بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المفسر -رحمه الله تعالى:
وقوله: إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أي: النساء عما وجب لها على زوجها من النصف، فلا يجب لها عليه شيء.
قال السدي عن أبي صالح عن ابن عباس -ا- في قوله: إَلاَّ أَن يَعْفُونَ قال: إلا أن تعفوا الثيب فتدع حقها.
قال الإمام أبو محمد بن أبي حاتم -رحمه الله: وروي عن شريح وسعيد بن المسيب وعكرمة ومجاهد والشعبي والحسن ونافع وقتادة وجابر بن زيد وعطاء الخرساني والضحاك والزهري ومقاتل بن حيان وابن سيرين والربيع بن أنس والسدي نحو ذلك.
وقوله: أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ قال ابن أبي حاتم: روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي ﷺ قال: وليُّ عقد النكاح الزوج،[1] وهكذا أسنده ابن مردويه، واختاره ابن جرير، ومأخذ هذا القول: أن الذي بيده عقدة النكاح حقيقة الزوج، فإن بيده عقدها وإبرامها ونقضها وانهدامها، وكما أنه لا يجوز للولي أن يهب شيئاً من مال المولية للغير فكذلك في الصداق.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فلا إشكال عند أهل العلم في أن مراد قوله سبحانه: إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أي: النساء، والمعنى أن لها الحق في إسقاط ما لها من نصف الصداق، سواء وقع المهر في يدها، أو كان ديناً في ذمته، وذلك لا ينافي إطلاق العفو عليه.
وأختلف أهل العلم في المراد من قوله سبحانه: أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ فقالت طائفة: إن المراد به الزوج، وذلك أن العصمة بيده فهو إن شاء طلق وإن شاء أمسك، وعضدوا رأيهم بأنه صار بذلك يقابل الطرف الآخر وهي المرأة، فيكون -بهذا الاعتبار- العفو واقعاً من أحد الطرفين –المرأة أو الرجل، واستدلوا بالحديث المتقدم: وليُّ عقد النكاح الزوج، وهذا هو قول عامة أهل العلم، وحديث عمرو بن شعيب لو صح لكان رافعاً للخلاف، ولكن هذا الحديث في سنده ابن لَهِيْعة وفيه كلام.
وقالت طائفة: إن الذي بيده عقدة النكاح ولي المرأة كالأب أو الأخ أو ابن العم ممن له ولاية عليها، ومِن لازم هذا القول أن يصير الولي متصرفاً في مهر المرأة، فله الحق أن يسقطه وله أن يثبته وهذا فيه إشكال؛ لأن الولي لا يملك حق التصرف في مال غيره، ولذلك لجأ بعضهم إلى حمله على لون من النساء في الولاية عليهن، فبعضهم قال: هي الصغيرة، وبعضهم قال: هي البكر، وهذا من التأويلات البعيدة؛ لأن الآية جاءت بالاسم الموصول "الذي" وهو يفيد العموم كما هو معلوم، فلا يخص ذلك ولياً دون ولي، وإنما تشمل عموم الأولياء.
فالمقصود أن الرجل الولي لا يملك شيئاً من المهر، وإلا كان مدخلاً له للتسلط على أموال النساء وحقهن في مقابل البضع وهذا غير صحيح، فالمهر حق ثابت للمرأة لا يتصرف فيه الولي إلا وفق رضاها والرجوع إليها سواء كانت بكراً أو ثيباً، وهذا مما يضعف هذا القول، ويرجح ما عليه عامة أهل العلم أن الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج، فهما طرفان متقابلان –الرجل والمرأة- إلا أن يعفو هذا أو يعفو الآخر.
وقوله: وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى قال ابن جرير: قال بعضهم: خوطب به الرجال والنساء.
وعن ابن عباس -ا: وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى قال: أقربهما للتقوى الذي يعفو.
فكل عفو واقع من أحد الطرفين فإن ذلك أقرب للتقوى، سواء وقع ذلك في الصداق، أو في غيره من الحقوق كالمظالم التي تكون بين الناس والإساءة، وما أشبه ذلك، فالله يقول: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [سورة فصلت:34]
وقال الله في القصاص: فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ [سورة المائدة:45]، وكذلك أيضاً في الديون لما قال: وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [سورة البقرة:280] فإسقاط مثل هذه الحقوق سواء تعلقت بالمال، أو بالعرض أو نحو ذلك فهذا أقرب للتقوى.
وكذا روي عن الشعبي وغيره، وقال مجاهد والنخعي والضحاك ومقاتل بن حيان والربيع بن أنس والثوري: الفضل هاهنا أن تعفو المرأة عن شطرها، أو إتمام الرجل الصداق لها.
ولهذا قال: وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ أي: الإحسان، قاله سعيد.
فمن الإحسان أن يكمل الرجل للمرأة بقية المهر، أو أن تسقط المرأة نصف الصداق الذي وجب لها، بالعفو، فهذا المراد به أن يتفضل كل طرف على الآخر.
ومن ذلك ما يتعلق بهذه الحقوق والتفضل فيها، فالله يجزي هذا الإنسان المتفضل المتصدق، وهو بصير به، عالم بحاله، مطلع على عمله لا يَضِيع منه شيء، وفي المقابل يجازي من قصر في عمله وتوانى في الحقوق، وتساهل في الإيفاء.
ما وجه المناسبة بين هذه الآية، وبين الآيات التي قبلها والتي بعدها التي تحدثت عن الطلاق وأحكامه، والعِدد..؟
يمكن القول: إنه أورد ذكر الصلاة بين هذه الأحكام؛ ليدل على أن الاستعانة بالصلاة سبب للخروج من المشكلات التي تقع بين الناس، ودافعة للهموم والآلام والمصائب، والنكد والكمد، وكذا ما يقع بين العشيرين –الزوجين- بحاجة إلى صبر، ومما يعين على ذلك المحافظة على الصلاة.
وبعضهم قال: إن الله لما بيّن طرفاً من حقوق الخلق التي غالباً ما تقع فيها المشاحة في هذه الآيات، رجع ليبيّن حقاً يخصه فأرشدهم إلى أمر يحصل به حسن الصلة به ألا وهو الصلاة، وهذا الاستنباط يسمى عند العلماء بعلم المناسبة، وهو ليس على مرتبة واحدة، فمنه ما يكون كالشمس يلوح في الظهور والوضوح، ومنه ما يكون دون ذلك، ومنه ما يكون متكلفاً، فمثل استنباط هذه المناسبة من إيراد آيات المحافظة على الصلاة بين هذه الأحكام ليست من القوة والمرتبة والدرجة بمكان، وليس فيها ذلك التكلف، إنما هو وجه من النظر محتمل، ولا ينبغي أن يجزم به، والعلم عند الله.
يأمر تعالى بالمحافظة على الصلوات في أوقاتها، وحفظ حدودها، وأدائها في أوقاتها، كما ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود قال: سألت رسول الله ﷺ أي العمل أفضل؟ قال: الصلاة على وقتها قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قال: حدثني بهن رسول الله ﷺ ولو استزدته لزادني[2].
وخص تعالى من بينها بمزيد التأكيد الصلاة الوسطى، وهي صلاة العصر.
قوله سبحانه: حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ يشمل جميع الصلوات، وخص الوسطى من قبيل عطف الخاص على العام، وهذا التخصيص بذكر أحد أفراد العام إنما يكون لأهميته ولفضله أو نحو ذلك.
ومثله قوله سبحانه: إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا [سورة النساء:163] فخص هؤلاء الأنبياء دون غيرهم، وقوله: مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ [سورة البقرة:98] فخص بالذكر جبريل وميكال؛ ليبين أن لهم مزية خاصة.
والصَّلاَةِ الْوُسْطَى الوسطى: تأنيث الوسط، ويأتي بمعنيين:
يأتي بمعنى أعدل الشيء وخير الشيء كما قال سبحانه: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا [سورة البقرة:143]، أي: عدولاً خياراً.
ويأتي الوسط للواقع بين الطرفين، وهذا في الأمور المعدودة والمحسوسة وما أشبه ذلك.
فإذا فسر بالأول يكون المقصود بالصلاة الوسطى، يعني التي هي أفضل الصلوات، وأعظم الصلوات، ولهذا جاء في التخلف عنها والتحذير من تركها قوله ﷺ: من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله[3] وقوله: من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله[4]
ويمكن تفسيرها على المعنى الآخر باعتبار أن قبلها صلاتين في أول النهار-الفجر والظهر، وبعدها صلاتين من الليل –المغرب والعشاء- فهي في الوسط بهذا الاعتبار.
وخص تعالى من بينها بمزيد التأكيد الصلاة الوسطى، وهي صلاة العصر.
قال الترمذي والبغوي -رحمها الله: وهو قول أكثر علماء الصحابة وغيرهم.
وقال القاضي الماوردي: وهو قول جمهور التابعين.
وقال الحافظ أبو عمر بن عبد البر: هو قول أكثر أهل الأثر.
وقال أبو محمد بن عطية في تفسيره: وهو قول جمهور الناس.
وقال الحافظ أبو محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطي في كتابه المسمى: بـ" كشف المغطى في تبيين الصلاة الوسطى" وقد نص فيه أنها العصر.
وحكاه عن عمر وعلي وابن مسعود وأبي أيوب وعبد الله بن عمرو وسمرة بن جندب وأبي هريرة وأبي سعيد وحفصة وأم حبيبة وأم سلمة وعن ابن عباس وعائشة أجمعين، على الصحيح عنهم، وبه قال عبيدة وإبراهيم النخعي ورزين وزر بن حبيش وسعيد بن جبير وابن سيرين والحسن وقتادة والضحاك والكلبي ومقاتل وعبيد بن أبي مريم وغيرهم.
أهل العلم على خلاف في المراد بالصلاة الوسطى، حتى إن بعضهم ذكر في المسألة ثمانية عشر قولاً، لكن الصواب الذي عليه عامة أهل العلم أنها صلاة العصر، ودليل ذلك ما جاء في فضل العصر وعظيم خطر شأن المتهاون بها، مثل: حديث من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله...، وأن الله أقسم بالعصر في كتابه الكريم، والله لا يقسم بشيء إلا لشرفه وعلو مكانته وسمو منزلته.
وكذا ما جاء في تفسير قول الله : تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاَةِ [سورة المائدة:106] فقد ذكر أهل التفسير أنها جاءت في الرجل الذي حلف بعد العصر كاذباً؛ للدلالة على أن عظم شأن الحلف بعد العصر من جهة الزمان، فهذه نوع من الأدلة على أن المراد بالصلاة الوسطى العصر.
ولقد ثبت في السنة ما يؤكد أن الصلاة الوسطى صلاة العصر، من ذلك ما جاء عن بعض الصحابة كعليٍّ قال: كنا نراها صلاة الفجر، حتى قال رسول الله ﷺ في يوم الأحزاب: ملأ الله بيوتهم وقبورهم ناراً شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس[5] يقصد صلاة العصر، فهذا الخبر نص ودلالة صريحة في أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر.
واستدل القائلون بخلاف ذلك بما جاء في القراءات الواردة في هذه الآية عن حفصة في مصحفها، ومصحف عائشة، وأم سلمة {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر} فهذا أشكلَ على كثير من أهل العلم، باعتبار أن "الواو" تقتضي المغايرة، وهذا يعنى أن الصلاة الوسطى غير صلاة العصر، وجاء في قراءة أخرى: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهي} وذكر العصر.
ولكن تعقب هذا القول بعض أهل العلم فقال: إن هذه القراءات التي جاءت بالعطف مما يوهم أن الصلاة الوسطى غير صلاة العصر، جاء ما يقابلها من قراءات تدلل على أن المقصود بالصلاة الوسطى صلاة العصر، كما أن الأحاديث واضحة صريحة في ذلك كالحديث السابق: شغلونا عن الصلاة الوسطى.
وقيل: إنها صلاة الظهر، واستدلوا بأن الصحابة كانوا يلقون فيها عنتاً وشدة بسبب الحر، فأنزل الله سبحانه: حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى [سورة البقرة:238] يثبتهم عليها، ومن أهل العلم من قال: العشاء والمغرب، وقيل: غير ذلك، ويلجئون إلى وجوه من النظر إلا أنها لا تكفي لمجرد الاستدلال، فلا بد أن يلجأ فيها إلى النقل.
فالحاصل أن المشهور والراجح في المراد بالصلاة الوسطى أنها صلاة العصر، والله أعلم.
يقول على بن أبي طالب في أول الحديث: كنا نراها الفجر، حتى سمعت رسول الله ﷺ يقول يوم الأحزاب: شغلونا... إلى آخره.
ومن السلف من أشار إلى ملمح تربوي عن المراد بالصلاة الوسطى فقال: حافظْ على الصلوات تدركها –أي الصلاة الوسطى، وهذا وجه في الجواب جيد؛ لأن الإنسان مأمور أن يحافظ على جميع الصلوات، فإذا حافظ عليها سيدرك الوسطى لا محالة، وهذا خير له من أن يشغل نفسه كثيراً في معرفة المراد بالصلاة الوسطى، خاصة إذ لم يكن هناك أثر ولا نتيجة ولا عمل.
شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر، ملأ الله قبورهم وبيوتهم ناراً ثم صلاها بين العشاءين المغرب والعشاء[6].
وكذا رواه مسلم والنسائي وأخرجه الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي وغير واحد من أصحاب المسانيد والسنن والصحاح من طرق عن علي -، وحديث يوم الأحزاب، وشغل المشركين رسول الله ﷺ وأصحابه عن أداء صلاة العصر يومئذ مروي عن جماعة من الصحابة يطول ذكرهم، وإنما المقصود رواية من نص منهم في روايته أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر، وقد رواه مسلم أيضاًَ من حديث ابن مسعود، والبراء بن عازب -ا.
وجاء من حديث أم سلمة، ولكن في إسناده ضعف، وكذلك جاء من حديث حذيفة في قصة الأحزاب.
هذا الحديث غير حديث قصة الأحزاب في بيان الصلاة الوسطى وفيه ضعف، ولكن يمكن أن يحسن لشواهده، ومما يشهد له ما وقع في قصة الأحزاب شغلونا عن الصلاة الوسطى.
وفي لفظ: أن رسول الله ﷺ قال: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وسماها لنا أنها هي صلاة العصر.
وفي لفظ آخر أن رسول الله ﷺ قال: هي العصر[8]، قال ابن جعفر: سئل عن الصلاة الوسطى، ورواه الترمذي وقال: حسن صحيح.
إذا ثبتت صحة هذا الحديث فالقاعدة في التفسير إن ثبت عن النبي ﷺ شيء فلا التفات إلى قول أحد معه، لكن من أهل العلم من لا يصحح هذا الحديث أصلاً، ويناقش بأن النبي ﷺ ذكر أحد أفراد العام؛ لأنه أولى بذلك الوصف، مع أن ذلك لا ينفيه عن غيره، لكن هذا يحتاج أن يقال: الصلوات كلها وسطى، والقول بهذا واضح أنه في غاية التكلف.
وروى أبو حاتم بن حبان في صحيحه عن عبد الله قال: قال رسول الله ﷺ: صلاة الوسطى صلاة العصر[9].
وقد روى الترمذي عن ابن مسعود قال: قال رسول الله ﷺ: صلاة الوسطى صلاة العصر[10] ثم قال: حسن صحيح.
هذه كلها شواهد إذا اجتمعت يحصل لأصل هذا الحديث قوة، فيرتقي بشواهده إلى درجة الحسن لغيره، والله أعلم.
في وقعة الأحزاب، والأحاديث المرفوعة جاءت عن جماعة من الصحابة كابن عباس، وأبي هريرة، وابن عمر، وأبي مالك الأشجعي وغيرهم.
يعني كأنه سلب أهله وماله.
قوله هنا: "بكروا بالصلاة في يوم الغيم" هذا من كلام بريدة بن الحصيب -، جاءت هذه الرواية صريحة عند البخاري أن بريدة قال لهم: بكروا بالصلاة في يوم الغيم، فإني سمعت رسول الله ﷺ ثم ذكر الحديث، فليعلم.
وأما بالنسبة للمراد من قوله ﷺ فقد حبط عمله: فقد أورد الحافظ ابن حجر كعادته أقوالاً كثيرة في تبيين المقصود قال: فمنهم من يقول: أي حبط عمله الدنيوي الذي اشتغل به، وضيع الصلاة من أجله، إن كان تجارة فقد بطلت وذهبت بركتها وما أشبه ذلك، وفيه تكلف.
وبعضهم يقول: فقد حبط عمله الذي يعمله في ذلك الوقت، إن كان عمل عملاً صالحاً فهو مخصوص بهذا، وهذا الكلام لا دليل عليه؛ لأن الأصل أن العمل مفرد مضاف إلى الضمير، ومعلوم أن المفرد المضاف من صيغ العموم، كما قال سبحانه: يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ [سورة النحل:83] يعني نعم الله، وأَوْ صَدِيقِكُمْ [سورة النــور:61] أي أو أصدقائكم، وأشباه ذلك.
والصواب أن هذا الحديث من نصوص الوعيد لا يتعرض له بتفسير؛ لئلا يرتفع الزجر المقصود من الحديث بالتأويلات والمحامل التي تضعف أثره في النفوس، وهذا وجه مشى عليه جماعة من أهل العلم، والإمام أحمد كان لا يرى التعرض لمثل هذه النصوص، وهذا الذي اختاره الحافظ ابن حجر –رحمه الله.
والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه محمد وآله وصحبه.
- سنن الدارقطني برقم (128) (3/279)، والبيهقي في السنن الكبرى برقم (14844) (7/251).
- رواه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة –باب فضل الصلاة لوقتها برقم (504) (1/197)، ومسلم في كتاب الإيمان –باب بيان كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال برقم (85) (1/89).
- رواه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة – باب إثم من ترك العصر برقم (528) (1/203).
- رواه النسائي برقم (478) (1/237)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي برقم (478).
- رواه البخاري في كتاب الجهاد –باب الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة برقم (2773) (3/1071)، و- رواه مسلم بلفظ شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله أجوافهم وقبورهم نارا أو قال: حشا الله أجوافهم وقبورهم نارا في كتاب المساجد ومواضع الصلاة - باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر (628) (ج 1 / ص 437).
- أصل الحديث عند مسلم - رواه في كتاب المساجد ومواضع الصلاة – باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر برقم (627) (1/436)، و- رواه أحمد في مسنده برقم (911) (1/113).
- رواه أحمد في مسنده برقم (20141) (5/12)، وقال شعيب الأرنؤوط في تعليقه عليه: صحيح لغيره رجاله رجال الصحيح.
- رواه الطبراني في المعجم الكبير برقم (6681) (6/338).
- رواه ابن حبان في صحيحه برقم (1746) (5/41)، قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح.
- رواه الترمذي برقم (181) (1/339)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف الجامع الصغير برقم (7282).
- رواه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة –باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر برقم (627) (1/436).
- سبق تخريجه.
- سبق تخريجه.