الثلاثاء 15 / ذو القعدة / 1446 - 13 / مايو 2025
وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وقوله: وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ أي: بالشرك لقوله تعالى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [سورة لقمان:] من باب العام المراد به الخصوص، وإلا فظاهر اللفظ العموم؛ لأن كلمة ظلم نكرة في سياق النفي وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ أيّ ظلم صغير أو كبير، هذا ظاهر اللفظ، فمن فسره بأنه الشرك يعني: بشركٍ قال: إن هذا من العام المخصوص؛ كقوله - تبارك وتعالى -: الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ [سورة الأنعام:82] فهذه مثلها باعتبار أن ظاهرها العموم نكرة في سياق النفي، والنبي ﷺ فسر تلك بآية لقمان إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ فيكون المعنى على هذا التفسير: أي أن الله لم يكن يهلك القرى بشركٍ، أي: بسبب إشراكهم - فالباء للسببية - إلا ومعه أمر آخر؛ يعني أن الله أهلك قوم شعيب لأنهم كانوا يطففون - مع الشرك - المكاييل والموازين، وقوم لوط لأنهم يفعلون الفاحشة، وهكذا فما كان الهلاك واقعاً بهم لمجرد إشراكهم، أو بسبب إشراكهم فحسب؛ بل لا بد أن يكون معه أمر آخر من الظلم، والفساد المتعدي، وعلى هذا يكون قوله: بِظُلْمٍ يرجع إلى المفعول المهلَكين، وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ أي: بظلم واقع منهم أي بشرك حاصل منهم، فلا بد أن يكون معه أمر آخر، والمعنى الثاني: أن قوله: بِظُلْمٍ حال من الفاعل، وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ أي: وهو ظالم لهم كما قال الله : وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ [سورة هود:101] أي: أنه لم يقع هذا الإهلاك والتدمير الذي قص الله فيه أخبارهم، وما جرى لهم من المثُلات، وهو ظالم لهم، وإنما كان ذلك بسبب ظلمهم هم، وعصيانهم، وكفرهم بالله ، وهذا المعنى هو المعنى الراجح، والمعنى الأول لا حاجة إليه، فالأصل فيما ظاهره العموم أنه محمول على الظاهر إلا لدليل يدل على أنه يراد به خلاف الظاهر، ولا يوجد، والأمر الثاني أن الشرك هو أعظم الظلم، أكبر الجرائم، فهو وحده يكفي لإهلاكهم، وتدميرهم، ولا حاجة لأن يكون عندهم جرائم أخرى مع الشرك - والله أعلم -.