الثلاثاء 01 / ذو القعدة / 1446 - 29 / أبريل 2025
فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ ٱلَّذِينَ خَلَوْا۟ مِن قَبْلِهِمْ ۚ قُلْ فَٱنتَظِرُوٓا۟ إِنِّى مَعَكُم مِّنَ ٱلْمُنتَظِرِينَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

قال المفسر - رحمه الله - في تفسير قوله تعالى: قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ ۝ فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ ۝ ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ [سورة يونس:101 – 103].
يرشد تعالى عباده إلى التفكر في آلائه وما خلق الله في السماوات والأرض من الآيات الباهرة لذوي الألباب مما في السماوات من كواكب نيرات، ثوابت وسيارات، والشمس والقمر والليل والنهار واختلافهما، وإيلاج أحدهما في الآخر، حتى يطول هذا ويقصر هذا، ثم يقصر هذا ويطول هذا، وارتفاع السماء واتساعها وحسنها وزينتها، وما أنزل الله منها من مطر فأحيا به الأرض بعد موتها، وأخرج فيها من أفانين الثمار والزروع والأزاهير وصنوف النبات، وما ذرأ فيها من دواب مختلفة الأشكال والألوان والمنافع، وما فيها من جبال وسهول وقفار، وعمران وخراب، وما في الأرض من العجائب والأمواج، وهو مع هذا مسخَّر مذلل للسالكين، يحمل سفنهم ويجري بهم برفق بتسخير القدير لا إله إلا هو ولا رب سواه.
وقوله: وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ أي: وأي شيء تجدي أو تغني الآيات السماوية والأرضية، والرسل بآياتها وحججها وبراهينها الدالة على صدقها عن قوم لا يؤمنون؟، كقوله: إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ [سورة يونس:96] الآية، وقوله: فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ [سورة يونس:102] أي: فهل ينتظر هؤلاء المكذبون لك يا محمد من النقمة والعذاب إلا مثل أيام الله في الذين خلوا من قبلهم من الأمم الماضية المكذبة لرسلهم؟، قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ ۝ ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا [سورة يونس:102-103] أي: ونهلك المكذبين بالرسل، كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ، حقاً أوجبه الله تعالى على نفسه الكريمة كقوله: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ[سورة الأنعام:54].

فقوله - تبارك وتعالى -: وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ يقول الحافظ - رحمه الله -: "وأي شيء تجدى أو تغني الآيات السماوية والأرضية والرسل بآياتها وحججها وبراهينها؟"، ففسر الآيات بالآيات السماوية والأرضية التي تدل على وحدانية الله وقدرته، وكذلك الآيات التي جاءت على أيدي الرسل من المعجزات والبراهين الدالة على صدقهم، وصحة ما جاءوا به، وأما النُّذر ففسره بالرسل، وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ قال: "والرسل بآياتها وحججها" لعل الحافظ - رحمه الله - لاحظ فيه معنىً آخر للنذر، أنه جمع نذارة فيكون النذر جمع نذير، أي الرسل، ويحتمل أن يكون النذر من النذارة يعني ما يحصل به الإنذار، وهذا يحصل بأمور كثيرة من الآيات التي فيها الوعيد، ويحصل ذلك بما يرونه ويشاهدونه، مما ينذرهم ويخوفهم بأس الله - تبارك وتعالى -، والقرآن يعبر به بالألفاظ القليلة الدالة على المعاني الكثيرة، فكل ما يصدق عليه ذلك فإن هذا لا يغني عن قوم لا يؤمنون، والمقصود بالقوم الذين لا يؤمنون: الذين طبع الله على قلوبهم وكتب عليها الكفر، فمهما جاءهم من الآيات والبراهين فإنهم لا ينتفعون به وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ [سورة يوسف:105]، وقوله: فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ [سورة يونس:102] يعني ما وقع لهم من المَثُلات والعقوبات.