"قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ [سورة هود:48].
يخبر تعالى عما قيل لنوح حين أرست السفينة على الجودي من السلام عليه، وعلى من معه من المؤمنين، وعلى كل مؤمن من ذريته إلى يوم القيامة كما قال محمد بن كعب: "دخل في هذا السلام كل مؤمن، ومؤمنة؛ إلى يوم القيامة، وكذلك في العذاب، والمتاع؛ كل كافر، وكافرة إلى يوم القيامة".
قوله - تبارك وتعالى -: قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ، قاله الله ، والفعل وإن بني للذي لم يسم فاعله إلا أن هذا القول يدل على قائله: اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ [سورة هود:48]، وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ، بعض أهل العلم يقول: أي ناشئة ممن معك، أمم توجد، وتولد، وتتفرع ممن معك، وأمم ممن معك تنشأ؛ لأن ذرية نوح ﷺ هم الباقون كما أخبر الله - تبارك وتعالى -، فهؤلاء الأمم الناشئة هم المتشعبون من ذريته - عليه الصلاة والسلام -، الذين كانوا معه، وبعض أهل العلم يقول: وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ: الذين كانوا مع نوح - عليه الصلاة والسلام - أمم، فبنو آدم أمة، والطير أمة، وهكذا، وكل نوع من الطيور أمة، أو كل جنس من الوحش، أو غيره؛ ولهذا يقول الله - تبارك وتعالى -: وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم [سورة الأنعام:38] فكلها أمم، ويمكن أن يكون وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ يعني: هذه الطيور، والحيوانات، وألوان الدواب، إضافة إلى الآدميين، وبعض أهل العلم يقول: وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ يعني: من كان مؤمناً من ذريتهم، مِّمَّن مَّعَكَ، فتكون (من) تبعيضية.
"وقال محمد بن إسحاق: لما أراد الله أن يكف الطوفان أرسل ريحاً على وجه الأرض، فسكن الماء، وانسدت ينابيع الأرض الغوط الأكبر، وأبواب السماء يقول الله تعالى: وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ الآية، فجعل الماء ينقص، ويغيض، ويدبر، وكان استواء الفلك على الجودي فيما يزعم أهل التوراة في الشهر السابع لسبع عشرة ليلة مضت منه.
وفي أول يوم من الشهر العاشر رُئي رؤوس الجبال، فلما مضى بعد ذلك أربعون يوماً فتح نوح كوة الفلك التي ركب فيها، ثم أرسل الغراب لينظر له ما صنع الماء؛ فلم يرجع إليه، فأرسل الحمامة فرجعت إليه، لم تجد لرجليها موضعاً، فبسط يده للحمامة فأخذها فأدخلها، ثم مضى سبعة أيام، ثم أرسلها لتنظر له فرجعت حين أمست وفي فِيها ورق زيتون، فعلم نوح أن الماء قد قلَّ عن وجه الأرض، ثم مكث سبعة أيام، ثم أرسلها؛ فلم ترجع، فعلم نوح أن الأرض قد برزت، فلما كملت السنة فيما بين أن أرسل الله الطوفان إلى أن أرسل نوح الحمامة، ودخل يوم واحد من الشهر الأول من سنة اثنتين برز وجه الأرض، وظهر البر، وكشف نوح غطاء الفلك، وفي الشهر الثاني من سنة اثنتين في ست وعشرين ليلة منه قيل: يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا الآية".
هذه من الروايات الإسرائيلية التي لا تصدق، ولا تكذب، وليس وراء العلم بها فائدة، وكان الأولى أنها لا تذكر في مثل هذا المختصر.