إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضلَّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
كنا ابتدأنا الحديثَ عن دعاء الاستفتاح الأول مما ذكره المؤلفُ في هذا الكتاب، وهو قوله ﷺ: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدتَ بين المشرق والمغرب، اللهم نقِّني من خطاياي كما يُنَقَّى الثوبُ الأبيضُ من الدَّنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثَّلج والماء والبرد[1]، وقد مضى الكلامُ على صدر هذا الدعاء.
واليوم نتحدَّث عن باقيه -إن شاء الله-:
فقوله: اللهم نقِّني من خطاياي يعني: نقِّني منها، وطهِّرني من خطاياي بإزالة هذه الخطايا وما لها من آثارٍ؛ ولهذا وقع التَّشبيه فيه بتنقية الثَّوب الأبيض من الدَّنس؛ فإنَّ الثوبَ الأبيض يظهر فيه أدنى دنسٍ، والنَّقاء يكون فيه أبلغ وأظهر وأوضح، أمَّا الثوب الأسود فإنَّ الدنسَ لا يظهر فيه، فقد يكون فيه من الدَّنس الشَّيء الكثير مما لو كان بغير هذا اللون، كما في اللون الأبيض، ولكنَّه لا يظهر في الأسود، أمَّا الأبيض فإنَّ ذلك يظهر فيه ولو قلَّ.
فحينما يُقال: "كما يُنَقَّى الثوب الأبيض من الدَّنس"، بمعنى: أنَّه لا يبقى فيه ولو الشَّيء اليسير، فالأسود قد يبقى فيه، إنما ينقى ما يظهر، وما الذي عسى أن يظهر في الثوب الأسود؟
إذًا هذا يُقصد به غاية التَّنقية، فتزول الذُّنوب ومُوجباتها، والآثام وما يترتب عليها من المؤاخذة والعقوبة، فينقّى من ذلك كلِّه كتنقية الثوب الأبيض من الوسخ، يعني: طهِّرني أتمَّ التَّطهير، وأبلغ التَّطهير من الذُّنوب والخطايا والأدناس والأرجاس.
ولاحظوا هنا أنَّه قدَّم التَّنقية: نقِّني من خطاياي على الغسل: اللهم اغسلني من خطاياي بالثَّلج والماء والبرد، فأيُّهما أولى بالتَّقديم: الغسل أو التَّنقية؟
التَّنقية أولى؛ لأنَّه من باب التَّخلية، فينقى، ثم بعد ذلك يغسل بالماء والثَّلج والبرد.
ثم إنَّ قوله: اللهم اغسلني، وفي لفظٍ: اغسل خطاياي[2]، وهنا: اللهم اغسلني من خطاياي بالثَّلج والماء والبرد، فالحديث فيه اختلافٌ في الألفاظ والرِّوايات.
فعلى كل حالٍ، هنا: اغسلني، أو اغسل خطاياي بالثَّلج والماء والبرد، يحتمل معنيين:
فيحتمل أن يكون المقصودُ بذلك المبالغة في التَّنقية والتَّطهير، فذكر هذه الأشياء ليدل على هذا المعنى، يعني: نقِّني تنقيةً كاملةً، وطهِّرني واغسلني تطهيرًا وغسلاً كاملاً، بحيث لا يبقى معه شيءٌ، كأنَّه أراد على هذا المعنى الكلي الذي لا ينظر فيه إلى الأفراد، فالثَّلج ماذا يعني؟ والتَّطهير بالماء ماذا يعني؟ والبرد ماذا يعني؟ لا.
فهنا يحتمل أن يكون المرادُ المبالغة في التَّطهير والتَّنقية، دون اعتبارٍ لهذه المذكورات بعينها، بحيث لا ينظر إليها على أنَّ كلَّ واحدٍ يدل على معنًى خاصٍّ، وإنما المقصود المبالغة في التَّنقية والتَّطهير، ويكون بذلك أبلغ ما يكون من محو الخطايا، فالثوب الذي تتكرر عليه التَّنقية بثلاثة أشياء مُنقية يكون في غاية الطَّهارة والنَّقاء، فيكون المعنى بهذا الاعتبار وبهذا الإجمال: نقِّني وطهِّرني تنقيةً وتطهيرًا تامًّا، بحيث لا يبقى معه أثرٌ للذنوب والخطايا والآثام والمعاصي والأوزار، فهذا يحتمل.
كما أنَّه يحتمل أن يكون كلُّ واحدٍ من هذه المذكورات الثلاثة: الماء، والثلج، والبرد؛ مقصودًا في التَّنقية، بحيث كلّ واحدٍ يُساهم في التَّطهير في جانبٍ مُعينٍ، وإذا اجتمعت هذه الثلاثة حصل التَّطهير الكامل، ولا يحصل على أبلغ الوجوه وأتمّها إلا باجتماع هذه الأمور الثلاثة؛ فيحصل المحو بذلك.
وهذا نجده في مثل قوله -تبارك وتعالى-: وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا [البقرة:286]، فذكر العفو، والمغفرة، والرَّحمة، فهل هذه الثلاثة بمعنًى واحدٍ، أو أنَّ كلَّ واحدٍ منها له معنًى؟ وهذا هو الأقرب، فهنا هذه الأوصاف الثلاثة من أهل العلم مَن نظر إلى كلِّ واحدٍ منها وقال: إنَّه يُشير إلى معنًى معينٍ في التَّطهير، وإن اختلفت عباراتهم في تفسيره، لكن هذا منحًى في تفسير هذا الدُّعاء.
ففي هذه الأشياء المذكورة الثلاثة لو نظرنا نجد أنَّ الماء يُستعمل للتَّنظيف، والثَّلج للتَّبريد، والبرد أبلغ في ذلك، كما سيتَّضح، إن شاء الله تعالى.
فهذه المذكورات الثلاثة على هذا الاعتبار تكون مُرادةً، خلافًا لمن قال: إنَّها مجرد أمثال، يعني: ذُكرت ولا يُراد حقيقة ذلك، وإنما المبالغة في التَّطهير فحسب.
فعلى كل حالٍ، ذكر الماء والثَّلج والبرد يعني: بأنواع المطهِّرات، مغفرة الذُّنوب وسترها بأنواع الرَّحمة والألطاف، هكذا بعضُهم يُفسّر الماء والثلج والبرد: بالمحو، والسَّتر، والغفر.
وبعضهم يقول: لما كانت الخطايا مُؤدية إلى النَّار نُزِّلت هذه الخطايا منزلة النار، والنار حارَّة مُحرقة، فاستعمل في محوها المبردات التي يحصل بها إطفاء النَّار وإزالة الحرارة التي فيها: الماء والثَّلج والبرد.
فمن أهل العلم مَن نظر إلى أنَّ ذلك يُشير إلى معانٍ من الرَّحمة والمغفرة بعد العفو؛ لإطفاء حرارة عذاب النَّار التي تكون ناشئةً عن الذنوب والمخالفات والمعاصي.
وقد جاء من حديث عبدالله ابن أبي أوفى عند مسلمٍ وصف الماء بالبرودة: والماء البارد[3]، فهذه الخطايا بمنزلة النَّار؛ لأنَّها تكون سببًا لدخول النَّار، فعبَّر عن إطفائها بالغسل، وبالغ فيه بما يُقابل حرارة النَّار، واستعمال المبردات ترقيًا من الماء إلى ما هو أبرد، وهو الثَّلج، ثم البرد.
والثَّلج معروفٌ، لا يكون من السَّحاب، وإنما يكون مثل الرَّذاذ ينزل من غير سحابٍ، فيتراكم ويجتمع على الأرض، وأمَّا البرد فهو يسقط من السَّحاب: مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ [النور:43]، والفرق بين الثَّلج والبرد معروفٌ، لا يخفى، فالبرد يتساقط كالحجارة، فيُفسد الزروع والثِّمار والمحاصيل، وما إلى ذلك، وأمَّا الثَّلج فهو يسقط دون أن يشعر الناسُ بتأذٍّ في سقوطه، ولكنَّه حينما يجتمع قد يتضررون بذلك.
إذًا من أهل العلم مَن يُفسِّره بهذا، ولكن ابن رجب -رحمه الله- والحافظ ابن القيم وشيخ الإسلام ابن تيمية -رحم الله الجميع- فسَّروا ذلك بمعنًى أشرتُ إليه فيما سبق، ولكن كلامَهم فيه أوضح وأتمّ؛ فابن رجب -رحمه الله- يقول: لما كانت الذنوبُ تُؤثر في القلب دَنَسًا، وهو المذكور في قوله تعالى: كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين:14]، وتُوجب للقلب احتراقًا؛ طُلب في هذا الدُّعاء المباعدة بينه وبينها على أقصى وجوه المباعدة، والمراد: المباعدة من تأثيراتها وعقوباتها الدّنيوية والأُخروية[4]، وطلب أيضًا تنقية القلب من دنسها، كما يُنَقَّى الثوبُ الأبيضُ من الدَّنس، وطُلب أيضًا إطفاء حرارتها وحريقها للقلب بأعظم ما يوجد في الدنيا إنقاءً وتبريدًا، وهو الماء والثَّلج والبرد.
وفي حديث عائشة: اللهم اغسل عني خطاياي بماء الثَّلج والبرد، ونقِّ قلبي من الخطايا كما نقَّيتَ الثوبَ الأبيضَ من الدَّنس، وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدتَ بين المشرق والمغرب[5]، وفي الدُّعاء الذي يُدْعَى للميت: واغسله بالماء والثَّلج والبرد[6].
فهنا في هذا الاستفتاح -استفتاح الصَّلاة- يُدْعَى بذلك، يقول ابنُ رجب: لأنَّ الصَّلوات الخمس تُكَفِّر الذنوب والخطايا، كما قال الله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [هود:114]، فإقامة الصَّلوات المفروضة على وجهها يُوجِب مُباعدة الذنوب، ويُوجِب أيضًا الإنقاء منها والتَّطهير، وهذه الصَّلوات الخمس كما مثَّلها النبيُّ ﷺ بالنَّهر الجاري الذي يغتسل فيه المسلمُ كل يومٍ خمس مرَّات، وهذا أيضًا الثَّلج والبرد يُوجب تبريد الحريق الذي تكسبه الذُّنوب؛ فيحصل إطفاء وتبريد[7] بالماء والثَّلج والبرد.
وفي الحديث الصَّحيح: تحترقون، تحترقون، فإذا صليتُم الفجرَ غسلتها، ثم تحترقون، تحترقون، فإذا صليتُم الظهرَ غسلتها، ثم تحترقون، تحترقون، فإذا صليتُم العصرَ غسلتها، ثم تحترقون، تحترقون، فإذا صليتُم المغربَ غسلتها، ثم تحترقون، تحترقون، فإذا صليتُم العشاء غسلتها[8].
وكذلك جاء عن أنسٍ مرفوعًا إلى النبي ﷺ: إنَّ لله ملكًا يُنادي عند كلِّ صلاةٍ: يا بني آدم، قوموا إلى نيرانكم التي أوقدتُموها على أنفسكم فأطفئوها بالصَّلاة[9]، وهذا الحديث الشيخ ناصر الدين الألباني -رحمه الله- ضعَّفه في بعض كتبه القديمة، ثم بعد ذلك تراجع وصححه في بعض كتبه المتأخّرة.
فهذا حاصل كلام ابن رجب -رحمه الله-، ثم يذكر وجه تخصيص الثَّلج والبرد بالذِّكْر باعتبار أنَّهما على خلقتهما لم يستعملا، ولم تنلهما الأيدي، ولم تخضهما الأرجل كسائر المياه التي خالطت التراب، وجرت في الأنهار، وجُمعت في الحياض، فالثَّلج والبرد أحقُّ بالطَّهارة؛ لأنَّها لم يمسّها دنسٌ أبدًا، فهي نازلةٌ من السَّماء، وليست كمياه الأنهار، أو مياه الآبار، فهذا يكون أنقى وأبلغ.
وعلى كل حالٍ، هذا كلّه من قبيل الاحتمال، وقد يقول قائلٌ بأنَّ الماء السَّاخن أبلغ في التَّنظيف والتَّنقية من الأوساخ والأدناس من الماء البارد، فلماذا ذكر هنا الثَّلج والبرد، ولم يذكر الماء السَّاخن؟
يمكن أن يُقال: إنَّ الذنوبَ لها حرارة، وإنَّ الذي يُناسبها البرودة، هذا بالإضافة إلى ما ذكره الحافظُ ابن القيم -رحمه الله-: لما سأل ابنُ القيم -رحمه الله- شيخَه؛ شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في الجواب عن هذا، كيف تطهر الخطايا بذلك؟ وما فائدة التَّخصيص بهذا مع اللَّفظ الآخر: والماء البارد، وأنَّ الحارَّ أبلغ في الإنقاء؟
فأجابه شيخُ الإسلام -رحمه الله- قال: "الخطايا تُوجِب للقلب حرارةً ونجاسةً وضعفًا؛ فيرتخي القلب، وتضطرم فيه نارُ الشَّهوة، وتُنجِّسه، فإنَّ الخطايا والذُّنوب له بمنزلة الحطب الذي يمدّ النار ويُوقدها؛ ولهذا كلَّما كثرت الخطايا اشتدَّت نارُ القلب وضعفه، والماء يغسل الخبثَ، ويُطفئ النار، فإن كان باردًا أورث الجسمَ صلابةً وقوةً، فإن كان معه ثلجٌ وبردٌ كان أقوى في التَّبريد وصلابة الجسم وشدّته، فكان أذهب لأثر الخطايا"[10].
لاحظ: هناك رخاوةٌ بسبب الذُّنوب والمعاصي، فالبارد يشدّه ويُقويه، هذا ما ذكره شيخُ الإسلام في الجواب عن سؤال ابن القيم، وهو أمرٌ مُشاهدٌ معروفٌ: أنَّ الماء البارد يشدّ الجسم ويُقويه ويُنشّطه، بخلاف الماء السَّاخن، فإنَّه يُورثه الفتور؛ ولذلك الإنسانُ إذا أراد النوم فإنَّه يغتسل بماءٍ ساخنٍ؛ فيفتر الجسم ويرتخي، وإذا أراد أن يتنشَّط فإنَّه يغتسل بالماء البارد، فيذهب عنه الكسلُ والنَّومُ والضَّعفُ، كما هو معلومٌ.
وابن القيم -رحمه الله- بعدما ذكر هذا الجواب من شيخ الإسلام أضاف إليه قائلاً: "فاعلم أنَّ هاهنا أربعة أمورٍ:
أمران حسيّان، وأمران معنويّان. فالنَّجاسة التي تزول بالماء هي ومُزيلها حسيّان، وأثر الخطايا التي تزول بالتَّوبة والاستغفار هي ومُزيلها معنويّان، وصلاح القلب وحياته ونعيمه لا يتمّ إلا بهذا وهذا، فذكر النبيُّ من كلِّ شطرٍ قسمًا نبَّه به على القسم الآخر، فتضمّن كلامُه الأقسام الأربعة في غاية الاختصار، وحُسن البيان، كما في حديث الدُّعاء بعد الوضوء: اللهم اجعلني من التَّوابين، واجعلني من المتطهرين[11]، فإنَّه يتضمّن ذكر الأقسام الأربعة، ومن كمال بيانه وتحقيقه لما يُخبر به ويأمر به: تمثيله الأمر المطلوب المعنويّ بالأمر المحسوس، وهذا كثيرٌ في كلامه"[12].
ويقول أيضًا في كتاب "زاد المعاد": "وفي هذا الحديث من الفقه: أنَّ الدَّاء يُداوى بضدِّه؛ فإنَّ في الخطايا من الحرارة والحريق ما يُضادّه الثَّلج والبرد والماء البارد، ولا يُقال: إنَّ الماء الحارَّ أبلغ في إزالة الوسخ؛ لأنَّ في الماء البارد من تصليب الجسم وتقويته ما ليس في الحارِّ، والخطايا تُوجِب أثرين: التَّدنيس والإرخاء، فالمطلوب مُداواتها بما يُنظف القلب ويصلبه، فذكر الماء البارد والثَّلج والبرد إشارة إلى هذين الأمرين"[13].
بقيت جزئيةٌ أخيرة، وهي مُناسبة هذا الدُّعاء للاستفتاح حينما يستفتح المسلمُ صلاتَه بهذا، فهنا ذكر الحافظُ ابن رجب -رحمه الله- إشارةً إلى معنًى لطيفٍ، وهو أنَّه لما كانت الصلاةُ صلةً بين العبد وربِّه، وكان المصلِّي يُناجي ربَّه، وربُّه يُقرِّبه منه؛ لم يصلح للدُّخول في الصَّلاة إلا مَن كان طاهرًا في ظاهره وباطنه؛ طهارة الباطن التَّنقية من الخطايا، وطهارة الظَّاهر بالتَّخلي من النَّجاسات والأدناس، وما إلى ذلك.
يقول ابنُ رجب: "ولذلك شرع للمُصلي أن يتطهّر بالماء؛ فيُكفّر ذنوبه بالوضوء، ثُم يمشي إلى المساجد؛ فيُكفّر ذنوبه بالمشي، فإن بقي من ذنوبه شيءٌ كفَّرته الصَّلاةُ"[14]، فهو تطهيرٌ وغسيلٌ.
وجاء عن سلمان : "الوضوء يُكفّر الجراحات الصِّغار، والمشي إلى المسجد يُكفّر أكثر، والصَّلاة تُكفّر أكثر من ذلك"[15]، يعني: هو في تطهيرٍ حتى يُصلِّي، ثم بعد ذلك يخرج وقد طهر من ذنوبه.
يقول ابنُ رجب: "فإذا قام المصلِّي بَيْن يدي ربِّه فِي الصَّلاة وشرع فِي مُناجاته شُرع لَهُ أول مَا يُناجي ربَّه أن يسأل ربَّه أن يُباعد بينه وبين مَا يُوجِب لَهُ البُعد من ربِّه؛ وَهُوَ الذّنوب، وأن يُطهّره مِنْهَا؛ ليصلح حينئذٍ للتَّقريب والمناجاة، فيستكمل فوائد الصَّلاة وثمراتها من: المعرفة، والأُنس، والمحبَّة، والخشية؛ فتصير صلاتُه ناهيةً لَهُ عَن الفحشاء والمنكر، وهي الصَّلاة النَّافعة"[16].
هذا ما ذكره الحافظُ ابن رجب، وهذا ما يتعلَّق بهذا الحديث مما يحسُن إيراده، وإلا فكلام أهل العلم في ذلك كثيرٌ جدًّا، وأكثره في أمورٍ قد لا نحتاج إليها في مثل هذا المقام.
هذا، وأسأل الله أن يُعلمنا وإيَّاكم ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علَّمنا، وأن يُفقهنا في الدِّين، والله أعلم.
وصلَّى الله على نبينا محمدٍ، وآله وصحبه.
- متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب الأذان، باب ما يقول بعد التَّكبير، برقم (702)، ومسلم: كتاب المساجد ومواضع الصَّلاة، باب ما يُقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة، برقم (940).
- متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب الأذان، باب ما يقول بعد التكبير، برقم (702)، ومسلم: كتاب الذكر والدعاء والتَّوبة والاستغفار، باب التَّعوذ من شرِّ الفتن وغيرها، برقم (4877).
- أخرجه مسلم: كتاب الصَّلاة، باب ما يقول إذا رفع رأسَه من الركوع، برقم (735).
- "فتح الباري" لابن رجب (6/373).
- متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب الدَّعوات، باب الاستعاذة من أرذل العمر ومن فتنة الدنيا وفتنة النار، برقم (5898)، ومسلم: كتاب الذكر والدُّعاء والتوبة والاستغفار، باب التَّعوذ من شرِّ الفتن وغيرها، برقم (4877).
- أخرجه مسلم: كتاب الجنائز، باب الدُّعاء للميت في الصَّلاة، برقم (1600).
- "فتح الباري" لابن رجب (6/374).
- أخرجه الطبراني في "المعجم الصغير" برقم (121)، و"المعجم الأوسط" برقم (2224)، و"المعجم الكبير" برقم (8739)، وقال الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (1/265): "حسنٌ صحيحٌ".
- أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" برقم (9452)، وقال الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (1/265): "حسنٌ لغيره".
- "إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان" - المعرفة (1/57).
- أخرجه الترمذي: كتاب الطَّهارة، باب فيما يُقال بعد الوضوء، برقم (50)، وصححه الألباني.
- "إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان" - المعرفة (1/57).
- "زاد المعاد في هدي خير العباد" (4/269).
- "فتح الباري" لابن رجب (6/375).
- "فتح الباري" لابن رجب (4/205).
- "فتح الباري" لابن رجب (6/375-376).