"قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ أي: الذين وعدت إنجاءهم؛ لأني إنما وعدتك بنجاة من آمن من أهلك، ولهذا قال: وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ [سورة المؤمنون:27]، فكان هذا الولد ممن سبق عليه القول بالغرق لكفره، ومخالفته أباه نبي الله نوحاً ، وقوله: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ أي: الذين وعدتك نجاتهم.
وروى عبد الرزاق عن ابن عباس - ا - قال: "هو ابنه غير أنه خالفه في العمل، والنية".
قال عكرمة في بعض الحروف: "إنه عَمِل عملاً غير صالح"".
نادى نوح ﷺ ربه، دعاه فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي أخذاً من العموم في قوله: وَأَهْلَكَ، و"أهل" أضيف إلى المعرفة - كاف الخطاب - فأكسبه العموم، فنوح - عليه الصلاة والسلام - احتج بهذا، فبيّن الله له أن هذه اللفظة لا تدل على العموم، فقال: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ أي: ليس من أهلك الموعود بنجاتهم؛ وذلك أنه لم يكن على دينه، وليس معنى ذلك قطعاً أنه ليس ولداً له، وأنه كان مولوداً على فراشه، وأن امرأته خانته، فالله لا يختار للأنبياء امرأة تخون، فالمرأة امرأة النبي ولو كانت كافرة إلا أن الله يحفظ العرض؛ لأن ذلك يدنس شرف الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام -، ولا يمكن أن يقع إطلاقاً، ولا يجوز لأحد أن يورد في التفسير قولاً يشتمل على مثل هذه القبائح، وللأسف يوجد في بعض كتب التفسير من يورد مثل هذا، ولو كان يذكره من جملة الأقوال، ولا يعتمده، لكن إيراده بمجرده رزية وخطأ، ولا يليق بحال، ومثل هذا يعرض عنه، قال: إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ عمل هذا الولد غير صالح، يمكن أن يكون هذا على سبيل المبالغة كأنه جعله نفس العمل مبالغةً في ذمه - والله أعلم - هذا على قراءة الجمهور، وابن جرير يفسر هذه القراءة - قراءة الجمهور - إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ: أن ذلك لا يرجع إلى الولد، وإنما يرجع إلى السؤال سؤال نوح قال: إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ، فالله قال له: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ يعني هذا السؤال، فَلا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ هذا اختيار ابن جرير: أن سؤالك في غير محله، فَلا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ، وربما يحتج لهذا بأنه عقبه بالفاء فَلا تَسْأَلْنِي لأنها لترتيب ما بعدها على ما قبلها، والأول أشهر، وعليه عامة أهل العلم، وهو الأقرب إِنَّهُ عَمَلٌ أي: الولد، غَيْرُ صَالِحٍ، وعلى قراءة الكسائي وهي متواترة: إِنَّهُ عَمِلَ: يعني الولد، أي أنه كفر بالله ، فعمله سيئ وشر لا يحبه الله .