فقوله - تبارك وتعالى -: وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا مدين هم قبيلة من العرب، قيل: سميت بذلك نسبة إلى أبيهم مدين بن إبراهيم، وقيل: نسبة إلى مدينتهم التي يقال لها مدين - والله أعلم -.
وقوله: يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ، كل الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - أول ما يدعون أقوامهم إلى التوحيد، إلا أن لوطاً ﷺ في جميع المواضع التي وردت في القرآن لم يأت عنه أنه خاطبهم كخطاب الأنبياء، بل قال لهم: أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ [سورة الأعراف:80]، وقد فهم من هذا الخطاب بعض أهل العلم أن قوم لوط لم يكن عندهم إشراك كما عند الأمم الأخرى المكذِّبة، وهذا ليس بلازم، ونهيهم عن الفاحشة؛ لأنهم أول من ابتكرها، ولا شك أنهم كفار، فقد كذبوا نبيهم، واستهزءوا به، وسخروا منه، وممن آمن معه غاية السخرية، وقالوا: أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ [سورة الأعراف:82].
وأما شعيب - عليه الصلاة والسلام - فبعد أن دعا قومه إلى التوحيد قال لهم: وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ [سورة هود:84] أي: في معيشتكم، ورزقكم.
قوله: إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ [سورة هود:84] أي: إني أخاف أن يُسلب ما أنتم فيه بانتهاككم محارم الله، وبعضهم فسر الخير برخص الأسعار، وبعضهم فسره بزينة الحياة الدنيا، والغنى الذي هم فيه، وهذه المعاني لا منافاة بينها، فكانوا في حالة متعة في الأمور الدنيوية، لم يكن بهم قحط، ولا جوع، وهذا الفعل القبيح منهم يؤدي إلى سلبهم هذه النعمة، وفساد الحال، وتحول الأمور عنهم، وقد قال ناهياً عن نقصان الميزان: وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً [سورة الإسراء:35]، وقال: وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ [سورة المطففين:1-4].