتكلمين كان موقفهم من النقل هو التوهين والتضعيف، فإن وافق عقولهم قبلوه اعتضادا لا اعتمادا، وما خالف العقول الفاسدة، فلهم معه طريقان: إما الإنكار بالطعن في صحته، وهم لا يعرفون شيئا عن معايير التصحيح والتضعيف.
أو أنهم إذا أثبت لهم صحتها أعرضوا عن معانيها، وهذا الإعراض بأحد أمرين: إما أن يعرضوا بقلوبهم وعقولهم عنها، ويقولون: الله أعلم بالمراد بها، يفوضون، يقولون: هذا المعنى المتبادر منها غير مراد، لها معنى آخر ما وصلت إليه عقولنا، يقولون: الظاهر غير مراد، ولكن لها معنى الله أعلم به، وإما أن يحرفوا معانيها! هذا في العقائد وفي غير العقائد، في العقائد مثلا يقولون: اسْتَوَى [طـه:5] بمعنى: استولى.
ينزل ربنا[72]قالوا: يعني ينزل أمره مثلا أو ملك، وفي غير العقائد، كذلك أيضا هذا الذي يقول بأن: الحمو الموت[73]معناه: أنه داخل داخل، ما تستطيع ترد الحمو، مثل الموت، داخل عليك داخل.
أو لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له[74]قال: نعم يمسها، يعني يزني بها، "المس" بمعنى الوطء، أما المصافحة فهذه ما فيها شيء! وهذه أمور يدعو إليها الذوق، ولا يمكن للإنسان أن يتحرز من هذا في عصرنا الحديث الذي أصبح الناس فيه يعملون جنبا الى جنب، الرجال مع النساء.
فالمقصود: أن هؤلاء أصحاب الكلام هم أعداء السنن؛ كما قال "أبو المظفر السمعانى" -رحمه الله: "لأنهم يعتمدون على حدسهم وظنونهم، وما يؤدي إليه نظرهم وفكرهم، ثم يعرضون عليه الأحاديث، فما وافقه قبلوه وما خالفه ردوه[75].
- الاعتصام للشاطبي ت الهلالي (1/ 235).
- منهاج السنة (2/ 132).
- انظر: منهاج السنة (2/ 132).
- نقلا من الشيخ عبد الرحمن بن سعدي وجهوده في تو ضيح العقيدة، عبد الرزاق البدر (ص: 195).
- شرح السنة للبربهاري (ص: 128-129).
- المصدر السابق (ص: 129).
- الإبانة الكبرى، لابن بطة (1/ 354).
- الإبانة الكبرى، لابن بطة (1/ 354).
- نقلا من: طريق الهداية مبادىء ومقدمات علم التوحيد عند أهل السنة والجماعة (ص: 50).
- الإبانة الكبرى (1/ 355).
- مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (3/ 165).
- المصدر السابق.
- المصدر السابق.
- مدارج السالكين (3/ 176).
- جامع بيان العلم وفضله (2/ 75).
- العقيدة السفارينية، ص: (45).
- مجموع الفتاوى (4/ 95).
- أخرجه البخاري، كتاب، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل أصحاب النبي ﷺ، برقم (3451)، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، برقم (6635).
- أخرجه البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب قول النبي ﷺ: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، وهم أهل العلم، برقم (7311)، ومسلم، كتاب الإمارة، باب قوله ﷺ: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم، برقم (5059)، وهذا لفظ لمسلم.
- أخرجه أبو داود، كتاب السنة، باب شرح السنة، برقم (4598)، والترمذي، باب ما جاء في افتراق الأمة، برقم (2640)، وابن ماجه، كتاب الفتن، باب افتراق الأمم، برقم (3991)، وأحمد في المسند، برقم (8377)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، برقم (3225).
- الحجة في بيان المحجة (1/ 263).
- انظر: شرف أصحاب الحديث، للخطيب البغدادي (ص:26)، والمستخرج على المستدرك للحاكم، (ص:6).
- انظر: شرف أصحاب الحديث (ص:26).
- المصدر السابق (ص:27).
- المصدر السابق.
- قال: "هم أهل العلم، وأصحاب الآثار"، انظر: شرف أصحاب الحديث للخطيب البغدادي (ص:27).
- انظر: شرح السنة للبربهاري (ص: 37)، والصواعق المرسلة الشهابية على الشبه الداحضة الشامية (ص: 296-297)، والاعتصام للشاطبي، (2/ 770)، ت: الهلالي.
- قال البخاري في صحيحه (9/ 107): "باب قوله تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا [البقرة:143]، وما أمر النبي ﷺ بلزوم الجماعة"، وهم أهل العلم، وقال الترمذي في سننه (4/ 467): "وتفسير الجماعة عند أهل العلم هم أهل الفقه والعلم والحديث".
- انظر: الاعتصام للشاطبي (2/ 772).
- المصدر السابق (2/ 773).
- انظر: المصدر السابق (2/ 774).
- الباعث على إنكار البدع، ص: (22).
- الباعث على إنكار البدع، ص: (22).
- إعلام الموقعين (3/ 397).
- انظر: الغنية (1/ 80)، بواسطة: موقف ابن تيمية من الأشاعرة (1/ 72).
- صحيح مسلم (1/ 15).
- انظر: مقدمة صحيح مسلم، باب في أن الإسناد من الدين، رقم: ( 26-27).
- شرح أصول اعتقاد أهل السنة (1/ 152).
- رواه أحمد، رقم: (15195)، وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح: (177).
- أخرجه الخطيب البغدادي في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، (2/ 162)، برقم (1491)، وانظر: ذم الكلام وأهله (3/ 103).
- ذم الكلام وأهله (1/ 349).
- النبوات، ص: (877).
- رواه البخاري، كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه، رقم: (52)، ومسلم، كتاب المساقاة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات، رقم: (4178).
- ينظر: اقتضاء الصراط المستقيم (1/ 549).
- الإرشاد في معرفة علماء الحديث للخليلي (3/ 861).
- مفتاح دار السعادة (2/ 117).
- أخرجها البخاري في كتاب خلق أفعال العباد (ص: 38)، وتهذيب الكمال في أسماء الرجال (12/ 382).
- مجموع الفتاوى (4/ 96).
- رواه البخاري، كتاب القدر، باب تحاج آدم وموسى عند الله، برقم (6614)، ومسلم، كتاب القدر، باب حجاج آدم وموسى -عليهما السلام، برقم (6912).
- عقيدة السلف أصحاب الحديث، ص: (40)، للصابوني.
- أخرجه مسلم، كتاب الصلاة، باب خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة وأنها لا تخرج مطيبة، برقم (1017).
- أخرجه البخاري، كتاب الذبائح والصيد، باب الخذف والبندقة، برقم (5479)، ومسلم، كتاب الصيد والذبائح، باب إباحة ما يستعان به على الاصطياد والعدو وكراهة الخذف، برقم (5165)، وهذا لفظ مسلم.
- عقيدة السلف أصحاب الحديث، ص: (40) للصابوني.
- المصدر السابق ص: (11).
- أخرجه الطبراني في الكبير، برقم (16880)، وقال الألباني: "حسن صحيح" كما في صحيح الترغيب والترهيب، برقم (1910).
- أخرجه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه فإن في إحدى جناحيه داء وفي الأخرى شفاء، رقم: (3320).
- أخرجه البخاري، كتاب الحيض، وباب ترك الحائض الصوم، برقم (304)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان نقصان الإيمان بنقص الطاعات وبيان إطلاق لفظ الكفر على غير الكفر بالله ككفر النعمة والحقوق، برقم (250).
- أخرجه البخاري، كتاب الزكاة، باب الزكاة على الأقارب، برقم (1462)، ومسلم، كتاب صلاة العيدين، برقم (2085).
- أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب من لقي الله بالإيمان وهو غير شاك فيه دخل الجنة وحرم على النار، برقم (26).
- أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب إثم من لا يأمن جاره بوايقه، برقم (6016).
- أخرجه البخاري، كتاب الحدود، باب السارق حين يسرق، برقم (6782)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان نقصان الإيمان بالمعاصي ونفيه عن المتلبس بالمعصية على إرادة نفى كماله، برقم (211).
- أخرجه البخاري، كتاب التهجد، باب الدعاء والصلاة من آخر الليل، رقم: (1145)، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل والإجابة فيه، رقم: (1808).
- أخرجه الحاكم في المستدرك، برقم (319)، والبزار في مسند، برقم (8993)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (2937).
- أخرجه البخاري، كتاب الزكاة، باب فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ [التوبة:5]، برقم (25)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، برقم (133).
- تأويل مختلف الحديث (ص: 94).
- مجموع الفتاوى (7/ 587).
- مجموع الفتاوى (7/ 587).
- كالإمام ابن المديني ضعف أباه، كما في تذكرة الحفاظ لابن القيسراني (ص: 417).
- انظر: الحجة في بيان المحجة (2/ 249- 250).
- ([70])
- انظر: مجموع الفتاوى (9/ 185)، والرد على المنطقيين (ص: 198).
- أخرجه البخاري، كتاب التهجد، باب الدعاء والصلاة من آخر الليل، برقم (1145)، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل والإجابة فيه، برقم (1808).
- أخرجه البخاري، كتاب النكاح، باب لا يخلون رجل بامرأة إلا ذو محرم والدخول على المغيبة، برقم (5232)، ومسلم، كتاب السلام، باب تحريم الخلوة بالأجنبية والدخول عليها، برقم (5803).
- أخرجه الطبراني في الكبير، برقم (16880)، وقال الألباني: "حسن صحيح" كما في صحيح الترغيب والترهيب، برقم (1910).
- بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية (1/ 426-427).