يقول تعالى لرسوله ﷺ: ولا يحزنك قول هؤلاء المشركين واستعن بالله عليهم، وتوكل عليه فإن العزة لله جميعاً، أي جميعها له ولرسوله وللمؤمنين هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ أي: السميع لأقوال عباده العليم بأحوالهم، ثم أخبر تعالى أن له ملك السماوات والأرض، وأن المشركين يعبدون الأصنام وهي لا تملك شيئاً لا ضراً ولا نفعاً، ولا دليل لهم على عبادتها، بل إنما يتبعون في ذلك ظنونهم وتخرصهم وكذبهم وإفكهم، ثم أخبر أنه الذي جعل لعباده الليل ليسكنوا فيه، أي يستريحون فيه من نَصَبهم وكلالهم وحركاتهم، وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا أي: مضيئاً لمعاشهم وسعيهم وأسفارهم ومصالحهم إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ أي: يسمعون هذه الحجج والأدلة فيعتبرون بها، ويستدلون على عظمة خالقها ومقدرها ومسيرها.
فقوله - تبارك وتعالى -: وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ: وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ أي تكذيبك واتهامك بأنك ساحر وشاعر أو كذاب، أو غير ذلك مما يصدر عنهم من ألوان الإعراض والتكذيب والمكابرة، كما قال الله في مواضع من كتابه: وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ [سورة النمل:70] فنهاه عن الحزن عليهم، فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ [سورة الكهف:6] أي: مُهلك نفسك عَلَى ءاثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا فهذا كله تسلية للنبي ﷺ؛ لأن الله قدر ما قدر من الهدى والضلال عن علم وحكمة، وما على الأنبياء إلا البلاغ، وهكذا من جاء بعدهم من الدعاة إلى الله - تبارك وتعالى - إنما يبلغون الناس ويدعونهم وليس على أحد هداية الخلق، وإنما ذلك يختص بالله ، وقوله هنا: إِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا هذا لا ينافي قوله: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [سورة المنافقون:8]، فالعزة التي تكون للرسول ﷺ وللمؤمنين هي مستمدة من عزة الله ، فإنما يحصل لهم ذلك بإعزاز الله لهم، فالعزة لله جميعاً، وقوله - تبارك وتعالى -: وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ شُرَكَاء هذا أيضاً لا ينافي قوله - تبارك وتعالى - في الآيات الأخرى قُلِ ادْعُواْ شُرَكَاءكُمْ [سورة الأعراف:195] ونحو ذلك مما جاء في القرآن، فسماهم شركاء، وهنا نفى عنهم أن يكونوا شركاء، فالآيات التي سماهم فيها شركاء، هذا باعتبار نظر هؤلاء الكفار، فهم نزلوها هذه المنزلة، والخطاب في القرآن يأتي كثيراً باعتبار نظر السامع ومراعاة لحاله، سواء كان يعتقد المخاطِب، صحته أو لا يعتقد صحته، مثل قوله: قُلِ ادْعُواْ شُرَكَاءكُمْ، أو قولهم: يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ [سورة الحجر:6] فهم لا يؤمنون أنه نزل عليه الذكر، فالحاصل أن هذا كثير في القرآن فبيّن حقيقتهم وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ شُرَكَاء إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ، وقوله هنا: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا النهار مبصراً: أي تبصرون فيه، ينجلي الظلام وينطلق الناس في معايشهم ومصالحهم، هذا هو المعنى، فأضاف الإبصار إليه، وذلك على طريقة العرب، فخاطبهم بما يعهدون من المخاطبة، وإن كان النهار في نفسه لا يبصر، وإنما الناس هم الذين يبصرون في النهار، ولكن العرب تعبّر بهذا كثيراً وتضيف الإبصار إلى النهار فعبر بمعهودهم.