بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المفسر -رحمه الله- في تفسير قوله تعالى:
تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ [سورة هود:49].
يقول تعالى لنبيه ﷺ هذه القصة وأشباهها مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ يعني: من أخبار الغيوب السالفة نوحيها إليك على وجهها كأنك شاهدها، نُوحِيهَا إِلَيْكَ أي: نُعْلمك بها وحياً منا إليك، مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا أي: لم يكن عندك ولا عند أحد من قومك علم بها حتى يقول من يكذبك: إنك تعلمتها منه، بل أخبرك الله بها مطابقة لما كان عليه الأمر الصحيح، كما تشهد به كتب الأنبياء قبلك، فاصبر على تكذيب من كذبك من قومك وأذاهم لك، فإنا سننصرك ونحوطك بعنايتنا ونجعل العاقبة لك ولأتباعك في الدنيا والآخرة، كما فعلنا بالمرسلين حيث نصرناهم على أعدائهم، إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا [سورة غافر:51] الآية، وقال تعالى: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ [سورة الصافات:171، 172] الآية، وقال تعالى: فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ.
وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِي إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ [سورة هود:50-52].
يقول تعالى: لقد أرسلنا إلى عاد أخاهم هودًا آمرًا لهم بعبادة الله وحده لا شريك له، ناهيًا لهم عن الأوثان التي افتروها واختلقوا لها أسماء الآلهة، وأخبرهم أنه لا يريد منهم أجرة على هذا النصح والبلاغ من الله إنما يبغي ثوابه من الله الذي فطره، أَفَلا تَعْقِلُونَ من يدعوكم إلى ما يصلحكم في الدنيا والآخرة من غير أجرة، ثم أمرهم بالاستغفار الذي فيه تكفير الذنوب السالفة، وبالتوبة عما يستقبلون، ومن اتصف بهذه الصفة يسر الله عليه رزقه، وسهل عليه أمره، وحفظ شأنه، ولهذا قال: يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فهذه الآيات التي يذكر الله فيها خبر الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- مع أقوامهم قد مضى كثير منها في سورة الأعراف، ومضى بعض مضامينها في غيرها، كما مر في قول نوح ﷺ: وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا [سورة هود:29]، وهنا ذكر الأجر إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلاَ تَعْقِلُونَ [سورة هود:51]، وهكذا، فما يتعلق بالاستغفار والتوبة وتعقيب التوبة بعد الاستغفار بـ ”ثم“، وما يترتب على ذلك، قد مضى الكلام عليه.
قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. [سورة هود:53-56].
يخبر تعالى أنهم قالوا لنبيهم: مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ أي: بحجة وبرهان على ما تدعيه، وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ أي: بمجرد قولك اتركوهم نتركهم، وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ بمصدقين، إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ، يقولون: ما نظن إلا أن بعض الآلهة أصابك بجنون وخبل في عقلك بسبب نهيك عن عبادتها وعيبك لها، قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ، يقول: إني بريء من جميع الأنداد والأصنام.
فَكِيدُونِي جَمِيعًا أي: أنتم وآلهتكم إن كانت حقًا، ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ أي: طرفة عين، وقوله: إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا أي: تحت قهره وسلطانه، وهو الحاكم العادل الذي لا يجور في حكمه، فإنه على صراط مستقيم، وقد تضمن هذا المقام حجة بالغة ودلالة قاطعة على صدق ما جاءهم به، وبطلان ما هم عليه من عبادة الأصنام التي لا تنفع ولا تضر، بل هي جماد لا تسمع ولا تبصر ولا توالي ولا تعادي، وإنما يستحق إخلاص العبادة اللهُ وحده لا شريك له، الذي بيده الملك وله التصرف، وما من شيء إلا تحت ملكه وقهره وسلطانه، فلا إله إلا هو ولا رب سواه.
قول الكفار لنبيهم -عليه الصلاة والسلام: مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ، لا يدل على أنه -عليه الصلاة والسلام- لم يأتهم ببينة، فإن هؤلاء يكابرون غاية المكابرة، ومن أهل العلم من فهم من هذا أن هودًا ﷺ كانت معجزته هي أنه تحداهم وقال لهم: إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ.
والواقع أن الله –تبارك وتعالى- أعطى الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- من الآيات والبينات ما آمن على مثله البشر، كما ثبت ذلك عن النبي ﷺ وإن لم تذكر هذه الآية أو البينة في خبره وقصته التي قصها الله علينا، وإن زعم قومه أنه لم يأتهم ببينة فلا عبرة بقولهم؛ لأنهم أهل مكابرة، وما ذكر أن آية هود ﷺ هي التحدي ليس بصحيح، ويمكن أن يكون هذا من جملة دلائل نبوته ﷺ، ومعلوم أن آيات الأنبياء على نوعين:
- النوع الأول: المعجز: كالقرآن وانشقاق القمر، وناقة صالح -عليه الصلاة والسلام- والآيات التسع التي أعطاها الله لموسى ﷺ.
- النوع الثاني: ليس بمعجز مما يعرف به صدقه، مثل الأشياء التي سأل عنها هرقل أبا سفيان.
وقوله –تبارك وتعالى: إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا، أي: تحت قهره وسلطانه، آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا باعتبار أن الأخذ بالناصية يدل على القهر.
ومن أهل العلم من قال: آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا أي: أنه مالكها، فالملك كله بيده -تبارك وتعالى- مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا، فهم عبيده وتحت ملكه وقهره وسلطانه.
قوله: إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، أي: الحاكم العدل الذي لا يجور في حكمه، فإنه على صراط مستقيم في تصرفه وقضائه وقدره وتدبيره وعطائه ومنعه، وأمره ونهيه، وعقابه وثوابه وجزائه، وشرعه وأسمائه وصفاته، وكل ما يتعلق به فإن ذلك جميعًا يجري على أكمل الوجوه، وهو مطابق لكمال ذاته وصفاته ، ولا يوجد شيء من هذا يخرج عن هذا المعنى، لكونه على صراط مستقيم، وهذا هو المعنى الصحيح في هذه الآية، وهو اختيار ابن جرير –رحمه الله.
وقال بعض أهل العلم في قوله: عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، أي: أن جميع الخلق يرجعون إليه، وأن مصيرهم إليه، فيجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته، فطريقهم إليه، لا يفوتونه كما قال الله -تبارك وتعالى: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ [سورة الفجر:14].
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ. [سورة هود:57-60].
يقول لهم هود : فَإِنْ تَوَلَّوْا عما جئتكم به من عبادة الله ربكم وحده لا شريك له، فقد قامت عليكم الحجة بإبلاغي إياكم رسالة الله التي بعثني بها، وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ يعبدونه وحده لا يشركون به، ولا يبالي بكم فإنكم لا تضرونه بكفركم، بل يعود وبال ذلك عليكم، إِنَّ رَبِّي عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ أي: شاهد وحافظ لأقوال عباده وأفعالهم، ويجزيهم عليها إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر.
وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا وهو الريح العقيم، فأهلكم الله عن آخرهم، ونجى هودًا وأتباعه من عذاب غليظ برحمته تعالى ولطفه، وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ كفروا بها وعصوا رسل الله، وذلك أن من كفر بنبي فقد كفر بجميع الأنبياء؛ لأنه لا فرق بين أحد منهم في وجوب الإيمان به، فعادٌ كفروا بهود فنزّل كفرهم منزلة من كفر بجميع الرسل، وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ تركوا اتباع رسولهم الرشيد، واتبعوا أمر كل جبار عنيد؛ فلهذا أتبعوا في الدنيا لعنة من الله ومن عباده المؤمنين كلما ذكروا، وينادى عليهم يوم القيامة على رءوس الأشهاد أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُواْ رَبَّهُمْ الآية.
قوله: وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ [سورة هود:59] الآيات المذكورة في هذه الآية هي التي جاءهم بها هود -عليه الصلاة والسلام- وقد قالوا له: مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ [سورة هود:53].
وقوله: وَعَصَوْا رُسُلَهُ، أي: عصوا هودًا ومعلوم أن من عصى رسولًا فقد عصى جميع الرسل –عليهم الصلاة والسلام- ومثل هذه الآية قول الله –تبارك وتعالى: كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ [سورة الشعراء:105] ومعلوم أنه لم يسبق إلى أهل الأرض رسول قبل نوح -عليه الصلاة والسلام- فالذين كذبوا نوحًا ﷺ فقد كذبوا بجميع الأنبياء.
قوله: أَلا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ، أي: بعدًا لهم وهلاكًا.
قوله: وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ [سورة هود:61].
يقول تعالى ولقد أرسلنا إلى ثمود، وهم الذين كانوا يسكنون مدائن الحجر بين تبوك والمدينة، وكانوا بعد عادٍ، فبعث الله منهم أَخَاهُمْ صَالِحًا، فأمرهم بعباده الله وحده؛ ولهذا قال: هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ أي: ابتدأ خلقكم منها، خلق منها أباكم آدم.
وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا أي: جعلكم عمارًا تعمرونها وتستغلونها، فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ لسالف ذنوبكم، ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ فيما تستقبلونه، إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ كما قال تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [سورة البقرة:186] الآية.
قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنصُرُنِي مِنْ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ [سورة هود:62، 63].
يذكر تعالى ما كان من الكلام بين صالح وبين قومه، وما كان من الجهل والعناد في قولهم: قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أي: كنا نرجوك في عقلك قبل أن تقول ما قلت، أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا.
قوله: قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا، أي: كنا نرجو رأيك وعقلك وأن تكون فينا سيدًا كبيرًا عظيمًا؛ لما نرى فيك من النجابة وحسن النظر ثم أتيتنا بهذه الدعوة، ويحتمل أنهم قالوا ذلك استهزاء بصالح –.
وقال بعض أهل العلم في قوله: قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا: أي: مُبعَدًا، من أرجاه، أي أخره، وهذا أضعف من القول الذي قبله، وقال بعضهم: معناه نرجو أن ترجع عما أنت فيه من عيب آلهتنا ومعبوداتنا، ثم بعد ذلك جئتنا تقول: إنك نبي، والمعنى الأول هو الأرجح، والله أعلم.
الريب: هو شك مع قلق، ويمكن أن يكون بمعنى شك مريب، أي: يكون سببًا للريب.
قوله: فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ أي: تخسير لي إن أطعتكم، فأخسر رضا الله -تبارك وتعالى- والدار الآخرة كما قال الله : وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ [سورة الأنعام:116]، وقال ابن جرير –رحمه الله: إن قوله: فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ أي: حينما تدعوني إلى ما تدعوني إليه، وتذكرون ما تذكرون بمجادلتكم هذه ما تزيدونني غير تخسير في حقكم، فيظهر بذلك ضعف عقولكم، وسوء نظركم، وإدراككم، وما أنتم عليه من التعصب للباطل، واتباع الظن، والإعراض عن الحق مع وضوح دلائله، فليس لكم برهان فيما أنتم عليه، ولا تستحق مقالتكم أن تسمع.
قوله: وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْدًا لِثَمُودَ. [سورة هود:64-67].
تقدم الكلام على هذه القصة مستوفىً في سورة الأعراف بما أغنى عن إعادته هاهنا، وبالله التوفيق.
قوله: وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ وجاء في سورة الأعراف فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ [سورة الأعراف:78]، ولا منافاة بين الآيتين، فيمكن أن يكون قد صاح بهم الملَك صيحة انخلعت لها قلوبهم فرجفت بهم الأرض فهلكوا وماتوا، عن آخرهم.
قوله: فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ، الجاثم: هو الساقط على وجهه على الأرض، أي: أنهم أصبحوا هلكى موتى قد سقطوا على وجوههم.