الجمعة 27 / صفر / 1447 - 22 / أغسطس 2025
وَيَسْتَنۢبِـُٔونَكَ أَحَقٌّ هُوَ ۖ قُلْ إِى وَرَبِّىٓ إِنَّهُۥ لَحَقٌّ ۖ وَمَآ أَنتُم بِمُعْجِزِينَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ ۝ وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الأَرْضِ لاَفْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّواْ النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ [سورة يونس:53-54].
يقول تعالى: وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ أي: المعاد والقيامة من الأجداث بعد صيرورة الأجسام تراباً قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ أي: ليست صيرورتكم تراباً بمعجز الله عن إعادتكم كما بدأكم من العدم فـ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [سورة يــس:82]، وهذه الآية ليس لها نظير في القرآن إلا آيتان أخريان، يأمر الله تعالى رسوله أن يقسم به على من أنكر المعاد في سورة سبأ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَة قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ [سورة سبأ:3]، وفي التغابن زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [سورة التغابن:7]، ثم أخبر تعالى أنه إذا قامت القيامة يود الكافر لو افتدى من عذاب الله بملء الأرض ذهباً، وَأَسَرُّواْ النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ أي: بالحق، وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ.

قوله: وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ هذا على سبيل الاستهزاء والسخرية والتهكم بالنبي ﷺ، ويحتمل أن يكون المراد القرآن، ويحتمل أن يكون المراد البعث والآخرة، وقول من قال: إنه العذاب، يدخل في هذا، أَحَقٌّ هُوَ أحق قيام الساعة، وهذا هو الأقرب - والله أعلم - أن السؤال عن هذا وليس عن القرآن؛ لأن الله ذكر قبله ما يتعلق بالبعث والساعة، وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ، وبعد ذلك جاءت هذه الآية: وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ، وكذلك ما بعده من قوله: وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ، وقوله: وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الأَرْضِ لاَفْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّواْ النَّدَامَةَ، كل هذا في البعث والآخرة، وقوله - تبارك وتعالى -: وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الأَرْضِ لاَفْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّواْ النَّدَامَةَ، يحتمل أن يكون الذين أسروا الندامة هم عموم المكذبين بالبعث، أسروا الندامة من أجل أن لا يشمت بهم أهل الإيمان، فلا زال عندهم شيء من الجلد، وفي نفوسهم شيء من الأنفة، أسروا الندامة، رأوا الحقائق وشاهدوا وعاينوا تلك الغيوب التي أخبرهم عنها القرآن، رأوها عالماً مشهوداً، فعرفوا ما كانوا فيه من الباطل والمكابرة فأسروا الندامة، ويحتمل أن يكون المراد كما ذكر الحافظ ابن كثير - رحمه الله - هنا وَأَسَرُّواْ النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ الْعَذَابَ هنا ما ذَكَرَ مَن الذين أسروا الندامة، وقال كثير من المفسرين ومنهم ابن جرير - رحمه الله -: وَأَسَرُّواْ النَّدَامَةَ يعني أسرها الرؤساء عن الأتباع، فهم الذين أضلوهم وأغووهم وقالوا لهم: هذا كذب، ولا يمكن أن يكون، فلما رأى الأتباع الحقائق أسقط في أيديهم، فأسرّ هؤلاء الرؤساء الندامة كأنهم تخوفوا من الأتباع أن يعنفوهم، وهذا يحصل كما في قوله تعالى: رَبَّنَا هَؤُلاء أَضَلُّونَا [سورة الأعراف:38]، ووَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُواْ مِنَّا [سورة البقرة:167]، وهَؤُلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا وهكذا.
وَقُضِيَ بَيْنَهُم يحتمل أن يكون المعنى وقضي بين هؤلاء الناس، ويحتمل أن يكن المراد وقضي بين الرؤساء والأتباع كما قال الله حينما يدخلون النار: وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ [سورة غافر:47)]، فيحصل بينهم جدل ومحاجة، أولئك الرؤساء يقولون: إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ  [سورة غافر:48].