بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
حديثنا كما سمعتم بعنوان: (ما ذئبان جائعان)، وهذا العنوان مأخوذ من حديث ثابت صحيح عن رسول الله ﷺ يتحدث فيه عن أثر طلب الشرف، والحرص على المال على دين الإنسان.
وسيكون الحديث متوجهًا في هذا المجلس عن جزء مما تعلق به هذا الحديث، وهو الكلام عن طلب الشرف وحب المحمدة، وطلب الرئاسة في قلوب الخلق، وهذا الحديث كنت جمعت مادته عن ما يزيد على خمسة عشر سنة، ولكني ما طرحته قبل ذلك، ذكرت طرف منه في الكلام على باب ما جاء في الرياء بشرح كتاب التوحيد للإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- سنة: 1414هـ، وذكرت طرفًا من ذلك في الكلام على الإخلاص في أول الأعمال القلبية، وكان الحديث عن هذا متجهًا حيث يكون جزءًا من الحديث عن الإخلاص، ولكني في كل يوم أرى أن الحاجة ملحة لطرق هذا الموضوع، وأن نفوسنا جميعًا بحاجة إلى معالجة، والدواء في الغالب يكون مر المذاق، ولكن لابد من تجرعه من أجل أن يحصل الشفاء بإذن الله .
فالحاجة ماسة إلى طرق هذا الجانب في الوقت الذي صارت فيه الفضائيات تتسابق على إبراز نماذج يمكن أن توجه المجتمع ولم تتأهل، نحن بحاجة إلى طرق هذه القضايا في وقت لربما يجد كل أحد فيه الوسيلة التي يستطيع أن يصعد فيها ويترأس، وينتشر قوله في الآفاق عن طريق الوسائط، والوسائل الحديثة، فيكتب ثم يكتب، ثم يكتب، وقد ترى في هذه الكتابات، أو في تلك اللقاءات، أو في تلك البرامج، أو الأطروحات ترى فيها العجائب والغرائب مما يتسبب عنه ضرر كبير على نفس الإنسان المتحدث، وأيضًا على السامعين لاسيما أن القضية في الغالب تتعلق بالدين، فلابد من حمايته وحراسته، وأن يحتاط له ما لا يحتاط لغيره.
حديثنا هو رسالة نوجهها إلى من ابتلي، وكل أحد أدرى بحاله، وما يعانيه من الأوضار والأدواء، فيلتفت إلى نفسه التفاتة يقومها به ويصلحها، فهذا الحديث متوجه إلى كل مشمر في سبيل نفسه لا في سبيل الله ، وإلى كل مندفع يطلب الرفعة والمنزلة في قلوب الخلق ولو على حساب الدين، هذا الحديث نوجهه إلى كل عليل القلب والفؤاد ممن يصارع ويعارك وينافس من أجل حظوظ النفس.
وليس هذا الحديث يتوجه إلى أولئك الأبرار الأخيار الذين أرادوا ما عند الله عز وجل في علمهم وعملهم وتعليمهم ودعوتهم، وبذلهم وإنفاقهم، ونصحهم ووعظهم، فهذا كله من العمل الصالح الذي يحبه الله ورسوله، وهم يؤجرون على ذلك، والله يرفعهم درجات، ويجزيهم خير الجزاء، فهؤلاء ينبغي أن يؤيدوا، وأن تقوى عزائمهم، وأن يشد على أيديهم، وأن نعينهم كل مستطاع.
إن الطريقة الصحيحة في تلقي مثل هذا الموضوع هي أن يرجع الإنسان إلى نفسه فإن وجد فيها ميلًا إلى شيء من هذه الحظوظ والشهوات الخفية أن يصلحها وأن يعالجها، والخطأ كل الخطأ هو أن يتخلى الإنسان عن عمله أو عن دعوته، أو عن تعليمه، أو عن رسالته بحجة أنه يخشى على نفسه من هذه الأدواء، فهذا غير مراد، ولا ينبغي لأحد أن يترخص بترك العمل الذي أمر الله به ورسوله ﷺ بهذه الحجج، لكن المطلوب والأخذ الصحيح لمثل هذه القضايا هو أن يجاهد الإنسان نفسه، وأن يعالج نيته وقصده وقلبه، فيقوم ذلك جميعًا على أمر الله جل جلاله، هذا هو المأخذ الصحيح، فينبغي أن لا نقع في الاتجاه المعوج فإن كراهية الشهرة والرئاسة لا تعني ترك العمل.
إن النماذج التي سنذكرها عن السلف الصالح حينما يجانبون ويجافون مثل هذه المطالب التي تتوجه إليها النفوس الحقيرة إنهم لم يتركوا العمل إطلاقًا، بل كانوا أئمة في العلم والعمل؛ ولهذا صاروا شموسًا في العالمين، ولو أنهم تركوا العمل لما صاروا وبلغوا تلك المراتب العالية وصار الناس يترضون عنهم إلى قيام الساعة، لكنهم قرنوا العلم بالعمل، والدعوة إلى الله عز وجل، وتعليم الناس الخير حتى بلغنا هذ الدين، فنحن نعمل ونعلم وندعو ونجد ونجتهد لاسيما في هذا الزمان الذي يحتاج الناس فيه إلى القيام بألوان الوظائف الشرعية التي يحتاج إليها الناس من التعليم، والدعوة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والتأليف، إلى غير ذلك، هذه الأمور لابد من وجودها، ولابد من وجود من يخرج في القنوات الفضائية غير المشبوهة؛ ليعلم دين الله ، لكن ذلك ليس لكل أحد، لابد من وجود من يخطب، ولكن ذلك لا يصلح لكل أحد، لابد من وجود من يفتي، لكن ذلك لا يصلح لكل أحد، وهكذا في سائر الأبواب.
فينبغي أن ندرك هذه الأسس ابتداء، فإذا اتفقنا على هذا يمكن أن نشرع في الحديث عن الموضوع الذي ينتظم سبع قضايا:
فأول ما نذكر فيه هو: ما يتعلق بأقسام طلب الشرف؛ وأقصد بالشرف: طلب الرفعة والمنزلة، والمحمدة في قلوب الخلق، لا طلب ما عند الله .
والثاني: في الكلام على قوة تمكن هذا الداء من النفوس.
والثالث: فيما ورد من تحذير السلف من طلب الشهرة والرئاسة، والحرص عليها.
والرابع: في ذكر بعض نماذج السلف الصالح كيف كانوا يتجنبون كل موطن يؤدي بهم إلى هذا البلاء.
والخامس: أذكر فيه بعض المظاهر التي يمكن أن نتحفظ عليها؛ لأنها قد تكون مؤشرًا على أمر غير محمود يمكن أن يوجد في نفس الإنسان.
والسادس: اختبر نفسك.
وأما السابع: فأذكر فيه بعض الوصايا التي أسأل الله أن ينفع بها.
هذا العنوان مأخوذ من قول النبي ﷺ: ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه[1].
الذئب إذا أرسل على غنم، فما ظنكم؟! ومن يعانون هذه الأمور ويعرفونها يدركون أن الذئب يحطمها جميعًا، ولو كان في غاية الشبع، يقتلها جميعًا، ثم يذهب، فكيف إذا كان جائعًا، فماذا سيبقي؟ فكيف إذا وجد معه ذئب آخر؟
ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه، يفسد الدين أعظم من إفساد ذلك الذئب لتلك الغنم، وحرص المرء على المال يوقعه في مهالك ومفاسد، سواء كان ذلك في طرق جمعه وتحصيله أو كان ذلك في تصريفه أو إمساكه وأداء الحقوق التي أوجبها الله في هذا المال؛ إذ النفوس مجبولة على حب المال، وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا [الفجر:20]، وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ [العاديات:8]، أي: المال لَشَدِيدٌ مع شح وافر في النفوس، وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر:9]، فأضاف الشح إلى النفوس؛ لشدة تمكنه منها، فهو راسخ متغلغل في أعماق النفس، ولكن حرص المرء على الشرف أخطر من حرصه على المال، فإن طلب شرف الدنيا والرفعة فيها والرياسة على الناس، والعلو في الأرض يفتك بدين الإنسان فتكًا، والزهد فيه أعظم وأصعب من الزهد في المال، النفس يمكن أن تفطم عن كثير من شهواتها، ويمكن أن يزهد الإنسان بالمال، ويسكن في مكان خرب، ويلبس رث الثياب، ولكن الأسد رابض في نفسه فيثب على فريسته أعظم من وثوب الأسد الحيواني على فريسته؛ وذلك أن من طبيعة النفس أنها قد تتسرب من مداخل خفية ومخارج لا يشعر بها الإنسان، فإذا فطمها عن شهواتها وحظوظها تسربت من المخارج الخلفية حيث تطلب الرفعة في قلوب الناس، والمحمدة والمنزلة، وصاحبها قد لا يشعر بذلك فيمرض قلبه بأفتك الأمراض، وهو يظن أنه قد جانب الأوضار والرزايا والذنوب والمعاصي، وتنزه عنها وباعدها.
المال يبذله الناس من أجل تحصيل حظوظ النفس، من أجل أن يسود الإنسان يبذل ماله، والشاعر يقول:
لَولا المَشَقَّةُ سادَ الناسُ كُلُّهُمُ | الجودُ يُفقِرُ وَالإِقدامُ قَتّالُ[2] |
وهذا الكلام من هذا الشاعر ليس بصحيح، ولكنه هكذا قال، والمقصود مما يتعلق بهذا البيت أن الناس يبذلون الأموال من أجل تحصيل السؤدد، والشرف، والرفعة، والرياسة، والمحمدة في قلوب الخلق، قد يبذل مئات الملايين؛ ليحصل أمرًا معنويًا، المال محبوب إلى النفوس، فإذا جادت بها النفس بدأت النفس تتسلل إلى المخارج التي أشرت إليها؛ ليعوض ما فقده من المال بمحمدة يشتريها بدفع الأموال، وقل مثل ذلك في الجهود التي يبذلها الإنسان ببدنه، أو ما يصدر عنه من مقال أو كتابةٍ، أو غير ذلك.
وقد قال شيخ المالكية في وقته سعيد بن محمد الحداد -رحمه الله: "ما صد عن الله مثل طلب المحامد، وطلب الرفعة"[3]، ولهذا يقول سفيان الثوري -رحمه الله: "السلامة في أن لا تحب أن تعرف"[4].
والمقصود أن الحرص على طلب الشرف ينقسم إلى قسمين:
الأول: أن يطلب الشرف والرفعة عن طريق المال، أو عن طريق السلطة، يريد أن يترأس، أن يكون مديرًا، أن يكون مطاعًا بشيء من الولايات التي يتولاها ليؤمر وينهى، فمن الناس من يطلب الشرف بهذه القضايا.
والله يقول: تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [القصص:83].
يقول ابن كثير -رحمه الله: "أي: ترفعًا على خلق الله، وتعاظمًا عليهم وتجبرًا بهم، ولا فسادًا فيهم"[5].
وفي هذا المعنى يقول يزيد بن عبد الله بن موهب، وكان من القضاة العادلين: "من خاف الدوائر لم يعدل، ومن أحب كثرة المال والشرف لم يعدل"[6].
وكلنا نعرف الحديث الذي يرويه أبو هريرة عن النبي ﷺ: إنكم ستحرصون على الإمارة، وستكون ندامة يوم القيامة، فنعمت المرضعة، وبئست الفاطمة[7].
وفي حديث أبي موسى حينما قال رجلان للنبي ﷺ: أمّرنا! قال: إنا لا نولي هذا من سأله، ولا من حرص عليه[8].
فإذا كان الإنسان يطلب الأمور من أجل الرفعة من أجل أن يكون أمره نافذًا فيهم، من أجل أن يتعاظم، ومن أجل أن يتذللوا له، ويخضعوا له ويفتقروا إليه في حوائجهم، فهذا مزاحم لله في ربوبيته؛ لأن الفقر إنما يتوجه به إلى الله ، ولربما عمد هؤلاء المرضى إلى أن يضطر الناس إلى هذا الافتقار، فيحصل لهم من الأذى بسببه ما يحملهم على رجائه والخضوع له، والله يقول: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ [الأنعام:42]، أي: من أجل أن يتضرعوا، فالضراعة تكون إلى الله .
القسم الثاني: وهو ذلك الإنسان الذي يطلب الرفعة في الدنيا، والمحمدة في قلوب الخلق، والعلو على الناس بالأمور الدينية، وهذا أسوء من الأول، ذاك يطلبه بالمال، أو بنوع ولاية، وهذا يطلبه بالدين، بالعلم بالزهد بالتقشف، فهذا أفحش من الأول، وفساده أعظم وأخطر، فإن العلم والعمل والزهد، إنما يطلب ذلك جميعًا رجاء ما عند الله ، لا يطلب لشيء من الدنيا، ولهذا يقول الثوري -رحمه الله: "إنما يطلب العلم ليتقى الله به، فمن ثم فُضّل، فلولا ذلك لكان كسائر الأشياء[9].
العلم الشرعي فإذا طلب بشيء من هذا الدين وما يتعلق به طلب به عرض الدنيا فهذا أيضًا إما يطلب به المال وهذا نوع من الحرص على المال، وهو المشار أيضًا إليه بالحديث فهو طلب له بأسباب محرمة، يطلب الدنيا بالدين، نسأل الله العافية.
وفي هذا يقول النبي ﷺ في الحديث المشهور: من تعلم علمًا مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضًا من الدنيا، لم يجد عرف الجنة يوم القيامة[10]، يعني: ريحها.
النوع الثاني: من يطلب بالعلم والعمل والزهد، يطلب الرئاسة على الخلق، والتعاظم عليهم، وأن ينقاد الخلق له، أن يظهر للناس زيادة علمه وتقواه، وورعه من أجل أن يعظموه، ويحمدوه فهذا متوعد بالنار، قد استعمل آلة الآخرة في هذا المطلب الدنيء الوضيع المهين، فهو أشد من ذلك الإنسان الذي استعمل آلة الدنيا لطلب رفعة ونحو ذلك، آلة الدنيا المال، أو الولاية، هذا استعمل دينه من أجل أن يحصل على عرض من الدنيا دنيء، والنبي ﷺ يقول: من طلب العلم ليماري فيه السفهاء، أو ليباهي به العلماء، أو ليصرف وجوه الناس إليه فهو في النار[11].
وفي الحديث الآخر: لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء، ولا لتماروا به السفهاء، ولا تخيروا به المجالس، فمن فعل ذلك فالنار، النار[12]، نسأل الله العافية.
وفي الحديث الآخر المشهور حديث أبي هريرة في صحيح مسلم: إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه ثلاثة، وذكر منهم: العالم الذي قرأ القرآن ليقال: قارئ، وتعلم العلم ليقال: عالم، فيقال له: قد قيل، فيأمر به فيسحب على وجهه حتى يلقى في النار[13].
وذكر مثل هذا في المتصدق ليقال جواد! وفي المجاهد ليقال شجاع!.
ثم إن طلب الشرف والحرص عليه يستلزم أن يرخص الإنسان دينه قبل أن يحصله، يبذل الدين من أجل أن يترفع، فليس له وجهًا واحد بل وجوه، فيفتي لكل أحد بما يحب، كل ذلك من أجل أن يجد الحظوة، ثم إذا حصل له ذلك لا تسأل عما يحصل له من الآفات من التكبر، والتعاظم، ورد الحق واحتقار الناس، فيتجمل بهذا الذي حصله، فلا ينتفع بعلم، ولا ينتفع بعمل، ولا تدخل إلى قلبه موعظة، وإنما يكون همه ما يثبت له ذلك ويزيده، فتجد مثل هذا يحرص على مجالسة أهل الثراء، وأهل الدنيا، ويكون هؤلاء هم الذين يحتفون به ويؤثرهم، ويؤثر مجالسهم على من سواهم؛ لأنه من أهل الدنيا.
ولا تسأل عن محاكاته لهم في مركبه ومسكنه ومأكله ومشربه، وفي أحواله كلها، ومن ثم يكون قلبه وهمه متوجهًا إلى مراعاة المخلوقين؛ لأنه إنما يطلب ما عندهم، فهو لا يزال في أقواله وأفعاله ملتفتًا إلى ما يعظم منزلته في القلوب والنفوس، وهذا أصل الفساد، وأس الشر، وهو مكمن الداء؛ لأن كل من طلب ذلك في قلوب الناس لابد له من أن ينافقهم، وأن يجاريهم، وأن يرائيهم في أعماله وعباداته، وهو متجرئ على حدود الله ، يرتكب المحظورات، ويفعل الموبقات من أجل أن يقتنص القلوب.
ثانيًا: في الإشارة إلى تمكن هذا الداء من النفوس، يقول الإمام الزهري -رحمه الله: "ما رأينا الزهد في شيء أقل منه في الرياسة"[14].
وليس المقصود بالرئاسة أن يكون رئيسًا يدير مجموعة من الناس، لا ليس ذلك بلازم، وإنما أن يكون هذا الإنسان معظمًا يخضع له الناس.
يقول: "نرى الرجل يزهد في المطعم والمشرب والمال، فإذا نوزع الرياسة حامى عليها وعادى"[15].
وفي هذا المعنى يقول يوسف بن أسباط -رحمه الله: "لا يمحو الشهوات إلا خوف مزعج -يعني من الله- أو شوق مقلق -يعني إليه والدار الآخرة- ثم قال: الزهد في الرئاسة أشد منه في الدنيا"[16].
هذا كلام من خبروا هذه الأمور وعرفوها من أئمة الهدى والسلف الصالح ؛ ولهذا كثر تحذير السلف من هذه البلية.
وهو الأمر الثالث: هذا إبراهيم بن أدهم -رحمه الله- يقرر هذا المعنى بأجلى عبارة، يقول: "ما صدق الله عبد أحب الشهرة"[17].
ويقول أيوب السختياني: "ما صدق عبدًا قط، فأحب الشهرة"[18].
ويقول بشر بن الحارث: "ما أتقى الله من أحب الشهرة"[19].
ويقول يحيى بن معاذ: "لا يفلح من شممت رائحة الرياسة منه"[20].
ويقول ابن المبارك: "قال لي سفيان الثوري: إياك والشهرة، فما أتيت أحدا إلا وقد نهى عن الشهرة"[21].
وأختم بعبارة بشر بن الحارث -رحم الله الجميع- يقول: "لا يجد حلاوة الآخرة رجلٌ يحب أن يعرفه الناس"[22].
فأين الذين يتهالكون من أجل أن يعرفوا؟ من أجل الأضواء، من أجل النجومية، وللأسف فإن البيئة في كثير من الأحيان تدفع إلى هذا دفعًا منذ أن يكون الإنسان في صغره، منذ نعومة أظفاره، الأم لربما تمشط شعر صغيرها، وهي ترسله إلى المدرسة، وتقول: إن شاء الله تكون مشهورًا معروفًا ذائع الصيت، ولا تذكره بالإخبات والإخلاص، وأن يطلب ما عند الله ، وأن ينفع المسلمين، وإنما أن يعرف، أن يذكر، أن يتحدث الناس، ويتردد اسمه على ألسنتهم، أن تلتقط له الصور في كل مكان، فهذا داءٍ وأي داء .
وأما الرابع: فأذكر فيه نماذج من خوف السلف من الناحية العملية، يخافون على أنفسهم من هذا البلاء.
جاء عمر بن سعد بن أبي وقاص -رضي الله تعالى عن جميع أصحاب النبي ﷺ- جاء إلى أبيه وهو في البادية في إبله فلما رآه سعد من بعيد قال: "أعوذ بالله من شر هذا الراكب"، فنزل، فقال عمر لأبيه سعد: "أنزلت في إبلك وغنمك، وتركت الناس يتنازعون الملك بينهم؟ فضرب سعد في صدره فقال: أسكت، سمعت رسول الله ﷺ يقول: إن الله يحب العبد التقي، الغني، الخفي[23].
وهذا الفضيل بن عياض -رحمه الله- يقول: "وددت أنه طار في الناس أني مت حتى لا أذكر، إني لأسمع صوت أصحاب الحديث فيأخذني البول فرقًا منهم"[24].
وكان يقول: "لما تكرهوني على أمر تعلمون أني له كاره -يعني التحديث- لو كنت عبدًا لكم فكرهتكم كان نوالي أن تبيعوني، لو أعلم أني إذا دفعت ردائي هذا إليكم ذهبتم عني لفعلت؟"[25].
وقال ابن محيريز لبعض أصحابه: "إني أحدثكم -يعني بالحديث- فلا تقولوا: حدثنا ابن محيريز، إني أخشى أن يصرعني ذلك القول مصرعًا يسوؤني"[26].
وبكاء ربيعة شيخ الإمام مالك يومًا فقيل ما يبكيك؟ قال: "رياء حاضر، وشهوة خفية"[27].
وهذا ابن سيرين -رحمه الله- يقول لثابت البناني: "لم يكن يمنعني من مجالستكم إلا مخافة الشهرة"[28].
ويقول أيوب السختياني -رحمه الله: "ذكرت ولا أحب أن أذكر[29].
ويقول علي بن بكار: "لأن ألقى الشيطان أحب إلي من أن ألقى حذيفة المرعشي، أخاف أن أتصنع له، فأسقط من عين الله"[30].
ويقول مطرف بن عبد الله بن الشخير: "لأن أبيت نائمًا وأصبح نادمًا أحب إليّ من أن أبيت قائمًا وأصبح معجبًا"[31].
يقول الذهبي -رحمه الله- معلقًا على هذا: "لا أفلح والله من زكى نفسه أو أعجبته"[32].
وقد سئل الإمام الحافظ عبد الغني المقدسي: "لم لا تقرأ من غير كتاب؟ -هو حافظ يستطيع أن يملي على الناس من غير كتاب ولا ورق- فقال: "أخاف العجب"[33].
ودخل عم الإمام أحمد -رحمه الله- عليه فقال: "يا ابن أخي! أيش هذا الغم؟ وأيش هذا الحزن؟ فرفع رأسه وقال: يا عم، طوبى لمن أخمل الله ذكره"[34].
ويقول ابن محيريز: "اللهم إني أسألك ذكرًا خاملًا"[35].
وذكر الذهبي -رحمه الله- في ترجمة الحافظ عبد الرحمن بن محمد بن مهران أنه كان يخفي نفسه، ويجتهد لا يظهر شيئًا، لا يظهر الحديث ولا لغيره[36].
وذكر للإمام أحمد أن رجلًا يريد لقاءه فقال: أليس قد كرها بعضهم اللقاء، يتزين لي وأتزين له، لقد استرحت، ما جاءني الفرج إلا منذ حلفت ألا أحدث، وليتنا نترك، الطريق ما كان عليه بشر بن الحارث يقول المروذي فقلت له: "إن فلان قال: لم يزهد أبو عبد الله في الدراهم وحدها؟ زهد في الناس، ثم قال: ومن أنا حتى أزهد في الناس؟ الناس يريدون أن يزهدوا فيّ[37].
والتقى سفيان الثوري مع الفضيل بن عياض -رحمهم الله- فتذاكرا فبكيا، فقال سفيان الثوري: "إني لأرجو أن يكون مجلسي هذا أعظم مجلس جلسناه بركة، فقال الفضيل بن عياض: ترجو، لكني أخاف أن يكون أعظم مجلسًا جلسناه علينا شؤمًا، أليس نظرت إلى أحسن ما عندك فتزينت به لي، وتزينت لك به فعبدتني وعبدتك..."[38].
كلمة قاسية لكن ينتفع بهذا الإنسان أن يكون الله -تبارك وتعالى- هو مقصوده، إذا جلست مع الناس أطلب ما عند الله عز وجل، فبكى سفيان حتى على نحيبه، ثم قال: "أحييتني أحياك الله"!.
وهذا محمد بن يوسف الأصبهاني كان لا يشتري خبزه من واحد، يقول: لعلهم يعرفونني، ولكني إذا جئته لأول وهلة لا يعرف أني فلان الذي يسمع عنه، فتقع لي المحاباة فأكون ممن يعيش بدينه[39].
تحب أنك إذا جيت في أي مكان، في مؤسسة، في مكتب، في مطار، أن الناس يأتون إليك، ويقدمونك، ويفتحون لك الطرق، تحب هذا؟ ما كانوا يحبون هذا، يتحرز من أن يحابيه الخباز فيكون يأكل بدينه.
يقول رجاء بن أبي سلمة: "نبئت أن ابن محيريز، دخل على رجل من البزازين يشتري منه ثوبًا فقال له رجل: أتعرف هذا؟ هذا ابن محيريز، فقام وقال: إنما جئنا نشتري بدراهمنا وليس بديننا"[40].
إذا ذهبت إلى السوق وعرفك البائع وأراد أن يضع لك من السعر؛ لأنك فلان ابن فلان تفرح بهذا، تفرح أن تستقبل بأحسن المراكب، وتسكن في أحسن الفنادق على حساب التبرعات التي تجمع بشق الأنفس، من أجل أن تلقي موعظة للآخرين، هل تفرح بهذا؟
قد يحصل هذا للإنسان من غير طلب، ولا استشراف فيعذر، لكن أن يطلب هذا، أو أن يستشرف له، أو أن يفرح به أو ينتظر من الآخرين أن يقدموا، ويبذلوا له، فإن لم يفعل وجد في نفسه عليه، فهذا أمر ينافي الإخلاص، فكيف إذا طلب ذلك صراحة؟ فهذا أشد وأعظم.
قال حماد بن زيد: "كان لأيوب برد أحمر يلبسه إذا أحرم، وكان يعده كفنا، وكنت أمشي معه، فيأخذ في طرق، إني لأعجب له كيف يهتدي لها، فرارًا من الناس أن يقال: هذا أيوب"[41].
ويقول شعبة: "ربما ذهبت مع أيوب لحاجة، فلا يدعني أمشي معه، ويخرج من هنا وهاهنا لكيلا يفطن له"[42].
ما يريد إذا مر بحي أو بسوق يقوم الناس، بل كان ينزعج جدًا إذا مر يقوم فألقى السلام فردوا عليه بقوة ويسترجع، ويقول: ما فعلوا ذلك إلا لأنهم عرفوني، إلى هذا الحد.
ويقول علي بن المديني –رحمه الله: "عهدي بأصحابنا -ويذكر أن أحفظهم هو الإمام أحمد -رحمه الله- فيقول: فلما احتاج أن يحدث لا يكاد يحدث إلا من كتاب؛ لطرد العجب عن نفسه"[43].
ويقول سحنون -رحمه الله: "كان بعض من مضى يريد أن يتكلم بكلمة لو تكلم بها لانتفع بها خلق كثير فيحبسها لا يتكلم بها مخافة المباهاة، وكان إذا أعجبه الصمت تكلم؛ لأنه لا حظ للنفس عندئذ"[44].
النفس إذا كانت مستشرفة للكلام، فهذا يدل على شهوة تحركها.
وكان الإمام أحمد -رحمه الله- يقول: "أحب أن أكون بشعب في مكة حتى لا أعرف، قد بليت بالشهرة أني أتمنى الموت صباحًا ومساء"[45].
لكن بماذا عرف الإمام أحمد؟ عرف بمواقفه، ما ترك العمل، وجلس في زاوية وأغلق عليه الباب، لو فعل ذلك لم يعرف ولم يذكر، ولكنه صار إمامًا في أعماله الجبارة، وعلومه الجمة، وما حفظ من حديث رسول الله ﷺ.
وقدوتنا الكبرى بالنبي ﷺ، وفي الصحابة وهم أبر الناس قلوبًا، وأعظمهم إخلاصًا كانوا أئمة الدنيا، قاموا بأمر الله على الوجه اللائق على أكمل الوجوه وأحسنها، ما تركوا العمل، فإياك أن تترك العمل وتظن أن ذلك هو الإخلاص.
خامسًا: أذكر بعض الأمور التي ينبغي للإنسان أن يتحرز منها، بعض الشباب قد يندفع، قد يتجاوز حده، أو يخطوا بعيدًا عن طوره، ثم بعد ذلك يقع في أمور مشينة، الاستعجال بالتأليف مظهر غير جيد، ولا محمود، والإنسان لا يدرك ضعفه وعجزه، إذا أردت أن تعرف هذه القضية أقرأ مقالة كتبتها في الإنشاء وأنت في المرحلة الابتدائية، لربما حينما كتبتها أو تلك الرسمة التي رسمتها لربما تكون معجبا بها غاية الإعجاب، وتطلع كل من قابلته عليها، لكن حينما تنظر إليها الآن كيف تنظر إليها أنها لون من عبث الصبيان، أليس كذلك؟!
لكن في ذلك الوقت هل كنت تدرك هذا؟ لا.
اقرأ ما كتبته قبل عشر سنوات، إذا كنت قد واصلت في العلم والاطلاع والبحث، اقرأ البحث الذي كتبته في المرحلة الثانوية مثلًا، إذا كنت قد تجاوزت هذا بكثير، اقرأ البحث الذي كتبته في المرحلة الجامعية ثم احكم، الإنسان حينما يقرأ ما كتبه قبل خمس سنوات يتعجب كيف كتبه، ويغير أشياء كثيرة جدًا، هكذا الإنسان يتطور، لكن الإنسان حينما كتب كان يرى ذلك نموذجًا رفيعًا في الكتابة.
فالتسرع في التأليف علة وداء، اتصل قبل ما يقرب من شهرين أو نحو ذلك شاب يسأل يريد أن يؤلف في باب من الأبواب، ويسأل عن المراجع، وماذا يكتب؟ فتعجبت، كيف يريد أن يؤلف ولا يعرف المصادر وكيف يكتب؟ فسألته عن عمره فقال: سبعة عشر سنة، ولماذا تكتب؟ قال أريد أن أؤلف شيئًا ينفع الأمة، لماذا الاستعجال في الكتابة والتأليف؟
حتى في المقالات في الإنترنت، قد يكتب الإنسان، وقد يجد بعض المادحين، وتجد هذا الإنسان لربما في المنتديات يدخل -بعد يمكن في الساعة الواحدة يدخل عدة مرات- لعل أحد علق ومدح هذه المقالة، ولربما يكتب بأكثر من اسم، ويعلق على نفسه ما شاء الله، ما هذه الكتابة الجيدة، ويمدح نفسه -نسأل الله العافية- هذا يوجد.
والكتابة إذا قرأها أحد ممن له بصر في العلم يرى أنها كتابة يعرق لها الجبين من ضعفها في اللغة، وضعف المحتوى، وكثرة الأخطاء الإملائية واللغوية، لكنه لا يشعر، هو يرى أنه ولا ابن قتيبة حينما يكتب مثل هذه المقالة ويحررها وينزلها في ساعة من ليل أو نهار، ولربما يعتب على الآخرين لماذا لم يعلق أحد؟! وتشاهدون هذا في المنتديات، لماذا يفعل الإنسان ذلك؟!
وهكذا أيضًا الإغراب قد يشتغل الإنسان ببعض المسائل الشاذة، أو الأغاليط، أو المسائل الغريبة، فإذا حضر في مجلس طرحها، لاسيما إذا ابتلي بأن يقبل عليه وعلى مجالسه بعض الصغار ممن يكبر في عينهم الصغير فيعظمونه ويمدحونه ويشيخونه؛ فيتزبب قبل أن يتحصرم، فهذا بلاء إذا لم يتفطن الإنسان له فقد يقع في مهالك، قد يكون عنده شيء من الذكاء، أو من الهمة العالية، لكن ذلك يقضي عليه من أوله، ينتهي حفظ الغرائب من المسائل، وطرح ذلك في المجالس ولربما يحرص الإنسان أن يظهر قوة حفظه، وكان بعضهم يحدث عن نفسه أنه لربما جاء وهو في دراسته الجامعية في أولها في أول سنة يحفظ الأبيات الأولى من الشاطبية، والأبيات الوسطى منها، والأبيات الأخيرة، هو يحدث أحد زملاءه فهو في السنة الأولى في أول يوم من الدراسة، يأتي الشيخ ليشرح لهم الشاطبية، فيأتي ليبتدر هذا ليقول الأبيات التي تتعلق في المعنى الذي شرح فيذكر له من آخرها، أو من وسطها، فيندهش من سمعه، ويقولون: هذا يحفظ الشاطبية كاملة، وهو لا زال في أول الأسبوع من الدراسة، وهو لا يحفظها لكن يتعمد أن يحفظ من هذا ومن هذا ومن هذا لماذا؟ لربما يعرف أنه هو الذي سيدعى ليقدم المحاضرة الفلانية لفلان من الناس، فيذهب ويحفظ بعض العبارات من كتبه حفظًا، ثم يتمنع من التقديم أنه قد فوجئ به، فإذا ألح عليه جاء، وقال: كأني بك ويتحدث مع المحاضر، وأنت تقول في الكتاب الفلاني: كذا وكذا، وأنت تقول في الكتاب الفلاني: كذا وكذا، فيندهش الحضور، ما هذه الذاكرة والحافظة القوية، وهو يحتال بهذه الحيل من أجل أنه يقول الناس عنه: إنه حافظ، وقد يحفظ بعض الأبيات من ألفية ابن مالك، أو من ألفية العراقي أو السيوطي في علوم الحديث، أو في مراقي السعود، أو غير ذلك، يحفظ بعض الأبيات ثم يذكرها، أو يحفظ حديث بالإسناد فيتعمد أن يذكرها بالإسناد، لا حاجة لذكره بالإسناد، فيذكر هذا بالإسناد من أجل أن يقال: حافظ، والله -عز وجل- أعلم بالنوايا، لكن أقول من عرف ذلك من نفسه فينبغي أن يكف.
وهكذا قد يكثر الإنسان من جمع الكتب المطبوعة والمخطوطة، وينفق الأموال الطائلة في ذلك، وهو لا يقرأ شيئًا منها، إذا كان لا يقرأ شيئا منها ولا ينتفع بها إنما يريد أن يقال: فلان عنده خزانة عظيمة، تذكر مكتبته أنها أكبر مكتبة في البلد إذا كان يريد هذا إنسان لا يقرأ ولا ينتفع، وليس له هم إلا جمع الكتب وجمع الأسانيد، والحرص على المخطوطات، وهو عامي في العلم لا ينتفع بهذه الكتب ما الفائدة منها؟ ولماذا هذا الحرص على جمعها؟ ولماذا الحرص على جمع هذه الأسانيد؟
وهكذا الاشتغال بنقد الأكابر، الإنسان قد يُقعِده عجزه وضعفه وعمله عن بلوغ المراتب العالية، فماذا يصنع؟ إذا كان هذا الإنسان ممن لا خلاق له فإنه قد يتسلق إلى القمم برشقها بالحجارة، ولا يستطيع أن يصعد إلى القمم، فماذا يصنع؟ يشغب على إمام كبير، فيشتغل بالطعن فيه ونقده والحط منه فيعرف؛ لأنه من تكلم في فلان ذاع ذلك المقال في الناس واشتهر، فهو يريد أن يعرف ولو بالبول ببئر زمزم، الطعن بالأكابر القدح فيهم، في أئمة الهدى في العلماء مصابيح الدجى هذه علة عليلة وداءٌ وبيل يحصل به المحق في الدنيا قبل الآخرة - نسأل الله العافية.
وهكذا أيضًا لربما يتصنع الإنسان ويحاول أن يظهر شيئًا من الأعمال التي تدل على زهده أو على ورعه أو على خشيته من الله ويظن أن ذلك بالمظهر، ولهذا قال أبو سلمة ابن عبد الرحمن: "لم يكن أصحاب رسول الله ﷺ منحرفين ولا متماوتين، وكانوا يتناشدون الشعر في مجالسهم، ويذكرون أمر جاهليتهم، فإذا أريد أحد منهم على شيء من أمر دينه دارت حماليق عينيه كأنه مجنون"[46].
ونظر عمر إلى شاب قد نكس رأسه فقال له: "يا هذا، ارفع رأسك، فإن الخشوع في القلب"[47]، ومن الأبيات التي تنسب للشافعي -رحمه الله:
ودع الذين إذا أتوك تنسكوا | وإذا خلوا فهم ذئاب خرافي[48] |
وهكذا لربما يتزيا الإنسان بزي العلماء ولم يبلغ مراتبهم، تجد الشاب الصغير الذي لازال حدثًا يلبس لباس العلماء، يلبس عباءتهم، ويتصنع هديهم، ويتكلف أمور لا تصلح لمثله، فهذا مظهر ينبغي أن نتجنبه، وأن نحاذره فلا نقع في شيء من ذلك.
الإنسان لا يعظم ببزة يلبسها، أو بمركب يركبه، ولهذا يقول الإمام القرطبي -رحمه الله- صاحب التفسير: "تبًا لهمة تترفع بثوب أو مركب"[49]. إنما يرفع الإنسان العمل الذي يراد به وجه الله والعلم الصحيح المستقى من الكتاب والسنة.
قدر كل إنسان بحسب ما يحسن ليس باللباس، قد يكون عالمًا، ولا يفعل شيء من ذلك، ويعرف الناس فضله وعلمه، وهذه أمور لا تخفى.
وهكذا أيضًا التسارع إلى الفتيا قبل التأهل، ومثل هذا عادة لا يعرف أن يقول: لا! ولربما لو وجه إليه سؤال وهو يعلم قد تصدر للتعليم قبل أوانه، فلربما يجيب بغير علم، وإذا تورع لربما يقول هذه مسألة مهمة أرجو أن تذكرها في آخر الدرس من أجل أن أجيبك عليه، من أجل أن ينسى أو يقول ابحث هذه المسألة وراجعها، فهي في غاية الأهمية، وهو يريد أن يتخلص لا يريد أن يقول: لا! لا أعرف، لم أفهم هذا، لا أدري ما الجواب، ومن أخطأ لا أدري أصيبت مقاتله.
وللأسف يوجد بعض من يتكلم عن التربية في العصر الحديث، ويرى ذلك أنه من المخارج الصحيحة، ومن المهارات التي يجيدها ويحسنها من يتصدر للتعليم، إذا وجه إليه سؤال وهو لا يعرف الجواب عنه، هذا عبد الرحمن بن أبي ليلى -رحمه الله- يقول: "أدركت مائة وعشرين من أصحاب رسول الله ﷺ يسأل أحدهم عن المسألة، فيردها هذا إلى هذا، وهذا إلى هذا حتى ترجع إلى الأول"[50].
وجاء رجل إلى إبراهيم النخعي -رحمه الله- وسأله عن مسألة فقال: "ما وجدت من تسأل غيري؟"[51].
وأما الإمام مالك -رحمه الله- فيقول: "ما أفتيت حتى سألت سبعين شيخًا، هل ترون لي أن أفتي؟ قالوا: نعم، فقالوا له: فلو نهوك! قال: لو نهوني انتهيت"[52].
وانظروا فيما ذكره الشاطبي -رحمه الله-[53] وكذا ابن عبد البر "جامع بيان العلم"[54] من مسائل الوقائع التي يسأل فيها الإمام مالك عن عشرات المسائل ويجيب بلا أدري.
لربما ما يجيب إلا عن مسألة أو مسألتين.
وقال رجل للإمام أحمد -رحمه الله: "إني حلفت ولا أدري كيف حلفت؟ قال: ليتك إذ دريت كيف حلفت دريت أنا كيف أفتيك".
فهذه سجية السلف كما يقول ابن الجوزي فمن نظر في أخبارهم وسيرهم تأدب بآدابهم[55].
وقل مثل ذلك في مظاهر وأمور وأحوال كثيرة جدًا يعرف بها الإنسان نفسه هل وقع له شيء من هذا الداء، وأصيب بشيء من هذا البلاء أو لا؟
ولهذا أقول سادسًا: اختبر نفسك حينما تكتب ماذا تريد بهذه الكتابة؟ إذا كتبت ألفت كتابًا، أو كتبت مقالة في مجلة أو صحيفة، أو موقع الكتروني، أو غير ذلك، فإبليس قد لبس على كثير من الخلق، وقعد لهم في طريقهم إلى الله -تبارك وتعالى- كما يقول ابن الجوزي -رحمه الله: "فيسهرون ليلهم، ويدأبون نهارهم في تصانيف العلوم، ويريهم إبليس أن المقصود نشر الدين، ويكون مقصدهم الباطن الذكر وعلو الصيت والرئاسة، وطلب الرحلة من الآفاق إلى المصنف"، كيف نعرف هذا؟ إذا كان الإنسان يريد ما عند الله، أو لا يريد ما عند الله.
يقول: ينكشف هذا التلبيس بأنه لو انتفع بمصنفاته الناس من غير نسبة ذلك إليه أو تردد إليه، أو قرأت على نظيره في العلم فإنه يفرح بذلك، إذا كان مقصوده نشر العلم[56].
ولهذا الإمام الشافعي -رحمه الله- يقول: "وددت أن الناس تعلموا هذا العلم وما نسب إلي منه حرف واحد"[57].
هذا هو الإخلاص، كيف تجد نفسك حينما يتوجه الناس إلى غيرك إذا كنت خطيبًا فوجد مسجد آخر انجفل الناس إليه، إذا كنت تحاضر ويحضر لك الحشود وتمتلئ الجوامع، ثم جاء من هو أعلم منك، وأفصح لسانًا، وأعظم بيانًا، فتوجه الناس إليه، إذا كنت تعلم في حلقة في مجلس من مجالس العلم فوجد من هو أعلم منك، فذهب التلاميذ إليه كيف تجد نفسك؟ هل تحزن؟ من كان مخلصًا فإنه يفرح بنشر الدين، وإقبال الناس على الخير سواء كان ذلك جاريًا على يده أو على يد غيره، لكن من كان في نيته شيء فلربما يحارب في غاية المحاربة هذا الإنسان الذي يعلم أنه أعلم منه وأتقى لله -عز وجل- وأطوع؛ لأنه نافسه في مجاله وتخصصه سواء كان ذلك في خطابةٍ، أو في مجلس علم، أو في إلقاء محاضرة، أو كان ذلك بأي لون من الألوان النشاط، العراك الذي يقع أحيانًا بين الناس لا لأمر ديني، وإنما لحظ نفساني هذا قد يقع، يقع لدى من يرتب المحاضرات، من يستضيف أهل العلم والدعاة، أو لغير هؤلاء، إذا كان الإنسان يريد ما عند الله فالمقصود هو نشر الخير، أن يقبل الناس على الخير، يحصل هذا الخير على يده أو على يد غيره، فإذا بدر منه ما لا يليق فإن ذلك قدح في الإخلاص.
والإنسان قد يبذل أعمالًا كثيرة وأوقات طويلة ثم بعد ذلك يعذب على هذا؛ لأنه ليس له فيه نية، هل تحب أن يمشي الناس معك وخلفك، ويجتمعوا وراءك؟
هذا أبي بن كعب أتاه طلاب العلم ثم قام، فقاموا يمشون خلفه، فجاء عمر وزجرهم وضربه بالدرة فاتقاه بذراعيه، فقال: يا أمير المؤمنين ماذا فعلنا؟ قال: أوما ترى؟ فتنة للمتبوع، ومذلة للتابع"[58]. أراد أن يعالج هذا من أوله.
وخرج ابن مسعود من منزله فتبعه جماعة، فالتفت إليهم وقال: "عَلامَ تتبعونني؟ فوالله لو تعلمون ما أغلق عليه بابي ما تبعني منكم رجلان"[59]، وفي لفظ أنه قال: "ارجعوا فإنه ذلة للتابع، وفتنة للمتبوع"[60].
ومشوا خلف علي -رضي الله عنه- فقال: " أبعدوا عني خفق نعالكم فإنها مفسدة لقلوب نَوْكَى الرجال"[61].
وكان محمد بن سيرين -رحمه الله- إذا مشى معه الرجل قام -وقف يعني- فقال: لك حاجة؟ فإن كانت له حاجة قضاها، وإن عاد يمشي معه قام، وقال: ألك حاجة؟[62].
وكان إبراهيم النخعي -رحمه الله- يقول: "إياكم أن توطأ أعقابكم"[63]، لأنه كما قال الحسن البصري -رحمه الله: "إن خفق النعال حول الرجال قل ما يلبث الحمقى"[64]، وهم النوكى الذين ذكرهم علي -رضي الله عنه وأرضاه.
وشعبة بن الحجاج ذكرت لكم خبره مع أيوب السختياني كان أيوب لا يدع أحدًا يمشي معه، يخرج من ها هنا وها هنا؛ لكي لا يفطن له[65].
ولما دخل الإمام عبد الرحمن بن بندار كرمان شيعه الناس، فصرفهم وقصد الطريق وحده وهو يقول:
إذا نحن أدلجنا وأنت إمامنا | كفى لمطايانا بذكراك حاديا[66]. |
وكان الإمام محمد بن عمر المديني يمنع من يمشي معه أيضًا[67].
وكذلك الإمام أحمد إذا مشى في الطريق يكره أن يتبعه أحد[68]ويقول: أشتهي مكانا لا يكون فيه أحد من الناس، وهذا عبد الرحمن بن مهدي -رحمه الله- قام من المجلس فتبعه الناس، فقال: "يا قوم! لا تطؤوا عقبي، ولا تمشن خلفي"، ثم روى بسنده عند عمران قال: "إن خفق النعال خلف الأحمق قل ما يبقي من دينه"[69].
هل تحب أن يجتمع الناس إليك؟ تفتح درسًا ويحضر خلائق، هل تحب هذا؟ من الناس من قد يقول: نعم من أجل أن ينتشر الخير ويأخذ الناس عني العلم.
الفضيل بن عياض -رحمه الله - يقول: "لو رأيت رجلًا اجتمع الناس حوله لقلت هذا مجنون"[70]!، من الذي اجتمع الناس حوله؟ لا يحب أن يجود كلامه له.
فكان السلف يدفعون عنهم كل ما يوجب الإشارة إليه، ويهربون من المكان الذي يشار فيه إليهم، فهذا يوسف بن أسباط -رحمه الله- يقول: "خرجت من سبج راجلًا حتى أتيت المصيصة وجرابي على عنقي، فقام ذا من حانوته يسلم علي، وذا يسلم علي فطرحت جرابي، ودخلت المسجد أصلي ركعتين فأحدقوا بي، واطلع رجل في وجهي فقلت في نفسي: كم بقاء قلبي على هذا؟ فأخذت جرابي ورجعت إلى سبج، -يقول: ما رجعت قلبي إلي إلا بعد سنتين"[71].
وهذا الأعمش يقول: "جهدنا حاولنا بإبراهيم، -يعني النخعي- حتى نجلسه إلى سارية فأبى علينا"[72].
وكان الحارث بن قيس الجعفي يجلس إليه الرجل والرجلان فيحدثهما، فإذا كثروا قام وتركهم[73].
وقالوا لعلقمة: "لو صليت في المسجد وجلسنا معك فتسأل؟ قال: أكره أن يقال هذا علقمه"[74].
وكان خالد بن معدان إذا عظمت حلقته قام وانصرف كراهة الشهرة[75].
وكان أبو العالية -رحمه الله- إذا جلس إليه أكثر من أربعة قام[76].
وحينما نذكر مثل هذه القضايا نقول من أجل أن نعالج قلوبنا، وإلا فمعلوم أن من أئمة السنة من كان يحضر له لربما في تراجم بعضهم أكثر من مائة ألف، وتبع إسحاق بن راهويه لما خرج من بغداد ما يقرب من خمسين ألف فردهم.
فالمقصود أن مثل هذا الإنسان يجب أن يأخذها الإنسان بطريقة صحيحة، عَلِم العلم إذا كنتَ مؤهلًا، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، لكن لا تطلب حظوة عند الناس، لا تطلب منزلة في قلوبهم، وضابط هذا هو أن من الناس إذا لم يحضر درسه إلا ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو عشرة فربما يغضب ويقع في قلبه ضغينة وغل لإخوانه من طلبة العلم، فيعرض بهم تارة، ويقدح بهم، يتكلم في أعراضهم، ولربما يشير إلى بعض الأمور أنهم ما جاءوا إلى فلان أو فلان إلا من أجل كذا وكذا بأمور هو أول من يعلم أنها باطل، فلماذا؟
فقيه العصر إمام -رحمه الله- كم كان يحضر في درسه؟ سنوات طويلة لربما ما يحضر إلا أفراد قلة سنوات طويلة، ثم في آخر السنوات صار يحضر جمع من طلبة العلم، لكن مهما يكن من أمر فإن هؤلاء الذين يحضرون لا يكافئون قدره ولا منزلته ولا علمه وفقهه -رحمه الله، لكن كم يحضر لربما لمغنٍ أو مغنية لربما يحضر عشرات الألوف أليس كذلك؟! والذين يتابعون على القنوات لربما ملايين لبرنامج غنائي، أو أشعار أو نحو ذلك، فليست العبرة بهذا.
الشيخ عبد الله الجبرين -رحمه الله- من علماء العصر بقي سنوات طويلة لا يحضر له إلا طالب واحد، وما انقطع.
أحد العلماء في هذا العصر استضافه أحد طلبة العلم ليلقي محاضرة في أكبر جامع في البلد في السوق وفي صلاة المغرب، والجامع يكاد يمتلئ، فخرج الناس، ولم يبق إلا المؤذن، والذي استضافه، ورجل آخر ثلاثة، أو أربعة فقط، وما تغيرت نبرته، وما اختصر المحاضرة، وقدمها كاملة إلى أذان العشاء، هذا يدل على الإخلاص العظيم في نفوس هؤلاء، فلماذا يغضب الإنسان أحيانًا إذا كانت النفس تتوتر بمثل هذه المواقف؟ فهذا يدل على أن هناك خلل يحتاج إلى معالجة.
يقول عبد الرحمن بن مهدي: "كنت أجلس يوم الجمعة، فإذا كثر الناس فرحت، وإذا قلوا حزنت، فسألت بشر بن منصور؟ فقال: هذا مجلس سوء فلا تعد إليه؟ فما عدت إليه"[77].
هل تحب أن ينتشر قولك ويتناقله الناس عبر رسائل الجوال، وعبر الإنترنت، هل تحب هذا؟ إن كنت تحب هذا فهذا يدل على إشكال وخلل في النفس.
وأخيرًا أذكر بعض الوصايا:
الوصية الأولى: أن يكون لك نية، ينبغي أن يكون للإنسان نية في كل شيء، إذا كان يتكلم إن أعجبه كلامه فليصمت، وأن أعجبه الصمت فلينطق، ولا يفتر عن محاسبة نفسه فإنها تحب الظهور والثناء، كما قال الإمام الذهبي -رحمه الله[78].
يقول عبيد الله بن أبي جعفر: "إذا كان المرء يحدث في مجلس فأعجبه الحديث فليمسك، وإذا كان ساكتًا فأعجبه السكوت فليتحدث"[79].
ويقول الفضيل: "إذا جلست فتكلمت فلم تبالِ من ذمك أو مدحك فتكلم"[80]، وإلا فقد يحصل خلاف المقصود.
يقول الذهبي -رحمه الله: "كم من رجل نطق بالحق وأمر بالمعروف فيسلط الله عليه من يؤذيه؛ لسوء قصده وحبه للرئاسة الدينية، فهذا داءٍ خفي سار في نفوس الفقهاء كما أنه داء سار في نفوس الأغنياء وأرباب الوقوف.
وهكذا أيضًا في نفوس الخلائق، يقول: "فمن طلب العلم للعمل، كسره العلم وبكى على نفسه، ومن طلب العلم للمدارس والإفتاء والفخر والرياء تحامق واختال ولزدرى الناس وأهلكه العجب ومقتته الأنفس"[81].
الوصية الثانية: احرص على إخفاء العمل قدر المستطاع: لا تظهر عملك للناس لا بطريق مباشر، ولا بطريق غير مباشر، لا توصل رسائل للناس بطريقة غير مباشرة أنك تقوم الليل، وتصوم النهار، أو أنك تنفق، أو تبذل، أو غير ذلك، كما قال الذهبي -رحمه الله: " ليتق الله رجل، فإن زهد، فلا يجعلن زهده عذابا على الناس، فلأن يخفي الرجل زهده خير من أن يعلنه"[82].
لا داعي للحديث عن هذا، فخير العمل أخفاه -كما يقول الفضيل، وأمنعه من الشيطان، وأبعده من الرياء[83].
"أخف حسنتك" هذه وصية أبي حازم -رحمه الله: "أخف حسنتك كما تخفي سيئتك، ولا تكونن معجب بعملك، فلا تدري أشقي أنت أم سعيد"[84].
"لا تعمل لتذكر، أكتم الحسنة كما تكتم السيئة"[85]، هذه وصية بشر بن الحارث.
ويقول أبو حسن القطان -رحمه الله: "أصبت ببصري -عمي- وأظن أني عوقبت بكثرة كلامي أثناء الرحلة"[86]، الرحلة في طلب العلم، يقول الذهبي: "صدق والله، فإنهم كانوا مع حسن القصد وصحة النية غالبًا يخافون من الكلام وإظهار المعرفة"[87].
وكلكم يعرف خبر عبد الله بن المبارك لما خرج إلى العلج الذي قتل جمعًا من المسلمين في المبارزة، فقتله ابن المبارك، وتلثم فاجتمع عليه الناس، فلما جاء رجل وأخرج وجهه عاتبه على ذلك[88].
وخبر الرجل الذي فتح ثغرة في الحصن نقبًا ودخل وفتح باب الحصن للمسلمين بعد ما طال الحصار لأولئك الكفار، فالقائد مسلمة يريد أن يعرف هذا الرجل، وأقسم على الناس أن يبدي هذا الرجل نفسه، فجاء رجل بليل وطرق بابه، واشترط عليه أنه إذا أخبره فلا يبحث عنه بعد ذلك أبدًا فأخبره، فكان القائد مسلمة يقول: "اللهم احشرني مع صاحب النفق"[89]، ما قال: أريد درعًا، أريد شهادة، أريد جائزة، أريد تكريم، لا، يريد ألا يعرف.
ويقول محمد بن واسع -رحمه الله: "إن كان الرجل ليبكي عشرين سنة وامرأته معه لا تعلم به"[90].
وكان أبو وائل: "يقوم الليل ويبكي، ويناجي طويلًا، وينشج نشيجًا لو أعطي الدنيا على أن يبكي وأحد يراه لم يفعل"[91].
وكان الرجل لربما يكون مع إخوانه فتجيئه العبرة فيردها، ثم تجيء فيردها، ثم تجيء فيردها، فإذا خشي أن تظهر قام وترك المجلس[92].
وكان أيوب لربما حدث في الحديث فيرق وتدمع عيناه، وتخنقه العبرة، فيجعل يتمخط ويقول: ما أشد الزكام[93]. لئلا يقال يبكي من خشية الله، رقيق.
فأين هذا الذي يتباكى أمام الناس، أمام الجموع من المصلين، يتكلف البكاء، الإنسان الذي يغلبه البكاء يحاول أن يدفعه أمام الناس، فإذا غلب فالأمر لله من قبل ومن بعد، لكن أن يتصنع البكاء أمام الناس، من أراد أن يتباكى فليتباكى بين أربعة جدران حيث لا يراه أحد؛ من أجل أن يحصل البكاء، أما أن يتباكى أمام الجموع بين المصلين فهذا أمر لا تنضبط معه النية، يصعب هذا.
وأخبارهم في هذا كثيرة، كيف كانوا يخفون العبرة ويدفعون البكاء، بل إن الإمام محمد بن إسماعيل البخاري صاحب الصحيح تصدق على رجل فأراد الرجل أن يرفع يديه ويدعو فيسمع الناس، فقال له: "أرفق، كيلا يعلم أحد بذلك"[94].
ما أراد منه أن يقول له أنت أحسنت إلي، وهذا تصدق علي، كانوا يخفون زهدهم وعبادتهم بخلاف من ابتلي بشيء من هذه الأدواء.
يقول ابن الجوزي -رحمه الله: بأنه رأى رجلًا يصلي بالناس الصبح يقول: "بمجرد ما استدار إلى الناس قرأ بالمعوذتين ثم رفع يديه يدعو دعاء الختمة ليعرف الناس أنه قد ختم[95].
الوصية الثالثة: لا تطلب من المخلوقين شيئًا، المخلوق ضعيف، إذا أردت أن تعرف ضعف المخلوقين انظر من الطائرة، ترى السيارات مثل اللعب، والمصانع مثل علب الكبريت، والطرق مثل خطوط القلم، فأين المتكبرون؟ أين المتعاظمون؟ أين المغرورون؟ أين المعجبون؟ في هذه النقط الصغيرة، انظر إليهم من سطح الحرم وهم يطوفون، نقط، هل تميز وجه هذا من وجه هذا؟ ما ترى إلا هذا رداء الإحرام بين كل لحظة ولحظة، نقط، مثل الذر انظر إلى وجوههم عند جمرة العقبة في يوم النحر، انظر إليهم وأنت على جبل في منى وهم يذهبون إلى الجمار في خطوط كأنهم الذر رأيتم هذا؟
هؤلاء هم الخلق فلا تعمل من أجلهم، ولا تطلب ما عندهم هم مساكين لا يملكون لأنفسهم ضرًا ولا نفعًا، اطلب ما عند الله الكبير العظيم الأعظم ما عندهم شيء.
هذا عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- في الحج كتب كتابًا يأمر بالتوسعة على الناس والتسهيل عليهم ورد المظالم ونحو ذلك، وكتب معه: "ولا تحمدوا على ذلك كله إلا الله، فإنه لو وكلني إلى نفسي، لكنت كغيري، أي لا يطريه أحد بذلك"[96].
وله حكاية مشهورة: "امرأة فقيرة معها بنات فطلبت منه أن يفرض لبناتها شيء من العطاء أربع بنات، ففرض للأولى، فجلست تحمد الله ، ثم الثانية فحمدت ربها -تبارك وتعالى- ثم الثالثة، فشكرت الله ، وشكرت عمر بن عبد العزيز، فقال: إنما كنا نفرض لهن حيث كنتِ تولين الحمد أهله لله فمري هذي الثلاث يواسين الرابعة"[97]، لأنها حمدته، وأثنت عليه، يقول: أحمدي الله فقط.
الوصية الرابعة: لا تغتر بمدح الناس، هم ينظرون إلى ظاهرك، والله ينظر إلى باطنك، وما يغني عنك مدح الناس، إذا كان الله قد سخط عليك، ولهذا يقول مالك بن دينار -رحمه الله: "مذ عرفت الناس لم أفرح بمدحهم ولم أكره ذمهم؛ لأن حامدهم مفرط، وذامهم مُفَرط"[98].
وقال رجل لابن عمر: "لا يزال الناس بخير ما أبقاك الله لهم"، ما قال: نعم، أنت الذي تعرف لأهل الفضل فضلهم.
لا غضب! وقال: إني لأحسبك عراقيًا! قال وما يدريك ما يغلق عليه ابن أمك بابه؟[99].
وجاءه رجل وقال: "يا خير الناس، وابن خير الناس، فقال: ما أنا بخير الناس، ولا ابن خير الناس، ولكني عبد من عباد الله أرجو الله وأخافه، والله لن تزالوا بالرجل حتى تهلكوه"[100].
هذا ابن عمر يصلح للخلافة، إمام من أئمة العلم والدين.
قال المروذي للإمام أحمد -رحمه الله: "إني لأرجو أن يكون يدعو إليك في جميع الأمصار، فقال: يا أبا بكر، إذا عرف الرجل نفسه فما ينفعه كلام الناس"[101].
ولما قالوا له: إن أهل الثغور يضربون بالمنجنيق، ويقولون: هذا عن الإمام أحمد، المنجنيق مدفع يضربون حصون الكفار.
ويقولون هذا عن الإمام أحمد، فقال: "أرجو ألا يكون هذا استدراجًا[102].
وبلغ إبراهيم الحربي -رحمه الله- أن قومًا من الذين كانوا يجالسونه يفضلونه على الإمام أحمد فقررهم بهذا وسألهم عنه فأقروا فقال: ظلمتموني بتفضيلكم لي على رجل لا أشبهه، ولا ألحق به في حال من أحواله، ثم أقسم بالله أن لا يسمعهم شيء من العلم أبدًا، وقال: لا تأتوني بعد يومكم[103].
ما فرح بهم، وقال: أنتم التلاميذ البررة، تمدحون شيخكم، تقدرونه وتعرفون منزلته.
وهذا الإمام الحافظ محمد بن أحمد البغدادي لما علم أن ابن عقيل الحنبلي يجعله من أولياء الله، قال: "اغتر الشيخ"[104].
وقيل لأبي بكر الخطيب: أنت الحافظ أبوبكر سأله رجل قال: انتهى الحفظ إلى الدارقطني[105].
وقرأ أحد المحدثين على الإمام الحافظ إبراهيم بن سعيد الحبال، فقرأ قال: ورضي عن الشيخ الحافظ، يقصد الشيخ الذي يقرأ عليه فقال: قل رضي الله عنك، إنما الحافظ الدارقطني، وعبد الغني[106]، يعني عبد الغني المقدسي.
وهذا الإمام الحافظ أحمد بن الحسن ابن خيرون البغدادي كتبوا مرة له: فلان الحافظ فغضب وضرب عليه -شطب عليه- بالقلم، وقال: قرأنا حتى يكتب للحافظ من أنا حتى يكتب الحافظ؟[107].
فلا يفرح الإنسان بهذه الأمور لا يغتر بها، فكيف إذا كتب هذه الأشياء لنفسه، وقد يضره بعض التلاميذ، وبعض المحبين الذين يكتبون على الكتاب مثل هذه العبارات، فينبغي أن يزجرهم وألا يمكنهم من شيء من ذلك.
الوصية الخامسة: اجتنب ما فيه شهرة: لا تلبس ثوب فيه شهرة، وقد جاء النهي عن هذا: من لبس ثوب شهرة ألبسه الله يوم القيامة ثوب مذلة[108].
ورأى ابن عمر على ولده ثوب قبيحًا دونًا، فقال: لا تلبس هذا فإن هذا ثوب شهرة[109]، قد تكون الشهرة في التبذل الزائد، إذا كان الإنسان يجد لكن ليظهر الزهد مثلًا، بعض الشبيبة أحيانًا يريد أن يتميز بشيء بلباس غير ما يلبسه الناس، فيلبس لباس مثلًا ليس له رقبة مثلًا، لماذا يا بني تلبس هذا اللباس من أجل ماذا؟ شاب صغير في المرحلة الثانوية ويتميز بهذا اللباس الغريب الذي ليس من لبس أهله، ولا بيئته ولا قومه لماذا؟
التميز بالعلم، التميز بالعمل، وليس التميز باللباس، ولهذا كان أيوب السختياني -رحمه الله- في ثوبه بعض التذييل، يعني: أن ثوبه لم يكن شديد القصر كان يقارب الكعب، لكنه لا يبلغ إلى الكعب بطبيعة الحال، فقيل له، فقال: "الشهرة اليوم في التشمير"[110]، يعني: رفع الثوب أحيانًا رفعًا زائدًا، هذا في وقت أيوب السختياني، فكيف بنا اليوم؟ الشهرة اليوم في التشمير، التقصير الزائد للثوب من رآه نظر إليه، فلا يكون الإنسان بهذه المثابة.
ورأى بعضهم على محمد بن ريان خفًا أحمرًا، فقال: "انزع هذا يا بني فإنه شهرة"[111]، فكيف بالذين يتسابقون يتهافتون ليشتري رقمًا من أرقام لوحات السيارات -مثلًا- بملايين ستة ملايين أو سبعة ملايين، أو رقمًا للهاتف النقال مبالغ هائلة تتميز برقم، هذه الملايين يمكن أن تبنى بها كلية، يريد أن يعرف برقم لوحة سيارة، رقم هاتف جوال، ليس هذا التميز، خذ بنصل السيف واترك غمده.
العبرة بما تحت الثياب ليست العبرة بالثياب، كما يقول الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله.
الوصية السادسة: تواضع، هذا إبراهيم النخعي إمام في الفقه يقول: "تكلمت ولو وجدت بدًا لم أتكلم، وأن زمانًا أكون فيه فقيهًا لزمن سوء"[112].
وبعضهم كان يقول في عرفة: "لولا أني فيهم لقلت قد غفر لهم، يقول الذهبي: "لقلت كذلك يقول العبد: إن يزري على نفسه ويهضمها[113].
ويقول ابن معين: "ما رأيت مثل أحمد صحبناه خمسين سنة ما افتخر علينا بشيء مما كان فيه من الخير"[114].
قال رجل مرة: بلغنا أن لكم نسبًا فدفعه عند الباب ودخل، وقال: نحن قوم مساكين[115].
ما قال: نحن من القبيلة الفلانية، ونحن نفتخر بكذا كما هو الآن الموضة والجديدة، بعصر المزايين.
وكان ثعلب الإمام العلامة المحدث اللغوي النحوي يزري على نفسه، ولا يعدها شيئًا، وكان لا يتفاصح في خطابه[116].
وقال رجل لابن مجاهد الإمام المقرئ صاحب كتاب السبعة، هو أول من سبع السبعة، لم لا تختار لنفسك حرفًا، قال: نحن إلى أن تعمل أنفسنا في حفظ ما مضى عليه أئمتنا أحوج منا إلى اختيار[117].
فالأمر كما يقول الحافظ ابن القيم -رحمه الله: "ليس شيء أنفع للصادق من التحقق من المسكنة والفقر والذل لله ، وأنه لا شيء"[118].
يقول: شهدت من شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- من ذلك أمرًا لم أشاهده من غيره، كان كثيرًا ما يقول: ما لي شيء، وما مني شيء، ولا في شيء، وكان كثيرا ما يتمثل بهذا البيت:
أنا المكدى وابن المكدى |
وهكذا كان أبي وجدي[119] |
ما يقول: أنا لماذا لم أقدر؟ لماذا لم أحترم؟ لماذا لم أكرم في الحفل؟ أنا صاحب هذا المشروع الدعوي، أنا صاحب هذا البرنامج الخيري، وتعطى الجوائز والدروع للآخرين، وأنا أهمش ويسحب البساط من تحتي، ثم يتحول إلى خصم يتصيد العثرات والأخطاء، ويثبط ويعوق عنهم، هذا خلاف الإخلاص تمامًا.
وكان إذا أثني عليه في وجهه يقول: "والله إني إلى الآن أجدد إسلامي في كل وقت، وما أسلمت بعد إسلامًا جيدًا"[120]، هذا يقوله شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-.
الوصية السابعة: أعرف سنة الله:
ومهما تكن عند امرئ من خليقة | وإن خالها تخفى على الناس تعلمِ |
يقول الفضيل -رحمه الله: "من أحب أن يذكر لم يذكر، ومن كره أن يذكر ذكر"[121].
لو يطير الإنسان ويتصنع بما يتصنع، إن كان يعمل بلا إخلاص فإن قلوب الخلق تلعنه، ولو كان يغدق عليهم أو يتكلم بأحسن الكلام، أو يمضي وقته في ليله ونهاره بظاهر الأمر في الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذا ما وجد عندهم نية صحيحة وإخلاص لا يتعب، كما قال ابن الجوزي -رحمه الله: "الإخلاص مسك مصون في مسك القلب، ينبئ ريحه على حامله"[122].
العمل صورة والإخلاص روح، إذا لم تخلص فلا تتعب، لو قطعت سائر المنازل يعني في الحج لم تكن حاجًا ألا ببلوغ الموقف يوم عرفة، الإخلاص مثل الوقوف بعرفة في الحج يذهب يمين ويسار ومنى، ما الفائدة إذا ما وقف بعرفة فمهما حاول الإنسان أن يظهر للناس فإن الإخلاص مسك مصون في هذا القلب ينبئ ريحه على حامله، ما يمكن الناس يقادون، يقول: لماذا لا يحضر لي خطبة الجمعة، الشباب؟ وما ينفعك هذا، ولماذا تطلب هذا؟
يقول بديل العقيلي -رحمه الله: من أراد بعمله وجه الله تعالى أقبل الله عليه بوجهه، وأقبل بقلوب العباد عليه، ومن عمل لغير الله صرف الله وجهه عنه، وصرف قلوب العباد عنه[123].
وفي هذا يقول محمد بن واسع: "إذا أقبل العبد بقلبه على الله، أقبل الله بقلوب العباد عليه"[124]، ويقول زفر: "من قعد قبل وقته ذل"[125]، قاعدة.
الوصية الثامنة: تبصر في عيوب نفسك، فتش عن الخلل الموجود في داخلها، المخلص إذا عوتب أقر وأصلح من حاله، وغيره إذا ذكر بشيء من عيوبه لربما ينفر.
هو لا يشعر بعيوبه، ولا يريد أن يشعر بذلك، وإذا ذكر به كابر غاية المكابرة، ولربما احتال الناس عليه بألوان الحيل، كيف يستطيع الواحد أن يوصل إليه ما قد يلاحظ عليه مما يعاب؟.
الوصية التاسعة: اعرف أصل الداء، أصل هذا الداء ومكمنه هو حب الدنيا، كل هذه الأمور من الدنيا، فإذا وجدت هذه الشجرة في القلب فكما قال بعض العلماء: ليس الحل لمن يتأذى من أصوات العصافير فوق الشجرة أن يطاردها بين وقت وآخر، كل ما أزعجته بعصى يزجرها بها، ثم إذا جلس واستراح عادة مرة أخرى، إنما الحل أن يقطعها فيستريح.
التعلق بالدنيا، أو التشبث بها كذلك، إذا كانت هذه الدنيا متغلغلة في القلب فمعنى ذلك أن الإنسان يبحر معها، فحيث وجد المركب الذي يوصله إلى بغيته فهو لن يتردد، -نسأل الله العافية- في ركوبه، وهذا يحتاج أن يستشعر الإنسان حقارة الدنيا، وأنها متاع زائد فانية، تصور قبل قرن من الزمن، وقبل عشرة قرون، وقبل خمسة قرون، وقبل...، ذلك الإنسان يرائي في صلاته وفي صيامه ويخبر الناس تصدق وكذا ماذا ينفعه الآن؟ ماذا بقي له؟ تلك الأيام التي صامها، تلك الختمة التي ختمها يرائي بها ويذكرها عند الآخرين، ماذا بقي له الآن وقد مات قبل ثمانمائة سنة أو خمسمائة سنة، أو مائة سنة ماذا بقي؟ لا شيء، الإنسان في أيامه الماضية ما وقع له خلل في قصده ونيته، ماذا أغنى عنه ذلك العمل؟
تبقى مغبته وعاقبته السيئة، الدنيا حقيرة لو كانت الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرًا شربة ماء[126]، اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [الحديد:20].
يوجه الإنسان قصده وقلبه إلى ما عند الله من النعيم المقيم، الدار الآخرة، ومرضاة الرب المعبود ، وأن يجاهد هذه النفس التي تتطلع دائمًا إلى حظوظها، ويعلم أن حتوفها في ذلك:
كم شارب عسلًا فيه منيته |
وكم تقلد سيفًا من به ذبحا[127] |
وقد قال بعضهم مصور حاله:
كأني شمعة ما بين قوم | تضيء لهم ويحرقها اللهيبُ |
كأني مخيط يكسو أناسًا | وجسمي من ملابسه سليبُ[128] |
فيصحح الإنسان نيته وقصده.
وأختم بوصية أوصى بها فضالة بن عبيد -رحمه الله- يوصي بها ابن محيريز، يقول: "خصال ينفعك الله بهن إن استطعت أن تَعرف ولا تُعرف فافعل، وإن استطعت أن تسمع ولا تكلم فافعل، وإن استطعت أن تجلس ولا يُجلس لك فافعل"[129].
وأخيرًا أقول: ينبغي أن نضع هذا الكلام في موضعه الصحيح، اعملوا وقدموا وابذلوا، الأمة أحوج ما تكون إلى البذل والعمل وتضافر الجهود، والدعوة إلى الله لكن نطلب بذلك ما عند الله ولا ندخل فيما لا نحسن، إذا استقمت على هذا فأنت على الجادة، وإياك أن يأتي الشيطان، ويقول: هذا الباب باب خطر، فاقعد في بيتك وكن حلس بيتك تستريح، نقول: لا تستريح، ستحاسب فالنجاة بالإخلاص، والعمل الذي يحبه الله ورسوله ﷺ.
وأسأل الله عزوجل أن يتقبل مني ومنكم، وأن يرحمنا جميعًا، وأن يغفر لنا ولإخواننا المسلمين، اللهم ارحم موتانا، واشف مرضانا، وعاف مبتلانا، واجعل آخرتنا خيرًا من دنيانا، نسأل الله -تبارك وتعالى- أن يرزقنا وإياكم نية صادقة خالصة، وأن يرزقنا وإياكم علمًا نافعًا وعملًا صالحًا، وأن يعيننا جميعًا على ذكره وشكره وحسن عبادته وصلى الله على نبينا محمد.
- أخرجه الترمذي، أبواب الزهد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في أخذ المال، برقم (2376)، وأحمد في المسند بإسناد صحيح، برقم (15784)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (5620).
- الوساطه بين المتنبي وخصومه ونقد شعره (ص:287)، وزهر الآداب وثمر الألباب (4/ 1046)، وخزانة الأدب وغاية الأرب لابن حجة الحموي (1/ 205).
- سير أعلام النبلاء (14/ 214).
- المصدر السابق (7/ 258).
- تفسير ابن كثير (6/ 258).
- تاريخ أبي زرعة الدمشقي (ص:206).
- أخرجه البخاري، كتاب الأحكام، ندامة يوم القيامة، برقم (7148).
- أخرجه البخاري، كتاب الأحكام، باب ما يكره من الحرص على الإمارة، برقم (7149).
- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (6/ 362).
- أخرجه أبو داود، كتاب العلم، باب في طلب العلم لغير الله تعالى، برقم (3664)، وابن ماجه، افتتاح الكتاب في الإيمان وفضائل الصحابة والعلم، باب الانتفاع بالعلم والعمل به، برقم (252)، وأحمد في المسند، برقم (8457)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (6159).
- أخرجه ابن ماجه، كتاب الإيمان وفضائل الصحابة والعلم، باب الانتفاع بالعلم والعمل به، برقم (254)، وقال محققه الأرناؤوط: "حسن لغيره إن شاء الله، وهذا إسناد ضعيف لضعف حماد بن عبد الرحمن، وجهالة أبي كرب الأزدي".
- أخرجه ابن ماجه، كتاب الإيمان وفضائل الصحابة والعلم، باب الانتفاع بالعلم والعمل به، برقم (254)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (7370).
- أخرجه مسلم، كتاب الإمارة، باب من قاتل للرياء والسمعة استحق النار، برقم (1905).
- ربيع الأبرار ونصوص الأخيار (2/ 174)، ومختصر منهاج القاصدين (ص:209).
- مختصر منهاج القاصدين (ص:209).
- سير أعلام النبلاء (9/ 170).
- المصدر السابق (7/ 393).
- المصدر السابق (6/ 20).
- المصدر السابق (10/ 476).
- المصدر السابق (13/ 15).
- المصدر السابق (7/ 260).
- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (8/ 343).
- أخرجه مسلم، في أوائل كتاب الزهد والرقائق، برقم (2965).
- سير أعلام النبلاء (8/ 436).
- المصدر السابق (8/ 436).
- المصدر السابق (4/ 496).
- المصدر السابق (6/ 90).
- المصدر السابق (4/ 609).
- المصدر السابق (6/ 22).
- المصدر السابق (9/ 585).
- المصدر السابق (4/ 190).
- المصدر السابق.
- المصدر السابق (21/ 449).
- المصدر السابق (11/ 207).
- تاريخ دمشق لابن عساكر (33/ 18).
- سير أعلام النبلاء (16/ 336).
- المصدر السابق (11/ 216).
- حلية الأولياء (7/ 64).
- البداية والنهاية (10/ 200).
- حلية الأولياء (5/ 138).
- سير أعلام النبلاء (6/ 22).
- المصدر السابق.
- المصدر السابق (12/ 289).
- المصدر السابق (12/ 66).
- المصدر السابق (11/ 216).
- أخرجه ابن أبي شيبة في الأدب (ص:375)، برقم (405)، وفي المصنف، برقم (26058)، والبخاري في الأدب المفرد، برقم (555)، وحسنه الألباني في صحيح الأدب المفرد، برقم (432).
- المجالسة وجواهر العلم (4/ 474)، رقم: (1691).
- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (9/ 154).
- تفسير القرطبي (18/ 142) بلفظ: [ولا همة أخس من همة ترتفع بثوب جديد].
- أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (6/ 166)، والدارمي (1/ 249)، الزهد والرقائق لابن المبارك (1/ 19)، والبيهقي في المدخل إلى السنن الكبرى (ص:433).
- تلبيس إبليس (ص:109).
- المصدر السابق (ص:109).
- الموافقات (5/ 326).
- جامع بيان العلم وفضله (2/ 839).
- تلبيس إبليس (ص:109).
- المصدر السابق (ص:117).
- آداب الشافعي ومناقبه (ص:248)، حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (9/ 118).
- أخرجه الدارمي في سننه، باب من كره الشهرة والمعرفة، (1/ 448)، رقم: (540)، و ابن أبي شيبة (5/ 302)، رقم: (26315).
- التواضع والخمول لابن أبي الدنيا (ص:78).
- مصنف ابن أبي شيبة (5/ 302)، رقم: (26314).
- أدب الدنيا والدين، للماوردي، (ص:239).
- أخرجه الدارمي، باب من كره الشهرة والمعرفة، (1/ 449)، رقم: (542).
- أخرجه الدارمي، باب من كره الشهرة والمعرفة، (1/ 449)، رقم: (543).
- الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي (1/ 396)، رقم: (927).
- المصدر السابق (6/ 22).
- المصدر السابق (18/ 137).
- المصدر السابق (21/ 156).
- المصدر السابق (11/ 226).
- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (9/ 12).
- سير أعلام النبلاء (8/ 434).
- تلبيس إبليس (ص:140).
- صفة الصفوة (2/ 50).
- تهذيب الكمال في أسماء الرجال (5/ 273).
- سير أعلام النبلاء (4/ 58).
- مختصر منهاج القاصدين (ص:209).
- المصدر السابق.
- حلية الأولياء (9/ 12).
- سير أعلام النبلاء (4/ 494).
- المصدر السابق (6/ 10).
- المصدر السابق (8/ 433).
- المصدر السابق (18/ 192).
- سير أعلام النبلاء (6/ 19).
- الإخلاص والنية لابن أبي الدنيا (ص:56).
- أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (9/ 195)، رقم: (6500).
- سير أعلام النبلاء (10/ 476).
- المصدر السابق (15/ 464).
- المصدر السابق.
- سير أعلام النبلاء (8/ 408).
- عيون الأخبار، لابن قتيبة (1/ 266).
- سير أعلام النبلاء (6/ 122).
- حلية الأولياء (4/ 101).
- البداية والنهاية (9/ 297).
- سير أعلام النبلاء (6/ 20).
- المصدر السابق (12/ 450)
- انظر: تلبيس إبليس (ص:128).
- تفسير ابن رجب الحنبلي (1/ 276).
- المصدر السابق.
- سير أعلام النبلاء (5/ 362).
- تاريخ دمشق لابن عساكر (31/ 157).
- المصدر السابق (31/ 155).
- سير أعلام النبلاء (11/ 211).
- المصدر السابق (11/ 312).
- المصدر السابق (13/ 364).
- المصدر السابق (19/ 111).
- المصدر السابق (18/ 281).
- سير أعلام النبلاء (18/ 498).
- سير أعلام النبلاء (19/ 107).
- أخرجه ابن ماجه، كتاب اللباس، باب من لبس شهرة من الثياب، (2/ 1192)، رقم: (3606)، وأحمد (10/ 363)، رقم: (6245).
- انظر: تلبيس إبليس (ص:174).
- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (3/ 7)، وتلبيس إبليس (ص:183).
- تلبيس إبليس (ص:18).
- سير أعلام النبلاء (4/ 526).
- سير أعلام النبلاء (4/ 534).
- حلية الأولياء (9/ 181).
- المصدر السابق (11/ 187).
- المصدر السابق (14/ 6).
- المصدر السابق (15/ 273).
- مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (1/ 520).
- المصدر السابق (1/ 520).
- المستدرك على مجموع الفتاوى (1/ 143).
- طبقات الحنابلة (2/ 15).
- انظر: مفتاح الأفكار للتأهب لدار القرار (2/ 27)، وموارد الظمآن لدروس الزمان (4/ 66)، والمدهش (ص:418).
- حلية الأولياء (3/ 62).
- سير أعلام النبلاء (6/ 121).
- المصدر السابق (8/ 40).
- أخرجه الترمذي، أبواب الزهد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، باب ما جاء في هوان الدنيا على الله -عز وجل-، برقم (2320)، وابن ماجه، أبواب الزهد، باب مثل الدنيا، برقم (4110)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (5292).
- الدر الفريد وبيت القصيد (11/ 170).
- سير أعلام النبلاء (22/ 76).
- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (5/ 141).