بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المفسر -رحمه الله- في تفسير قوله تعالى:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فقوله -تبارك وتعالى: وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا، مدين هم قبيلة من العرب، قيل: سميت بذلك نسبة إلى أبيهم مدين بن إبراهيم، وقيل: نسبة إلى مدينتهم التي يقال لها مدين، والله أعلم.
وقوله: يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ، كل الأنبياء –عليهم الصلاة والسلام- أول ما يدعون أقوامهم إلى التوحيد، إلا أن لوطاً ﷺ في جميع المواضع التي وردت في القرآن لم يأت عنه أنه خاطبهم كخطاب الأنبياء، بل قال لهم: أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ [80سورة الأعراف:]، وقد فهم من هذا الخطاب بعض أهل العلم أن قوم لوط لم يكن عندهم إشراك كما عند الأمم الأخرى المكذِّبة، وهذا ليس بلازم، ونهيهم عن الفاحشة؛ لأنهم أول من ابتكرها ولا شك أنهم كفار، فقد كذبوا نبيهم واستهزءوا به، وسخروا منه وممن آمن معه غاية السخرية، وقالوا: أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ [82سورة الأعراف:].
وأما شعيب -عليه الصلاة والسلام- فبعد أن دعا قومه إلى التوحيد، قال لهم: وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ [سورة هود:84]، أي: في معيشتكم ورزقكم.
قوله: إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ [سورة هود:84] أي: إني أخاف أن يُسلب ما أنتم فيه بانتهاككم محارم الله، وبعضهم فسر الخير برخص الأسعار، وبعضهم فسره بزينة الحياة الدنيا والغنى الذي هم فيه، وهذه المعاني لا منافاة بينها، فكانوا في حالة متعة في الأمور الدنيوية، لم يكن بهم قحط ولا جوع، وهذا الفعل القبيح منهم يؤدي إلى سلبهم هذه النعمة، وفساد الحال، وتحول الأمور عنهم، وقد قال ناهياً عن نقصان الميزان: وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً [سورة الإسراء:35]، وقال: وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ [سورة المطففين:1-4].
قوله: وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ بَقِيَّةُ اللّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ [سورة هود:85، 86].
ينهاهم أولاً عن نقص المكيال والميزان إذا أعطوا الناس، ثم أمرهم بوفاء الكيل والوزن بالقسط آخذين ومعطين، ونهاهم عن العُثُوّ في الأرض بالفساد.
قوله: وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ [سورة هود:85] أي: لا تبخسوا الناس حقوقهم ووفوا لهم إذا كلتم في المكيال وإذا وزنتم في الوزن، ويدخل في عموم الآية العدل مع الناس في كل شيء، فكما أن البخس يحرم في المكاييل والموازين كذلك يحرم في التطفيف والبخس في حقوق الناس المعنوية، كالذي ينتقص الناس ويهضمهم حقوقهم، ويظلمهم، وقد قال الله : وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [سورة المائدة:8].
وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ [سورة هود:85] يشمل العُثُوُّ ما يقع من الإفساد والعبث وإلحاق الضرر بالناس في الممتلكات الخاصة أو العامة.
وقال أبو جعفر بن جرير: بَقِيَّةُ اللّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ [سورة هود:86] أي: ما يفضل لكم من الربح بعد وفاء الكيل والميزان خير لكم من أخذ أموال الناس. قال: وقد روي هذا عن ابن عباس -ا.
قلت: ويشبه قوله تعالى: قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ [سورة المائدة:100].
وقوله: وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ [سورة هود:86] أي: برقيب ولا حفيظ، أي: افعلوا ذلك لله لا تفعلوه ليراكم الناس، بل لله .
قول ابن كثير –رحمه الله- "أي: ما يفضل لكم من الربح بعد وفاء الكيل والميزان خير لكم من أخذ أموال الناس" هو من أحسن ما فسر به قول الله –تبارك وتعالى: بَقِيَّةُ اللّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ، وقال بعضهم: بَقِيَّةُ اللّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ، أي: الدِين، وقال بعضهم: أي: وصيته خير لكم، وقال بعضهم: مراقبته خير لكم.
قوله: أَصَلاَتُكَ، وفي القراءة الأخرى المتواترة: أَصَلَوَاتُكَ، والقراءتان بمعنىً واحد، فالصلوات جمع، والصلاة مفرد لكنها أضيفت إلى معرفة وكاف الخطاب، وهذا بمعنى الجمع، وفسر بعض السلف قوله: أَصَلاَتُكَ، أي: قراءتك، وقال بعضهم: أي: دينك.
"أو" حرف عطف بمعنى الواو، والمعنى: وتأمرك أن نفعل في أموالنا ما نشاء من الأخذ والتصرف والعطاء، والتطفيف والبخس، فليس لأحد سلطان علينا في ذلك.
قال الحسن في قوله: أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا: إي والله، إن صلاته لتأمرهم أن يتركوا ما كان يعبد آباؤهم.
وقال الثوري في قوله: أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء: يعنون الزكاة.
قد يؤخذ من هذه الآية أن الزكاة واجبة على الأمم السابقة، ويدل على ذلك قول الله –تبارك وتعالى: وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا [سورة مريم:55].
قوله: إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ يقول الكفار ذلك على سبيل الاستهزاء، وقال بعضهم: خاطبوه بذلك باعتبار نظره واعتقاده، ومنه قول الله –تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ، وقال بعضهم: إنهم كانوا يعتقدون حقيقة أنه حليم ورشيد، والأقرب -والله أعلم- أنهم قالوا له ذلك على سبيل الاستهزاء والسخرية.
في قوله –تبارك وتعالى: يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي [سورة هود:88] جواب الشرط محذوف، ويمكن أن يقدر بـ "أتقولون فيّ ما تقولون؟ أو أأترك دعوتكم وأمركم ونهيكم؟ " ومثل هذا يفهم من السياق، والعرب تحذف من الكلام ما يمكن الاستغناء عنه ثقة بفهم المخاطب.
النبوة والعلم والرزق الحلال كلها من الرزق الحسن، واختار ابن جرير –رحمه الله- أن الرزق الحسن هو الرزق الحلال.
وقال الثوري: وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ أي: لا أنهاكم عن الشيء وأخالف أنا في السر فأفعله خفية عنكم.
كما قال قتادة في قوله: وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ يقول: لم أكن أنهاكم عن أمر وأرتكبه.
هذه الآية كقوله –تبارك وتعالى: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ [سورة البقرة:44]، وقد قال النبي ﷺ: يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى، فيجتمع إليه أهل النار، فيقولون: يا فلان مالك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول بلى قد كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه[1]
لا تنهَ عن خلقٍ وتأتيَ مثلَه | عارٌ عليك إذا فعلتَ عظيمُ |
ابدأ بنفسك فانهها عن غيِّها | فإذا انتهتْ عنه فأنت حكيمُ |
إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ أي: في ما آمركم وأنهاكم إنما أريد إصلاحكم جهدي وطاقتي.
وَمَا تَوْفِيقِي أي: في إصابة الحق فيما أريده، إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ في جميع أموري، وَإِلَيْهِ أُنِيبُ أي: أرجع، قاله مجاهد وغيره.
وَيَا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ [سورة هود:89، 90].
يقول لهم: وَيَا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أي: لا تحملنكم عداوتي وبغضي على الإصرار على ما أنتم عليه من الكفر والفساد، فيصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح، وقوم هود، وقوم صالح، وقوم لوط من النقمة والعذاب.
وقال قتادة: وَيَا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي يقول: لا يحملنكم فراقي، وقال السدي: عداوتي، على أن تمادوا في الضلال والكفر فيصيبكم من العذاب ما أصابهم.
قوله: لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي، أي: لا تحملكم عداوتي على الإعراض والكفر والتكذيب فيقع بكم، وينزل بكم العذاب الذي نزل بغيركم.
وقوله: وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ قيل: المراد في الزمان، قال قتادة: يعني إنما هلكوا بين أيديكم بالأمس، وقيل: في المكان، ويحتمل الأمران.
وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ من سالف الذنوب، ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ في ما تستقبلونه من الأعمال السيئة، وقوله: إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ لمن تاب.
الود بمعنى المحبة، والودود بمعنى المحب، فالله -تبارك وتعالى- يحب أهل الإيمان والتقوى، كما قال الله : فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [سورة المائدة:54]، وكما قال النبي ﷺ: لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله[2].
حُسْن المحاورة والبيان والمجاوبة من شعيب كان سبباً لإطلاق خطيب الأنبياء عليه، وورد هذا في بعض الآثار[3].
الرهط: من الثلاثة إلى العشرة، أي: أن رهطه كانوا قلة، فلم يكن قوياً ممنعاً في قومه، وليس له قبيلة كبيرة وجماعة أقوياء كُثْر يحمونه، وقد قال قومه: تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ [سورة النمل:49]، وقوله: لَرَجَمْنَاكَ قيل: بالحجارة، وقيل: لسببناك، وقيل: لقتلناك.
وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ أي: ليس عندنا لك معزة، قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ يقول: أتتركوني لأجل قومي، ولا تتركوني إعظاماً لجناب الرب -تبارك وتعالى- أن تنالوا نبيه بمساءة، وقد اتخذتم جانب الله وراءكم ظهرياً، أن نبذتموه خلفكم لا تطيعونه ولا تعظمونه.
إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ أي: هو يعلم جميع أعمالكم وسيجزيكم بها.
قوله: وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتْ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ. [سورة هود:93-95]، لما يئس نبي الله شعيب من استجابتهم له، قال: يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ أي: طريقتكم، وهذا تهديد شديد، إِنِّي عَامِلٌ على طريقتي، سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ أي: مني ومنكم، وَارْتَقِبُوا أي: انتظروا، إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ.
قال الله تعالى: وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتْ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ، وقوله: جَاثِمِينَ أي: هامدين لا حراك بهم، وذكر هاهنا أنه أتتهم صيحة، وفي الأعراف رجفة، وفي الشعراء عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ [سورة الشعراء:189]، وهم أمة واحدة اجتمع عليهم يوم عذابهم هذه النقم كلها، وإنما ذكر في كل سياق ما يناسبه، ففي الأعراف لما قالوا: لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا [سورة الأعراف:88] ناسب أن يذكر الرجفة، فرجفت بهم الأرض التي ظلموا بها، وأرادوا إخراج نبيهم منها، وهاهنا لما أساءوا الأدب في مقالتهم على نبيهم ذكر الصحية التي استلبثتهم وأخمدتهم، وفي الشعراء لما قالوا: فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِّنَ السَّمَاء إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ [سورة الشعراء:187]، قال: فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ [سورة الشعراء:189]، وهذا من الأسرار الدقيقة ولله الحمد والمنة كثيراً دائماً.
وقوله: كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا أي: يعيشوا في دارهم قبل ذلك، أَلاَ بُعْدًا لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ وكانوا جيرانهم قريباً منهم في الدار، وشبيهاً بهم في الكفر وقطع الطريق، وكانوا عرباً مثلهم.
قوله -تبارك وتعالى: اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ، أي: طريقتكم، أو اعملوا على غاية تمكنكم، ونهاية استطاعتكم.
وسبق في سورة الأعراف أن أصحاب مدين هم أصحاب الأيكة، وأنهم طائفة واحدة ولم يُبعث إلى قومين، وهذه العقوبات وقعت لهم مجتمعة.
وقوله: كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا أي: كأن لم يقيموا فيها.
(مسألة)
الأخوّة في قوله -تبارك وتعالى: وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا [سورة هود:84] أخوة باعتبار القبيلة والنسب، فقد تكون الأخوة باعتبار النسب أو القبيلة، أو باعتبار الشبه في العمل، أو باعتبار الاجتماع في البلد الواحد، أو باعتبار الدين، فإذا كان باعتبار الدين فالمسلم ليس بأخٍ للكافر، قال -تبارك وتعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [سورة الحجرات:10]، وأما بالاعتبارات الأخرى فيمكن أن يقال: أخ.
- رواه مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب عقوبة من يأمر بالمعروف ولا يفعله وينهى عن المنكر ويفعله (4 /2290) (2989).
- رواه البخاري، كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب علي بن أبي طالب (3/1357)، برقم (3498).
- عن محمد بن إسحاق قال: وشعيب بن ميكائيل النبي ﷺ بعثه الله نبيا فكان من خبره وخبر قومه ما ذكر الله في القرآن، وكان رسول الله ﷺ إذا ذكره قال: ذاك خطيب الأنبياء لمراجعته قومه. رواه الحاكم في المستدرك (2 / 620) (4071)