السبت 28 / صفر / 1447 - 23 / أغسطس 2025
قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِۦ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا۟ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وقوله تعالى: قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ أي: بهذا الذي جاءهم من الله من الهدى ودين الحق فليفرحوا فإنه أولى ما يفرحون به، هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ أي: من حطام الدنيا وما فيها من الزهرة الفانية الذاهبة لا محالة.


قوله: قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ  فضله: بعضهم فسره بالإسلام، وأن الرحمة هي القرآن، يعني قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ أي ما أنزل عليهم من هذا القرآن، وما أعلمهم الله على يد نبيه ﷺ، فمن السلف من فسر الفضل بهذا، والرحمة بالقرآن، ومنهم من عكس، فقال: بِفَضْلِ اللّهِ  يعني بالقرآن، والرحمة يعني الإسلام، وابن القيم - رحمه الله - جمع بين هذه المعاني قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ  بفضله وبرحمته بما أنزل من القرآن وهدى إلى الإسلام، فالقرآن يهدي للتي هي أقوم، وهو كتاب الله الذي يبين فيه عن الإسلام، فمن اتبعه فهذا هو الإسلام، ولا منافاة بين المعنيين، قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ، هذا هو الفرح المطلوب الذي يحبه الله ، هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ أي: من حطام الدنيا وزهرتها الفانية، يعني يفرحون بالإسلام ويفرحون بالقرآن وبتعلمه والاشتغال به، هذا الذي يُفرح به، وليس العقارات والأموال والتجارات والمكاسب الدنيوية الحقيرة، وإنما هذا الذي ينبغي أن يُشتغل به، وأن تعقد عليه الخناصر.
 

فائدة من كتاب أضواء البيان للإمام الشنقيطي رحمه الله:
قوله تعالى: قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ ۝ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ [سورة المؤمنون:112-113] قال الشنقيطي - رحمه الله -:
في هذه الآية سؤال معروف وهو أنهم لما سئلوا يوم القيامة عن قدر مدة لبثهم في الأرض في الدنيا، أجابوا بأنهم لبثوا يوماً أو بعض يوم مع أنه قد دلت آيات أخر على أنهم أجابوا بغير هذا الجواب، كقوله تعالى: يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا [سورة طـه:103]، والعشر أكثر من يوم أو بعضه، وكقوله تعال: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ  [سورة الروم:55]، والساعة أقل من يوم أو بعضه، وقوله: كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا [سورة النازعات:46]، وقوله: كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ، وقوله تعالى: لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ [سورة الأحقاف:35] وقد بيّنا الجواب عن هذا السؤال في كتابنا: (دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب) في الكلام على هذه الآية بما حاصله: أن بعضهم يقول: لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ويقول بعض آخر منهم: لبثنا ساعة، ويقول بعض آخر منهم: لبثنا عشراً، والدليل على هذا الجواب من القرآن أنه تعالى بيّن أن أقواهم إدراكاً وأرجحهم عقلاً وأمثلهم طريقة هو من يقول: إنهم ما لبثوا إلا يوماً واحداً، وذلك في قوله تعالى: يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا ۝ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا [سورة طـه:103-104] فالآية صريحة في اختلاف أقوالهم، وعلى ذلك فلا إشكال، والعلم عند الله.