الثلاثاء 17 / جمادى الأولى / 1446 - 19 / نوفمبر 2024
أحكام الطفل (2) حلق الرأس - العقيقة.
تاريخ النشر: ٢٠ / محرّم / ١٤٣٣
التحميل: 20460
مرات الإستماع: 132315

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فالأحاديث الواردة في تسمية المولود تدل على أن الأمر فيه سعة، وما قاله البخاري -رحمه الله- من أن التسمية بعد الولادة مباشرة لا دليل عليه -والله تعالى أعلم، فإن النبي ﷺ يسأل هؤلاء الذين جاءوا إليه هل تريدون أن تعقوا عنه أو لا؟، وبناء عليه سموه بعد ولادته، والحافظ ابن القيم -رحمه الله- يقول: إن التسمية لما كانت حقيقتها تعريف الشيء المسمى؛ لأنه إذا وجد وهو مجهول الاسم لم يكن له ما يقع تعريفه به فجاز تعريفه يوم وجوده، وجاز تأخير ذلك إلى ثلاثة أيام، وجاز إلى يوم العقيقة عنه، ويجوز قبل ذلك وبعده، فالأمر فيه سعة، وفي فتاوى اللجنة الدائمة جاء هذا السؤال عن اليوم الذي هو الأفضل في تسمية المولود، هل هو بعد ولادته، أو في اليوم السابع؟ فكان الجواب أن وقت التسمية فيه سعة، فإن سماه يوم ولادته أو في اليوم السابع فقد ورد ما يدل على ذلك، وذكروا الحديث، وفي فتاوى الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله: أما تسمية المولود فإن كان قد عين اسمه قبل الولادة فإنه يسمى حين الولادة، أما إذا كان لم يعين اسمه قبل الولادة فالأولى أن تكون التسمية في اليوم السابع؛ لأنه اليوم الذي تذبح فيه عقيقته ويحلق رأسه إذا كان ذكراً، والأحاديث الواردة عن النبي ﷺ لم يستفصل منهم هل عينتم الاسم قبل الولادة أو لا؟.

الأحق بالتسمية: أحيانا يحصل نزاع بين الأب والأم وأحيانا بين الأب وبين الجد، فأحيانا الجد يفرض على ابنه أن يسمي ابنه بأسماء يختارها هو، لكن الأحق في ذلك هو الأب؛ لأن ذلك يرجع إليه، والولد ينسب إليه، فيقال: فلان ابن فلان، فهو يتبع أباه في النسب، والتسمية تعريف النسب والمنسوب كما يقول الحافظ ابن القيم -رحمه الله- فذلك إلى الأب، وجاء في فتاوى الشيخ ابن باز -رحمه الله- لما ذكر أن الأحق بالتسمية هو الأب قال: لكن تستحب مشاورة الأم تطييباً للنفوس وتأليفا للقلوب، يعني هي التي حملت وتعبت فلا تترك دون أن يؤخذ لها اعتبار ولا رأي ولا مشورة، فيسمى الولد دون أن يسمع منها، وهكذا تطييب قلب الجد والجدة فيُسألون أيضاً، ويمكن للإنسان أن يطلب منهم يقول: رشحوا عدداً من الأسماء، ثم يختار عدداً من الأسماء التي يستحسنها ثم يعرض عليهم يقول: أي الأسماء أفضل؟، والمسألة هي أن تعطي لما تستشيره اعتباراً، ولذلك تجد الكثيرين يحرصون أن تكون التسمية صادرة منهم مع أنهم لا يستفيدون شيئا، ثم إن هذا قد يُتناسى مع تطاول السنين لكن هو شيء في النفس، والإنسان عنده اعتبارات معينة يعني الجد والجدة والأم ونحو ذلك يحب أن يستشار حتى في القضايا العادية، فهذا يدل على أن له قيمة ومكانة، فإذا صدرت التسمية منه أو من غيره يعني حتى لو كان الذي سماه هو أخوه الذي لربما لا زال في سن التمييز، فإن هذا الأخ يفرح؛ لأنه هو الذي سماه، فالمقصود أن الأحق بالتسمية هو الأب، ولكن هذا لا يعني ألا يراعي مشاعر الأم أو الجد أو الجدة.

ضرورة اختيار الاسم الحسن: ومن الأمور المتعلقة بالتسمية ضرورة اختيار الأسماء الحسنة كالأسماء المعبدة لله أسماء طيبة حسنة، وكذلك أن يسمى بأسماء الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام، أو بأسماء الصحابة، والمرأة تسمى بأسماء الصحابيات، وهناك أسماء مكروهة، وهناك أسماء محرمة، فالأسماء المحرمة ما عُبّد لغير الله كعبد الحسين، وعبد العزى، وعبد اللات، وعبد الحارث ونحو ذلك، وهكذا أيضاً ملك الملوك، وشاهٍ شاه، وسلطان السلاطين، أو سيد الناس، أو سيد الكل، أو سيد ولد آدم؛ فإن هذه الأسماء لا تصدق على هذا الإنسان ولا يستحقها، وهناك أسماء مكروهة كما جاء في صحيح مسلم في حديث سمرة قال: قال رسول الله ﷺ: ولا تسمينّ غلامك يساراً ولا رباحاً ولا نجاحاً ولا أفلح فإنك تقول أثَمّ هو؟ فيقول: لا، إنما هن أربعٌ فلا تزيدُنّ عليّ[1]، فيقال مثلاً: عندكم رباح؟ أو نجاح؟ أو فلاح؟ أو أفلح؟ فيقال: لا، فيكون ذلك نفياً لهذا الاسم، فيتوهم السامع أن هذا نفي للمعنى أي ما فيه نجاح ولا فيه رباح، ولا فيه صلاح، أضف إلى ذلك أن هذه الأسماء تتضمن تزكية والله  يقول: فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ [سورة النجم:32]، وجاء عن جابر بن عبد الله قال: "أراد النبي ﷺ أن ينهى أن يسمى بيعلى وبركة وأفلح ويسار ونافع وبنحو ذلك ثم رأيته سكت بعدُ عنها فلم يقل شيئا، ثم قُبض ولم ينهَ عن ذلك، ثم أراد عمر أن ينهى عن ذلك ثم تركه"[2]، فأخذ منه أهل العلم أن هذه الأسماء مكروهة وليست محرمة؛ لأن النبي ﷺ لم يعزم في النهي؛ لأنها تتضمن تزكية، وأيضاً هناك مشكلة في النفي حينما يقال: صلاح موجود، فيقال: لا، صلاح غير موجود، فلاح موجود فلاح غير موجود، فهذا غير لائق، وألحق بذلك الحافظ ابن القيم -رحمه الله- مباركاً ومفلحاً وخيراً وسروراً ونعمة، فالمعنى الذي كرهه النبي ﷺ موجود في هذه الأسماء، فعلى الإنسان أن يسمي بالأسماء المعتدلة بعيداً عن التكلف، وكثير من الناس يحرصون على أن يسموا باسم لم يسمع به قبل ذلك، وأحيانا لا يعرف معناه إذا سئل عنه!، بل أحياناً يكون اسمَ أعجميٍّ أو اسمَ نصرانيٍّ، وللأسف الإغراب هو الذي يحمل الإنسان أحياناً على هذه الأشياء، ومما يحرم: التسمية بأسماء الشياطين خِنزب وهكذا، أو أسماء الجبابرة والفراعنة فرعون قارون هامان، أو بالجمع: فراعنة، فإن هذا لا يليق، وبعض أهل العلم منع من التسمي بأسماء الملائكة كجبريل وميكال ونحو ذلك، كره ذلك الإمام مالك -رحمه الله، ولا دليل على الكراهة، فلا بأس أن يسمى الإنسان بجبريل أو باسم من أسماء الملائكة كمالك، أو يسمى بغير ذلك، لكن لا يسمى البنت بملاك؛ لأنهم يقصدون به التنزيه والتزكية، فإن المتبادر من هذا الاسم إذا قيل: فلان ملاك أنه طاهر من الدنس، لا يقع منه الإثم والمعصية فهذه تزكية، وهكذا الأسماء التي لها معانٍ تكرهها النفوس لا يسمى بها كمرّة وكلب، وذئب، وبعض العامة يحبون هذا الاسم -أي ذئب- ولربما يرون أنه من الأمور الحميدة، مع أن الذئب لا يعرف عنه إلا السوء والإفساد، فيقول: فلان ذئب، فليس عند الذئب خير يرجى، ولا عنده شهامة ولا مروءة، وهكذا تسمية الولد بكلب كانت العرب تسمي به، وكذلك حرب، فهذه لا يُحسن أن يسمى بها، وبعضهم لربما يسمي بها البنت؛ لأنه يكره البنات فيسميها بأسماء قبيحة جداً كذبحة، وهذا لا يليق بحال من الأحوال، وهكذا الأسماء المختصة بالله فإنه لا يسمى بها كالرحمن، أو الله أو الحكيم، وهكذا أيضاً ما ذكره بعض أهل العلم قال: لا يسمي بأسماء سور القرآن كطه ويس أو نحو هذا، ومن اللطائف التي ذكرت في هذا ما جرى من الحوار بين طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام فالزبير كان يسمي أولاده بأسماء الشهداء من الصحابة، وطلحة كان يسميهم بأسماء الأنبياء فقال الزبير لطلحة : أنا أسميهم بأسماء الشهداء، رجاء أن يكونوا شهداء، ولا تطمع أن يكون أبناؤك أنبياء، والأمر في هذا واسع.

تصغير الأسماء المعبدة لله: من المسائل المتعلقة بالتسمية تصغير الاسم المعبد لله إما ابتداء كأن يقول لمن اسمه عبد الله: عبّود، أو لعبد العزيز، يقول: عُزيز، أو لعبد الرحمن يقول: دُحيّم أو نحو هذا على سبيل التمليح والمداعبة، فإن هذا جائز لا إشكال فيه، فإن المقصود هذا المسمى.

تكنية الصغير: ومما يتعلق بالتسمية التكنية، فيسن تكنية الصغير، لكن أحياناً في البيئات التي فيها الجفاء والغلظة لربما يترفع الواحد عن تكنية الكبير فضلاً عن الصغير، والعرب تحب أن يدعى الإنسان بكنيته، فإن لم يكن فباسمه، ويكرهون الدعاء باللقب، فمن هدي النبي ﷺ أنه يكني الصغار كما في الصحيحين من حديث أنس وفيه كان لي أخ يقال له: أبو عمير وكان النبي ﷺ إذا جاء يقول له: يا أبا عمير ما فعل النغير[3]، والنغير: طائر صغير معه، يقول الراوي: أظنه كان فطيماً، وكان أنس يكنى قبل أن يولد له بأبي حمزة، وأبو هريرة كني بذلك، ولم يكن له ولد إذ ذاك، وأذن النبي ﷺ لعائشة -ا- ولم يولد لها أن تتكنى بأم عبد الله، يعني عبد الله بن الزبير وهو ابن أختها أسماء، وعمر يكنى بأبي حفص وليس له ولد اسمه حفص، وأبو بكر يكنى بأبي بكر وليس له ولد اسمه بكر، وخالد بن الوليد يكنى بأبي سليمان وليس له ولد اسمه سليمان، وأبو ذر ليس له ولد اسمه ذر، وهكذا أبو سلمة فلا إشكال في تكنية الصغير أو من لا ولد له، أو من له أولاد ويكنى بكنية قد تكون هذه الكنية لا تتصل بولد له يسمى بذلك.

الحفل من أجل التسمية: ومن المسائل المتعلقة بتسمية المولود إقامة حفلة بهذه المناسبة فقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: هل يجوز اجتماع الأحباب والجيران والأصدقاء في تسمية المولود؟ الجواب: لم يكن الاحتفال لتسمية المولود من سنة النبي ﷺ، ولم يحصل من أصحابه في عهده، فمن فعله على أنه سنة إسلامية فقد أحدث في الدين ما ليس منه، وكان ذلك منه بدعة مردودة لقول النبي ﷺ: من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد[4]، أما من فعله على سبيل الفرح والسرور، أو من أجل تناول طعام العقيقة ليريد أن يسمي في اليوم السابع فلا بأس، فقد ثبت عن النبي ﷺ ما يدل على مشروعية ذبح العقيقة في اليوم السابع وتسمية المولد.

الحلق: ومن المسائل المتعلقة بالمولود حلق رأسه والتصدق بوزنه فضة، جاء عن سمرة قال: قال رسول الله ﷺ: كل غلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويسمى فيه ويحلق رأسه[5]، يعني في اليوم السابع، ما الحكمة من حلق رأس الصبي؟ وهل الصبيّة أيضاً تحلق رأسها؟ أو أن ذلك يختص بالذكر فقط أو أنه عام للذكر والأنثى لعموم الأحاديث؟، الحافظ ابن القيم -رحمه الله- ذكر عللا للحلق كإماطة الأذى عنه، وإزالة للشعر الضعيف فيخلفه شعر أقوى وأمكن من هذا الشعر، وأنفع للرأس، مع ما فيه من التخفيف عن الصبي، وفتح مسام الرأس ليخرج البخار منها بيسر وسهولة، وفي ذلك تقوية بصره وشمه وسمعه، وهذه العلل موجودة في البنت، وتقوية الشعر من أجل إنبات شعر جديد للبنت من باب أولى، والأحاديث عامة، وذكر علة التصدق بوزن شعره هذا ورد فيه أحاديث لا تخلو من ضعف، ومن أهل العلم من يقول: إنها تقوى بمجموعها، فالحافظ ابن القيم -رحمه الله- يقويها، ومن ذلك ما جاء عن فاطمة -ا: "أنها وزنت شعر الحسن والحسين فتصدقت بزنته فضة"[6]، يقول ابن عبد البر -رحمه الله: أما حلق رأس الصبي عند العقيقة فإن العلماء كانوا يستحبون ذلك، ويقول الإمام أحمد -رحمه الله: لا بأس أن يتصدق بوزن شعر الصبي، يعني: من الفضة، ويقول عطاء بن أبي رباح: يبدأ بالحلق قبل الذبح، وهذا لم يرد فيه دليل لكن عطاء -رحمه الله- قال ذلك من أجل أن يفرق بينه وبين ما يفعل في النسك، ففي النسك يؤخر الحلق بعد الذبح، وهنا أراد أن يفرق، ولا دليل على اختصاصه بالذكر.

العقيقة: العقيقة هي اسم لما يذبح عن المولود، وأهل العلم من أهل اللغة مختلفون في اشتقاقها، فبعضهم يقول: أصلها الشعر الذي يخرج على رأس المولود، فسميت الشاة التي تذبح عنه في تلك الحالة عقيقة؛ لأنه يحلق عنه ذلك الشعر عند الذبح فتوجد ملازمة، فالعقيقة هي الشعر الذي يزال من رأسه، الشعر الذي يخرج معه من بطن أمه، فلما كان يزال عنه الشعر في اليوم السابع ويذبح عنه قيل له: عقيقة، قيل: الذبيحة بهذا الاعتبار هي صاحبة هذا الحدث -حلق الشعر، وبعضهم يقول: مأخوذة من العق وهو الشق، يعني قطع أوداج الذبيحة التي تذبح له، فقيل لها: عقيقة بسبب هذا فهي الشاة التي تذبح عن الولد، تُعق مذابحها أي تشق مذابحها، وبعضهم يقول كابن فارس: يطلق على هذا وهذا، يعني يطلق على الشعر الذي يزال: عقيقة، وعلى الذبيحة: عقيقة، وأما ما يدل على مشروعية ذبح العقيقة فأدلة كثيرة منها: قوله ﷺ: مع الغلام عقيقته فأريقوا عنه دما وأميطوا عنه الأذى[7]، وقال ﷺ: كل غلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويحلق ويسمى[8]، وفي الحديث الآخر: عن الغلام شاتان مكافئتان، وعن الجارية شاة، وفي حديث ابن عباس -ا: أن الرسول ﷺ عق عن الحسن والحسين كبشا كبشا[9]، وجاء في رواية: أنه ﷺ عق كبشا كبشا، وفي الأخرى: بكبشين كبشين، فقد يكون المقصود كبشا كبشا، يعني عن كل واحد كبشين، وتكون إحدى الروايتين مفسرة للأخرى، والأمر كما قال الإمام مالك -رحمه الله- في العقيقة: إنه أمر لا اختلاف فيه، وقال يحي بن سعيد الأنصاري: أدركت الناس وما يدَعون العقيقة عن الغلام والجارية، فالعقيقة مشروعة، وهذه الأحاديث تدل على ذلك، لكن وقع الخلاف هل هي واجبة أو مستحبة، فذهب بعض أهل العلم إلى أنها واجبة، وكان بريدة الأسلمي يوجبها ويشبهها بالصلاة، وهكذا الحسن البصري، ويقول: إن لم يُعق عنه عق عن نفسه، وذهب جماعة من أهل العلم إلى أنها سنة وليست واجبة، لكن الإمام مالك -رحمه الله- يقول: هي سنة واجبة يجب العمل بها، وبهذا قال الشافعي وأحمد وإسحاق وجماعة، والسنة الواجبة عند أصحاب مالك ما تأكد استحبابه، يعني سنة مؤكدة، والإمام أحمد -رحمه الله- عنه ثلاث روايات مرة قال: هي واجبة على الصبي في ماله أو على أبيه، ومرة قال: إنها تجب في مال الصبي، والروايات اختلفت عنه في ما يجب في حق الصبي والصبية في الشاة والشاتين، وسئل الإمام أحمد -رحمه الله- عن الرجل أخبره والده أنه لم يعق عنه هل يعق هو عن نفسه؟ قال: ذلك إلى الأب، يعني رأى الإمام أحمد أن هذا يجب على الأب ولا يجب على الابن، ومن ثم فإنه لا يعق عن نفسه بعد ذلك، وجاء عن عائشة -ا- أنها قالت: أمرنا رسول الله ﷺ أن نعق عن الغلام شاتين، وعن الجارية شاة[10].

وجاء في فتاوى الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- هذا السؤال يقول: لم أقم بذبح تمائم لأولادي لعدم قدرتي المالية فما الحكم؟

فكان في الجواب: ما دمت لا تستطيع أن تقوم بهذا لعمل فلا شيء عليك، وفي الجواب: فإذا كان الإنسان فقيراً عند ولادة أولاده فليس عليه تميمة؛ لأنه عاجز والعبادات تسقط بالعجز عنها، فينبغي للإنسان أن يحرص ألا يفرط، وألا يترك العقيقة، لكن إن كان فقيراً فإن ذلك يسقط عنه، والله لا يكلف نفساً إلا وسعها، وتذبح العقيقة في اليوم السابع لقوله ﷺ: تذبح عنه يوم سابعه، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه إن لم يحصل في اليوم السابع ففي الرابع عشر، فإن لم يحصل ففي الحادي والعشرين، لكن هذا ليس فيه دليل عن النبي ﷺ وإنما هي بعض الآثار عن بعض السلف -رحمهم الله، فالإمام أحمد-رحمه الله- يقول: فإن لم يفعل -يعني في السابع- ففي أربع عشرة، فإن لم يفعل ففي إحدى وعشرين، وسُئل أيضاً: متى يعق عنه؟ قال: أما عائشة فتقول: سبعة أيام وأربعة عشر، ولأحدٍ وعشرين، ويقول عطاء: إن أخطأهم أمر العقيقة يوم السابع أحببت أن يؤخره إلى اليوم السابع الآخر، يعني في الرابع عشر، وهذا قال به إسحاق والشافعي، قالوا: إلى الحادي والعشرين، وبعد ذلك يتخير أي الأيام شاء، والإمام مالك -رحمه الله- أوقفه على السابع الثاني، يعني على الرابع عشر، وكل هذا لا دليل عليه، ولا بأس أن يعق عنه في اليوم الأول أو الثاني أو نحو هذا، أو بعد شهر لكن السنة أن يكون ذلك في اليوم السابع، وهذا من حيث الاستحباب، وقد جاء في فتاوى الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- الأفضل أن تكون في اليوم السابع، قال: فإن فات فقد ذكر أهل العلم أنه يكون في اليوم الرابع عشر، فإن فات ففي اليوم الحادي والعشرين ثم لا تعتبر الأسابيع بعد ذلك، وهذا على سبيل الأفضلية فلو ذبح في اليوم السادس أو الخامس أو العاشر أو الخامس عشر فلا حرج عليه، وفي فتاوى اللجنة الدائمة يقول: حصلت العقيقة بعد وفاة الطفلة وكان عمرها وقت الوفاة سنة ونصف؟

فكان الجواب: تجزئ ولكن تأخيرها عن اليوم السابع من الولادة خلاف السنة، والإمام ابن القيم -رحمه الله- حاول أن يتلمس الحكمة فذكر أن الطفل من حين ولادته يكون متردداً بين السلامة والعطب ولا يدرى هل سيكون من الأحياء أو من الأموات إلى أن تأتي عليه مدة يستدل بما يشهد من أحواله فيها على سلامة بنيته وصحة خلقته، وأنه قابل للحياة يقول: وهذا يقدر بأسبوع يقول: إن الأسبوع دورٌ يوميٌّ، السبت الأحد الإثنين الثلاثاء الأربعاء الخميس الجمعة، فإذا جاء الأسبوع الثاني فهو تكرار فيبدأ السبت الأحد والإثنين وهكذا، يقول: كما أن السنة دورٌ شهريٌّ فيقول: إن هذه الأيام هي أول مراتب العمر، فإذا استكملها المولود انتقل إلى المرتبة الثانية وهي الشهور، فإذا استكملها انتقل إلى الثالثة وهي السنين، وذكر أن الله أجرى حكمته بتغير حال العبد في كل سبعة أيام، وانتقاله من حال إلى حال، يقول: فالسبعة طور من أطواره وطبقة من أطباقه، ويقول: ولهذا تجد المريض تتغير أحواله في اليوم السابع ولا بد، إما إلى قوة وإما إلى انحطاط، وكلما مرت سبعة أيام تغير حال الإنسان، وبعضهم قال: إن ذلك -يعني في اليوم السابع- من أجل أن تمر عليه جميع أيام الأسبوع، والذبح هو المشروع لما فيه من إراقة الدماء فإن ذلك مقصود الشارع فهي عبادة قرنها الله بالصلاة، فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [سورة الكوثر:2]، والذبح هو هدي النبي ﷺ وسنته التي لا ينبغي أن نحيد عنها، وسئل الإمام أحمد الذبح أو التصدق أحب إليك؟ فقال: الذبح، والذبح في موضعه كالهدي، والأضحية والعقيقة أفضل من الصدقة بثمن ذلك.

والفقهاء -رحمهم الله- ذكروا أنه يطلب فيها ما يطلب في الأضحية بحيث تكون سالمة من العيوب التي لا تصح الأضاحي بها، ولم يرد دليل خاص في مسألة العقيقة، لكن قالوا: إن الله تعالى قال: وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ [سورة البقرة:267]، والنبي ﷺ يقول: إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا[11]،  وما شابه ذلك من الأدلة، وسئل الإمام أحمد: تجزئ بنعجة أو حمل كبير؟ قال: فحلٌ خير، فإن كانت نعجة فلا بأس، فقيل له: فالحمل؟ قال الأسنّ خير، فالنبي ﷺ يقول: من ولد له مولود فأحب أن ينسك عنه فليفعل[12]، فاحتجوا بقوله: أن ينسك قالوا: فهي نسيكة إذاً هي مثل الأضحية فيطلب فيها ما يطلب للأضاحي، فلا تجزئ الصغيرة، وهكذا قالوا فيما يتعلق بلحمه والتصرف فيه، ولهذا قال ابن عبد البر -رحمه الله: أجمع العلماء أنه لا يجوز في العقيقة إلا ما يجوز في الأضاحي من الأزواج الثمانية، فالإمام مالك -رحمه الله- يقول: العقيقة بمنزلة النسك والضحايا لا يجوز فيها عوراء، ولا عمياء، ولا مكسورة، ولا مريضة، ولا يباع من لحمها شيء، ولا جلدها إلى آخر ما ذكر، وابن المنذر -رحمه الله- ذكر الخلاف في بماذا تكون هل من الغنم أو يجزئ غيرها؟ وعامة أهل العلم يرون أنه لا يعق بغير الغنم وأن ذلك خلاف السنة، وجاء عن أنس أنه كان يعق عن ولده بالجزور، وجاء عن أبي بكرة أنه نحر عن ابنه عبد الرحمن جزوراً فأطعم أهل البصرة، والصحابة الذين شهدوا ذلك أنكروه ورأوا أنه خلاف السنة، وقالوا: أمر رسول الله ﷺ بشاتين عن الغلام وعن الجارية بشاة، فإذا عق عنه بجزور فإن هذا يعتبر من مخالفة سنة النبي ﷺ، وولد لعبد الرحمن بن أبي بكر غلام فقيل لعائشة -ا: يا أم المؤمنين عُقي عنه جزوراً، فقالت: معاذ الله، ولكن ما قال رسول الله ﷺ: شاتان مكافئتان، وجاء عن يوسف بن ماهِك أنه دخل مع ابن أبي مليكة على حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر وقد ولدت بالمنذر بن الزبير غلاماً فقال لها: هلا عققت جزوراً؟ فقالت: معاذ الله، كانت عمتي تقول: عن الغلام شاتان، وعن الجارية شاة، فالمشروع أن تكون العقيقة بالغنم، ولو أنه عقَّ بجزور فلا يصح الاشتراك فيها، يعني مثلا عنده بنت فعق نحر جزوراً واشترك سبعة في هذه الناقة سبعة كل واحد عنده بنت، والحافظ ابن القيم -رحمه الله- قال: لا يجزئ الرأس إلا عن رأس، فلا يصح الاشتراك فيها لقول النبي ﷺ: مع الغلام عقيقته[13]، وجعلها مع كل غلام عقيقة مستقلة به فلا يشرع الاشتراك فيها كما يشرع الاشتراك في الأضحية أو في الهدي، وابن القيم -رحمه الله- يقول: لما كانت هذه الذبيحة جارية مجرى فداء المولود كان المشروع فيها دماً كاملاً، لتكون نفسٌ فداء نفس، ولو صح فيها الاشتراك لما حصل المقصود من إراقة الدم عن الولد فإن إراقة الدم تقع عن واحد ويحصل لباقي الأولاد إخراج اللحم فقط، والمقصود نفس الإراقة عن الولد فلهذا نقول: لو أن الإنسان ذهب واشترى من عند الجزار ذبيحة مذبحوة ثم فرقها أو أكل منها أو تصدق أو نحو ذلك، يقال: هذا لا يجزئ، ولابد أن تذبح بهذه النية، وهنا مسألة: وهي: هل تكسر عظامها؟ ما ورد من النهي عن كسر عظامها لا يصح فيه شيء، ولذلك لا بأس أن تكسر عظامها كما يتصرف في غيرها من الذبائح، كما أنه لم يصح شيء في أن يرسل بالرِّجل إلى القابلة ، ولا يمس رأس الصبي بشيء من دمها، وإنما كان هذا يفعله أهل الجاهلية عادة لهم، فنهاهم عنه النبي ﷺ واستبدل بها حلق رأس الطفل، والتصدق بزنة شعره فضة، ولم يثبت شيء في التصدق بزنة شعره ذهباً، وجاء عن بريدة قال: "كنا في الجاهلية إذا ولد لأحدنا غلام ذبح شاة ولطخ رأسه بدمها، فلما جاء الإسلام كنا نذبح شاة ونحلق رأسه ونلطخه بزعفران"، ولهذا يقال: من السنة مخالفةً لأهل الجاهلية أنه إذا ذبحت العقيقة فإنه يلطخ رأس الصبي إذا حلق بالزعفران أو بالطيب، وجاء أيضاً عن عائشة -ا: وكان أهل الجاهلية يجعلون قطنة من دم العقيقة ويجعلونه على رأس الصبي، فأمر النبي ﷺ أن يجعل مكان الدم خلوقاً، يعني: الطيب، يعني يطيب رأسه إذا حلق مخالفة لأهل الجاهلية.

ولم يرد عن النبي ﷺ شيء في كيفية قسمة لحم العقيقة، والإمام أحمد -رحمه الله- يقول: العقيقة تؤكل ويهدى منها، وسُئل كيف يصنع بها؟ قال: كيف شئت، وقال: كان ابن سيرين يقول: اصنع ما شئت فقيل لأحمد: يأكلها أهلها؟ قال: نعم، قالوا: ولا تؤكل كلها ولكن يأكل ويطعم، وقال مرةً: يأكل ويطعم جيرانه، وسئل أيضاً: على كم يقسم العقيقة؟ قال: ما أحب -يعني لا يشترط- أن يثلث مثلاً، وسئل أيأكل من العقيقة؟ قال: نعم يأكل منها، فقيل: كم؟ قال: لا أدري؛ لأنه لم يرد في هذا شيء، ويستحب أن يتصدق بجلدها وسواقطها، وبعضهم رخص أن يباع ويتصدق بثمنه قياساً على أمر النبي ﷺ في الهدي والأضاحي أن يتصدق بجلودها وجلالها، والجلال هو القماش الذي تغطى به الإبل أحياناً، ومسألة هل تطبخ العقيقة أو يعطى الناس لحماً من غير طبخ الأمر في هذا واسع، وابن القيم -رحمه الله- يرى أن طبخها أفضل؛ لأن هذا أنفع للفقراء، ولهذا لو أنه صنع طعاماً وقد طُهي وصُنع ودعا الناس إليه الأغنياء والفقراء والجيران فأكل منه وأكلوا لكان أوقع في نفوسهم بدلاً من أن يعطيهم طعاماً لم يُطهَ ولم ينضج، فيحتاج إلى عمل وكلفة وإنضاج، والأمر في هذا واسع، ولو أنه أكلها جميعاً فإن ذلك لا بأس به، يعني تُجزئه، ولو أنه تصدق بها جميعاً فلا إشكال فالأمر في ذلك واسع ولم يرد فيه تقييد، لكن لو أنه تصدق وأهدى وأكل فهذا حسن -والله تعالى أعلم، لكن إن لم يكن عنده شيء هل يقترض من أجل أن يذبح العقيقة؟ الجواب: أن ذلك لا يجب عليه، لكن لو أنه فعل فهذا حسن، وقد قال الإمام أحمد -رحمه الله- فيمن استقرض للعقيقة: رجوت أن يخلف الله عليه أحيا سنةً، ولو أنه اجتمعت العقيقة مع الأضحية يعني ولد له في أيام الذبح، ولد في يوم عيد الأضحى هل تجزئ واحدة تكون عقيقة وأضحية هذا في العبادات المشتركة، والقاعدة وإن كان أصلها صحيحاً إلا أن العلماء -رحمهم الله- اختلفوا في فروعها، فمنهم من قال: إن ذبح ذلك يجوز، وسئل الإمام أحمد يجوز أن يضحي عن الصبي مكان العقيقة؟ قال: لا أدري، ثم قال: غير واحد يقول به، فسئل من التابعين؟ قال: نعم، وقال مرةً: أرجو أن تجزئ الأضحية عن العقيقة إن شاء الله لمن لم يعق، واشترى أضحية ذبحها -أعني الإمام أحمد -رحمه الله- عنه وعن أهله، وكان ابنه عبد الله صغيراً، فذبحها، فكانوا يرون أنه اكتفى بالأضحية عن العقيقة، يعني بنية واحدة، فقسم اللحم وأكل منها.

وسأله ابنه عبد الله عن العقيقة يوم الأضحى تجزئ أن تكون أضحية وعقيقة؟ قال: إما أضحية وإما عقيقة على ما سمى، يعني على ما قصد، إذن فروي عنه في هذه المسألة ثلاث روايات.

وسئل الإمام أحمد عن الرجل يخبره والده أنه لم يعق عنه هل يعق عن نفسه؟ قال: ذلك على الأب، هذا إذا قلنا: إنها من التكاليف المتوجهة إلى الأب.

وجاء عنه أنه كان يستحسن أن يعق عن نفسه إذا لم يعق عنه والده، وقال: إنْ فعله إنسان لم أكرهه، وقيل: فيعق عنه كبيراً؟ قال: لم أسمع في الكبير شيئاً، قيل له: أبوه كان معسراً ثم أيسر فأراد ألا يدع ابنه حتى يعق عنه؟ قال: لا أدري، ثم قال: ومن فعله فحسن.

مسألة: السِّقط أو السُّقط أو السَّقط، -مثلثة السين- هو الذي يلقيه الرحم قبل تمامه، وهكذا أيضاً من يولد ميتاً، هل يعق عنه؟ جاء في فتاوى الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- يقول السائل: ولد لي طفل في الشهر السابع وثمانية أيام بولادة غير طبيعية، هل ينطبق عليه حكم المولود الكامل؟

الجواب: نعم، الصحيح أن المولود إذا ولد بعد أربعة أشهر فإن حكمه حكم المولود حياً بل هو حي؛ لأنه إذا تم له أربعة أشهر تنفخ فيه الروح، فإذا سقط بعدها فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين، قال أهل العلم: وينبغي أن يسمى -وهذه التسمية قد يكون فيها إشكال- وإن كان قد علم أنه ذكر سمي باسم ذكر، وإن علم أنه أنثى سمي باسم أنثى، وإن لم يعلم سمي باسم صالح لهما مثل "هبة الله" وما أشبه ذلك، وبناء على هذا فإنه يعق عنه؛ لأنه سوف يحشر يوم القيامة.

هذه المسألة مبنية على أمر وهو العلة أو الحكمة من العقيقة، هل هي من أجل أن يطلق ويفك من أسر الشيطان فلا يتسلط عليه -كما سيأتي، فإذا قلنا ذلك: فإنه لا معنى للعقيقة إذا خرج ميتاً، أو هذا السقط الذي خرج قبل تمامه، وإذا قلنا: إن العلة -كما سيتضح إن شاء الله- هي أنه يشفع لأبويه، فهو مرتهن بعقيقته فلا يشفع إلا إذا عق عنه، فإن السقط -يعني من كان له أربعة أشهر فما فوق- يشفع، وهكذا من ولد ميتاً، أو مات قبل السابع، أو مات قبل أن يعق عنه، فإن العقيقة تكون متوجهة في هذه الحال.

وفي فتاوى الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- يقول السائل: السقط المتبين أنه ذكر أو أنثى هل له عقيقة؟ وكذلك المولود إذا ولد ثم مات بعد أيام ولم يعق عنه في حياته هل يعق عنه بعد موته؟ وإذا مضى على المولود شهر أو شهران أو نصف سنة أو سنة هل يعق عنه؟

وكان في الجواب: لا عقيقة عن السقط ولو تبين أنه ذكر أو أنثى إذا سقط قبل نفخ الروح فيه؛ لأنه لا يُسمَّى غلاماً ولا مولوداً، قال: وإذا ولد الجنين حياً ومات قبل اليوم السابع فيسن أن يعق عنه في اليوم السابع.

وجاء أيضاً في فتوى أخرى له: ما هو حكم العقيقة للطفل الذي يولد في موعده المحدد للولادة ولكن يكون قد مات من مدة بسيطة قبل الولادة؟

فكان الجواب: إذا خرج الجنين ميتاً من بطن أمه فإن بعض أهل العلم يقول: ليس له عقيقة؛ لأن العقيقة تشرع في اليوم السابع، ويرى آخرون أنه يعق عنه؛ لأن هذا الطفل الذي نفخت فيه الروح سيبعث يوم القيامة، فيعق عنه، قال: والذي أرى في هذه المسألة أن الأولى أن يعق عنه، ولكن استحباب العقيقة في مثل هذه الحال ليس كاستحبابها فيما إذا بقي الطفل حتى بلغ سبعة أيام؛ لأن العقيقة تذبح في اليوم السابع فإن فات ففي اليوم الرابع عشر إلى آخره.

الحكمة من العقيقة: ذكر الإمام ابن القيم -رحمه الله- فوائد عدة للعقيقة منها: أنها قربان يتقرب به عن المولود في أول أوقات خروجه إلى الدنيا.

قال: والمولود ينتفع بذلك كما ينتفع بالدعاء له، وهكذا إذا أُحضر في المناسك، ونوي له الحج والإحرام عنه، وغير ذلك، قال: ومن فوائدها أنها تفك رهان المولود، فإنه مرتهن بعقيقته.

قال الإمام أحمد: مرتهن عن الشفاعة لوالديه.

وقال عطاء بن أبي رباح: مرتهن بعقيقته قال: يحرم شفاعة والده.

فإذا قلنا: هذه العلة فإنه يعق عنه بمجرد ما تنفخ فيه الروح ولو خرج ميتاً أو سقط قبل تمامه.

وابن القيم لا يرتضي هذا التعليل، ورده بأمر قد لا يخلو من إشكال، ولا أطيل بذكر اعتراضه، لكن ابن القيم -رحمه الله- يرى أن الحكمة في ذلك هي أن الارتهان بمعنى الحبس، وذلك إما بفعل منه أو فعل من غيره، فقال: إنه بذلك يطلق من أسر الشيطان فلا يتسلط عليه، ويقول: إن الشيطان يطعن في خاصرة المولود، فكانت العقيقة فداءً وتخليصاً له من حبس الشيطان له وسجنه في أسره، ومنعه له من سعيه في مصالح آخرته التي إليها معاده، فكأنه محبوس لذبح الشيطان له بالسكين التي أعدها لأتباعه وأوليائه، إلى آخر ما ذكر، فيقول: تُذبح عنه هذه ليفك من أسر الشيطان، ويقول: وأكثر المولودين من إقطاعه وجنده.

وذكر أيضاً أموراً أخرى، وقال رداً على من يقول: إنه لا يشفع لوالديه: هذه نسيكة مشروعة بسبب تجدد نعمة على الوالدين، وفيها سر بديع وهو موروث من فداء إسماعيل - بالكبش الذي ذبح عنه وفداه الله به وصار سنة في أولاده بعده، أن يفدى أحدهم عند ولادته بذبح، قال: ولا يستنكر أن يكون هذا أيضاً -كما سبق- إطلاقاً له من أسر الشيطان، كما أنه من حين توضع النطفة في الرحم فإن الإنسان يقول عند المعاشرة: اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا، وهكذا إذا خرج إلى الدنيا.

ويقول ابن القيم -رحمه الله: ولهذا قلّ من يترك الذبح عنه إلا وهو في تخبيط من الشيطان، وذكر من فوائدها أنها كالنسك كالأضحية والهدي، وذلك عند ولادة هذا المولود، قال: ولهذا قال النبي ﷺ: من أحب أن ينسك عن ولده فليفعل[14]، فجعلها على سبيل الأضحية التي جعلها الله نسكاً وفداءً لإسماعيل ، وقربة إلى الله -تبارك وتعالى، ويقول: ولا يبعد شرعاً ولا قدراً أن يكون ذلك سبباً لحسن إنبات الولد، فينبت نباتاً حسناً، وتدوم سلامته، وتطول حياته في حفظ من الشيطان ومن ضرره، حتى يكون كل عضو منها فداءً لكل عضو منه؛ ولهذا يقول: يقال عندها ما يقال على الأضحية.

بقي من القضايا المتعلقة بالعقيقة قضية أخيرة وهي ما يفعل من البدع والمخالفات، وهذا يختلف من بيئة إلى بيئة، فمثلاً: من الناس من عندهم شيء اسمه يوم الأسبوع يفعلون أشياء مثلاً يضعون الطفل في غربال ويهزونه ويقولون: اسمع كلام أمك ولا تسمع كلام أبيك، يعني يعلم العقوق من البداية، وكذلك يضع بعضهم كيساً به بعض الحلوى والنقود مع اسم المولود مقروناً بالسعادة، مولود سعيد فلان ابن فلان، ويوزع على الزائرين والأقارب والجيران، ويوضع في الحلوى التي للمولود حينما يأتي الناس لزيارته، ويكتب اسمه على الحلوى، كل واحد يأخذ حلوى ومكتوب عليها الاسم، وأحياناً تكون مغلفة في كيس وعليها اسم هذا المولود، وهكذا بعضهم يجمع حبوباً مختلفة ثم تقوم الخادمة برش هذه الحبوب بعد خلطها مع ذكر بعض الكلمات الغريبة، وهكذا أحياناً يوجبون الضحك على التي ترمي المشيمة بعد الولادة، ويقولون: إن لم يفعل ذلك فإن المولود يكون عابساً، وكذلك يوقدون الشموع إلى الصباح، ويطهى في ذلك الوقت الرز باللبن، وبعضهم يسمي المولود باسم قبيح من أجل أن لا يصاب بالعين، أو من أجل أن يَسْلم، كأن يسمونه "شحاتة" مثلاً، أو يسمونه "مهلهل"، أو "فلفل"، أو نحو ذلك، وهكذا تعليق التمائم، وهكذا ما يعتقده بعضهم أنه إذا دخل على النفساء رجل حالق الرأس أو حالق اللحية أو من يحمل لحماً أو بلحاً أحمر أو من أتى من المقبرة يقولون: المرأة تشاهر بذلك، يعني ما ينزل منها اللبن، وهذا كله كذب لا حقيقة له، وهناك طقوس أخرى موجودة في بعض البيئات.

  1. رواه مسلم، كتاب الآداب، باب كراهة التسمية بالأسماء القبيحة وبنافع ونحوه، برقم (2137).
  2. رواه مسلم، كتاب الآداب، باب كراهة التسمية بالأسماء القبيحة وبنافع ونحوه، برقم (2138).
  3. رواه البخاري، كتاب الأدب، باب الانبساط إلى الناس، برقم (5778)، ومسلم، كتاب الأدب، باب استحباب تحنيك المولود عند ولادته وحمله إلى صالح يحنكه وجواز تسميته يوم ولادته واستحباب التسمية بعبد الله وإبراهيم وسائر أسماء الأنبياء -عليهم السلام، برقم (2150).
  4. رواه البخاري، كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، برقم (2550)، ومسلم، كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، برقم (1718).
  5. رواه أبو داود، كتاب العقيقة، برقم (2837)، وأحمد في المسند، برقم (20083)، وقال محققوه: إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين، وبرقم (20256)، وقال محققوه: إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (4541).
  6. رواه البيهقي في السنن الكبرى، برقم (19052).
  7. رواه أبو داود، كتاب العقيقة، الباب الأول، برقم (2839)، والنسائي، كتاب العقيقة، باب العقيقة عن الغلام، برقم (4214)، والترمذي، كتاب العقيقة، باب الأذان في أذن المولود، برقم (1515)، وصححه الألباني في إرواء الغليل، برقم (1171).
  8. رواه أبو داود، كتاب العقيقة، الباب الأول، برقم (2838)، والطبراني في المعجم الكبير، برقم (6828)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (4541).
  9. رواه أبو داود، كتاب العقيقة، الباب الأول، برقم (2841)، وصححه الألباني في إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، برقم (1167).
  10. رواه ابن ماجه، كتاب الذبائح، باب العقيقة، برقم (3163)، وصححه الألباني في إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، برقم (1166).
  11. رواه مسلم، كتاب الزكاة، باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها، برقم (1015).
  12. رواه أبو داود، كتاب العقيقة، الباب الأول، برقم (2842)، والنسائي، كتاب العقيقة، برقم (4212)، وأحمد في المسند، برقم (23135)، وقال محققوه: حسن لغيره، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (7630).
  13. رواه البخاري، كتاب العقيقة، باب إماطة الأذى عن الصبي في العقيقة، برقم (5154).
  14. رواه النسائي، كتاب العقيقة، برقم (212)، وقال الألباني: حسن صحيح، في تحقيق مشكاة المصابيح، برقم (4156).

مواد ذات صلة