الثلاثاء 17 / جمادى الأولى / 1446 - 19 / نوفمبر 2024
[115] من قوله تعالى: {لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ} الآية 272 إلى قوله تعالى: {وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} الآية 274.
تاريخ النشر: ١٦ / ربيع الأوّل / ١٤٢٦
التحميل: 4416
مرات الإستماع: 2577

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال المفسر -رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى:

لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ ۝ لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ ۝ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ [سورة البقرة:272-274] 

قال أبو عبد الرحمن النسائي: عن ابن عباس -ا- قال: كانوا يكرهون أن يرضخوا لأنسابهم من المشركين فسألوا فرخص لهم، فنزلت هذه الآية: لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فالمراد من الآية وأثر ابن عباس أن الصحابة –رضوان الله عليهم- كانوا يكرهون أن يجعلوا شيئاً من وصاياهم لقرابتهم من المشركين، فبيّن الله أن ما يخرجونه من الصدقات على قرابتهم من الكفار قربة لله سيجدون جزاءها عند ربهم لا يضيع منه شيء، فلا يمنعهم شركهم بالله من الإحسان إليهم والتصدق عليهم فإن كفرهم ليس بمانع لكم من الصدقة، وهذا الخطاب في الآية يستثنى منه الزكاة؛ فإنها لا تعطى للمشرك إلا إذا كان من المؤلفة قلوبهم، والله أعلم.

وقوله: وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ كقوله: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ [سورة فصلت:46] ونظائرها في القرآن كثيرة، وقوله: وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّهِ قال الحسن البصري: نفقة المؤمن لنفسه، ولا ينفق المؤمن إذا أنفق إلا ابتغاء وجه الله، وقال عطاء الخرساني: يعني إذا أعطيت لوجه الله فلا عليك ما كان عمله، وهذا معنىً حسن، وحاصله أن المتصدق إذا تصدق ابتغاء وجه الله فقد وقع أجره على الله، ولا عليه في نفس الأمر لمن أصاب، ألِبرٍّ أو فاجرٍ أو مستحق أو غيره، وهو مثاب على قصده.

أراد الله سبحانه أن يذكّر المتحرجين من دفع صدقاتهم لقرابتهم من المشركين لسبب أو لآخر بثلاثة أمور:

الأول: أن ما يقدمه الإنسان لنفسه من صدقة وبر إنما ذلك قربة يتقرب بها العبد إلى ربه فلا يخاف ولا يخشى، وذلك قوله سبحانه: وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ.

الثاني: أن العمل لا بد في قبوله من شرط الإخلاص فيه وهو قوله سبحانه: وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّهِ والمعنى: بما أنك تريد وجه الله فلا عليك ما عمل هذا الإنسان وحاله، وبعض أهل العلم يقول: هذه الآية وردت على سبيل الإخبار عن أصحاب النبي ﷺ بأنهم يحققون الإخلاص في نفقاتهم فهي بمقام التزكية، وقيل: هذه الآية بمعنى الشرط فهي تدل على اشتراط الإخلاص لله ، كأنه يقول لهم: لا تنفقوا إلا ابتغاء وجه الله، والذي يظهر أنها تبيّن لهم معنى يدفع عنهم ذلك الاستشكال والتوقف، يقول لهم: أنتم إنما تريدون بذلك وجه الله فلا عليكم ما يكون عليه عمل هذا الإنسان الذي يُتصدَّق عليه.

الثالث: أن أي نفقة عائد نفعها على صاحبها، وسيوفيه الله أجره غير منقوص فيه، وسيجد جزاءه يوم يلقونه فلا يتمنع المرء من الإحسان إلى هذه القرابات ما داموا فقراء.

ومستند هذا تمام الآية: وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ 

والحديث المخرج في الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: قال رجل: لأتصدقن الليلة بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية، فأصبح الناس يتحدثون تُصدِّق على زانية، فقال: اللهم لك الحمد على زانية، لأتصدقن الليلة بصدقة، فخرج بصدقتها فوضعها في يد غني، فأصبحوا يتحدثون تُصدِّق على غني، قال: اللهم لك الحمد على غني، لأتصدقن الليلة بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق، فأصبحوا يتحدثون تُصدِّق الليلة على سارق، فقال: اللهم لك الحمد على زانية، وعلى غني وعلى سارق، فأُتي فقيل له: أمّا صدقتك فقد قبلت، وأما الزانية فلعلها أن تستعف بها عن زناها، ولعل الغني يعتبر فينفق مما أعطاه الله، ولعل السارق أن يستعف بها عن سرقته[1].

هذا الرواية في الصدقة على الزانية والغني والسارق تقرر معنى الآية، فلا يمنع حال الإنسان من صلاح وفساد من إيصال البر والإحسان إليه والصدقة عليه ولو خالط العبد الكفر ففي كل كبد رطبة أجر، وكذا إعطاء الصدقة للمستكثر منها، فإنه يعطى ولن يتر الله أجر المتصدق، ولكن ينبغي التلطف في إيصال الصدقة بالطريقة المناسبة لمن علم من حاله أنه يستعين بها في باطل.

وقوله: لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ [سورة البقرة:273] يعني المهاجرين الذين انقطعوا إلى الله وإلى رسوله ﷺ، وسكنوا المدينة، وليس لهم سبب يردون به على أنفسهم ما يغنيهم، ولاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يعني سفراً للتسبب في طلب المعاش، والضرب في الأرض: هو السفر، قال الله تعالى: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ [سورة النساء:101] وقال تعالى: عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [سورة المزمل:20] الآية.

يحتمل أن يرجع قوله سبحانه: لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ إلى ما سبق من الآيات وهو قوله سبحانه: لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ ۝ لِلْفُقَرَاء والمعنى اجعلوا هذه النفقات للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله، فهم أولى الناس بصدقاتكم ونفقاتكم.

ويحتمل أن يكون معنى الآية على تقدير: أنفقوا عليهم، أو غير ذلك مما يمكن أن يقدر هاهنا.

وقوله سبحانه: أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ سبق الكلام على هذه اللفظة "أحصروا" و"حصروا"، فمن أهل العلم من لا يفرق بينهما ويجعل معناهما واحد سواء كان ذلك الإحصار الواقع من جهة العدو، أو حصر نفسه عن التقلب والسعي في الأرض بأن اشتغل بالجهاد وتفرغ له.

وابن جرير -رحمه الله- يجعل هذا اللفظ بصيغة "أحصروا" من جهة اللغة دالاً على معنى محدد، فلا يقال إلا فيمن حصر نفسه بسبب تفرغه لعمل يقوم به، وهؤلاء لما تفرغوا للجهاد شغلوا به عن التجارة والتكسب مما أدى إلى عوزهم وفقرهم.

وقال بعضهم: إنهم مَن حصرهم العدو فلم يستطيعوا السفر للتجارة والتقلب في الأرض؛ لأن العدو يطلبهم ويتربص بهم في كل مكان، فإذا ذهبوا أُخذوا، مما اضطرهم ذلك إلى البقاء في المدينة.

والكلام على ما ورد في لفظة الإحصار مر عند قوله -تبارك وتعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [سورة البقرة:196] وبناء عليه وقع الخلاف في الإحصار في الحج أو العمرة، هل يكون ذلك مختصاً بحصر العدو أو أن جميع صور الحصر داخلة فيه؟ الله أعلم بالصواب.

وقوله: يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ أي: الجاهل بأمرهم وحالهم، يحسبهم أغنياء من تعففهم في لباسهم وحالهم ومقالهم، وفي هذا الحديث المتفق على صحته عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: ليس المسكين بهذا الطواف الذي ترده التمرة والتمرتان، واللقمة واللقمتان، والأكلة والأكلتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غِنىً يغنيه، ولا يُفطن له فيُتصدقَ عليه، ولا يسألُ الناس شيئاً[2]، وقد رواه أحمد من حديث ابن مسعود أيضاً.

فهذا الصنف لا يسألون صراحة ولا يتعرضون للسؤال، لا بالمقال، كأن يقول: أعطني ونحوه...، ولا بالحال كأن يتعرض للناس في طريقهم ويقف أمامهم يفهمهم أنه محتاج.

وقوله: تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ أي: بما يظهر لذوي الألباب من صفاتهم، كما قال تعالى: سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم [سورة الفتح:29]، وقال: وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ [سورة محمد:30].

بمعنى أن المتفرس يعرفهم ويدرك فقرهم وحاجتهم، وذلك يشمل ما ذكره المفسرون في معنى هذه الآية، فصاحب العلة يعرف بما يظهر عليه من ملامح وجهه كصفرة وشحوب وصعوبة في مشيه وحركاته...، والفقير يعرف برذاذة ثيابه ورثاثته ومسكنته....

وقوله: لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا أي: لا يلحون في المسألة، ويكلفون الناس ما لا يحتاجون إليه، فإن من سأل وله ما يغنيه عن السؤال فقد ألحف في المسألة.

الإلحاف: بمعنى الإلحاح، وأصل الكلمة من اللحاف الذي يعطاه الإنسان ليشتمل به في جميع أعضائه، وأبشع صور المسألة وأقبحها الإلحاح في السؤال، ولذلك نفى الله  عن هؤلاء الإلحاف في المسألة، ومقتضى مفهوم المخالفة في الآية أنهم يسألون لكن من غير إلحاف، وهذا يفهم منه معارضة المنطوق السابق وهو قوله: يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ والعفيف إنما سمي بذلك؛ لأنه لا يطلب من الناس شيئاً، ولا يكلم أحداً في حاجته، وإلا لما ظنهم الجاهل أغنياء، وما أطلق عليهم لفظ العفيف.

والجواب عن هذا الإشكال أن يقال: إن الشيء قد يرد نفيه مقيداً والمراد نفيه أصلاً، وذلك أبلغ في النفي، وهنا ذكر صفة في السؤال تستثقلها النفوس وتستقبحها فنفاها، ولم يقصد إثبات مفهوم المخالفة منها، فهذا الصنف لا يسألون لا بإلحاف ولا بغير إلحاف، وهذا التعبير موجود في كلام العرب وفي أشعارهم، إذا أرادوا أن يمدحوا إنسانا نفوا بعض الأوصاف السيئة عن الممدوح، ويقيدونها أحياناً بصورة مباشرة إذا سمعتها النفوس نفرت، فينفيها، والله أعلم.

وروى الإمام أحمد عن أبي سعيد قال: سرحتني أمي إلى رسول الله ﷺ أسأله فأتيته فقعدت، قال: فاستقبلني فقال: من استغنى أغناه الله، ومن استعف أعفه الله، ومن استكفى كفاه الله، ومن سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف[3]، قال: فقلت: ناقتي الياقوتة خير من أوقية، فرجعت فلم أسأله، وهكذا رواه أبو داود والنسائي.

قوله: وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ أي: لا يخفى عليه شيء منه، وسيجزي عليه أوفر الجزاء وأتمه يوم القيامة أحوج ما يكون إليه.

قوله سبحانه: وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ هذا وعد مبطن متضمن للجزاء، والمعنى أن الله سيجازيكم علي نفقاتكم وصدقاتكم، ولن يضيع من أجوركم شيئاً، وقد يتوهم متوهم أن ثمة ترابطاً بين هذه الآية والتي قبلها في المعنى. 

والصواب أن هناك فرقاً بينهما ذلك أن قوله سبحانه: وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ دلالته صريحة يراد به أن جزاءكم تأخذونه وافياً كاملاً من غير نقص ولا بخس من أجوركم شيئاً، فهو صريح الدلالة، وأما قوله سبحانه: وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ فدلالة الآية غير صريحة في الجزاء، إنما هو وعد مبطن يتضمن الجزاء.

وقوله: الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ [سورة البقرة:274] هذا مدح منه تعالى للمنفقين في سبيله وابتغاء مرضاته، في جميع الأوقات من ليل ونهار، والأحوال من سر وجهار.

فحيث وجدتْ الحاجة فهو لا يتوقف ولا يتردد، وهذا أكمل ما يكون في البذل والإحسان والإنفاق، إذا كان في مقام السر قدمها سراً، أو في حال العلانية بادر بها علانية، والمقصود أنه حيث وجدتْ الحاجة فهو سباق إلى ذلك.

حتى إن النفقة على الأهل تدخل في ذلك أيضاً، كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله ﷺ قال لسعد بن أبي وقاص حين عاده مريضاً عام الفتح، وفي رواية عام حجة الوداع: وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا ازددت بها درجة ورفعة، حتى ما تجعل في في امرأتك[4].

وروى الإمام أحمد عن أبي مسعود -، عن النبي ﷺ أنه قال: إن المسلم إذا أنفق على أهله نفقة يحتسبها كانت له صدقة[5]. أخرجاه.

وقوله: فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ أي يوم القيامة على ما فعلوا من الإنفاق في الطاعات، فـ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ تقدم تفسيره.

لما كان المال عزيزاً على النفوس، وهؤلاء قلقون على هذا البذل الذي بذلوه، والعطية التي أعطوها، والنفقات التي أنفقوها، قدم الله المعمول على سواه، وذلك لما قدم الأمر الذي يتوجه إليه الاهتمام بقوله: لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ فأراد الله أن يطمئنهم على مصير هذه النفقات والمآل الذي ينتظرهم.

وقوله سبحانه: لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ

الخوف هو: القلق من أمر مستقبل.

والحزْن هو: القلق بسبب أمر فائت، وقد يستعمل أحدهما في مكان الآخر، فهؤلاء المنفقون أموالهم بالليل والنهار، سراً وعلانية، لا يخافون شيئاً في المستقبل، فالله يؤمنهم من المخاوف، وكذلك أيضاً لا يحزنون على أمر فائت إكراماً من الله لهم جزاء لبذلهم وعطائهم.

والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه وآله وصحبه.

  1. رواه البخاري في كتاب الزكاة – باب إذا تصدق على غني وهو لا يعلم برقم (1355) (2/516)، ومسلم في كتاب الزكاة – باب ثبوت أجر المتصدق وإن وقعت الصدقة في يد غير أهلها برقم (1022) (2/709).
  2. رواه البخاري في كتاب التفسير – باب تفسير سورة البقرة برقم (4265) (4/1651)، ورواه مسلم في كتاب الزكاة – باب المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه ولا يتفطن له فيتصدق عليه برقم (1039) (2/719).
  3. رواه أبو داود برقم (1630) (2/34)، ورواه النسائي برقم (2595) (5/98)، ورواه أحمد في مسنده برقم (11057) (3/9)، وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده قوي.
  4. رواه البخاري في كتاب النفقات – باب فضل النفقة على الأهل برقم (5039) (5/2047)، ومسلم في كتاب الوصية – باب الوصية بالثلث برقم (1628) (3/1250).
  5. رواه البخاري في كتاب النفقات - باب فضل النفقة على الأهل برقم (5036) (5/2047)، ورواه مسلم في كتاب الزكاة – باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج والأولاد والوالدين ولو كانوا مشركين برقم (1022) (2/695)، ورواه أحمد برقم (17123) (4/120).

مواد ذات صلة